بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
التناقض المعرفي .. العلم و الشيطان .
اقتباس:*"إن الإنسان حيوان عاقل ، وهو إن لم يستخدم عقله بشكل واع منهجي ، فإنه يفعل ذلك بشكل غريزي ،و على طريقة الهواة" .
أ. م . بوشنسكي – الفلسفة المعاصرة في أوروبا .
عند الإنسان الديني الجوهر يسبق الوجود .
ميرسيا ايلياد
تنويه واجب : طرحت شريطا بعنوان ( نظرية الإطار و الحوار المستحيل ) ، حاولت فيه توظيف نظريات في فلسفة المعرفة من أجل تفسير ظاهرة صدام الثقافات ،وفي هذا الشريط أحاول مرة أخرى توظيف نظرية هامة في علم النفس في مجال تفسير الازدواجية الثقافية للعقلية الشرقية ، منوها منذ البداية ألا علاقة لهذين الشريطين بثرثرات صيفية هنا و هناك .
ظلت نظرية التناقض المعرفي ل Festinger ، بالغة الأهمية منذ إعلانها عام 1957 إلى الآن خاصة في مجال علم النفس الاجتماعي social psychology ، إن هذه النظرية و تطبيقاتها أتاحت لنا اليوم أن ننظر بعمق داخل مجالات عدة كانت خافية مثل المحددات التي تحكم الأفكار والمعتقدات، و الذاتية الداخلية للقيم ، ورد الفعل الجماعي تجاه الأفكار التي لا تحظى بالقبول النفسي .
طبقا للنظرية فإن الإنسان يعاني من التناقض عندما يكون عليه المفاضلة بين معتقدين أو إجراءين لا يمكن التوفيق بينهما ، وتزداد تلك المعاناة كلما كان البديلان يحظيان بنفس الجاذبية في نفس الإنسان . وفقا لهذه النظرية فالإنسان يميل إلى البحث عن التوافق بين معتقداته المختلفة ، و بالتالي هناك معتقدات و اتجاهات لابد أن تتغير لتحقيق هذا التوافق المنشود ، وهناك ثلاث أساليب يلجأ إليها الإنسان لتحقيق هذا التوافق سواء بتعمد أو لا شعوريا ، وهذه الأساليب هي :
1 - تقليل أهمية المعتقدات المتناقضة
reduce the importance of the dissonant beliefs
2- إضافة المزيد من المعتقدات المتوافقة مما يفوق وزن المعتقدات المتناقضة .
add more consonant beliefs that outweigh the dissonant beliefs,
3- تعديل المعتقدات المتناقضة حتى تصبح غير متناقضة .
change the dissonant beliefs so that they are no longer inconsistent.
ومن الجدير بالملاحظة أن الإنسان في هذه الحالة ( التناقض المعرفي ) يميل طبيعيا إلى تعديل اتجاهاته صوب المعتقدات التي لا تمتلك جاذبية كبيرة أو الأقل إغراء لأن ذلك يستدعي تناقض أقل مع معتقداته الأصلية ،و هذه النتيجة تبدوا متناقضة مع النظريات السلوكية الأخرى التي ترى أن الإنسان يتجه إلى تغيير معتقداته صوب المعتقدات الأكثر جاذبية .
عند التعامل مع عناصر المعرفة cognitions المتاحة نطرح أولا سؤالا هو هل هذه العناصر ذات علاقة بعضها البعض أو لا ؟ ،و إذا كانت ذات علاقة فهل تلك العناصر متناسقة أم متعارضة؟ . في حالة التعارض فإن ذلك يؤدي إلى قلق نفسي ،وهذا يدفع الإنسان إلى الإحساس بضرورة تقليل هذا التناقض ، و تحاشي المعلومات التي تزيده.و هناك عدة أساليب يلجأ إليها الإنسان لمواجهة هذا التناقض كما ذكرنا ، فهناك تقليل قيمة و عدد عناصر المعرفة التي تناقض الاعتقاد الأصلي أو المبدئي ، فالأساس المعرفي في الشرق الإسلامي على سبيل المثال هو الثقافة التي تؤمن بوجود الجان ،و بالتالي فسوف نميل إلى تقليل أهمية المعرفة التي تناقض ذلك ، مثل العلوم الطبيعية التي لا تعترف بغير ما يقع تحت القياس ، و بالتالي ترفض التعامل مع مفردات لا يمكن تحديدها أو تعريفها بشكل موضوعي بعيدا عن ذات المتحدث مثل الملائكة و الشياطين ، هناك أيضا علوم الانثروبولوجيا التي تعالج بدقة نشوء الفكر الخرافي و الطوطمي ،وهي بالتالي تشرح بشكل منطقي و مقارن نشوء أفكار غيبية مثل الشياطين و الملائكة ، و هناك الميثولوجيا التي تتناول الأساطير و ارتباطها بالتعبير عن الفكر الجمعي للشعوب المنتجة لها . أسلوب آخر لمواجهة التناقض المعرفي هو زيادة عدد وأهمية المعارف التي تؤكد المعتقد الأصلي كأن نروي القصص و الأحداث ( الواقعية ) التي تؤكد وجود الجان ، أو أن نربط تلك المعارف بما نعتقد أنه المقدس المطلق الذي يعفينا من النقاش و الجدل ، مثل الزميل الذي يقول أن الإيمان بالجن هو إيمان بالله !.أيضا أن نغير المعارف أو نحورها بحيث تصبح غير متناقضة ، وهذا ما يحاوله من يتحدث عن المعجزات العلمية و الكونية في الكتب السماوية ، فهو يقول مثلا أن الجن هو العلم و أن الشياطين هم العلم الضار مثل إنتاج القنابل الذرية !.وهذه الحيل التوفيقية تشيع أكثر بين المهنيين و أنصاف المثقفين .
حسنا نحن أمام مجموعة من المعتقدات أو عناصر المعرفة بعضها لابد من تغيره ، هنا سنكون أمام عناصر معرفية أكثر مقاومة للتغيير من غيرها ، فالعناصر التي يؤدي تغييرها أو إلغائها إلى معاناة أكبر أو التي ستكون مرتبطة بغيرها من عناصر المعرفة الضرورية للإنسان ستكون أكثر ثباتا و أعصى على التغيير . حسنا لو طبقنا هذا المبدأ على قضية الشياطين ، سنجد أن الأمر يختلف من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى . مبدئيا أود أن أقول أنني لا أعتقد أن الأمر يتوقف على محاجات عقلية ،و لكن الأمر كله ذاتي ،و يتوقف على رؤية الإنسان لذاته ، فكل منا يريد أن يرى نفسه متحضرا منتميا للقيم التقدمية ،و أيضا إنسانا صالحا متوافقا مع الله و أوامره !، ولكن لو تعارضت الصورتان فهناك الأسبقيات ، فالإنسان الدينيhomo religious ( أي الإنسان ككائن يحيا حياة دينية ) سيتمسك بفكرة الشياطين التي يراها جزءا من دينه و بها – و بنظائرها – سيرضي الله و يدخل الجنة ، في حين أن الإنسان العلمي سيرفض الفكرة تحت قدسية الأمانة العلمية التي هي بالنسبة له دينه الخاص . المشكلة للأسف أكثر تعقيدا فلا يوجد في الواقع الإنسان الديني الخالص ولا العلمي الخالص ، فنحن جميعا مزيج منهما بدرجات متفاوتة ، و بمقدار اقترابنا من أحدهما نحدد موقفنا من فكرة الجن و الشياطين و الملائكة .
ولنا تكملة .
|
|
09-19-2005, 11:34 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
بهجت
الحرية قدرنا.
المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
|
التناقض المعرفي .. العلم و الشيطان .
اقتباس:*إن الحكم التاريخي على ثقافة أو حضارة مهما كان إنجازاتها المادية هو بمقدار ما تتيحه تلك الثقافة من حرية لمنتسبيها و للآخرين .الإعلان العالمي للحرية الثقافية
هناك تجربتان عاينتهما عن قرب توضحان بجلاء الحيل اللاشعورية المرتبطة بالتغلب على التناقض المعرفي .
الأولى .. ما يوجهه البعض من فهلوية العلم أمثال مصطفى محمود و زغلول النجار ضد نظرية التطور من انتقادات ، فمن المعروف أن نظرية التطور كأي نظرية علمية لا تصدر في حالتها النهائية مرة واحدة ،و لكنها دائمة التطور على ضوء المعطيات العلمية الحديثة ، وتلك هي طبيعة المعرفة العلمية . هذا لا ينفي بأن ما يجري عليها من تعديلات و ما يوجه لها من نقد يكون في إطار ما حققته من نجاح ،وما قدمته للبشرية من نتائج ، أي أن كل ذلك دليل صحتها العامة ،و لكن البعض من فئران العلم ، يترجم هذه الملاحظات و يعيد إنتاجها موحيا بسقوط النظرية و كذبها ، مسترسلا أنها مجرد مؤامرة يهودية ضد الأديان السماوية !.نحن هنا أيضا أمام حيلة مدبرة لتجاوز التناقض المعرفي الذي أثارته نظرية التطور كأوضح و أضخم صفعة وجهت لأساطير التوراة (نظرية الخلق الخاص) . ومن المعروف أن هذه النظرية اقتبستها التوراة من الحضارة البابلية ثم تبناها الإسلام كأغلب ما جاء بالتوراة من روايات و أساطير .هذا إذا هو الأسلوب الأول الذي تحدثنا عنه وهو (تقليل أهمية المعتقدات المناقضة) .إن هناك مؤامرة المصداقية بين المستهلك لهذا الفكر الملفق و بين المنتج ، فحواه بسيط ( اخدعني و أرحني من هذا التناقض ،وخذ ما تريد .. ألقاب علمية و أموال و شهرة , زوجة جديدة ....)، فمن منا سيتقبل بسهولة أنه و القرود العليا من أصول واحدة ،و أن جده الذي يفتخر به كان معلقا من رجليه على شجرة موز منذ ملايين قليلة من السنين ؟!.
خلال إقامتي في دبي انتشرت بين طائفة من الهنود شائعات قوية بأن نهاية العالم سوف تحل في يوم محدد هو يوم الكسوف الكلي للشمس ،و بدأ المؤمنون يبيعون كل ممتلكاتهم و يبعثرونها في اللهو و الشراب ، بينما أخذ الأكبر سنا و الأكثر إيمانا ، يجتمعون في بيوت بعضهم و يتلون الصلوات انتظارا لمعجزة تأخذهم للنرفانا بلا معاناة ،و لكن مع مرور الوقت المحدد و بلا مفاجآت ، أخبرهم النبي الذي تنبأ لهم بالمأساة أن الآلهة أبلغته بأن إيمانهم وصلواتهم أنقذت العالم من النهاية المروعة ، فعمت الفرحة جموع المؤمنين !. وبدلا من أن يكفروا بهذا الدين و يسحلون النبي المزيف زاد عدد المؤمنين به و نمت الجماعة أضعافا مضاعفة بسبب تلك النبوءة الكاذبة !.إن مواجهة الحقيقة مرة ، فمن يريد أن يصدق بأن الأمر كله هو هلوسة دجال ،و أنهم مجرد مجموعة من البلهاء المغفلين أضاعوا حياتهم في الأكاذيب و أضاعوا نقودهم بسبب غبائهم ؟ ، كان هذا الشعور كفيلا بأن يدفعهم للبؤس ، لهذا فضلوا المعرفة الخادعة التي تجعلهم حكماء و أبطالا أنقذوا العالم بإيمانهم و شجاعتهم . هؤلاء الهنود لجئوا لا شعوريا إلى الأسلوب الثالث وهو تعديل المعارف المتناقضة مع معتقداتهم الأصلية ( عدم تحقق النبوءة ) حتى تصبح غير متناقضة مع نفس المعتقدات التي تناقضها بالفعل ، عن طريق قراءة بديلة للوقائع .
بآلية مماثلة تعامل المسيحيون الأوائل مع نبوءة المسيح بالعودة التي لم تتحقق ، فعندما نجح بطرس في إقناع يسوع أنه المسيح المنتظر ،و أنه حتى الموت لن يقهره و أنه سيعود ليحكم العالم إلى الأبد . كان التعذيب الوحشي و الألم الصاعق و الإحساس بالضياع السياسي ، مضافا إليه ما شعر به يسوع من الكراهية و العنف و الضعة التي يرسخ فيها البشر ، أيضا مع عبادة أتباعه له ، كل هذا كان عاملا حاسما في اقتناع يسوع برأي بطرس ، فأطلق نبوءته الشهيرة بأنه سيعود بينما سيكون هناك بعض معاصري صلبه أحياء ، و عندما مر 1000 عام دون ظهور المسيح ، انتظر الناس ال 1000 الثانية ،وهم الآن ينتظرون ال 1000 الثالثة بلا ملل ، و كلما مر الزمن بدون عودة المسيح زادت الثقة في عودته ، فهذا التناقض جزء من معضلة العقل البشري .
ولنا عودة .
|
|
09-20-2005, 04:33 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}