[center](3) كيف تخلصت من عقدة النقص (How I Got Rid of an Ineriority Complex)
بقلم Elmer Thomas العضو السابق في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية أوكلاهوما -Former United States Senator from Oklahoma-
[/center]
عندما كنت في الخامسة عشرة من العمر كنت ممزقا بشكل دائم تحت وقع مشاكل تتعلق بالقلق والخوف والوعي الذاتي. كنت طويلا جدا مقارنة بعمري، كما كنت نحيفا جدا. كان طولي 6 أقدام و2 إنش (حوالي 186 سم) ووزني 118 باوندا (حوالي 53.5 كيلوغرام). على الرغم من طولي الفارع إلا أنني كنت ضعيفا ولم أستطع منافسة الأولاد الآخرين في ألعاب مثل كرة القاعدة (baseball) أو ألعاب الجري. كانوا يسخرون مني ويطلقون علي الألقاب. كنت قلقا جدا من حالي إلى درجة أنني أخاف من التعرف على أي شخص، وبالكاد فعلت، لأن مزرعتنا كانت بعيدة عن الطريق العام ومحاطة بغابة عذراء من الأشجار الضخمة التي لم يلمسها أحد منذ وجدت. كانت المزرعة تبعد نصف ميل عن الطريق العام؛ وقد يمضي أسبوع قبل أن أرى أي إنسان عدا أمي، أبي، وإخوتي وأخواتي.
كنت سأتحول إلى إنسان فاشل لو أنني سمحت لتلك المخاوف بالتغلغل إلى داخلي. كل يوم وكل ساعة من كل يوم، كنت أجلس قلقا وحزينا بسبب طولي الفارع، وجسدي النحيل الضعيف. كنت بالكاد أفكر بأي شيء آخر. كان خجلي وخوفي شديدا إلى درجة يصعب وصفها، بل يستحيل وصفها. أمي كانت تعرف ماهية شعوري، لأنها كانت مُدرّسة، لذلك قالت لي يوما، "بني، يجب عليك أن تحصل على التعليم، يجب عليك أن تحصل على رزقك باستخدام عقلك لأن جسدك قد يبقى على هذه الحالة طوال عمرك."
بما أن والدي كانا عاجزين عن إرسالي إلى الكلية، عرفت بأنه يتوجب علي شقُّ طريقي بنفسي؛ لذلك بدأت بنصب الفخاخ لحيوانات الأوبوسوم (opossum)، الظربان (skunk)، القندس (mink)، والراكون (raccoon) خلال أحد فصول الشتاء؛ قمتُ ببيع غنائمي مقابل أربعة دولارات في الربيع، ثم اشتريت خنزيرين بالدولارات الأربع. قمت بتغذية الخنزيرين ثم بعتهما لاحقا خلال الخريف بأربعين دولارا.
بالمال الذي حصلت عليه من بيع الخنزيرين التحقت بالكلية Central Normal College - الموجودة في دانفيل، إنديانا (Danville, Indiana). كنت أدفع دولارا وأربعين سنتا في الأسبوع لدراستي وخمسين سنتا أسبوعيا إيجارا لغرفتي. كنت أرتدي كنزة بنية اللون كانت أمي قد حاكتها لي. (من الواضح أنها اختارت اللون البني لأنه سيخفي الأوساخ التي تتراكم على الكنزة). كانت ملابسي جميعها من ملابس والدي. ملابس والدي لم تكن تناسبني ولا حتى حاؤه القديم من جلد التمساح الذي كنت أرتديه - كانت الرباطات التي تستخدم لشد الحذاء وتمكينه على الأقدام غير موجودة، لذلك كان الحذاء مرخيا جدا إلى درجة أنه كاد يفلت ويقع من على قدمي كلما كنت أمشي. كنت خجلا جدا من الإختلاط بزملائي في الدراسة، لذلك كنت أقضي وقتي في غرفتي أدرس لوحدي. أعظم أمنياتي في تلك الفترة كانت أن أكون قادرا على شراء بعض الملابس الجديدة التي تناسبني، ملابس لا أكون خجلا من ارتدائها.
خلال فترة قصيرة، حصلت أربع أحداث ساعدتني على تخطي قلقي وشعوري بالنقص. أحد تلك الأحداث منحني الشجاعة والأمل والثقة بالنفس، وأدى إلى تغيير مجرى حياتي إلى الأبد. سأصف لكم تلك الأحداث بصورة مختصرة.
أولا: بعد الدراسة في الكلية لمدة ثماني أسابيع فقط، تقدمت إلى امتحان وحصلت على شهادة تؤهلني لتدريس الصف الثالث الإبتدائي في المدرسة الريفية. كانت الشهادة صالحة لمدة ستة أشهر فقط، لكنها كانت دليلا صارخا على أن هناك من يثق بي ويؤمن بقدراتي - أول دليل على الثقة أحصل عليه من أي إنسان عدا أمي.
ثانيا: أحد المدارس الوقاعة في منطقة اسمها "هابي هولو" (Happy Hollow) قامت بتوظيفي للتدريس فيها مقابل دولارين يوميا كراتب، أو أربعين دولارا شهريا. هذا كان دليلا آخر صارخا على أن أحدهم يثق بي.
ثالثا: حالما حصلت على شيك الراتب الأول، قمت بشراء ملابس جديدة - ملابس لم أكن خجلا من ارتدائها. لو أعطاني أحدهم مليون دولار الآن لن يكون لها نصف الأثر النفسي الرائع الذي منحتني إياه أول مجموعة من الملابس الجديدة التي دفعت ثمنها دولارات قليلة.
رابعا: نقطة التحول الحقيقية في حياتي، النصر الأول العظيم في صراعي مع الحرج والشعور بالنقص، حدث ذلك في حفل بتنام الخيري (Putnam Country Fair) والذي يقام سنويا في بينبريدج، إنديانا (Bainbridge, Indiana). كانت أمي تحثني على الإشتراك في مسابقة للخطابة (Public Speaking) كانت تقام خلال ذلك الحفل. بالنسبة لي، كانت فكرة رائعة. لم أكن أملك الشجاعة الكافية للتحدث مع شخص واحد - فما بالكم بالتحدث إلى حشد من البشر! لكن ثقة أمي بي وإيمانها بقدراتي كان تقريبا مثيرا للشفقة. كانت تحلم لي بمستقبل رائع. كانت تعيش حياتها التي كانت تتمناها من خلال ابنها. إيمانها ألهمني الشجاعة للإشتراك في المسابقة. إخترت للمسابقة موضوعا كنت آخر شخص في العالم مؤهلا للحديث عنه: "الفن الليبرالي الراقي لأمريكا" (The Fine Liberal Arts of America). بصراحة، عندما بدأت التحضير للخطاب لم أكن اعرف ما هو الفن الليبرالي من الأساس، لكنني لم أهتم لأن جمهوري لم يعرف ما هو أيضا. حفظتُ خطابي عن ظهر قلب وقمت بالتدرب على إلقاءه أمام الأشجار والماشية مئات المرات. كنت متلهفا لإلقاء أفضل خطاب لأجل أمي إلى درجة أنني وضعت مشاعري وأحاسيسي كلها في ذلك الخطاب. زفي النهاية، فزت بالجائزة الأولى للمسابقة. كنت مصعوقا بسبب ما حصل. تعالت الهتافات بين الحشد الذي كان حاضرا. نفس الأولاد الذين سخروا مني وضايقوني وأطلقوا علي الألقاب المؤذية ونحن صغار يصفقون لي الآن ويربتون على كتفي ويقولون، "كنت أعلم أنك قادر على الفوز، إلمر." أحاطتني أمي بذراعيها، وبكت.
عندما أنظر إلى الماضي لأتذكر ذلك الإنجاز، أستطيع أن أحكم أن الفوز في مسابقة الخطابة كانت نقطة التحول في حياتي. كتبت الصحيفة المحلية مقالا عني على الصفحة الأولى، وتنبأ المقال بمستقبل باهر ينتظرني. الفوز في تلك المسابقة وضعني على الخريطة المحلية ومنحني احتراما ومكانة في المجتمع المحلي، وما هو أهم من ذلك كله، لقد ضاعف ذلك الفوز ثقتي بنفسي مئة ضعف. أدرك الآن أنني لو لم أفز في تلك المسابقة، ربما لم أكن لأصبح عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي، لأن ذلك الفوز رفع من معنوياتي، وساهم في توسيع آفاقي، وجعلني أدرك أنني أمتلك موهبة لم أكن أحلم بامتلاكها يوما ما. وأهم ما في الموضوع، أن الجائزة الأولى للمسابقة كانت عبارة عن منحة دراسية لمدة سنة كاملة في كلية Central Normal College.
كنت تواقا الآن لمزيد من التعلم. لذلك، وخلال السنوات القليلة التي تلت – من عام 1896 إلى عام 1900 – قمتُ بتقسيم وقتي ما بين التدريس والدراسة. ومن أجل دفع تكاليف دراستي في جامعة دي باو (De Pauw University)، قمت بالعمل كنادل، قمت بتنظيف الأفران، قمت بجز العشب في الحدائق، عملت في مكتبة، عملت في حقول القمح والذرة خلال الصيف، وعملت في أعمال بناء الطرق مع شركة إنشاءات.
في عام 1896، عندما كنت في التاسعة عشر من العمر فقط، قمت بإلقاء ثمانٍ وعشرين خطابا، أحثُّ الناس على انتخاب ويليام جينينجز بريان (William Jennings Bryan) لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. الحماسة التي تملكتني أثناء إلقاء تلك الخطب زرعت في نفسي الرغبة في دخول ميدان السياسة. لذلك عندما التحقت بجامعة دي باو (De Pauw University)، قمت بدراسة الحقوق والخطابة (Law and Public Speaking). وفي عام 1899 قمت بتمثيل الجامعة في مناظرة مع كلية بتلر (Buttler College)، أقيمت في إنديانابوليس (Indianapolis)، وكانت حول العنوان "أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يجب أن يتم اختيارهم بالإنتخاب المباشر من الشعب." فزت بمسابقات خطابة أخرى وأصبحت رئيس تحرير النشرة السنوية لصف عام 1900، The Mirage، وجريدة الجامعة، The Palladium.
بعد تخرجي من جامعة دي باو (De Pauw University)، أخذت بنصيحة هوراس جريلي (Horace Greeley) – لكنني لم أتجه نحو الغرب. إتجهت نحو الجنوب الغربي، إلى مدينة جديدة اسمها: أوكلاهوما (Oklahoma). عندما تم افتتاح محميات هنود الكيوا (Kiowa)، الكومانشي (Comanche)، والأباتشي (Apache)، قمت بالإستقرار هناك وافتتحت مكتبا للمحاماة في لوتون، أوكلاهوما (Lawton, Oklahoma). قمت بالخدمة في مجلس شيوخ أوكلاهوما لثلاثة عشرة سنة، وفي الدرجات الدنيا للكونجرس لأربع سنوات، وفي سن الخمسين، قمت بتحقيق حلم حياتي: تم انتخابي في مجلس شيوخ الولايات المتحدة الأمريكية عن ولاية أوكلاهوما. وقد خدمت في ذلك المنصب منذ الرابع من مارس عام 1927. منذ أن أصبحت أوكلاهوما والمحميات الهندية "ولاية أوكلاهوما" في السادس عشر من تشرين ثاني من عام 1907، كنت أحظى بالتكريم الدائم من الديمقراطيين في ولايتي عن طريق الترشيح – أولا لمجلس أعيان الولاية، ثم لمجلس شيوخ الولاية، ثم لمجلس شيوخ الولايات المتحدة الأمريكية.
لم أروي هذه الرواية لأتبجّح بإنجازاتي التي لا يمكن أن تُهم أي إنسان آخر غيري. لقد رويت هذه القصة على أمل أن تعطي قصة أملا وشجاعة متجددين لبعض الأطفال المساكين الذين يعانون الآن من القلق والخجل وعقدة النقص التي حطّمت حياتي عندما كنت أرتدي ملابس والدي القديمة ونعليه الذين كادا أن يفلتا من قدمي طوال الوقت أثناء مشيي.
(ملاحظة الكاتب: من الجدير بالذكر أن إلمر توماس (Elmer Thomas)، والذي كان خجلا من ملابسه الرثة أثناء طفولته، تم اختياره لاحقا على أنه أكثر الرجال أناقة في مجلس شيوخ الولايات المتحدة الأمريكية).
أرجو أن لا تكون الترجمة ضعيفة جدا(f)