الزميل العزيز ماجن (f)شرفت الشريط.

neutral (f)

Arrayتوقفت طويلا عند تلك الفقرة وقلبتها على كافة وجوهها وهى السبب الحقيقى وراء تأخر ردى لأن تلك الفقرة تجعل أى رد يبدو عبثيا أمام حتميتها بل أنها تجعل موضوعك كله عبثى وليس موضوعك فقط ولكن حياتك أيضا!! بل وتجعل الإنضمام لمنظمات المجتمع المدنى كتنظيم القاعدة شئ فى منتهى العقلانية لأن إذا كان الأمر حتمية فيزيائية/ بيولوجية فكس أمها فى طيزها وعليه وعلى أعدائى ولذلك فهى تحتاج لتوضيح أكثر منك.[/quote]

لا أبدا لم أقصد الحتمية البيولوجية / الفيزيائية بمعناها التقليدي. بل و لا أؤمن بأي حتمية من أي نوع. فحتى تلك الحتميات التقليدية قد تخلت عنها العلوم نهائيا.

و فيما يخص موضوعنا هذا و في العبارة:

Arrayأما بمجتمعاتنا فالأزمات الإقتصادية - أو بالأحرى الفشل الإقتصادي - ليست عارضا بل هي صفة أصيلة. بل و واقع الأمر أننا لم نخبر إطلاقا عكسها. فنحن لم نخبر النجاح الإقتصادي - كما نفهمه اليوم - كي نشكوا من عكسه. كل ما في الأمر أننا سنزداد فقرا مع كل حركة جديدة لعقارب الساعة و هذا لأسباب فيزيائية / بيولوجية بحتة ليس لنا فيها ناقة و لا جمل. مثل الزيادة السكانية, نضوب الموارد, نضوب مصادر الإقتصاد الريعي, إنقطاع المعونات, إعتماد الدول الأخرى على مصادر أخرى للطاقة ... إلخ. و سوف نتلقى تلك الظواهر الطبيعية بلا حول و لا قوة كما تلقت الديناصورات حقبة التغير المناخي التي أدت لإنقراضها.[/quote]

* فما عنيته بالأسباب الفيزيائية هي ظروف خارجية محيطة مثل نضوب البترول - قلة مصادر المياه - التصحر - التغيير مناخي ... إلخ
* و ما عنيته بالأسباب البيولوجية هي ظروف تتعلق مباشرة بمجتمعاتنا ذاتها مثل الزيادة السكانية - الأمراض سواءا مستوطنة أو تلك التي تتعلق بالتلوث الحاد و أساليب المعيشة أو حتى أوبئة مباغتة مثل أنفلونزا الطيور ... إلخ
* و يمكنك أن تضيف مجموعة أخرى من الأسباب - و التي سيتم فرد جزء خاص بها في هذا الشريط - و هي الأسباب المتعلقة بإرادة و مصالح الآخر و لنا أن نسميها كما نشاء (المنافسة - تعارض المصالح - المؤامرة على الإسلام - الحقد الصليبي ..... ) و هي أسباب تبدأ من العوز الإقتصادي وصولا للإحتلال المباشر و الحرب.

و بوجه عام فمجموع ما سبق يمثل تحديات خارجية Challenges خارجة عن فعل الإرادة و التي يجب أن تستجيب Response لتلك التحديات كما عبر عنه أرنولد توينبي بمنظومة Challenges / Response

ففي تحد مثل قلة الموارد نسبة للتعداد السكاني:
- فحضارة ما قد تستجيب بواسطة عملية تنظيم لعدد السكان و إعادة التوازن في نصيب الفرد.
- أخرى قد تستجيب بواسطة زيادة الموارد و التي من الممكن أن تكون بواسطة:
- إستغلال أقوم للموارد المتاحة.
- البحث عن موارد جديدة غير تقليدية للمجتمع المعني.
- السطو بأي شكل كان على موارد مجتمعات أخرى أضعف.

و المعول في إستمرار تلك الحضارة هو في مدى نجاحها في الإستجابة للتحدي الخارجي الذي تواجهه. أما الفشل لأي سبب كان أو عدم الإستجابة من الأصل فقد يؤدي لنهاية تلك الحضارة و في ظروف أخرى لإنقراض أجناس كاملة (مثل إنسان نياندرثال مثلا).

و التحديات أمام الحضارات في عالمنا المعاصر ليست بتلك البساطة في المثال بعاليه فالأمر أصبح غاية في التعقيد و التداخل و الإستجابة للتحديات يتطلب منظومات على قدر عالي من التعقيد و الدقة. فمجرد الإستجابة الخاطئة قد تشكل تهديدا يفوق عدم الإستجابة نهائيا.
و كمثال بسيط آخر فالإستجابة بواسطة السطو على موارد مجتمعات أخرى و إن كان لا يزال خيارا مطروحا إلا أنه لم يعد من المستطاع و لا المقبول نهائيا أن يتم بواطة الغزوات الحربية / الدينية المباركة - و مجرد محاولة لذلك قد تنتهي كما في مثال غزو الكويت.

إن مثال فج البساطة مثل (الإستجابة لتحدي مرض السرطان بواسطة التداوي ببول البعير يؤدي للهلاك) يتساوى مع حالة عدم وجود منظومة عالية الدقة و الصرامة للإستجابة لمنظومة التحديات التي تواجه حضارة ما في العالم المعاصر. و هذا ما قصدته في العبارة أعلاه (أننا سنزداد فقرا مع كل حركة جديدة لعقارب الساعة و هذا لأسباب فيزيائية / بيولوجية بحتة ليس لنا فيها ناقة و لا جمل.)

و عودة لموضوع الحتمية بوجه عام و حتى لا يلتبس الأمر بهذا المفهوم الغامض دعنا نفترض المثال حين يرى مشاهد ما أحدهم يسير في طريق مستقيم ينتهي بفجوة هائلة فإنه يمكن لهذا المشاهد بعد حسبة بسيطة أن يوجه حديثه مطمئنا للشخص الذي يسير "ستقع بفجوة و ستموت حتما بعد فترة زمنية قدرها س تقريبا".

الحتمية بعاليه ليست حتمية العلوم الصورية مثل "1+1=2" فهي حتمية تفترض ضمنا أن الشخص سوف يظل سائرا في طريقه و لن يعدل من رأيه - كما في حالتنا - كما تفترض ضمنا عدم حدوث تدخل خارجي (مثل أحدهم يمل من غباء السائر و يتدخل ليرفعه عنوة عن الطريق أو يقتله و يريحه). و حسب تأكدنا من قلة إمكان التدخل الخارجي و من غباء و عناد الشخص المعرض للخطر تكون نسبة الإحتمال أكبر و تقترب من تلك الحتمية و إن كانت أبدا لا تساويها.

و نفس المثال بعاليه ينطبق على موضوعنا بكامله - فمن يعلم ما قد تأتي به الرياح غدا؟

للجميع خالص تحياتي ,,,

* هل فعلا تتطابق قوانيننا / دساتيرنا مع الأخلاق التي يؤمن بها أفراد مجتمعاتنا؟
* هل تخطت مجتمعاتنا الإنتقال الأخير فعلا حيث القوانين / الدساتير الأرضية العلمانية؟

قد يدفعنا البحث عن إجابات لهذه الأسئلة لإعادة النظر جليا في سؤالنا بأول المداخلة "هل أزمة الأخلاق هي سبب حالة التردي بمجتمعنا أم العكس؟" و هذا بتغيير صيغة السؤال أولا لكي نعلم "عن أي أخلاق نتحدث؟ تلك التي يؤمن بها أفراد المجتمع أم تلك المسطورة بالقوانين و الدساتير؟" ثم "أي من تلك المبادئ يمثل و يحمي مصالح المجتمع و أيها يقف عائقا أمامها؟"

كنا و في سياق مناقشة الزميل المحترم / المفتش كولومبو قد قررنا أن القواعد الأخلاقية و تباعا القانونية تتكون تدريجيا مع تغيير ظروف المجتمع ملائمة لتلك الظروف و تعمل في إتجاه مصالح ذلك المجتمع. و تتشكل لاحقا ما يسمى بروح تلك القوانين أو الدستور - و هذا تبعا للحاجة لوجوده - حيث أن الدستور يمثل إطارا جامعا للقوانين يضمن للمجتمع ألا تخرج أخرى مناقضة لتلك الروح. و الحاجة لوجود دستور و هيئات تشريعية و محاكم دستورية تأتي في المجتمعات المعقدة ذات المنظومات المتعددة و المتداخلة.

و بدون الخوض في مناقشات أنطولوجية مضللة حول ماهية الأخلاق فقد كانت الأخلاق دوما - و بغض النظر عن ماهيتها و مصدرها - حارسا لمصالح المجتمع بداية من غريزة البقاء و التملك و الجنس مرورا بمصالح جماعية لضمان بقاء المجتمع و تنظيم تعاملات أفراده البينية وصولا حتى لأسمى حقوق الفرد حاليا.

و دعنا قبل أن نجيب عن الأسئلة بعاليه نعود عدة آلاف سنة حضارية للوراء لكي نمر في عجالة على قصة الدين و الأخلاق.

و أول ما سيصادفك من المفارقات الغريبة أنه و بالرغم من التشابه - لحد التطابق تقريبا - بين القيم الأخلاقية العليا لكافة المجتمعات و على الخصوص تلك المتعلقة مباشرة بغرائز مثل البقاء و التملك و منها على سبيل المثال لا الحصر (لا تقتل - لا تسرق) هذه القيم تصبح سارية Valid في حالة التطبيق البيني في نفس المجتمع و تصبح غير سارية Invalid في حالة التعامل مع مجتمع مخالف - بل و يتم تطبيق عكس تلك القيم لكي تصبح (أقتل - إسرق) من القيم العليا. و هذا بإستخدام نفس المرجعية الأخلاقية و التي إستخدمتها معظم المجتمعات الإنسانية و هي مرجعية دينية غيبية بإختلاف مصادرها.
و واقع الأمر أنه لا يوجد تناقض و لا يحزنون فالأصل في النظام الأخلاقي لمجتمع ما هو حماية مصالح ذلك المجتمع و القيمة (لا تقتل) تحمي مصالح الجماعة في تعامل أفرادها البيني و القيمة (أقتل) تحمي مصالح و بقاء نفس المجتمع في مواجهة التحديات من مجتمع مخالف. سواء كان ذلك المخالف معاديا أو يمتلك مواردا يود المجتمع المعني الإستحواذ عليها.

و في تلك الأثناء مثل الدين بكتبه و صحفه روح قوانين أو دساتير هذه المجتمعات. حيث كانت الحاجة دائما لأب أكبر يرعى بأوامره مصالح تلك المجتمعات التي يخصها - دونا عن غيرها - بمحبته و رعايته الدائمة و هذا لكل مجتمع على حدة. و قد وكل هذا الأب دائما من ينوب عنه في الأرض من ملوك و كهنة و أنبياء.
و مثل الدين بجوار كونه دستور أخلاقي / قانوني للمجتمعات وظيفة أخرى لا تقل أهمية و هي وظيفة معرفية بالمقام الأول و فيها يملأ الدين فجوات - و مخاوف - الإنسان المعرفية المجهولة له بواسطة حواسه و عقله. و واقع الأمر فصفات الآلهة التي أهلتها لإصدار النواميس الأخلاقية و القانونية كان لزاما عليها أن تضم المعرفة اللامتناهية.

أي أنه في تلك المراحل - منذ البدء و حتى نهاية عصور الظلام الغربية و بداية عصر النهضة - مثل الدين كامل المرجعيتين المعرفية و الأخلاقية للمجتمعات.

و واقع الأمر أنه و قبل مرحلة الأديان السماوية ذات الكتب كان الأصل في الدين هو المرونة التامة لتمكينه من ممارسة وظيفته الأساسية و هي مصالح المجتمع. حيث توافقت الأديان دائما مع تغيرات ظروف المجتمع الخارجية و الخارجية بشكل سلس. فليس من الغريب أن تغير الآلهة نصا أو قانونا ليساير متغيرات جديدة في ظل قنواتها المفتوحة دوما مع المجتمع خلال كهنته. و ليس من الغريب أن تتصارع الآلهة و تنقلب على بعضها البعض كذلك.
فقد تدعوا تلك الآلهة للحرب إستجابة لتحدي طبيعي مثل الجفاف و قد تدعوا للسلام و تحرم الحرب في ظل الوفرة. و هي قد تفسر ظاهرة طبيعية ما بغضب منها على عبيدها حينا أو قد تطلب قرابينا لمنع الأمراض حينا آخر.

فكلا المرجعيات الأخلاقية و المعرفية كانت تمتلك المرونة اللازمة للتوافق مع متغيرات ظروف المجتمع لكي تتمكن في النهاية من آداء وظيفتها في حماية مصالح المجتمع أو بعبارة أخرى لكي تتمكن من الإستجابة للتحديات التي تطرأ على مجتمعها.

لاحقا و في تطور درامي للأحداث ظهرت الأديان السماوية. و بالرغم مما يبدو من كون الأديان السماوية هي نقلة نوعية للفكر الإنساني و من كونها أكثر عقلانية من تلك التي سبقتها إلا أن الأديان السماوية حملت منذ يوم ولادتها بذور فنائها.

الأديان السماوية تمتلك كتبا مقدسة سابقة التجهيز غير قابلة للتغيير و لا التعديل. ففي سبيل تلافي مسألة تعدد الآلهة و تضاربها - و تشخيصها غير المعقول أيضا - أو تعدد آراء و مواقف نفس الإله و لإقفال القنوات المفتوحة دائما من السماء لعدد غير محدد من الكهنة قامت الأديان السماوية بعدة تغييرات جوهرية.
فقد تم قتل جميع الآلهة و الإكتفاء بإله واحد - تجريدي لحد كبير لتلافي عبادة الآلهة المنظورة و المحسوسة و المشخصة - كما تم إقفال قنوات السماء بموت نبي كل دين سماوي. و تباعا إنتقلت القداسة المطلقة من الإله لكتابه المنزل بنصوصه و أحكامه و تفسيراته المعرفية.

إن محاولة إصلاح مناقب الأديان السابقة قد نجحت لحد كبير.
فبالنسبة للمرجعية الأخلاقية و التي يمثلها الدين - أصبحت الكتب المقدسة تمثل ما يمثله اليوم الدستور و تقوم بما يقوم به من تأطير القواعد الأخلاقية و القانونية و حمايتها من تشريعات جديدة غير متوافقة قد يأتي بها ببساطة أي ملك و عن طريق أي كاهن خلال القنوات المفتوحة مع السماء.
كما نجحت في إضافة مسحة من العقلانية بإزاحة تعدد الآلهة و الذي كان سيؤدي لنفس النتيجة السابقة من التشريعات المزاجية.
و كما تم إزالة الآلهة المحسوسة و المرئية و المشخصة و إستبداها بآخر تجريدي لا يطاله النقد التجريبي.

لكن تلك الإصلاحات النوعية و التي تبدوا في إتجاه أكثر عقلانية حملت مع ولادتها ليس فقط بذور نهاية هذا النوع من الأديان بل و نهاية حقبة كاملة من التاريخ الإنساني.

إذ أنه و بالرغم من نجاح سد ثغرة إمكانية تشريع و تغيير القواعد الأخلاقية حسب هوى الملك و الكهانة إلا أن ذلك قد أتى على حساب أهم صفة ميزت الأديان كبنيات فكرية و مكنتها من آداء وظيفتها الأساسية في حفظ و دفع مصالح المجتمع و هي المرونة.
لم يعد بالإمكان تغيير التشريعات حسب المستجدات الخارجية. لقد تيبست البنية الدينية عند لحظة مولدها فاقدة القدرة على التكيف مع البيئة الطبيعية المتغيرة دوما. فعلى عكس دستور اليوم - ليس مقدسا و من الممكن تغييره - فالنصوص الدينية تستمد قدسيتها من الإله و الذي يعاذ به أن يغير كلامه فتنتفي عنه صفة العلم المطلق و يسقط عن عرشه.
و ما كان أكثر خطورة من ذلك و إن كان الظن عكس ذلك في تلك الحقب أتى من كون الدين مرجعية معرفية أيضا بالضرورة - أن نفس هذا التيبس قد أغلق أبواب الإجتهادات الجديدة في تفسير الظواهر الطبيعية أو حتى دعم ما قد إكتشف بالفعل منه.

في مرحلة ما من الزمن - نقطة إنقلاب - حدث ما لم يكن بالحسبان. حدث ما أدى ليس لتغيير نوعي في الفكر الديني بل في تجاوز الفكر الديني إطلاقا.

يتبع ,,,