رأي في الصدفة

الوجود بشتى أشكاله موجود بالصدفة أو بالحتمية، الأمر سيّان ولا يغير في وجوده بشيء. المهم كيفية التعامل مع هذا الوجود (وجود الموجودات كلها، ظهور الحياة على الأرض، وصولا إلى ظهور الإنسان العاقل).هناك طريقتان للتعامل:
طريقة لاهوتية تستند إلى نظرية الخلق. وقد تبين لنا من الفيزياء أن لا محل لعملية الخلق من العدم ولا محل لخالق في هذا العالم المادي. هذه الطريقة مارست وما زالت تمارس كل أشكال القمع لحرية الإنسان في البحث العلمي وحريات أخرى.
وطريقة إنسانية، عقلانية تطلق العنان للعقل البشري بكل حرية للبحث عن أجوبة علمية ونبذ كل ما هو شعوذات وغيبيات.

وفي محاولة لتعريف الصدفة نستعين بنقيضها "الحتمية" ونقول إن الصدفة ما هي إلاّ التقاء حتميتين أو أكثر في نقطة زمكانية واحدة.
مثال: سقوط غيمة مطر فوق مدينة (ألف) في الصحراء بعد فترة جفاف طويلة وصلوات استسقاء مطولة. يا لها من صدفة إلهية.
حتمية أولى أن تسقط الغيمة في مكان ما،
حتمية ثانية أن تمر الغيمة فوق المدينة (ألف) في اللحظة كذا...
حتمية ثالثة تغير الضغط الجوي بشكل مناسب لهبوط الغيمة فوقعت.
بان السبب فبطل العجب.
هذه الصدفة يمكن تسميتها "صدفة حتمية" وهناك "صدفة احتمالية" اطلبها في الفيزياء الكوانتية ونظرية الاحتمالات. وشكرا.

Arrayحتمية ثالثة تغير الضغط الجوي بشكل مناسب لهبوط الغيمة فوقعت.
بان السبب فبطل العجب[/quote].
يعني الغيمه سقطت بفعل تغير الضغط الجوي...يعني ليس هناك صدفة ...حدوث الضغط الجوي أليس له سبب....؟وهكذا العمليات الكونية كل حدث هناك سبب مؤثر فيه إلى ما لانهاية...كونك تسمي هذا إلتقاء حتميتن أو أكثر هذا مجرد تلاعب بالأ لفاظ
وينطبق على مثلك المثل الذي يقول( فسر الماء بعد الجهد بالماء)...

الأديان الثلاثة دليل على عدم وجوده "تعالى"
لو سقطت كل الصفات التي تدل على وجود إلهي ما لبقيت صفة واحدة بدونها لا يكون الإله الله، عنيت بتلك الصفة العدالة الإلهية. إمّا أن يكون أعدل العادلين أو لا يكون. هذه هي المسألة الكبرى!
أولا: وجود الأديان الثلاثة نفسها التي يكذب الواحد منها الاثنين الآخرين ويدعي أنه يمثل الحقيقة المطلقة، وما رافق ويرافق هذا الوجود من حروب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها ويرتكبها أتباع هذه الأديان باسمه وهو "متعال" عن إقرار أية عدالة. لا عدالة ولا إله عادل.
ثانيا: الكوارث الطبيعية وما يرافقها من قتل آلاف الأبرياء وهو "متعال" عن منع ذلك.
ثالثا: اللامساواة بين البشر بدون أي مبرر من المشوه جسديا إلى المشوه نفسيا وعقليا، فأين العدل في كل ذلك؟
لو كان إله خير لما خلق الشر عموما!!!

نأتي الان لمناقشة موضوع يطرح دائماً على ساحة الجدل حول سلسلة الحوادث العرضية، فهل هذه السلسلة يمكن ان تكون لانهائية ام انه لابد لها من نهاية ما؟

يعني بكلام بسيط اذا اخذنا اي جزء من هذا العالم، مثل الارض، الارض هذه ما سبب وجودها؟ نقول مثلاً، انها كانت جزء من الشمس وحصلت ظروف معينة في الشمس ادت الى انفصال اجزاء منها وتكونت تبعاً لذلك كواكب المجموعة الشمسية، الان ما سبب وجود الشمس؟ سنقول ان الشمس كانت جزء من درب التبانة، وبسبب التحركات الحرارية العشوائية لغاز الهيدروجين حصلت تكتلات في كتلة الغاز ونتج عنها الشموس في المجرة، اذا استمررنا بهذا السؤال، هل سنصل الى نهاية في الاسئلة بحيث لايمكن ان نسأل هذا الشيء ماهو سببه؟ ام اننا لن نصل الى بداية او حادث اول اذا صح التعبير؟

طبعاً الاختلاف في انتهاء سلسلة الحوادث العرضية لا علاقة له بالايمان والالحاد فهناك من الملحدين من يؤمن بنهاية الحوادث مثلما ان هناك من المؤمنين من يؤمن بالعكس، نحن نريد ان نرى بناءاً على مفاهيمنا السابقة في هذا الموضوع اي الامرين اقرب للواقع؟

المنهج الذي سنعتمده هنا هو نقض الفرض، نريد ان نثبت ان سلسلة الحوادث هذه لابداية لها عن طريق ان نثبت انها مستحيل ان تكون منتهية. ولهذا سنقدم اثبات واجابة على الاعتراضات ايضاً.

اثبات عدم انتهاء الحوادث

الاثبات يتأتى لنا عن طريق ملاحظة القاعدة التي تقول "حكم الامثال واحد" فالاشياء من الجنس الواحد لايكون بعضه بحكم وبعضه الاخر بحكم اخر طالما كانت متماثلة، فاذا قلنا ان هذا الحيوان هو من نوع الاسود فلابد ان يكون هذا الحيوان مفترساً لانه متماثل مع بني جنسه، واذا كان الانسان لايطير، فان زيد وعمر وخالد لايطيرون، لانهم بالحكم واحد، وهكذا اذا قلنا ان حكم هذا الجزء من العالم هو انه حادث وذاك حادث فلايمكن ان نقول ان هذا الشيء حكمه انه غير حادث، فالشيء من الجنس الواحد لايكون بعضه حادثاً والاخر ازلياً.

طيب الان، اذا قلنا ان هذا الجزء من العالم حادث وله علة، وعلته هي كيت وكيت، ومن ثم نقلنا الحديث لهذا الجزء الاخر وقلنا انه حادث وعلته كذا وكذا، فاذا وصلنا الى جزء ما، وقلنا هذا الجزء غير حادث وليس له علة، فان هذا الجواب سيطرح اشكال مثل: لماذا هذا الجزء غير حادث دوناً عما سبقه من حوادث؟ لقد رأينا ان حكم المتماثلين واحد، فاذا كان لكل جزء سابق له، فلابد ان يكون لهذا الجزء سابق، هذه الحتمية من اين تأتي؟ تأتي من قولنا ان الصدفة لايمكن ان تكون اكثرية، يعني ملاحظتنا للجزء الاول وكونه حادث قد يكون هذ الارتباط بين الاثنين صدفة، ولكن تكرر هذا الامر في الجزء السابق الثاني والثالث والرابع يدلنا على ان الاقتران بين اجزاء العالم والحدوث هو ارتباط غير صدفي، او غير اتفاقي، ولهذا نحكم ان هذا الجزء لايشذ عن هذه القاعدة.

اعتراض من المتكلمين

طيب ممكن ان يقال ان هذا الاثبات يساند وجود الله، لانه اذا ثبت انه لايمكن ان يكون هناك جزء مادي غير حادث، وكان التسلسل اللانهائي ممتنع، فانه يمكن ان يقال ان هناك جزء مادي اول وعلته ليست من جنسه اي تكون علته غير مادية. بكلام اخر، يعني لنفرض ان هذا الجزء من العالم ارجعناه باسبابه الى شيء مادي اول (فليكن الانفجار العظيم) ثم نقول انه بالفعل الانفجار العظيم لاسبب مادي له وانما سببه ليس من جنسه وانما سببه الله.

الجواب على الاعتراض من جهتين

الجهة الاولى

اذا كان اول شيء مادي بحسب الوصف لا علة مادية له فان هذا معناه ان سلسلة الحوادث العرضية لا اول لها، لان اول السلسلة لابد ان يكون من جنسها والا لم يكن اولاً لها، وهذا يعني ان الاعتراض لاينفي الاستدلال. بكلام اخر: لنفرض اننا نتحدث عن نسب البشر، وقلنا مثلاً ان نسبنا يعود بنا الى انسان اول، ثم سألنا هذا الانسان الاول من ابوه؟ فقيل لنا لا اب له، او ابوه قرد او ابوه ملاك، فحينها لايكون هذا انسان اول، لانه ليس من جنس الانسان، فالانسان متصف بانه مولود من اب وام، فلما لم يكن له اب، فانه لم يكن من جنس البشر، واذا لم يكن الانسان الاول من جنس البشر فان البشر لا اول لهم !

الجهة الثانية

ماهي خصوصية هذا الحادث الاول عن بقية السلسلة بحيث جاءت علته ليست من جنسه؟ بكلام اخر، لماذا هذا الحادث بالضبط هو الذي كانت علته غير مادية وليس التالي له او الذي يليه؟

لفهم هذا الاعتراض تصور معي منضدة البليارد، ولاعب محترف يستخدم عصا البليارد ليضرب كرة تصطدم باخرى وهكذا، الان ان سبب حركة هذه الكرة هي اصطدام كرة سابقة بها، وسبب تحرك الكرة السابقة هو قوة ضرب عصا البليارد لها، اذا سألنا لماذا هذه الكرة بالذات هي التي ضربت بالعصا وليست الكرة التي تليها؟ يكون الجواب ان قواعد اللعبة تحتم هذا، فقواعد البليارد تقول ان اللاعب يضرب الكرة ذات اللون الابيض، فهناك على هذا خصوصية للكرة البيضاء تجعلها هي الحادث الاول او هي المتحرك الاول وليس غيرها. فحينما ننسب فعل ضرب الكرات الى الكرات نفسها لانجد هناك تساوي بالنسبة بل نجد ترجح للنسبة بين الضرب وبين الكرة البيضاء ولولا هذا الترجح لاستحال الفعل لاستحالة الترجح بلا مرجح.

اذن لماذا كان هذا الحادث الاول في العالم هو المعلول لعلة ليست من جنسه؟ لماذا هذا وليس غيره؟ لابد ان تكون نسبة هذا الحادث الى علته التي ليست من جنسه ارجح من نسبة باقي الحوادث الى نفس العلة، لماذا؟ لانه لو كانت النسبة متساوية لكان حصول الفعل صدفة وراينا ان هذا الامر غير ممكن لان العلة مقترنة بمعلولها حدوثا وبقاءاً ولايمكن ان تنفك عنه، فلا محل للصدفة هنا.

طيب لما كانت جهة "الخالق" لا تمايز فيها ولا خصوصيات فيها لاستحالة التكثر فيها، فان التمايز لابد ان يكون في الحادث الاول نفسه، ولكن هذا التمايز غير ممكن لانه لابد ان يكون مماثلاً لباقي الماديات على اعتبار ان حكم المثل واحد، فلو كان متمايزاً عنها فما المانع في ان يكون لا علة له طالما انه متمايز عن غيره؟ ففرض التمايز في الحادث الاول يعني خروجه عن حكم الامثال وخروجه عن وجود وجود علة له وهنا يحصل التنافي الممتنع.

اذن السلسلة العرضية لابداية لها فلو رجعنا في اسباب اي شيء لما وصلنا الى بداية لا سابق لها.

اعتراض على السلسلة التي لابداية لها

احدى الاعتراضات المشهورة في هذا الصدد حول السلسلة اللانهائية، هو انه اذا كان الحدث الحالي مسبوق بعدد لانهائي له من الحوادث فكيف وصلنا الى هذا الحادث؟ بكلام اخر ان هذا يعني انتهاء اللامنتهي، يعني كمثل مجموعة لانهائية من الجنود فيها الجندي الاول لايطلق النار الا اذا سمع امر الاطلاق من الجندي السابق وهذا بدوره لايعطي الامر الا اذا سمع الامر من الجندي السابق له وهكذا، بما انه يوجد عدد لانهائي من الجنود يقفون بالتتابع فان الامر لن يصل لجندينا الاول !!!

الجواب على الاعتراض

في الحقيقة هذا الاعتراض في حقيقة امره هو مغالطة الالتجاء الى الجهل، فالمعترض يحتج بجهله لكيفية حصول شيء لا بامتناع حصول شيء، ذلك اننا لانملك رياضيات تتعامل مع اللانهائيات، فنحن لانعرف كيف نطرح:

ما لانهاية - ما لانهائية

او ما لانهاية ضرب صفر

ليس عندنا رياضيات لهذا الامر، وبالتالي فتحديد كون هذا الامر غير ممكن هو احتجاج بالجهل.

الامر الاخر هو ان المعترض فرض بداية للسلسلة، بينما السلسلة لابداية له، فاستحالة الوصول الى الحدث الحالي يفترضها المعترض اذا وضع حدث اول واضاف له ما لانهاية من الاحداث، يعني حتى يبين استحالة الامر في مثال الجندي فهو يقول: ان وصول الامر الى الجندي الاول سيمر بعدد لانهائي من الجنود وبما انه لانهاية للامنتهي فاذن لن يصل الامر للجندي الاول، اي، انه يشير الى هذه العملية:

1+ مالانهاية= ما لانهاية

والاستحالة هنا منشؤها فرض بداية للسلسلة التي فرضنا انها لابدية لها، فالعملية الصحيحة هي:

- مالانهاية + مالانهاية

وهي عملية غير معرفة رياضياً، فالاحتجاج هنا هو التجاء للجهل وليس اعتراض على الاطلاق.

ماذا يقول البحث العلمي؟

في فيزياء الكون هناك الكثير من النماذج المقترحة التي تتجاوز نظرية الانفجار العظيم وتبحث فيما حصل قبلها، انها لاتناقض نظرية الانفجار العظيم ولكنها تكملها وتنظر فيما خلفها. ولعل اشهرها – حالياً- هو النموذج الدوري للكون Cyclic Universe والذي يعتمد على النظريات الخيطية.

من عجائب الامور ان هذا النموذج يتفق اتفاق عجيب مع الافكار الفلسفية الالهية، فهناك سلسلة طولية وسلسلة عرضية للاحداث. وقد يزول عجبنا حينما نعرف مدى التقارب بين الرياضيات والمنطق الفلسفي.

في هذا المجال، فان الطاقة التثاقلية تلعب دوراً جوهرياً، فالطاقة التثاقلية يمكن ان تعتبر مصدر غير نهائي للطاقة في ظروف معينة، هذه الطاقة تلعب دوراً في تكوين الاغشية Membranes وفي تكوين المادة والاشعاع في الكون (كأنما سلسلة طولية).

ينشأ الكون من اصطدام غشائين مع بعضهما، هذان الغشاءان تربطهما قوة تشبه قوة النابض الحلزوني فهما يقتربان من بعضهما حتى يتلامسا تقريباً، ومن ثم يثبان مبتعدين عن بعضهما، كل ترليون سنة يصطدم الغشاءان مع بعضهما ويؤدي ذلك الى "انفجار عظيم" ويتولد عن ذلك كون جديد ويبدأ الكون بالتوسع حسب نظرية الانفجار العظيم التقليدية.

فهناك سلسلة لانهائية من الاحداث، ولكن هذه السلسلة موجودة بوجود شيء خارج عنها هو طاقة التثاقل التي لابد منها والا صار الكون ماكنة ذاتية الحركة وهذا مستحيل.

أعتراض

هذه النظرية تخالف قانون الانتقال الحراري الثاني، وقد اشار ريتشارد تولمان ان النماذج الدورية تخالف قانون الانتقال الحراري الثاني. لان مقدار الانتروبي في كل دورة ستضاف الى الدروة اللاحقة وبالتالي تصبح الدورة اقصر واقصر حتى يبلغ طول الدورة صفر ويفشل النموذج.

الجواب على الاعتراض

هذا الاعتراض غير دقيق، لان المشكلة ليست في مقدار الانتروبي وانما في كثافة الانتروبي، اي في الكيفية التي تتركز فيها، ففي النموذج التقليدي الدوري الذي كان موجوداً خلال العشرينات من القرن الماضي، كان الكون حينما يمر في مرحلة التقلص فان مقدار الانتروبي يتجمع معاً ومن ثم يضاف الى تركيز الانتروبي للدورة اللاحقة، لكن في نموذج النظريات الخيطية فان الانتروبي "تميع" او توزع خلال مرحلة توسع الكون، بالتالي فانها لاتجمع ولا تضاف الى انتروبي المرحلة اللاحقة، وهكذا فان مقدار الانتروبي للكون ككل يتزايد طردياً وليس تراكمياً كما في النموذج السابق. وهذه الزيادة تنتشر خلف الافق خلال مرحلة سيطرة الطاقة المظلمة، وهكذا فان المشاهد العادي يلاحظ ان الانتروبي تساوي صفر خلال بداية كل دورة.

شكراً لقراءة المقال

Array
كل ترليون سنة يصطدم الغشاءان مع بعضهما ويؤدي ذلك الى "انفجار عظيم"[/quote]

كلما حاولت استيعاب فكرة نظرية الأكوان المتعددة وتوالد أكوان جديدة عن طريق اصطدامها ببعضها ، تبادر إلى ذهني تساؤلاً حول ما هية هذا "الشيء" الذي تسبح داخله هذه الأكوان. هل يوجد أي معنى أو تعريف للزمان والمكان خارج الكون حتى يمكن أن يسبح فيه ويتصادم مع أكوان أخرى؟

تحية وتقدير على مجهودك(f)

عزيزي ريد

ربما ينفع هذا الفيلم القصير في توضيح الامر، علماً انه يتضمن تبسيط للابعاد ففي الحقيقة الامر ليس بهذه الصورة التي يبدو عليها :)

http://www.feynman.princeton.edu/~steinh/brane3.html

تحياتي