الزميل سيستاني
تأخرت عليك قليلا .. فلا مؤاخذة
هذه ملاحظاتي أكتبها سريعا عسى أن أجد الوقت الكافي لمزيد من النقاش حول المغرب الذي أحبه وأقدر شعبه لأنه شعب كريم متفاعل دائما مع القضايا العربية ويحب العراقيين بدون حسابات الربح والخسارة كما هو الأمر بالنسبة لشعوب عربية أخرى.
Arrayبعد ان تأكد الراحل الحسن الثاني اثناء زيارة لامريكا من اصابته بالسرطان و انه ليس مخلدا في الدنيا كما احسبه كان يعتقد ، ارتئ ان يستدعي عدوه اللذوذ الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمن اليوسفي الذي سبق ان حاكمه بالاعدام مرتين بتهمة التآمر على النظام ليس حبا في هذا الاخير لكن درءا لشره و كضمانة لانتقال سلس للسلطة الى وريثه محمد السادس[/quote]
هذا الكلام ليس دقيقا كليا، فالملك الحسن الثاني استدعى أولا محمد بوستة أمين عام حزب (الاستقلال) عام 1992 لكنه اشترط قبول المنصب بعدم ضم وزير الداخلية آنذاك ادريس البصري الى التشكيلية الحكومية وهو ما رفضه الملك ليتأجل موضوع التناوب الى عام 1998.
والواقع، لم يكن الوضع الصحي للملك مطروحا وقتها وانما كانت رغبة الحكم تتجه الى تكليف المعارضة تشكيل الحكومة لتجاوز حالة الاستقطاب الحاد بين الطرفين، خصوصا وان الشارع المغربي كان محتقنا نتيجة تداعيات الغزو العراقي للكويت ووقوف أحزاب المعارضة عدا حزب القائد الشيوعي الشهير علي يعتة (التقدم والاشتراكية) مع الغزو بينما كان الحكم أول من أدانه رسميا من بين جميع دول العالم.
ورغم ان "الاتحاد الاشتراكي" يردد دائما انه كان وراء الانتقال السلس للسلطة بعد وفاة الملك الحسن إلا أن الواقع يقول أن هذا الحزب لم يكن وحده من قام بهذا الدور المفترض فقد كانت الى جانبه أحزاب المعارضة الأخرى كـ "الاستقال" الذي لا يقل مكانة عنه في المشهد السياسي المغربي.
والحقيقة ان موضوع الانتقال السلس ليس سوى شعار وادعاء وعملية يراد منها خداع الذات قبل خداع الجماهير، فالنظام المغربي قوي جدا وقد تقوى بعد مؤامرات السبعينات حيث قلص دور المؤسسة العسكرية وتم اخضاع كبار العسكريين للمراقبة أو اغراقهم في الامتيازات الى الحد الذي لم يعد أي منهم يفكر في انقلاب قد يأتي على امتيازاته، كما ان الاحزاب المغربية جميعا بما فيها "الاتحاد الاشتراكي" تعاني من أزمات داخلية حقيقية فزعمائها لا يتخلون عن مواقعهم إلا بالموت أو التنحية الاجبارية، وهي ورغم شعاراتها الديمقراطية تعرف وضعا لا يختلف عن أي نظام ديكتاتوري في العلاقة بين القادة والقاعدة، ويكفي ان نشير الى ان هذا الحزب منذ تأسيسه وحتى الآن لم يعقد سوى سبعة مؤتمرات أي بمعدل مؤتمر واحد كل ست سنوات.
ولنسأل بصراحة من يقول بمقولة الانتقال السلس: هل كان النظام المغربي سيسقط أو يتداعى في حال عدم مشاركة "الاتحاد الاشتراكي" في الحكومة أو حتى قيام تجربة التناوب؟ وماذا سيفعل مثلا لو لم يشارك، هل سينزل دباباته الى الشوارع؟
Arrayقبل ان نخوض في الحديث عن تجربة حكومة التناوب ارى من الضروري الحديث عن تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كحزب معارضة نموذجي ، تأسس سنة 1959 باسم قديم هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد انفصال الجناح اليساري و النقابي و الطلابي لحزب التحرير الاساسي و هو حزب الاستقلال ، انفصال قاده كل من الدينامو المهدي بن بركة و رموز اخرون كعبد الرحيم بوعبيد و عبد الرحمن اليوسفي و الفقيه البصري بالاضافة الى المرجع الديني شيخ الاسلام محمد بلعربي العلوي[/quote]
هذا الكلام ليس دقيقا أيضا، فحزب "الاتحاد الاشتراكي" لم يتأسس عام 1959 بل الذي تأسس حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، اما "الاتحاد الاشتراكي" فقد تأسس في 1972 بعد عملية انشقاق من داخل "الاتحاد الوطني" الذي ظل مستمرا حتى وفاة زعيمه التاريخي عبد الله ابراهيم عام 2005، وهناك الآن محاولات لإحيائه واعادته الى النشاط من جديد.
والدليل على ذلك ان "الاتحاد الوطني" كان أحد أطراف "الكتلة الديمقراطية" التي تشكلت عام 1992 وضمت الى جانبه كلا من "الاتحاد الاشتراكي" و"الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية" و"منظمة العمل الديمقراطي". فكيف يكون "الاتحاد الاشتراكي" هو "الاتحاد الوطني" ويتحالفان تحت يافطة واحدة؟
[
وهذه الصورة لأربعة من زعماء "الكتلة الديمقراطية" وهم من اليمين: محمد بوستة (الاستقلال) عبد الرحمن اليوسفي (الاتحاد الاشتراكي) عبد الله ابراهيم (الاتحاد الوطني) وبنسعيد آيت ايدر (منظمة العمل)، أما الزعيم الغائب عن الصورة فهو علي يعته الذي يحل محله الآن اسماعيل العلوي.
وكنت قرأت في كتاب "تاريخ الاحزاب المغربية" لمحمد ظريف كلاما ما معناه ان الحسن الثاني كان وراء تأسيس "الاتحاد الاشتراكي" حيث كلف عبد الرحيم بوعبيد وهو صديق شخصي له سبق أن تولى وزارة الاقتصاد ومنصب سفير المغرب في فرنسا تأسيس حزب يكون بمثابة تجميع قوى اليسار والعمل علانية حتى يضيق الخناق على الحركات اليسارية المتطرفة مثل "الى الأمام" و"23 مارس" وغيرها. والله أعلم.
Arrayيا ريت الحسن الثاني كان علق دين امك قبل ان تجلب لنا العار و تتبول على قبور الشهداء
تفووو عليك يا يوسفي ، سيستاني غضبان عليك ليوم القيامة يا من قتلت فينا جدوة الامل و مرضتنا بالاحباط و اليأس[/quote]
كنت أتمنى أن تكون رفيقا باليوسفي، وعلى كل حال، لن أزايد عليك فأهل مكة أدرى بشعابها، ولكني أرى ان "الاتحاد الاشتراكي" كان مهيئا لخوض تجربة الحكم بعد وفاة زعيمه بوعبيد وهو أمر طبيعي، فالاحزاب لا تتأسس كي تبقى في المعارضة وكل حزب يطمح الى الوصول الى كرسي الحكم مهما كانت توجهاته، وإذا كان هناك من يرفض المشاركة فهو أمر طبيعي أيضا لأن (الاتحاد الاشتراكي) عبارة عن تيارات وأجنحة متصارعة تضم ذوي الميول الاسلامية مثل الفرقاني ويساريين متطرفين وحتى من اليسار الطفولي من أمثال (الأموي والساسي)، وبالتالي لا يمكن القاء اللوم كله على اليوسفي، بل ان المشاركة كانت ضرورية للحزب خصوصا بعد تهاوى المعبد الاشتراكي في العالم بسقوط الاتحاد السوفيتي، فقد ضعفت دوره نتيجة تراجع قيمة مرجعيته التي استند عليها في كسب الشارع، حيث ظهرت أحزاب ليبرالية أو قامت الاحزاب الاشتراكية السابقة بتجديد نفسها وهو ما لم يفعله (الاتحاد الاشتراكي) وإن لم يكن أحد يتصور أن يقبل بكل ما قام به فتح الله ولعلو أحد قادته الكبار بعد توليه وزارة الاقتصاد والمالية بالذهاب بعيدا في سياسة (الخوصصة) وتحول مؤسسات القطاع العام الى حساب التجار والمرابين من المغاربة ولأجانب، أو أن يقر قانون صحافة من أشد القوانين تعسفا ويخنق في يوم واحد ثلاث صحف مستقلة ويفرض على طريقة الأحزاب الشمولية اثنين من الاتحاديين على اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين كان عمر كل واحد منهما آنذاك قد تجاوز سن المراهقة بالكاد، وأن يختار شخصا قادما من البيطرة والزراعة ليكون وزيرا للثقافة بحجة انه شاعر رغم أن موهبته الشعرية محدودة جدا وويفرط بالكثير من الأدباء والمثقفين الكبار سواء من الاتحاديين أو المتعاطفين معه، وكان هذا كله اضافة الى عوامل أخرى وراء سقوطه المدوي في الانتخابات الأخيرة وتفاقم الأزمة التي يتخبط فيها حاليا.