أريد أن أقف قليلاً مع "المقال المنشور في جريدة In Focus" الذي أتى لنا به عزيزنا "رحمة العاملي" (أنظر "الرابط" في مداخلة رحمة العاملي فوق). فهو المقال الوحيد الذي نستطيع التعويل عليه في هذه القضية حتى الآن، لأن باقي المقالات التي جُمعت عبر الانترنت لا أب لها ولا أم، ولا نسباً ظاهرا تستطيع أن تتكيء عليه.
طبعاً، ما زلت أقول بأن جميع هذه المحاولات للنيل من شخص "وفاء سلطان" كرد فعل على رأيها هي محاولات عبثية، لا تقدم شيئاً ولا تؤخر شيئا : فما تنتقده "وفاء سلطان" لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل حسب أصل وفصل القائل. ومحاولة النيل منها عن طريق وصفها "بالشرموطة والعاهرة" محاولة عبثية سخيفة مضحكة تدل، إن دلّت، على بعض العصبية وسوء الخلق ليس إلا.
هنا، أود أن أكرر أيضاً بأنني أعتبر خطاب "وفاء سلطان" مسيئاً إلى العلمانيين العرب أكثر من إساءته إلى غيرهم. فالكثير منا ينأى بنفسه عن هذا الصوت "غير اللبق" الذي من شأنه أن ينفر الناس من صاحبه، هذا بالإضافة إلى عقم الخطاب وتحجره وسطحيته واستثارته لمشاعر الغوغاء، وغمزه من قناة رموز ومقدسات بصورة فجة، وعدم احتوائه على أية مرونة مطلوبة في ظل عالم عربي تطغى الذهنية الدينية على قلبه وشعوره ووجدانه حتى تكاد لا تترك حيزاً لعقله، إن بقي لديه من عقل بعد.
مقال "عبدالسلام محمد" في " In focus" ينتقد الدكتورة وفاء سلطان في نقطتين اثنتين:
1) كونها ساعدت "أختها" في القدوم إلى أمريكا عبر طرق "غير مشروعة".
2) كون أستاذها "يوسف اليوسف" قتل في جامعة حلب أمام أعينها – كما قالت أكثر من مرة -.
فيما عدا هاتين النقطتين، يذهب المقال إلى مهاجمة "موقع ميمري" واعتباره تابعاً للمخابرات الاسرائيلية، ويرتكز في هذا الزعم على تحليل قديم لجريدة "الغارديان" البريطانية.
لا يهمنا هنا ما يقوله المقال بشأن موقع "ميمري" – فهو يخرج عن نطاق موضوعنا – ولعله من المضحك بل السخيف أن نعتب على "وفاء سلطان" – لو صح ما قيل عنها - لأنها ساعدت أختها على الهرب من سوريا والقدوم إلى الولايات المتحدة عبر الالتفاف على الطرق القانونية وأحكام الهجرة في أمريكا. ولعل الملايين في "العالم" مستعدون أن يفعلوا ما فعلته "وفاء سلطان" دون أن يخزهم ضميرهم بشيء.
من ناحية أخرى فإن "موت الدكتور يوسف اليوسف" في جامعة حلب ليس صحيحاً حسب ما يوحيه لك الصحفي. والمقال يتكيء على "شهادتين" لمسؤول في الجامعة وطالبة فيها. ومع هذا، فالمسؤول والطالبة يرجحان عدم وقوع الحادثة لأنهما "لم يسمعا بها".
بقي أن جميع "المعلومات الشخصية" حول واقعة "استقدام إلهام سلطان" (أخت الدكتورة وفاء) إلى أمريكا وجميع ما أحاط بعائلة الدكتورة وزوجها من ضيق ذات اليد في السنين الأولى ترويها الصحيفة اعتماداً على شهادة "عدنان الحلبي"، وهو "اسم وهمي" لشخصية حقيقية – كما يزعم الصحفي – ما زالت صديقة لعائلة "وفاء سلطان" حتى اليوم *. بمعنى أن كل مقال "عبدالسلام محمد" لا يثبت شيئاً من هذه التخرصات التي سمعناها في المقالين الأولين العربيين الموجودين في رأس الموضوع. فهو لا يتعرض للقب "وفاء سلطان" بشيء يذكر، بل يحرص على نعتها "بالدكتورة" في معظم المرات التي يورد اسمها فيها. وهو لا يتحدث بشيء عن "اختلاس أموال" أو "صفقات مشبوهة" كنا قد قرأناها في غير هذا المكان. وهو أخيراً، لا يورد أنها "زارت اسرائيل" حتى وهو أمر – بالنسبة لي – مقطوع بكذبه من الأساس (ذلك لمقالات نشرتها الصحف العبرية عن وفاء سلطان قبل بضعة أيام).
مآخذ الصحفي "عبدالسلام محمد" على "الدكتورة وفاء سلطان" كما رأينا إذاً ليست بذات بال. فهي ليست مآخذ مشينة من ناحية، وهي لا تعتمد على مصادر موثوقة من ناحية أخرى (إلا إذا كان اسماً وهمياً يعد وثيقة سرية) وهي تكرس "الاستنتاج" المبني على مقولة: "لم نسمع بهذا" كي توصل القاريء إلى قناعة بعدم قتل الدكتور "يوسف اليوسف" أمام وفاء سلطان في الجامعة، وهذا كله ليس شيئاً ذو بال.
أخيراً، وعلى سبيل الاستطراد المقارن فقط دون الدخول في التفاصيل، ما فعله الزملاء "الإسلامويون" هنا يذكرني بالآلية الاسلامية للتعامل مع الأحاديث المنافية للعقل والمنطق. فعوضاً من التعرض للحديث بحد ذاته ونقد متنه والحكم عليه بأنه مناف للعقل والمنطق وحذفه من كتب الصحاح، فإنك ترى الإسلاميون يذهبون إلى درس إسناده ومجموعة ناقليه ويبدؤون بتضعيفه كي يتخلصوا من أوزاره. هذا النهج منع إعادة تحديث الإسلام بما يتماشى وقيم العصر. وابقى إنساننا المسلم يعاني من طلاق قاس بين عقله وبين قلبه، بين قيم عالمه المعاصر وقيم خير القرون . مع خطاب "وفاء سلطان" يفعلون الآن نفس الشيء، فعوضاً من الهجوم على خطابها ومحاولة دحضه ومقارعته وجهاً لوجه وحجة لحجة ورأياً لرأي، فأنهم راحوا ينبشون في حياة "وفاء سلطان" يؤلفون القصص حول "لا أخلاقية الكاتبة" و"عدم مصداقيتها" للتحدث عن الآخرين، ولا بد أن يأتي بعد من يتلو على سمعك صورة "العاهرة التي تتحدث عن الشرف"، وكل هذا - برأيي - عبارة عن "نفخ في قربة مقطوعة" و"هروب من الموضوع الأساسي" الذي هو "عناصر خطاب وفاء سلطان وكيفية الرد عليه" (تجد هذه العناصر في بعض مقالاتها على هذا الرابط مثلاً:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=881
قد أعود كي أقف قليلاً مع مداخلة عزيزنا "أحمد" حول العلمانية والعلمانيين (مع أنني أرى ألا مكان لهذا في هذا الموضوع).
واسلموا لي
العلماني
* Adnan Halabi (not his real name) agreed to speak to InFocus on condition of anonymity. To this day, he maintains that he and the Sultans are still friends.