محاولات لتكميم صوت فيروز ومنعها من الغناء
هل يحق للإرث أن يشوه سيرة المطربة الكبيرة والأخوين رحباني؟
طباعة أرسل لصديق
القدس العربي اللندنية
25/ 06/ 2010
خرج صوت الخلاف المستحكم على الإرث الفني للأخوين رحباني بين السيدة فيروز وورثة الفنان منصور الرحباني من خلف الأبواب المغلقة إلى صفحات الصحف، ولم يعد بالإمكان إعادته إلى القمقم الذي حشر فيه منذ وفاة عاصي الرحباني في 21/6/1986. وبما أن الصحافة اللبنانية بدأت تتداول هذا الملف على نطاق محدود وكذلك محطات التلفزة، فقد سرت في أوساط اللبنانيين من محبي فيروز وهم كثر ما يشير إلى محاولات لتكميم صوتها ومنعها من الغناء، ولهذا بدأت تظهر دعوات على موقع 'الفايسبوك' تدعو اللبنانيين للإعتصام أمام وزارة الثقافة تضامناً مع فيروز دون تحديد الموعد.
على الصعيد الإعلامي المحلي كانت 'حكاية الأسوارة' قد أخذت طريقها بوضوح كلي ودون أية سواتر إلى صفحات جريدة 'الأخبار' التي نشرت يوم السبت الماضي وبمناسبة الذكرى الـ 24 لوفاة عاصي ملفاً من أربع صفحات كسرت فيه الصمت حول تلك الخلافات، والتي كان الراحل منصور الرحباني يبني حولها جداراً سميكاً جداً مانعاً تسربها للصحافة بأي شكل من الأشكال. وهكذا بات ملف الأخبار الصادر في 21/6 مرجعاً لكل من يرغب بالإطلاع التفصيلي على خفايا وخبايا العائلة الرحبانية التي كانت شبه ممنوعة من التداول في الماضي نظراً للهالة التي يحيط بها اللبنانيون الأخوين رحباني والسيدة فيروز. لكن هذا الملف لم يتضمن وجهة نظر ورثة منصور الرحباني لإمتناعهم عن الرد.
النشر الصحافي بدأ في جريدة 'الحياة' في منتصف شهر أيار(مايو)، وكذلك في مجلة الجرس ومن ثم في الأخبار. ولهذا تلقت المطبوعات الثلاث في 23 الجاري عريضة قدمها السادة مروان، غدي وأسامة منصور الرحباني لجانب قاضي الأمور المستعجلة في بيروت يطلبون من خلالها إصدار قرار معجل التنفيذ نافذ على أصله، بمنع جريدة 'الأخبار' وجريدة 'الحياة' ومجلة 'الجرس' من نشر أي أخبار أو معلومات تتعلق بالمستدعين ونزاعاتهم، أو الرحابنة وارثهم عموماً ولا سيما منصور وعاصي، مهما كان نوعها أو مصدرها أو طريقة نشرها أو بثها، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية كلها، تحت طائلة غرامة إكراهية لا تقل عن خمسمئة مليون ليرة عن كل مخالفة.
هذا وكلف القاضي الصحف المذكورة إبداء ملاحظاتها خلال 48 ساعة. وجاء في رد الأخبار المنشور في 24/6 أنها 'بالطبع على إقتناع تام بأن هذا الطلب يستوجب الرد جملة وتفصيلاً لعدم قانونيته'.
هذا وكان قاضي الأمور المستعجلة قد رد دعوى مماثلة طلب فيها ورثة منصور الرحباني منع برنامج 'مش غلط' الذي تبثه قناة 'أم تي في' اللبنانية من تناول العائلة الرحبانية، بعد إعلانه الترويجي عن ذلك. وجاء في حيثيات الرد الذي صدر عن القاضي بأن فن العائلة الرحبانية ملك عام، وأنه لا يستطيع المنع بناء على النوايا.
وفي إيجاز لسلسلة المقالات التي شغلت كامل حيز القسم الثقافي في جريدة 'الأخبار' يوم السبت الماضي وصولاً إلى الغلاف الذي تصدره عاصي وهو يحتضن إبنته ريما وهي طفلة، وتحت عنوان 'العاصي على الغياب'، يمكن القول أن غطاءً رفع عن ذلك الصمت المطبق الذي كان يحيط بعلاقات العائلة الرحبانية التي كان يتصورها الناس غاية في الوفاق.
وكانت الخلافات الرحبانية قد بدأت تظهر للعلن إثر وفاة منصور الرحباني حيث صدر قرار عن وزارة التربية بتدريس أدب وفن منصور الرحباني في المناهج التربوية. وكانت إثر ذلك إعتراضات عائلية وثقافية عامة إذ أن منصور الرحباني لا ينفصل عن عاصي الرحباني وهما معروفان بالأخوين، وهكذا تمّ تعديل القرار دون السماح لريما عاصي الرحباني بأن تشارك في صيغة هذا التعديل وهو قضى بتدريس أدب العائلة الرحبانية وأدب منصور الرحباني. الأمر الذي وجدت فيه السيدة فيروز إلغاءً لعاصي فأرسلت كتاباً إلى وزارة الثقافة تسجل إعتراضها لكنها لم تلق جواباً. وكرد على ما حصل قدمت ريما الرحباني في ذكرى وفاة والدها الـ23 فيلماً وثائقياً عنه تحت عنوان 'كانت حكاية' تحدثت فيه فيروز عن رفيق دربها، وكان لعاصي آراء كثيرة تمت منتجتها من سلسلة مقابلات متلفزة له.
في مسلسل الدعاوى القضائية ذُكر أن الراحل منصور الرحباني أرسل إنذاراً قضائياً للسيدة فيروز في 2 نيسان/أبريل 2008 يطالبها بدفع مبلغ 100 ألف دولار لأنها قدمت مسرحية 'صح النوم' التي ألفها مع عاصي دون الحصول على إذن من أحد مؤلفي وملحني المسرحية. وأن تقديم العروض في دمشق أدى إلى جنيها مردوداً فاق ملايين الدولارات، إضافة إلى حفلين غنائيين في البحرين من كلمات وموسيقى الأخوين دون الحصول على ترخيص من المدعي منصور الرحباني.
وهنا تقول مصادر السيدة فيروز أنها إقترحت عند التحضير للمسرحية إعطاءه حقوقه بقيمة خمسة آلاف دولار عن كل عرض إدراكاً منها بأن جمعية المؤلفين والملحنين الساسيم لا توزع الحقوق توزيعاً صحيحاً.
وفيما تسميه الأخبار حرباً من منصور الرحباني على فيروز وحصاراً لحفلاتها خارج لبنان، وجدت أنه بعد رحيله نقل ورثته هذه الحرب إلى لبنان وتحديداً كازينو لبنان، حيث كانت فيروز تتحضر لتقديم مسرحية 'يعيش يعيش'، وإذا بالإدارة تتسلم إنذاراً من ورثة منصور الثلاثة تطالب بالإمتناع عن عرض أي عمل للأخوين على أي من مسارح كازينو لبنان دون الحصول على موافقة من جميع الورثة. وحدد الإنذار مجموع 25 عملاً يمنع تقديمها.
مهما تكن حيثيات ومغريات الإرث يبقى على العائلة الرحبانية أن لا تشوه في أذهان اللبنانيين والعرب جميعاً تلك 'الحكاية' البهية. 'الحكاية' التي برعمت ونمت يوماً في 'ضيعة' إسمها إنطلياس ـ شمال بيروت ـ والمؤلفة من ثلاثة أبطال، وصارت مبعث الفرح والبهجة، والباعثة على الحلم والحرية، والمستدرجة إلى الحب البكر، الراسمة لأحلام الوطن والمواطنين، المنادية بإسم شوارع 'القدس العتيقة'، الذاكرة لـ 'يافا'. هذه الحكاية التي عرفناها بكل براءتها وصدقها وإبداعها، لا يحق للإرث ومغرياته، ولا للمال تشويهها.
http://www.al-akhbar.com/ar/taxonomy/term/15611%2C18903
اتركوا لنا فيروز
بيار أبي صعب
كانوا ثلاثة في هذه المغامرة الاستثنائيّة. ثلاثة تشكّلت حولهم الأسطورة. قولبوا ذائقتنا، وطبعوا ذاكرتنا، وصنعوا أوهامنا الجميلة، قصص حبّنا، مشاعرنا الوطنيّة والقوميّة أيضاً، أعمارنا الهاربة، مزاجنا الشعبي. في أرشيفهم كانت تختبئ حكاياتنا العابرة والخطيرة. رافقوا المحطّات الأساسيّة في تاريخنا المعاصر. أعادوا إنتاج الوطن الخرافي الذي ما زلنا نحاول أن نجعل منه وطناً. معاً اخترعوا تلك الخلطة بين القرية المثاليّة من جهة، بمفرداتها وناسها وفضاءاتها ووعيها للعالم، ومن الجهة الأخرى مفارقات الواقع الاجتماعي والسياسي التي تجد لها دائماً حلولاً سحريّة في وطن الأوبريت. ثم تركوا لنا أن نتدبّر المسائل، وحدنا، مع المقلب الآخر من الحقيقة. ماذا خلف ديكور الوطن النموذجي، وماذا وراء الأسطورة الرحبانيّة؟
وطن الرحابنة الذي غزا قلوب العرب، صار الصورة «الرسميّة» للبنان، تعكس سذاجة القرويين وطيبتهم، وحنين أهل المدن إلى زمن سعيد ولّى، وأحلام الطبقة الوسطى بالارتقاء والازدهار. أما الأسطورة، فكانوا ثلاثة يملكون سرّ معادلتها الخاصة والفريدة. عاصي الأب المؤسس، العبقري النزق والصعب المراس، صاحب الموهبة الخام والزخم الدائم. منصور الشاعر والمبدع، الرفيق المصغي والمكمّل، شريك التجربة وصائغها وحارسها. وأخيراً فيروز. المرأة ــــ الصوت التي حملت الأسطورة، أعطتها جسداً، تماهت معها مثلما تقمّصت بطلاتها على المسرح. صوت فيروز يختزل فنّ الرحابنة وتراثهم، بكلّ ما فيه من موسيقى وشعر، من قصص وأغنيات وحوارات وشخصيات. إنهارَ لبنان الأوبريت. ذهب عاصي، ثم لحق به منصور. ولم يبقَ لنا إلا فيروز. لا أحد يملك
أن يسكتها الآن. اتركوا لنا فيروز!
بحثاً عن السرّ... في ذكراه الرابعة والعشرين
بشير صفير
عاصي عبّر عن نفسه في فنّهعاصي عبّر عن نفسه في فنّهفضّل عاصي الرحباني (4 أيار/ مايو 1923 ــــ 21 حزيران/ يونيو 1986)، استثمار الوقت في العمل، بدلاً من تضييعه في الإطلالات الإعلامية والمقابلات والحياة الاجتماعية. هذا الخيار جعله يقدّم أكثر على المستوى الفنّي، ويُعرَف أقلّ على المستوى الشخصيّ. لكن، رغم مرور ٢٤ عاماً على غيابه، في مثل هذا اليوم بالذات، يلتقي محبوه (حتى من الجيل الجديد) على تفسير واحد لشعورهم تجاهه: لا نعرف كيف ولماذا أحببنا هذا الرجل. هل أحببناه لأننا أحببنا فنّه؟ لماذا أحببنا فنّه؟ لماذا لم نحب فنّه فقط؟ أو لماذا لم نحبه هو فقط؟ فعلاً، ليس هناك جواب واضح ومنطقي لهذه الأسئلة. ما يمكن قوله إن عاصي عبّر عن نفسه في فنّه، بصدق نادر، أو «بإخلاص» كما كان يردّد دائماً. لذا، يبدو مستحيلاً فصل شخصه عن إنتاجه. لكن هل يكفي التعبير بإخلاص، لإنتاج كل هذه الروائع؟ يُحكى دائماً عن عقل موسيقيّ متّقد عند عاصي، وعن عبقرية فطريّة ونقيّة ونقديّة، أضاف إليها لاحقاً الدراسة النظرية كأداة ضرورية لتجسيد ما يبدو موجوداً أصلاً، وليس لصناعة ما هو مفقود. لكن، مرّة أخرى، هل نعتبر ذلك كافياً لتحقيق كلّ هذا الجمال؟ إذا كانت كل العناصر المشار إليها ضرورية للنجاح، فهناك سرّ ما زال ينقصنا لفكّ اللغز. ينقصنا سرّ عاصي. أو السر. يقسم فنّ عاصي، من الناحية الموسيقية، إلى لحن وتوزيع. ويمكن ردّ أعماله جميعها إلى مصدرَيْن: الطبيعة والمجتمع أو الإنسان كابن للطبيعة وأب للمجتمع. فإذا راجعنا ريبرتواره، نقع على أعمال تجد روحها في الطبيعة، وأخرى في المجتمع (وأحياناً في احتكاك الاثنين أو تداخلهما في الإنسان). الأولى تعبّر بدورها عن حالات عدة، قاربها عاصي بأسلوبه الرعويّ الصائب. استوحى من الينبوع، فكان أصفى منه. ومن الليل، فكان أكثر سكوناً منه وأشدّ وحشة. ومن الأزهار، ففاح عطرها في أنغامه. ومن العاصفة، فزادها توتراً وسطوة. ومن البحر والقمر والمطر والعصافير... والأهم، فهم هذا الفنّان العلاقة العميقة بين الإنسان وكل تلك العناصر. وأصرّ على أهميّة هذه العلاقة، وضرورة الحفاظ عليها في ظلّ التطوّر الاجتماعي، وبالتالي الفنّي. عاصي طوّر الأغنية والموسيقى استناداً إلى هذا الخيار الواقعي. لم يرفض الكهرباء، ولم ينسَ ضوء القمر.
عمل على تحقيق ذلك عبر الجوّ العام للأغنية. عبْر لحنها أولاً، أي الصوت الأول للموسيقى. وعبْر التوزيع، أي الأصوات الثانوية. وهنا أيضاً أعاد خلق الطبيعة والمجتمع. فالطبيعة، فعلاً، كما المجتمع، ليست أحادية الصوت. ماذا نسمع إذا جلسنا على ضفة نهر؟ صوت الماء. صوت الأشجار، والهواء، والعصافير. ثمة أصوات ثابتة (خرير المياه). وأخرى متبدلة (الهواء) وأخرى طارئة (العصافير). حتى الصمت لم ينسه هذا الرجل.
عاصي إذاً هو ابن الطبيعة الوفيّ. وأحد أسرار نجاحه أيضاً، هو تعاطيه مع الموسيقى كعنصر من الطبيعة لا كرموز وعلمٍ وقواعد تركيب وبناء العمل. العلم (الرموز والقواعد وإتقان العزف على آلة) هو أداة تجسيد مادية لأنغام موجودة. على عكس الكثير من المؤلفين الذين يطبّقون النظريات فيحصلون على صوت. وليس على موسيقى.
في المسرح والكلمة والنغمة، دخل فنّاننا الكبير إلى الأعماق، وجسّد ذاته بالكامل. ثم أضاف صوت فيروز. لأنّ هذه الذات لم تكن كاملة وحدها... لحسن الحظ.
ربّما يساهم ما سبق في تفسير جزء من السرّ. لماذا يبقى عاصي حاضراً، ومحبوباً، إلى هذه الدرجة؟ الشعب يحبه لأنه الشعب، فكيف يكره نفسه؟ لا خوف على عاصي من النسيان، ولا خوف على فنّه من الذوبان في ابتكارات العصر وصرعاته.
عجباً... إنّهم يصادرون صوت فيروز!
ليال حداد
مع منصورمع منصورلم يعد الأمر سرّاً. ولم يعد من المفيد أو المجدي طمس الحقيقة، والإصرار على تصوير العلاقة بين ورثة الأخوين رحباني على أنها مثالية. لقد بات الأمر معروفاً اليوم، والمشهد واضحاً: أولاد منصور الرحباني أعلنوا الحرب على فيروز، وها هم يستعملون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتكميمها، ومنعها من اللقاء بجمهورها في لبنان وخارجه.
ومع خروج القضيّة إلى العلن، تتكشّف قضايا كانت مجهولة من الجمهور. نكتشف أن الراحل منصور الرحباني، كان يؤكّد في كل مقابلاته الصحافية الأخيرة أن علاقته ممتازة بفيروز وأولادها، وكان في الوقت نفسه يرسل لها الإنذارات القضائية، مطالباً إياها بما أسماه وقتذاك بحقوقه المادية.
هل منصور كان البادي إذاً؟ هل هو الذي أطلق الحرب ضدّ فيروز، خلافاً لما يتردّد حاليّاً من أن أولاد الفنان الثلاثة، مروان وغدي وأسامة، استغلّوا وفاته لشنّ حملتهم ضدّها؟ هذا على الأقل ما تؤكّده تواريخ الدعاوى والإنذارات التي أرسلها منصور. ولكن ذلك طبعاً لا يبرّئ الورثة الثلاثة، إذ تؤكّد مصادر مطّلعة أن «أولاد منصور هم من دفعه في آخر أيامه إلى الادعاء على فيروز سعياً وراء الكسب المادي».
وقد حاولنا عدّة مرّات الإتصال بأحد أولاد منصور الرحباني لمعرفة رأيهم بالموضوع، لكنّهم امتنعوا عن التعليق.
في الثاني من نيسان (أبريل) 2008، بدأت سلسلة الإنذارات القضائية ضدّ فيروز. يومها استلمت هذه الأخيرة، من «المدّعي منصور حنّا الرحباني»، دعوى قضائية مرفوعة أمام «المحكمة الابتدائية المدنية في جبل لبنان»، تطالبها بدفع مبلغ قيمته مئة ألف دولار. أما سبب الدعوى، فهو أنّ فيروز قدّمت مسرحية «صحّ النوم» التي «ألّفها المدّعي (منصور) بالاشتراك مع شقيقه المرحوم عاصي الرحباني... والتي لعبت فيها السيدة نهاد حداد (فيروز) دور التمثيل الغنائي». وأضاف نص الادعاء أن فيروز قامت أخيراً «من دون الحصول على إذن من أحد مؤلّفي وملحني المسرحية، الأستاذ منصور الرحباني، بتقديم المسرحية في دمشق مرّات عدّة... بمردود فاق ملايين الدولارات، إضافة إلى حفلتَين غائيتَين في البحرين من كلمات وموسيقى الأخوين رحباني، من دون أن تبادر إلى الاتصال بالمدّعي (منصور) كي تحصل على ترخيص منه... أو كي تعرض حقوقه المشروعة كمؤلّف وملحّن...». وطبعاً أغفل الادعاء ذكر أن سبب شهرة هذه المسرحية والأغاني كان فيروز وصوتها.
يبدو الادعاء للوهلة الأولى صحيحاً وقانونياً. ولكن قراءة دقيقة لتفاصيل القضية، تؤكّد أن ليس لمنصور الرحباني أي حقّ مادي يتقاضاه من فيروز. إذ إن «جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى ــــ «ساسيم» ــــ هي التي يُفترض أن تعطي منصور حقوقه المادية، وخصوصاً أن هذا الأخير قد أعلن انضمامه إلى الجمعية في الثالث عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1963.
ورغم أنّه ليس لمنصور حقوق عند فيروز، فإن «شركة فيروز بروكدشنز» التي تنتج أعمال فيروز (والمملوكة منها)، اقترحت عند التحضير لعرض مسرحية «صح النوم» في بعلبك عام 2006، أن تعطي منصور الرحباني حقوقه، وقيمتها خمسة آلاف دولار عن كل عرض، لأنها كانت تدرك جيداً أن الـ«ساسيم» لا توزّع الحقوق توزيعاً صحيحاً (إن وزّعتها). علماً بأن منصور وأولاده كانوا ولا يزالون من قلّة مدلّلة لدى هذه المؤسسة الغامضة التي لا يفهم أحد معايير عملها في لبنان، كما أكد لنا أكثر من موسيقي ومعني بالقضيّة...
الحرب القضائيّة بدأت على الساحة العربيّة في حياة منصور، لكن أولاده نقلوها إلى لبنان
وطلبت فيروز من منصور يومذاك، حسب معلوماتنا، المشاركة في التحضير للعمل، لكنّه رفض ذلك. لكن المسرحية لم تُعرض في بعلبك، بسبب عدوان تموز، وانتقلت لتعرض في مجمع «بيال» (وسط بيروت) مع بداية شهر كانون الأوّل (ديسمبر) 2006. حتى ذلك الوقت، لم يبرز أي احتجاج من منصور ولا أولاده. بل بدا هؤلاء فرحين بالنجاح الكبير الذي حقّقه العمل. ولكن الوضع تغيّر عند الإعلان عن عرض المسرحية في الشام، ضمن برنامج احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية» عام 2008.
فور الإعلان عن الحدث، وبالتزامن مع تصريحات منصور الرحباني التي شجّعت فيروز على الذهاب إلى دمشق، عرض أولاده على إدارة الاحتفالية استبدال «صحّ النوم» بإحدى مسرحياتهم، لكن الإدارة رفضت. وما هي إلا أيام قليلة حتى تلقّت هذه الإدارة نفسها إنذاراً يحذّرها من عرض العمل. الإنذارات نفسها تكرّرت، هذه المرّة، موجّهة إلى البحرين ثم إمارة الشارقة. وطبعاً أتى كل إنذار بعد رفض الجهات المعنية استبدال حفلات فيروز بمسرحيات منصور الرحباني، حسب الوثائق والمستندات القانونيّة المختلفة التي تسنّى لـ«الأخبار» الاطلاع عليها.
وطبعاً تمّ تجاهل الإنذارات في سوريا والبحرين والشارقة، لكن يبدو أن منصور وأولاده أصرّوا على استكمال حربهم ضدّ فيروز، بعد تجاهل إنذاراتهم، وخصوصاً في إمارة الشارقة، حيث طلب الحاكم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تأمين حماية خاصة لفيروز، وحذّر من التعرض لها، بعدما قرأ إنذار منصور.
لكنّ الجديد بعد رحيل ثاني أقانيم المؤسسة الرحبانيّة، أن ورثته قرّروا نقل المعركة إلى لبنان، وتحديداً «كازينو لبنان». كانت فيروز تتحضّر لعرض مسرحية «يعيش يعيش» على مسرح الكازينو، وإذا بالإدارة تتسلّم، في الرابع عشر من تموز (يوليو) 2009، إنذاراً من ورثة منصور الثلاثة، تطالبها بـ«الامتناع عن عرض أي عمل من أعمال الأخوين رحباني على أي من مسارح «كازينو لبنان»، من دون الحصول على موافقة جميع الورثة».
وحدّد الإنذار الأعمال الممنوع تقديمها، وعددها 25 عملاً، بينها: «موسم العزّ»، و«صح النوم»، و«يعيش يعيش»، و«لولو»... وبعد أخذ وردّ، اتفق جميع مدراء الكازينو على الوقوف إلى جانب فيروز التي كانت ستعيد إلى مسرح الكازينو ألقه، إلا أن المدير العام خاطر أبو حبيب، وهو صديق شخصي لأولاد منصور، طلب حلّ الخلاف «حبياً»، واقترح بدلاً منه عرض مسرحية «صيف 840» لمنصور الرحباني!
موقف الكازينو لم يتغيّر، رغم كل الاعتراضات القانونية من جانب فيروز التي أكّدت أن من حقّ الكازينو عرض أي عمل من أعمال الأخوين رحباني، بناءً على اتفاق موقّع مع الـ«ساسيم» يحصل الكازينو بموجبه على إجازة مفتوحة تتيح له عرض كل الأعمال المدرجة في دليل «جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى»، ومن بينها أعمال الأخوين رحباني. هكذا، انطلق عرض مسرحية «صيف 840»، في وقت رفعت فيروز في كانون الثاني (يناير) 2010، دعوى ضدّ أولاد منصور وضدّ الكازينو تطالب فيها بالعطل والضرر، عن الإساءة المادية والمعنوية التي سبّبها إلغاء عرض «يعيش يعيش».
وتلفت أوساط قانونيّة مقرّبة من فيروز، إلى أنّ أولاد منصور الذين يمارسون كل هذه المضايقات المادية والمعنوية والأخلاقية ضدّ «سفيرتنا إلى النجوم»، يعرضون أعمال الأخوين رحباني من دون العودة إلى وريثة عاصي الرحباني، أي فيروز. ويشير المصدر على سبيل المثال، إلى مسرحية «المحطة» التي عرضت في «مهرجانات البترون» الصيف الماضي، وإلى الأغاني الرحبانية التي تؤديها رونزا بالتعاون مع غدي الرحباني، وفيلم «سيلينا» المقتبس من مسرحية «هالة والملك» الذي عُرض بعد موافقة منصور الرحباني وحده.
الخلافات التي خرجت إلى العلن أخيراً، دفعت بكثيرين إلى مناشدة ورثة المؤسسة الرحبانيّة أن يحافظوا على تاريخ فنّي وثقافي عريق هم مؤتمنون عليه، وأن يتفادوا الانزلاق إلى الفخ المادي، والإساءة إلى ذكرى عاصي ومنصور على السواء... علماً بأن ما يجري حالياً هو منع فنانة بحجم فيروز من الوقوف على خشبة المسرح. فهل يحقّ لأي كان أن يكمم فيروز، ويسكت صوتها، باسم مطامع وخناقات على التركة؟ هذا ما سيحسمه القضاء اللبناني خلال الأشهر القليلة المقبلة.