لمحة صغيرة قبل البدء، وانطلاقا مما ابتداه الزميل، عندما عمد الى ايراد تقسيم معين ما بين "واقعيين*" و"كلاسيكيين".. بالبدء إذ أشكره على اختيار مصطلح "كلاسيكيين" لخفة وطأتها، أود أن اسجل نقطة.. وتنطلق هذه النقطة من تأييد ما ذهب إليه في بداية كلامه حول انتشار ظاهرة من صنفهم بـ"الواقعيين" في الكثير من الصحف والفضائيات.. لكن مع ما سعى لإظهاره، او تسليط الضوء عليه من كون هذه الحفنة "الواقعية" تتعرض لهجمة تخوينية من قبل الاعلام والفكر السياسي العربي، نجده قد تناسى أن ذلك التيار "العريض" – بحسبه -، لا يترك مندوحة في صب نعوت "التخشب"، و"الافلاس"، و"الظلامية"، و"التقوقع"، و"تنفيذ الاجندات الفارسية".. وهلم جرا ونصبا.. على التيار الآخر "الممانع"؟ "الكلاسيكي".. وفي نفس الوقت الذي يصنف "الواقعيون" أنفسهم فيه بكونهم رسل الحضارة، والديمقراطية، والتمدن، تجدهم يدعون بالويل والثبور وعظائم الامور على من يرد عليهم بنفس عيار ما قد يطلقونه بحق الطرف المقابل، دون الحديث عن المشروع البديل الذي قد يمثلونه، او على الاقل الحلول الناجعة للقضايا العربية الراهنة
ونجد في سياق حديث الزميل، وحكما في دوائر ممثلي "الواقعية" السياسية، صدى من الهلع والرعب أمام الكلام الذي أطلقه حسن نصرالله، وربما كان من السهولة بمكان على "الواقعيين" حمل كافة الاطراف في سلة واحدة، وهذا يذكرني بصراحة يوم دبج رضوان السيد مقالة تمجد ذلك المنتصر الآتي من الشرق أعني به الخميني على اثر انتصار الثورة الايرانية، جاعلا الرأسمالية والشيوعية بكل تناقضاتهما واحدا امام هذا العملاق الوليد، وبالتالي واحدا أمام النتيجة الحتمية التي سينتهيان اليها امام هذا العملاق - رضوان السيد وغيره في ذلك الحين طبعا - .. على كل الاحوال، ما يعتبره "الواقعي السياسي" تعبيرا عن إفلاس، يستحق السؤال عن المقدمة التي دعت لمثل هذه النتيجة، طبعا ان قيست باعتبار خطاب نصرالله.. وان اعتبر الزميل ان ما جرى مع عبد الناصر وصدام حسين مقدمات أو دلائل على حال حزب الله فتلك مصيبة، .. لكن بما ان الزميل قد عمد إلى إيضاح موقفه بهذا الازاء بنوع من التحذلق في رد على أحد الزملاء، اترك الخوض في المصيبة.. كي اعالج المصيبة الأعظم التي ظهرت في سياق رده..
يقول الزميل في رده:
Arrayنعم هو فعلا قياس خاطئ عزيزي و هذا ما قلناه ففي الحالة المصرية المذكورة نتكلم عن بلد و عن مصالح وطنية لا يختلف عليها اثنين و عن مشروع وطني يحظى بدعم امة باكملها اما في الثانية فنحن نتكلم عن ذراع طائفية تابعة لمرجعية دينية ايرانية يحاول ان يفرض نفسه على الفرقاء اللبنانيين بقوة سلاحه و يفشل في ان يتحول إلى مشروع وطني لان تبعيته لايران تمنعه من ذلك اساساً و لهذا رفضنا التشبيه من الاساس اين هذا من ذاك بالفعل انت مصيب تماما و لسنا نحن من عقدنا التشبيه بل رفضنا ما قاله هيكل في هذه المقارنة بين الحالتين.
اما حكاية ان وصف نصر الله بالطائفية امر غير دقيق فهي حكاية مردود عليها و ليس من قبلي بل من قبل نصر الله نفسه الذي يعلنها تبعية ايرانية خامنئية بكل وضوح و صراحة ، فإذا كان صاحبك يعلن هذا نأتي نحن و نقول له لا والله انت لست طائفي!
من لا يرى من الغربال بالتأكيد اعمى.[/quote]
اولا اود الاشارة إلى نقطة، لقد رأيت فيما خلا موضوع للزميل يعالج فيه الوضع اللبناني، وقد لمست فيه نوع من التقصير في قراءة الواقع اللبناني، فضلا عن المغالطات بسياق السرد التاريخي.. وربما لتعقيدات هذا الوضع سببا في هذا، بحيث لا نحمل الزميل أي تبعة، فحتى من يسكن لبنان تجده أحيانا يضيع في صراع القوى الطائفية فلا عتب على من يسكن الاردن او السعودية او مصر عندما يريد ان يقرأ هذا الواقع، ويستشرف حاله.. على كل الاحوال، لو أجد وقتا قد أعود لذلك النص لتبيين بعض المآخذ عليه..
اعود لمداخلة الزميل، بالمبدأ، فالمشروع الوطني اللبناني كان وما زال موضع أخذ ورد بين الفرقاء اللبنانيين منذ تأسيس لبنان، وقبل أن يولد حزب الله بعقود، وقد اتخذ هذا الاخذ والرد طابعا سجاليا، تطور الى حالة مأزمية عاشها لبنان بمراحله التاريخية تغايرت وتغيرت فيه اطراف الصراع لكن المشكلة استمرت هي هي، واستمر حال لبنان فيها متحرك ما بين حالتي الحرب والسلم لسنين طويلة.. اما الحديث عن الطائف فقد مثل في حينها ضرورة أخذ فيها الجميع لوقف القتال، وعشنا في ظل الطائف كل تلك السنين بسبب معادلة خارجية الجميع يعرفها .. من هنا، فتحميل حزب الله كمقاومة وزر الخلل بالمشروع الوطني اللبناني هو قصور وتعامي..
ثم وعند الحديث عن حزب الله كاداة طائفية مهمتها تنفيذ الاجندات الايرانية، - مع رفضه لما قاله هيكل ( وسعيدة يابا) – هنا النقطة تستدعي أكثر من وجه، أولها: من لم يكن في لبنان طائفيا فليرمي حزب الله بحجر.. ثانيها وبحسب الممارسة، ومع الاخذ بمنطلقات حزب الله الطائفية، متى مارس حزب الله طائفيته ان بالمعيار السياسي او بمعيار المقاومة؟ ان كان لدى الزميل شواهد فليتفضل باثباتها.. ثم، وان اعتبرنا ان حزب الله يمارس اجندات ايرانية، نقول اولا: ان حزب الله يطرح نفسه بعنوان مقاومة، وبالتالي ليس من حقه كتنظيم قام بتأطير قسما من شعب لبنان بمقاومة مسلحة ضد عدو، وتنظر إليه الشعوب العربية بعمومها من منظار العدو.. ان يرفض أي مساعدة أو عون من أي دولة تتوافق مع مشروعه.. وهذا حق مارسته كافة المقاومات التي سبقت حزب الله في لبنان، ولا أقول في العالم كي لا اتهم بالتعميم.. ثم، ولو كان بالامر تبسيطا، لو صب المشروع الحزب إلهي، مع المشروع الايراني فيما خص هدف واحد وهو قتال العدو الاسرائيلي فما الضرر حينها في أن تعود الفائدة على المشروعين كل من جهتهما؟ ثم ومن جهة أخرى الا يجد الزميل في حمل حزب الله وايران على بساط واحد وفي سلة واحدة تبسيطا، فأين هذه المنظمة مهما قويت من دولة كإيران؟ .. بعد هذا، وان اردنا الاخذ بمقولته ان حزب الله ينفذ اجندات ايرانية، اود السؤال، أحزب الله وحده من يفعل؟ اليس في لبنان من ينفذ الاجندات الاميركية والسعودية ... وللاسف ربما الاسرائيلية؟ ام نعود الى مقارنة "الواقعية" و"الكلاسيكية" بحيث ان ما يصح للواقعيين لا يصح للكلاسيكيين؟ .. ام ان وراء الاكمة ما ورائها من مخازن الطائفية المشتعلة تحت ظل الواقعية؟..
وهنا أيضا اعود إلى أصل موضوعه، دون المقارنة بين عبد الناصر وصدام ونصرالله، ولأوضح بعضا من الابجديات التي ذكرها نصرالله – ولو اتهمت بالتبسيط او التبرير -، أولا فنصرالله عندما قال ما قاله، كان مأخوذا بواقع معين، قوامه تأبين أحد قياديي المقاومة .. بل مؤسسيها.. وهنا مع ذلك الغضب المتصاعد للانسان ان يقول ما يقوله .. لكن مع هذا.. متى حقق العربي انتصارا، او على الاقل (كي لا تنزعج من كلمة انتصار) متى اوقف العربي اجندة اهداف اسرائيلية بمعركة الا في فلسطين ولبنان؟ الا يعطي هذا الانجاز حقا بأمل في مثل هذه الازالة ؟ او على الاقل الا يضفي او يدغدغ هذا الانجاز أملا في إزالة هذا الكيان العنصري الذي يستبيح يوميا أخوتنا (للاسف أخجل ان اقول بالعروبة... يبدو سأقتنع بما يقوله فلسطيني كنعاني واشد على يديه فيما يذهب) في فلسطين؟؟ طالما العمل يجري، والنتائج نراها، فليحتفظ الواقعيون بواقعيتهم، وليحنطوها في ادراجهم، ولست بصدد التذكير بمن قال :"حرب تموز مغامرة"، وبالفعل كانت المغامرة التي أوصلت الكيان الصهيوني لنوع من الأزمة التي لم يخرج منها حتى اليوم، والتي يتجاهلها ويعمى عنها الواقعيون.. ليس في كلامي انشاء لو رغبت بتصنيفه كذلك من منظار "الواقعيين" الاعمى .. بل هو واقع حال اعيشه يوميا واتلمس صداه في لبنان..
وبعد، ودون الدخول تفصيلا في مفهوم الانتصار ايضا، أجد الزميل يختم كلامه بالقول
: "، Arrayان تكسب معركة لا يعني انك كسبت الحرب و ان تخسرها كذلك لا يعني انك خسرت الحرب." [/quote]
.. وهو كذلك على رغم التناقض الحال في تشكيك بالانتصار.. فحزب الله لم يعلن انتصاره في الحرب، غاية الامر انتصارا في معركة..
Arrayالأخطر من ذلك ان تسمع مثلاً تصريح دنيس روس مبعوث الامن القومي الامريكي السابق حول حرب تموز – يوليو واصفاً اياها بأنها حملة عسكرية تهدف إلى جس النبض و التعرف على أرض المعركة و امكانيات العدو أي انها مجرد (بروفا) تحضيرية للحرب القادمة ، يأتي كلامه هذا انسجاماً مع تصريح كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية من أن حرب تموز هي بداية المخاض لميلاد الشرق الأوسط الجديد ، فيما نجد ان تقرير فنوغراد يحث رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت على الانتقام ، و تشير التقارير لاستعدادات اسرائيلية عسكرية على قدم وساق و مناورات تحضيرية و نشاط استخباري غير مسبوق و ضرب قوي لغزة قبل بدأ العمليات في لبنان على سبيل تأمين المؤخرة ، و دخول امريكي على الخط العسكري اللبناني عبر بارجاتها و مدمراتها التي تقترب من الشواطئ اللبنانية طبول الحرب تقرع اذن و تقرع بقوة .[/quote]
الغريب في الزميل أبو رصاع، انه لا يشنف السمع إلا الى من يبشر بالويل والثبور.. "جس النبض"، و"بروفا".. والخ .. يا رجل قليلا من المنطق لا يضر، الحرب استمرت 33 يوم، وكان هدفها اجتثاث حزب الله، وكانت النتيجة المعلومة، ولو تريد شواهد على هذا لك ان تراجع الدراسات الاميركية والبريطانية التي اشبعت هذا الامر دراسة وتمحيصا، ولو تحتاج ان اثبت لك الشواهد على هذا فأنا جاهز.. أما بالنسبة لحديثك عن "سفر " الانتقام – وطبعا على ديدنك في ذكر الامر ونقيضه، بالله عليك لو كان الامر جسا للنبض على ما ذكرت فلم يحتاج فينوغراد ولجنته للتوصية بالانتقام؟ - لتخرج اسرائيل من مستنقع غزة اولا، بعدها حدثني عن هذا الانتقام... أما البوارج الاميركية فلا اعتقد انها ستمارس حربا بالوكالة عن اسرائيل، او عن حلفائها اللبنانيين، غاية امرها فزاعة .. او هز عصا.. والآتي يأتي بالجديد..
Arrayلعله من نافل القول ان نعرج لكلام نصر الله نفسه عن حرب تموز من كونه لو كان يعلم ان رد الفعل على خطف الجنود سيكون بهذا العنف لما خطفهم!
رغم انه عاد بعد ايقاف القتال ليعتبر ان اسرائيل انهزمت في تموز- يوليو 2007 لانها فشلت في تحقيق اهدافها المعلنة! [/quote]
ليس وحده من اعتبر ذلك عزيزي، وقد قام بايضاح موقفه من كلمته التي ذكرت في حينها فراجع.. اما الحديث عن الانتصار ، ما هو برأيك الانتصار كمفهوم في الحرب الحديثة؟ وبالتالي هل يصح اعتبار نتائج حرب تموز انتصارا للمقاومة؟ (وهنا تحضرني النكتة التي ذكرها جورج جالاوي عند زيارته للسنيورة بعد الحرب، حين قال، كنت ازور الزعماء العرب بعد معاركهم الخاسرة، واجدهم يمجدون انتصاراتهم، لكن مع السنيورة عندما دخلت اليه مهنئا بهذا الانتصار نهرني بالقول: اين الانتصار ارجوك لا تقول انتصارا.. ) المهم، وعلى الصعيد العسكري، احيلك الى هذه القراءة.. وغيرها كثير لو شئت الغوغلة.
http://www.al-akhbar.com/ar/node/12588
اما على صعيد الثمن الذي آلمنا جميعا، سعيا كي لا اردد ما تفضل به الزميل فلسطيني كنعاني، وبالتالي لا ارغب ان يفهم من كلامي تبريرا، اكتفي بالقول لكل حرب ثمن، وليس اللبنانيون وحدهم من دفع ضريبة هذه الحرب، بل الاسرائيليون ايضا، ولو قسنا الحال بتوازن الرعب الذي فرضته صواريخ المقاومة منذ العام 2000، والذي ترسخ بعد حرب 2006 لكفى
وفي ختام هذه النقطة اود الاشارة إلى ان يعني ما جرى بمثل هذه الطريقة يدعو للسؤال، ماذا فعلتم انتم؟ .. ويحضرني هنا القول ان لم تجد ما تقدمه فالصمت ابلغ
Arrayلقد كتبنا في مناسبات عدة انه لو صدق نصر الله في ارادة مقاومة اسرائيل فعليه ان يفتح المشروع المقاوم هذا على مصراعيه ليتحول إلى مشروع مقاومة وطنية لبناني عربي عندها سنعلنه بطلاً قومياً عربياً و رمزاً للنضال ، مقاومة يقول المنطق الطبيعي ان فلسطينيي لبنان هم فيها الحليف الاستراتيجي الأول لهذه المقاومة ، كتبنا انه لو صدق فعليه ان يفتح هذه المقاومة لنرى في صفوفها قيادات من مختلف الطوائف اللبنانية لا ان يكون المشروع المقاوم حكر على طائفة بعينها و يأتمر بأمرة مرجع ديني ايراني ، مشروع مقاوم يتورط في صراع طائفي لبناني لبناني هذا ليس مشروعاً وطنياً من الاساس بل مشروع طائفي يحمل اتباعه على تقديس خميني و خامنئي ، و ماذا نرتجي نحن من مراجع دينية في اي طائفة و اي دين؟! [/quote]
يبدو هنا انعدام دقتك في الشأن اللبناني – استخدم هذه الكلمة احتراما لشخصك، ولو ان هذه الفقرة تستحق ما هو أكثر- ، يا أخي او ان تتفضل بدراسة الوضع اللبناني من ألفه إلى يائه، او على الاقل ضع ضوابط تخرجك من ربقة الاحراج...
لتكتب ما تكتب اولا، لم يكن للمقاومة في لبنان في يوم من الايام اجماع وطني، ففي حين كان بعض الاطراف يقاوم اسرائيل، كان البعض الاخر يرسل مليشياته الى اسرائيل للتدرب على السلاح.. ثم وتاريخيا، على افتراض فتح نصرالله الباب على مصراعيه، واعلنها مقاومة عربية، من اين لك ان تضمن الاجماع العربي عليه، وحال الانظمة هو حالها؟ من اين لك ان تضمن الاجماع الشعبي العربي – وهو الشيعي الرافضي الكافر بزعم الكثيرين -؟ من اين لك ان تضمن الموافقة اللبنانية على هذا؟
ثم وأخذا بمنطلقاتك "الواقعية".. اين الواقعية فيما تذكر؟ او هو مجرد تدبيج للاتهامات غير المرتكزة على وقائع والسلام؟
وفي الختام، اذ اذكر ان نصرالله قد اطلق مشروع "السرايا اللبنانية للمقاومة" والتي ضمت شبانا من سائر الطوائف اللبنانية.. اعيد تكرار السؤال.. متى كانت مقاومة حزب الله طائفية؟ او تستخدم سلاحها في اجندات طائفية؟
تحية