{myadvertisements[zone_1]}
انتظار إبليس
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
انتظار إبليس
أعجب ما في قصة آدم حالة إبليس وتمرده تجاه الله وتجاه آدم , فإنها من أعجب ما جال فيه الفكر الإنساني من تصوير المحال

إن إبليس بعد لعنه وطرده من الجنة ما أفرخ روعه ولا خمدت ثائرته , بل صمم على الانتقام والعبث في حلق الله فاستنظر الله إلى يوم القيامة لينتقم من آدم وذريته فيضلهم ويغويهم ويلعب بهم لعب الحزاورة بكرة القدم ويأخذهم أخذ الجلاوزة للسراق , وقد أجابه الله فوراً بلا قيد ولا شرط إلى ما أراد فانظره (1) وعند ذلك ثار ثائره وفار فائره , فوقف أمام الله يزيد ويرعد ( وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً * ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليُغَيِّرُنّ خلق الله ) (2) , وآدم لا ذنب له فلا هو جارم على إبليس ولا هو جان ٍ عليه , وإنما الله هو الذي أمره بالسجود له فبقي إبليس منذ ذلك اليوم يعبث بخلق الله ويعبث في الأرض فساداً على مرأى ومشهد من الله , حتى أنه لم ينجُ من شره ولم يتخلص من غوايته وضلاله إلا شرذمة من بني آدم كما قال : ( لأحتنكن ذريته إلا قليلاً ) (3)

إن الملائكة لم يؤمروا بالسجود لآدم إلا تكرمة له , ويا ليته لم ينل هذه التكرمة التي لا تعادل عشر معشار ما لقي هو وذريته من الهوان بتسليط إبليس وأبنائه الشياطين عليه وعلى ذريته إلى يوم الدين , فإن التكريم الذي لقيه في ساعة قصيرة من السجود كان ثمنه هوان الدهر لا عليه وحده بل عليه وعلى جميع أبنائه إلى يوم القيامة

وإن كان هذا عجيباً فأعجب منه السبب الداعي إليه , وإليك ما جاء في سورة سبأ بياناً لهذا السبب قال : ( ولقد صدًّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ) (1) أي ما كان تسليط إبليس عليهم بالوسوسة والاستغواء إلا لهذا الغرض وهو أن يعلم الله من يؤمن بالآخرة ومن يشك فيها
ولقد مرّ على آدم وذريته ألوف القرون , وبعث الله إليهم ألوفاً من الأنبياء والمرسلين , وآتاهم من الآيات والمعجزات ما يحير العقول , وأنزل معهم الملائكة من السماء , ووعد من آمن بهم فراديس الجنان بما فيها من حور وغلمان , وأوعد من كفر بهم جهنم بما فيها من جحيم ونيران , وأهلك من أجلهم أمماً كثيرة بالطوفان , وقلت بهم المدن فجعل عاليها سافلها , وأرسل عليهم الحواصب وأخذهم بالصيحة , وخسف بهم الأرض, ومسخ بعضهم قردة وخنازير فما اعتبروا ولا أطاعوا , ولا هدتهم البينات من الآيات , ولا أطمعهم الوعد ولا أخافهم الوعيد , بل استمر أكثرهم على أتباع إبليس منغمسين معه في الكفر والضلال , ولكنا مع هذا كله نرى لم يزل مسلطاً عليهم إبليس , لماذا ؟ ليعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك , فهلا جرب الله منهم عكس هذا بأن يرفع عنهم هذا البلاء فيمنع إبليس من إضلالهم وإغوائهم ولو يوماً واحداً , لعل المؤمنين بالآخرة منهم يزيدون والشاكين فيها يقلون , لأن إبليس هذا هو الذي سبب كثرة الشاكين وقلة المؤمنين , ( ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ) (2) , فيا لها من سجدة للتكريم أنتجت لآدم وبنيه كل عذاب أليم , وبعداً ثم بعداً لإبليس من لعين رجيم , ولله در أبي نؤاس إذ قال فيه :
تاه على آدم في سجدة وصار قواداً لذريته

قصة آدم على ما نراه
هذه هي قصة أدم مع إبليس , وقد أخذنا فيها بالإجمال والاختصار , ولو أتينا بتفاصيلها لطال الكلام وهي في أصلها من خرافات بني إسرائيل في التوراة فأخذت منها وذكرت في القرآن بتصرف , فجاء في التصرف فيها على وجه يجعلها مؤدية إلى المغزى والغرض المقصود من إيرادها في القرآن والذي نراه أن المراد منها لا حقيقتها إذ لا حقيقة لها , وإنما المراد تصوير ما لله من قدرة باهرة وسلطان قاهر وحكم مطلق وأنه تعالى لا يسأل عما يفعل , يرفع من يشاء ويضع من يشاء , فيأمر الفاضل من عباده بالسجود للمفضول منهم تكرمة له , وإنه في ملكوته الواسع العظيم لا فرق عنده أوان الخلق والإيجاد بين الصالحين من عباده المظهرين وبين المفسدين السافكين للدماء , وإنه خالق الأسباب ومسبباتها فمنه الخير ورمزه الملائكة المعصومون , ومنه الشر ورمزه الشياطين الملعونون , فإن شاء تكريم أحد من عباده المفسدين أسجد له الملائكة من عباده المطهرين وأسكنه الجنة التي هي المثل الأعلى لسعادة الحياة , وإن شاء مسخ أحداً من عباده المعصومين مسخة وجعله من الملعونين, لا موجود سواه ولا عابد ولا معبود لولاه , هذا هو المغزى وهو الغرض المقصود من قصة خلق آدم كلها , وليس المقصود حقيقتها , فهي تصوير وتمثيل ورمز وتلميح , وعلى وجه تدركه عقول السواد الأعظم من الناس وإلا فلا آدم ولا حواء ولا ملائكة ولا سجود , ولا جنة ولا إبليس , ولله در الشيخ الأكبر حيث قال:
جحودي لك تقديس وعقلي فيك منهوس
فمـــــــا آدم إلاك ولا في الكون إبليس

(1) سورة الأعراف , الآيتان : 14-15 0 ( قال انظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين ) 0 (2) سورة النساء , الآيتان : 118 – 119 0 (3) سورة الإسراء , الآية : 62 (1)سورة سبأ : 20 – 21 (2) سورة سبأ , الآية : 20 0
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب العراقي معروف الرصافي0

11-11-2007, 07:20 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  في انتظار معجزة من ابو المعجزات مسلم 15 3,775 11-14-2010, 06:42 PM
آخر رد: مسلم
  معجزات إبليس وضرباته للثورة الدينية الإصلاحية مؤمن مصلح 1 1,265 03-23-2010, 03:31 PM
آخر رد: بوشاهين البحراني
  أتباع إبليس وجهنم مؤمن مصلح 1 588 08-20-2008, 12:49 AM
آخر رد: مؤمن مصلح
  إبليس و الشيطان هل هما اسمين لنفس الشخص ام شخصان مختلفان؟ التحليل من القرآن Romeo 32 6,009 08-01-2007, 10:36 AM
آخر رد: Romeo
  الرد على تلبيس إبليس فى أوهام ملوك الكدب و التدليس الزعيم رقم صفر 108 19,569 02-17-2007, 08:31 PM
آخر رد: الصفي

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 3 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS