الرد على: من أحقر المقالات التي قرأتها للنذل عبد الرحمن الراشد مدير قناة العربية
جواد البشيتي
امتزاج (الأحمر) بـ (الأزرق)!
العرب اليوم الاردنية
2010-06-01
إنها الحرية, أشرعة وسفنا وأسطولا, رجالا ونساء أمميين, خطُّوا بدمائهم "يا أحرار العالم اتحدوا!", فإما أن تكون مثلهم, أول من يُقْتَل وآخر من يموت, وإما أن تكون, أو تظل, عبدا, وما أكثر العبيد عندنا!
لونان لا ثالث لهما امتزجا في عرض البحر الدولي, وعلى مقربة من المياه الإقليمية لقطاع غزة, هما الأحمر, لون الحرية السرمدي, والأزرق, لون الأمل, يحيط بأسطول الحرية الحمراء من البحر والسماء.
جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها, من الأبعد وهو الأقرب; ولم يجيئوا من الأقرب, فهو الأبعد.
ركبوا البحر الأبيض المتوسط "الإسرائيلي", محمَّلين بغذاء ليس كمثله غذاء, وبدواء ليس كمثله دواء, فإذا بقطاع غزة يصل إليهم قبل أن يصلوا إليه, وإذا ب¯ "إله الجند" ينقض عليهم من البحر والسماء, ليذيقهم ما أذاق أهل غزة من حصار وقتل وأسر; ولكنهم أذاقوه الخزي والعار.
وللعراة من العرب أقول لا تطلبوا مزيدا مما أدمنتم على طلبه, ألا وهو تعرية إسرائيل, فها هي تعري نفسها بنفسها, وتؤكد للعالم أجمع أنها دولة للقرصنة والقراصنة, للإرهاب والإرهابيين, للعنصرية والعنصريين, للجريمة والمجرمين, للوحشية والمتوحشين; حتى الغباء, الذي ترضعه من ثدي التلمود تارة ومن ثدي غرور القوة طورا, أصبح له دولة, وجيش يدافع عنه ويحامي.
كانت تعلم علم اليقين أن ليس في السفن, ولا في دوافع وغايات من هم على متونها, ما يجعل أمنها, ولو آجلا, عرضة للخطر; ولكنها اختارت, إذ ألَّهت السيف, وعبدته حتى استعبدها, أن تضرب عرض الحائط بنصيحة نابليون للأغبياء من أمثالها "إنك تستطيع فعل كل شيء بالحراب عدا الجلوس عليها"; ولقد جلست!
لولا الغباء, الذي أعجزتها أوهام التلمود وأوهام القوة العسكرية التي تستبد بها عن مقاومته في عقلها السياسي لتركت السفن تذهب إلى حال سبيلها, وترسو في ميناء غزة; فلو فعلت ذلك لما تخطى الحدث حدود ماهيته الإنسانية والأخلاقية, ولظل بمنأى عما يتسبب بتفاعله سياسيا, على المستويين الإقليمي والدولي.
ولولا الغباء الذي يخالطه كثير من الحقد على تركيا الجديدة, وعلى قائدها أردوغان على وجه الخصوص, لما صبت جام غضبها العسكري على كل ما له صلة مباشرة بالمساهمة التركية في الحملة الأممية لنصرة غزة, وكسر الحصار المضروب عليها, وكأن بيريز لم ولن يغفر لأردوغان "ذنبه", أي وقفته الفلسطينية والعربية البطولية والمشرِّفة.
وكان قطرة من "الذكاء" في هذا البحر من الغباء أن "تُحْسِن معاملة" السفن اليونانية, متوهمة أنها بسلوكها المتناقض هذا قد تنجح في كسر الحملات الأممية لكسر الحصار الذي تضربه على قطاع غزة منذ 1000 يوم.
أما إذا احتاجت إسرائيل إلى مزيد مما قد يقنعها بأنها دولة للغباء والأغبياء فإن أردوغان نفسه سيلبي لها هذه الحاجة, عاجلا أم آجلا, وسيؤكد لها أن الإساءة الكبرى لم ترتكبها في حق تركيا وإنما في حق نفسها, وأنها قد ارتكبتها إذ ظنت أو توهمت أن أردوغان لا يختلف من حيث النوع والجنس عن الزعماء العرب الذين كلما أمعنت في إهانتهم طلبوا مزيدا من الإهانة حتى أصبحوا مدمنين عليها.
إذا كانت الأمم أخلاقا فإن على العرب, بصفة كونهم أُمَّة لا أَمَة, أن يثبتوا الآن أنهم لم يسقطوا أخلاقيا أيضا, فإن بقي السفير والسفارة, وإن بقي من أثر لعلاقة عربية بدولة العصابات والقراصنة, فهذا إنما يعني ويؤكد أن العرب قد أضافوا إلى سقوطهم السياسي سقوطا أخلاقيا, فبقاء علم دولة العصابات والقراصنة مرفرفا ولو في شبر من أرض العرب إنما هو بقاء لا يبقي حتى على البقية الباقية من أخلاق لدى العرب, فما حدث تعدى السياسة, متعديا على الأخلاق!
تحية إلى الأبطال الأحرار في أسطول الحرية, فلقد جاءوا إلى أمثالهم في غزة, ولم يجيئوا إلى عرب لا يثورون, ولا يشكون, لا يغنون, ولا يبكون, لا يموتون, ولا يحبون.
جاءوا إلى المثخنين بجراح الجسد, المختزنين فيها الشتاء والرعود والبروق والعاصفة.. والآلام التي منها ولد الكبرياء الفلسطيني.
جاءوا إلى حيث البقية الباقية من القابضين على الجمار يموتون في عز وسؤدد لينعم غيرهم بعيش من خزي وعار.
جاءوا من كل القارات أحرارا متَّحِدين, فمتى تتحد قبائل العرب في قبيلة واحدة, لها رب واحد, وانتماء واحد, وقدر واحد?!
جاءوا ليعلموننا الأبجدية العربية, فحتى نكون عربا لا يكفي أن تكون عيوننا سوداء, وأن نرتدي كوفية وعقالا وعباءة مصنوعة من وبر الجمل.. لا يكفي أن نتمنطق بالخناجر المعقوفة, ونحفظ ألفية ابن مالك, وكتاب الأغاني, ومقامات بديع الزمان الهمذاني.. ونشرب القهوة المرة.
لقد احترق المسرح وما مات الممثلون; أحياء ظلوا; ولكن مخصيو اللسان والفكر, أحصنة من خشب يركبون, وأشباحا وسرابا يقاتلون.
وعربا ظلوا; ولكن من حطب وخشب, في وادي الدموع يصلون ويتعبدون, وعن ورود الوهم يبحثون, لعلهم غير أصفادهم يجدون.
أما تلك الدولة, التي يتحرقون للسلام معها, فها هي تقيم الدليل بنفسها على أنها لا تملك من وسائل للبقاء سوى ما يؤكد أنها غير جديرة بالبقاء, وأن العداء الأسمى حضاريا وإنسانيا وديمقراطيا هو العداء لها, وإن ألبسوه لبوس العداء للسامية!0
|