الموت.. هو اللغز الأكبر الذي شغل البشرية منذ ظهورها.. وكان الخوف مما بعد الموت هو المغذي الرئيسي لنشوء المعتقدات التي تجعل من الموت بداية لحياة أخرى، فكانت هذه المعتقدات بذاتها نواة ارتكزت عليها "الأديان المنظمة" بعد ذلك، لتصبح هذه الأديان، وبالأخص الإسلام والمسيحية، ممتهنة لتخويف الناس بـ"فزاعة الموت"، فالإسلام يتوعد كل البشر بأن من لا يؤمن بمحمد مصيره الخلود الأبدي في عذاب فظيع وبشع، أما من يؤمن بمحمد فله جنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها أبداً. وكذلك المسيحية وديانات أخرى لها مزاعمها الخاصة والشبيهة بالمزاعم الإسلامية، وقد أحسنت هذه الديانات استغلال ما يعتري الإنسان من خوف من المجهول لصالحها، فبسبب هذه المزاعم نجد الملايين على مدار التاريخ قد أهدروا قسماً عظيماً من طاقاتهم في عبادات طويلة ومرهقة وأعمال مملة يطمع فاعلها بمكان في الجنة و نجاة من النار، فتجد اليوم قساوسة مساكين أفنوا أعمارهم في خلوات وصلوات ودعوات وانعزال عن الناس وعن الحياة وملذاتها، وتجد كذلك انتحاريين مغفلين استباحوا دماء الآخرين واستباحوا دماء أنفسهم طمعاً في جنة خلد وحور عين. إن مزاعم الأديان عن مصير الإنسان بعد الموت أثـّرت في الناس على مدار التاريخ تأثيراً كبيراً لدرجة دفعت بأناسٍ بالغين عاقلين إلى فعل أشياء لا يفعلها إلا المجانين.. فياله من تأثير عظيم لعبته مزاعم الأديان عن مصير الإنسان بعد الموت.
لقد لعبت الأديان في ساحة "ما بعد الموت" وعبثت بكل حرية ، مطلقة ادعاءاتها كما تشاء، مستغلة حقيقة أنه لا يمكن أبداً التحقق مما يحصل بعد الموت لأنه ببساطة لم يحصل في التاريخ أن عاد إلينا شخص من موته ليحدثنا عما رآه، لذلك مضى مئات الملايين من البشر وفي مختلف العصور مضوا بمعتقداتهم الخاصة عما بعد الموت دون أن تتأثر قيد أنملة، فمن يمت لا يرجع أبداً، وبذلك نفذت الأديان بجلدها واستمرت ادعاءاتها تعيش إلى اليوم بيننا دون أن تتأثر.
ولكن كل ذلك انتهى.. نعم لقد انتهى زمن استغلال الدين لجهل الإنسان لما يحصل بعد الموت وولى هذا الزمن إلى غير رجعة.. وذلك تحديداً مع أواسط السبعينيات حينما بدأت بعض الوسائل الإعلامية بتناول ما اصطلح على تسميته بـ "تجارب الاقتراب من الموت"..
نعم.. ما يحصل بعد الموت لم يعد سراً.. فالتقدم الكبير الذي حصل في ميدان الطب جعله قادراً على تحقيق معجزات كثيرة، من أحدها إعادة الحياة إلى أشخاص ذهبوا إلى الموت فعلاً، أشخاص كانت أجسادهم مجرد لحم وعظم دون أي إشارة على الحياة: لا خفقان قلب، لا تنفس، لا نشاط دماغي، إنه موت كامل، ولكن الفرق المهم هو أن الفترة التي كانوا خلالها موتى لم تكن بالطويلة بحيث لم تؤد إلى تلف خلايا دماغية كثيرة – بسبب عدم وصول الأكسجين-، فكانت أجسادهم قادرة على العودة إلى الحياة بعد أن مروا بالموت لفترات لا تتجاوز في الغالب الساعة الواحدة.. والفضل في ذلك يعود غالباً إلى وسائل الإنعاش الحديثة.
تجارب الاقتراب من الموت هى تجارب مر بها قسم من الذين ذهبوا إلى الموت أو كانوا على شفير الموت، أخبر أصحابها عن أنهم قد خرجوا من أجسادهم وتمكنوا من رؤية المسعفين وهم يحاولون إنعاش أجسادهم وهى ممدة على السرير، وأخبروا عن مرورهم إلى عالم آخر مليء بالحب والسعادة والجمال الطبيعي الخلاب يلتقون فيه بكائنات نورانية وبأقارب ومعارف متوفين، وأخبروا كذلك عن رؤيتهم لشريط حياتهم. الظاهرة عالمية تحصل في كل مكان، وتحصل لأشخاص من مختلف الأعمار والأديان، وتم رصد ومتابعة هذه الحالة من كثير من العلماء بحيث لم تعد هذه التجارب مجرد حكايات، بل أصبحت أمراً معتبراً ينظر إليه العلماء بجدية محاولين فهمها وتفسيرها.
هناك من يصدق بأن هذه التجارب هى حقيقية وأصيلة وتثبت وجود حياة بعد الموت وأن الوعي منفصل عن الدماغ، ولكن هناك أيضاً من يعتبر هذه التجارب عبارة عن هلوسات لا تخرج عن نطاق الدماغ.. وفي كلتا الحالتين، سواء كانت هذه التجارب حقيقية أم هلوسات، تثبت هذه التجارب بطلان الأديان.
في هذا الموضوع، سأقوم بعرض بعض تجارب الاقتراب من الموت، ثم سأعقد مقارنة بين ما تدعيه الأديان عما يحصل للإنسان بعد الموت وبين شهادات الذين ذهبوا إلى الموت ليتبين لنا وجود تناقضات محورية، ثم سأتناول ما طُرح من تفسير علمي للظاهرة، ثم أختم بشكل مختصر عن أن هذه التجارب حتى لو كانت هلاوس فهى تثبت بطلان الأديان.
المادة الرئيسية التي سأستقي منها الشهادات وبعض المعلومات هى من وثائقي ممتاز من إنتاج البي بي سي بعنوان: اليوم الذي مت فيه..
وهو متوفر على الروابط التالية:
http://www.youtube.com/watch?v=_I9-XxBAEsQ
http://www.youtube.com/watch?v=yKv3rrFO0LU
http://www.youtube.com/watch?v=OjTgKPOkFuA
http://www.youtube.com/watch?v=zubKmhorm5g
http://www.youtube.com/watch?v=j-sk2qW1tcc
http://www.youtube.com/watch?v=m9CDCZLRL9g
وسأعتمد أيضاً على بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة في جمع شهادات الاقتراب من الموت، ومن أبرزها:
http://www.near-death.com/
بيم فان لوميل، طبيب أمراض قلب هولندي، أراد التوسع في تتبع شهادات الاقتراب من الموت، فوقع اختياره على الذين يُصابون بالسكتة القلبية كونهم هم أفضل من يحقق العلامات الأساسية للموت: توقف في نبض القلب، توقف للتنفس، توقف النشاط الدماغي بعد السكتة بثمان ثوان. فأجرى هذا الطبيب في عام 2001 مسحاً شمل 344 شخص ممن أصيبوا بسكتة قلبية، وتم سؤالهم خلال يومين منذ حصول السكتة لهم، النتيجة كانت أن واحداً وأربعين منهم قد أخبروا عن مرورهم بتجربة اقتراب من الموت.
لنتعرف على هذه التجربة ولنترك الحديث لمن مروا بها:
1-تجربة هيذر سلون (المصدر: "اليوم الذي مت فيه"، الجزء الأول، من الدقيقة السابعة).
هى سيدة إنجليزية لم تكن قد سمعت من قبل شيئاً عن تجارب الاقتراب من الموت، إلى أن جاء اليوم الذي ماتت فيه، حيث تم أخذها إلى المستشفى بسبب حالة حمل خارج الرحم، تقول هيذر:
((
لا أذكر شيئاً عن مغادرتي إلى المستشفى، لا بد أنني فقدت الوعي في مرحلة ما، ثم جاءت لحظة حيث وجدت نفسي واقفة بجوار سرير، ثم أدركت أن الذي على السرير هو أنا، حينها أدركت أنني أقف خارج جسدي، سمعت صوتاً من داخلي يقول "لا تقلقي من هذا، تعالي معي إلى هذا الضوء"، فمضيت خلال هذا النفق الضوئي، وحينما وصلت إلى الجانب الآخر، كان حباً وسلاماً تامين، لم أكن حتى قلقة من حقيقة تركي لجسدي، ثم وجدت نفسي أمام "الكمال التام" إن كان يمكن لي وصفه، وشعرت بأنني لا أستحق بأن أكون في هذا المكان المثالي التام، هناك ترى شريط حياتك منذ اللحظة التي كنت فيها صغيراً، حيث تتذكر كل شيء تماماً، وتشعر بالتأثيرات التي أحدثتها أفعالك على الآخرين، ثم بدأت أفكر بأنني سأموت، لم أرد أن أموت لأن لدي طفلاً صغيراً لا بد أن أرعاه، وهذا جعلني أشعر بالضيق الشديد، ثم حصلت صدمة قوية فإذا بي أصحى على الفراش والممرضات حولي)).
2-تجربة "بام رينولدز" (المصدر: "اليوم الذي مت فيه"، الجزء الثالث، من الدقيقة الثانية والنصف)
هى سيدة أمريكية تُعتبر تجربتها من أهم وأشهر تجارب الاقتراب من الموت والتي أذهلت المتخصصين والأطباء، في عام 1991 أصبحت رينولدز البالغة من العمر 35 عاماً أصبحت مريضة بشكل خطر، وتم اكتشاف أنها مصابة بورم في شريان دماغي، ذهبت إلى طبيب أعصاب فأخبرها بألا فرصة لها لأن تعيش، فذهبت إلى معهد عصبي متقدم، وهناك أجرى لها الطبيب روبرت سبتزلر عملية خطرة حيث يتم خفض درجة حرارة جسدها إلى ما بين 10 – 15 درجة مئوية، يتم إيقاف تنفسها ونشاطها الدماغي بشكل تام، ويتم تفريغ الدم من رأسها، فتكون ميتة لمدة ساعة كاملة. قبل بدء العملية يتم تخدير المريضة ووضع أشرطة لاصقة على عينيها، ووضع أجهزة في أذنيها تصدر طنيناً وذلك لقياس ردة فعل الدماغ، يتم تغطية المريضة بشكل كامل ما عدا قمة الرأس حيث يتم إجراء العملية.
تقول رينولدز:
((
لا أتذكر غرفة العمليات، لا أتذكر حتى أنني رأيت الدكتور سبتزلر، كنت مع أحد مرافقيه، وبعد ذلك "لا شيء" تماماً، إلى أن سمعت ذلك الصوت العالي المزعج وكأنني كنت في عيادة أسنان، وشعرت بوخز في أعلى رأسي، ثم انطلقت فجأة خارجة من قمة رأسي، رحت أنظر إلى الأسفل إلى جسدي، لقد علمت أنه جسدي، كانت زاوية الرؤية وكأنني جالسة على كتفي الطبيب، أذكر الأداة التي كانت في يده، بدت شبيهة بفرشاة الأسنان الكهربائية، كنت أظن أنهم سيستخدمون منشاراً لفتح الجمجمة، لقد سمعت من قبل عن كلمة "منشار"، ولكن ما رأيته كان أشبه بحفّار له أجزاء أخرى محفوظة في صندوق، وأتذكر أنني سمعت صوت امرأة تقول: "لدينا مشكلة، شرايينها صغيرة للغاية"، فقال الطبيب: "جربي الناحية الأخرى"، أتذكر أن الصوت جاء من جهة ساقي، أتذكر أنني تساءلت:"مالذي يفعلونه هناك؟" لأن هذه عملية دماغ، وتبين بعد ذلك أنهم كانوا يحاولون الوصول لبعض الشرايين لتفريغ الجسد من الدم.
ثم بعد ذلك ظهرت نقطة صغيرة من الضوء بدأت بجذبي نحوها، وكلما اقتربت من الضوء كلما بدأت أرى أناساً مختلفين، ولقد سمعت صوت جدتي تناديني ، فذهبت إليها على الفور، وكان شعوراً رائعاً، ورأيت عمي والذي توفي حين كان عمره 39 عاماً، ورأيت كثيراً من الناس الذين عرفتهم وكثيراً من الذين لم أعرفهم ولكني كنت أعلم أنني بطريقة ما كنت متصلة بهم. لقد سألت إن كان الله هو النور، فكانت الإجابة "لا الله ليس هو النور، النور هو ما يحصل حين يتنفس الله"، وأذكر أنني تحديداً كنت أقول لنفسي "أنا أقف في نَفَس الله"، وفي لحظة ما قيل لي بأنني يجب أن أرجع، وبالطبع كنت قد اتخذت قراري بأن أرجع من قبل أن أوضع على طاولة العمليات، ولكن كلما كنت هناك كلما أحببت المكان، وكان عمي هو الذي أعادني إلى جسدي، ونظرت إلى جسدي وبالتأكيد لم أكن أريد أن أعود، وظل عمي يحاول إقناعي في أن أعود وكنت أرفض، "وماذا عن أطفالك" قال لي، قلت له: "سيكونون بخير"، فقام أخيراً بدفعي، وأعتقد أنني سأتطلب وقتاً طويلاً حتى أسامحه على ذلك (تضحك) .. )) اهـ .
نجحت العملية، وعادت رينولدز إلى الحياة بصحة جيدة، وقد أكد الطبيب المعالج لها صحة المشاهدات التي قدمتها، وتحديداً وصفها لأداة الحفر، ووصفها للمحادثة التي جرت بينه وبين مساعدته، وأكد الطبيب أنه في تلك المرحلة من العملية لا يمكن لشخص في مثل وضعها أن يحصل على المعلومات التي حصلت عليها. (للمزيد راجع الوثائقي.. وسأعود لهذه الحادثة حين أتناول التفسير العلمي لظاهرة تجارب الاقتراب من الموت)
أكتفي الآن بهذا القدر، وسأعقد في المشاركة القادمة مقارنة بين مزاعم الأديان عما بعد الموت وبين ما يحدث في تجارب الاقتراب من الموت.
تحياتي