To Kill a Mockingbird
الفلم من إنتاج 1962 . و من إخراج روبرت مولجان ( الذي نال الأوسكار على هذا الفلم ) .
بطولة " جريجوري بيك " Gregory Peckو هو من وجهة نظري واحد من أفضل الممثلين العالميين ، إن لم يكن أفضلهم ( نال الأوسكار و الجولدن جلوب على هذا الفلم ) . وقد صنفت مؤسسة السينما الأمريكية AFI" American Film Institute " دور بطل الفلم ( بيك ) أتيكوس فينتش ""Atticus Finch هو الأفضل في القرن العشرين ، و لكنها صنفت جريجوري بيك نفسه ليكون في المرتبة 12 كأعظم ممثلي السينما الأمريكية في تاريخها . و يعتبر الفلم ملكية عامة للولايات المتحدة ، كما تصنف " AFI" الفلم في المرتبة 25 لأفضل الأفلام الأمريكية .
لم أكن أعرف تلك المعلومات كلها عندما اخترت هذا الفلم كمثال للفلم المتعاطف مع قيم الحرية الموالي للإنسان . شاهدت الفلم في فترة مبكرة من عمري ،و لكنه ظل دائما معي ، وعندما كان لدي ثمن الرواية اشتريتها ، و هي تحمل نفس الإسم للكاتبة Nelle Harper Lee ( الرواية حازت على جائزة بوليتزر) ، كي تبقى الشخصيات التي أحببتها بجواري ، خاصة شخصية المحامي صاحب المبادئ أتيكوس فينتش ""Atticus Finch ، لأنها كانت دائما تبرق أمامي و كثيرا ما قادتني للفضيلة و المشاكل ! . بل لعل أجمل ثناء سمعته في حياتي كان من ابنتي عندما شاهدت معي الفلم ،وهو يعاد في إحدى القنوات الفضائية منذ سنوات قليلة ، فقالت لي :" هذا الرجل يشبهك يا بابا " ، لا أشبه جريجوري بيك بطل الفلم كثيرآ ،و لكني أعلم أنني أيضا مثل المحامي " فينتش " لا أتخلى أبدآبسهولة عن القضايا التي أومن بها ، خاصة لو كانت خاسرة !.
تقع احداث الفلم في بلدة مايكومب " Maycomb" بولاية ألاباما خلال فترة الإنكماش الكبير في الثلاثينات ، و يقوم بدور الراوي و الشخصية الأساسية ؛ فتاة صغيرة هي سكوت فينتش "Scout" ، هذه الفتاة فقدت والدتها و تعيش مع والدها المحامي أتيكوس فينتش ، وهو رجل قويم الشخصية صاحب مبادئ ، و مع أخيها جيم الذي يكبرها بسنوات ثلاث ، كما أن لهم صديق آخر هو ديل . يحاول الصغار الثلاث التلصص على جار لهم لا يغادر بيته قط ،و تتناوله الشائعات كوحش خطير يدعى " بو رادلي" ، و عندما اكتشف أتيكوس ذلك عنفهم ، و لكن رغم مشاغبات الصغار كان بو رادلي يترك لهم الهدايا الصغيرة ، و في مناسبة أخرى وضع بوو بطانية حول سكوت – دون أن تدري -عندما كانت ترتعش وهي تراقب منزلآ مجاورآ يحترق .
يقرر المحامي أتيكوس أن يدافع عن رجل أسود يدعى " توم روبنسون" متهم بإغتصاب فتاة فقيرة للغاية تدعى مايللا إيول Mayella Ewell، تنتمي إلى أحط الطبقات في المدينة ، أو ما يدعونهم ب (الزبالة) !.هذا الموقف يلاقي النقد العنيف من سكان مدينة مايكومب بالغي العنصرية ، رغم ذلك يصر أتيكوس على قبول القضية لأن ضميره لا يسمح له بغير ذلك . كان أتيكوس موقنا من براءة توم ،و لكنه موقن أيضا بأن المحلفين و كلهم من البيض لن ينصفوا رجلآ أسودا تتهمه إمرأة بيضاء . هذا لم يثن أتيكوس المؤمن بالعدالة من أن يسعى لكشف الحقيقة لسكان المدينة ، و تعرية عنصريتهم المقيتة ،و إقناعهم بفكرة المساواة العنصرية . بسبب هذا الموقف المبدئي تعرض سكوت و جيم للمضايقات و التحقير ، متهمين والدهما بتهمة يراها السكان بغيضة للغاية هو أنه محب للسود !.
في اليوم السابق للمحاكمة يحجز توم في سجن المقاطعة ، و لكن أتيكوس يخشى من تعرض جيم للخطر ، فيذهب لحراسته في السجن ، و عندما يحاول 3 أشخاص مهاجمة السجن و شنق توم بلا محاكمة ، يهرع إبني أتيكوس و صديقهما لمساندته ، و تنجح الصغير " سكوت" بمنطقها البريئ من إثناء الرجال الثلاث عن تهديد حياة " توم " و قبول حكم القضاء .
أثناء المحاكمة كانت هناك روايتان متناقضتان ، ولكنهما يشتركان في المقدمة و النهاية ، الفتاة البيضاء " مايللا إيول" تستدعي توم لمساعدتها في عمل ما في غياب والدها ، و تروي الفتاة أن توم اغتصبها بعد ذلك ، ثم فر عند ظهور والدها . بينما يروي توم أنها هي التي حاولت أن تقبله و لكنه نهرها ، وسرعان ما ظهر والدها الذي ضربها بشكل مبرح ، و أن توم غاردهما حتى فوجئ بالقبض عليه . أثبت الفحص أن الفتاة ضربت بقسوة على الجانب الأيمن من وجهها ، مما يعني أن الجاني استخدم يده اليسرى ، بينما اليد اليسرى لتوم مشلولة نتيجة حادث ، في حين أن والد الفتاة يستخدم يده اليسرى .
كانت القضية واضحة لا تحتمل الشك ، رغم ذلك قرر المحلفون أن توم مدان . رغم تلك النتيجة شعر أتيكوس بنوع من الراحة لأن مداولة المحلفين استغرقت وقتا طويلآ ، رغم أن المعتاد ألا تستغرق إدانة الزنجي سوى دقائق قليلة ! . كان اتيكوس يسعى لإستئناف القضية حين علم أن توم قتل وهو يحاول الهرب من السجن .
أدت المحاكمة الظالمة إلى إصابة الصبي " جيم " باضطرابات نفسية و فقد الثقة بالعدالة و الرحمة ، و أدت أيضا إلى غضب والدة الفتاة إيويل و محاولته الإنتقام من المحامي أتيكوس ، فتسلل في ليلة حفل الهليوين و حمل سكينا قاصدا قتل " سكوت" و " جيم " . نجح والد الفتاة في إصابة جيم ، و كاد أن يقتل "سكوت" ، و لكن " بو رادلي "غريب الطوار ظهر فجأة حاملآ سكينا و طعن والد الفتاة ، و عندما سقط إيويل قتيلآ أتى الشريف الذي قرر أن إيويل سقط على سكينه و هذا سبب وفاته ، و بهذا يمكن تفادي محاكمة " بو رادلي" الذي لم يكن يصمد لمثل تلك المحاكمة .
استطاعت سكوت أن ترى وجه منقذها بو أخيرا . في نهاية هذا اليوم العصيب صحب سكوت و جيم بو إلى منزله حيث اختفى و لم يظهر ثانيا .
فلم ضد التفرقة العنصرية .. أراه بالأساس فلم ينحاز للبراءة و ضد كل صور التعصب .. فلم يتحالف مع الإنسان ضد أعدائه .
كما هو واضح فالفلم يرى العالم كله خلال عيون طفلة صغيرة ، لذا فهو يحمل رقة ذلك القلب الصغير .. حتى أحزانه رقيقة ،و لكن حذارى أن تخدعنا تلك الرقة .. فالعالم قاسي للغاية عندما يختفي التسامح .