وجاء دور المجوس
2
أمل
والمخيمات الفلسطينية
http://www.4shared.com/file/21867698/90f...nline.html
عبدالله محمد الغريب
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
- فإلى الذين حولوا سماء المخيمات إلى كتلة من النيران ابتهاجاً بنجاح ثورة الخميني.
- وإلى الذين أيدوا ياسر عرفات عندما قال للخميني في أول مرة يزور فيها إيران: (أنت ثائرنا ومرشدنا الأول).
- وإلى الذين رددوا وراء هاني الحسن: (غداً تركيا وبعد غدٍ فلسطين).
- وإلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية الذين ما زالوا يحسنون الظن بالخميني ونظامه في إيران، ويعتقدون أنه وشيعته سوف يقاتلون اليهود في فلسطين المحتلة.
- وإلى كثير من أبناء فلسطين الذين كانوا يتمنون انتصار إيران في حربها ضد العراق لأن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر من بغداد والكويت والرياض وعمان كما قال الخميني وأركان نظامه.
- وإلى الذين تشيعوا من الفلسطينيين، وإن كانوا أقل من قليل.
- وإلى المسلمين السنة في لبنان – سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين – الذين خدعهم موسى الصدر وقادة حركة أمل وحزب الله، وانخرط بعضهم في الحزب الأخير.
إلى هؤلاء جميعاً أقدم كتابي الثاني (وجاء دور المجوس) حتى لا يلدغوا من جحر واحد مرات ومرات.
وقد قسمت الكتاب إلى الفصول التالية:
الفصل الأول: عرضت فيه فقرات من كتابي الأول تتصل بموضوعات هذا الكتاب .. وقد ثبت والحمد لله صحة التحليلات التي كتبتها عام 1979 م، بل وبعضها كنت قد كتبته في منتصف السبعينات.
الفصل الثاني: تحدثت فيه عن أهم الاعتداءات على المخيمات الفلسطينية التي سبقت عدوان حركة أمل على صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، كما تحدثت بشيء من الإيجاز عن الفظائع التي ارتكبها المعتدون.
الفصل الثالث: ويشتمل على وصف لعدوان أمل على المخيمات، وعرضت صوراً من الفظائع التي ارتكبها الشيعة.
الفصل الرابع: مرحلة ما بعد عدوان أمل، ويحوي الموضوعات الآتية: الاتفاق شيء والممارسات شيء آخر، مجزرة طرابلس، إقفال الملف اللبناني، الشيخ سعيد شعبان ماذا يريد؟!.
الفصل الخامس: شيعة لبنان وحركة أمل، عود على بدء تحدثت في هذا الفصل عن ارتباط شيعة لبنان بشيعة إيران، وبيّنت الأدلة التي تؤكد تعاون شيعة لبنان مع اليهود، والموارنة، والدروز، والنصيريين .. وأجبت عن سؤال مطروح:
هل صحيح أن نظام خميني وقف ضد حركة أمل في عدوانها على المخيمات؟!.
الفصل السادس: تحدثت فيه عن تناقض ياسر عرفات ومساعديه في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كما تحدثت عن موقف الأنظمة العربية من المؤامرة والمتآمرين، وفي الختام وجهت بعض النصائح للشعب الفلسطيني.
أخواني أبناء فلسطين: لقد كنت أعيش معكم فيما ابتلاكم الله به من به من محن ومصائب، وأنا لا أدعوكم إلى حزب أو جماعة، ولا أبغي من وراء ما أكتبه – علم الله – منصباً ولا جاهاً في هذه الدنيا، وإنما أدعوكم إلى الالتزام بدينكم، وعدم اتباع السبل فتضل بكم عن سبيله.
توضيحات وردود
1- صعوبات رافقت نشر الكتاب الأول :
فتن معظم أهل السنة بثورة الخميني، وزعموا أنه ليس طائفياً، ولا يؤمن بعقائد وتصورات سلفه من كبار علماء الإِمامية الاثني عشرية .. وصَدَّق هذه الأقاويل بعض الطيبين من علماء أهل السنة، وكنت ولله الحمد والمنة قد قرأت كتب الخميني وسجلت ملاحظاتي عليها قبل أن يشتهر اسمه ويتألق نجمه، بل وكنت أستغرب التفاف الشيعة حوله مع أنه لم يكن من كبار آياتهم.
وإذن لا بد من نشر ما عندي من علم حول الشيعة وتاريخهم وثورتهم فكنت بهذا الكتاب كمن يسبح ضد التيار.
وكنت أعلم أن نشر هذا الكتاب سيجر عليَّ متاعب كثيرة لاسيما وأن بعض أصدقائي كانوا من الذين تورطوا وأيدوا ثورة الرافضة، وتأثر بأقوالهم كثير من الناس، وكان لا بد من نقد أقوالهم ومواقفهم لأن الحق أحب إليَّ منهم.
وعندما انتهيت من تأليف الكتاب لم أجد من يجرؤ على نشره، ولهذا تأخر صدوره عاماً كلاماً، وعندما انتهت طباعته لم تسمح الدول العربية بتوزيعه، وشاء الله أن يطلع عليه نفر من كبار علماء أهل السنة المشهود لهم بالفضل والعلم – ولا نزكي على الله أحداً – فأعجبوا به أشد الإِعجاب، ونصحوا الشباب بقراءته، بل وكان أحدهم يقرر شيئًا منه في درسه العام الذي يحضره مئات الناس، ويدعو لمؤلفه بالخير والتوفيق، ويشهد له بسلامة العقيدة والتحرر من التعصب والهوى .. وعن طريق هؤلاء العلماء دخل بعض البلدان العربية، ولا يزال محظوراً في معظمها.
ومع ذلك لم أطرق أبواب هؤلاء العلماء – رغم تقديري لهم – ولم أطلب منهم أو من غيرهم التوسط من أجل السماح بتوزيع الكتاب، وما اعتدت والحمد لله مثل هذا الأسلوب .. فقليلاً من الحياء يا أصحاب النفوس الضعيفة ]وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[. [البقرة، 281].
ولا أريد الإطالة في الحديث عن الأثر الذي تركه الكتاب في مشارق الأرض ومغاربها، ولا عن الضجة التي أثارها وكيف أنقذ ناساً كثيراً من التشيع .. وحسبي أنني كتبته إرضاءً لله سبحانه وتعالى، ودفاعاً عن كتاب الله جل وعلا وعن سنة المصطفى r، وزيادة على ذلك فهو والحمد لله كتاب أدلة وأرقام وليس كتاب مجاملات وعواطف، ومن شاء دليلاً على ذلك فليجدد صلته بالكتاب وسيعلم عندئذٍ تفاهة ما يردده أصحاب الأهواء.
2- من المجوس :
قال بعضهم: إنني أطلقت القول بتكفير الشيعة !!.
ومن يقرأ الكتاب جيداً يعلم كذب هذا الادعاء، ومن شاء مزيداً من التفصيل فليعد إلى الصفحتين 152 و153 .. فقد أكدت أنه لا يجوز تكفير الشيعة على الإِطلاق، لأن منهم أصحاب رسول الله r الذين وقفوا في صف علي ابن أبي طالب t وعن أصحاب رسول الله أجمعين .. والذين قلب بكفرهم هم الإمامية الذين يقولون في القرآن زيادة أو نقصاناً، وينكرون سنة المصطفى r، ويشتمون الصحابة رضوان الله عليهم، وهؤلاء شر من المجوس وهم الذين قصدتهم في قولي: (وجاء دور المجوس) أما عامة الإِمامية الذين لا يظهرون مثل هذه الأقوال فنكل أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى، وهم عندنا من أهل القبلة.
فهل عند هؤلاء المعترضين غير هذا القول؟! وهل عندهم أدلة بأن الذين ينكرون السنة النبوية ويقولون بأن في القرآن زيادة أو نقصاناً هم مسلمون ولا يجوز القول بكفرهم؟!.
ليبينوا لنا أدلتهم أو فليفصحوا عن حقيقة ما يريدون؟! ونصيحتي إلى الشباب الذين يحترمون عقولهم أن لا يعتمدوا في حكمهم على مثل هذه القضايا الخطيرة على قول زيد أو عمرو، ولو كان هذا الذي يعتمدون على قوله داعية أو وجيهًا أو ثقة عندهم .. أنصح الشباب بالبحث والدراسة، وإذا وجدوا حقاً فعليهم أن يعضوا عليه بنواجذهم .. وحذار من التعصب والهوى.
3- رأي في الحرب العراقية الإِيرانية :
عندما صدر كتابي الأول كانت العراق في طليعة الدول التي اعترفت بنظام خميني، واستقبل الرئيس العراقي أحد الآيات كسفير جديد لإِيران في العراق، ومع ذلك فقد تحدثت عن أطماع إيران في العراق ودول الخليج، وعن حرص نظم الآيات على تصدير الثورة، ومن شاء الاستزادة مما كتبت فليراجع من صفحة 297 إلى 376.
ونشبت الحرب بين البلدين بينما كان الكتاب في المطبعة، وأرجو أن ييسر الله لي وقتاً أكتب فيه ما عندي من معلومات ووثائق عن هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس.
وخلاصة رأيي في هذه الحرب أحددها في الأسطر التالية:
- العراق رسمياً هو الذي أعلن الحرب على إيران، وعملياً فلقد بدأت إيران هذه الحرب عندما حركت عملاءها داخل العراق بعد وصول الخميني إلى الحكم بقليل، وقام النظام الإِيراني باعتداءات متكررة على المخافر العراقية.
- هناك فرق واسع بين العراق كشعب والعراق كنظام.
أما العراق كنظام فإنني أتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكرهه، ولا أعرف نظاماً في العالم الإِسلامي بطش بالدعاة إلى الله من أهل السنة بعد نظام أسد النصيري كنظام صدام التكريتي، وأعتقد بأن ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يتخذ من بغداد مقراً له من أخطر الشخصيات الصليبية التي حاربت الإِسلام والمسلمين في العصر الحديث.
أما العراق كشعب وأرض فليمثل قوة لا يستهان بها، وللجيش العراقي مواقف بطولية في الحروب العربية الإِسرائيلية، وتحييد هذا الجيش خسارة كبيرة للعرب.
- من فضل الله وتوفيقه صمود العراق طوال هذه المدة .. وسقوط العراق يعني اجتياح باطني مجوسي لدول الخليج وبلاد الشام يعيد للأذهان ذكريات الاجتياح القرمطي والعبيدي.
ومن فضل الله أيضًا أن سخر الطاغية صدام ليواجه الطاغية خميني.
- الذين يتوسطون بين البلدين يجهلون العقلية التي يفكر بها الرافضة في القديم والحديث. إن احتلال العراق مسألة حياة أو موت بالنسبة لنظام خميني .. ولن تتوقف هذه الحرب إلا إذا سقط نظام صدام، أو هلك الخميني واختلف الوارثون على تركته، أو إذا أفلس نظامه وانفض عنه حلفاؤه.
- عجبت من موقف بعض الذين يكرهون الرافضة، وقد دفعهم هذا الكره إلى تعليق الآمال العريضة على شخصية صدام، وراحوا يقولون:
إنه يصوم النهار ويقوم الليل .. ليتق الله هؤلاء الناس، أين هذا التغير المزعوم في شخصية صدام؟!.
هل اتخذ قراراً بحل حزب البعث وأعلن براءته منه؟!.
هل نادى بتحكيم شرع الله.
ليس هناك أي تغير في شخصية صدام وفي نظامه، ولا أدري لماذا هذا النفاق؟!.
4- للذين يكتبون عن الرافضة:
نبهت ثورة الخميني كثيراً من أهل السنة إلى خطر الرافضة في العالم الإسلامي فانبرى عدد من أصحاب الأقلام إلى الكتابة في هذه المسألة، ونصيحتي لهؤلاء الدعاة أن يهتموا بالأمور التالية:
- شيعة اليوم لا يختلفون عن سلفهم القدامة في الأصول والفروع.
- بيان فساد أصولهم بأسلوب عصري يفهمه شبابنا الذين يصعب عليهم العودة إلى الكتب القديمة.
- شعارهم: التقارب مع أهل السنة يعني تضليل أهل السنة.
- أحوال المسلمين السنة في إيران قبل الثورة وبعدها.
- متابعة مخططاتهم في العالم الإسلامي، وفضح تحالفاتهم مع أعداء الإِسلام من اليهود والنصارى والعلمانيين.
- الأمانة في النقل، وعدم المبالغة في تقدير قيمة ما يكتب .. ويجب أن نعترف بأننا جميعاً عالة على ما كتبه فحول علمائنا، أمثال شيخ الإِسلام ابن تيميه - رحمه الله - في سفره النفيس (منهاج السنة)، وقد ضم هذا الكتاب أهم أقوال وآراء رجال خير القرون في الشيعة وفرقهم .. ومن المؤسف أن بعض الكتاب المحدثين يوهمون القراء بأنهم وحدهم الذين تصدوا للشيعة، ولم يسبقهم أحد إلى قول كذا وكذا .. فهذا منهم غرور ونسأل الله لنا ولهم العفو والعافية.
* * *
وأخيراً: سوف أستمر إن شاء الله في فضح أوكار الرافضة ومخططاتهم ومؤامرتهم في العالم الإسلامي، وسيكون كتابي القادم عن أوضاع المسلمين السنة في إيران، وعن الحرب العراقية الإِيرانية، وأنا أعلم جيداً موقف الرافضة من نشر مثل هذه الكتب، كما أعلم قدرتهم على شراء ضمائر بعض المنسوبين لأهل السنة .. أعلم ذلك كله، ورغم ذلك سأمضي في هذا الطريق.
أما الذين قالوه ما قالوه عن الكتاب ظلماً وكذباً وحسدًا فلن أقول عنهم بالحق ما يعجزون عن قوله عني بالباطل لأنني احتسبت هذا القلم لفضح أعداء الله والدفاع عن الإِسلام، وليس للدفاع عن نفسي، وسأظل أتمثل قول الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
فاللهم تقبل منا واختم بالصالحات أعمالنا.
الفصل الأول
من غير تعليق
الدروز والاجتياح الإسرائيلي
في مقابلة أجرتها مجلة المجتمع الكويتية – في عددها رقم 595 الصادر بتاريخ 30 يناير عام 1403هـ مع الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية صلاح خلف قال عن سبب وصول القوات الإِسرائيلية إلى مشارف بيروت:
(إن عدم وجود عمق لساحة القتال في الجنوب شكل عائقاً لنا، فقد كان المدى الأرضي أحياناً لا يزيد في الجنوب عن أربعين متراً ونحن محاطون بالعدو من البر والجو والبحر وبعد صيدا مباشرة حرمنا من أن نضع مدفعاً واحداً من قبل الدروز، ورئيس الحركة الوطنية بالذات، أما القوات السورية في الجنوب فحسب ادعاء السوريين ليست للقتال).
وقال عن الدروز أيضاً: (أنا لا أستحي أبداً من الحقيقة .. الأخ وليد جنبلاط، رئيس الحركة الوطنية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، رفض أن تتواجد أو تنقل أسلحة إلى منطقة نفوذه في الشوف .. قال لنا: إن عنده أسلحة كافية وسيقاوم في الشوف ونحن نعلم أنه كان عنده فعلاً سلاح جيد، لكن الذي حدث أن الأخ وليد وإخواننا الدروز لم يقاتلوا خلال الغزو الأخير .. ورأينا مجيد أرسلان وفيصل أرسلان وجماعتهما بعد أن وعدوا المسلمين بالقتال معهم ضد بشير الجميل والكتائب، تخاذلوا أمام الأموال بينما انحشرنا نحن في شريط ساحلي ضيق من صور لصيدا لبيروت والمعركة الوحيدة التي دارت على مدى خمسة أيام في الشرط الساحلي كانت معركة [خلدة] البطولية التي استشهد فيها خيرة رجالنا والتي كنا فيها وحدنا).
إسرائيل تؤيد التدخل السوري في لبنان
1- صرح شمعون بيريز وزير دفاع [العدو الصهيوني السابق] أن هدف إسرائيل هو نفس هدف دمشق بالنسبة للمسألة اللبنانية، وقال أيضًا: (يجب أن نمنع وقوع لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية).
وكالة الصحافة الفرنسية 29 سبتمبر 1976م
2- أعلن إسحاق رابين رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق في تصريح نقلته أجهزة إعلامهم: (إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين وتدخلنا عندئذٍ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة!! بالنسبة لنا). وجاء دور المجوس ص 418
3- قال جوناتان راندال في كتابه مأساة لبنان: (وطوال سنة 1976م كانت السفن السورية والإِسرائيلية تقوم بدوريات في قطاعات مختلفة من الساحل اللبناني لمنع تزويد الفلسطينيين بأية إمدادات، وقدمت الدولتان أسلحة وذخيرة للمليشيات المسيحية).
مجلة المجلة، العدد 172 تاريخ 28 مايو 1983م
التعاون اليهودي الشيعي
- (نحن والله نعلم أن حكام طهران أشد خطراً على الإسلام من اليهود ولا ننتظر منهم خيراً، وندرك جيداً أنهم سيتعاونون مع اليهود في حرب المسلمين، وأن الذين يتآمرون على العراق والخليج ولبنان وسورية لن ولن يحاربوا إسرائيل).
وجاء دور المجوس، ص 374، عبد الله محمد الغريب
- قالت وكالة رويتر في تقرير لها من النبطية في 1- 7- 1982م أن القوات الصهيونية، التي احتلت البلدة سمحت لمنظمة (أمل) بأن تحتفظ بالمليشيات الخاصة التابعة لها، وبحمل جميع ما لديها من أسلحة. وصرح أحد قادة مليشيا منظمة (أمل) ويدعى حسن مصطفى (أن هذه الأسلحة ستستخدم في الدفاع عنا ضد الفلسطينيين).
اسمعي يا منظمة التحرير
- ذكرت صحيفة (ريبو بليكا) الإِيطالية أن فلسطينياً من المعاقين لم يكن يستطيع السير منذ سنوات رفع يديه مستغيثاً في شاتيلا أمام عناصر (أمل) طالباً الرحمة، وكان الرد عليه قتله بالمسدسات مثل الكلاب .. وقالت الصحيفة إنها الفظاعة بعينها.
الوطن، عدد 3688، 27 مايو 1985م
اليهود أفضل منهم
تصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل: (اليهود أفضل منهم).
وفتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها تنتحب وتصيح مشيرة إلى جثة منتفخة ملفوفة في بطانية خشنة تلطخها الدماء: هذا أخي .. وتشير إلى جثة أخرى: وذلك أخي الثاني .. ثم تشير إلى واحد من مسلحي أمل وتقول: هم فعلوها!! .. أصغر الضحايا .. طفل لم يمهله الموت سوى بضعة شهور .. جثته الصغيرة الطاهرة تكاد لا ترى من القماش الأبيض المتسخ الذي لفت فيه .. هكذا يقول الصليب الأحمر.
بيروت، وكالة –أ- ب، 7 يونيو 1985م
نريد التخلص من الفلسطينيين
قال داني شمعون ابن كميل شمعون: (إننا نريد التخلص من الفلسطينيين سواء بالقوة أو بغيرها، وعلى دول البترول العربية الغنية التي تساندهم (!!) وأن تجد لهم مكاناً في أقطارها، وحتى لو جرد الفلسطينيون من السلاح فإننا لن نوافق على بقائهم في لبنان). صحيفة (هاندلسبلات) الصادرة في روتردام أوائل أغسطس 1976م
وما ذكرته مقطع من مقال نشرته الصحيفة تحت عنوان: (وقف إطلاق النار في لبنان يبقى حلماً).
شعار جديد
(لا إله إلا الله والعرب أعداء الله) شعار ردده متظاهرون من حركة أمل في 2 يونيو 1985م احتفالاً بيوم (النصر) بعد سقوط مخيم صبرا وموت الكثيرين داخله من الجوع.
الوطن الكويتية، العدد تاريخ 3 يونيو 1985م
قوات حبيقة
ذكرت صحيفة (السفير اللبنانية) في عددها الصادر في 16 أبريل 1985م أن بواخر تابعة للقوات اللبنانية – الكتائبية نقلت مسروقات من مناطق تلال شرقي صيدا قيمتها ثلاثة مليارات ليرة لبنانية عبر ساحل الشوف الأسفل إلى الشطر الشرقي من العاصمة.
وأضافت أن هذه البواخر عادت إلى شرق بيروت وهي تحمل المسروقات بعدما كانت قد وصلت إلى مرفأ الجية على ساحل إقليم الخروب في الشوف الأسفل وفي تنقل تعزيزات وأسلحة للقوات اللبنانية – الكتائبية.
وكانت أنباء قد ذكرت قبل أسبوع أن منازل نحو أربعة آلاف عائشة مسلمة في مناطق تلال صيدا قد أفرغت من محتوياتها المقدرة بنحو ثلاثة مليارات ليرة.
وأوضحت أن القوات الكتائبية نقلت المسروقات بواسطة الشاحنات إلى ساحل إقليم الخروب ومن هناك جرى نقلها بحراً إلى الحوض الخامس في شرق العاصمة.
وكالة الأنباء الكويتية، وصحيفة الشرق الأوسط 17 أبريل 1985م
أمل وقوات حداد
نشرت مجلة (الأيكونومست) في عددها الصادر في نهاية الشهر السابع من عام 1982م أن 2000 مقاتل من عناصر منظمة (أمل) الشيعية انضمت إلى قوات مليشيا سعد حداد، وتوقعت المجلة أن ينضم عدد أكبر منهم إلى (الحرس الوطني) الذي ترعاه إسرائيل في جنوب لبنان.
بري يتبادل الرسائل مع تل أبيب
أكد وزير الخارجية السويدي (بيير أوبيرت) في جنيف في 24 يونيو 1985م أنه نقل رسالة من رئيس حركة أمل نبيه بري إلى القيادة الإِسرائيلية.
ونسبت (كونا) لأوبيرت قوله للصحفيين صباح 24 يونيو 1985م: (إن تبادل الرسائل بين حركة أمل والقادة الإِسرائيليين جرى يوم الجمعة الماضي إلا أنه رفض إعطاء تفاصيل أخرى). الوطن الكويتية 25 يونيو 1985م
مصالح أمل وإسرائيل واحدة
قالت صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ 23 مايو 1985م: (إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل، التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة خالية من أي هجمات ضد إسرائيل.
إن إسرائيل ترددت حتى الآن في تسليم أمل مهمة الحفاظ على الأمن والقانون على الحدود بين فلسطين ولبنان، وإن الوقت حان لأن تعهد إسرائيل إلى أمل بهذه المهمة).
ثقة الاستخبارات اليهودية بأمل
نقلت وكالة الأنباء في 6 يونيو 1985م عن رئيس الاستخبارات العسكرية اليهودية (أهود برادك) قوله: (إنه على ثقة تامة من أن "أمل" ستكون الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، وأنها ستمنع رجال المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد الأهداف الإِسرائيلية).
ماذا تريد إسرائيل من لبنان؟!
قال وزير الاقتصاد الإِسرائيلي دان ميردور: (إن هدف إسرائيل الدائم هو إزالة المخيمات الفلسطينية نهائياً من الوجود، فنحن نريد أن يغادر جميع اللاجئين لبنان وتذويبهم في المجتمعات العربية التي سيذهبون إليها).
السفير اللبنانية، 3 أغسطس 1982م
مؤامرة يهودية .. ولكن من ينفذها
في 25 مايو 1985م دعت صحيفة (البعث السورية الرسمية إلى القضاء على جماعة عرفات نهائياً في المخيمات .. وقالت: (إن ما يجري مؤامرة يهودية أميركية ينفذها عرفات)!!!.
المبحث الثاني
فقرات مختارة من كتابي الأول وجاء دور المجوس
أولاً: أصول لا بد من معرفتها:
1- إن مركز القيادة الشيعة والفرق الباطنية المتفرعة عنها في العالم الإِسلامي هو إيران. أشار الخميني إلى هذه الحقيقة في كتابه (الحكومة الإِسلامية)، وصرح بذلك ما يسمى بآية الله شريعتمداري في لقاء له مع صحيفة السياسة الكويتية تاريخ: 26 يونيو 1987م، بل وقال بالحرف الواحد: (إن زعامة الشيعة في إيران وفي قم بالذات).
وأضاف قائلاً: (لا بد من مجلس أعلى للشيعة في العالم).
وإذا كان لا بد من التفريق بين الشاه المخلوع والزعماء الدينيين، فالتنظيم الباطني الرافضي العالمي كان ولا يزال مرتبطاً بالزعماء الدينيين وليس بالشاه، مرتبطاً بهم من خلال [الحسينيات] و [الحوزات العلمية]، ويتولى العلماء الإِيرانيون توجيه وتثقيف الشيعة في معظم بلدان العالم، ونراهم يغيرون ويبدلون في أسمائهم فيحذفون منها الكنية الفارسية، ويضيفون إليها أصلاً عربياً ومن ثم يزعمون أنهم من أصل عربي، ومن آل البيت، وأن جدهم هاجر لإِيران قبل كذا سنة، وأنهم اليوم عادوا إلى وطنهم وأملاكهم، ويشهد لهم بذلك جميع الشيعة من سكان البلد العربي الذي استوطنوا فيه.
2- ليس لخلافات الشاه المخلوع مع الخميني أثر كبير عند أبناء الطائفة خارج إيران، فالمهم ولاء الطائفة وأنصارها للقيادة السياسية والزعامة الدينية في إيران معاً.
مثال: كان لقيادة النظام النصيري في سورية صلات وثيقة مع شاه إيران المخلوع ونظامه، وصارت لهم صلات أوثق وأقوى مع الثورة الجديدة بقيادة الخميني، وليس هناك من يقول: (كيف كانت علاقتهم قوية مع الشاه ثم أصبحت كذلك مع الخميني)؟!. المهم أنهم حلفاء وأنصار للقيادة السياسية الإِيرانية مهما كانت هويتها، وللزعامة الدينية في قم.
3- ليس للخلافات التي كانت قائمة – ولا تزال – بين أسرة بهلوي من جهة والآيات من جهة أخرى، أو بين الآيات والأحزاب المعارضة .. ليس لهذه الخلافات أي تأثير على سياسية إيران الخارجية وأطماعها في عدد من الدول المجاورة.
فالشاه محمد رضا كان ينادي بالبحرين وشط العرب، وكان قد احتل الجزر العربية الثلاثة [طنب الكبرى، والصغرى، وأبي موسى].
وجاء زعماء ثورة الخميني فزعموا أن الجزر المحتلة فارسية، وأن الخليج فارسي، وتمادوا أكثر فطالبوا بالبحرين والعراق ومكة والمدينة وجنوب لبنان، بل ويحاولون إقامة امبراطورية شيعية كبرى تمتد لتشمل جميع البلدان الإِسلامية تحت قيادة فارسية كما نص دستورهم مؤخراً. وقال مثل هذا الكلام الدكتور شابور بختيار رئيس وزراء إيران السابق.
4- يتعمد الشيعة والنصيريون وسائر الفرق الباطنية إصدار التصريحات المتضاربة، ويفتعلون الخلافات، فهذا يهدد بتصدير الثورة وبعد أن يصبح هذا التهديد حديث العالم يصدر مسؤولاً آخر تصريحاً يؤكد فيه أن ثورتهم غير قابلة للتصدير، وأن الذي أصدر التصريح الأول ليس مسؤولاً.
ومن ثم فالباطنيون يركبون كل موجة من موجات التحرر والوطنية والثورية والجمهورية وما إلى ذلك من شعارات حديثة، والشعارات التي يرفعونها ليس أكثر من استهلاك محلي، وتخطيط مرحلي، وتراهم يقولون شيئًا ويقصدون شيئًا آخر .. وهذا الأسلوب يتمشى مع عقيدتهم في التقية، ويلائم شدة إيمانهم بالسرية.
لقد كذب الروافض على الله وعلى رسوله r، كما كذبوا على الصحابة وعلى علي وأبنائه رضوان الله عليهم أجمعين، وملأوا التاريخ دساً وافتراءً، وسبق أن نقلنا – في الباب الثاني – أقوال علماء الجرح والتعديل فيهم، فلا يصح اعتقاد الصدق بأقوالهم وأفعالهم.
وهم بعد ذلك أشربوا الغدر، فمن يراقب أحوالهم يرى أنهم يستمرون سنوات طويلة في حركة من الحركات الوطنية، حتى يتمكنوا من السيطرة عليها واحتوائها، فإذا نجحوا في تحقيق هدفهم قلبوا ظهر المجن لشركائهم، وداسوا بأقدامهم الشعارات التي كانوا يطوفون حولها ويدعون الناس إلى تعظيمها وعبادتها.
ووصف علماؤنا أسلوبهم هذا فقالوا: (يميلون إلى كل قوم بسبب يوافقهم، ويميزون من يمكن أن يخدعوه ممن لا يمكن، فهم يدخلون على المسلمين من جهة ظلم الأمة لعلي وقتل الحسين رضي الله عنهما، وإن كان المخاطب يهودياً دخلوا عليه من جهة انتظار المسيح ومسيحهم هو المهدي، وإن كان نصرانياً فاعكس وهكذا).
أما السرية فأصل من أصولهم حتى لو كان الحكم لهم، وفي هذا دليل على غموضهم وعدم وضوح أهدافهم، فهم يقولون في أجهزة إعلامهم شيئًا، ويبيتون في الخفاء خلافه، وكل من يتعامل معهم لا بد أن يهيئ نفسه لمفاجآت كثيرة تخالف ما يعرفه عنهم.
5- ينظر الباطنيون الرافضة إلى المسلمين العرب بمنظار الحقد والكراهية، لا لشيء إلا لأنهم هدموا مجد فارس وقهروا سلطان كسري، والتاريخ خير شاهد على عمق تعاونهم مع الكفرة والمشركين والاستعانة بهم ضد السنة المسلمين: (لقد استخدمهم التتار في أبشع مجازر شهدها التاريخ الإِسلامي، وكان زعيمهم نصير الكفر الطوسي وزير [هولاكو]).
واستخدمهم النصارى في الحروب الصليبية المشهورة، وتطوع النصيريون فقاتلوا المسلمين في ساحل بلاد الشام، وعملت الدولة العبيدية المجوسية كل ما تقدر عليه من أجل تثبيت أقدام الصليبيين في مصر، كما قام بعض الأمراء من الشيعة الإِمامية بتسليم مناطقهم للصليبيين دون قتال في بعض أجزاء بلاد الشام.
واستخدمهم البرتغاليون والإنجليز ضد الدولة العثمانية المسلمة وضد المسلمين بشكل عام، ولعب الصفويون دوراً خبيثاً في تمكين الكفرة المستعمرين من ثغور بلاد المسلمين، وسنذكر شواهد كثيرة في الفصول المقبلة على تعاونهم مع الموارنة وأمريكا وإسرائيل كما حصل في حرب لبنان عام 1975م، وكما هو حاصل في إيران اليوم.
إنهم مطايا لأعداء الإِسلام في كل عصر ومصر، وواهم جداً من يحسن الظن بهم ويعتقد بأن شيعة اليوم خير من شيعة الأمس.
6- للباطنيين الرافضة جذور اشتراكية قديمة، وما القرامطة إلا غصن من غصون شجرتهم الخبيثة التي غرسها [مزدك]، وجاء أبو حامد القرمطي من بعده ليتعهدها ويرعاها.
ومن الأساليب الخبيثة التي يستخدمها الباطنيون الرافضة في نشر دعوتهم الفوضى فلا يأمن الإِنسان في ظل أنظمتهم على نفسه وماله وعرضه، ويستغلون هذه الفوضى فيعمدون إلى تصفية خصومهم وإرهاب من لم تتم تصفيته.
7- ليس في عقيدتهم أصول تمنعهم من المحرمات أو تردعهم عن فعل المنكرات، فإيمانهم بالتقية جعل منهم أكذب أمة، وعقيدتهم في المتعة جعلت معظمهم زناة بغاة، ووقاحتهم مع أصحاب رسول الله r سهلت عليهم شتم المؤمنين والافتراء على المتقين.
وبعد: لا بد أن يتذكر القراء هذه الأصول عند قراءة كتب الرافضة، وعند الدخول معهم بحوار، وعند متابعة أنشطتهم وتقويم منهجهم ومخططاتهم. ومن يتصدى للحكم عليهم ويتجاهل هذه الأصول سيجد نفسه أمام تناقضات .. فقد يحكم عليهم من خلال رأي سمعه من أحد زعمائهم، ويقبل هذا الرأي لأنه لا يعلم أن عقيدة هذا الزعيم تبيح له الكذب [التقية]، ومن ثم قد يقرأ رأياً لهذا الزعيم يناقض ما سمعه منه فيقول بكل سذاجة وغفلة عن الرأي الثاني: لقد افترت الجهة التي نقلت عنه(1).
ثانياً: الثورة الإِيرانية ومنظمة التحرير:
كان ياسر عرفات أول من زار طهران مهنئًا، وراح يوزع قبلاته المشهورة على وجوه قادة الثورة وخاطب الخميني قائلاً: (إن ثورة إيران ليست ملكاً للشعب الإِيراني فقط .. إنها ثورتنا أيضًا فنحن نعتبر الإِمام الخميني ثائرنا ومرشدنا الأول [عرفات يقوم مثل هذا الكلام لكاستروا] الذي يلقي بظله ليس على إيران فحسن بل على الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى في القدس).
وفي 11 فبراير 1979م تحولت سماء المخيمات الفلسطينية في بيروت والضواحي المحيطة بها إلى كتلة من النيران، فقد أخذ الفلسطينيون والمواطنون اللبنانيون كذلك يطلقون العيارات النارية من مختلف الأسلحة بكثافة غير عادية ابتهاجاً بنجاح ثورة الخميني.
ترى هل نسي قادة المنظمة دور الرافضي الباطني حافظ الأسد وكيف وقف مع الموارنة ضد الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين؟!. أم نسوا غدر الصدر بهم عندما انضم إلى الجيش النصيري عند دخوله لبنان، وأمر منظمته أمل وعساكره التي تعمل في جيش لبنان العربي الانضمام إلى الجيش النصيري؟!.
إلى متى يبقى الفلسطينيون سلماً لطلاب الزعامة في العالمين العربي والإِسلامي؟!.
واختارات منظمة التحرير المهرج المعروف [هاني الحسن] ليكون مندوبها في طهران، وناطقاً فضولياً باسم حركة الخميني، ولا يخجل من الوقوف خطيباً في إحدى المظاهرات ويقول: (غداً تركيا وبعد غد فلسطين)(2).
وتركيا السنة عدوة تقليدية لإِيران الرافضة، وهذه هي المهمة التي تريدها حركة الخميني من منظمة التحرير، تريد أن تسخر الفلسطينيين كما سخرهم عبد الناصر من قبل وأوعز إليهم أن يرددوا: تحرير الرياض وعمان ودمشق وبغداد قبل تحرير فلسطين.
وسيستمر هاني الحسن وعرفات وسائر قادة المنظمة بسياسة التضليل والدجل وغسل الأدمغة، ومن فقد إيمانه وعقيدته فقد كل شيء والعياذ بالله(1).
ثالثاً – ظاهرة الصدر والحرب اللبنانية:
موسى الصدر إيراني المولد والجنسية، مواليد عام 1928م تخرج من جامعة طهران، كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة، ووصل لبنان عام 1958م نزل ضيفاً على آل شرف الدين في مدينة صور.
قال عنه السياسي الإِيراني الدكتور موسى الموسوي: (في عام 1958م أرسل الجنرال بختيار مدير الأمن العام الإِيراني موسى الصدر إلى لبنان وزوده بالأموال اللازمة .. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ أصبح هذا الشخص رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى، وقد صرفت الحكومة الإِيرانية لتوليته هذا المنصب أكثر من مليون ليرة لبنانية).
وقال كامل الأسعد في حديث نشرته مجلة الحوادث اللبنانيـة في 3 يناير 1975: (لقد أبدى أقطاب النهج [أنصار فؤاد الشهاب من النصارى وضباط المخابرات اللبنانية] الذين كانوا وراء مطلب إنشاء المجلس الإِسلامي الأعلى، تحبيذهم لتعيين السيد موسى الصدر رئيساً للمجلس، والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات تابعاً للعهد وزعمائه).
وقال الأسعد أيضًا: (إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا في الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج).
والذي قاله الأسعد والموسوي موافق لأقوال معظم الذين كتبوا عن الصدر، وقد لمع نجمه في لبنان، ومنحه فؤاد شهاب الجنسية بموجب مرسوم جمهوري مع أنه إيران ابن إيراني.
وفي بداية السبعينات أنشأ الصدر حركة المحرومين ووضع لها شعارات براقة: كالإيمان بالله، الحرية، التراث اللبناني!!، العدالة الاجتماعية، الوطنية، تحرير فلسطين، الحركة لجميع المحرومين وليست خاصة بالشيعة.
وأنشأ جناحاً عسكرياً لحركة المحرومين أسماه [أمل]، وحرص على أن يكون سرياً، بل كان يتظاهر بأنه ضد التسلح، وعندما بدأت الحرب اللبنانية كانت خطة الصدر فيها على الشكل التالي:
له منظمة مسلحة – أمل – في الجنوب وبيروت والبقاع، وكانت هذه المنظمة متعاونة مع القوات الوطنية، وله عناصر كثيرة في جيش لبنان العربي كان من أبرزهم مساعدو أحمد الخطيب، وكان للصدر وشيعته صلات وثيقة مع منظمة التحرير.
وأكثر الجهات التي كان يتعاون معها النظام النصيري في سورية، ولقد رأينا في الصفحات الماضية كيف استصدر مرسوماً حكومياً أصبح نصيريو الشمال اللبناني بموجبه شيعة، وعين لهم مفتياً جعفرياً، وكان الصدر الساعد الأيمن لكل مسؤول سوري يدخل لبنان من أجل التوسط في النزاع القائم بين المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين من جهة والموازنة من جهة أخرى.
وعندما دخل الجيش النصيري إلى لبنان استبدل الصدر وجهه الوطني الإسلامي بوجه باطني استعماري وقام بالدور التالي:
أمر الضابط إبراهيم شاهين فانشق عن الجيش العربي، وأسس طلائع الجيش اللبناني الموالية لسورية، كما انشق الرائد أحمد المعماري شمال لبنان وانضم إلى الجيش النصيري، وكان جيش لبنان العربي أكبر قوة ترهب الموارنة، فانهار لأنه ما كان يتوقع أن يأتيه الخطر من داخله أي من شاهين وغيره، وأمر الصدر منظمة أمل فتخلت عن القوات الوطنية، وانضم معظم عناصرها إلى جيش الغزاة.
وبدأ الصدر بمهاجمة منظمة التحرير. نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 12 أغسطس 1976م اتهام الصدر للمنظمة بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وعلى رأسها النظام اللبناني، ودعا الأنظمة إلى مواجهة الخطر الفلسطيني، ونقلت بعض الصحف اللبنانية هذا النصري.
وكانت ضرب الصدر مؤلمة مما جعل مثل المنظمة في القاهرة يصدر تصريحاً يندد فيه بمؤامرة الصدر على الشعب الفلسطيني وتآمره مع الموارنة والنظام السوري.
وما من معركة خاضها جيش لبنان العربي والقوات اللبنانية والفلسطينية إلا ووجدوا ظهورهم مكشوفة أمام الشيعة. فمثلاً خاضوا معركة قرب بعلبك والهرمل فاتصل الشيخ سليمان اليحفوفي المفتي الجعفري هناك بالجيش النصيري وسار أمامه حتى دخل بعلبك فاتحاً على أشلاء المسلمين.
وعندما طلب الوزير خدام من زعماء المسلمين أن يوقعوا على ميثاق وطني تكرس بموجبه رئاسة الجمهورية للمارون رفض زعماء المسلمين جميعاً هذا الطلب إلا موسى الصدر فقد وافقه عليه.
وفي 5 أغسطس 1976م نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن الصدر دعا إلى اجتماع ضم أساقفة الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والموارنة الكاثوليك وعدداً من أعيان البقاع ونوابها، وتم عقد الاجتماع في قاعدة رياق الجوية من أجل تشكيل حكومة محلية في المنطقة التي يسيطر عليها السوريون النصيريون.
أدرك الوطنيون اللبنانيون كما أدرك الفلسطينيون حقيقة الدور الذي يقوم به الصدر، فحاولوا اغتياله، وأقدموا على نسف بيته في بعلبك لكنه نجا من الموت، وضاقت عليه الأرض بما رحبت فالتجأ إلى دمِشق وسكن في حي الروضة تحت حراسة إخوانه النصيريون، وصار يمثله في المؤتمرات والمفاوضات في لبنان نائبه الشيخ محمد يعقوب.
وما اكتفى موسى الصدر وشيعته بالتعاون مع حكام سوريا، وإنما أخذوا يطالبون بوقف العمل الفدائي وإخراج الفلسطينيين من الجنوب ومن أجل ذلك وقعت صدامات ونظم الشيعة إضراباً عاماً في صيدا وطالبوا بإخراج المنظمات المسلحة من الجنوب.
وكان الصدر أول من طالب بقوات طوارئ دولية تتمركز في الجنوب، وزعم أن لبنان في هدنة مع إسرائيل ولا يجوز أن يخرقها الفلسطينيون، وعندما جاءت قوات الطوارئ نجح في أن تكون نسبة كبيرة من هذه القوات من إيران، وتعاون معظم زعماء الشيعة في الجنوب مع اليهود وصنيعتهم سعد حداد، وعندما اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب ثار موضوع تعاون الموارنة مع اليهود، فقال بيار الجميل: (إن الشيعة تعاملوا مع إسرائيل قبل الموارنة، وقال سعد حداد: إن أعيان الشيعة في منطقة الحدود يؤيدون هذه الدولة.
ومن أجل ذلك عقد المجلس الشيعي الأعلى اجتماعاً، وأصدر في نهاية الاجتماع بياناً ناشد فيه شيعة الجنوب مساندة الجيش اللبناني الشرعي حتى يتمكن من أداء مهمته، وفي ردهم على اتهامات سعد حداد لهم قالوا: (إن أعيان الشيعة في الجنوب لم يتعاملوا مع اليهود ولكن التزموا الصمت خوفاً من التعرض لعمليات القمع.
أليس من المؤسف بعد هذا كله أن يقبل مؤيدو المنظمة رأي قيادتهم في إعادة التعاون مع النظام النصيري، بل عدد هؤلاء يغنون لأبي سليمان [حافظ الأسد] في أفراحهم.
أليس من المؤلم أن يعتبر زعماء المنظمة اختفاء الصدر مؤامرة إسرائيلية ضد زعيم وطني ناصر القضية الفلسطينية؟! هل رأيتم شعباً كشعبنا يتقرب لجلاديه ويهتف بحياة قاتليه؟!.
رابعاً: موسى الصدر وثورة الخميني:
يزعم آل الخميني وآل الصدر أنهم من آل بيت رسول الله r، وهناك وجوه أخرى للقرابة، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت موسى الصدر وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني، ونائب رئيس وزراء إيران الحالي الدكتور صادق الطبطبائي هو ابن شقيقة الصدر، وعاش معه مدة طويلة في لبنان، وكان للصدر صلات قوية مع الدكتور مهدي بازركان والدكتور إبراهيم يازدي، وصادق قطب زاده.
والدكتور مصطفى جمران وزير الدفاع الإيراني من أكبر أعوان موسى الصدر. فلقد كان مديراً لمدرسة في صور أنشأها الصدر، وكان يتولى الإشراف على فروع منظمة [أمل] العسكرية قبل نشوب الثورة الإيرانية.
وزير الدفاع الإيراني كان يسمى في لبنان مصطفى شمران، وفي إيران مصطفى جمران، وهكذا فالتخطيط الشيعي لا يعرف وطناً ففي عام من الأعوام تراه زعيماً لبنانياً، وفي عام آخر تراه زعيماً إيرانياً.
وقصارى القول فلقد استفاد شيعة الخميني من المنظمة كثيراً قبل سقوط الشاه، لقد قامت المنظمة بتدريبهم على السلاح والقتال، وقدمت لهم مساعدات مالية وعسكرية، وبعد سقوط الشاه وجد ثوار الخميني أن أفضل شعار يلجأون إليه من أجل الزحف على البلدان العربية المناداة بتحرير القدس وفلسطين.
وسادة قم يحركون منظمة التحرير كما كان كسرى يحرك المناذرة من قبل والعكس غير جائز مطلقًا، لقد حاول قادة المنظمة أن يستغلوا قضية احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية فيتوسطوا بين كارتر والخميني ولكن الأخير أغلق الأبواب بوجوههم ورد عليهم أشد رد وأقبحه.
ويعلم ثوار الخميني أنه ما من طاغوت عربي إلا وقد استغفل الفلسطيني وقضية فلسطين، وأن قادة وكوادر المنظمة لم تأخذ العبرة من استغلال البعثيين والشيوعيين والناصريين لهم.
والمنظمة مستعدة أن تيسر مع حكام طهران الجدد إلى نهاية الشوط ولو أعادوا لهم ذكريات تل الزعتر وجسر الباشا، ومجازر صيد والبقاع ولا ندري إلى متى سيبقى هذا اليوم – عرفات – ينعق أمام الفلسطينيين المسلمين ويقودهم من هلاك إلى هلاك(1).
حقاً لو كانت القيادة الفلسطينية إسلامية لم تخدع مراراً بالصدر والأسد، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
________________________________________
الفصل الثاني
المبحث الأول
الاعتداءات على المخيمات التي سبقت مجازر أمل
بدأ نشاط منظمة فتح الفدائي في مطلع عام 1965م وقد بعثت عملياتهم الأمل في نفوس المسلمين، واستبشروا خيراً من أول بيان صدر، وقد استهله قادة فتح بقولهم: (اتكالاً على الله، وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس).
وبعد الهزيمة النكراء في الخامس من حزيران سنة 1967م اضطرت دول المواجهة إلى تشجيع العمل الفدائي لأنه الورقة الوحيدة التي يستطيعون استخدامها والمتاجرة بها أمام شعوبهم.
ومن أجل أن لا يتجاوز العمل الفدائي الهدف المطلوب سارعوا إلى تأسيس ودعم منظمات مشبوهة ومن ذلك: جبهة التحرير العربية التي أسسها حزب البعث العراقي في أول نيسان 1969م، ومنظمة الصاعقة التي أسسها حزب البعث النصيري السوري بعد حرب الخامس من حزيران 1967م، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها جورج حبش في تشرين الثاني 1967م، ومنظمة قوات الأنصار التي أسسها الشيوعيون، ومنظمة فلسطين العربية التي أسسها الناصريون.
ومعظم هذه المنظمات وجدت لخدمة أنظمة عربية معينة وجهات أجنبية مشبوهة، وكانت أنشطتها في العواصم العربية وليس داخل الأراضي المحتلة، وسوف نستعرض فيما يلي أهم الاعتداءات على المخيمات الفلسطينية ودور هذه المنظمات المأجورة في هذه المؤامرة.
أولاً: معارك أيلول سنة 1970م :
توترت العلاقات الأردنية الفلسطينية بسبب حوادث الشعب الفلسطيني التي كانت تدبرها الجبهة الشعبية – جورج حبش – وما انشق عنها من جبهات.
لقد رفعت هذه المنظمات الشعار المشهور: إن تحرير فلسطين يبدأ من عمان وبقية العواصم الرجعية، وراحت تتحرش بالنظام الأردني، وتحولت إلى عصابات قطاع طرق، فكانت تفرض الأتاوات وتعتقل الأبرياء، وتوجت تصرفاتها الاستفزازية سلسلة عمليات خطف الطائرات بين 6-9 أيلول 1970م، وبالمظاهرات التي اجتاحت شوارع عمان تنادي بسقوط عبد الناصر الذي وافق على مشروع روجرز للسلام في آب 1970م ولأنه قبل قرار الأمم المتحدة رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967م وعندما وقعت الواقعة بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير، هرب جيش ومن على شاكلته وتركوا الشعب الفلسطيني المسلم يواجه الموت والدمار.
وفي معارك أيلول ظهرت بطولات الجيش الأردني فارتكب أبشع المجازر في مخيمات عمان وجرش وفي أربد، وقد اضطر بعض الفلسطينيين إلى الفرار من الأردن إلى الضفة الغربية هرباً من بطش الجيش الأردني.
وأسفرت هذه المعارك عن قتل أعداء كبيرة من الجانبين، تجاوزت عدد الذين قتلوا في حرب 1967م، وامتلأت سجون الأردن بالشباب والأحرار أما حبش فقال كلمته المشهورة: (لقد حاربت النظام الأردني العميل بمنظمة فتح).
ومما لا شك فيه أن الجهات الاستعمارية التي حركت حبش وحواتمة وأحمد جبريل هي نفسها التي حركت العملاء داخل النظام الأردني وبخاصة جهاز المخابرات.
وتبيين فيما بعد أن عبد الناصر هو الذي أعطى الملك حسين الضوء الأخضر بعد أن توترت علاقاته مع المنظمة وبعد مظاهرات عمان التي نظمتها المنظمات اليسارية، وقد اعترف كبار قادة فتح بهذه الحقيقة فيما نشر من مذكرات(1)، ومقابلات صحفية، وبعد خروج المنظمة من الأردن أعلن الملك حسين عن مشروع المملكة العربية المتحدة.
ثانياً: معارك 1976م وتل الزعتر:
قام أتباع جورج وحواتمة بالدور نفسه الذي كانوا يقومون به في الأردن وكانت منظمة فتح تضطر أخيراً إلى تأييد اليساريين من الفلسطينيين واللبنانيين وأصبح كمال جنبلاط زعيماً لهذا الاتجاه الجديد في لبنان، ولهذا فقد كثرت الاحتكاكات بين السلطة اللبنانية من جهة ومنظمة التحرير من جهة أخرى منذ عام 1970م وحتى عام 1975م، وبعد اختطاف أربعة من الجنود اللبنانيين أمر سليمان فرنجية رئيس الجمهورية اللبنانية جيشه [وقوامه 15 ألف جندي] بضرب الفلسطينيين.
وقام دبلوماسي أمريكي يصف تلك الحوادث: (كانت تلك المرة الأولى التي رأيت فيها الجيش اللبناني فعالاً. فقد جرى قتال عنيف حيث أمطرت طائرات الهوكر هنتر مخيم برج البراجنة بوابل من النيران)(2).
وبدأت الحرب الأهلية في لبنان بحادث [الأتوبيس في عين الرمانة] في 13 أبريل 1975م، ووجد الفلسطينيون أنفسهم طرفاً في الحرب، بل وكانت منظمة التحرير الفلسطينية وفتح بالذات تتحمل العبء الأكبر في هذه الحرب.
واستطاعت القوات الفلسطينية بالتعاون مع القوات الوطنية اللبنانية دحر الكتائبيين وحلفائهم من الموارنة وألحقوا بهم شر هزيمة، وأطبقت القوات الفلسطينية وجيش لبنان العربي على معظم لبنان.
وهنا جاء التدخل السوري بعد أن أدت منظمة الصاعقة والمخابرات السورية، ومنظمة حزب البعث السوري، ومنظمة أمل دورها المطلوب في توتر الأجواء والتمهيد للدور السوري، قال زهير محسن رئيس منظمة الصاعقة: (إننا نفضل حدوث تدخل سوري واسع النطاق لفرض الاستقرار في لبنان، وسوريا هي وحدها التي تستطيع إنقاذ لبنان)(1).
دخلت القوات السورية وقوامها 30 ألف جندي لبنان في 5 يونيو 1976م، وخاضت معارك طاحنة مع القوات المشتركة، وقد تخلى كمال جنبلاط عن الفلسطينيين في أوقات المحنة ووقف مع دروزه على الحياد، أما الشيعة فقد وقف معظمهم إلى جانب القوات النصيرية الغازية.
وانتصر الجيش النصيري، وانتزع من القوات المشتركة: البقاع، وعكار، والجبل، وصيدا، ومنع المؤن والأسلحة من الوصول إلى المقاومة الفلسطينية.
وكان هناك تعاون وتنسيق بين قوات الكتائب وحلفائها وبين الجيش النصيري والقوات الإسرائيلية خلال حصار تل الزعتر، ومما يجدر ذكره أن حصار تل الزعتر تم سقوط مخيم جسر الباشا، ومخيم عين الحلوة، ومخيم برج حمود ومن المعروف أن بيار الجميل طلب في جلسة مجلس النواب اللبناني في 22 مايو 1975م نقل مخيم تل الزعتر من بيروت الشرقية.
وبدأ حصار القوات المارونية لتل الزعتر في أواخر حزيران، وسقط المخيم في 14 أغسطس 1976م بعد حصار دام أكثر من شهر ونصف وبعد منع الماء والغذاء ورجال منظمة الصليب الأحمر من دخول المخيم.
أجرت صحيفة الوطن الكويتية استطلاعاً عن لبنان في عدده الصادر في 11 أغسطس 1976م، ونقلت عن الملازم أول أبي عبد الله من القوات الليبية – في قوات الأمن العربية – قوله: (إن القص الذي شهده في المناطق الوطنية وفي صيدا بالذات يدين السوريين ويؤكد تورطهم العسكري لصالح الانعزاليين).
ويضيف الملازم أول حسن من القوات الليبية: (لقد قصفوا المطار أربع مرات، سورية تشجعهم ليكتمل الحصار الذي فرضته على المناطق الوطنية بعد أن أغلقت موانئ صيدا وصور وطرابلس، كنت في المطار وشاهدت جريمة قصفه البشعة وضحاياه كانوا مواطنين أبرياء مدنيين وبينهم أطفال).
وقال الملازم أول طه حسين من القوات السودانية: (نحن سعداء إذ نشعر بمثل هذه الألفة بيننا وبين الجماهير. السوريون متورطون في المؤامرة وكل صاحب ضمير يعترف بهذا).
وقال الملازم أول فتحي حسن: (حصار التجويع ومنع رغيف الخبز ومنع الأدوية جرائم بشعة ترتكب بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني).
وقال الملازم محمد خليل من القوات الليبية المرابطة في مشارف الهلالية: (إنها مؤامرة تستهدف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، وكما نرى بأعيننا تفاصيل المعركة سياسياً وعسكرياً نقول: إن الذين ينفذونها كثيرون وإن النظام السوري متورط فيها).
لقد انطلق الصليبيون الموازنة داخل المخيم كالوحوش الكاسرة، وراحوا يذبحون الأطفال والشيوخ، ويبقرون بطون الحوامل، ويهتكون أعراض الحرائر، وظهرت صورهم [على شاشة التلفاز في معظم بلدان العالم] وهم يشربون كؤوس الخمر احتفالاً بالنصر على الفلسطينيين المسلمين، وكانوا يعلقون صلبانهم في أعناقهم.
أما تورط إسرائيل في مذبحة تل الزعتر فأماط اللثام عنها شركاء بيجن في الحكم في جلسة من جلسات الكنيست الإسرائيلي نشرت وقائعها الصحف ووكالات الأنباء العالمية، وتبال الحزبان الاتهامات فشمعون بيريز يتهم بيجن وشركائه بمذبحة صبرا وشاتيلا والآخرون يتهمون بيريز بمذبحة تل الزعتر عندما كان وزيراً للدفاع.
تعليق: أتدرون ماذا فعلت الأنظمة العربية بعد هذه المذبحة الرهيبة ؟؟
عقدت مؤتمر قمة عربية، وتم الاتفاق على إيجاد ما يسمى بالردع العربي في لبنان، وكان في حقيقتها غطاء للوجود النصيري، فالقوات السورية الكبيرة استمرت في احتلال وقهر أل السنة في لبنان، وأضاف العرب إليها بضع مئات غير السوريين، وقد تم انسحابهم من لبنان بعد وقت قصير.
ثمة شيء أكثر غرابة من ذلك، لقد تعهدت الأنظمة العربية بمساعدات ضخمة تقدمها لسوريا النصيرية، كما تعهدت الأنظمة العربية بتغطية نفقات القوات السورية العاملة في لبنان. أليست هذه مكافأة لنظام الأسد على جرائمه التي ارتكبها ضد المسلمين ؟!
أما عرفات وصحبه من قادة فتح فخصتهم هذه الأنظمة بشيء من المساعدات وأطفال تل الزعتر ليسوا أطفاله، وهو لا يخجل من هتك الأعراض، ولو كان من الذين يخجلون ما قبل أن تنقل الصحف ووكالات الأنباء صورته وهو يقبل امرأة في مناسبة من المناسبات الفلسطينية الكثيرة.
والمهم أن مخيم تل الزعتر تم تدميره، وتم القضاء على معظم سكانه، وقليل منهم تمكن من النجاة.
ماذا فعل الجيش النصيري في لبنان ؟
نشرت وكالة رويتر للأنباء في 23 يوليو 1976م التقرير الآتي: (عندما انسحب حوالي 4000 جندي سوري من تلال الهلالية التي تشرف على مدينة صيدا في الأسبوع الماضي تركوا في نفوس السكان المحليين شعوراً بالمرارة والانقباض).
وكانت الدبابات السورية قد دخلت صيدا في 7 حزيران بعد أن ظلت هذه المدينة بعيدة عن الصراع بسبب سيطرة اليسار عليها، وقال المدافعون عن صيدا: (إنهم دمروا عدة دبابات سورية أو استولوا عليها وأوقعوا إصابات بين السوريين).
وتشهد المباني التي قصت وواجهات المتاجر التي اسودت بفعل النار وبرج دبابة سورية رفع على شرفة الطبقة الخامسة من أحد المباني على ضراوة القتال الذي دار في هذا الميناء.
وعندما انسحب السوريون إلى التلال المطلة على هذا السهل الساحلي، يبدو كما يقول السكان المحليون أنه كان مزيجاً من القصف العشوائي والضرب الصاروخي المحكم.
ففي مصفاة الزهراني على بعد تسعة كيلو مترات إلى الجنوب من هنا أطلق السوريون وبإحكام كبير 96 صاروخاً تسبب في دمار بالغ واحترقت النار في بعض صهاريجها منذ حوالي أسبوع.
وكان مسئول سوري قد قال في لندن أخيراً: (إن المصفاة دمرت في قتال نشب بين فئات فلسطينية وإن الزعم بأن السوريين دمروها يشكل جزءًا من حملة معادية للسوريين).
ولكن بعض عمال المصفاة ويبلغ عددهم 220 عاملاً قالوا: إنهم مقتنعون بأن السوريين تعمدوا مهاجمة المصفاة التي كانت تكرر تقريباً جميع الوقود المستهلك في المنطقة التي يسيطر عليها التحالف الفلسطيني اللبناني.
وكانت الحكومة اللبنانية تزود السوريين بالوقود من هذه المصفاة خلال حرب سنة 1973م مع إسرائيل بعد أن قصف السلاح الجوي الإسرائيلي مصفاة حمص.
وفي إحدى ضواحي صيدا الجنوبية يشاهد مستشفى أصيب بثلاث قذائف وقال العاملون في المستشفى أن القذيفة الأولى جاءت من مدفع سوري حين كان السوريون يزحفون على صيدا.
وحطمت آخر عملية قصف جزءًا من جدار خلفي للمبنى ودمرت جناحين التجأ المرضى فيهما والموظفون إلى الطبقة الأرضية.
وقال طبيب وجد أن من الصعب عليه أن يصدق السوريين هم الذين قصفوا المستشفى إنهم ربما كانوا يحاولون ضرب محطة لتوزيع الوقود غير الشارع. وسئل عن رأيه في الوجود السوري فقال: (إني لست طبيباً(1) ولكنه أضاف يقول: لم تحدث أية مشكلة هنا إلى أن جاء السوريون.
قتلوا الأطفال: ويعتبر خيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين خارج صيدا أكبر مخيم في لبنان إذ يقطنه حوالي 45.000 شخص نصفهم من اللبنانيين الفقراء.
ويضم المخيم ملاجئ كثيرة تحت الأرض كان السكان يستخدمونها في السنوات الماضية اتقاء للغارات الجوية الإسرائيلية التي دمرت 400 منزل. وبدت بعض الأضرار الناجمة عن القذائف.
وقال مواطن فلسطيني: إن المخيم ضرب بالقذائف هنا وهناك وقد قتل صبيّان كانا يلعبان في الشارع هنا.
وقتل ثلاثة أشخاص عندما ضرب صاروخ ذلك البيت، وقتل حوالي 20 من سكان المخيم أو جرحوا نتيجة للقصف.
المقابر تتحكم: وفي المدينة ذاتها ضرب القذائف الأسواق وبعض الأماكن السكنية كما تحطم جزءًا من سور مقبرتها. وكان كثير من الأضرار في مناطق لم تتأثر بقال السابع من يونيو.
ونفى السكان المحليون أن تكون هذه المناطق قد ضربت خلال قتال بين الفدائيين أنفسهم وقالوا لقد وقع اشتباك ثانوي فقط بين فدائيين يناصرون سوريا وآخرون يعارضونها في شهر آيار.
واتهمت سوريا كذلك بضرب مرفأ صيدا مما أثار الفزع في نفوس ربابنة البواخر التي كانت تصل محملة بالأغذية والمؤن الأخرى لتوزع في المناطق التي يسيطر عليها اليساريون.
وقال السكان المحليون أنه ما أن انسحب السوريون حتى أصلح المرفأ وبدأت المؤن تتدفق عليه من جديد.
وقال قائد عسكري فلسطيني محلي: (إن معنويات الجنود السوريين في الهلالية متدهورة).
وكثيرًا ما يطلق رجال المدفعية السورية قنابلهم إلى البحر لتفادي إصابة المدنيين. وقد استبدل ضباط وجنود جدد ببعض ضباط وجنود القوة الأصلية.
وقال القائد الفلسطيني: (إن كثيراً من المعلومات التي تصل إليه عن خطط القوة السورية وتحركاتها إنما ينقلها إليه قرويون يطلعهم على هذه الخطط والتحركات ضباط سوريون.
وقد انسحب جزء من هذه القوة الآن إلى البقاع بينما انسحب الجزء الآخر إلى بلدة جزين الواقعة على بعد 30 كيلو متراً إلى الشرق من صيدا.
ومن جهة أخرى أقامت القوات السورية المسلحة الموجودة في جنوب لبنان وبالتعاون مع قادة طلائع الجيش العراقي اللبناني مكاتب خاصة للعلاقات العامة في معظم المدن والقرى اللبنانية التي تشرف عليها هذه القوات لتأمين الخدمات العامة وحل مشاكل المواطنين بما فيها القضاء والزواج والطلاق نظراً إلى غياب المؤسسات اللبنانية الرسمية. وتضم هذه المكاتب ضباط من سوريا ومن طلائع جيش لبنان العربي.
وأصدرت الإدارة السياسية التابعة للقوات السورية المسلحة صحيفة يومية أسمتها (الموقف) وصدر في العدد الأول منها ليوزع في أنحاء لبنان ويتضمن آخر المعلومات عن الموقف في الساحة اللبنانية ووجهة نظر سوريا في النزاع القائم في لبنان.
ثالثاً : عملية الليطاني :
هاجمت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان في 15 مارس 1978م، وتم ضرب مواقع الفلسطينيين جنوب نهر الليطاني، وأنشأت جيش سعد حداد على الشريط الحدود بتاريخ 28 مارس 1978م.
ونجحت إسرائيل في تجميع الفلسطينيين شمال النهر ليكونوا هدفاً لضربة أخرى ومن الجدير بالذكر أن القوات السورية التي كانت تشرق وتغرب في لبنان لم تحرك ساكناً، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد القوات الإسرائيلية.
ومن جهة أخرى فإن عملية الليطاني تمت بين زيارة السادات للقدس، وبين توقع معاهدة [كامب ديفيد] للسلام في أيلول 1978م.
رابعاً: الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م :
كان العدو الإسرائيلي على لبنان متوقعاً، وكان عرفات يصرح بذلك قبل أشهر من وقوع العدوان، ويزعم أنه أعد لكل شيء عدته، وأنه سيلقن إسرائيل درساً لن تنساه.
وفي يوم 4 يونيو 1982م بدأت الحرب بغارات جوية على لبنان كله، وتبعها بعد يومين الاجتياح البري بقوة قدرت بحوالي 20 ألف جندي، واكتسحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان بسرعة خاطفة، ثم واصلت سيرها نحو بيروت العاصمة، وهناك استقبلتها القوات المارونية بحفاوة بالغة، وأمدتها بالعون والنصيحة.
وقصفت القوات الغازية بيروت الغربية – بيروت السنة – براً وبحراً وجواً، ومنع الماء والغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء عن المسلمين السنة في بيروت العربية، ومن الأمثلة على القصف الشديد الذي تعرضت له بيروت الغربية ما حدث في يوم الأحد 1 أغسطس 1982م حيث استمر القصف الإسرائيلي براً وبحراً وجواً مدة أربع عشرة ساعة متواصلة سقطت خلالها 180 ألف قذيفة أي بمعدل يزيد على 214 قذيفة في الدقيقة الواحدة، وتكرر مثل هذا القصف يومي الثالث والرابع ثم العاشر والثاني عشر من الشهر نفسه.
لقد هدمت المنازل، ورُوع الأطفال، وعاش سكان بيروت المنكوبة أياماً عصيبة، وامتزجت دماء المسلمين اللبنانيين والمسلمين الفلسطينيين، وكانت الخسائر فادحة جداً.
وأخذ رفاق عرفات من الدروز والرافضة والعلمانيين يطالبون بخروج منظمة التحرير من بيروت بل من لبنان كلها، وأدى المبعوث الأمريكي بخروج منظمة التحرير من بيروت بل من لبنان كلها، وأدى المبعوث الأمريكي دوره المطلوب بعد جولات من المحادثات أجراها فيليب حنا في تل أبيب وبيروت ودمشق وعواصم عربية أخرى انتهت بخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان.
الموقف العربي:
تم عقد مؤتمر طارئ لوزرا الخارجية العرب بعد 23 يوماً من الاجيتاح الإسرائيلي، واختلف أعضاء المؤتمر وتفرقوا دون أن يتخذوا قراراً حاسماً، وما كنا ننتظر منهم غير هذا الموقف المؤسف.
أما النظام النصيري فكان دوره دور المتفرج .. وقصفت إسرائيل الصواريخ السورية في البقاع في 9 يونيو 1982م، ودارت معركة جوية هزيلة انتهت بسقوط عدد من الطائرات السورية، وصدر عن القيادة المركزية للجهة الوطنية التقدمية في دمشق بياناً في 19 يونيو 1982م جاء فيه: (إن ما جرى في لبنان ليس نهاية معاركنا وسنناضل لطرد الغزاة .. وجاء في البيان أيضاً: لا يعقل أن نترك الجولان ونعلن الحرب على إسرائيل من لبنان).
وعقد عبد الحليم خدام مؤتمراً صحفياً في 25 يونيو 1982م قال فيه: (إن سوريا حاولت تجنب الحرب نظراً لحدوث اختلال التوازن العسكري في المنطقة نتيجة خروج مصر على الصف العربي بعد التزامها باتفاقية كامب ديفيد).
وفي 20 يوليو 1982م قال حافظ الأسد في كلمة له من دمشق: (إن القوات السورية دخلت إلى لبنان لأداء مهمة محددة هي إنهاء الحرب الأهلية التي فرقته خلال عام 1975م و 1976م ولم تذهب لتحارب إسرائيل من هناك).
هذا ما قاله أسد عبر أجهزة الإعلام، أما ما قاله صراحة لمبعوث عرفات: (أريد أن تهلكوا جميعاً لأنكم أوباش).
وعندئذ أدركت قيادة المنظمة تآمر الأسد عليهم وأنه ينسق أموره ضدهم مع الكتائب وإسرائيل والولايات المتحدة.
أما ليبيا فقد زعمت أن أسباباً جغرافية حالت دون القيام بعمل عسكري ليبي مباشرة على الجبهة الشمالية في لبنان. عن الوكالات 15 يونيو 1982م
أما وليد جنبلاط ودروزه فيكفينا ما قاله عنهم الرجل الثاني في منظمة التحرير صلاح خلف: (إن عدم وجود عمق لساحة القتال في الجنوب شكل عائقاً لنا، فقد كان المدى الأرضي أحياناً لا يزيد في الجنوب عن أربعين متراً ونحن محاطون بالعدو من البر والجو والبحر وبعد صيدا مباشرة حرمنا من أن نضع مدفعاً واحداً من قبل الدروز ورئيس الحركة الوطنية بالذات – أي وليد جنبلاط -، أما القوات السورية في الجنوب فحسب ادعاء السوريين ليست للقتال).
وقال أيضاً: (أنا لا أستحي أبداً من الحقيقة .. الأخ وليد جنبلاط رئيس الحركة الوطنية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رفض أن تتواجد أو تنقل أسلحة إلى منطقة نفوذه في الشوف .. قال لنا: إن عنده أسلحة كافية وسيقاوم في الشوف ونحن نعلم أنه كان فعلاً سلاح جيد، لكن الذي حدث أن الأخ وليد وإخواننا الدروز لم يقاتلوا خلال الغزو الأخير، ورأينا مجيد أرسلان وفيصل أرسلان وجماعتهم بعد أن وعدوا المسلمين بالقتال معهم ضد بشير الجمل والكتائب، تخاذلوا أمام الأموال بينما انحشرنا نحن في شريط ساحلي ضيق من صور لصيدا لبيروت والمعركة الوحيدة التي دارت على مدى خمسة أيام في الشريط الساحلي كانت معركة [خلده] البطولية التي استشهد فيها خيرة رجالنا والتي كنا فيها وحدنا).
أما الموارنة فبعض قواتهم شاركت في الحرب إلى جانب اليهود، وبعضهم تعاونوا مع اليهود في إحكام الحصار على بيروت، والجيدون فيهم وقفوا على الحياد.
كذلك كان موقف الشيعة فقد عادوا إلى قراهم وحققوا حلمهم في طرد الفلسطينيين من جنوب لبنان، وكانت إذاعة العدو الصهيوني تنقل تصريحات أعيانهم في تأييد إسرائيل.
وجملة القول: فإن إسرائيل خاضت حرباً ضروساً مع المسلمين السُّنَّة وحدهم، وإذا كان بعض الناس سيفسر كلامي هذا تفسيراً طائفياً رغم ما فيه من حقائق لأنني أكتب ما أعتقده وأومن به بصراحة ووضوح.
إذا كان الأمر كذلك عند هؤلاء الناس فنحيلهم على مصادر كثيرة ليست إسلامية، وليس من اهتمامات الانتصار للسُّنة أو الشيعة، ومن هذه المصادر تنقل فقرات من دراسة قدمتها صحيفة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 30 أبريل 1985م تحت عنوان: (الإسرائيليون جردوا المنظمات السُّنية من السلاح وحدها).
(لقد حصر الإسرائيليون عملية التجريد من الأسلحة بالفلسطينيين أولاً ثم بالسُّنيين من اللبنانيين دون سواهم).
لقد أصر شارون على دخول بيروت الغربية لتجريد [المرابطون] بوصفهم فريقاً لبنانياً محسوباً على المنظمات الفلسطينية.
لماذا أسلحة السُّنة وحدها – وهي أسلحة غير منضبطة في إطار سياسي قال: - تشكل خطراً على الإسرائيليين؟!.
وهل [المرابطون] الخارجون على قاعدة الالتزام الإسلامي السُّني، بالامتناع عن خوض الحرب، من خنادق الطائفية يستحقون مثل هذا المستوى من الاهتمام الإسرائيلي، وهم الذين عدوا بعد الاجتياح مجرد علم ومحطة إذاعة؟!
بعض الناس صفق للمقاومين المغامرين – أي قليلات وجماعاته -، ومعظم القيادات السياسية المحافظة، رأت في الإصرار على مواجهة الدخول الإسرائيلي ضرراً إضافياً يقع على أرواح الناس وممتلكاتها، في وقت رحلت فيه المقاومة الفلسطينية عن بيروت، وتجنب الاشتراكيون – أي الدروز – مواجهة الإسرائيليين في الجبل، وتوقف حركة أمل – أي الشيعة – عند مفترق تحييد الضاحية الجنوبية، وتحول الكتائبيون إلى شرطي مرور للقوات الغازية، وإلى برج مراقبة وحارس حاجز ورأس حربة أحياناً.
... وأدركت القيادات الإسلامية السُّنية، أنها في مواجهة استراتيجية، أوسع مما يرى بالعين المجردة، استراتيجية ترتكز على النظرية الإسرائيلية المساوية بين السُّني اللبناني والفلسطيني المقيم في لبنان، من حيث إلغاء الدور، وتحطيم الفعالية، فالمناطق السُّنية كانت وستبقى، الأرض الخصبة لنمو المقاومة الفلسطينية.
(إن مدرسة الزعامات السياسية، خرجت أشخاصاً، ولم تخرج مؤسسات سياسية، مجموعة أسماء تتناوب على رئاسة الحكومة، بتنافس سطحي، لا يتعدى حدود الذات، وإن ابتعد، فإلى حدود المحلة أو المدينة). ا.هـ
إن صحيفة الأنباء الكويتية ليست إسلامية، وما كانت فيما كتبته تدافع عن أهل السُّنة، وعلى العكس فهي صحيفة قومية علمانية .. ولكن الحقائق أنطقت القائمين عليها كما أنطقت وكالات الأنباء المحلية والعالمية التي غالباً ما تتجاهل القضايا الإسلامية.
خامسا: مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982م:
اتفق المبعوث المبعوث الأمريكي [فيليب حبيب] مع النظام الصهيوني من جهة والأنظمة العربية المعنية من جهة أخرى على إخراج منظمة التحرير وقواتها التي تربو على إحدى عشر ألف مقاتل من لبنان.
وصورت أجهزة الإعلام العربية المشبوهة الاتفاق على أنه انتصار للمنظمة وهزيمة منكرة للعدو الصهيوني، وإسرائيل لا تريد في تلك المرحلة أكثر من خروج المنظمة وقواتها العسكرية من لبنان.
وخرج البطل ياسر عرفات [كما يصوره أتباعه] وشركائه من لبنان وتركوا وراءهم النساء والشيوخ والأطفال العزل .. تركوهم بين اليهود والكتائب والباطنيين، وزعموا – عليهم من الله ما يستحقون – أنهم حصلوا على ضمانات بسلامتهم من الولايات المتحدة وجهة عربية أخرى صديقة للولايات المتحدة .. وهم الذين يقولون في كل مناسبة: (الولايات المتحدة الأمريكية أكثر يهودية من اليهود).
وبعد خروج منظمة التحرير من لبنان تم تنفيذ حلقة أخرى من حلقات المؤامرة، حيث تم اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، وثبت فيما بعد أن حزب القومي السوري هو الذي نفذ العملية بتكليف من النظام النصيري السوري.
والحزب القومي السوري الذي يسمى الآن بالحزب السوري الاجتماعي – أسسه أنطون سعادة – وهو حزب طائفي دموي استعماري ينادي بوحدة سوريا الكبرى ولا يؤمن بالقومية العربية. واليهود السوريون جزء من الأمة التي يعتز بها أنطون سعادة.
وحزب البعث من ألد أعداء الحزب القومي السوري غير أن حافظ الأسد وطائفته متورطون في هذا الحرب المشبوه، وقد قام الأسد بالإفراج عن قادته كعصام المحايري وغيره وأعطاه صلاحيات واسعة في لبنان.
وفي الفترة الأخيرة أخذ الأسد يلمع قيادة هذا الحزب ويعدهم لدور ما، ومما لا شك فيه أن أعوان أسد في حزب البعث من غير أبناء الطائفة النصيرية يتوجسون خيفة من تعاون زعيمهم مع الحزب القومي السوري المعروف في بلاد الشام.
المهم أن مقتل بشير الجميل في تلك الفترة يعني بأن الكتائبيين والقوات اليهودية التي تحتل لبنان وبيروت بذات سيسحقون الفلسطينيين في مخيماتهم، وحافظ الأسد أول من يعرف هذه الحقيقة.
وإذا كنت عند كتابة هذه الأسطر لا أملك أدلة كافية .. ففقدان هذه الأدلة لا يمنعني من إبداء وجهة نظري التي تتلخص فيما يلي:
(إن عملية قتل المجرم بشير الجميل لم تكن عفوية بحال من الأحوال، والحزب الذي نفذ العملية يرتبط بصلات وثيقة مع النظامين النصيري واليهودي، وهذان النظامان لا يؤيدان وجود رئيس قوي يحكم لبنان ولو كان مجرماً لأنهم يخشون من التفات اللبنانيين حوله، وخلال مدة حكمه القصيرة وقعت خلافات بين بشير الجميل من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، أما عداوة النظام السوري له فمعروفة وأكيدة.)
وإذن لا بد من قتله، والذي أتوقعه أن النظامين: اليهودي والنصيري قد خططا معاً لتصفية رئيس الجمهورية اللبنانية بشير الجميل .. ومع ذلك لا أملك أدلة، ولكنها رؤية وسوف يأتينا بالأخبار من لم نزود.
المبحث الثاني
شهـــود المذبحــــة(1)
اقتحمت القوات الكتائبية واليهودية مخيمي صبرا وشاتيلا بعد مقتل بشير الجميل ... وارتكب الأوباش مجزرة رهيبة تذكرنا بمجزرة حماة التي سبقتها بقليل.
وفي هذه الأسطر القليلة، سوف أترك المجال لنفر من شهود المجزرة يتحدثون عما رأوا وسمعوا:
الشاهد الأول: سلمان الخليل المسؤول عن دفن الموتى قرب صبرا وشاتيلا.
قال سلمان: (وقعت المجازر يوم الأربعاء، وفي المساء أخذت الجرافات تدفن الضحايا بدون صلاة ولا تكفين ولا غسيل. الدفن جماعي.
ولم يعرف أحد أي شيء عن الجثث، لم يتعرف يومها أحد على جثة كان قسم منها لونه أسود، وقسم آخر منفوخ بفعل الشمس. كان الآباء والأمهات يأتون إليَّ بصور أبنائهم وذويهم كي أتعرف عليهم لكني لم أكن أفلح في ذلك.
دفنت في يوم واحد عدداً إجمالياً 113 جثة في سبعة خلجان حفرتها الجرافات، وفي إحدى المرات كان شاهداً على الدفن السفير الفرنسي. وكان حاضراً أيضاً الصليب الأحمر والجيش اللبناني والدفاع المدني وكشافة الرسالة والمقاصد. كان السفير الفرنسي يبكي. رأيته يبكي بعيني. كنت في حالة صعبة كالضائع أذهلني المنظر(2).
وعندما دخلت إلى المخيم رأيت [اللحم ملزق على الحيطان]. وتستطيع أن تقول كل أساليب القتل قد استخدمت الساطور، البارودة، الرصاص، العصي، كاتم الصوت، هناك مساحة لاحظتها وهي عبارة عن 200م فيها كثافة دماء حوالي 2ملم – 3ملم مع آثار شعر وأحذية، قيل لي أنه في هذه المساحة قد تجمعت حوالي 40 جثة، نقلت جميعها قبل يوم واحد بالجرافات.
والذين هربوا صوب الغبيري أو صوب الشرق نجوا من القتل، والذين هربوا صوب المدينة الرياضية أو صوب القرى قتلوا أو اعتقلوا والدليل على ذلك أننا دفنا 70 جثة قتل أصحابها في محلة الرمول بالقرب من المدينة الرياضية كان يوجد هناك قوة كبيرة جداً من المسلحين.
يوم الاثنين التالي والأيام اللاحقة للمجزرة، كنت أصلي على الجنازات من الساعة الرابعة صباحاً حتى الساعة السادسة مساءً. كانا يزودونا بكمامات تفادياً للروائح الكريهة، ساعدتنا شركة [أوجيه لبنان] بتقديم الآليات والجرافات.
كان عمق الخليج الذي نحفره مترين ونصف المتر وطوله حوالي ثلاثين قدماً، وكنا نع كل خمسة جثث فوق بعضها البعض، ونرمي فوقها الكلس والتراب خوفاً من انتشار الروايح المنبعثة منها، ووضعنا أيضاً الأطراف المقطعة من الجثث. أما الأسماء فإنها كانت موجودة مع الصليب الأحمر، ولم تنشرها الصحف لأن الصليب الأحمر كان يخشى من إثارة الرأي العام.
لقد صليت وحدي على 6000 جثة، وهناك ألفا جثة دفنتها الجرافات دون أن أصلي عليها، والجثث المدفونة جماعياً موجودة في مقبرة على مداخل شاتيلا مسورة، ومساحة المكان تبلغ ما يقارب 1500 متر مربع.
لقد ذُهلت عندما صليت على 113 جثة يوم الأحد بعد المجزرة في مكان واحد، بعدها صرت كالضائع الأقوى على مخاطبة أحد، تأثرت كثيراً عليهم لأول مرة في حياتي أرى 113 جثة، لم أكن قادراً على البكاء كي أموه على نفسي.
لقد كان عدد الرجال أكثر من عدد النساء، وكان بين الضحايا من كان عمرة 90 سنة، وما زالت صورته حتى الآن في ذهني، كانت ذقنه طويلة، ومن بين الذين دفناهم أطفال أعمارهم بين 6-7 سنوات ونساء من مختلف الأعمار، كانوا يقتلون كل شيء يتحرك أمامهم.
الشاهد الثاني: فاطمة، عمرها 30 سنة، فقدت في المجزرة أهلها.
* أين كنتِ عندما وقعت المجزرة؟
- بالقرب من المدينة الرياضية، رأيتهم بعيني ينزلون، كانوا مثل الجيش اللبناني، وكانت إسرائيل وراءهم، على زنودهم شارة الكتائب اللبنانية، كانوا شباباً تتراوح أعمارهم بين 20 و25 و27 و30 عاماً.
تكمل روايتها: بعد قليل تفاقمت الصحة وخرجنا تحت الرصاص، وتركت منزلي وفيه أغراض بـ 15 ألف ليرة كلها راحت .. صاروا يضربون علينا هاون صغير وأنا لا أخاف من الهاون انبطحنا في الأرض فأصيب زوجي بشظايا الحجارة فحملته على ظهري وركضت صوب مستشفى غزة وبقيت معه في المستشفى .. هناك بدأت أفواج الجرحى تتوافد. رأيت ولداً صغيراً جسمه ملئ بالشظايا وغيره كثيرين .. خفت على أولادي، فعدت إلى المنزل وما أن وصلت حتى أطلقوا النار علي فلم أصب، لكني سرعان ما غادرت البيت إلى (زاروبة) مجاورة صوب منزل أهلي فوجدتهم كلهم مقتولين وجيران أهلي وغيرهم كثيرين .. امرأة حامل فتحوا بطنها، وامرأة أخرى في شهرها الرابع قتلوها على باب الملجأ .. ناس لبنانيين حاملين أعلام بيض قتلوهم .. نسوان أخوتي قتلوهم .. أخي الكبير كان يحمل القتلى والجرحى ويساعد الناس قتلوه .. أمي كانت تحمل 78 ألف ليرة قتلوها .. نسوان قطعوا لهم أياديهم من أجل أساور الذهب وقتلوهم .. كانوا مخدرين يأخذون حقن مورفين في عروقهم.
الشاهد الثالث: فهيمة محمود السعدي، عمرها 24 سنة متزوجة فلسطينية من مخيم صبرا، وزوجها من بيت القاضي، وقد نكبت عائلة القاضي، وقتل منها عدد كبير في مخيمي صبرا وشاتيلا.
تتحدث فهيمة كيف تم اعتقالها كيف تم اعتقالها مع عدد من أهلها، وما تعرضت له من تعذيب، وإهانة، وكيف تم فرز الناس .. وتمضي في حديثها فتقول:
النساء اللبنانيات ذهبن إلى مكان يقع بالقرب من السفارة الكويتية، وكان المسلحون هناك (ينفلون نفل وكأن القيامة قائمة)، وقالت لي يما بعد إحدى الأخوات اللبنانيات أن المسلحين كانوا (شربانين) .. بعد ذلك جاءت بهن إلى تجمعنا وقالوا لنا كل شيء سيسير على ما يرام، فمن له علاقة بالمنظمات، سنعتقله والذين لا علاقة لهم سنتركهم .. في هذا الوقت جاءوا بامرأة وزوجها من صبرا وكان حالتها (يوقف شعر الرأس) سألناها عن الأمر فالت: (قتلوا كل الشباب الواقفين في أول صف في صبرا عندها ارتفع العويل والصراخ بين النساء وسادت حالة من الهستيريا .. فهجم علينا أحد المسلحين وقال: التي تريد أن تكمل الصراخ فلتأتي إلى هنا وستصبح عاطلة (ما بدي ولا كلمة. اسكتوا كلكم) وسألنا من أخبركم بالأمر فلم نجب لأنه قد يقتلها خصوصاً بعد أن قتل زوجها وثلاثة من أولادها أمام عينها. الساعة السابعة مساءً قالوا لنا الآن يمكنكم أن تنصرفوا لكن شرط ألا تذهبوا إلى منازلكم (دبروا حالكم في الشوارع والطرقات).
وصلنا إلى حاجز للجيش اللبناني فقال لنا الجنود (شو القصة يا أختي، ليش ماشيين حافيين ومبهدلين) فروينا لهم الأمر قالوا: غير معقول فأكدنا لهم فقالوا إلى أين ستذهبن. قلت إلى أي شارع يه بشر كي يعرف الجميع ماذا حل بنا.
الشاهد الرابع: حنان الخطيب، عمرها 18 سنة، لبنانية. تتحدث عن اعتقالها فتقول:
كان عددنا حوالي 20 بنتاً وولداً وشاباً واحداً عمره حوالي 16 سنة، نقلونا إلى المنطقة الشرقية بواسطة كمبون شحن صغير، وكانا قد استبقوا الرجال في الملجأ .. تجولوا بنا في المنطقة الشرقية كلها ونزلونا في مقر لا أعرف لمن [المكان في بكفيا] كانوا يومها في حالة حداد ويقفون على الشرفات ينظرون إلينا .. بعد قليل تقدم أحد الضباط الموجودين هناك وسأل المسلحين (شو جايبين معكم .. كلهم نسوان) فأجابه مسلح: معنا شاب عمره حوالي 16 سنة. ودفعه إلى الضابط الذي خبطه بالأرض ثم حمله إلى مكان لا ندري أين هو. وعاد إلى المسلحين وقال لهم: (ارسلوا النساء وهاتوا الرجال).
وتمضي حنان في الحديث عما شاهدته: في اليوم التالي وكان نهار الجمعة الساعة الرابعة أطلقوا سراحنا فذهبت إلى مستشفى عكا كي أبحث عن أبي، فقيل لي يمكن أن يكون مع الأسرى في الرملة البيضاء، فصدت المكان فلم أجده، عدت إلى المخيم فلم أجد قتلى أو جرحى، وصلت إلى الحرش 25 شخصاً مكومين فوق بعضهم بدون رؤوس عدت إلى البيت فوجدت أبي مقتولاً ورأسه على الحجر وعلى جسمه غطاء أبيض .. بعد ذلك جمعت أغراضي من ذهب ومصاري وقصدت الغبيري وهم كانوا قد تجمعوا في المدينة الرياضية بقيت في الغبيري حتى يوم الأحد حيث عدت واهتميت بدفن والدي.
وعن الذين اعتقلوها تقول حنان: كان لهجتم كسروانية وجنوبية ومعهم ناس بعلبكية.
الشاهد الخامس: صبحية حمد فارس، عمرها 38 سنة، متزوجة قتل زوجها مع ثلاثة من أولادها.
* أين كنتم تسكنون أثناء المجزرة؟
- في مستديرة شاتيلا، ويوم الجمعة بعد المجزرة هربنا إلى الغبيري [حي لبناني ملاصق للمخيمات].
* هل تذكرين كيف دخل المسلحون إلى المخيمات يوم المجزرة؟
- دخلوا من حي عرسال، كانوا يرتدون الزي العسكري الذي يرتديه الجيش اللبناني.
وعن محاولة هروبها مع زوجها وأولادها ثم عن اعتقال الكتائب لهم تقول: أخذونا إلى المجلس الحربي الكتائبي، وكانت الساعة قد بلغت السابعة مساءً نزلوا الشباب في ساحة الكرنتينا(1) (وبطحوهم على الأرض) ثم أخذوا يضربونهم بالكرابيج، على مرأى منا، أما نحن فإنهم كانوا يرمون علينا البيض ويرشقونا بالتراب والحجارة والبحص. المهم أنهم عصبوا أعين الشباب وأعادوهم إلى السيارات، وكنا كلما بكينا ينهالون علينا بالضرب ويطلقون النار فوق رؤؤسنا ثم نقلونا بالسيارة بعد أن طردوا سائقها إلى حاجز البربارة، وهناك قالوا لنا اذهبوا ولا تعودوا إلى هنا أبداً، وإذا سئلتم عمن فعل ذلك لا تأتوا على ذكر الكتائب، قولوا جيش لبنان الحر [سعد حداد] ونحن عرفناكم جيداً وعرفنا أسماؤكم، إياكم أن تنطقوا باسمنا وإياكم أن ترجوا، إذا رجعتم إلى بيروت نذهب إلى منازلكم ونقتلكم فيها هناك.
* هل تعتقدي أن إسرائيل شاركت في المجزرة؟
- نعم شاركت بالمجزرة لأنهم كانوا يرغمون الهاربين على العودة إلى المخيم ثم إن الجيش الإسرائيلي كان يحاصر المخيمات ولا يسمح بالخروج منها لأي شخص كان.
الشاهد السادس: يتيم صبرا، كريم عبد يوسف، فتى في الحادية عشرة من عمره، فقد عائلته خلال المجازر، يتحدث عما لقي من مصائب فيقول:
اعتقلوا معي حوالي 100 شخص معظمهم أولاد صغار .. بعد قليل طلبوا منا أن نركض في الملعب أثناء ذلك فكرت بالهرب مع صبي كان يركض بجانبي واسمه حسن. قلت لحسن: هل تهرب معي فوافق. قفزنا من مكان فيه أسلاك شائكة وأصبنا بجروح .. لحقونا ولكن ما قدروا يلقطونا. فطعنا مسافة قصيرة فاصطدمنا بثلاثة مسلحين كتائب، خرطشوا علينا الكلاشنات وأعادونا إلى الملعب حيث ضربونا ضرباً مؤلماً، بقينا في الملعب طيلة النهار والليل وفي صباح اليوم التالي أفرجوا عنا وقالوا فليذهب كل شخص إلى منزله .. توجهت إلى بيتنا فوجدت أبي مذبوحاً ومربوطاً بالحبال [هنا أجهش كريم بالبكاء] .. عندما رأيت والدي ضاع عقلي ولم أعد أعرف ماذا أفعل، تذكرت والدتي وأخواتي بحثت عنهم فلم أجدهم. هنا تصاعد إطلاق الرصاص فهربت وعلى الطريق صادفت اثنين (اختيارية) – أي شخصين كبار السن – ذهبت معهما إلى أحد المنازل وهناك أيضاً طوقنا الكتائب وأطلقوا علينا الرصاص .. لكننا استسلمنا لهم بعد أن رفعنا خرقة بيضاء، فأخذونا إلى مركز تجمع الإسرائيليين لكن هؤلاء رفضوا استسلامنا فأعادونا إلى صبرا وقالوا (الذي يدلنا على فدائي نتركه ونعطيه مصاري) التزمت الصمت فقال لي أحدهم: هل تدلنا يا شاطر على فدائيين فنعطيك مصاري ونخلي سبيلك. كان هذا الشخص إسرائيلي لكنه يرتدي ثياب الكتائب. بعد قليل جاء ضابط إسرائيلي أصلع وقال: (امشوا خلفي) .. على الطريق (صرنا نشوف القتلى مرميين على الأرض. اللي مقطوع رأسه، اللي مقطعه اجريه، اللي منفوخ!! امرأة حبلى بقروا بطنها وعلقوها كما تعلق اللحمة عند الجزاء).
* هل عثرت على أمك وأخواتك؟
- نعم. كانوا مقتولين. (وما شفتهم كيف اتقتلوا) لكن أخبرني الناس في تلك اللحظة أصبت بالجنون. مات أبي وأمي وأخواتي. تأثرت كثيراً خصوصاً على موت أخواتي لأنني كنت أرى النور من عيونهن. كنت أحبهم أكثر من كل أهلي، بحثت عن أخوتي الشباب فعثرت على أحدهم وكان مشطوباً بالبلطة – أي الفأس – على رأسه، وأخي الثاني كان وجهه مهشماً من الضرب. أخي الثالث سمير لم يمت بل خطف، هكذا قيل لي، وهو الآن مفقود لا أعرف مصيره؟! دفن أهلي دون أن أراهم. والجميع الآن مدفونين في مكان قريب من مدخل شاتيلا، زرتهم يوم العيد (عيد الفطر الماضي) مع بعضهم البعض.
* والآن ماذا تفعل، هل تشتغل؟
- أريد أن أشتغل على [طنبر الكاز] أبيع الكاز.
* أين نمت وأين تنام في هذه الأيام.
- كنت أنام في كل منزل يستقبلني، وأقول يا رب ساعدني. نمت في مداخل البنايات في كوخ على حصيرة صغيرة يمكن أن أنام. هذا هو مصير الطفل الذي يفقد أهله. نزلت بعد المجزرة إلى سوق الخضرة وجمعت مصاري من البائعين .. في أحد الأيام لمحت فتاة تشبه أختي آمال (يمين الله تشبهها) فركضت نحوها كي أضمها فتبين لي أنها ليست هي .. كنت أحمل خضرة على كتفي وأنزلها من الكمبونات الآية من مدينة صور، أصبت بجرح في كتفي من جراء (الإنزال والتحميل) في سوق الخضرة. أرسل الله لي شخصاً اسمه عبده هو الذي جاء بي إلى هذا المنزل (المكان الذي أجريت فيه المقابلة في مخيم صبرا) وغداً سأباشر العمل على (طنبر الكاز). العم أبو سعيد صاحب هذا البيت قال لي أنزل (على الطنبر) لك الربح ولي رأس المال. ووعدني بأن يشتري لي حصاناً نافعاً للشغل.
* هل أنت مرتاح الآن؟
- لا، لست مرتاحاً لأنني بلا أهل، زهقت حياتي لا أحد يرعاني ويهتم بي .. إذا وجدت أخي المفقود يمكن أن يتغير كل مجرى حياتي وتصبح أحسن من الآن بكثير. الناس هنا يهزءون بي ويقولون لي (يا مزفت) لأن ملابسي ممزقة ووسخة استعرتها من عند ناس من المخيم. لقد انتهت حيات. الله يسامح الناس الذين يسخرون مني(1).
سادساً: البداوي ونهر البارود :
بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م، وبعد خروج القوات العسكرية الفلسطينية من بيروت لم يبق للمقاتلين الفلسطينيين موضع قدم في أية دولة من دول المواجهة العربية .. اللهم إلا من كان في شرق لبنان وشمالها.
ومما يجدر ذكره أن شرق لبنان وشماله يقعان تحت استعمار القوات النصيرية الغازية، وتجمع الفلسطينيين في هذا الجزء من لبنان لم يكن مصادفة، وإنما جاء نتيجة لمؤامرة دبرها حافظ الأسد وأسياده في تل أبيب وواشنطن وموسكو.
ومبادرة الأسد يلبسها دوماً لبوس الوطنية والتورية ومحاربة الاستسلام للعدو الصهيوني، ومن هذا المنطلق راح أبو صالح وأحمد جبريل وخالد الفاهوم ينادون بمحاكمة عرفات لخروجه من لبنان وزيارته لمصر واجتماعه برئيسها حسني مبارك، وأقدم النظام السوري على اغتيال قائد القوات العسكرية الفلسطينية أبي صائل، ثم تطور الأمر ودفعت القوات النصيرية بهؤلاء العملاء المأجورين ليرتكبوا جريمة أخرى ضد الفلسطينيين الآمنين في مخيم نهر البارود ومخيم البداوي، وبعد معارك عنيفة بين عرفات ومن معه من جهة، وبين المنشقين عنه والقوات السورية من جهة أخرى .. سقط مخيم نهر البارود في 6 نوفمبر 1983م بأيدي المنشقين والنصيريين .. وتبعه مخيم البداوي في 16 نوفمبر 1983م .. وكانت الخسائر فادحة في هذين المخيمين، ونزح 70% من سكان خيم البداوي وأطراف طرابلس الشمالية في اتجاه عكار والضنية والبقاع وبيروت.
وتعرضت طرابلس للقصف الشديد الذي شارك فيه النصيريون وأبناء طائفتهم في بعل محسن كما شارك فيه الرافضة، وخاض الغزاة معارك شرسة مع المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين داخل طرابلس، وتعرضت المباني والمؤسسات للهدم .. وبعد حصار مرير دام ستة أسابيع وافق عرفات ومن معه على مغادرة طرابلس أثر وساطة بينه وبين النظام السوري قام بها وزيران عربيان من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي.
غادر عرفات ومعه أربعة آلاف مقاتل فلسطيني طرابلس في 20 نوفمبر 1983م، وأقلتهم خمس سن يونانية تحت حماية أسطول حربي فرنسي ومراقبة السفن العسكرية الإسرائيلية، وكان عرفات كعادته يرفع شارات النصر، ويوزع الابتسامات والقبلات على مودعيه، أما الأسلحة الثقيلة فقد وزعها قبل سفره، وجزء منها أخذه الجيش اللبناني ليعود إلى الكتائب.
________________________________________
الفصل الثالث
المبحث الأول
عدوان أمل على المخيمات الفلسطينية وصف لسير المعارك
مدخل:
تسري اليوم نشوة غير عادية في المخيمات الفلسطينية وأسباب هذه الفرحة الغامرة كثيرة، فإن غدا الاثنين 20 مايو 1985م سوف يكون الأول من رمضان الذي يعظمه المسلمون جميعاً ويبتهجون بقدومه، وفي اليوم نفسه سوف تتم عملية تبادل الأسرى، وسيتم إطلاق سراح ما يزيد على [1200] معتقل فلسطيني ولبناني، مقابل ثلاثة من الأسرى اليهود، وزيادة على هذا وذاك فقد أخذت اليوم الأحد القوات الصهيونية مواقعها في المحاور الجنوبية لقضاء البقاع الغربي، وهذه هي بداية المرحلة الثالثة والأخيرة من الانسحاب النهائي من لبنان(1) والتي زعم مسؤولون يهود أنها ستكتمل أواخر شهر مايو [آيار] الجاري.
وهكذا تتكامل بواعث الغبطة والحبور عند الفلسطينيين في مخيمات بيروت.
ولكن أيرضى بنو صهيون بهذا .. وهل يقبلون بالانسحاب دون مصائب وكوارث تلحق بالفقراء من أبناء فلسطين في مخيماتهم؟!
اسمعوا الجواب:
تقترب الساعة الآن من التاسعة من مساء يوم الأحد 19 مايو 1985م .. ودورية مسلحة شيعية تابعة لأمل تجوب مخيم صبرا الفلسطيني، توقفت الدورية قرب فتى يحمل مسدساً حربياً – وهي ظاهرة غير غريبة في لبنان – ثم حاولت اعتقاله بحجة أنه حاول تهديدهم، لكنهم فشلوا، وأفلت الفتى من أيديهم وانطلق يعدو هارباً، وتبادل معهم إطلاق النار.
ترى أكانت حرباً عفوية، تسبب فيها غلام طائش، وهل نحن نعيش في عصر داحس والغبراء وأيام الجاهلية .. يوم كانت الحروب المدمرة تقوم ولا تنتهي لأتفه الأسباب؟!
كلا .. كلا .. إن الأمر أكثر عمقاً من هذا التحليل المغرق في السذاجة .. إنه مشهد في عصر أضحت فيه السياسة مسرحية متقنة الإخراج، وسوف نبسط أدلتنا في هذا كله إن شاء الله.
مواقف وتصريحات سبقت الحرب:
- كانت أمل قد رفضت قبل أسبوعين من اندلاع المعارك ورقة عمل عرضتها جبهة الإنقاذ الفلسطيني على نبيه بري، وتنص هذه الورقة على أن تتولى الجبهة أمن المخيمات، علماً بأن الجبهة موالية للنظام النصيري الذي تتلقى أمل منه الدعم والتأييد.
- صرح نبيه بري يوم الأربعاء 22 مايو 1985م أن إعادة السيطرة على المخيمات المحيطة ببيروت، أياً كان اللون الفلسطيني الغالب، يعني فصل الضاحية عن بيروت مرة أخرى، وبالتالي التمهيد لإعادة التوازنات في عاصمة لبنان لغير مصلحة أمل بالتأكيد.
- تحدث إبراهيم .. أحد قادة أمل عن سبب اندلاع الحرب في 21 مايو 1985م فكان مما قاله: (إن الفلسطينيين يريدون أن يستعيدوا حرية العمل التي كانت لهم قبل الاجتياح الإسرائيلي، ورأت أمل أنهم يجلبون الأسلحة .. وعندها بدأ القتال.
- سبق الحرب حوادث بين الطرفين افتعلتها أمل من أشهرها احتجاز ثلاثة من الفلسطينيين من مخيم عين الحلوة في صيدا يوم 18 مايو 1985م كما احتجزت أمل المدعو أبو محمد القائد العسكري لحركة (المرابطون) بعد إنزاله من الطائرة في مطار بيروت، وكان في طريقه إلى باريس، وقد رد فلسطينيو عين الحلوة باعتقال أحد مسئولي أمل في الجنوب.
- اشتد الوضع تدهوراً بين الطرفين عندما أقيم مهرجان في مخيم عين الحلوة حره نائب صيدا نزيه البزري، ورئيس التنظيم الناصري المسيطر عسكرياً في صيدا مصطفى سعد، وجرى خلاله إلقاء كلمات أجمعت على التنديد بحركة أمل.
- قبل شهر واحد فقط من هذه المعارك، كانت أمل وبمساعدة الحزب الاشتراكي قد صفت الوجود الفلسطيني، ثم صفت بعد معارك دامية تنظيم (المرابطون) الأمر الذي ضمن لها سيطرة كاملة على أمن بيروت الغربية.
- كان للأعداد الكبيرة التي أفرج عنها اليهود من المعتقلين الفلسطينيين أثر في إثارة مخاوف أمل من قوة مراكز المخيمات عسكرياً، كما أن المنظمات بدأت تسرب عدداً من عناصرها نحو المخيمات والجنوب الأمر الذي يعني استئناف النشاط الفدائي ضد العدو اليهودي، وقد التزمت منظمة أمل بإيقاف مثل هذا النشاط.
وفوق هذا وذاك علينا أن لا ننسى تاريخ أمل مع المنظمات الفلسطينية، ولا عجب في ذلك فهو امتداد لتاريخ الرافضة الذي ذكرنا أمثله من جرائمهم في الجزء الأول من هذا الكتاب.
كيف بدأت الحرب؟!
بعد البدايات الأولى لإطلاق النار ليلة الاثنين 20 مايو 1985م اقتحمت ميليشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وقامت باعتقال جميع العناصر في مستشفى غزة، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول، كما منعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية .. وأفاد شهود عيان أن الحرائق شبت في مستشفى غزة. وهذه البداية تعني أن أمل تريد الهلاك والدمار، وليست القضية عندها قضية شاب رفض الانصياع لدورية من دورياتها.
وفي الساعة الخامسة من فجر الاثنين 20 مايو 1985م بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز بمدافع الهاون والأسلحة المباشرة من عيار 106 ملم.
وفي الساعة السابعة من اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون، وكانت السيطرة في البداية لقوات أمل .. ويظهر أن القيادات العسكرية للمخيمات لم تكن تشعر بالمؤامرة وأبعادها، ولذلك فلم تتحرك جدياً إلا في الساعة التاسعة صباحاً .. ورغم هذا التأخير، فقد تمكنوا من صد الهجوم سريعاً بسبب خبرتهم القتالية الجيدة، والاحتياطات التي علمتهم المجازر السابقة أن يتخذوها تحسباً لمثل هذا الموقف.
لم تأت الساعة الثانية عشرة ظهراً إلا وقوات أمل قد أجبرت على الخروج من مبنى المدينة الرياضية، بل ومن منطقة الفاكهاني عموماً، ومن محيط الجامعة العربية، وتوصل المدافعون عن المخيمات إلى السيطرة على قصر العويني الكائن على طريق المطر، وربطوا مخيم صبرا بمخيم شاتيلا، ثم شقوا الطريق من هذين المخيمين إلى بئر حسن كي يربطوا هذه المخيمات بمخيم برج البراجنة إلى الشرق من طريق المطار.
لكن قوات أمل احتفظت بجيب استراتيجي على الزاوية الشرقية لمنطقة شاتيلا ولم تسلم بقية المخيمات الفلسطينية من اشتباكات متقطعة مع أمل ومن معها كما حدث في مخيم الميّه وميّه في الجنوب، ولكن التركيز الكثيف كان على صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة.
موقف جبهة الإنقاذ:
كان تبرير إعلام نظام دمشق لهذه الهجمة هو أن أتباع عرفات الخونة يحاولون العودة والتسلل إلى المخيمات بعد طردهم منها .. ولكن الذي حصل أن جميع المقاتلين أن جميع المقاتلين الفلسطينيين – بما فيهم جبهة الإنقاذ – شاركوا في الدفاع عن المخيمات والسؤال المطروح.
هل تمردت قيادة جبهة الإنقاذ هذه المرة إلى إرادة الأسد ولماذا؟
وجواباً على هذا السؤال نقول:
1- إذا صفى الوجود الفلسطيني في هذه المخيمات فتكون جبهة الإنقاذ قد فقدت ثقلها كلها أو جله على الأقل لأنها لا تملك وجوداً عسكرياً إلا في هذه المخيمات، ولها وجود ضئيل في مخيمات أخرى.
2- واجهت الجبهة نقداً شديداً بسبب المعارك التي خاضتها في مخيمي البداوي ونهر البارود إرضاء للأسد ونظامه المرتد .. لقد سفكوا دماء الأبرياء وارتكبوا أبشع الجرائم وأحطها .. ولا يزال الشعب الفلسطيني يذكر لهم هذه المواقف الدنيئة، ولو استجابوا لأوامر الأسد هذه المرة لفقدوا ما تبقى لهم من أعوان وأنصار.
3- وقادة الجبهة أول من يعلم أنهم لو طلبوا من قواعدهم مساندة أمل أو الوقوف على الحياد لما استجابت لهم هذه القواعد .. وكيف يستجيبون وهم يرون أبناءهم وأخواتهم وأمهاتهم يذبحون كالنعاج.
لهذا ولغيره فإن جبهة الإنقاذ شاركت في المعارك، ودافع رجالها عن أنفسهم وذويهم، ولا ندري هل اتفقوا سلفاً مع أسد على هذا الموقف أم الظروف الحرجة فرضت عليهم خوض المعركة .. ورغم ذلك فكانت تصريحات القادة تتراوح بين الهجوم المقذع على ياسر عرفات ومن معه وبين النقد الهادئ لنظام الأسد، غير أن القيادات التي غادرت دمشق كانت أكثر حرية.
عودة لسياق المعركة:
انطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال، ولم تتوقف عند هذا الحد وإنما امتدت أيديهم القذرة لتطول المستشفيات ودار العجزة .. لقد أحرقوا بنيرانهم بعض غرف الطابقين الرابع والخامس من مستشفى المقاصد الخيرية كما أحرقوا جزءاً من دار العجزة!!
كانت أمل في وضع متميز لأنها كانت قادرة على الكر والفر، وهي التي كانت تفرض المعركة متى أرادت، أما المقاتلون الفلسطينيون فكانوا يدافعون عن أنفسهم، ولا يملكون التراجع عن مواقعهم .. ورغم ذلك فقد عجزت أمل عن الصمود أمام المقاتلين الفلسطينيين فترة طويلة.
اللواء السادس يدخل المعركة:
أصدر المجرم المحترف نبيه بري أوامره لقادة اللواء السادس في الجيش اللبناني لخوض المعركة وليشارك قوات أمل في ذبح المسلمين السُّنَّة في لبنان .. ولم تمض ساعات إلا واللواء السادس يشارك بكامل طاقاته في المعركة وقد قام بقصف مخيم برج البراجنة من عدة جهات.
ومن الجدير بالذكر أن أفراد اللواء السادس كلهم من طائفة الشيعة، وقد خاض هذا اللواء معارك شرسة ضد المسلمين السُّنَّة في بيوت الغربية.
محاولات وقف إطلاق النار:
كان المسلمون السُّنة من اللبنانيين لا يتوقعن مثل هذه المؤامرة الدنيئة وكانوا يقولون: إنها معركة أفلت زمامها من عقلاء الطرفين .. ولهذا تحركوا لوقف الاقتتال، فأجرى المفتي وسليم الحص وغيرهما اتصالات مكثفة مع نبيه بري من أجل وقف إطلاق النار، فوافق زعيم أمل دون أن يصدر أوامره لرجاله بوقف القصف، ولعله فعل ذلك كي يخفف المقاتلون الفلسطينيون الضغط على جنده.
كان هذا الاتفاق الأول قد تم في الساعة العاشرة من صباح الاثنين 20 مايو 1985م ولما لم تجد هذه المحاولة تحرك السياسيون المنتسبون لأهل السنة بفاعلية أكثر وعقدوا اجتماعاً في منزل بري بعد إلحاح شديد وشارك في هذا الاجتماع: الحزب التقدمي الاشتراكي – الدرزي – واتفق المؤتمرون على وقف فوري لإطلاق النار مع تيسير دوريات من الجيش اللبناني في مناطق الاشتباكات.
ولم يكن بري جاداً هذه المرة أيضاً ودليلنا على ذلك أن مناطق الأوزاعي والغبيري كانت في هذه الأثناء تشهد حشوداً عسكرية ضخمة تابعة لقوات أمل الشيعية، وهذا يعني أنه كان يستعد لمعركة ضخمة يثأر فيها في شهر رمضان الفضيل لدماء الحسين t، كما زعم أتباعه وهم يقتحمون المخيمات [ليعد من شاء إلى ما روته وكالات الأنباء عنهم].
إن الحسين t بريء من هؤلاء المجرمين المنحرفين، بريء من أعمالهم وأخلاقهم وعقائدهم وأساليبهم.
الوقف الثاني لإطلاق النار:
استمرت المعارك بقية اليوم، وفي الليل، وتمكنت أمل من إحراز بعض التقدم لكن ما أن حل الليل حتى تراجعت تحت ضغط المقاتلين الذين استفادوا من حلول الظلام في الحركة بحرية.
وفي الساعة السابعة من صباح الثلاثاء 21 مايو 1985م وجه اللواء السادس نداءات بواسطة مكبرات الصوت إلى سكان المخيمات تطالبهم بإحلالها تجنباً للقصف، وقد سارعت العائلات على الفور بالنزوح من منازلها واللجوء إلى المدارس والمساجد والأحياء الآمنة .. كما دخل الصليب الأحمر المخيمات لإخلاء المصابين، وتم دفن بعض القتلى.
لم تدم هذه الهدنة إلا وقتاً قصيراً، ففي الساعة والنصف عاد القصف مرة أخرى من طرف أمل، وتوقف نقل الجرحى وظلوا ينزفون حتى الموت .. حتى إن بعض التقارير قالت: إن طفلاً من المصابين يموت كل خمس دقائق.
وعندما تبيّن لكل ذي عينين هدف أمل التآمري تحركت القوات العسكرية المحسوبة على أهل السنة في لبنان، ففي يوم الثلاثاء 21 مايو 1985م دخلت قوات (شاكر البرجاوي) و(المرابطون) في معارك مع أمل في منطقة الطريق الجديدة، وشارع حمد، ومحيط جامعة بيروت العربية، كما أقاموا نقاط تفتيش مشتركة مع الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة خارج صيدا، وقد أربك هذا العمل خطوط أمل الخلفيّة، وكانت المعارك في قمة الضراوة في هذين اليومين: الاثنين والثلاثاء، ويقال أن عدد القتلى وصل في هذين اليومين إلى 100 قتيل و 500 جريح من سكان المخيمات وحدها.
وقف رابع:
بذلت مساع عديدة لوقف نزيف الدم شارك فيها مفتي الجمهورية، ورشيد كرامي، وسليم الحص وغيرهم من أهل اسُّنة كما شارك فيها محمد شمس الدين وحسين فضل الله وغيرهما من الرافضة، ونجحوا في ترتيب اجتماع عقد في منزل فضل الله منتصف ليلة الأربعاء 22 مايو 1985م ومثل منظمة أمل في هذا الاجتماع أحمد بعلبكي كما حضره ممثل عن جبهة الإنقاذ .. ويعد هذا أول لقاء مباشر بين الطرفين، ولم يتفقوا في نهاية الاجتماع على حل شامل لكنهم اتفقوا على بندين.
- وقف فوري شامل وحاسم لإطلاق النار.
- فتح الطرقات المؤدية إلى المخيمات والسماح للصليب الأحمر الدولي بإجلاء الجرحى والقتلى.
أما بقية المسائل، كمسألة أمن المخيمات وغيرها فسوف تعالج في أجواء أكثر هدوءاً، وصرح فضل الله للصحف ووكالات الأنباء أن وقف إطلاق النار سيكون هذه المرة ثابتاً وحاسماً ونهائياً.
ولكن الرافضة لا عهد عندهم ولا ضابط يضبطهم .. فوقف إطلاق النار الرابع استمر لمدة ساعات فقط زعمت أمل بعد هذه الساعات القليلة أن نقاط المراقبة التابعة لها رصدت جرافة تعمل على إقامة تحصينات في مخيم شاتيلا بناء على طلب القيادة الفلسطينية في الجبل، فصدرت الأوامر بضرب الجرافة مما أدى لاندلاع شرارة القتال – على حد قول قادة أمل -!!
وفي أثناء وقف إطلاق النار الرابع سارع سكان المخيمات إلى الفرار بأطفالهم ونسائهم إلى مناطق ليس فيها رافضة.
تطور جديد:
توترت العلاقات بعض الشيء بين منظمة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي ووقعت بعض الاشتباكات بين الطرفين، وليس لهذا التطور الجديد أي علاقة بالفلسطينيين، فالطرفان مجمعون على تصفية الوجود السني في بيروت الغربية والجنوب والمخيمات، ويبدو أن الدروز باتوا يتوجسون خيفة من ازدياد نفوذ أمل ونمو قواتها العسكرية، ويعرف قوم جنبلاط قصة الثور الأسود الذي قال: (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).
وفي 22 مايو 1985م ذهب وليد جنبلاط إلى دمشق ليبحث مع المسؤولين هناك وقف القتال، وفي اليوم نفسه الساعة 12.10 انطلقت راجمات الصواريخ الفلسطينية من بحمدون وشملان وضهور العبادية لتدك موقع أمل في الشياح والغبيري وبئر عبد ومنطقة السمرلاند.
وكان لهذا التطور الجديد أثره الكبير على سير المعارك، وارتبكت قوات أمل وانتشر الرعب بين عناصرها المقاتلين .. ولجأ الكبار إلى إصلاح الخلق في الأدوار المتفق عليها، وبعد الاجتماعات والمشاورات نفى ناطق رسمي باسم الحزب الدرزي أن يكون القصف جاء من مناطقه، واتهم القوات اللبنانية – أي الكتائب – بقصف الضاحية الجنوبية.
وصدرت التعليمات عند القيادة الاشتراكية الدرزية في بيروت إلى قواتهم في الجبل تطلب منها التحرك بسرعة، وممارسة أقصى الضغط على الفلسطينيين لوقف القصف من مواقعهم في الجبل بأية وسيلة ممكنة.
وفي مساء هذا اليوم التقى وفد من جبهة الإنقاذ الفلسطينية مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس النصيري، وأكد المجتمعون على أهمية تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الجبهة وحركة أمل والوطنيين اللبنانيين!!
ولا ندري مع من يريد عبد الحليم خدام وزعماء الإنقاذ تعزيز العلاقات!!
أمع الهياكل العظمية المتبقية في المخيمات الفلسطينية الجريحة، أم مع اليتامى والأرامل ومشوهي الحرب؟!
يوم الخميس:
في اليوم الرابع للبداية الفعلية للمعارك شنت قوات أحمد جبريل غارات على مواقع حركة أمل في بلدة الجيّة الساحلية وبلدة برجا.
ولجأت أمل إلى استخدام الحرب النفسية، حيث أعلنت عن سقوط مخيمي صبرا وشاتيلا، وراحت تكرر إذاعة الخير في الأيام التالية: 26، 27، 30، 31 مايو، وكانت كاذبة في كل ما زعمته عن سقوط صبرا وشاتيلا، وأخذ نبيه بري يصدر التصريحات العجيبة في هذا اليوم ومن ذلك أنه طلب من أتباعه القضاء على الفلسطينيين خلال ساعة!!
ومن الغرائب أن إذاعة مونت كارلو تذيع بيانات أمل ولا ترد منها شيئاً في حين كانت ترفض إذاعة البيانات الصادرة عن قيادة المنظمة .. ثم تزعم مثل هذه الإذاعات أنها مستقلة وليست طرفاً في مثل هذه الصراعات.
النظام اللبناني:
قصفت القوات الكتائبية المخيمات الفلسطينية بالقذائف المدفعية والصاروخية وذلك من مواقعها الشرقية، وبادرت قيادة الجيش اللبناني ممثلة في ميشيل عون ولأول مرة منذ شهر شباط 1984م إلى إمداد اللواء السادس بالأسلحة والذخائر كاشفة بذلك عن تواطؤها المقصود مع أمل.
أما رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي وأمثاله من المحسوبين على السنة فكانوا يصدرون التصريحات الفارغة التي يمتصون بها نقمة الشارع السني لكنهم لا يقدمون شيئاً ولا يقفون مواقف فعالة، وعلى العكس من ذلك فقد بقي كرامي والحص في الوزارة، وكانا يطالبان بتدخل الجيش النصيري، ويعلمان ما الذي فعله الجيش النصيري عندما تدخل عام 1976م.
أما الأحزاب الوطنية واليسارية فهي تخشى أشد الخشية من نمو قوات أمل، وتؤيد كل ما تريده سوريا. ورغم ذلك فقد راحت تطالب بوقف الاقتتال في المخيمات.
يوم السبت:
رغم وقوف اللواء السادس مع أمل في خندق واحد، ورغم تعاون القوات الكتائبية والجيش اللبناني مع أمل وتقديم كل عون ومساعدة لها .. رغم هذا وذاك فشلت أمل في حسم المعركة لصالحها، وكان لا بد من موقف تظهر فيه الوجوه الكالحة على حقيقتها، ويتلخص هذا الموقف فيما يلي:
* انضم اللواء الثامن في يوم السبت 25 مايو 1985م إلى أمل في حربها ضد الفلسطينيين,
* طوق جيش النظام النصيري مخيم الجليل الفلسطيني في منطقة البقاع، وقام باعتقال عدد من شباب المخيم.
* أقامت قوات أمل مواقع لها على التلال المطلة على المخيم.
وهكذا تتضح المؤامرة والأطراف المشتركة فيها.
يوم الأحد:
في يوم الأحد 26 مايو تم تقديم أربعة مشاريع مختلفة للحل: مشروع من جبهة الإنقاذ، ومشروع من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والثالث قدمته منظمة أمل، والرابع قدمته الجبهة الديمقراطية الوطنية اللبنانية .. وفشلت المشاريع كلها لأن المتآمرين لم يحققوا أهدافهم، أما المعارك فقد استمرت، كما استمر المجرمون الرافضة في اختطاف وتصفية المدنيين الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها.
وبعد يوم الأحد استمرت المعارك تشتد حيناً وتخف أخرى، والمؤتمرات السياسية لا تختلف عن سير خط المعارك الحربية، ومن الحوادث المهمة في هذه الأيام.
- أحبطت منظمة أمل محاولة لنسف منزل بري يوم الثلاثاء 28 مايو حيث تم تفكيك صاروخين، كانا موجهين إلى منزله من سطح أحد المباني المقابلة للمنزل.
- في يوم الأربعاء 29 مايو طوقت قوات سورية في الشمال مخيمي البارود والبداوي، وذلك بعدما أخلت القوات الفلسطينية مواقعها فيها رضوخاً لتهديد سوري سابق بالإغارة على كافة المواقع إذا لم تنسحب منها القوات خلال 24 ساعة.
- قامت منظمة أمل تحت ضغط الخسائر الكبيرة التي منيت بها في المعارك إلى فرض التجنيد الإجباري في الضاحية الجنوبية من بيروت – وسكان الضاحية شيعة -، كما قامت باعتقال العديد ممن رفضوا هذا التجنيد.
- غادر الرئيس اللبناني أمين الجميل قصر الرئاسة في بعبدا متوجهاً إلى دمشق لإجراء محادثات قمة – وهي التاسعة من نوعها – مع الأسد لبحث الأوضاع في لبنان وبخاصة في بيروت.
- وفي يوم الخميس 30 مايو تدخل الطرف الذي تجري لمصلحته كل هــذه المعارك .. إذ اخترقت أسراب من الطائرات اليهودية جدار الصوت فوق المخيمات محدثة دوياً هائلاً .. وواصلت تحليقها بارتفاع منخفض فوق بيروت والجبل كي تتمتع برؤية عمليات التصفية، وتصور أمجاد عملائها، وتدخل مزيداً من الرعب إلى قلوب الأطفال والشيوخ والنساء في المخيمات المنكوبة.
- وفي اليوم نفسه سقط صاروخ من طراز [غراد] من الجبل على البيت المجاور لمنزل بري أدى إلى تدميره ومقتل شخصين.
سقوط مخيم صبرا:
استمرت المعارك بين كرّ وفر، وفي ضحى يوم الجمعة 31 مايو أعلنت أمل ومن غير مقدمات وقف إطلاق النار من طرف واحد .. ثم أعلنت جبهة الإنقاذ – بعد ذلك – موافقتها على وقف إطلاق النار.
فهل ارتوت أمل من دماء النساء والأطفال؟! لا، لم يكن الأمر كذلك .. وها هي الأسباب المريبة:
1- سقوط مخيم صبرا بعد صراع طويل، وكان سقوطه صباح يوم الجمعة 31 مايو، ولكن المقاتلين الفلسطينيين لم يتوقفوا، وإنما بقيت لهم جيوب داخل المخيم، وكان الهدف من وقف إطلاق النار إعطاء فرصة [لبلدوزرات] أمل واللواءين السادس والثامن، لتهديم ما تبقى على وجه الأرض من منازل ومرتفعات، ولكي تسوي جميع المنازل بالأرض – على حد تعبير نايف حواتمة -، فلا يبقى بعد ذلك حواجز يقف وراءها الفلسطينيون في الدفاع عن أنفسهم.
2- عاد الرئيس الكتائبي أمين الجميل يوم الجمعة 31 مايو من دمشق بعد يومين من المباحثات المكثفة في خمس جلسات .. وفي مطار دمشق أدلى الرئيس اللبناني بتصريح قال فيه: (إن القوات السورية ستساعد لبنان في وقف حربه الأهلية تمهيداً لإجراء إصلاحات سياسية ستزعج أكثر من طرف).
وقال أيضاً: (سيتم بالتعاون ما بين القوات السورية والجيش اللبناني نزع سلاح جميع الميليشيات والمنظمات بما فيها الفلسطينيون، ووجود السلاح في المخيمات توطئة لحرب جديدة).
ومن الملاحظ أن رئيس النظام اللبناني زار نظيره النصيري في وقت كانت تسيل فيه دماء الفلسطينيين وهو المسؤول الأول في لبنان ومع ذلك لم يأسف للمجزرة وإنما زعم أن السلاح الفلسطيني توطئة لحرب جديدة فمتى انتهت حروب لبنان لتبدأ حرباً جديدة فض الله فاه، وكيف يكون السلاح الذي يدافع به الفلسطينيون عن أنفسهم توطئة لحرب جديدة؟! وسلاح الكتائب وأمل والدروز إذن توطئة لماذا؟!
أما قوله بأن الجيش السوري سيساعد لبنان وسيتم بالتعاون معه نزع سلاح جميع الميليشيات .. فيه دلالة على أن الجيش النصيري سيقوم بالمهمة التي عجزت إسرائيل والكتائب وأمل والدروز عن القيام بها.
أما قول الجميل بأنه وجيش الأسد سينزعون سلاح جميع الميليشيات فهو ليس أكثر من استهلاك محلي، ويزيد الأمر وضوحاً ما ذكرته صحيفة (الحقيقة) اللبنانية: (إن الجميل والأسد اتفقا على عودة القوات السورية إلى بيروت .. وذُكِرَ أن حشوداً سورية بدأت تتجمع في بحمدون، وعندما أعلن ناطق فلسطيني رفض اتفاق دمشق قامت أمل والجيش اللبناني بقصف مخيم شاتيلا بالصواريخ معلنة سقوط وقف إطلاق النار بعد ساعات من إعلانه.
3- بدأ في هذا اليوم مجلس الأمن الدولي بحث قضية حرب المخيمات بناء على طلب تقدمت به مصر، ولا بد أن تتخذ أمل موقفاً بقطع الطريق على طلب مصر.
4- كان ممن ساعد على سقوط مخيم صبرا رغم استبسال المقاتلين في الدفاع عنه لمدة 12 يوماً توقف الدعم العسكري القادم من القوات الفلسطينية في الجبل، وكان هذا التوقف قد بدأ منذ بضعة أيام، لذلك فقد سهل هذا على أمل توجيه قصف مدفعي شديد وبكل العيارات على المخيم مما أدى إلى تدميره تماماً .. حتى إن المقاتلين الفلسطينيين اضطروا إلى استخدام السلاح الأبيض، لفك طوق أمل حولهم والانسحاب من المخيم.
وهكذا لم تعلن أمل عن وقف إطلاق النار إلا وهي تعلم أن هذا الوقف يخدمها.
وفي هذا اليوم تعرض مخيم عين الحلوة لقصف مدفعي من مناطق جبلية يسيطر عليها النصارى العملاء لإسرائيل بقيادة لحد.
وبعد هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار، ورغم سقوطه بعد ساعات .. إلا أن المعركة خفت حدتها بعد ذلك، وإن لم تتوقف، ويظهر أن سبب ذلك محاولة نظام دمشق تطبيق اتفاق القمة، وقد صرح نبيه بري بذلك في مؤتمر صحفي يوم الأحد 2 يونيو 1985 قال فيه: (إن الوقت قد حان لدور سوري أكبر في شؤون لبنان .. وإن أمل مستعدة عند تولي قوات ردع سورية الأمن في لبنان لتسليم سلاحها مثل الفلسطينيين).
وتصريحه هذا لا يختلف عن تصريح آخر له طالب فيه بتسليم أمن المخيمات إلى قوات اللواء السادس اللبناني، واللواء السادس الرافضي لا يختلف عن أمل أو عن النظام النصيري الرافضي فكلهم وجوه لعملة واحدة.
ومن جهة أخرى فإن المعارك انخفضت حدتها حتى نهاية يوم الاثنين 3 يونيو حيث تبين لنظام دمشق أن الفلسطينيين لم يذعنوا للأوامر الصادرة عن الأسد ولا بد من سحقهم حتى لا تقوم لهم قائمة ولهذا اشتدت المعارك بعد يوم الاثنين ورمت سوريا بثقلها فأقدمت على قتل عشرات من الفلسطينيين الذين خرجوا بمظاهرات في دمشق يوم الثلاثاء 4 يونيو احتجاجاً على تواطؤ سوريا مع أمل، كما تم اعتقال أكثر من 700 شخص، واحتلت السلطة مكاتب جبهة الإنقاذ وصادرت ممتلكاتها مع دفع بعض قادة الجبهة إلى التقارب مع المنظمة، حيث التقى كل من عزمي الخواجه [ممثل الجبهة الشعبية] ووليد مصطفى [ممثل الحزب الشيوعي] مع خليل الوزير نائب ياسر عرفات، وأصدروا في عمان – وللمرة الأولى – بياناً مشتركاً يدعو إلى تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ويندد بأمل والجيش اللبناني ومن يساندهما!!
ولم تبلغ بهم الجرأة للحد الذي يمكنهم من التصريح بذكر اسم نظام دمشق.
وفي هذا اليوم عاد الفلسطينيون إلى قصف مواقع أمل من الجبل بعد توقف طويل.
محادثات دمشق الثانية:
اجتمع بري وجنبلاط وممثلين عن جبهة الإنقاذ في دمشق مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس النصيري لبحث موضوع حرب المخيمات .. وفي اليوم نفسه الثلاثاء 4 يونيو صعدت أمل هجماتها على المخيمات، الأمر الذي دفع الجبهة إلى التهديد بالانسحاب من المفاوضات يوم الأربعاء ثم يوم الخميس، وكان نظام دمشق حريصاً على الوصول إلى حل قبل نهاية يوم الجمعة، موعد مؤتمر قمة وزراء الخارجية العرب الذي يعقد في تونس بناء على طلب منظمة التحرير .. ورغم التهديد والوعيد فقد انفض الاجتماع دون الوصول إلى حل، وربما كانت جبهة الإنقاذ هي التي انسحبت من الاجتماع تنفيذاً لتهديدها، أما النظام النصيري فقد زعم رسمياً أن الاجتماع تأجل بسبب عطلة نهاية الأسبوع – أي يوم الجمعة -.
وفي هذه الفترة الزمنية جدت أمور جديدة نوجزها فيما يلي:-
- خاضت المنظمات السنيّة اللبنانية معارك خاطفة مع أمل في بيروت الغربية وصيدا.
- اختطف الحزب الاشتراكي الدرزي عنصرين من عناصر أمل يوم الأربعاء، واشتبك الدروز مع ميليشيات أمل عندما حاولت اقتحام مخيم مار إلياس الذي لجأ إليه مهجرو صبرا وشاتيلا.
- تلقى فلسطينيو المخيمات يوم الخميس والجمعة مساعدات عسكرية متعددة منها صواريخ دفاعية، وذخائر وإمدادات فضلاً عن المياه والمواد التموينية، ومولدات الكهرباء.
- هددت جبهة الإنقاذ بنقل المعارك إلى خارج المخيمات وذلك بمساعدة جهات وطنية لبنانية – وهي سنية على الأغلب -.
- نشبت اشتباكات في طرابلس بين الحزب الديمقراطي [وهو حزب نصيري] وحركة التوحيد الإسلامي، وهي حركة سنية، وجاءت هذه الاشتباكات بعد هدوء طويل .. واستمرت هذه المعارك إلى غاية يوم الاثنين حيث التقى ممثلون عن الحركتين بعد وساطة رشيد كرامي وتوصلوا إلى قرار بوقف إطلاق النار أصبح ساري المفعول يوم الأربعاء 12 يونيو.
عودة إلى المفاوضات:
الاثنين 10 يونيو وفي اليوم نفسه عادوا إلى اجتماع دمشق برعاية خدام جنبلاط وممثل عن أمل ويبدو أن هذا الاجتماع كان لحل الخلافات التي نشبت بين الدروز والشيعة، وبشكل أخص معركة يوم الثلاثاء 11 يونيو التي استمرت عشر ساعات متواصلة .. وتم الاتفاق بين الطرفين على أن يقوم الدروز بإجلاء الفلسطينيين من بيروت الغربية – الفاكهاني والمصيطبة – إلى منظمة الانتشار العسكري الدرزي في الجبل شرقي العاصمة .. الأمر الذي يبعد خطر مشاركتهم في الدفاع عن أهلهم وذويهم في المخيمات .. وفي هذا اليوم صرح جنبلاط أن تحالفه مع أمل تحالف مصيري، وأعلن عن رفضه لعودة الفلسطينيين إلى الوضع الذي كان سائداً قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م.
ولم يخجل جنبلاط من قوله – يصف تحالفه مع بري – وأمثاله: (إنه تحالف وطني، وليس تحالفاً مذهبياً لأن كل تحالف طائفي في لبنان مهدد بالسقوط .. إنه تحالف وطني في مواجهة الكتائب وفي مواجهة النظام اللبناني والجيش اللبناني).
نقول بكل ثقة: إن جنبلاط يكذب ويعلم أنه يكذب، بل ويعلم أن الناس لا يصدقون مثل هذه الادعاءات .. فهل كان احتلاله لبيروت الغربية عملاً وطنياً في مواجهة الكتائب والنظام اللبناني، وهل كان قراره بعدم مواجهة الاحتياج الإسرائيلي عملاً وطنياً!!
وهل من المصادفة أن يكون جميع أعضاء الحزب التقدمي الاشتراكي من الدروز إلا أعداداً قليلة من غيرهم والشاذ لا حكم له!!؟. إن تحالف جنبلاط مع بري تحالف طائفي استعماري، وهما وكلاء لإسرائيلي في لبنان، ولهذا قاموا باحتلال بيروت الغربية، كما قاموا بشن حرب عدوانية ضد سكان المخيمات.
أما النظام اللبناني فوقف مع أمل في خندق واحد، وناب عنه اللواءان السادس والثامن، والصحفيون الذين يخاطبهم جنبلاط ليسوا جهلة أو مغفلين .. إنهم يتابعون الأمور ويعرفون العلاقات التي تربط دروز جنبلاط مع العدو الإسرائيلي.
عُقِد اجتماع دمشق للمرة الثالثة يوم السبت 15 يونيو، وفشلت المشاريع المطروحة للحل، ورافق فشل الاجتماع تصعيد عسكري من قبل أمل .. والذي زاد من غيظ بري وخدام أن خمسين مقاتلاً فلسطينياً تمكنوا من التسلل يوم الاثنين 10 مايو إلى مخيم شاتيلا، كما نجحت مجموعتان أخريان في نفس اليوم من احتلال مواقع في مخيم برج البراجنة.
وما اكتفى نظام الأسد بما فعله في مخيمات لبنان وبأنصار عرفات، وإنما راح يبطش بعملائه من جبهة الإنقاذ، ففرضت الإقامة الجبرية على المدعو [ياسر عبد ربه] الأمين العام للجبهة، وصودرت جوازات سفر قيادات الجبهة، كما صودرت سيارات المنظمات، ومنعت السلطة مجلتي: الحرية، والهدف الناطقتين باسم الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية .. وهذا المنتظر من الأسد، بل وهذه عقوبة كل خائن.
تم التوقيع على اتفاق بين منظمة أمل وجبهة الإنقاذ الفلسطيني يوم الاثنين 17 يونيو، وصار معروفاً هذا الاتفاق باتفاق دمشق.
وجاء التوقيع على الاتفاق بعد ممارسة ضغوط شديدة على ممثل جبهة الإنقاذ وحققت أمل بعض أهدافها لكنها تعلمت دروساً لا تنسى ومن ذلك:
- كانت تنتظر مساعدة الدروز، ولكن قوم جنبلاط لم يقدموا لهم مساعدة فعالة.
- استطاع الفلسطينيون رغم قلة عددهم وتعاون دول الطوائف ضدهم أن يهزموا أمل في كثير من المعارك.
- أصبحت أمل معزولة في لبنان بل أصبحت أهداف الرافضة واضحة لكل ذي بصيرة في العالم الإسلامي.
- ولو طُلِبَ منا أن نلخص سير المعارك بكلمات قليلة لقلنا.
كان السُّنة من اللبنانيين والفلسطينيين طرفاً، وكان الرافضة والموارنة واليهود والنصيريون طرفاً آخر .. وكانت المعارك طاحنة ليس فيها رحمة ولا شفقة.
وشهد المسلمون في المخيمات شمس يوم الثلاثاء 18 يونيو بعد أن اعتادت عيونهم على ظلام الملاجئ التي لا يضيئها غير وميض الرصاص ولهيب الحرائق، واعتادت أنوفهم على استنشاق روائح الجثث العفنة.
خرج المسلمون الفلسطينيون من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع دفعهم لأكل القطط والكلاب.
خرجوا من المخابئ ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها كما تقول بعض الإحصائيات.
خرجوا من الملاجئ بالخسائر التالية [كما ذكرت كثير من وكالات الأنباء]:
3100 بين قتيل وجريح.
15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات.
فهل يكون هذا آخر درس يتعلمه الفلسطينيون من حلفائهم؟!
وهل ينتبه الفلسطينيون إلى انحرافات قيادة منظمة التحرير؟! نرجو ذلك.
أما فظائع أمل فسنتحدث عنها في المبحث الثاني من هذا الفصل.
المبحث الثاني
صور من الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل
الفظائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً، ويعجز مثل هذا القلم عن وصفها وتحديد حجمها لأن الرافضة حرصوا على ممارسة التعتيم الإعلامي على ما اقترفته أيديهم من جرائم، وهددوا الصحفيين من الاقتراب والتقاط الصور، وهذا الذي قصده مراسل [صنداي تايمز] بقوله: (إنه من الاستحالة نقل أخبار المجازر بدقة لأن حركة أمل تمنع المصورين من دخول المخيمات وبعضهم تلقى التهديد بالموت طعناً بالسكين. وقال الصحفي أيضاً: إنه في العادة يجري نشر أخبار المجازر بشكل واسع في الصحافة الدولية، ولكن الخوف والتهديدات وصلت إلى حد أن المصادر أصبحت تفتقر إلى أخبار المجازر وقد جرى سحب العديد من المراسلين خوفاً عليهم من الاختطاف والقتل، ومن تبقى منهم في لبنان يجدون صعوبة وخطورة في العمل)(1).
ولقد منعت حركة أمل واللواء السادس مراسل الصحف حتى بعد سقوط مخيم صبرا من الدخول، وحطموا الكاميرات والأفلام التي استطاع بعض الصحفيين التقاطها لآثار الدماء فقط فما بالك الجرائم الفظيعة التي صاحبت الأحداث(2).
ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه بعد سقوط مخيم صبرا انتشرت مجموعات من الشيعة – في الجيش وحركة أمل – في حالة عصبية كل عشرة وعشرين متراً لمنع الصحفيين والمصورين من التقاط أية صورة(3).
والعدد الحقيقي للقتلى يصعب معرفته كما قال مراسل جريدة [هيرالدتريبيون](4). رغم ذلك استطاع بعض المراسلين نشر بعض الأخبار والصور الفظيعة التي تبيّن بشاعة الجريمة التي ارتكبها شارون الشيعية [نبيه بري] عليه من الله ما يستحق.
وقصارى القول: فإن ما سوف ننشره في هذا الفصل – على بشاعته – بعض من كل، وغيض من فيض.
ومن المؤسف أن معظم هذه الأخبار علمنا بها من الصحف والمراسلين الغربيين، ومما يزيد الطين بلّة أن الصحف العربية كانت تنقل عن الصحف الغربية .. وإذا كانت هذه النكبات والمصائب لا تحرك ضمائر أصحاب الصحف في بلادنا فلا أدري ماذا يحركها!!
وسوف أراعي في الحديث عن هذه الجرائم التسلسل الزمني والإيجاز.
فظاعة:
ذكرت صحيفة [ريبو بليكا] الإيطالية أن فلسطينياً من المعاقين لم يكن يستطيع السير منذ سنوات رفع يديه مستغيثاً في شاتيلا أمام عناصر أمل طالباً الرحمة .. وكان الرد عليه قتله بالمسدسات .. وقالت الصحيفة في تعليقها على الحادث: إنها الفظاعة بعينها(1).
ذبح من الأعناق:
قال مراسل صحيفة صنداي تلغراف في بيروت أن عدداً من الفلسطينيين قتلوا في مستشفيات بيروت، وأن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق(2).
الصحف البريطانية تحذر
3)
حذرت الصحف البريطانية أمس من أن مئات الفلسطينيين تعرضوا للقتل على يد عناصر أمل في المخيمات الفلسطينية في بيروت.
وكشفت صحيفة الصنداي تايمز عن وجود أدلة تشير إلى وقوع عدد كبير من القتلى المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا. وأشارت صحيفة صنداي تلغراف إلى المقاومة العنيفة للمقاتلين الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة. ونقلت محطة التلفزيون البريطانية [بي. بي. سي] الليلة قبل الماضية خبر اختفاء 1500 فلسطيني في مراكز الاستجواب التابعة لأمل، وأعربت عن اعتقادها بأن عدداً من الفلسطينيين ربما قتلوا في المستشفيات في منطقة بيروت الغربية.
وقالت: إنه عثر في أحد المستشفيات على مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق(1).
ونقلت (رويتر) عن مسؤولين في الصليب الأحمر الدولي أنهم مُنِعُوا من الدخول إلى المخيمين وأنهم منزعجون لأنهم مُنِعُوا كذلك من العناية بالجرحى(2).
ونعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الطبية إنعام قيس، التي قامت قوات أمل بتصفيتها وهي تقوم بواجبها الإنساني في إسعاف الجرحى والمصابين في مستشفى غزة(3).
وكشف ناطق فلسطيني النقاب عن قيام قوات أمل بنسف أحد الملاجئ يوم 26 مايو التي كان يتواجد فيها مئات الشيوخ والأطفال والنساء في عملية دنيئة تعبر عن البربرية الجديدة(4).
وذكرت شاهد عيان أنها رأت أحد أفراد الميليشيا يذبح بحرية بندقيته ممرضة فلسطينية في مستشفى غزة لأنها احتجت على قتل جريح أمامها!!، وذكرت الشاهد أنها رأت أفراد الميليشيا يقتلون فتاة صغيرة وقع شقيقها الجريح بعد أن طلبوا منها حمله خارج المستشفى فقالت: إنها لا تقوى على حمله فما كان منهم إلا أن أردوها قتيله(5).
وذكرت وكالة [اسوشيتدبرس] عن اثنين من الشهود أن ميليشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم، وقال الشاهدان أنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله، ومضى أحدهما يقول: (إنه رأى المقاتلين الفلسطينيين أنفسهم يقتلون رفاقهم الجرحى حتى لا يسقطوا في أيدي الميليشيات. وذكر شاهد عيان أن مجموعة من 15 رجلاً جريحاً نقلت إلى خارج المستشفى إلى مكان قريب من مسجد الإمام علي t وهنـاك قتلهم سبعة أو ثمانية من المسلحين الشيعة، ووقفوا فوق أجسادهم، وأفرغوا فيهم خزائن رشاشاتهم، وبعد ذلك كان دور المجموعة الثانية وكانت تضم 25 شخصاً، وقد تم قتلهم خلف منزل قريب من المستشفى ثم قذفت جثثهم في خندق(1).
فتوى:
أصدرت القيادات الدينية – أي الإفتاء – فتوى بتجريم نهب أموال المسلمين بعد أن تردد أن مقاتلي [أمل] اللصوص يعتبرون أن ما يستولون عليه من ممتلكات الفلسطينيين هو من غنائم الحروب(2).
تعليق:
الصحفيون الذين نشروا هذا الخبر يظنون أن المقاتلين اللصوص من منظمة أمل تصرفوا مثل هذا التصرف بسبب حقدهم وانحرافهم .. ولكن الأمر أكثر عمقاً من ذلك .. إن الإمامية الذين يتزعمون الخميني اليوم يرون بأن أهل السُّنة من النواصب، والنواصب عندهم مارقون من الدين لأنهم يناصبون آل بيت رسول الله r العداء.
وقد كذبوا فأهل السُّنة يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بحب آل البيت ويبرأون من النواصب، ومن أراد مزيداً من الأدلة فليراجع أمهات كتبهم، وقد يفتي بعضهم بخلاف ذلك وهو يعلم أنه يخالف أصول دينهم لأن باب التقية عندهم واسع متعدد الأرجاء .. ولهذا فنحن نقرأ في الصحف قول عناصر أمل للفلسطينيين: يا زنادقة !!، بل وسمعت من شيعي خبيث رآني حزيناً على ما يجري في المخيمات فقال: هؤلاء زنادقة كفار، ثم استدرك قائلاً: إنهم عصاة، فرددت عليه مما يستحق.
بيان من جبهة الإنقاذ:
صدر عن جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني بيانات كثيرة خلال حرب المخيمات كان من أشهرها البيان الذي نشرته الصحف العربية في 30 مايو 1985م وقد ناشدت جبهة الإنقاذ في هذا البيان كافة الجمعيات والمؤسسات اللبنانية والعربية والإسلامية والعالمية التدخل لوقف ما يجري حول المخيمات الفلسطينية من مجازر بحق الشعب الفلسطيني من سكان المخيمات.
وجاء في البيان: إن المنازل جرفت والمساجد خربت وخزانات المياه فجرت والكهرباء والماء قطعت والمواد الغذائية نفذت، والجرحى دون أطباء أو أدوية، والشهداء في الشوارع بسبب حصار حركة أمل واللواء السادس والثامن ومن يساندهم في البرزة.
وأكد بيان الجبهة أن ما يجري في المخيمات حالياً لم يحدث له مثيل حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي لا لذنب ارتكبه الشعب الفلسطيني سوى الدفاع عن نفسه وعن حقه في الوجود.
وأهاب البيان بكافة المؤسسات الإنسانية في لبنان والعالم وكذلك المؤسسات الدينية والصليب الأحمر وكل الجمعيات الخيرية التدخل بإدخال المواد الغذائية والماء والدواء وإخراج الجرحى ودفن الشهداء والعمل على وقف المجزرة الرهيبة قبل فوات الأوان.
تعليق:
ما جاء في البيان عن هدم المنازل والمساجد وقطع المواد الغذائية والأدوية .. ليس جديداً فلقد تحدثت عنه وكالات الأنباء العالمية، ويعلمه الصديق والعدو .. لكن الجديد في البيان قولهم: إن ما يجري في المخيمات حالياً لم يحدث له مثل حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي، وقالوا في بيان سابق نشرته الصحف في 27 مايو وقعه ناطق فلسطيني في دمشق: (إن القتلة البرابرة في قيادة أمل واصلوا حملات الإبادة والذبح ضد الجماهير الفلسطينية في بيروت تنفيذاً للمخطط الصهيوني الذي يقضي بشطب الوجود الفلسطيني من بيروت الذي عجز عنه شارون وعملاؤه).
ونحن نوافقهم فيما قالوه عن أمل ولكن من حقنا أن نسألهم: هل كان زعيم النظام النصيري في دمشق بعيداً عن هذا المخطط؟!
وإذا كانت أمل عميلة للنظام الصهيوني وتنفذ مخططاته في لبنان فما قولهم بمن كان حليفاً لها، ومن يعود إلى التعامل معها والإشادة بها وهو يعلم أنها عميلة؟!
وما هو الفرق بين دور إسرائيل والكتائب وأمل من جهة، وبين دور ما يسمى بجبهة الإنقاذ في مخيمي البداوي ونهر البارد، وفي البقاع؟! وهل يكون دماء الأطفال والنساء في المخيمات مباحاً إذا كان القتلة من أبناء فلسطين ويحركهم المجرم الأسد؟! ولنا عودة أخرى إلى هذا الموضوع إن شاء الله.
قولوا لأمل تتركنا في حالنا يا بني:
شاهد مراسل كونوا بعض النسوة اللواتي خرجن من مخيم صبرا وشاتيلا أمام مبنى مستشفى عكا على الطريق العام لمدخل صبرا الجنوبي، وقالت إحداهن: (أسفي على الشباب) متسائلة [هذه المعارك المفتعلة لصالح من ..؟؟].
وقالت ثانية: (نحن لسنا أعداء .. عدونا(1) المشترك واحد وهو إسرائيل .. وهدفنا تحرير أرضنا في فلسطين للعودة إلى ديارنا).
وقالت سيدة في حوالي الستين من عمرها: (يا بني .. قولوا لهم نحن لسنا ضدهم وإني متزوج من فتاة أخوها في حركة أمل، ونحن نحبه (2).. لكن لا نحب أحداً أن يعتدي علينا داخل مخيماتنا وسنظل هنا ندافع)(3).
اليهود لم يفعلوا هذا:
كان أزير الرصاص ودوي انفجارات القنابل يتردد في وسط بيروت أمس، بينما كانت النسوة الفلسطينيات المنكوبات ينتحبن وهن يبحثن عن أحبابهن الذين سقطوا ضحايا لحركة أمل واللواء السادس، في صف طويل من الجثث 840 جثة متعفنة .. منتفخة تنغلها الديدان صفت في نفس مقبرة شهداء شاتيلا .. كي تلحق بجثث أولئك الذين سقطوا شهداء بأيدي تختلف في المسميات وتتفق مع أيدي أمل والسادس في الإثم والجريمة.
تصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل: (اليهود أفضل منهم) وأخرى تغطي بعضاً من وجهها وتبحث في قافلة الشهداء عن شقيقها .. تستدير فجأة وتصرخ: (إنه هو، لكن الديدان تنغل في جسده) .. وتسقط على الأرض مغشيا عليها، أما القتلة من جنود اللواء السادس وأفراد أمل فيراقبون ولا يتكلمون .. وبعضهم يشارك في الدفن، القاتل يدفن القتيل).
جثث وجثث يرتع فيها الذباب من تحت الأغطية الشفافة الملفوفة بها، 84 جثة الدفعة الأولى من ضحايا مخيم شاتيلا الذي نسفته أمل على من فيه أخرجها الصليب الأحمر الدولي أمس الأول وعرضت للتعرف عليها قبل دفنها في قبر واحد.
فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها تنتحب وتصيح مشيرة إلى جثة منتفخة ملفوفة في بطانية خشنة تلطخها الدماء (هذا أخي) وتشير إلى جثة أخرى (وذلك أخي الثاني) ثم تشير إلى واحد من مسلحي أمل وتقول: (هم فعلوها).
أصغر الضحايا .. طفل لم يمهله الموت سوى بضعة شهور من حياة الفلسطيني .. جثته الصغيرة الطاهرة تكاد لا ترى من القماش الأبيض المتسخ الذي لفت فيه .. وكم في صبرا مثله من جثث .. هكذا يقول الصليب الأحمر(1).
أبي .. قل لهم أوقفوا القصف:
شرع الباقون على قيد الحياة في مخيم شاتيلا – أحد المخيمات الفلسطينية الثلاثة في بيروت – يسردون معاناتهم بعد 24 يوماً من الحصار الشرس المضروب حول المخيم.
لماذا لا تقل لهم أن يكفوا عن القصف يا أبي، قالها طفل في الرابعة من عمره لأبيه [أحد الطيبين في مخيم شاتيلا].
يقول الأب الطيب: (كنا في مسجد المخيم وكما هي نظرة كل طفل لأبيه من حيث القدرة على تحقيق أي شيء وجه إلى ولدي ذلك السؤال فأجبته بأن هذا ليس قصفاً وإنما نوع من اللهو، فضحك الطفل).
وفي 24 يونيو أقبل بلدوزر ليجتث المتاريس التي كانت مقامة على مداخل المخيم في رقعة طولها 100 م وعرضها 50 متراً قاوم فوقها ألف من الفلسطينيين، ووقف مقاتلون فلسطينيون وأفراد من ميليشيات حركة (أمل) والبنادق
الكلاشنكوف في أكتافهم يتبادلون الحديث في جوانب المخيم التي عمها الخراب والتي لم يعد بها بيت واحد سليم.
ويروي الطبيب أن عملية إخلاء الجرحى كانت حرباً لا رحمة فيها ولا هوادة، إذ أن هيئة الصليب الأحمر الدولي لم تتمكن من نقل الفوج الأول من المصابين ويبلغ عدده 57 شخصاً إلا في 19 يونيو أي بعد يومين من توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في دمشق بين حركة (أمل) والمنظمات الفلسطينية.
وأكد الطبيب أن المسجد الذي تحول إلى مستوصف تعرض للقصف صبيحة اليوم الذي أعلن فيه نبيه بري أن المسجد لن يقصف.
لقد أصبت مبنى المسجد من ميع الجهات وفتحت القذائف فجوات كبيرة في الجدران، واستسلمت النسوة للبكاء على القبور في الدور الأرضي حيث دفن 47 فلسطينياً بينما دفن آخرون في البيوت وظل بعض القتلى من الفلسطينيين تحت الأنقاض واختفى عدد كبير منهم وقتلوا أو سجنوا.
وعندما أصبحت عمليات القصف تجري على فترات غير ثابتة أمكن نقل المصابين من المسجد إلى قاعة المناسبات وتم تفريقهم في المنازل حيث كان يختبئ الأطفال والنسوة.
وقال أحد مقاتلي منظمة (فتح): (كان لدينا مخزون من الطعام ومن الأرز والمعلبات إلا أن الماء كان شحيحاً وكان الصنبور الوحيد الذي يعمل موجوداً في شارع معرض للقصف فأصيب من جراء ذلك عدد كبير من النسوة في محاولاتهن جلب بعض الماء).
وقال أحد الجرحى في المستشفى العام في بيروت: (كان كل كوب من الماء يتكلف كوباً من الدم).
وكان فتيان وفتيات من حركة (فتح) يرابطون في منزل ذي أبواب حديدية وقد علقوا فوق صدورهم سلاسل تحمل صورة ياسر عرفات(1) .. قال هؤلاء: إن كل ما يدافعون به عن أنفسهم من سلاح هي بنادق الكلاشنكوف والصواريخ المضادة للدبابات وزجاجات مولوتوف الحارقة(2).
ونقل عن مسلح من أمل قوله: (إنكم مخطئون إذ ظننتم أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد. وأضاف أنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينيين في لبنان)(3).
شعار جديد:
(لا إله إلا الله والعرب أعداء الله).
شعار جديد رددته حركة أمل خلال مسيرات لمقاتليها في شوارع بيروت الغربية في 2 يونيو 1985 احتفالاً بيوم (النصر) بعد سقوط مخيم صبرا وموت الكثيرين داخله من الجوع وانعدام العناية الصحية وانتشار الأمراض فيه(4).
الكوليرا:
نسبت صحيفة السفير اللبنانية إلى ناطق باسم جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني القول أن اثنى عشر طفلاً وثلاث نساء فلسطينيات توفوا في مخيم شاتيلا بسبب وباء الكوليرا.
كما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية أن وباء غير معروف انتشر في المخيم أدى إلى وفاة خمسة عشر طفلاً، وقالت: إن عشرات الجرحى في المخيم قد توفوا بسبب عدم توفر الأدوية والعلاج.
وتمكن الصليب الأحمر اللبناني من نقل 12 جريحاً من مخيم برج البراجنة قبل حلول الظلام في 2 يونيو كما نقل 40 جثة و40 جريحاً من صبرا في 2 يونيو.
وحاول الصليب الأحمر الدولي في 2 يونيو 1985 تسريع عملية إجلاء الجرحى من المخيمات في بيروت بعد أن حصل على ضمانات أمنية للقيام بثاني عملية إغاثة في يومين.
وقالت ناطقة باسم الصليب الأحمر الدولي: أن قافلة من ست سيارات إغاثة تقف على استعداد خارج برج البراجنة وأن الصليب الأحمر يأمل القيام (بعملية كبيرة).
وقد نقل الصليب الأحمر 64 جريحاً من هذا المخيم نصفهم كان في 1 يونيو، لكن أكثر من 100 جريح آخر لا يزالون في المخيم المحاصر منذ 14 يوماً.
وقالت ناطقة بلسان الصليب الأحمر أن 32 شخصاً بينهم طفلان نقلوا من مخيم برج البراجنة إلى مستشفيات في منطقة تقع إلى الجنوب من بيروت ويسيطر عليها الحزب التقدمي الاشتراكي، ذلك أن مستشفيات بيروت لا تعبر آمنة بالنسبة إلى الفلسطينيين.
وفي غضون ذلك أعلنت مصادر الصليب الاحمر في بيروت في 2 يونيو أنها تعمل جاهدة لنقل ستين جثة فلسطينية وجدت موضوعة في براد إحدى سيارات نقل اللحوم بالقرب من مستشفى الجامعة الأميركية إلى باحة مستشفى المقاصد الإسلامية ليتعرف عليها ذووها.
وقالت المصادر أن الصليب الأحمر لم يسمح له بنقل 35 جثة فلسطينية في مستشفى غزة رغم النداءات المتكررة التي وجهتها منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى المعنيين. وأضافت المصادر أن المنظمة في انتظار السماح لها بمواصلة إخلاء الجرحى من المدنيين في مخيم برج البراجنة.
اغتصاب:
تقارير الوكالات ذكرت في هذه الأثناء أن قوات أمل اقترفت أمس جريمة بشعة حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا وعلى مرأى من أهالي المخيم(1).
تقرير للصحفي البريطاني ديفيد بلاندي نشرته الصنداي تايمز:
(قال (ديفيد بلاندي): إن الخسائر البشرية جسيمة، وإن حركة أمل رغم تفوقها في العدد والعدة ورغم انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني .. فشلت في تحقيق انتصار حاسم، وهناك تقارير تفيد بأنها تكبدت خسائر جسيمة في الأرواح تقدر بحوالي 400 قتيل وما يزيد عن الألف جريح، وأما بالنسبة لعدد الإصابات الفلسطينية فليس هناك أرقام دقيقة).
وقال شهود عيان في الأسبوع الماضي أن مخيمين من المخيمات الفلسطينية الثلاثة وهما صبرا وشاتيلا كانا عبارة عن أراضي قاحلة، إذ جرى تدمير المنازل بواسطة القصف المدفعي أو البلدوزرات وكذلك المواد المتفجرة. وهناك اعتقاد بأن المقاتلين الفلسطينيين يستخدمون شبكة واحدة من الأنفاق لإخفاء المقاتلين والرجال.
ولقد كان مخيما صبرا وشاتيلا اللذان شهدا مقتل 800 فلسطيني على أيدي الكتائبيين عام 1982م، مسرحاً لمجازر جديدة جرى خلالها قتل الجرحى في المستشفيات وكذلك الأسرى والمدنيين.
وقد نقلت (صنداي تايمز) وكذلك هذا الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) في الأسبوع الماضي أخبار المذابح في المخيمات، إذ قام القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بإذاعة تقرير حول المجازر التي ارتكبها رجال أمل، وعلى هذا الأساس قامت بسحب مراسليها الثلاثة خوفاً على حياتهم.
وفي أعقاب هذا التقرير وجهت المنظمة التي تطلق على نفسها اسم (الجهاد الإسلامي)(1) والتي أعلنت مسئوليتها في أكثر من مناسبة عن اختطاف أجانب في بيروت تهديداً للصحافة الأجنبية على تقاريرها (الزائفة). وقد احتج نبيه بري زعيم حركة أمل، لدى السفير البريطاني في بيروت على التحيز في نقل الأخبار في الصحف البريطانية.
ويقول (ديفيد بلاندي): إن (صنداي تايمز) تستطيع أن تؤكد حقيقة تقرير الأسبوع الماضي، وحقيقة أخرى هي أن العديد من عمليات القتل لم يشملها التقرير لأن شهود العيان كانوا خائفين على حياتهم، ووفق التقديرات المتوفرة لدى (صنداي تايمز) فإن عدد المدنيين من الفلسطينيين الذين قتلوا يتراوح ما بين 100 إلى 200 شخص.
إن أخبار القتال داخل المخيمات من الصعب، بل من الاستحالة نقلها بدقة لأن حركة أمل تمنع رجال الصحافة من دخول المخيمات. وقد تلقى أحد المراسلين الصحفيين الذي دخل المخيمات تهديداً بالقتل من أحد رجال ميليشيات أمل الذي قال له: (إذا ما حضرت إلى هنا فإنك ستطعن بالسكين حتى الموت).
وقد نشرت تلميحات حول المجازر في الصحافة اللبنانية، على الرغم من أن معظم المراسلين الصحفيين والآلاف من الناس علموا بأخبار هذه المجازر.
وقال مراسل محلي: (لو قمنا بنشرها فإننا سنتلقى القنابل عبر نوافذنا).
بشكل عام فإن الناس في بيروت يبدون عدم اكتراث، فالمجازر ارتكبها مقاتلوا المجموعات المتصارعة في معظم الأزمات التي شهدتها لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة من الحرب الأهلية. إذ أصبحت المجازر سمة الحرب في لبنان.
وقال زعيم مسيحي متسائلاً: (ما هو الجديد في ذلك؟).
وأضاف قائلاً: (بالطبع حصلت مجازر فهناك الكثير من الدماء وحركة أمل).
ومضى (ديفيد) يقول في تقريره: إنه في العادة يجري نشر أخبار المجازر بشكل واسع في الصحافة الدولية ولكن الخوف والتهديدات وصلت الآن إلى حد أن المصادر أصبحت تفتقر إلى أخبار المجازر فقد جرى سحب العديد من المراسلين خوفاً عليهم من الاختطاف والقتل. ومن تبقى منهم في لبنان يجدون صعوبة وخطورة في العمل.
لقد كان بالإمكان نقل أخبار المجازر وعمليات القتل التي كان يرتكبها الإسرائيليون والسبب هو أن زعماء أمل كانوا يرحبون بالمراسلين ويشجعونهم على مشاهدة ونقل أخبار الأعمال الإسرائيلية. والآن وبعد أن أصبحت حركة أمل نفسها التي تفرض الرقابة الشديدة نتيجة أعمالها في المخيمات، فهي تحاول الحد من نشر أخبار المجازر.
ووصل الحد لدى المراسلين الصحفيين الذين يتزاحمون ويتنافسون على الحصول على الأخبار، إلى الدخول في تحالف غريب ومشاطرة مصادر المعلومات.
واتفقوا على نشر التقارير والقصص الصحفية في آن واحد حتى لا تجد صحيفة أو وكالة أنباء نفسها معزولة أو هدفاً للتهديدات والهجمات.
ولكن هذا التحالف انشق في الأسبوع الماضي حيث وجدت هيئة الإذاعة البريطانية (صنداي تايمز) أن لديهما سبقاً صحفياً. فقامت إحدى وكالات الأنباء بنقل قصص الأخبار وعزت هذه القصص ليس لمصادرها الخاصة بل إلى مصادر (صنداي تايمز) و(هيئة الإذاعة البريطانية).
وقامت وكالة أنباء أخرى بنقل هذه القصص إلى العرب وحجتها عن البيت في الشرق الأوسط خوفاً على موظفيها في بيروت. أما بقية الصحف والوكالات فإما أنها تجاهلت هذه القصص كلياً أو أنها قللت من شأنها.
وقال مراسل صحفي في بيروت: (يجب أن تكون واقعياً في بيروت أو ربما في دول أخرى في الشرق الأوسط فعلى سبيل المثال لو ارتكب الرئيس ريجان خطأ في أحد خطاباته فإننا نقوم بنقله أما لو ارتكب زعيم عربي الخطأ ذاته فإني سأمتنع عن نقله، إذ أنني لو قمت بذلك لحرمت من دخول عاصمة ذلك الزعيم).
أن تكون واقعياً في بيروت يعني أن تواجه حقائق المجازر التي انكشفت بسالة. ومن بين القصص التي تروى وهي مؤكدة، قصة الشاب الفلسطيني المجروح وشقيقته التي تبلغ من العمر 13 سنة، وكان الشاب وشقيقته موجودين في الدور الأرضي من مستشفى مخيم صبرا عندما دخل عليهما جندي من اللواء السادس اللبناني وطلب من الفتاة الفلسطينية أن تخرج وشقيقها، وعندما رفضت قتلت هي وشقيقها.
وهناك أيضاً قصة الفلسطينيين الستة الذين أجبروا على الخروج من أحد أجنحة المستشفى وطلب منهم خلع ثيابهم وبدأ جنود اللواء السادس ورجال الميليشيات بالبحث عن آثار الحروق وعلامات على أكتافهم تثبت أنهم من المقاتلين، وبعدها نقل الرجال الستة إلى حفرة خارج المستشفى حيث قتلوا(1).
وهناك أيضاً حادثة الصبي المصاب بشظية الذي قتل لاعتقاد رجال الميليشيات أنه أصيب أثناء القتال.
وقال شاهد عيان أن الجنود، ورجال الميليشيات قاموا بعد ارتكاب هذه الأعمال بإلقاء القنابل والمتفجرات في (بدروم)(1) المستشفى. وقام الجنود باقتحام الملجأ الذي يختبئ به العاملون في المستشفيات حيث سمعت أصوات الرصاص والتفجيرات ليسود بعدها الصمت.
وهذه قصص بعض ما ارتكب من عمليات قتل. اهـ(2).
تقرير نشره (جون كيفنر) في صحيفة نيويورك تايمز:
يوم الأحد الموافق 23 يونيو 1985م كان مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين هادئاً بعد أن صمدت خطة السلام التي توسطت فيها سوريا في أعقاب شهر من القتال الذي حاولت خلاله ميليشيات حركة أمل سحق أي وجود مسلح للفلسطينيين في بيروت. لقد صمد برج البراجنة بعناد أكثر حتى من مخيمي صبرا وشاتيلا المجاورين على الحافة الجنوبية للمدينة.
وبينما دخلت حفنة من الصحفيين الأجانب المخيم لأول مرة منذ اندفع القتال في 19 مايو 1985م كانت مدينة الأكواخ خليط من المنازل المحطمة وقطع من الحكام مع السيارات والجدران التي فتح الرصاص فيها ثقوباً.
وبدأ المخيم تقريباً محطماً بصورة سيئة كما كان حوالي نهاية شهر أغسطس 1982م، بعد أسابيع من القصف خلال الغزو الإسرائيلي. مات المئات من الناس.
وهذه المرة على أيدي أخوة عرب، ولن يعرف أبداً الرقم بدقة، وكانت هناك قصص مثل قصة عائلة (لزيز) في المخيمات كلها.
وألقى خيط دقيق من الشمس من ثقب قذيفة ما يكفي من الضوء لإظهار البقعة الداكنة حيث كان دم لزيز (16 عاماً) قد انتشر على جدار ما كان بيتاً لها. ومن مكان ما من المنزل المبني من الطوب المشوي أخرجت صورة ملونة تظهر فتاة جميلة حواجبها سوداء في ثوب أبيض وهي تحمل أختاً أصغر منها في حضنها.
كانت مها لزيز تخبز الخبز المسطح المستدير الذي يعتبر من ضروريات الحياة مع أخواتها عندما ضربة صلية المورتر المنزل. وبعد خمسة أيام قالت هيام – والدتها – إن إحدى يدي ابنتها وجدت فوق كومة من البسط على الجدار وضعت للحماية.
صرخت الأم فجأة (كانت هذه هي الأقسى، حتى الإسرائيليين لم يفعلوا ذلك بنا، حتى الكتائب).
كانت هناك مرارة، في المخيمات، ليس فقط تجاه ميليشيات أمل بل وربما أكثر تجاه سوريا التي تعتبر على نطاق واسع قد خططت لحصار المخيم وساندته من أجل تحطيم نفوذ ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ولكي تعزز بالوكالة، سيطرتها على لبنان(1).
قال شاب يتكلم الإنجليزية ساعد كدليل للصحفيين خلال الدمار: (السبب الحقيقي لكل هذا هو أن سوريا لا تريد أن يكون للفلسطينيين أي استقلال).
وتطال المرارة الفصائل الفلسطينية المعارضة لعرفات التي توجد مقراتها الآن في دمشق والتي زال الوهم عنها بصورة متزايدة بالقبضة الصارمة للنظام السوري.
وفي المقابلات التي جرت مؤخراً في دمشق تحدثت مصادر فلسطينية عن شعورها بالإحباط والغضب، واشتكت من قيام السوريين بإغلاق جميع صحفهم وغيرها من المطبوعات ومصادرة سياراتهم، وسحب جوازات سفرهم، ومنع تصاريح السفر عن عدد من الفلسطينيين البارزين.
حتى سعيد موسى (العقيد أبو موسى) زعيم منظمة فتح المعارضة لعرفات أعيد من المطار هذا الشهر عندما حاول الذهاب إلى ليبيا كما قالت مصادر فلسطينية وقال مسؤول فلسطيني معارض لعرفات يلتزم بالخط الرسمي في العلن في جلسة خاصة: (مضيفونا ماذا أستطيع أن أقول. هذا زمن رديء جداً بالنسبة للفلسطينيين لن يسمحوا لنا بعمل أي شيء).
وعلى صعيد مباشر أكثر قامت الفصائل التي تساندها سوريا في التلال التي يديرها الدروز والمطلة على بيروت، بما في ذلك قوات أبي موسى وقوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – بقيادة أحمد جبريل وهو ضابط سابق في الجيش السوري يسير عادة في خط دمشق، قامت هذه القوات بقصف قوات أمل بالمدفعية والصواريخ، ومن الواضح أن هذا القصف وفر الهامش الذي مكن المقاتلين الفلسطينيين المسلحين بأسلحة خفيفة في المخيمات من الصمود.
قال مصدر فلسطيني في دمشق: (الخطأ الرئيسي كان الحط من قيمة المقاومة .. لقد ظنوا أنهم سيطهرون المقاومة خلال 24 ساعة أو نحو ذلك، وفي المقام الأول لم يدركوا المدى الذي ستلتقي فيه الفصائل معاً عندما تكون مهددة بصفتها فلسطينية).
وبينما استمر القتال لمدة شهر أصبح محرجاً بصورة متزايدة لسوريا. فهو لم يوتر علاقات سوريا مع وكلائها الفلسطينيين فحسب لكنه وترّها أيضاً مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة، إيران وليبيا(1)، اللتين انتقدتا علناً الهجوم على المخيمات، وتركتا سوريا معزولة في العالم العربي.
وتقول مصادر فلسطينية ولبنانية أن ضرورة إنقاذ ماء الوجه كانت إلى حد كبير السبب وراء اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه قبل ستة أيام في دمشق ووضعه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي تصارع مع الشؤون اللبنانية طيلة عقد من الزمن تقريباً.
وتكمن خلق اللغة المعقدة للبيان المكون من 13 بنداً، في النتيجة، هزيمة لقوات أمل الشيعية بقيادة نبيه بري(2).
أراد الشيعة تجريد الفلسطينيين من السلاح للحيلولة دون ظهور أي دولة فلسطينية ضمن دولة في بيروت الغربية مرة أخرى كما كان الحال قبل غزو 1982م والأسباب من شقين: فالشيعة الآن أولاً في حالة نهوض سياسي ويرغبون في السيطرة على بيروت الغربية، وهم ثانياً يخشون من أن عودة ظهور الفدائيين الفلسطينيين سوف يؤدي إلى انتقام سريع من إسرائيل وأنهم سوف يتحملون معظم المعاناة كما حدث قبل عام 1982م.
إن البند الرئيسي المنقذ لماء الوجه في الاتفاق يدعو المقاتلين في المخيمات إلى تسليم أسلحتهم الثقيلة. غير أنه لا توجد أي أسلحة ثقيلة – قطع المدفعية، أو المورتر، أو منصات إطلاق الصواريخ أو الدبابات – في المخيمات.
وهكذا، وبصورة غير مباشرة، سوف يتمكن الفلسطينيون في المخيمات من الاحتفاظ ببنادقهم الهجومية وغيرها من الأسلحة الشخصية الخفيفة. وهذا يترك الوضع كما كان عليه قبل أن يبدأ الحصار.
إضافة إلى ذلك أعطى الاتفاق في النتيجة اعترافاً رسمياً بائتلاف الفصائل التي تدعمها سوريا المعروفة باسم جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني بينما لم تكن (أمل) تريد أي دور سياسي للفلسطينيين في لبنان. 25 يونيو 1985م نيويورك تايمز الأمريكية.
تعليق:
لم يبق للفلسطينيين أي دور في بنان، وجبهة ما يسمى بالإنقاذ في وضع لا يحسدون عليه، وسوف نشير إلى البيان وما تلاه من أحداث في الصفحات القادمة من هذا البحث.
وحسبنا من مقال (جون كيفنر) ما ذكره عن حال المخيمات بعد انتهاء القتال.
وقصارى القول: فهذه الفظائع التي ارتكبها الشيعة في المخيمات تذكرنا بتاريخهم الأسود الملطخ بالدماء، وتعيد لنا ذكريات التتار والصليبيين واليهود في القديم والحديث، ومن كان يجهل تاريخ الرافضة وأحقادهم الدفينة فعليه أن يعود إلى أمهات كتب التاريخ.
________________________________________
الفصل الرابع
المبحث الأول
مرحلة ما بعد حرب المخيمات
صرح العقيد أبو موسى زعيم المنشقين عن حركة فتح بأنه وفقاً لاتفاق دمشق – الذي أنهى حرب مخيمات بيروت – تعترف جميع الأطراف اللبنانية (بحق الثورة الفلسطينية في التواجد في لبنان والعمل ضد العدو الصهيوني انطلاقاً من جنوبي لبنان).
وأوضح أبو موسى في حديث أدلى به في طرابلس لمجموعة من الصحفيين الفرنسيين: أن البند الثاني الهام من الاتفاق يؤكد حق فلسطيني مخيمات اللاجئين في حيازة أسلحة شخصية خفيفة وقد حددها هذا البند كالآتي: (أي سلاح يمكن أن يستخدمه رجل أو رجلان على الأكثر أي قاذف آر. بي. جي. رشاش.
وراح العقيد يفلسف هزيمته فقال عن موافقتهم على سحب الأسلحة الثقيلة منهم: (إن التسليح الثقيل الذي يستلزم استخدامه ثلاثة أشخاص على الأقل لا يجب تواجده في المخيمات وهو ليس موجوداً فيها على أية حال.
وطبقاً للمنطلق العسكري فإن الأسلحة الثقيلة لا يمكن استخدامها انطلاقاً من مناطق بعيدة عن الجبهة مثل بيروت ومن ثم ليس من الضروري أن نضعها في المخيمات).
ومن قوله: (وطبقاً للمنطق العسكري فإن الأسلحة الثقيلة لا يمكن استخدامها انطلاقاً من مناطق بعيدة عن الجبهة مثل بيروت) نفهم أن هذه الأسلحة سوف يستخدمها العقيد في الجنوب .. وهذا الذي دفع الصحفيين إلى طرح السؤال التالي عليه: (هل ستترك أمل الفلسطينيين يعملون انطلاقاً من جنوبي لبنان؟!).
فأكد العقيد تصميم منظمته على عدم استخدام المدفعية ذات المدى البعيد انطلاقاً من جنوبي لبنان ضد شمالي إسرائيل مثلما كان الحال قبل الغزو الإسرائيلي.
وقال أبو موسى: المسألة لا تتمثل في معرفة ما إذا كانت حركة أمل تريد أو لا تريد. فهذا الأسلوب لم يسفر في الماضي عن نتائج ونحن نرغب في إعادة النظر في هذا الأسلوب، ويجب أن ترتكز الثورة الفلسطينية على القيام بعمل عسكري في الأراضي المحتلة (حرب عصابات حقيقية) وليس مجرد قصف أو قصف مضاد)(1).
وتصريح أبو موسى يذكرني بما كان يتندر بذكره في تصريحاته الكثيرة عن أكاذيب ياسر عرفات، وكنت أصدقه [وهو الكاذب] لأن أكاذيب عرفات لا يشك بها كل من يعرفه عن كثب أو كل من يتابع تصريحاته، ولكن العقيد أصبح أكذب من قائده، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:-
- كان أبو موسى يندد بعرفات لأنه أصبح بعيداً عن ساحة المعركة، أما هو ومن معه فيرابطون في لبنان، ومنها سينطلقون إلى فلسطين، ولا يفوته الإشادة بالنظام النصيري والقوات الوطنية التقدمية في لبنان [أي الشيعة والدروز] .. وكان هذا دينه في كل تصريح.
- كان لأسلحتهم الثقيلة دور مهم في الدفاع عن المخيمات، وقد أصابوا أهدافاً مهمة وأربكوا القوات الغازية .. ولولا أن سخر الله مدافعهم لسحقت القوات الشيعية المخيمات خلال بضعة أيام، فأين هذا من قوله ليس من الضروري وجود أسلحة ثقيلة في المخيمات علماً بأن المخاطر لا تزال تهدد الفلسطينيين في المخيمات وغيرها؟!
- إذا كان شعار المرحلة القادمة عند العقيد أن تكون المقاومة داخل الأرض المحتلة فلماذا يبقى مع قواته في لبنان؟!
وكيف يكون عرفات خائناً لأنه يطرح هذا الشعار ولا يكون هو ومن معه كذلك؟!
لا نعتقد أنه مقتنع بهذا أو أنه غبي إلى هذا الحد .. إنه يعلم أهداف سوريا وماذا تريد من لبنان، وما هو الدور الذي أعدته له ولغيره من العملاء.
الاتفاق على شيء والممارسات شيء آخر:
ليس للعقيد وحده الذي يزعم بأن اتفاق دمشق حقق لهم انتصارات كثيرة، وإنما يردد هذه المقولة معظم قادة ما يسمى (بجبهة الإنقاذ).
ونحن لا نناقشهم في بنود الاتفاقية – رغم أنها لا تشرفهم وليس فيها ما يزعمون – لأنها لا تساوي عند النصيريين والشيعة ثمن الحبر الذي كتبت به، ولن نسألهم عما جرى وراء (الكواليس) لأننا نعلم بأنهم لا يَصْدُقُونْ.
سوف نستعرض مجريات الأمور التي تمت بعد الاتفاقية، وما كان هناك من أحد يجهل نوايا النصيريين والشيعة والدروز والنصارى واليهود في لبنان:-
أولاً: تم سحب السلاح الثقيل والمتوسط من المخيمات، كما تم ضبط السلاح الخفيف، ودخلت عناصر من قوى الأمن الداخلي إلى داخل المخيمات وأصبحت الجهة المسؤولة عن أمن المخيمات، مع أن الغالبية العظمى من هذه العناصر من الشيعة والنصارى، وجملة القول فإن أطراف جبهة الإنقاذ نفذوا جميع الالتزامات التي يلزمهم بها الاتفاق.
ثانياً: أما الشيعة فلم ينفذوا الالتزامات التي يلزمهم بها الاتفاق .. وهذه أقوال وتصريحات أطراف جبهة الإنقاذ:-
- صرح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - أبو الطيب - في 5 يوليو 1985م بما يلي: (جبهة الإنقاذ قد نفذت كل الالتزامات المطلوبة منها في شأن حرب المخيمات لكن حركة أمل واللواء السادس لم ينفذوا ما هو مطلوب منهما، فلم يفك الحصار عن المخيمات وما زالت حركة أمل تحتفظ بعدد كبير من المعتقلين الذين يجب أن يطلقوا فوراً).
- أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – نايف حواتمة – في بيان وزعته على الصحف في بيروت بتاريخ 28 يونيو 1985م أن حركة أمل لا تزال تحتجز مئات من الفلسطينيين من بينهم عشرات من المسئولين والكوادر.
ودعت الجبهة الديمقراطية في بيانها لجنة التنسيق المشتركة إلى تكثيف جهودها من أجل الإفراج عن جميع المعتقلين بلا استثناء والمعروف أنها اللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ الاتفاق المبرم في 17 يونيو 1985م الحالي بين حركة أمل وجبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني.
وذكر بيان الجبهة الديمقراطية بأن إطلاق سراح المعتقلين يمثل بنداً من بنود اتفاق دمشق الذي تضمن 13 نقطة.
ثالثاً: نقلت وكالة الصحافة الفرنسية في 1 أغسطس 1985م أن وحدات من الجيش اللبناني بدأت تتسلم عدداً من الدبابات أرسلتها سوريا إلى حركة (أمل)، وكانت حركة أمل قد تسلمت في 31 يوليو 1985م في بيروت خمسين دبابة (تي 54) سوفيتية الصنع لتدعيم القوة العسكرية للحركة وبعض ألوية الجيش اللبناني.
وذكر المصدر نفسه أن [22 دبابة] سلمت إلى اللواء السادس بينما سلمت عشر دبابات أخرى إلى الكتيبة 87 في الجيش التي انتشرت على الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا.
وعلم من مصدر موثوق به أن خمسين دبابة جديدة ستسلمها سوريا في غضون الأسابيع القادمة إلى حركة (أمل). وسيتسلم الحزب التقدمي الاشتراكي عشرين دبابة من طراز [تي 54 و تي 55].
وعلم من مصدر موثوق به لدى الحزب التقدمي الاشتراكي أن الحزب لديه في الوقت الراهن نحو تسعين دبابة سوفيتية الصنع و110 سيارة مدرعة وعربات مجنزرة.
وبالإضافة إلى تسليم الدبابات فإن الاتفاق الذي أبرم في دمشق بين سوريا ونبيه بري رئيس حركة أمل ينص على تدريب بعض الميليشيات والكوادر العسكرية لميليشيا (أمل) وعُلِمَ من مصدر موثوق في بيروت أن ألفاً من أفراد ميليشيا أمل ذهبوا إلى سوريا بعد حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت لمتابعة التدريب العسكري بموجب هذا الاتفاق(1).
إن سوريا التي تزعم بأنها ستنشر الأمن في ربوع لبنان، وسوف تقلم أظافر ملوك الطوائف هي التي ترمي بثقلها إلى جانب أمل الشيعة، ودروز جنبلاط، وكتائب حبيقة، وتقدم لهم كميات من الأسلحة لا تحلم بها بعض الجيوش العربية.
وكل منصف يعلم أن هذه الأسلحة لن تستخدم إلا ضد أهل السنة لأنهم وحدهم الجهة الوحيدة التي ستستمر في مقاومتها للاحتلال الصهيوني مهما طال الزمن.
ومن جهة أخرى فمما لا شك فيه أن فاتورة هذه الأسلحة مدفوعة سلفاً من قبل الدول العربية الغنية التي تصر على تقديم كل عون ومساعدات للطاغية الأسد رغم كل ما يقترفه من جرائم ومذابح فردية كانت أو جماعية.
ومن جهة ثالثة فهذه الأسلحة تقدم للشيعة وحلفائهم في الوقت نفسه الذي تم فيه سحب أسلحة الفلسطينيين المعتدى عليهم من قبل أمل واللواء السادس.
رابعاً: أمل قصفت المخيمات بالدبابات السورية:
نشرت وكالات الأنباء في 7 سبتمبر 1985م التقرير التالي: (ارتكبت حركة أمل مجزرة بشعة بحق 19 شخصاً من المدنيين الفلسطينيين قتلوا بطريقة وحشية في الضاحية الجنوبية من بيروت بالقرب من مخيم برج البراجنة المحاصر منذ يوم الثلاثاء الماضي. فيما دخلت الاشتباكات بين المدافعين عن المخيم وأمل يومها الرابع.
وذكر أن ميليشيا أمل استخدمت في القصف مدفعية الدبابات السوفيتية [تي 54] التي تسلمتها من سوريا منذ فترة(1).
وبينما قالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيان أصدرته أمس أن أمل قتلت 19 شخصاً في (حارة حريك) على بعد كيلو مترين من المخيم.
ونشرت الجبهة أسماء 12 من هؤلاء الضحايا، بينما ادعت (أمل) بأن أحد عناصرها لقي شقيقه مصرعه في المعارك التي دارت في 5 سبتمبر 1985م فاقتحم المجمع السكني (روستون) وقتل أربعة رجال وامرأة.
وصرح عضو في الحزب القومي الاجتماعي السوري والذي يوجد مكتبه في نفس المجمع السكني بأنه أحصى 15 جثة بعد وقوع هذه المذبحة. مما دفع غسان سبلاني عضو المكتب السياسي لأمل للاعتراف بالمذبحة لكنه قال: إنه لا يعرف التفاصيل.
وذكر المسؤول في الحزب القومي أن ما يتراوح بين أربعين وخمسين من رجال الميليشيا الذين يتصرفون فيما يبدو دون أوامر قد دخلوا هذا المجمع السكني وأطلقوا النار في الهواء واستجوبوا السكان وأعدموا من اعترف بأنه فلسطيني.
وقبل ذلك بعشرة دقائق شاهد مراسل وكالة فرانس بريس شابين معصوبي العينين وقد انهال عليهما رجال ميليشيا أمل باللكمات وضربات العصي.
وكانت الجبهة الديمقراطية قد اتهمت ميليشيا (أمل) بقتل أربعة وأربعين مدنياً فلسطينياً ليلة أمس الأول على مشارف برج البراجنة.
في غضون ذلك قصفت أمل مخيم (برج البراجنة) بمدافع الدبابات السوفيتية في رابع يوم من القتال).
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل كان أطراف جبهة الإنقاذ يجهلون ما تدبره حركة أمل ضدهم؟!
يجيبنا على هذا السؤال جورج حبش في مؤتمر صحفي عقده في الكويت في 10 يونيو 1985م: (إن جبهة الإنقاذ أرسلت وفداً إلى لبنان قبل حوادث المخيمات، وكان يحمل مشروعاً مكتوباً قدمه لحركة أمل والجبهة الوطنية الديمقراطية اللبنانية، رسم من خلاله تصوراً للحقوق المدنية الفلسطينية في لبنان، كان المطلوب دراسة المشروع، لتجنب أي خطأ في العلاقة بين الطرفين .. وفي يوم الجمعة الذي سبق الحصار التقينا مع برّي، وأعربنا عن الرغبة في الحوار حول المشروع، جاءنا الرد بعد أيام؛ عن طريق تطويق المخيمات. لقد نادت أمل، بأنه لا قتال في جنوب لبنان، إلا ضمن استراتيجية عربية شاملة للتحرير) ا.هـ.
ونقلنا فيما مضى تصريحات أخرى تؤكد معرفة أطراف جبهة الإنقاذ لأبعاد المؤامرة التي يديرها بري ونظام دمشق بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .. فكيف عادوا بعد هذا كله إلى التعاون مع الأسد وزبانيته، وكيف زعموا أن اتفاق دمشق حقق لهم كثيراً من الانتصارات؟!
المبحث الثاني
مجــزرة طرابــلس
الذين يراقبون الأحداث في لبنان كانوا يعلمون أن النظام النصيري المحرم وعملاءه سيرتكبون مجزرة في طرابلس الشام وسيحاولون هدم المدينة إن استطاعوا .. ولذلك أسباب كثيرة من أهمها ما يلي:-
1- دخل هذا النظام لبنان عام 1976م لإذلال أهل السُّنة، وكان معاركه ضدهم ابتداءً من مخيم تل الزعتر، ومروراً بمخيمات صيدا وانتهاءً بمحاولة تدمير مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا في منتصف الشهر الخامس من عام 1985م.
وكانت معاركه مع غير أهل السُّنة ليست أكثر من مناوشات يحسب لها النظام النصيري ألف حساب لأنه يعلم بأن إسرائيل مسؤولة عن حماية الموارنة والدروز، وإيران مسؤولة عن حماية الشيعة، ودخول جيش هذا النظام إلى لبنان جاء حسب اتفاقيات ومعاهدات لا يستطيع أن يتجاهلها بحال من الأحوال.
2- صدر عن قادة الجماعات الإسلامية في طرابلس تنديدات بمنظمة أمل ومن وراءها، وأعلنوا عن استعدادهم للقتال ذوداً عن المخيمات الفلسطينية.
ونظام دمشق الجبان يخشى من مثل هذا الموقف وترتعد فرائصه من صحوة أهل السُّنة في بلاد الشام، ومن قيام تنظيم يوحد شتاتهم ويضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية.
3- يرى الحاكم بأمره في دمشق أن طرابلس جزء لا يتجزءأ من سوريا تاريخياً، ومن ثم فالبقاع، وطرابلس وسائر مناطق الشمال تعد من الكانتون السوري المتفق عليه في تقسيم لبنان، وقد كانت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية طرفاً في هذا الاتفاق مقابل سكوت نظام دمشق عن المطالبة بالجولان.
4- يخشى نظام دمشق من استمرار سيطرة قوات التوحيد الإسلامي على مرفأ طرابلس، وما يترتب على هذه السيطرة من مخاطر، كما يخشى من الأسلحة التي يمتلكها المسلمون السُّنة في طرابلس.
5- سيكون موقف النظام النصيري ضعيفاً في مؤتمر القمة العربي القادم كما أن موقفه سيكون ضعيفاً في الصفقات التي يعقدها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية إذا كانت مدينة طرابلس ليست خاضعة تماماً لسيطرة نظام (الأسد).
لهذه الأسباب مجتمعة كان لا بد من معركة فاصلة لهذا النظام مع المسلمين السُّنة في طرابلس.
ولهذه الأسباب حرك النظام عملاءه في حي (بعل محسن) النصيري، كما حرك الأحزاب العميلة: كالحزب السوري القومي المعروف بارتباطاته المشبوهة مع المخابرات الإسرائيلية والمخابرات البريطانية في السابق، والحزب الشيوعي اللبناني – النصارى الأرثوذكس -، ومنظمة حزب البعث [زعماؤها شيعة أمثال عاصم قنصوه وعبد الأمير عباس]، والحزب العربي الديمقراطي [نصيريو بعل محسن، وكانوا يطلقون على أنفسهم فرسان العرب].
وبشكل أكثر وضوحاً يمكننا القول: لقد حرك نظام دمشق عملاءه وأعوانه من الرافضة والنصارى بغية هدم مدينة طرابلس الفيحاء.
أما ما زعمه النظام النصيري عن أسباب الهجوم فتتلخص فيما يلي:
- إن جماعة التوحيد روعت المواطنين في مدينة طرابلس، ونشرت الذعر والفساد.
- فَتَحَ حكام طرابلس الجدد ميناء المدينة أمام أنصار عرفات، ويعملون معه من أجل مزيد من الاضطرابات والفتن في لبنان.
- حولوا المدينة إلى (كانتون) مستقل عن بقية الأراضي اللبنانية، ويقيسون الأمور بمقياس طائفي بغيض.
وهكذا فنحن في عصر التناقضات فالمفسد يتهم المصلحون بالفساد، والعميل المتآمر يزعم أنه وطني مخلص .. ومن قبل دعا المشركون على رسول الله r لأنه فرق دينهم، وشتت جمعهم، وسألوا ربهم هلاكه في بدر .. فلا غرابة إذن أن يتهم حكام دمشق غيرهم بالعمالة والطائفية والفساد.
ونفّذ النصيريون في حي (بعل محسن) أوامر قيادتهم فأطلقوا قذائفهم ونيران أسلحتهم المتطورة على حي (التبانة) الذي يبعد عنهم بضعة أمتار ولا يفصله عنهم إلا شارع سوريا.
وكانت القوات السورية قد شددت من حصارها لمدينة طرابلس، واستقدمت تعزيزات عسكرية تتألف من أربعة آلاف جندي أحاطت بالمدينة من كل جانب من أجل شن هجوم خاطف.
وحاصرت الطائرات الحربية السورية طريق البحر إلى مرفأ طرابلس، وأبلغت القوات النصيرية صيادي الأسماك بضرورة عدم النزول إلى البحر لممارسة أعمالهم، وأعلنت أنها لن تسمح لأي زورق بالخروج أو الدخول للمرفأ في الوقت الحاضر.
وشاهد مراسل (رويتر) جنوداً سوريين بملابس الميدان في 28 سبتمبر 1985م يقيمون مواقع جديدة ومرابض مدفعية جديدة، بينما يقوم عشرات من رجال الميليشيات اللبنانية اليسارية [على حد قول المراسل] في القرى المجاورة بإعداد التموينات والاستعدادات للمعركة.
وأكدت مصادر أمنية مستقلة [صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 1 أكتوبر 1985م] أن مدفعية الجيش السوري المشرفة على طرابلس والدبابات المرابطة فوقها تشترك بالقصف منذ الساعات الأولى لبدء الهجوم.
فكيف نصدق بعد هذا قول العميد غازي كنعان رئيس جهاز استخبارات القوات السورية: (إنه ليس صحيحاً أن الجنود السوريين يقومون بالقصف، إنها الأحزاب المهاجمة إذ لديها كل الأسلحة التي تحتاج إليها 1 أكتوبر 1985م).
بدأ القتال في 15 سبتمبر 1985م أي بعد مجزرة مخيمات بيروت الأخيرة التي استخدمت فيها الدبابات السورية بثمانية أيام.
وفي 27 سبتمبر أعلن العميد غازي كنعان إنهاء الوساطة السورية، وحمّل أطراف اللقاء الإسلامي مسؤولية تعثر المساعي(1).
وبعد ساعات قليلة من هذا الإعلان المفتعل شنت الأحزاب الآنفة الذكر هجوماً على المناطق الواقعة تحت سيطرة اللقاء الإسلامي، من ثلاثة محاور رئيسية في الشمال والشرق والجنوب .. وهذه الأحزاب مجتمعة أعجز من أن تتقدم خطوة واحدة في طرابلس لولا الجيش السوري وراجماته وصواريخه المتطورة التي كانت تدك المدينة من (الكورة) و (تربل).
استمرت المعارك العنيفة عشرين يوماً، وكتب مراسلون في وصفها: (إن طرابلس أصبحت تبدو في النهار كمدينة أشباح تغطيها أعمدة الدخان الأسود وتهزها انفجارات القذائف المدفعية والصاروخية. وفي الليل تصطبغ على المدينة من التلال المحيطة بها، وقالوا إن نصف سكان المدينة البالغ عددهم حوالي 700 ألف نسمة نزحوا عنها)(1).
لقد انهمر على المدينة أكثر من مليون صاروخ وقذيفة مما أدى إلى تدمير نصف مبانيها، كما تم تدمير معظم شوارعها، وخلت أفران المدينة من الخبز، وسياراتها من الوقود، وأحاطت النار بمداخلها البرية والبحرية، وانقطعت عن العالم هاتفياً ولاسلكياً.
وساهمت (القوات اللبنانية) في الحرب فمنعت نقل المحروقات إلى الشمال منذ 24 سبتمبر، كما قطعت الطحين عن طرابلس.
وتتبع الجناة المدنيين الهاربين من جحيم الحرب، ففي المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس عند بلدة البحصاص تم العثور على 15 جثة مصابة بطلقات نارية.
وبعد تدمير أكثر من نصف مباني وشوارع المدينة توصلت دمشق إلى هدنة غير معلنة لإتاحة المجال لدخول وفد رسمي إيراني إلى طرابلس لإجراء محادثات مع أطراف اللقاء الإسلامي .. وتم ذلك أثر اتصال هاتفي مطول بين الرئيس الإيراني علي خامئني والرئيسي النصيري حافظ الأسد، وعاد الوفد الإيراني إلى دمشق مصطحباً معه الشيخ سعيد شعبان، والمهندس عبد الله بابتي .. وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار برعاية حافظ الأسد.
وقد وقع الاتفاق سعيد شعبان عن (اللقاء الإسلامي)، وجورج حاوي عن الحزب الشيوعي اللبناني، وعلي عيد عن الحزب العربي الديمقراطي، وعاصم قنصوه عن الحزب الحاكم في سوريا، وعصام محايري عن الحزب القومي السوري، وحسين حمدان عن حزب العمال الاشتراكي العربي.
ومن أهم بنود هذا الاتفاق:-
- وقف إطلاق النار اعتباراً من منتصف ليلة الخميس 14 أكتوبر 1985م.
- تشكيل هيئة تنسيق برئاسة رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي وعضوية الأطراف الموقعة للاتفاق.
- تشكل لجنة أمنية تضم ممثلين عن القوات السورية والجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي لمنع اقتناء السلاح الثقيل، وتسليم السلاح الفردي، وحصر الأسلحة المرخص بها لأعمال الحراسة وغيرها.
- إطلاق حرية العمل السياسي لجميع الأطراف، وإجراء لقاءات مصالحة، وعدم إجراء ملاحقات تتعلق بالأحداث الأخيرة.
وفي 6 أكتوبر 1985م بدأت القوات السورية باحتلال مدينة طرابلس، وقامت حركة التوحيد وحلفائها بسحب قواتهم من المواقع التي انتشرت فيها القوات السورية، ووجه رئيس حركة التوحيد الشيخ سعيد شعبان نداءً أذيع من (التلفزيون) والإذاعة المحلية اللبنانية ناشد فيها أنصاره في طرابلس الالتزام باتفاق دمشق وعدم التعرض للقوات السورية المنتشرة في المدينة.
وقال الشيخ شعبان: (وعلى الجميع أن يتعاونوا مع الأخوة السوريين والقوات الداخلية وعدم التعرض لأي فريق من هذه القوات وفي أي موقع من المواقع .. وإني أعتبر هذا الالتزام عهداً عقدناه والعهد واجب التنفيذ ..).
وقامت أطراف اللقاء الإسلامي بتسليم أسلحتها الثقيلة في مستودعات يشرف عليها السوريون .. وكذلك فعلت الأحزاب الأخرى كما زعم ضابط سوري مسؤول.
موقف من الاتفاق:
القوات النصيرية طرف في معارك طرابلس وليست حكماً – كما زعمت -، وجيشها دخل المدينة فاتحاً مستعمراً، وسيكون قائد هذا الجيش حاكماً مستبداً لا يخضع لقانون أو عرف، وطرابلس عنده كحماة أو حلب .. وإذا أراد المسلمون الدفاع عن أنفسهم سيجدون أنفسهم عزلاً من السلاح ولا يستطيعون الفرار لأن العدو يحيط بهم من كل جانب .. ومن تاريخ النصيريين القريب والبعيد نعلم بأنهم لا يحترمون عهداً ولا ميثاقاً .. وخلال أيام من دخولهم إلى طرابلس بدأت صيحات الاحتجاج والاستنكار ترتفع هنا وهناك في أوساط المسلمين السُّنة، والشيخ سعيد شعبان يحذر الآن من المداهمات والاعتقالات التي تتعارض مع جوهر الاتفاق الذي وقع عليه. هذا في بداية الطريق فكيف يكون الأمر بعد حين من الزمن؟َ!
ومن جهة أخرى فقد دخلت الأحزاب المدينة بعقلية المنتصر، ولها ثارات عند أهل التوحيد، وإذا افترضنا جدلاً أنهم سلموا سلاحهم فسيكون من السهل جداً عليهم الحصول على السلاح، وسوف تلجأ القوات السورية إلى هذه الأحزاب وإلى أخوانهم في (بعل محسن) كلما أرادوا قتل مجموعة من الدعاة إلى الله، أو كلما أرادوا مزيداً من البحث والتنقيب عن المسلمين السوريين والفلسطينيين الذين فروا من ظلم دمشق وبطشه.
وأخيراً سيكون من اليسير جداً على حكام دمشق وحلفائهم في طهران اختراق أطراف اللقاء الإسلامي لأنهم ليسوا جماعة واحدة، ولا ينطلقون من منهج وتصور واحد، وقد ندد سعيد شعبان ببعضهم أثناء حصار طرابلس .. وسيكون المسلمون السُّنة في الشمال في وضع لا يحسدون عليه بعد الاتفاق وإلى الله المشتكى من جهل الجاهلين وجلد الفاجرين.
اقفال الملف اللبناني
منذ بداية حرب المخيمات، رفع النظام النصيري شعاراً براقاً أسماه (إقفال الملف اللبناني).
ومن أجل إقفال الملف اللبناني لا بد من إقفال الملف الفلسطيني أولاً، وقامت منظمة أمل بدورها شر قيام، ثم جاء دور طرابلس، ونفذ هذا الدور النظام النصيري وأعوانه من الأحزاب الشيعية والنصيرية، وتوقفت اجتماعات (هيئة الحوار الثلاثي) في دمشق خلال حرب طرابلس، واستأنفت اجتماعاتها بعد انتهاء الحرب وما رافقها من دمار.
وتتألف هيئة الحوار من الأطراف التالية:
1- الدروز ويمثلهم وليد جنبلاط صاحب القرار المعروف بعدم مقاومة الاجتياح اليهودي للشوف عام 1982م، والذي منع منظمة التحرير من وضع مدفع واحد في مناطق الدروز، وأخيراً فإن وليد أقام علاقات وطيدة مع عدد من القادة اليهود، ومن شاء مزيداً من التفاصيل فليراجع الصحف التي صدرت في تلك الفترة، ومن جملتها المقابلات التي أجرتها بعض الصحف والمجلات مع الزعيم الدرزي.
2- الكتائب ويمثلهم (إيلي حبيقة) قائد القوات اللبنانية والمسؤول الأول عن مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982م، وسفير الموارنة في مفاوضاتهم السرية والعلنية مع العدو الصهيوني.
3- الشيعة ويمثلهم نبيه بري [شارون الشيعة]، وجزار المخيمات .. وقد نشرنا فيما مضى من هذا الكتاب وفي الجزء الأول أخباراً كثيرة عن علاقاته وعلاقات منظمته مع اليهود.
أما مهندس هذا الحوار فهو صاحب بلاغ سقوط القنيطرة المعروف!!.
والجديد في هذا الحوار شخصية (إيلي حبيقة)، وكان نظام دمشق يعلم أن الناس كل الناس سوف يستغربون وجوده في مثل هذه الاجتماعات، لهذا احتفظ عبد الحليم خدام بتعهدات التزم بها قائد القوات اللبنانية وكتبها بخط يده ومن أهمها: قطع العلاقة مع العدو الصهيوني، وإقامة علاقات سياسية وأمنية خاصة مع سوريا، وكان خدام يطلع عليها حلفاء سوريا لتأكيد مسيرة الحل القادم في لبنان(1).
ومما يجدر ذكره أن هيئة الحوار تمثل (كانتونات) طائفية مستقلة، ولا يسمح أي طرف في هذه الهيئة لأحد كائناً من كان أن يتدخل في شؤون دويلته .. ومع ذلك يسمون الأمور بغير مسمياتها وينادون بإلغاء الطائفية، ووحدة لبنان كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية!!
ومن جهة ثانية فليس للمسلمين السُّنة من يمثلهم في هذا الحوار لأنهم نُكبوا في حرب لبنان، والغنائم لا توزع إلا على المنتصرين.
والذي نراه أن نظام دمشق لا يريد توحيد لبنان في دولة مستقلة، وقل إن شئت مثل ذلك عن الدروز والكتائب والشيعة.
ولو افترضنا أن (الأسد) يريد توحيد لبنان بالشكل الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام السورية فهو ليس قادراً على تحقيق ذلك، لأن لإسرائيل نفوذاً واسعاً جداً في صفوف الدروز والموارنة الشيعة، وجيش لحد قد يتضاعف عدد أفراده وبشكل أخص إذا انضم إليه معارضو هذا الاتفاق من الموارنة وغيرهم، وقد تعود إسرائيل وتحتل جزءاً آخر من لبنان، ونظام دمشق لا يستطيع وحده الدخول في حرب مع إسرائيل.
والذين يعارضون (هيئة الحوار الثلاثي) كثير في لبنان، وسوف يستمر النظام في اتباع سياسة (فرق تسد)، وفي التعامل مع (كانتونات) غير معلنة رسمياً، وفي تسمية الأمور بغير مسمياتها، والله تعالى أعلم.
المبحث الثالث
الشيخ سعيد شعبان ماذا يريد ؟!
ترددت الكلمة عن مواقف الشيخ سعيد شعبان المؤسفة، واستمر ترددي أكثر من سنتين، ومن أهم أسباب هذا التردد قناعتي المطلقة بأن الطغمة النصيرية الحاكمة في دمشق تفكر بهدم مدينة طرابلس المسلمة سواء كان الشيخ سعيد شعبان موجوداً أو غير موجود وذلك لأن طرابلس وحماة مدينتان مسلمتان تتميزان عن غيرهما من المدن الأخرى، وتجاوران جبال النصيرية، ويشعر قادة الجبل بأن دولتهم لن يكتب لها الحياة مع وجود هاتين المدينتين .. وقد فعلوا الذي فعلوا بمدينة أبي الفداء، وبقيت طرابلس تنتظر موعدها مع ألد أعداء الإسلام والمسلمين.
ومن جهة أخرى فإن من أصعب الأمور على نفسي نقد داعية من دعاة الإسلام، وأن تظهر هذه الكتابة في مرحلة عصيبة جداً نجح فيها أعداء الله في هدم أكثر من 50% من مباني طرابلس ومؤسساتها.
وأخيراً زال ترددي واقتنعت أنه لا بد من الكتابة، ولا يجوز لي أن أتجاوز في هذا المؤلف نقد مواقف وتصريحات الشيخ سعيد شعبان لأن المبادئ والتصورات أهم من الأشخاص واللافتات، ومن كانوا خيراً مني من الصحابة والتابعين نقدوا من كان خيراً منه .. وأخشى إذا سكت أن يشملني حديث رسول الله r: (من سُئِلَ عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)(1).
كما أخشى أن تقع الفتنة الكبرى ويتشيع المسلمون في طرابلس إذا استمر الشيخ في تبجيله وتعظيمه لآيات طهران وقم، ولا شك أن مثل هذه الفتنة أشد سوءاً من هدم نصف مباني المدينة.
ولن أتعرض فيما سأكتبه لسيرة الرجل وأموره الشخصية، وإنما سأتناول بالنقد موقفه من نظام الرافضة وثورتهم في إيران، وموقفه منهم ليس سراً من الأسرار فقد كتب وخطب وأجريت معه مقابلات صحفية كافية للحكم له أو عليه.
وسأعرض فيما يلي ملاحظاتي بشكل موجز ومرقم:
أولاً: تأييده لمنظمة التحرير :
قبل الحديث عن موقف أمير التوحيد من نظام طهران أود الإشارة لموقفه من منظمة التحرير عام 1982م.
سئل الشيخ في 21 أكتوبر 1985م عن موقف من عرفات فأجاب: (عرفات لا وجود له بيننا، لأننا لسنا مع عرفات ولسنا مع طريق عرفات، ولسنا خدماً لعرفات.
نحن خدم لهذا الدين، ولا يمكن أن نبيع قضيتنا لقضية يحملها عرفات وهي مصالحته لإسرائيل.
ومن أدلة الشيخ على أنه ليس مع عرفات قوله: (وأكبر دليل كما نقول بأن عرفات مع العراق ومع الأردن، ونحن لسنا مع هؤلاء، وعلاقتنا مع إيران وثيقة وأكيدة، وهذا يؤكد التناقض)(1).
يتحدث الشيخ عن موقفه من منظمة التحرير وزعيمها عام 1985م، ونحن سنتحدث عن موقفه منها عام 1982م، لقد نشأت حركة التوحيد الإسلامي في صيف عام 1982م، وقد فوجئت بنشئوها، كما فوجئت بقيادة الشيخ لها، فالشيخ لا يملك أي خبرة عن التنظيمات والأعمال العسكرية والسياسية، ومن جهة أخرى فحركة التوحيد تألفت من عدة تجمعات محلية، بعضها كان إسلامياً، وبعضها الآخر كان يسارياً أو شئت فقل كانوا قطاع طرق ثم تابوا إلى الله فجأة، ومع قناعتي الأكيدة بأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، وقد يمسي المرء كافراً ويصبح مؤمناً .. مع ذلك كله أقول: (إنني أخشى من توبة جماعة كلها .. فقد تاب القذافي فتاب عساكره(2) ثم ارتد فارتدت معه.
وقل مثل ذلك عن ضياء الحق الباكستاني، ومحمد جعفر نميري السوداني.
ونحن لا نقول للذين تابوا لِمَ تبتم؟! أو لا نصدقكم فيما تدعون .. لا نقول لهم مثل هذا القول كما أنه من الواجب علينا أن لا نتجاهل دور غيرهم من العلماء والدعاة، ونُكوِّن من هذا الخليط الجديد حركة تنظيمية عسكرية تزعم أنها من المسلمين، وبين عشية وضحاها يصبح قطاع الطرق علماء وقادة .. وهذا الذي فعله الشيخ سعيد شعبان غفر الله لنا وله.
أمر آخر يدعو إلى الشك والريبة أن هؤلاء الذين تابوا كانوا من أتباع منظمة التحرير الفلسطينية وكانت تقدم لهم المال والسلاح ليتسنى لها السيطرة على الشارع الإسلامي في دولة الطوائف، وجاءت هذه التوبة إبان حرب المخيمات وهي ظروف حرجة كان يمر بها ياسر عرفات، ونقول بكل وضوح وصراحة: (إن جاعة "جند الله" الإسلامية كانت وثيقة الصلة بمنظمة التحرير، وكانت تتلقى منها العون المادي والعسكري .. وتبعاً لذلك وقف أمير التوحيد إلى جانب ياسر عرفات في معركته ضد المنشقين عنه ومن وراءهم في دمشق، وفي معركة التوحيديين مع الأحزاب في طرابلس أيدتهم منظمة التحرير، واستمر هذا التعاون بعد رحيل عرفات ومن معه عن طرابلس وخُطب سعيد شعبان وتصريحاته في الصحف وصوره مع عرفات تؤكد كل ما ذكرناه.
وليس من المصلحة ذكر مزيد من الأدلة والبراهين، لأننا – يعلم الله – لا نبغي التشهير بأمير التوحيد ومن معه، ونكره إحراج الآخرين.
وكم يكون الشيخ سعيد منصفاً لو قال: (تعاونوا مع عرفات ومن معه أو وقفنا معهم في خندق واحد عام 1982م .. ثم أدركنا فيما بعد أننا تسرعنا في اتخاذ هذا الموقف .. ومن المؤسف أن قليلاً جداً من الدعاة في هذا العصر من يعترف بخطأه.
ثانياً: لمحات عن تعاونه مع إيران:
كان الشيخ سعيد شعبان في طليعة الذين زاروا إيران بعد الإطاحة بالشاه .. وعاد من طهران يحدث كل من رآه عن شخصية القائد الخميني الفذة، وتواضعه الجم، وزهده النادر، وحذّره من نظن فيهم الفضل والعلم من مثل هذا الموقف خلال إحدى زياراته لبلد عربي فرد عليهم ردوداً عاطفية ليس فيها علم ولا منطق، والتمست الأعذار للشيخ لأن الذين أعلم منه كانوا – بكل أسف – يجهلون معتقدات الرافضة وأصولهم، ويظنون أن خلافنا معهم لا يتعدى بعض الفروع، ومثل هذه الخلافات متوفرة بين مذاهب أهل السنة.
ثم جاءني من يعرف الشيخ عن كثب فقال: (لقد تورط الشيخ سعيد شعبان مع الشيعة. فقلت له: ما هو دليلك على ما تقول؟!
فذكر لي أموراً لم أقتنع بها، وتمسك بموقفه من الشيخ كما تمسكت بموقفي ولم أقصر في نصحه وتحذيره من أهل الغلو.
ثم عاد صاحبي بعد حين من الزمن، وأبرز لي إخراج قيد نفوس صادر عن الأحوال المدنية في طرابلس الشام باسم ابن شقيق الشيخ، وفي القيد ما يؤكد أن مذهبه شيعي، وهذا يعني أن زوج شقيقة أمير التوحيد شيعي ابن شيعي. فقلت: لعل والد الشيخ هو المسؤول عن هذا الزواج.
فقال: ولكن ما هو رأيك بمن يزوج ابنته من شيعي في بلاد الشام؟!
قلت: أمر مستغرب وغير مألوف.
قال: ألا تعرف بأنني أحب الرجل، وبيني وبينه صحبة ومحبة؟!
قلت: بلى.
قال: مع ذلك أصبحت أشك بعلاقاته مع حكام إيران ومع شيعة لبنان، ومثل هذه الأمور أسمعها منه بالذات، ويتفوه بها معظم أعوانه ومساعديه.
ثم أصبح سعيد شعبان أميراً لطرابلس باستثناء حي (بعل محسن)، وتكررت زياراته لإيران، وتوقفت صلاته مع ما يسمى بـ (حزب الله) وأمل الإسلامية، والمسؤولين الإيرانيين الذين يترددون على لبنان أو المقيمين بها.
وكان حكام طهران يتوسطون بين أمير التوحيد، والإمبراطور النصيري، وعندما زار الرئيس الإيراني (خامنئ) دمشق استدعى شعبان وجمعة بحافظ الأسد وقيل أن العلاقات تحسنت بعض الشيء بين الطرفين، وإن كان للطاغوت النصيري موقف ثابت من أهل السنة، وله أطماع خاصة بشمال لندن، ولا تنفع عنده الوساطات في مثله هذا الأمر.
واستغل الرافضة مواقف الشيخ سعيد شعبان المؤسفة وأمثاله فعملوا على أن يكون ورقة يتاجرون بها بين أهل السنة .. وبين يدي مقابلة أجرتها معه مجلة الثورة الإسلامية في عددها رقم 61. ومن يتأمل هذه المقابلة يلاحظ بأن المجلة قد أخذت من أمير طرابلس كل ما تريد، وأنه كان يتحدث بدون تحفظ، بل وكان يستعمل المصطلحات الشيعية السياسية كقوله على سبيل المثال لا الحصر: (الإعلام الاستكباري) وأكثر من مدح إيران والهجوم على دول الخليج، ولا يستغرب مثل هذا الهجوم لو كان الشيخ قد اعتاد عليه، أو لو كان لا يخدم مقاصد الشيعة.
ومن أجله أجرت المجلة معه مثل هذه المقابلة، ولم يذكر موقفاً سلبياً واحداً من مواقف النظام الإيراني، أو من مواقف الشيعة في لبنان .. فلم يذكر سوء معاملتهم لأهل السنة في إيران، ولم يسألهم عن أسرار تعاونهم مع النظام النصيري في دمشق، ولم يندد بتعامل كثير من قيادات الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان، لقد كان الشيعة يتكلمون على لسان أمير التوحيد في هذه المقابلة.
ثالثاً: الوساطة الإيرانية وتصريحات شعبان:
بعد دمار طرابلس واتفاقية دمشق أجرت مجلة الشراع في عددها رقم 188 بتاريخ 21 أكتوبر 1985م مقابلة مع الشيخ سعيد شعبان ننقل منها فيما يلي ما يتعلق بإيران:
سؤال: لماذا أنتم متهمون دائماً بالعلاقة مع عرفات؟
جواب: من أجل التبرير، كما برر الذئب قضيته لافتراس الحمل، ولكننا لسنا حملاناً إن شاء الله تعالى، وكل هذه التهم باطلة ولا أساس لها من الصحة وأكبر دليل كما نقول، بأن عرفات مع العراق ومع الأردن، ونحن لسنا مع هؤلاء، وعلاقتنا مع إيران وثيقة وأكيدة، وهذا يؤكد التناقض.
سؤال: ماذا جرى مع العلاقة الجيدة مع إيران؟
جواب: إنهم مسلمون يحملن الإسلام ويرفعون راية الإسلام .. أعزوا الإسلام بثورتهم، وطردوا أميركا(1) وإسرائيل من بلادهم، ونحن نبارك ونكبر كل دولة تحارب أميركا وإسرائيل وتقطع العلاقة معها، يكفي أنهم أعلنوا إسلامية ثورتهم، ونحن نلتقي مع الإسلام.
سؤال: ألا تعتقدون أن الذي يفجر نفسه بحاجز إسرائيلي هو من طرد إسرائيل أو شارك بطرد إسرائيل؟
جواب: نحن نعتبر أن من فجر نفسه – لإخراج إسرائيل لا للدعاية الحزبية بل لدحر إسرائيل -، ومن دمر مركز (المارينز) في بيروت، ومواقع الفرنسيين، ومركز القوات الإسرائيلية في صور، هؤلاء هم الأبطال الذين لم تسجل أسماؤهم، هؤلاء الأتقياء الأخفياء، يضربون الضربات الموجعة من دون أن يقوموا بالضجيج الإعلامي.
سؤال: حركة التوحيد فيها من هم من خارج السنة؟
جواب: لا ليس يها .. ولكن لو دخل فيها من طوائف المسلمين لما مانعنا في ذلك، وفي حزب الله مثلاً في بيروت يوجد سُنَّة وشيعة، ونحن نعتبر حزب الله جزءاً منا، وأكبر دليل على ذلك أننا كنا في وفد واحد في مفاوضات دمشق بالأمس .. كان هناك حزب الله، وأمل الإسلامية وعناصر من السفارة الإيرانية يشكلون معنا وفداً واحداً لنؤكد للمسؤولين السوريين أننا في لبنان أمة واحدة.
سؤال: هل تعتقدون(1) أن ذلك ينجح في لبنان بعد هذه الحروب المذهبية؟
جواب: هذا يخضع في الحقيقة للجهد الذي يبذل، إيران 40 مليون حكمها اليهود والأميركان، لكنها اليوم مستقلة، راعيها أب، والرعية كلهم يتعاونون على البر والتقوى وفيها مختلف الأديان، ومختلف الطوائف، وليس إلا الإسلام هو الذي وحدها.
إذن نحن نعتبر أن الإسلام هو القاسم المشترك الذي يعدل بين الجميع.
سؤال: لماذا تدخلت إيران برأيكم؟
جواب: لأنها مسلمة تحس بأوجاع المسلمين، والمسلمون كالجسد الواحد، إذا اشتكى عضو اشتكى الجسد كله) اهـ(2).
ولي على أقوال وتصريحات الشيخ سعيد شعبان الملاحظات التالية:
1- ما الذي قدمته إيران الخميني لطرابلس الشام في محنتها؟
فرغم متانة الروابط وقوة العلاقات التي تجمع بين إيران ونظام دمشق .. فقد تم الإعلان عن نجاح هذه الوساطة بعد هدم أكثر من نصف مباني المدينة وقتل وجرح الآلاف، وهروب معظم السكان.
وسئل مسؤول لجنة الوساطة: هل اختلاف وجهات النظر بينكم وبين سوريا يؤثر على العلاقات المتينة بين البلدين؟ فأجاب بالنفي القاطع لأن العلاقات بين البلدين أقوى من أن تؤثر فيها هذه الأحداث.
ومن جهة ثانية فقد فرض النظام النصيري شروطه كلها من خلال بنود الإتفاقية: كاحتلال قواته العسكرية لطرابلس وسحب السلاح منها .. وكانت أطراف اللقاء الإسلامي ترفض هذه الشروط بإصرار .. ومن مصلحة النظام السوري بعد تحقق هذه الشروط أن يوسط إيران حتى لا يتعرض لخسائر فادحة عند دخول قواته واحتلالها لأحياء المدينة .. ومن ثم فإن استمرار الجيش الغازي متعذر في طرابلس إذ وجد مقاومة مسلحة ومنظمة.
وقصارى القول فإن الوساطة لمصلحة النظامين: السوري والإيراني اللهم إلا إذا كان السوريون يشترطون قتل شعبان وأعوانه ثم تراجعوا عن هذا الشرط ولا نعتقد أن ذلك من مصلحتهم.
2- يزعم سعيد شعبان أن وفدهم في دمشق كان يضم(1) حزب الله الشيعي، وأمل – جناح الموسوي – وعناصر من السفارة الإيرانية!!
ومما لا شك فيه أن هذا الوفد العتيد تشكل بعد المذبحة التي ارتكبها الشيعة والنظام النصيري في المخيمات فماذا كان موقف أطراف هذا الوفد، وماذا قدموا للفلسطينيين!!
ومن جهة أخرى فقد قال الإيرانيون عن أنفسهم بأنهم وسطاء، وكذلك وصفتهم الدوائر السياسية والإعلامية في العالم .. فمن أين جاء أمير التوحيد بهذا الزعم؟!
ومن جهة ثالثة فقد قال مسؤول الوفد أن علاقة بلده مع سوريا أقوى من أن تهزها أحداث طرابلس، وسوريا النصيرية تذبح المسلمين في طرابلس .. ماذا تقول لسعيد شعبان بعد هذا كله؟!
3- يقول سعيد شعبان: ليس في حركة التوحيد من غير أهل السُّنة أحد: فنقول: (الشيعة لا يقبلون بغير قيادتهم، وأهل السُّنة – في نظرهم – كفار لأنهم نواصب، أما قوله: "وفي حزب الله مثلاً في بيروت سُنَّة وشيعة .. ونحن نعتبر حزب الله جزءاً منها، وهم يعتبرون أنفسهم جزءاً منا ...).
فنقول: في حزب الله سُنَّة لأنهم جهلة لا يفهمون عقيدتهم ولا يقرءون تاريخ أمتهم، وقد ابتلاهم الله بقيادة الشيخ سعيد شعبان وأمثاله.
وقد اطلعت على تصريحات زعماء الشيعة الذين يثني عليهم أمير التوحيد فوجدتها خبثاً ولؤماً، ومن الأمثلة على ذلك المقابلة التي أجرتها صحيفة القبس الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 5 نوفمبر 1985م – مع محمد حسين فضل الله وهو من أبرز زعمائهم في لبنان. وقد سئل عن أحداث طرابلس فلم يقل عبارة واحدة في تأييد شعبان وحركته أو في التنديد بالجرائم التي ارتكبها النظام النصيري في طرابلس أو في المخيمات أو في حماة.
4- لم يجد سعيد شعبان مثالاً يقدمه على عدل الإسلام ومساواته بين الناس إلا إيران الخميني فكان مما قاله: (.. راعيها – أي إيران – أب، والرعية كلهم يتعاونون على البر والتقوى وفيها مختلف الأديان، ومختلف الطوائف، وليس إلا الإسلام هو الذي وحدها).
راعيها أب، والرعية كلهم يتعاونون على البر والتقوى!! ما هذا الهراء العجيب؟! وهل يسفك الأب دماء أبناءه؟! أفلا يقرأ سعيد شعبان أو يسمع؟!
ألم يقرأ ماذا فعل الخميني برعيته؟! ألم يسمع صيحات أهل السُنَّة في إيران، وعدد الذين قتلوا منهم، وماذا يجري للمعتقلين منهم في سجونهم؟!
إن كان سعيد شعبان صاحب هوى فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإن كان جاهلاً فمن المصائب العظام أن يقود أمتنا جهلة .. وإن كان مستعداً أن يعيد النظر بقناعاته فليقرأ كتابنا الأول وغيره من الكتب التي فضحت هؤلاء الباطنيين .. بل فليقرأ تاريخ طرابلس الشام – مدينته – ومصائبها مع الرافضة والنصيريين، وزيادة على ذلك كله فنحن مستعدون أن نجمعه مع أهل السنة الذين نكبهم نظام الطاغية خميني.
رابعاً: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه:
وقع الشيخ سعيد شعبان في تناقضات كثيرة نختار منها ما يلي:
1- نحن آخر أناس يسلمون سلاحهم .. قبل أن تسلم الكتائب وقوات جنبلاط ونبيه بري، لن نسلم لأننا لن نكون العلامة الفارقة، ولأننا نعيش في غابة من السلاح والوحوش. عن وكالة كونا 29 سبتمبر 1985م.
ثم أذاع بياناً بعد الاتفاقية وطالب أعوانه بتسليم السلاح، ولم تسلم الكتائب والقوات الدرزية وقوات أمل أسلحتها.
2- وفي 27 سبتمبر 1985م اتهم سوريا بالإعداد لمجزرة، وأنها تريد سيطرة القوات السورية على طرابلس، وفي 29 سبتمبر 1985م، أي بعد يومين وصف علاقة حركته بالمسؤولين السوريين بأنها طيبة .. ثم أخذ ينادي بسيطرة القوات السورية على طرابلس.
3- صدرت عنه تصريحات يهاجم فيها ياسر عرفات ومن معهن، وكانت قد صدرت عنه تصريحات أخرى على نقيض ذلك.
وعرفات هو عرفات في انحرافه وانتهازيته ودعوته إلى دولة علمانية في فلسطين المحتلة.
4- صدرت عنه تصريحات يهاجم فيها أطرافاً من اللقاء الإسلامي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن العميد غازي كنعان رئيس جهاز المخابرات العسكرية السورية العاملة في لبنان، أن الشيخ سعيد شعبان أبلغه أن في صفوف حركة التوحيد عناصر غير منضبطة لا ترغب في إيجاد حل لمشكلة طرابلس، أما هو فيريد التوصل إلى حل مع سوريا.
وإذا كان العميد كنعان قد افترى على شعبان كذباً فقد صدرت عن الأخير تصريحات نقلتها عدد من الصحف منها الشراع بتاريخ 21 أكتوبر 1985م وهاجم ناساً من أعوانه لأنهم كانوا لا يطيعون وكانوا معجبين بآرائهم، وارتكبوا مخالفات شرعية.
ولو لم تصدر مثل هذه التصريحات عن أمير التوحيد لكانت مثل هذه السلبيات متوقعة وغير مستغربة لأن البدايات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة.
وبعد: لقد أخطأ الشيخ سعيد شعبان عندما وضع نفسه في موضع لا يقدر عليه، وليس أهلاً له، وأخطأ عندما راح يقول اليوم ما ينقضه غداً.
وعليه أن يعيد النظر بجميع حساباته ويتق الله فيما يقوله ويفعله .. وكم نتمنى أن يتفاهم مع إخوانه أهل السُنَّة قبل التفاهم مع أهل الرفض والتقية والغدر وفي الإشارة ما يغني عن الكلم.
الفصل الخامس
المبحث الأول
الصدر والمجلس الشيعي الأعلى
ليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها عن شيعة لبنان وحركة أمل .. ففي كتابي الأول (وجاء دور المجوس)(1) تحدثت عن نشأة أمل، وعن تاريخ مؤسسها الرجل الغامض الإيراني موسى الصدر، وكيف منحه حكام لبنان النصارى – أقطاب النهج – الجنسية اللبنانية في وقت كانت تحجب فيه هذه الجنسية عن غير النصارى، وأمثال موسى الصدر من اللبنانيين الذين جدوا منذ عشرات السنين على أرضهم قبل ضمها إلى ما سمي (بدولة لبنان الكبير) إثر الاحتلال الفرنسي عام 1920م.
ونجح الصدر وأعوانه في عام 1969م شق المجلس الإسلامي الأعلى الذين يضم كل مسلمي لبنان وتأسيس (المجلس الشيعي الأعلى) الذي أصبح رئيسًا له.
واستفاد الصدر من التناقضات التي تعج بها الساحة اللبنانية، فارتبط في بداية طريقه مع زعماء النصارى في لبنان – الشهاديين -، ثم تحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية، ورفع شعار تحرير فلسطين، وقدمت له المنظمة مقابل ذلك المال والسلاح وقامت بتدريب عناصر أمل عند بداية تأسيسها .. وتنكر الصدر لوعوده وعهوده عندما وقع الصدام بين النظام النصيري من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية والقوات الوطنية اللبنانية من جهة أخرى، ولعل هذا الأمر من أهم الأسباب التي دعت النظام الليبي إلى قتله أو احتجازه في 31 أغسطس 1978م ومعه الشيخ محمد شحادة ويعقوب والصحفي الشيعي عباس بدر الدين صاحب وكالة أخبار لبنان.
وفي هذا الفصل سأعود من جديد إلى الحديث عن شيعة لبنان وحركة أمل وظاهرة الصدر لأعرض أدلة أخرى تؤكد صحة النتائج التي توصلت إليها قبل بضع سنين، وسوف أجيب على عدد من الأسئلة التي يكثر طرحها.
كلام مهم لكامل الأسعد:
كامل الأسعد أحد زعماء الشيعة التقليديين في لبنان، وقد ترأس المجلس النيابي اللبناني مدة طويلة من الزمن، وله في المجلس كتلة عدد أعضائها تسعة، وورث زعامة الطائفة عن أبيه، ونجح في تقديم خدمات جلى لأبناء طائفته .. وقد أجرت مجلة الحوادث اللبنانية مقابلة مع كامل الأسعد في عددها بتاريخ (3 يناير 1975م) تحدثت فيها عن خلافه مع موسى الصدر، وكان مما قاله:
(سأتحدث أولاً عن علاقاتي بالسيد موسى الصدر، هذه العلاقات مرت بثلاث مراحل: مرحلة العهد السابق – عهد الرئيس حلو -، ومرحلة الفترة الأولى من العهد الحالي، والمرحلة الأخيرة.
ففي أثناء العهد السابق، الذي تلا العهد الشهابي، أبدى أقطاب النهج، الذين كانوا وراء مطالب إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، تحبيذهم لتعيين السيد موسى الصدر رئيسًا للمجلس. والسيد موسى الصدر يعرف والنواب الشيعة، أنه لو كانت كتلة الأعضاء التسعة التي انتمى إليها، لم تؤيد فكرة إنشاء هذا المجلس، لما كان أنشئ أصلاً، ولما أصبح السيد موسى الصدر رئيسه. ولكني وافقت على إنشاء المجلس وتعيين السيد موسى الصدر رئيسًا له، على الرغم من التحذيرات التي تلقيتها من عدد من الأصدقاء وعدة مصادر، بأن وراء هذا التعيين خطة لمحاربتي شخصيًا على صعيد الجنوب وعلى مستوى الطائفة الشيعية أيضًا.
وقد قبلت تلك المخاطرة لأني كنت مقتنعًا بأن تلك الفرصة المواتية لإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لن تتكرر.
والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر، خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات، تابعًا للعهد ولزعمائه.
والجميع يذكر موقف العهد بإزاء الشيعة بوجه عام، وجنوب لبنان بوجه خاص. كانت هناك مؤامرة على الجنوب كل يوم: تجميد مشروع الليطاني، محاولات للتفرقة بين الفلسطينيين واللبناني، وإرهاب فكري ونفساني للمواطنين في كل ما يفعلون. واقتصرت حركة موسى الصدر وقئتذٍ على الدعوة إلى الإضراب.
ووجه نداء من بيروت داعيًا أهالي الجنوب إلى احتلال القصور في العاصمة.
ولا حاجة إلى إيضاح العواقب التي كانت تترتب على تلك الدعوة لو أن أهالي الجنوب هاجروا فعلاً إلى بيروت ليحتلوا القصور والشوارع، وتحولوا إلى لاجئين فعلاً في العاصمة.
والعجيب أنه في ذلك اليوم بالذات، أخذ التليفزيون، الذي هو مؤسسة حكومية رسمية، على عاتقه إذاعة نداء الإمام إلى التظاهرة).
ويتساءل كامل الأسعد فيقول: (والآن ماذا يريد السيد موسى الصدر؟!.
لقد عرض لائحة بالمطالب. وكان أهم مطلبين فيها:
1- تأمين العدالة للطائفة الشيعية بشأن الوظائف العامة.
2- تنفيذ مشروع الليطاني.
المطلب الأول: تم تحقيقه خلال التعيينات الأخيرة، وأصبحت المناصب المعطاة لأبناء الطائفة الشيعية متناسبة وعددهم. أما فيما يتعلق بالمطلب الثاني [أي مشروع الليطاني] فقد كنا نحن، وليس هو، من لاحق المشروع من أجل تنفيذه. ولن نسمح أبدًا بأن يؤخر تنفيذه أكثر مما أخر.
فالاعتمادات متوافرة، والمسح الجوي للأرض ستتولاه إحدى الشركات أو الجيش.
وقد طرحت دراسة النفق الرئيسي والقناة في مناطق عامة، وحدد حزيران سنة 1975م موعدًا لبداية العمل فماذا يبقى من مطالب الإمام؟!.
التنقيب عن النفط؟ هل هناك نفط في الجنوب للتنقيب عنه؟).
وسئل الأسعد عن مدى قوة التيار الذي يمثله الصدر في لبنان، فأجاب بقوله: (إن قوته ليست مستمدة من مركزه كرجل دين. فلا يهم أن يعتمر العمة أم لا. إن قوته مصدرها المال الذي يبعث به المهاجرون إلى المجلس الشيعي الأعلى والمعونة المالية التي تقدمها الدولة إلى المجلس. فهو ينفق هذا المال في شراء الرجال واستقطابهم. وقوته تأتي أيضًا من قدرته على تجميع المعارضة في الجنوب وحشدها في عمل موحد ضدي كما فعلت عائلتا عسيران والزين عندما اتحدتا ضدي أثناء انتخابات النبطية.
إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا وفي الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج). انتهى كلام الأسعد.
أقوال الأسعد في الميزان
1- ماذا يريد النصارى من إنشاء المجلس الشيعي الأعلى؟!
يقول الأسعد بأن أقطاب النهج النصارى كانوا وراء مطلب إنشاء المجلس الشيعي الأعلى!! وإنشاء هذا المجلي يعني شق الصف الإسلامي رسميًا لأول مرة في تاريخ لبنان الحديث.
ويعترف الأسعد أيضًا بأن النصارى كانوا وراء تعيين موسى الصدر رئيسًا لهذا المجلس. ومما يجدر ذكره أن أقطاب النهج النصارى كانوا – ولا يزالون – من ألد أعداء الإسلامي والمسلمين، وكانوا يتعاونون مع الشيطان من أجل تمزيق الصف الإسلامي.. فكيف نجمع بين دعمهم لموسى الصدر وبين قول السذج من قيادات أهل السنة:
لقد كان الصدر مخلصًا، وكان من دعاة التقريب بين السنة والشيعة، وكانت له علاقات وثيقة مع علماء أهل السنة.
وكامل الأسعد – مع اعترافه بأن أقطاب النهج النصارى كانوا وراء هذا المجلس – لا يتبرأ من إنشاء المجلس الشيعي الأعلى وإنما يؤكد بأنه كان من الداعين له لأن في إنشائه مصلحة للطائفة، ومصالح الطائفة فوق خلافاته مع الصدر وغيره. وهذا هو مصدر القوة في تصريح رئيس المجلس النيابي اللبناني السابق.
2- تعاون الرافضة مع الموازنة:
ويقول الأسعد: (والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر، خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات، تابعًا للعهد ولزعمائه ..).
وقد صدق الأسعد فيما قالعه وردده مرات ومرات، ولكن هل كان الصدر نشازًا في تاريخ الشيعة الحديث؟!.
لا لم يكن نشازًا فالرئيس كامل الأسعد من المتعاونين مع الموازنة، وكذلك كان أبو أحمد الأسعد، وصبري حمادة في الشمال، وكاظم الخليل في الجنوب وكذلك كان غيرهم من زعماء ونواب الرافضة في لبنان.
ومن يقرأ التاريخ يدرك عمق الروابط بين الرافضة والموازنة، وبشكل أخص في الحروب الصليبية، وفي ظلال استعمار فرنسا لبلاد الشام.
وتكشفت لكل ذي بصيرة علاقات المحامي نبيه بري – تلميذ الصدر – مع الموازنة، ويقوم النظام النصيري في دمشق نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتوزيع الأدوار بين الشيعة والموازنة والدروز، وسوف يأتينا بالأخبار من لم نزود عن أبعاد المؤامرة وفضائح حركة أمل.
3- جنوب بيروت للشيعة أم للسنة؟!
قال الأسعد: (إن الصدر وجه نداءً من بيروت داعيًا أهالي الجنوب إلى احتلال القصور في العاصمة.. والعجيب أنه في ذلك اليوم بالذات، أخذ التلفزيون، الذي هو مؤسسة حكومية رسمية، على عاتقه إذاعة نداء الإمام إلى التظاهر).
ونحن نختلف مع الأسعد في تفسيره لنداء الصدر، وإن كنا نشاركه في تعجبه من موقف السلطة اللبنانية.
والذي حدث أن عددًا كبيرًا جدًا من شيعة الجنوب قد احتلوا المباني والقصور .. ولكن في مناطق أهل السنة وفي ضواحي بيروت الجنوبية بالذات..
ومما ينبغي التأكيد عليه أن بيروت من مدن أهل السنة المشهورة، وغير السنة دخلاء على المدينة، وازدادت هجرة الشيعة إلى بيروت في الستينات، وسكنوا في ضواحي العاصمة الجنوبية بعدما نشأت فيها مؤسسات صناعية جديدة، وكان العمال الفلسطينيون قد سكنوا هذه المناطق بعد عام 1948م، كما سكنها العمال السوريون، وأطلق عليها فيما بعد (حزام البؤدس). وتتألف الضاحية الجنوبية من المناطق التالية:
الشياح، الغبيري، حارة حريك، بئر العبد، برج البراجنة، حي السلم، الليلكي، صحراء، الشويفات، الأوزاعي.
ويغلب على ظني أن استيطان الشيعة في بيروت في الستينات وقبها كان عفويًا، أما بعد الستينات فكانت أهدافهم واضحة، وكان موسى الصدر مهندس هذه الخطة ومن ورائه النهج النصراني، ومن الأدلة على ذلك أن العمال والموظفين القادمين من الجنوب والبقاع والشمال كانوا يبنون منازلهم في جنوب بيروت على أملاك الغير، وكان ذلك يحدث تحت سمع السلطة وبصرها، بل وكان أصحاب الأراضي من أهل السنة يطالبون الأجهزة المسئولة بوضع حدٍ لهذا العبث، ورغم ذلك فالسلطة تترك قطاع الطرق يفعلون ما يشاءون .. ولو كان هذا الذي يحدث في بيروت الشرقية أو في أي منطقة من مناطق النصارى لما صمت قادة الموازنة لحظة واحدة.
وتضاعفت هجرة الشيعة خلال الحرب اللبنانية أضعافًا مضاعفة، واحتلوا المنازل والشقق والقصور كما أمرهم إمامهم، والسلطة تحرضهم وتشجعهم على مثل هذه الأفعال الشنيعة.
وهكذا قامت أحياء في الضاحية الجنوبية وكأنها أحياء متقطعة من بعلبك، أو أحياء أخرى وكأنها متقطعة من صور أو النبطية، وفي هذا الحي يقطن نبيه بري، وفي ذاك الحي حسين الحسيني رئيس المجلس النيابي وأمين عام منظمة أمل سابقًا، وفي الحي الثالث عبد الأمير قبلان المفتي الجعفري الممتاز.
ويضاف إلى ما سبق ذكره أن المغتربين الشيعة الذين يعملون في الخليج أو إفريقيا أو الأمريكتين راحوا يشترون الأراضي في بيروت، ويقيمون المؤسسات والمشاريع الاقتصادية في العاصمة، وأصبحوا من أصحاب الفاعليات الاقتصادية فيها.
وعندما سأل الصحفيون نبيه بري عن الأسباب التي دفعته إلى احتلال بيروت الغربية أجاب: (بيروت الغربية عاصمة لبنان وملك لجميع المواطنين وليست حكرًا على أهل السنة).
ومن المؤسف بعد هذا كله أن تصور أجهزة الإعلام المحلية والعالمية تصور جنوبي بيروت وكأنه ملك الشيعة منذ بضعة قرون، وتصور الفلسطينيين وكأنهم قطاع طرق مع أنهم أقدم من الشيعة في هذه الأحياء والمخيمات ولعبوا دورًا مهمًا في تطور مدينة بيروت بل في تطور لبنان كله.
حقاً إن الزحف الشيعي على بيروت يذكرني بالزحف النصيري على طرابلس والساحل السوري وحمص ودمشق، كما يذكرني بابتلاع إيران لشرقي الخليج العربي وابتلاع اليهود لفلسطين، والنصارى للأندلس وما أكثر المصائب والمآسي في عالمنا الإسلامي.
4- ما لم يصرح به الأسعد:
سئل الأسعد عن مدى قوة التيار الذي يمثله الصدر في لبنان. فأجاب: (.. إن قوة الصدر مصدرها المال الذي يبعث به المهاجرون إلى المجلس الشيعي الأعلى، والمعونة المالية التي تقدمها الدولة إلى المجلس)..
وليس فيما قاله الأسعد جديد، وأنشطة الصدر ونفقات مؤسساته كانت تتجاوز مثل هذه المساعدات.. غير أن الأسعد يقترب من الحقيقة بعض الشيء في قوله: (إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا وفي الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج). اهـ.
ولا أعتقد أن الأسعد لا يعلم أبعاد الخطة التي ينفذها الصدر ولا المصادر التي تموله فليبيا نشرت قليلاً عن هذه المساعدات [انظر كتابنا الأول ص454]، ونشرت الصحف بعد اختفاء الصدر شيئًا عن مقدار المساعدات التي قدمتها ليبيا لشيعة لبنان، ناهيكم عن مساعدات منظمة التحرير، وقادة الدولة اللبنانية من الموازنة، وقد نشرت صحف لبنان بعض أخبار هذه المساعدات عندما قام الصدر بتسليم حي النبعة للكتائب.
وقصارى القول لم يقل الأسعد كل ما عنده من معلومات عن الصدر رغم أهمية ما أفضى به.
المبحث الثاني
نظرات في مواقف قادة أمل وتصوراتهم
1- حركة أمل تدعو إلى العلمانية:
قال المحامي نبيه بري: (إن حركة أمل ليست حركة دينية، وميثاق الحركة الذي تمت صياغته في عام 1975م، من قبل 180 مثقفًا لبنانيًا، معظمهم من المسيحيين، يدعو إلى إلغاء النظام الطائفي في البلاد وإلى المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز.
ومؤسس الحركة الإمام موسى الصدر، لم يكف عن تكرار أنه تم تأسيس حركته للدفاع عن الطبقات المحرومة).
ووجهت الصحيفة إلى نبيه بري السؤال التالي: لكن بتأييدك لإقامة نظام حكم متحرر من الطابع الطائفي، ألا تخاطر بمواجهة ثورة من قبل زعمائكم الدينيين؟!
فأجاب: (لا لأنهم لا يستطيعون أن يدعوا أنهم ملكيون أكثر من الملك، أو أنهم مسلمون أكثر من الإمام موسى الصدر .. وعندما ندعو إلى العلمانية فنحن نراعي حساسية المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وهذا لا يعني على سبيل المثال أننا سنفرض الزواج المدني.. ويجب أن يصدر قانون لمنح فرصة للزواج الديني أيضًا لجميع المواطنين..)(1).
وصدق بري فيما نسبه إلى موسى الصدر، قال الأخير في المهرجان الكبير الذي عقد في الأسبوع الأخير من شهر مارس 1975م: (لأننا نريد أن يبقى لبنان طنًا لجميع أبنائه، ولأننا أقسمنا اليمين أربع مرات بألا نهدأ طالما يوجد في لبنان محروم، شيعيًا كان أم غير شيعي، تصرفنا بحكمة ومرونة وحزم ودقة، وما قطعنا طلب الحوار لحظة واحدة ولا سحبنا يد التعاون ولا أغمضنا عين الواقعية خلال هذه المرحلة)(2).
وقد عدت إلى ميثاق أمل الذي وضعه الصدر وغيره من المثقفين فوجدت أنه ورد التأكيد فيه على أن حركة أمل ليست طائفية، ولا تهدف إلا تحقيق مكاسب فئوية، بل هي حركة المحرومين جميعًا .. وجاء الميثاق خاليًا من المعاني الإسلامية التي تدعو إلى وجوب تحكيم شريعة الله في لبنان.
وفي قوله بري [وميثاق الحركة الذي تمت صياغته في عام 1975م، من قبل 180 مثقفًا لبنانيًا، معظمهم من المسيحيين] دليل على أن نصارى لبنان كان لهم دور بارز في تأسيس حركة أمل كما كان لهم دور في تأسيس المجلس الشيعي الأعلى.
ومن جهة أخرى ففي صفوف أمل عناصر كثيرة ليست متدينة وعلى رأسهم أمينها العام نبيه بري، ورغم ذلك فحركة أمل طائفية شيعية، وهي ليست لجميع المحرومين كما زعم الصدر وأعوانه من قادة الحركة .. والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف نجمع بين طائفية الحركة ووجود بعض العلمانيين في قيادتها؟!.
وقد أجبنا على هذا السؤال في موضعين من كتابنا الأول:
الموضع الأول في المبحث الأول من الباب الثالث (أصول لابد من معرفتها).
والموضع الثاني عند حديثي عن بازركان، وقطب زاده، وبني صدر.
وفي نهاية هذا الفصل سأعود إلى الجواب على هذا السؤال بشيء من الإيجاز إن شاء الله.
2- أمل والقضية الفلسطينية:
جاء في ميثاق أمل – أي دستور الحركة -: (6- فلسطين، الأرض المقدسة التي تعرضت، ولما تزل، لكل أنواع الظلم، هي في قلب حركتنا وعقلها، وأن السعي إلى تحريرها أول واجباتنا وأن الوقوف إلى جانب شعبها وصون مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها، خصوصًا أن الصهيونية تشكل الخطر الفعلي والمستقبلي على لبنان، وعلى القيم التي نؤمن بها وعلى الإنسانية جمعاءٍ، وأنها ترى في لبنان – بتعايش الطوائف فيه – تحديًا دائمًا لها ومنافسًا قويًا لكيانها)(1).
وفي السادس من سبتمبر 1975م حدد الصدر أهداف حمل السلاح في قوله الذي نشرته الصحف: (إن على أبناء الطائفة أن يحملوا السلاح في مواجهة ثلاثة احتمالات هي: تصفية المقاومة، التقسيم، واحتلال الجنوب).
وبعد مرور بضعة أشهر على هذا التصريح كان الصدر يهاجم منظمة التحرير ويتهمها بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وفي طليعتها النظام اللبناني، ودعا الأنظمة العربية إلى مواجهة ما أسماه بالخطر الفلسطيني .. ولم يقف عند هذا الحد إنما تجاوزه بكل لؤم وخبث وناصر النظام النصيري ونصارى لبنان ضد المسلمين في لبنان(1).
وبعد قليل من الزمن تناسى الفلسطينيون غدر (أمل) وخيانتها، واعتبروا اختفاء الصدر عام 1978م مؤامرة إسرائيلية ضد زعيم وطني ناصر القضية الفلسطينية .. وراح قادة أمل يضللون الفلسطينيين من جديد، سئل النائب حسين الحسيني أمين عام حركة أمل في 18 فبراير 1980م عن علاقات أمل بمنظمة التحرير فأجاب: (الذين ينظرون إلى أوضاع الجنوب من بعيد، يراهنون على صدام جنوبي – فلسطيني لعدم توفر المعلومات الدقيقة والعميقة عن حقيقة الوضع، فالجنوبي قد أعطى القضية الفلسطينية كل ما عنده، حتى كاد أن يكون العربي الوحيد في كل هذا العالم العربي، وعطاء الجنوبي ينطلق من قناعته وتبنيه للقضية الفلسطينية سواء أكان هناك شعب فلسطيني ومقاومة فلسطينية أولم يكن فالجنوبي يعتقد بوجوب تحرير الأرض الفلسطينية المقدسة كما يعتقد بحتمية زوال إسرائيل، وهذا ما أكدته حركة أمل مرارًا بل أكثر من ذلك فإنه إذا كان في المقاومة الفلسطينية من يعتقد بإمكانية قيان وطن قومي فلسطيني على جزء من أرض فلسطين وهذا ما تسعى المحافل الدولية إليه، فإننا لا نعتقد بصواب هذا الرأي لأن أي صلح مع إسرائيل ومهما تعددت الجهات التي ترضى به، ليس من شأنه أن يبدل وصف الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية وطالما هناك استحالة تبديل الوصف فإن إسرائيل زائلة حتمًا، ولا يلزم العرب المسلمين أي توقيع مهما كانت أهمية الجهة التي توقع)(2).
وعندما أصبح المحامي نبيه بري أمينًا عامًا لحركة أمل ظن الفلسطينيون أنهم حققوا انتصارًا رائعًا في لبنان لأن بري – على حد زعمهم – وطني قومي تقدمي، وكتبوا عشرات المقالات في الثناء عليه والإشادة به، وراح بري من جهته يطلق التصريحات الثورية التي تندد بإسرائيل وعملائها في لبنان وتدعو إلى عمل وطني موحد.
سئل بري عن موقفه من القضية الفلسطينية فأجاب بما يلي: (جاء في الميثاق الأساسي لحركة أمل: على العنصر الذي سينضم لحركة أمل، أن يحفظ الشعب الفلسطيني، وأن يقدس مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يعتبر تحرير الأرض الفلسطينية واجبًا دينيًا وطنيًا عليه)(1).
ومما يجدر ذكره أن هذا التصريح جاء بعد معركة جرت بين حركة أمل ومنظمة فتح وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى.
وعند الاجتياح الإسرائيلي للبنان صنعت منظمة التحرير من بري بطلاً، وكان في طليعة الذين ودعوا ياسر عرفات وزملائه عند مغادرتهم بيروت.
وبعد خروج المنظمة من بيروت بدأ نبيه بري يُعلن عن مواقف أخرى مناقضة للأولى ولم يذكر الأسباب التي دعته إلى تغيير مواقفه من القضية الفلسطينية ومن أصدقائه في منظمة التحرير ومن ذلك قوله:
(إن على القضية الفلسطينية تفهم الواقع الجديد وهم مضطرون اليوم لقبول كل ما يؤدي إلى التصفية النهائية لقضيتهم)(2).
ثم توالت تصريحات بري: فتحرير فلسطين قضية عربية وليست قضية لبنانية، ولا يجوز استخدام الجنوب لهذا الغرض، ومنظمة أمل مسئولة عن حفظ للأمن في الجنوب.
ولا يجوز تسلل الفلسطينيين المقاتلين إلى بيروت أو الجنوب لأنهم من أنصار ياسر عرفات العميل وداعية الاستسلام للعدو الصهيوني، وأصبح عرفات ذريعة لمنع كل فلسطيني مقاتل من العودة إلى بيروت والجنوب ولو كان من المنتسبين لما يسمى بجبهة الإنقاذ.
ومن شاء من الفلسطينيين زيارة أهله وذويه في مخيمات بيروت عليه أن لا يحمل أسلحة، وأن يرتدي ملابس مدنية، ويحصل على تصريح من أمل يسمح له بموجبه في البقاء في العاصمة مدة تتراوح بين يومين وشهر .. ورغم كل القيود التي فرضتها أمل على الفلسطينيين في الجنوب فقد تم منع كبار قادة جبهة الإنقاذ من دخول بيروت أمثال (أبي صالح)، و(أبي موسى) وأحمد جبريل(1).
وكان العدوان على المخيمات وما رافقه من حقد ووحشية آخر مواقف بري وحركته التي تحدثنا عنا في هذا الكتاب.
3- التعاون اليهودي الشيعي:
تعاون الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان حقيقة ثابتة وليس أسطورة: اخترعها خصوم الرافضة.
لقد تحدثت الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية عن هذا التعاون، ولمسه المسلمون والنصارى في الجنوب لمس اليد، واعترف به الطوفان: الشيعي واليهودي. اعترف به اليهود عبر أجهزة الإعلام، واعترف به الشيعة من خلال تبادل الاتهامات فيما بينهم.
فزعيم منظمة أمل الإسلامية حسين الموسوي اتهم حركة أمل – بري – بالتعاون مع العدو الصهيوني، في خطاب ألقاه في يوم القدس في بعلبك يوم 19 يوليو 1982م(2).
وسئل نبيه بري عن الجيش الشيعي الذي أنشأه اليهود في الجنوب فأجاب: (محاولات إنشاء جيوش .. وخاصة [الجيش الشيعي] الذي هو أبعد ما يكون عن الإسلام والشيعة تحت ذريعة وجود القوات اللبنانية).
وسئل عن موقف حركته من هذا الجيش فأجاب: (سنقاوم ما يسمى بالجيش الشيعي وسنقاوم كل محاولة لإقامة كانتونات طائفية أو دويلات)(3).
والصحيفة التي أجرت لقاءً مع بري كانت تعلم بأن الجيش الشيعي الجنوبي فصيلة من فصائل أمل كما صرح بذلك حسين الموسوي، وما كانت الصحيفة تنتظر من بري الاعتراف بتعاون حركته مع العدو الصهيوني، ولكنها أرادت تسليط الأضواء على المشكلة من كافة جوانبها .. وحسبنا هنا أن نبيه بري وحسين الموسوي لم ينكرا تعاون العدو الصهيوني مع الشيعة في الجنوب .. وإذا كان هذا التعاون قديمًا فسوف نذكر فيما يلي شواهد جرت بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982م.
- نشرت مجلة (الأيكونومست) البريطانية في عددها الصادر في نهاية الشهر السابع من عام 1982م أن 2000 مقاتل من عناصر أمل الشيعية انضمت من قوات مليشيا سعد حداد، وتوقعت المجلة أن ينضم عدد أكبر منهم إلى الحرس الوطني) الذي ترعاه إسرائيل في جنوب لبنان.
- وقالت وكالة رويترز في تقرير لها من النبطية في 1 يوليو 1982م أن القوات الصهيونية.، التي احتلت البلدة سمحت لمنظمة أمل بأن تحتفظ المليشيات الخاصة التابعة لها، وبحمل جميع ما لديها من أسلحة.
وصرح أحد قادة مليشيا منظمة أمل ويدعى حسن مصطفى أن هذه الأسلحة ستستخدم في الدفاع عنا ضد الفلسطينيين.
وبعد أن أعلنت إسرائيل عن عزمها على الانسحاب من لبنان ضاعفت منظمة أمل من مطاردتها للقوات الفلسطينية في بيروت الغربية والجنوبية وفي جنوب لبنان، وكانت ادعاءات إسرائيل ضد منظمة التحرير تشبه ادعاءات أمل فهل تتم مثل هذه الأمور بشكل عفوي بين الطرفين؟!.
- تجيبنا على هذا السؤال صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ 23 مايو 1985م: (إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة خالية من أي هجمات ضد إسرائيل.
إن إسرائيل ترددت حتى الآن في تسليم أمل مهمة الحفاظ على الأمن والقانون على الحدود بين فلسطين ولبنان، وإن الوقت حان لأن تعهد إسرائيل إلى أمل بهذه المهمة).
كما يجيبنا على هذا السؤال رئيس الاستخبارات العسكرية اليهودية – أهود براك – حيث يقول: (إنه على ثقة تامة من أن [أمل] ستكون الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، وأنها ستمنع رجال المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد الأهداف الإسرائيلية)(1).
- ويجيبنا على السؤال أيضًا وزير الخارجية السويدي [بيير أوبيرت] الذي أكد في جنيف في24 يونيو 1985م أنه نقل رسالة من رئيس حركة أمل نبيه بري إلى القيادة الإسرائيلية.
ونسبت وكالة الأنباء الكويتية [لأوبيرت] قوله للصحفيين: إن تبادل الرسائل بين رئيس حركة أمل والقادة الإسرائيليين جرى يوم الجمعة الماضي – أي في 21 يونيو – إلا أنه رفض إعطاء تفاصيل أخرى(1).
- ونختم حديثنا عن التعاون بين العدو الصهيوني وحركة أمل بنقل فقرات من المقابلة التي أجرتها مجلة الأسبوع العربي في عددها 24 أكتوبر 1983م مع [حيدر الدايخ] أحد قادة حركة أمل في الجنوب.
قالت المجلة: وصلنا إلى معسكر حيدر الرايخ الذي أقيم عند مدخله حاجز كان يوقف السيارات ويدقق في الهويات، وكانت عناصره ترتدي الثياب العسكرية وتحمل أسلحة [الكلاشنكوف]، بعضهم لم يتجاوز العشرين من عمره، وبعضهم الآخر أطلق لحيته، فأدركت عندئذٍ أن هذه العناصر هي من أفراد الجيش الشيعي وأن إسرائيل هي التي تدربهم خصوصًا عندما شاهدت على بعد أمتار قليلة من المركز الذي نصبت فيه ست خيمات، [فيللا] فخمة يتمركز فيها الإسرائيليون بعد أن اتخذوها مقرًا لهم، وكان أحد الإسرائيليين بين الحين والآخر يرفع منظاره إلى عينيه ويحدق في الوجوه الباردة بفعل الأمطار المتساقطة، وإلى الجنوب معسكرًا آخر تابع للقوات الفرنسية كان أحد أفرادها هو الآخر يراقب بمنظاره جماعة [الدايخ] والإسرائيليين.
اقتربنا من حيدر الدايخ، إنه شاب أشقر لم يتجاوز الأربعين من عمره يلبس الثياب العسكرية، ويضع في وسطه المزنر بالرصاص مسدسًا.
ويصف الصحفي [جوزف فرج] ثكنة الجيش الشيعي فيقول: (وفي وسطها رفع العلم اللبناني، بينما كان أحد العناصر يقوم بإصلاح إحدى السيارات العسكرية الموجودة في الثكنة إلى جانب عدد آخر منها، وقد كتب على إحداها قوات كربلاء، وسألنا حيدر عن سبب التسمية فقال: موقعة كربلاء لها مدلولات كثيرة بنظري. هي مأساة الإمام الحسين الذي اشتهر بمحاربة الظلم، ونحن نحارب الظلم، برأيي أن لبنان كله يمر بكربلاء حاليًا، لأن موقف لبنان مثل موقف الحسين بكربلاء، أعداء الإمام كثيرين والأصدقاء تخلوا عنه، هكذا لبنان، لذلك نسترشد بالإمام الحسين ونمشي على خطاه.
وسأل الصحفي خليل عيساوي – أحد عساكر الدايخ – عن سبب حمله السلاح، فأجاب: (إن سبب حملي السلاح يعود إلى المخاطر التي تتعرض لها الطائفة الشيعية وإلى التفتت الذي قد يعترضها في المستقبل).
وسأل الصحفي قائد الثكنة [حيدر الدايخ]: هل تعتبر أن تسميتكم الجيش الشيعي تعود إلى أن عناصركم هي من الطائفة الشيعية؟!.
الدايخ: نحن في منطقة شيعية، وجميع عناصري (أولاد الجنوب اللبناني) هم من الطائفة الشيعية، لكن هذا لا يعني أننا طائفيون، بل ليس لدينا أي بعد أو تفكير طائفي، يا أخي، إذا كنا شيعة، ماذا نفعل هل نغير هويتنا، هل نغير طائفتنا كي نرضي بعض الناس؟ نحن لا يمكن أن نتخلى عن هذه الهوية ولا يمكن أن ننكر بأننا إسلام.
الأسبوع العربي: ما رأيك بالتعليقات السياسية التي صدرت وتندد بإنشاء الجيش الشيعي في الجنوب؟!.
الدايخ: أولاً نحن (مش قد السياسيين) ولا نعمل في السياسة، ولا نهتم بما يقال عنا من السياسيين، والتاريخ اللبناني سيحاسب وأعتقد أن حساب هؤلاء السياسيين سيكون عسيرًا لأنهم هم الذين أوصلونا إلى هذه الحالة المتردية، وليس الشعب اللبناني، واتفاقية القاهرة التي بموجبها منح الفلسطينيون أرضًا لبنانية من وقعها؟! إنهم هؤلاء السياسيون وليس أولاد الجنوب والشمال أو أولاد بيروت.
إذن لنترك التاريخ يحاسب الناس التي أخطأت بحق لبنان.
ويؤكد الدايخ مرة أخرى فيقول: (كل الناس تعلم والحكومة أيضًا بأننا نحمل السلاح منذ بداية الأحداث وخضنا المعارك ضد الإرهاب الفلسطيني وضد التجاوزات التي كانت تحصل في الجنوب).
ويثني على إسرائيل فيقول: (.. كنا نحمل السلاح قبل دخول إسرائيل إلى الجنوب، ومع ذلك فإنها فتحت لنا يدها وأحبت أن تساعدنا، فقامت باقتلاع الإرهاب الفلسطيني من الجنوب وغيره ولن نستطيع أن نرد لها الجميل ولن نطلب منها أي شيء لكي لا نكون عبئًا عليها).
وعن الرائد سعد حداد قال: (أحب أن أقول بأن الرائد سعد حداد هو إنسان لبناني يحمل الهوية اللبنانية ونكن له كل احترام وتقدير [ويا ريت كل الرواد في الجيش اللبناني مثل الرائد حداد] لأنهم لو عملوا عمل حداد لما كان بقى غريب على أرض لبنان. وأتساءل هل يعتبر عميلاً الإنسان الذي يحمي بلده، إذا كان هذا هو مفهوم العمالة فإنني أول عميل من أجل حماية وطني، العمالة تكون لأولئك الذين باعوا وطنهم للغرباء).
الأسبوع العربي: كيف تصف العلاقة بينكم وبين حركة أمل الشيعية؟!
الدايخ: أنا كشيعي، أؤمن بأن حركة أمل هي الممثل الوحيد للطائفة الشيعية، وأؤمن بأن توجهات حركة أمل ليست توجهات طائفية. لأن الإمام موسى الصدر الذي أنشأها كان ينصر المحرومين، جميع المحرومين، وعلى أية حال، حركة أمل ليست حاجة إلى شهادة حسن سلوك من حيدر الدايخ أو غيره، إنما كشيعي أحاول أن أعبر عن رأيي في حركة أمل التي لها ظروفها في أن تقف المواقف التي تقفها حاليًا، ولكن عتبي على بعض المسئولين فيها الذين يصفوننا بأننا أناس عاطلون عن العمل، هوايتنا حمل السلاح والتعاون مع إسرائيل وخلق فتنة في الجنوب، وإنني آسف أن يكونوا نسوا ما فعله هؤلاء الشبان وحيدر الدايخ بالذات من أجل حركة (أمل) وهذا ليس بمنة لأننا أولاد طائفة واحدة وعلينا أن نساعد بعضنا البعض ونحترم بعضنا البعض، والأيام ستعطي كل إنسان حقه، علمًا بأن كل شبابي هم من حركة (أمل)، يجب أن تتوقف هذه المهاترات، ساعة يقولون عنا أننا مرتزقة أو منشقون عن (أمل) أو جيش شيعي، المهم قناعتنا التي لن تتغير نحن أولاد الجنوب الذين يدافعون عن وطنهم وحياتهم وأرزاقهم وإيماننا بأرضنا ووطننا ورئيسنا.
الأسبوع العربي: ما رأيك كانتون شيعي في الجنوب؟!
الدايخ: نحن كأولاد الجنوب لا نرضى عن الدولة بديلاً وشعارنا رفع الظلم والحرمان عن المواطنين، ونرفض أي كانتون على الأرض اللبنانية، إن كان شيعيًا أو درزيًا أو مارونيًا. انتهت الأقوال التي اخترناها من المقابلة الصحفية مع قائد الجيش الشيعي حيدر الدايخ.
وأول ما يلفت النظر ما زعمه (الدايخ) عن إقتدائه بالحسين t الذي اشتهر بمحاربة الظلم .. ثم يشن هجومًا شديدًا على الفلسطينيين في عدة مواضع من المقابلة في الوقت نفسه الذي يطنب في الثناء على سعد حداد وعلى القوات الإسرائيلية .. إن الحسين t بريء من هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادًا.
نعم إن ابن بنت رسول الله r بريء من هؤلاء العملاء المجرمين الذين يوالون أعداء الله اليهود.
ومن جهة أخرى فأقوال الدايخ لا تتعارض مع تصريحات بري وغيره من قادة أمل، فهو يزعم أن جيشه ليس شيعيًا، وأنهم ليسوا من دعاة الطائفية والكانتونات.. ويسعون من أجل عودة الشرعية وسعادة المحرومين والبائسين.
وعندما سئل المجرم دايخ عن أعداد أفراده أجاب بأن عدد النظاميين سيصبح 500 بعد انتهاء مدة الدورة .. وقال أيضًا: الجنوب كله سيهب إلى مناصرتنا إذا تعرضنا لأي مشكلة أمنية.
ومن جهة ثالثة فيقول الدايخ بكل وضوح وصراحة: إن كل شبابي هم من حركة أمل.
* * *
وإذن: لقد ثبت لكل منصف بعد هذه الشواهد التي عرضتها أن شيعة الجنوب وحركة أمل بالذات متورطون مع العدو الصهيوني، وليس في ذلك غرابة لأن تاريخهم يعيد نفسه.
4- أضواء على شخصية نبيه بري:
أصبح نبيه بري – فجأة – من أبرز الذين يصنعون القرار في لبنان المنكوب، واستحوذ أمين عام حركة أمل على اهتمام أجهزة الإعلام المحلية والعالمية.
فكيف أصبح بري زعيمًا لشيعة لبنان مع أنه ليس عالمًا كبيرًا من علمائهم ولا آية من آياتهم الصغرى أو الكبرى، كما أنه ليس نائبًا من نواب الشيعة أو ابن عائلة مشهورة، وفوق هذا وذاك فليس بري من القادة العسكريين الذين اكتووا بنار الحرب الطائفية في لبنان. لقد ولد في (سيراليون)، وعاش معظم سني عمره بعد تخرجه من الجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن (ديترويت) جاء أو جيء به ليكون الرجل الأول في لبنان.
لقد اطلعت على معظم ما كتبته الصحف ووكالات الأنباء عن شخصية نبيه بري، فزادني هذا الإطلاع شكًا به، وارتيابًا من الدور الذي يؤديه أن الدور المطلوب منه أن ينفذه، وكان الصحفيون المطلعون على كثير من خفايا الأمور يكتبون عن سيرة الرجل لكنهم يعترفون بأن شيئًا من الغموض يكتنف حياته .. وسوف أنقل فيما يلي تقريرًا كتبه الصحفي إبراهيم البرجاوي في مجلة التضامن الصادرة في لندن، وقد وجدت هذا التقرير من أوفى وأدق ما كتب عن بري.
يقول البرجاوي: (.. بري كغيره من شباب الشيعة بدأ في فترة شبابه الأولى يتطلع نحو الأحزاب العقائدية اليسارية التي استطاعت في الخمسينات والستينات استقطاب الطائفة الشيعية لما رفعت من شعارات تحقق تطلعات هذه الطائفة التي عاشت شظف الحرمان من التعليم والمراكز العليا في الدولة وحصر أبنائها في الأعمال اليدوية المضنية في المدن كعمال أو في القرى كمزارعين لأرض قاسية جرداء على الرغم من توافر خيرات المياه المجاورة التي لا تصلها إلا بمشاريع ري لم يرصد لها حكام البلاد الأموال اللازمة.
ومن قريته [تبنين] جاء نبيه بري مع عائلته إلى بيروت وتلقى في مدارسها العلم، وفي الصفوف الثانوية شده الأستاذ [إنعام الجندي] معلم اللغة العربية كما شد كثيرين غيره إلى مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي فانضوى تحت لوائه، وعرف فيه زملاءه الحزبيون منذ كان مناصرًا للحزب حماسته وشجاعته واقتحامه حلقات الحوار ما بين البعثيين والشيوعيين، أو البعثيين والسورييين القوميين والاجتماعيين، أو البعثيين وحزب التحرير الإسلامي، أو البعثيين وحركة القوميين العرب، التي كانت تصدر نشرة [الثأر] ويتزعمها جورج حبش، ووديع حداد ومحسن إبراهيم، ومحمد كشلى. وهذه الأحزاب كانت هي الوحيدة التي تستقطب الشبان المسلمين في الخمسينات والستينات.
وكما في المناقشة، كان بري أيضًا في التظاهرة دائمًا في المقدمة يحب المواجهة ويتنطح للواجهة ويعشق الخطابة وهو فيها مميز وإن كان ذلك على حساب لغة سيبوبه. وفسر ذلك زملاءه ورفاقه بالحماسة.
وعلى هذا الأساس دعموه وعاضدوه ورشحوه رئيسًَا لاتحاد الطلاب الجامعيين ضد جميع ممثلي الأحزاب وذلك بعدما استطاع أن يفوز برئاسة لجنة طلاب الحقوق في الجامعة، وكان انتصاره انتصارًا للبعث والخط القومي إجمالاً ونكسة لليساريين واليمنيين ومنهم الشيوعيون والكتائبيون.
تخرج نبيه بري محاميًا وانكفأت أخباره وتردد أن حماسه قل بعدما واجه الحياة العملية مما أدى إلى ابتعاده عن النشاطات الحزبية والسياسية ثم قيل أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد إلى [ديترويت]، حيث تنزل جالية شيعية لبنانية كبيرة [حوالي 70 ألفًا] تعمل في شركات صناعة السيارات وهناك تعرف إلى فتاة لبنانية شيعية كانت قد حصلت على الجنسية الأمريكية بحكم طول إقامة عائلتها الثرية في البلاد وتزوج منها وأنجب ثلاثة أولاد، وبفعل هذا الزواج استطاع المحامي الشاب تكوين ثروة لا بأس بها يشاع حسب مصادر صحافية أمريكية رددتها مجلة [النهار العربي والدولي] اللبنانية أنها مكونة من بعض المحطات لبيع البنزين.
ولما ترسخت زعامة بري على [أمل] وأصبح بحكمها أحد أعمدة السياسيين في لبنان، اضطر إلى تغيير إقامته ونقلها إلى ببيروت، وخالفته زوجته في ذلك فطلقها، ثم تزوج كريمة صاحب [دار الآداب للنشر] وهي من عائلة عاصي وأنجب أول أولاده منها بنتًا عمد إلى تسميتها [ميس] نسبة إلى بلدة [ميس الجبل] المجاورة لمسقط رأسه في بلدة [تنين]. ولكن نبيه بري كان يتردد دائمًا على بيروت، وعرف في وقت ما أنه كان مقربًُا من الرئيس كامل الأسعد الزعيم الشيعي الجنوبي المعروف نجل الزعيم الإقطاعي أحمد الأسعد، ثم كانت علاقة أعجب بالإمام موسى الصدر وقد تعود بري على مناداته بعبارة [مولانا] حتى أصبح ترديد هذه العبارة أثناء حديث بري مع أي كان عادة يأخذها عليه بعض منتقديه من أصدقائه.
ولاقى هذا الإعجاب عند الإمام الصدر تجاوبًا لما يتحلى به هذا الشاب من إقدام وحماسة وجرأة قد تصل أحيانًا إلى حد الوقاحة بالنسبة إلى خصومه، وقرب الإمام بري منه وضمه إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ثم إلى حركة (أمل)، وأصبح بري كظل الإمام لا يفارقه أبدًا.
وفي الحركة استطاع أن يكوكب حوله شبانًا مراهقين يشاركونه حماسته، وأعجبوا بقوة شخصيته.
ولاحظ أثرياء الشيعة من المغتربين هذه الصفات القيادية لدى المحامي الشاب فتقربوا منه، وكثرت دعواتهم له لزيارتهم في بلدان الاغتراب، وأملوا فيه تحقيق مصالحهم ومصالح الطائفة الشيعية والدفاع عنها، وما لاحظه هؤلاء لاحظه أيضًا الحكم اللبناني وأجهزته والمقاومة الفلسطينية وقيادتها والسوريون ومخابراتهم، وبدأ كل طرف من الأطراف الأربعة محاولة جذبه إليه.
وما بين هذه الأطراف الأربعة استطاع نبيه بري إتقان اللعب على الحبال فنال رضاها كلها مما حقق أحلامه في الزعامة والقيادة وهو على قناعة بأنه في ذلك إنما يخدم طائفته وخطه القومي ووطنه(1).
وتبوأ بري قيادة [أملٍ] وكل طرف من الأطراف الأربعة يظنه له، وأغدقوا جميعًا عليه السلاح والدعم حتى قويت حركته وزعامته لها، وبدأ خلافه في بادئ الأمر مع الفلسطينيين، فقيل إنه على حق لأن تجاوزات بعضهم لا تحتمل، ولكن الفلسطينيين اتهموه بأنه (عميل) للمكتب الثاني اللبناني [جهاز المخابرات].
وفي الاجتياح الإسرائيلي حارب نبيه بري إسرائيل في بيروت وضواحيها، ولم يهاجمها في الجنوب، ووقف إلى جانب السوريين في كثير من المواقف كما عارضهم في كثير من المواقف(2) حتى أنه رفض الانضمام إلى جبهة الإنقاذ التي ألفتها سوريا من جنبلاط وفرنجية وكرامي لمحاربة الاتفاق مع إسرائيل المعروف باتفاق 17 أيار بل أكثر من ذلك زار الرئيس أمين الجميل في القصر الجمهوري وقال إن المعارضة يجب ألا تكون من خارج الحدود بل من داخل النظام.
وقيل إنه لم يكن معارضًا متحمسًا للاتفاق مع إسرائيل، وقيل أيضًا أنه وسط الرئيس صائب سلام حتى يقنع الرئيس الجميل بإشراكه في الحكم.
وقيل الكثير عن تقلبات تحالفاته السياسية وهو يفسر ذلك بأنه كان دائمًَا يبحث عن مصلحة طائفته، ثم بلاده، ولكنه كان دائمًا يحفظ خط الرجعة مع الجميع، ولا يقطع شعرة معاوية نهائيًا مع أحد، وتردد أنه على الرغم من علاقاته مع المقاومة الفلسطينية كان أحد القلائل الذين نالوا مساعدة مادية كبيرة من هذه المقاومة عندما ودع ياسر عرفات عند باخرة الترحيل في بيروت، وسياسته هذه بحفظ خط الرجعة كان أكثر ما يحرث علها في نهجه مع سوريا إلى أن وصل ليكون رجل سوريا الأول. وفي هذا استفاد كثيرًا عندما قطف ثمار انتفاضة السادس من شباط والتي لو لم يضرب جيش أمين الجميل الضاحية الجنوبية، لما قامت أو كانت). انتهى ما اخترناه من تقرير إبراهيم البرجاوي الذي نشرته التضامن في عددها الصادر بتاريخ 20 يوليو 1985م.
وكتبت الصحف والمجلات العربية كاملاً مماثًلا لما جاء في هذا التقرير ومن جهة ثانية فإن ممارسات بري على الساحة اللبنانية تؤكد صحة هذه المعلومات، وهو بعد ذلك لا يخفى أنه غير متدين، ومعظم الباطنيين كذلك وعلى كل حال هذه المعلومات – رغم خطورتها – لا تساوي شيئًا أمام المعلومات التي ذكرناها في هذا الفصل – وفي الفصول السابقة – من هذا الكتاب عنه وعنه حركته (أمل).
5- أمل على خطي الكتائب:
سلك قادة (أمل) الطريق نفسه الذي سلكه الكتائبيون قبل بداية الحرب اللبنانية وخلالها عندما سيطروا على مليشيات النصارى كلها بعد عدة معارك مع قوات فرنجي وقوات شمعون، ثم تحالفوا مع إسرائيل من جهة والنظام النصيري في دمشق من جهة أخرى، وسيطروا على مقاليد الأمور في لبنان – على المستوى الرسمي على الأقل -.
وقطع قادة (أمل) مسافة شاسعة في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والمفاجآت، وسوف أذكر على سبيل المثال لا الحصر أشهر المعارك التي خاضتها حركة أمل من أجل السيطرة على الساحة الإسلامية في لبنان:
- تم تصفية عشرات الشباب الشيعة لأنهم رفضوا التخلي عن انتماءاتهم الحزبية المناهضة للطائفة.
- اشتبكت حركة أمل مع حزب البعث العربي الاشتراكي المؤيد للعراق في منطقة الشياح في 23 أبريل 1980م وفي 8 مايو 1980م.
وسقط في هذه المعارك عدد كبيرة من القتلى والجرحى، واستخدام الطرفان كافة أنواع الأسلحة.
- في 13 أبريل من عام 1980م اجتاحت قوات أمل الشيعية اثنتا عشرة قرية في الجنوب اللبناني، وخاضت معارك شرسة مع وحدات من الحزب الشيوعي، ووحدة من حزب البعث المؤيد للعراق، ووحدة من الاتحاد الاشتراكي العربي المؤيد لليبيا .. وفي الوقت نفسه هاجمت (أمل) منظمات حزبية يسارية ووطنية في بيروت، وحاولت استدراج الفلسطينيين لكن رئيس المنظمة ياسر عرفات ظل محايدًا، وسقط في هذه المعارك عدد غير قليل من القتلى والجرحى، ووقف المجلس الشيعي الأعلى إلى جانب أمل حيث صدر القتلى والجرحى، ووقف المجلس الشيعي الأعلى إلى جانب أمل حيث صدر بيان باسم نائب رئيس المجلس محمد مهدي شمس الدين يديه في منظمة التحرير والحركات اليسارية والوطنية لأنها اعتدت على طائفته على حد زعمه.
- هاجمت قوات حركة (أمل)، والقوات الدرزية – أي ما يسمى بالحزب التقدمي الاشتراكي – بيروت الغربية في أواخر عام 1983م، وقامت بتصفية تنظيم (المرابطون)، وتنظيم (كمال شاتيلا) الناصري، ونشرت القوات الدرزية والشيعية الذعر في سائر أنحاء بيروت الغربية.
- في عام 1983م وقعت معركة طاحنة بين قوات (أمل) والجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية، وقد أسفر عن هذه المعركة خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وانضم اللواء السادس الشيعي إلى قوات أمل.
- أما معارك (أمل) مع قوات منظمة التحرير فكانت لا تنقطع في الجنوب وبيروت والبقاع، وقد توجت هذه المعارك بمجزرة المخيمات التي تحدثنا عنها في الفصول السابقة.
- خاضت حركة (أمل) معارك متعددة مع القوات الدرزية – الحزب التقدمي الاشتراكي – وكان آخر هذه المعارك (معركة الأعلام) في بيروت الغريبة التي كادت تتحول إلى كارثة لولا الضغوط التي مارستها سوريا على الطرفين.
وقصارى القول: فقد حاربت (أمل) جميع الأحزاب والحركات في لبنان، وأصبحت عدوة للجميع .. أما نبيه بري فقد أصبح زعيمًا لبنانيًا مرموقًا، ولكن هل نجح في السيطرة على الساحة الإسلامية، كما سيطر بشير الجميل على الساحة الصليبية؟!
وهل أصبح الناطق الرسمي باسم جميع المسلمين في لبنان؟!
لقد نجح بري بالتعاون مع سوريا النصيرية ومع الدروز في توجيه أشرس الضربات للمسلمين السنة، ومع ذلك فقد فشل في تحقيق حلمه الذي يحلم به أعني أن يكون ناطقًا رسميًا باسم جميع المسلمين، وحتى دمشق لا تقبل بهذا فهي تتعامل معه ومعه جنبلاط ولا تزال المخيمات وبيروت الغربية والدروز وصيدا سدودًَا في وجه بري وطموحاته، ولا ندري إن كان مصيره سيكون كمصير بشير الجميل؟!
المبحث الثالث
صراع مراكز القوى
أولاً – أطراف الصراع:
الصراع بين مراكز القوى داخل كل طائفة في لبنان ليس مستغربًا، ذلك لأن مصالح السياسيين تختلف باختلاف اتجاهاتهم وأهواءهم ..
والعقلية التي يفكر بها القادة السياسيون تتعارض مع العقلية التي يفكر بها رجال الدين .. وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة – وبشكل أخص بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م – عن صراع مراكز القوى داخل الطائفة الشيعية، وسارعت الصحف والمجلات ووكالات الأنباء إلى نشر ما يعرفون عن أسرار هذا الخلافات، كما سارع الصحفيون إلى إجراء مقابلات مع زعماء هذه الأطراف المتصارعة، وتحدث قادة هذه الأطراف عن أسباب خلافاتهم مع الآخرين، وسوف أعرض فيما يلي أهم هذه الأطراف والاتجاهات:
1- حلفاء الموازنة:
1- في أوائل تشرين الأول من عام 1983م وقعت معركة بين الجيش اللبناني وحركة (أمل) في الضاحية الجنوبية، وتحدثت صحيفة (العمل) الناطقة باسم حزب الكتائب عن خلاف حاد بين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ورئيس مجلس قيادة حركة (أمل) المحامي نبيه بري، ونقلت الصحيفة عن رئيس جمعية علماء الدين الشيعية، وعضو الهيئة الشرعية العامة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ أحمد شوقي الأمين قوله:
(إذا كان موضوع المهجرين موضوعًا ذا أهمية يستحق كل عناية وإعطاءه قدرًا كبيرًا من الاهتمام والدراسة بالنسبة إلى حساسيته وخطورته، فقد أوليناه بالغ توجهنا وكذلك فعل فريق كبير من رجال الحكم والدين والسياسة والقانون، حيث طالبنا مرات عديدة بإعطائه الأولوية ووضع الدراسات الجادة والحلول المناسبة والملائمة لوضع المهجرين الصعب. كما طالبنا بحل هذا الموضوع حلاً سياسيًا وإنسانيًا حتى ولو اقتضى الأمر سن تشريع جديد له.
وأضاف: وبالطبع فإننا لا نرضى أن يكون هذا الموضوع الإنساني والوطني غطاء للمزايدات السياسية ولاتخاذ المواقف التجارية التي تتلاعب بعواطف الناس وأرزاقهم وأرواحهم لجني مكاسب وهمية وصفقات مالية على حساب الوطن والمواطنين.
وحسبنا هذه السنون العديدة التي خسرنا فيها كل شيء. وقد آن الأوان لنا أن نبدأ مسيرة الإنقاذ، مسيرة التعويض عما فات لبناء المواطن والوطن على أسس سليمة ومواقف أخلاقية مسئولة.
وقال العلامة الأمين: أما التعرض للجيش من قبل بعض الفئات وضرب المؤسسات الرسمية، فهو موقف غير مسئول ويقتضي شجبه سواء كانت دوافعه وخلفياته مشبوهة، وإنها لكذلك، أو كانت كما يدعي المحرضون مجرد رد فعل، لأنها في كلتا الحالتين تصب في خانة عرقلة الجهود المبذولة لتحرير الوطن وتوحيد الطاقات، ودعم المؤسسة العسكرية كمواقف صلبة لإعادة بناء المؤسسات)(1).
ومن زعماء الشيعية وأحزابهم الذين صدرت عنهم بيانات ضد أمل (نبيه بري) في هذه المناسبة وغيرها من المناسبات:
- رئيس المجلس النيابي السابق وزعيم ما يسمى بالحزب الديموقراطي الاشتراكي (كامل الأسعد) الذي كان يعد من أبرز خصوم ورئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر.
- النائب (كاظم الخليل) أحد أعمدة حزب كميل شمعون، وكان وزيرًا سابقًا وله نفوذ واسع في الجنوب وبشكل أخص في أوساط الشيعة، وطروحاته لا تختلف عن طروحات زعماء الموازنة.
- العائلات الإقطاعية المشهورة أمثال: آل عسيران، وآل الأسعد، وآل الزين، وآل حمادة.
- حركة (أمل) في الجنوب اللبناني، التي أُطلق عليها (الجيش الشيعي) والتي كانت تتعاون مع العدو الصهيوني وجيش سعد حداد، وتتعاطف مع كاظم الخليل، وقد تحدثنا عنها في الصفحات الماضية من هذا البحث.
2- رجال الدين الرسميون:
ويمثلهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والشيخ عبد الأمير قبلان المفتي الجعفري الممتاز.
وهما طرفان في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في دار الفتوى، والذي يضم السنة والشيعة والدروز، وكان أول لقاء لزعماء هذه الطوائف قد تم في نهاية عام 1983م، وأجرت مجلة المستقبل – في عددها الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 1983م – لقاءً مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وجهت إليه أسئلة كثيرة كان منها هذا السؤال:
المستقبل: سبق أن صدر عن مؤتمركم الإسلامي الذي عقدتموه في دار الفتوى ما سمي (بثوابت) المواقف الإسلامي. ولكن حتى الآن فإن هذا الموقف بثوابته لم يُعطِ الفعالية المطلوبة بالتأثير على مجرى التطورات؟!
شمس الدين: هذه الثوابت أوجدت حقيقة سياسية إسلامية كانت مفقودة، لم يكن هناك قبلها موقف إسلامي بل كان ثمة موقف لهذا السياسي أو ذاك أو موقف لهذه الطائفة أو تلك.
وأول إنجاز لهذا العمل أنه أوجد هذه الرؤيا التي حظيت باستجابة واسعة وعميقة في صفوف المسلمين جميعًا الشيعة والسنة. هذا الموقف لا أزال أوافق على أنه لم يغير حتى الآن شيئًا على الأرض، ولكنه غير بالتأكيد عناصر المواجهة السياسية على الأرض وأوجد حالة سياسية تجعل أي عمل وأي إجراء تحت أي شعار يهدد وحدة لبنان موضع الاتهام وموضع الحذر من المسلمين وتحملهم للوقوف في وجهه.
هذا الموقف الإسلامي القائم على (الثوابت) أوجد لأول مرة خطًا سياسيًا إسلاميًا يتجاوز الحالة الطائفية للمسلمين.. هذا الموقف ينمو الآن وستنشأ مؤسساته وأدواته التعبيرية ليكون قوة أساسية في تغيير المعادلات وفي صنع مصير لبنان لا باتجاه طائفي إسلامي وإنما باتجاه وطني بتجاوز الحالات الطائفية. وحينما قلت إن هناك فرصًا وآمالاً لإنقاذ الوضع ففي الحقيقة إن أحد أكبر المرتكزات هذا الموقف الإسلامي) اهـ.
ونشرت صحيفة القبس في عددها بتاريخ 7 فبراير 1983م ما يلي: (نقل راديو [صوت لبنان الكتائبي] أن المكتب الخاص لنائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى أعلن أنه منذر شهر إبريل الماضي لم تعد للقيادة الحالية لحركة أمل أي علاقة مع سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. وقد أبلغت القيادة الحالية لحركة أمل بهذا القرار في حينه.
ورد بيان باسم رئيس مجلس قيادة حركة أمل المحامي نبيه بري بأن شرعية الحركة مستمدة من جماهيرها ومنهجية قائدها الإمام موسى الصدر وأن توجهات الحركة تصب في تحرير الوطن واستعادة سيادته مهيبة بالجميع في الظروف الراهنة الابتعاد عن الدخول في المشاحنات الخاصة).
وجملة القول: فتصريحات شمس الدين تختلف عن التصريحات الصادرة عن نبيه بري، فالأول ينطلق من شرعية النظام، وما أسماه ثوابت المؤتمر الإسلامي، ويزعم أنه ضد الهيمنة الطائفية وضد العنف والإرهاب، أما نبيه بري فيتظاهر بعداوته للموازنة، ويزعم أن حركته علمانية وطنية وليست دينية طائفية، ويمارس أبشع أنواع العنف والإرهاب، وله صلات وثيقة جدًا مع النظام النصيري في دمشق، أما شمس الدين فليس له مثل هذه الصلات ولا تصدر عنه تصريحات ضد سوريا أسد.
3- الحركات الموالية لإيران:
من أشهر هذه الحركات: حزب الله، وحركة (أمل) الإسلامية التي انشقت عن (أمل) نبيه بري.
وأبرز زعماء هذه الحركات: محمد حسين فضل الله، وصبحي الطفيلي، وحسن نصر الله، وإبراهيم أمين، وحسن نصر الله.
ويعد محمد حسين فضل الله الزعيم الروحي لهذه الحركات ويوصف بأنه خميني لبنان، أما إبراهيم أمين فهو المسئول السياسي في حزب الله، وحسين الموسوي زعيم أمل الإسلامية، وصبحي الطفيلي هو مرشد حزب الله في البقاع.
ولا أدري لماذا لا يتم دمج الحركتين في حركة واحدة لأنه لا خلاف بينهما ويبدو أن حزب الله أُعِدَ ليكون فخًا لأهل السنة من اللبنانيين والفلسطينيين، فظاهره جهاد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وحقيقته احتواء من يخدعون شعارات الرافضة، أما (أمل) الإسلامية فهي خاصة بالشيعة.
ويعلن قادة هاتين الحركتين أنهم دعاة إلى حركة إسلامية عالمية ينتزعها إمامهم الخميني في طهران ولا يهمهم لبنان إلا من خلال اهتماماتهم الإسلامية ككل.
والمصادر المصرفية اللبنانية تقول: إن إيران قدمت عام 1985م لهذه التنظيمات عبر مؤسسة أبناء الشهداء [30 مليون دولار] وهناك مساعدات يقدمها نظام خميني عبر المجلس الثوري للشيعة الدولية الذي يتبنى تمويل وتوجيه الحركات المؤيدة لإيران في العالم.
ومر معنا في الفصل السابق قول الشيخ سعيد شعبان: (وفي حزب الله مثلاً في بيروت يوجد سنة وشيعة، ونحن نعتبر حزب الله جزءًا منا، وأكبر دليل على ذلك أننا كنا في وفد واحد في مفاوضات دمشق .. كان هنالك حزب الله، وأمل الإسلامية وعناصر من السفارة الإيرانية يشكلون معنا وفدًا واحدًا لنؤكد للمسئولين السوريين أننا في لبنان أمة واحدة). وهذا من القرائن التي تدل على أن حزب الله فخ نصبه الرافضة لأهل السنة في لبنان، كما أشرت قبل قليل.
4- حركة (أمل):
تحدثنا عن حركة (أمل) في الصفحات الماضية من هذا الفصل وفي كتابنا الأول، وبينا كيف نشأت، ولماذا أطلق عليها موسى الصدر حركة المحرومين وزعم أنها ليست طائفين وإنما هي لجميع الفقراء والبائسين.
ولا يزال قادة هذه الحركة يمثلون دور الناطق الرسمي باسم الشيعة في لبنان، ومعظمهم شباب الطائفة يقاتلون في صفوف الحركة، أما زعيمها المحامي نبيه بري فهو أحد أعمدة الحكم في لبنان، وقد شارك في معظم المؤتمرات ابتداءً بمؤتمر الوفاق الوطني، ومرورًا بمؤتمر لوزان، وانتهاءًُ بمؤتمر اللجنة الثلاثي في دمشق الذي جمع بين بري وقائد القوات اللبنانية (إيلي حبيقة)، وكان مؤتمر الوفاق الوطني قد جمع بينه وبين بشير الجميل أثناء الاجتياح الإسرائيلي.
وقد قلب نبيه بري ظهر المجن لجميع حلفائه وأصدقائه في لبنا ماعدا النظام النصيري في دمشق فلا يزال ينفذ أوامرهم في لبنان دون تردد أو تذمر.
وقصارى القول فحركة أمل طرف من أطرف الشيعة المتصارعة بل هي أهم هذه الأطراف.
ثانيًا – حقيقة هذا الصراع:
السذج والمغفلون أو أصحاب الأهواء والمنافع من أبناء السنة صدقوا المزاعم التي يروجها أعضاء حزب الله وحركة أمل الإسلامية عن موقف أسيادهم في طهران وقم من حركة (أمل) التي يتزعمها بري، ومن النظام النصيري في دمشق.. ويقول الذين ينتشرون هذه المزاعم: (إن حركة أمل التي يتزعمها بري حركة علمانية مشبوهة، وأتباعها في الجنوب كانوا يتعاونون مع العدو الصهيوني ومع جيش حداد ولحد..
كما أن قادتها في بيروت يتعاونون مع الكتائب ومع الأحزاب العلمانية الكافرة).
أما عن المخيمات وطرابلس فيقولون: (إن الحكومة الإسلامية في إيران اتخذت موقفًا حاسمًا، ولولا هذا الموقف لسحقت حركة أمل المخيمات، ولتم تدمير مدينة طرابلس على أيدي قوات الجيش السوري).
وفي طليعة الذين يرددون مثل هذه الأقاويل سعيد شعبان ومن نحا نحوه في لبنان.
أما أصحاب العقول من أبناء المسلمين الذين يعرفون كيد الرافضة في القديم والحديث فيسألون: هل صحيح أن هناك خلافات بين الرافضة في لبنان، وهل صحيح أن إيران الخميني أدانت عدوان أمل على المخيمات، وعدوان النظام النصيري على طرابلس الشام؟!.
ونحن من جهتنا مع أننا لا نستبعد وقوع خلافات بين الرافضة وذلك لأنه حتى الذين يدعون إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله قد يختلفون فيكف لا يختلف الذين يدعون إلى الباطل والهوى؟!
ومع أن جوابنا على هذا السؤال لا يكون دقيقًا إذا ما قلنا: إننا نستبعد اختلافهم. أو: إنهم اختلفوا فعلاً. أو: إنهم لم يختلفوا.. ولكن الإجابة تتضح إذا ما تتبعنا الأمور التي يدعون أنهم اختلفوا عليها:
1- حركة (أمل) وآيات قم:
إن الإيرانيين هم الذين أنشئوا حركة (أمل)، وكان من أبرزهم: الإمام موسى الصدر تلميذ الخميني وصهره، والدكتور مصطفى جمران وزير دفاع نظام خميني الذي أهلكه الله في حادث سقوط طائرة، ونائب رئيس وزراء نظام خميني الدكتور صادق الطبطائي ابن أخت موسى الصدر وصهر الخميني. وقادم أمل كلهم من تلامذة الصدر وأخص بالذكر:
نبيه بري، وحسين الحسيني قائدها السابق الذي استقال، وحسين الموسوي قائد (أمل) الإسلامية الذي انشق عن بري وليس بين هؤلاء من ينقد موسى الصدر أو يهاجمه، ولا يزال كل منهم يستمد شرعيته من أقوال الصدر وأفعاله وحتى الحديث عن علمانية حركة (أمل) فقد نسبه نبيه بري إلى الصدر، وقد صدق في ذلك.
وخاضت حركة (أمل) عدة معارك مع حزب البعث المؤيد للعراق نيابة عن نظام خميني، ونجحت أمل في القضاء على هذا الحزب في بيروت والجنوب والبقاع.
وفي الشهر الرابع من عام 1982م أعلنت حركة (أمل) عن مبايعتها للزعيم الإيراني آية الله خميني إمامًا للمسلمين في كل مكان(1).
وفي 9 سبتمبر 1985م تبادلت حركة أمل وحزب الله الاتهامات لأن أمل منعت وفود الحزب من الوصول إلى مدينة صور، وقد تم إلغاء هذا الاجتماع الذي كان سيعقد بمناسبة الذكرى السابعة لاختفاء الصدر.
ولم يصدر عن قادة حركة (أمل) ما ينقض بيعتهم لإمامهم الخميني .. قد يقولون: إن إيران قطعت علاقاتها مع الحركة، أو قد يصدر عنهم بيان ينددون فيه بتصريحات أدلى بها (خلخالي) عن اختفاء الصدر، أو قد يهاجمهم سفير إيران في بيروت بسبب موقف من المواقف.. لكن مثل هذه المواقف قد تحدث بين زعماء في حزب واحد ولا تتجاوز إطار الحزب ومؤسساته التنظيمية.
2- قواسم مشتركة:
هناك قواسم مشتركة ثابتة تجمع بين الأطراف المتصارعة.. ومن أشهرها:
أ- التعاون مع سوريا: فحركة أمل خاضت معارك مع جميع الأحزاب والمنظمات في لبنان إلا النظام النصيري في دمشق لم تختلف معه ولم تتمرد عليه.. أما حزب الله وحركة (أمل) الإسلامية فعندما كان المنتسبون إلى هاتين الحركتين يخطفون طائرة أو مسئولاً كان نظام دمشق وحده القادر على التفاهم معهم .. بل لقد قدموا خدمات جلى لنظام دمشق، وازدادت الولايات المتحدة الأمريكية ثقة (بأسد) بسبب هذه الخدمات.. أما نظام طهران الذي يزعم بأنه إسلامي فلا يزال النظام النصيري في دمشق من أهم حلفائه وأعوانه في العالم.
ب- موقفهم من منظمة التحرير: رغم هذه الصراعات فأطراف الشيعة في لبنان، ونظام الآيات في قم، وأسد النصيرية .. هؤلاء جميعًا لهم موقف واضح من منظمة التحرير.
لأن عرفات يبحث عن حل سلمي مع العدو الصهيوني، ويبطشون بالفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ بسبب عرفات، وحتى ما يسمى بجبهة الإنقاذ لم تسلم من شرورهم بسبب عرفات رغم كل ما قدمته هذه الجبهة لأسد وللرافضة ضد أهلهم وذويهم.
ومما لا شك فيه أن الرافضة جميعًا يعلمون حقيقة أسد النصيرية ومفاوضاته مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذه البوابة دخل لبنان، فكيف يكون عندهم بطلاً وطنيًا، ويكون عرفات خائنًا مستسلمًا؟!.
3- الرافضة لا يصدقون:
نقلت صحيفة العمل الكتائبية في عددها الصادر بتاريخ 17يوليو 1983م استنكار المجلس الشيعي الأعلى لموقف أمل من الجيش اللبناني، ونقلت عن نائب رئيس المجلس الشيخ محمد مهدي شمس الدين قوله:
(إن المجلس قد شكل لجنة خاصة برئاسة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان، لمتابعة الاتصالات، واتخاذ التدابير التي تحول دون توظيف هذه المشكلة في غير إطارها الصحيح).
وفي 27 فبراير 1983م أعلن المكتب الخاص لنائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى أنه لم يعد للمجلس علاقة بحركة أمل.
وفي 8 أكتوبر 1983م أعلن عبد الأمير قبلان – المفتي الجعفري الممتاز – باسم المجلس الشيعي الأعلى ما يلي: (إن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية، وإن ما تعلنه (أمل) نتمسك به كمجلس إسلامي شيعي أعلى، وبالتالي فإن ما يعلنه المجلس الشيعي تتمسك به الحركة)(1).
ومما يجدر ذكره أن تصريح قبلان نسخ التصريحين السابقين لأنه جاء بعدهما .. وهذه هي أخلاق الرافضة ومواقفهم في القديم والحديث.
4- موقف الرافضة من أهل السنة واحدة رغم اختلاف فرقهم وتباين وجهات نظرهم:
ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
- في عام 1981م دمر النظام النصيري الباطني في سورية معظم أحياء ومباني مدينة أبي الفداء وهدم أكثر مساجدها، وقتل عددًا كبيرًا من العلماء والدعاة إلى الله، وهتك أعراض المسلمين .. فما الذي فعله نظام خميني ومن على شاكلته في لبنان؟!.
هل أرسلوا قوات للدفاع عن مدينة حماة؟! هل قطع خميني علاقاته الدبلوماسية مع جزار سورية .. هل وقفت أجهزة إعلام طهران إلى جانب المسلمين في حماة المجاهدة؟!.
لم يفعل الخميني شيئًا من هذا، بل فعل نقيضه. لقد أعلن نظامه عن تأييد للمجرم حافظ الأسد ضد من أسماهم عملاء إسرائيل؟!.
- وفي شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ أعلنت منظمة (أمل) الشيعية حربًا على سكان المخيمات الفلسطينية في بيروت .. واستخدموا في عدوانهم كافة أنواع الأسلحة، وقد عرضنا فيما مضى من هذا الكتاب صورًا من الفظائع التي ارتكبوها بحق الضعفاء والمحرومين من أبناء فلسطين ؟!
لقد استمر عدوانهم شهرًا كاملاً، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق – حافظ الأسد – ووكيل أعماله في بيروت – نبيه بري -، فأين الخميني وحزب الله وأمل الإسلامية مع أن ضحايا هذه المجازر: الشيوخ، والنساء، والأطفال، والمدنيون الآمنون، وليس ياسر عرفات وغيره من قادة منظمة التحرير؟!.
- وجاءت مجزرة طرابلس الشام بعد مذبحة المخيمات بثلاثة أشهر، وهدم أسد ونصيريو (بعل محسن) أكثر من نصف مؤسساته ومباني المدينة .. واستمرت معارك طرابلس أكثر من أسبوعين .. ثم جاءت وساطة الخميني .. ونجحت الوساطة ولكن متى ؟! نجحت بعد استسلام الشيخ سعيد شعبان ومن معه وقبولهم بجميع الشروط التي فرضها النظام النصيري.
فأين هذه المواقف المشرفة التي وقفها خميني وأتباعه من لبنان مع أهل السنة؟!.
ولو كان المعتدى عليهم من الشيعة لما قبل حزب الله ومؤيدوه بغير التدخل بديلاً، وهذا ليس افتراضًا نفترضه، ففي عام 1983م وقف حزب الله في خندق واحد مع (أمل) بري ضد الجيش اللبناني، بل ومن الذي يصدق أن قوات أمل واللواء السادس يتلقون أوامرهم من نبيه بري وحده، وليس لهم أية علاقة بحزب الله أو بأمل الإسلامية أو بإيران الخميني؟!.
من يصدق مثل هذه المزاعم فإنه لا يعرف شيئًا عن الرافضة وعلمائهم، ودور هؤلاء العلماء في صنع القرار.
ومن الأمور الجديرة بالاعتبار والتأمل أن حزب الله وحركة (أمل) كانا على حافة الاصطدام لأسباب لا علاقة لها بأهل السنة ثم صدرت بيانات عن الطرفين تدعو إلى ضبط النفس والصبر حتى يضيق الصبر ذرعًا، وكل طرف كان يؤكد بأنه يخشى من الفتنة الكبرى أي القتال بين أبناء الطائفة(1) .. أما قتال الفلسطينيين في مخيماتهم، وقتال الآمنين في بيروت الغربية، وقتال سكان طرابلس .. هذا كله فتنة لأن المعتدى عليهم ليسوا مسلمين في نظر الرافضة.
5- لماذا يستغربون تعاون (أمل) مع الموازنة:
زعم قادة حزب الله وأمل الإسلامية أن من أهم أسباب اختلافهم مع حركة (أمل) تعاون هذه الحركة مع الموازنة عملاء العدو الصهيوني عليهم من الله ما يستحقون .. لقد كانوا يعملون مع موسى الصدر، وكان الصدر يتعاون مع الموازنة ومع النصارى بشكل عام، وكانوا يقدمون له المساعدات المادية والمعنوية، وهم الذين منحوه الجنسية وجعلوا منه زعيمًا .. فكيف يكون تعاون الصدر مع الموازنة مشروعًا ولا يعترضون عليه، ويكون تعاون نبيه بري غير مشروع، علمًا بأن الأخير حقق مكاسب للطائفة عجز الصدر عن تحقيقها.
أما ما قاله زعيم أمل الإسلامية حسين الموسوي عن تعاون عنصر (أمل) بري في الجنوب مع العدو الصهيوني فصحيح والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح:
لقد كان هذا التعاون منذ أواخر السبعينيات فلماذا سكت عنه الموسوي طوال هذه المدة ولم يستنكره إلا بعد اجتياح الإسرائيلي 1982م وبعد اختلافه مع بري؟!.
ومن جهة أخرى فالعالم كله يعلم تعاون نظام خميني في إيران مع نظام العدو الصهيوني، وأن الأخير قدم مساعدات عسكرية لإيران في حربها ضد العراق، فأين اعتراضات الموسوي واستنكاره لموقف أسياد في طهران وقم؟!.
بل أين استنكاره لتعاون نظام خميني مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا؟!.
المبحث الرابع
سياسة توزيع الأدوار
تبين لنا من خلال المبحث السابق أنه ليس بين أطراف الشيعة في لبنان خلافات: لا في الأصول والتصورات، ولا في التخطيط والغايات.
وليس بينهم من انتصر لأهل السنة الذين ظلموا واستباح أعداء الله دماءهم وأرواحهم.
ويبقى هناك تساؤل: كيف نفسر تبادل الاتهامات بينهم، ولماذا يقف بعضهم مع الإسلاميين من أهل السنة، وبعضهم مع الدروز وآخرون منهم مع الموازنة واليهود؟!.
يجيبنا على هذا التساؤل كاتب سبر غور لعبة الطوائف في بلاد الشام، وكشف كثيرًا من أسرارهم ومناوراتهم. قال الأستاذ محمد عبد الغني النواوي:
(إذا نظرنا إلى تركيبة الحكم في بلاد الشام منذ هدم الخلافة الإسلامية وحتى يومنا هذا، نرى مساهمة غير المسلمين في كل نظام، بل وسيطرتهم عليه في معظم الأحيان).
لقد تسلم مقاليد الحكم في سورية ضباط عسكريون، فكان معظمهم من غير المسلمين – اللهم إلا عهد أديب الشيشكلي – ثم توالت الانقلابات العسكرية فكان لغير المسلمين نصيب الأسد فيها، وبين الحين والحين كانت تأتي أنظمة ديموقراطية برلمانية، فإذا مركز الثقل فيها لغير المسلمين. وفي تعليل هذه الظاهرة نلاحظ التزام غير المسلمين بالخطة التالية:
يتسللون إلى قيادة كافة الأحزاب الجاهلية الحائدة عن منهج الله، ويقفون من النظام الحاكم مواقف مختلفة:
- فقسم منهم يؤيد النظام، ويشارك في اقتسام الغنائم.
- وقسم ثاني يعارض النظام القائم، وهؤلاء قلة، ويعرفون من أين تؤكل الكتف، أعني أنهم يعارضون من منطلق قوي ومن أحزاب وتنظيمات مرشحة لوراثة الحكم القائم.
- وقسم ثالث يصفقون لأي حكم ويدعمون أبناء طائفتهم، وهم أكثرية الطائفة.
وهذه الخطة حققت لغير المسلمين الفوائد التالية:
1- يجد كل نظام نفسه أسيرًا لغير المسلمين، فهم الذين يصفقون له، وبهم يبطش، ومنهم يستمد قوته وديمومته.
2- يتوسط أبناء الطائفة المشاركون في النظم لأبناء طائفتهم من أقطاب الحكم المنهار فلا يصابون بأذى، وقد يعللون توسطهم بقولهم:
ليس من المصلحة إثارة حساسية الطائفة من أجل حفنة من الانتهازيين.
3- تشارك كل طائفة في قيادة الجيش وفي الوزارة ومختلف أجهزة الأمن والإعلام والتخطيط والتعليم والاقتصاد.
4- يستخدم غير المسلمين كل نظام في حرب الدعاة إلى الله، والتنكيل بهم ومتابعة أخبارهم .. ورغم العداوة الشديدة التي يكنها النصيريون للدروز فهم يعتمدون عليهم، وعلى النصارى في أجهزة الأمن والمخابرات المكلفة بتتبع الإسلاميين.
وفي حالات قليلة تصطدم طائفة من الطوائف مع النظام، فيهب لنجدتها معظم الأحزاب والطوائف الأخرى والشخصيات السياسية التي امتهنت النفاق، فيسقط النظام، ويتحول النظام الجديد إلى دمية بيد الطائفة المنتصرة، وما مثال أديب الشيشكلي عنا ببعيد.
وقد يظن السذج من الناس في بلادنا – وما أكثرهم – أن مثل هذه الأمور تتم مصادفة ومن غير تخطيط مسبق، غير أن تاريخ غير المسلمين وواقعهم يؤكدان أن لهم قيادة، وتتألف قيادة كل طائفة من رجال الدين ومن زعماء العائلات المشهورة فيها، وهذه القيادة مسئولة عن جميع أبناء الطائفة.
وقد مر معنا(1) عند حديثنا عن [الدروز] أن حسن الأطرش زعيم الجبل سنة 1936م، كان على صلة مع سلطان الأطرش المنفي في الأردن – الكرك – وكان لا يقطع أمرًا مهمًا دون أن يسأل ابن عمه ويأخذ رأيه فيه .. كما مر معنا أن الدروز ثاروا سنة 1925م من أجل إقدام الفرنسيين على نفي زعماء آل الأطرش [عبد الغفار وحمد ومتعب] رغم كونهم عملاء للفرنسيين، والذين قاد هذه الثورة ابن عمهم [سلطان]، وكانوا يتعاونون حينًا، ويفترقون حينًا آخر دون إراقة دماء أو دون أن يعلن أحدهما الحرب على الآخر.
ويشاركنا الرأي الكاتب الدرزي [فؤاد الأطرش] فيقول عن توزيع الأدوار بين أبناء الطائفة:
(.. ومن الخطأ أن نحلل الموضوع تحليلاً خاصًا فنصفي على ثورة سلطان باشا صفة التقدمية، وعلى رسالة الأمير سليم صفة الرجعية، والحقيقة أن الرسالتين لهما معنى واحد هو الحفاظ على الدروز في مجتمع الحقد والكراهية .. وبهذا المعنى التوحيدي يمكننا أن نفهم اشتراكية كمال جنبلاط الذي جسد مبادئ التوحيد في أنظمة سياسية محاولاً إخضاع الفكر لتلك القوانين الروحية العامة).
وبناء اتفاق وجهة نظري [ الكلام لا يزال للنواوي] مع رأي أحد أبناء قادة الطائفة نذكر فيما يلي أبرز زعماء الدروز ودور كل منهم الذي مثله أو مازال يمثله:
- سلطان باشا الأطرش: قائد الثورية السورية، ورمز الوطنية والتضحية، والرجل الذي قدم كل ما يملك في سبيل استقلال بلاده، ولم يشارك غيره في اقتسام الغنائم بعد جلاء الفرنسيين عن البلاد.
وقد بينا فيما مضى زيف هذا الادعاء، وسلطنا الأضواء على ثورة سلطان المشبوهة.
- حسن الأطرش، مجيد أرسلان، فضل الله جربوع .. وهؤلاء من زعماء الأحزاب اليمنية الديمقراطية كحزب الشعب في سورية، والأحزاب النصرانية في لبنان.
- برز في الحركة الناصرية: جادو عز الدين، وفهد الشاعر، والأخير أصبح بعثيًا بعد إعدام زملائه الناصريين في 18 تموز عام 1936م.
- من أشهر الذين لعبوا دورًا مهمًا في جميع أجنحة حزب البعث: منصور بن سلطان الأطرش، شلبي العيسمي، حمود الشوفي، العقيد حميد عبيد [قائد القوات المسلحة التي فتكت بمدينة حماة عام 1964م]، والرائد سليم حاطوم [قائد القوات المسلحة التي هدمت جزءًا من مسجد بني أمية، وقتلت بعض المصلين فيه].
- الزعيم شوكت شقير الذي خلف الشيشكلي في تموز 1953، ثم أقيل من مصبه بتاريخ 8 حزيران 1956م.
- كمال جنبلاط: زعيم دروز لبنان، وعميد الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم كافة الأحزاب القومية واليسارية، ورئيس حزب اشتراكي علماني .. وهكذا صنع الدروز منه صنمًا في لبنان كما صنعوا من سلطان الأطرش صنمًا في سورية.
- الأمير عادل أرسلان: أحد أعمدة نظام الزعيم حسني الزعيم عام 1949م.
سليمان كنج: زعيم الدروز في الجولان، وجبر معدي داهش زعيم الدروز في فلسطين المحتلة، وشيخ عقل الدروز أمين طريف .. ويتعاون هؤلاء مع اليهود.
وهكذا يتعاون الدروز مع جميع الأنظمة اشتراكية كانت أو ديمقراطية، يهودية أو عسكرية .. والغاية عندهم كما وصفها فؤاد الأطرش: [الحفاظ على الدروز في مجتمع الأحقاد والكراهية].
ومغرق في الخطأ من اعتقد أن للدروز عقيدة غير العقيدة الطائفية.
وما قلناه عن الدروز ينطبق على بقية الطوائف، فجميع الأحزاب التي حكمت سورية منذ أيام الانتداب أسسها النصارى.
أما النصيريون فلقد انكشف أمرهم، وهتكت أسرارهم، ويكفينا ما ذكره الدكتور منيف الرزاز في تجربته المرة.
تحدث أمين عام حزب البعث السابق – الرزاز – عن زعماء الطائفة النصيرية في الحكم البعثي ووصمهم بالطائفية، والمراوغة، والانتهازية.
(.. ثم تقرر القيادة القطرية [أي القيادة التي كان يتزعمها صلاح شديد وحافظ أسد] إلقاء القبض على الحورانيين [أي جماعة أكرم الحوراني] وتتهمهم بشتى التهم، ومنها الاشتراك مع جهات أجنبية في تآمر العهد، وتنشر مقالات متتابعة في جريدة [الثورة] تهاجم فيها الحورانيين، وقيادة الحزب، وصلاح البيطار، وميشيل عفلق، وتبري القوميين السوريين من دم عدنان المالكي، وتهاجم اللقاء الثوري، وروح التقارب مع عبد الناصر، في حملة مسعورة محمومة ليس لها مثيل).
وفي موضع آخر يتحدث عن استهتار حافظ أسد وإبراهيم ماخوس بالقيادة القومية، وفي موضع ثالث يتكلم عن محمد معمران وكيف كان ينتقد القيادة القطرية، ولكنه في الخفاء طائفي متعصب، يتفق مع جديد حينًا، وينافسه في زعامة الطائفة أحيانًا أخرى.
وقد اقتصرنا في هذا الكلام على كتاب [التجربة المرة] لأن مؤلفة يتكلم عن مرحلة كان فيها المسئول الأول عن حزب البعث، ومن موقع المسئولية يعترف – الرزاز – بأن الجناح النصيري في الحزب [الأسد، وجديد، وماخوس، وعمران] لم يكونوا في يوم من الأيام بعثيين، ولم تكن خلافاتهم إلا تمثيلاً وتضليلاً للآخرين.. لقد كانوا ومازالوا طائفيين اتخذوا من البعث سلمًا لتحقيق آمال وتطلعات قيادة الطائفة.
وبعد الإطاحة بالرزاز وسائر كبار أعضاء القيادة القومية أصبح الحكم نصيريًا طائفيًا، وكان نصيب أعضاء حزب البعث من التنكيل والتعذيب كنصيب الإسلاميين سواء بسواء.
ومن خلال مذكرات منيف الرزاز [التجربة المرة] يتبين لنا سخافة أعضاء القيادة القومية الذين هم من أصول سنية، فبعضهم كان نفعيًا انتهازيًا يمشي مع من يقدم له عرضًا أفضل، وبعضهم – أمين الحافظ – كان أحمقًا مغفلاً يتوهم أن هناك حزبًا وما عليه إلا أن يكون وفيًا مطيعًا لقيادة هذا الحزب.
إلا أن الرزاز لم يكشف التكتل الدرزي الذي كان يمثله: حاطوم وحمد عبيد وفهد الشاعر من العسكريين، ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي وحمود الشوفي من المدنيين، كما أنه لم يكشف التكتل الصليبي الذي يمثله: الرزاز، وميشيل عفلق، وطارق حنا عزيز(1) .. الذين كانوا في القيادة القومية في تلك المرحلة.
ولا يزال التكتلان: الدرزي والصليبي يلعبان دورًا مهمًُا في قيادة البعث – الجناح العراقي -، وسيأتي ذلك اليوم الذي يكشف فيه درر العيسمي كما كشف دور جديد أو الأسد وسيبقى [أمين الحافظ] وأمثاله خدامًا أمناء للطوائف المتسلطة على حزب البعث، إلا أن يتوبوا من الحزب وأفكاره ويدخلوا في دين الله).
انتهى كلام النواوي(2).
وهذا هو تفسيرنا للصراع القوى وتعدد الاتجاهات الشيعية في لبنان.. إنه من قبيل توزيع الأدوار الذي يخدم مصالح الطائفة، وهذا لا يعني أن يكون دور الشيعة صورة طبق الأصل عن دور الدروز أو النصيريين أو النصارى.
بري بين العلمانية والطائفية
لم يكن نبيه بري في يوم من أيام حياته داعية من دعاة الشيعة أو مرجعًا من مراجعهم، ولم يكن من الذين يصلون ويترددون على مساجد الشيعة وحسيناتهم.
وعلى نقيض ذلك فلقد كان من دعاة القومية والعلمانية، ومن الشباب المتحمس لأفكار وتصورات حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن أخص صفاته الخلقية: الانتهازية، وتقديس الذات(1).
فكيف نجمع بين قيادته لجمهور الشيعة في لبنان وبين دعوته الصريحة إلى العلمانية؟!.
وجوابنا على هذا السؤال من الوجوه التالية:
الوجه الأول: الدعوة إلى الطائفية لا تعني بالتأكيد والتدين والالتزام بشيء من الخلق والفضيلة، وقادة الطوائف في بلاد الشام ليسوا أحسن حالاً من نبيه بري، ومن الأمثلة على ذلك: حافظ الأسد، وليد جنبلاط، بشير الجميل، كميل شمعون، سعد حداد، سليمان فرنجية .. فأين هؤلاء جميعًا من الأخلاق والمروءة والفضيلة؟!.
الوجه الثاني: في قيادة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في القديم والحديث كثير من النماذج المشابهة لنبيه بري .. وقد ذكرت في كتابي الأول أمثلة عن فساد أخلاق كثير من الآيات والمراجع .. وأشرت أيضًا إلى نوعية العناصر التي تعاون معها الخميني من أمثال: مهدي بازركان، وصادق قطب زاده، وأبو الحسن بني صدر، وصادب طبطائي، وأمير عباس انتظام، وغيرهم، وغيرهم.
ومن هؤلاء من كان مدمنًا على المخدرات، ومنهم من كانت له صلات مع الساقطات من النساء .. ومعظمهم عاش في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان بري أحد أصدقائهم خلال إقامته في (ديترويت)، ومن هناك جاءوا ليؤدوا أدوارًا مشبوهة في إيران ولبنان.
الوجه الثالث: قيادة نبيه بري للشيعة في لبنان في هذه المرحلة ضرورية جدًا، لأن الشيعة تحولوا فيها إلى وحوش كاسرة، وسفكوا دماء أهل السنة، ونشروا – بالتعاون مع النصيريين – الفساد والدمار في كل مكان في لبنان، وليس من مصلحة الشيعة في هذه المرحلة أن يتولى القيادة فيها مرجع من مراجعهم الدينية لأن مثل هذه الجرائم ستلصق عندئذٍ بقيادة الطائفة الدينية لا مفر، وليس برجل علماني لا دين له.. وقد تستمر الحاجة إلى نبيه بري إذا تأكد عندهم أن في بقائه مصلحة أكيدة للطائفة.
الوجه الرابع: لو افترضنا جدلاً أن خلاف حركة (أمل) مع إيران والخميني ومراجع الشيعة في لبنان صحيح .. وأن نبيه بري يعمل من أجل السيطرة الكاملة على الطائفة، لحكمنا على محاولاته بالفشل لأن الشيعة لا يطيعون إلا مراجعهم الدينية، وعلاقاتهم بالمراجع والحوزات العلمية والحسينيات علاقات حزبية تنظيمية .. ومن جهة أخرى فحركة (أمل) واجهت تحديات كثيرة، وخاضت معارك متعددة، ولم تعد الخلافات بين قادة الحركة سرًا من الأسرار، والهيمنة أصبحت للقادة العسكريين أمثال حسن هاشم، وعقل حمية، وعاكف حيدر، وداود وداود، وأوامر نبيه بري غير نافذة بل وليس لها أهمية عند معظم هؤلاء القادة.
ومن جهة ثالثة فمراجع الشيعة في إيران ولبنان يعتمدون على حزب الله الذي تزداد قوته نموًا يومًا بعد يوم، ويعمل بصمت ومنهجية، ويعتمد أسلوب الخلايا السرية في التنظيم، وتنفق عليه إيران ملايين الدولارات.
وقصارى القول فشيعة لبنان قادرون على الإطاحة بنبيه بر، وأعوانه كما أطاحوا ببازركان وقطب زاده وكامل الأسعد ..
________________________________________
الفصل السادس
المبحث الأول
حوار مع صديق
خلال حصار جيش العدو الصهيوني لبيروت الغربية .. سألني أحد الشباب الذين يتابعون الأحداث ويحسنون فهمها. قال: (هل تغيّرت صورة عرفات ومساعديه في نظرك أم مازلت تقول: إنهم خونة وطلاب زعامة؟!).
قلت: كان موقفنا واحداً فهل تغيّر رأيك؟!.
قال: لا أدري كيف نجمع بين صمودهم وإصرارهم على القتال، رغم أنهم يقاتلون في غير أرضهم، ويواجهون أعداء وليس عدواً واحداً، وفوق ذلك كله فهم أقل عدداً وعتاداً .. مرة أخرى أقول لا أدري كيف نجمع بين موقفهم البطولي وبين ما نقوله عن خيانتهم؟!.
قلت: شعوبنا في مثل هذه الظروف تحكم العاطفة لا العقل، وتقع من جراء ذلك بتناقضات لا حصر لها .. وأضرب لك مثالين على ذلك:-
أ- فسادات مصر كانت تدور حوله الشكوك وتوضع أمام اسمه إشارات الاستفهام لاسيما وأنه جاء بعد هلاك جمال عبد الناصر، وكان من أوائل أفعاله الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين سجنهم سلفه، واعتقال كبار المسؤولين في العهد السابق الذين أسماهم مراكز القوى.
وخاض السادات حرب رمضان فتحسنت صورته وأصبح في أعين الناس زعيماً وطنياً وبطلاً قومياً ثم زار السادات القدس وأعلن في [الكنيست الإِسرائيلي] استسلامه لليهود فأصبح خائناً مجرماً.
ب- وأسد سورية تكلم الناس الكثير الكثير عن خيانته عندما أعلن عنه سقوط القنيطرة قبل أن تطأها أقدام الغزاة الصهاينة، ثم أصبح بطلاً في حرب رمضان، وعاد الناس يتحدثون عن خيانته في مفاوضاته مع اليهود والأميركان، وفي ضربه للمخيمات.
ومما لا يقبله عقل ولا منطق أن يكون الرجل خائناً ثم يصبح بطلاً مخلصاً ثم يعود خائناً وهكذا.
قال: ولكن عرفات لم يقترف ما اقترفه الأسد أو السادات، وهو محاصر الآن لا يأمن على نفسه؟!.
قلت: أفعال عرفات وأدواره ليست صورة طبق الأصل عن أفعال السادات أو الأسد .. واسمح لي أن أحدثك عما فعل:
قبل الاجتياح الإِسرائيلي للبنان كان عرفات يعلم أن هناك مؤامرة ضد الوجود الفلسطيني في لبنان، وأطراف هذه المؤامرة: إسرائيل، والنظام النصيري في سورية، والولايات المتحدة الأميركية، وطوائف لبنان من الموارنة والدروز والشيعة.
وكانت إسرائيل تهدد وتتوعد، وكانت جادة فيما تقول ورغم ذلك فقد قابل عرفات تهديدات إسرائيل بتهديدات عنترية تذكرنا بأقوال أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب قبل الخامس من حزيران 1967م.
زعم عرفات أنه أعد لكلٍ شيء عدته، وأنه يملك أسلحة حديثة متطورة، وسوف يلقن إسرائيل درساً لن تنساه.
وكنا نعلم أن عرفات يكذب ويعلم أنه يكذب، فدول المواجهة العربية مجتمعة ليست – بكل أسف – في مستوى الجيش الصهيوني.
ومن جهة أخرى يعلم عرفات أنه سيواجه العدو الصهيوني بأرض لا يملكها .. ويعلم تمام العلم بأن شيعة الجنوب ودروز الشوف، وجيش حداد، وقوات بشير الجميل، وسوف تقف في خندق واحد مع العدو الصهيوني، ويعلم عرفات بأن أسد النقيطرة لن يخوض حرباً مع إسرائيل مع أجل عرفات والفلسطينيين.
واجتاح اليهود لبنان، وخلال زمن يسير جداً كان جيش العدو الصهيوني يحاصر بيروت ويطالب بإخراج المنظمة من لبنان والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: ما الذي دفع عرفات إلى اتخاذ مثل هذا الموقف؟!.
وجوابنا على ذلك: إن عرفات ومساعديه يعلمون بأن الشعب الفلسطيني قاتل ضد الحلول الاستسلامية، وسوف يسارع الفدائيون إلى تصفية القيادة التي تقبل باسترداد جزء من الأرض المغتصبة مقابل الصلح مع العدو الصهيوني.
ومن جهة أخرى فالفلسطينيون منتشرون في عدد من البلدان العربية، ولا يستطيع عرفات أن يفرض عليهم قانون الأحكام العرفية كما يفعل الحكام المستبدون .. وإذن لن يستسلم الفلسطينيون إلا بعد هزائم متكررة، ونكبات متلاحقة، وهو يمثل دور من يرفض الحلول الاستسلامية(1).
قال محدثي الشباب: ولكن عرفات يعلم أنه قد يقتل في كل لحظة، فما الذي يدفعه لهذا الإِصرار؟!.
قلت: على رسلك يا أخي إن الأمور بخواتيمها، وأحسب أن عرفات سيخرج من بيروت بطلاً كما خرج من الأردن ومن حرب 1976م في لبنان، وسيدفع الفقراء والبائسون في المخيمات الفلسطينية ثمن هذه البطولة باهظاً!!.
ألم تقرأ أخبار تدخل الزعماء في كل مكان من العالم الذين يطالبون بخروج عرفات ومساعديه من بيروت دون أن يتعرض أحد منهم لأذى.
ويقول هؤلاء الزعماء: إن عرفات معتدل ومن دعاة السلام، وإذا قتل فسوف يكون البديل متطرفاً أو مجهولاً على الأقل، وأنت تعرف ما معنى: متطرف، والسلام، وإرهابي .. عن هؤلاء الزعماء، وأخص منهم زعماء العالم الغربي.
إن اليهود لا يجهلون مقر قيادة عرفات في بيروت الغربية التي تغص بالخونة والمتآمرين .. وقد التقى عرفات أثناء الحصار مع عدد من الأميركان كان من بينهم (فيليب حبيب)، وكان حبيب يتنقل بين بيروت وتل أبيب ودمشق فلماذا أحجم اليهود عن ضرب مقر عرفات، وهي التي اغتالت عدداً من الزعماء الفلسطينيين، كما اغتالت بعض الأنظمة العربية عدداً آخر من الزعماء الفلسطينيين .. هلي صحيح أن حساسية عرفات المفرطة كانت من أهم الأسباب في كشف المؤامرات وبقائه حياً رغم كثرة المؤامرات التي تعرض لها؟!.
صمت صاحبي فترة من الوقت .. ثم قال: والله لا أدري: ما سمعته منك مهم، وما أسمعه من الناس عن صمود عرفات لا أجد جواباً مقنعاً أراد به عليهم.
وما قاله صديقي الشاب تكرر بعد عدة أشهر عندما عاد عرفات إلى الشمال لبنان، وخاض معركة مع النظام النصيري وعملائه من قادة المنظمة كأبي صالح وأحمد جبريل.
في هذه المعارك مثّل عرفات دور الشيخ المسلم المجاهد لأنه كان محتاجاً إلى مساعدة جماعة التوحيد الإِسلامي في طرابلس، وخدع قائد المنظمة كثيراً من الدعاة الطيبين كما خدع غيرهم من قبل، وإن نسيت لا أنسى محاضرة ألقاها أستاذ جامعي من العاملين في الحقل الإِسلامي تحدث فيها عن قضية فلسطين، وطالب المسلمين بالتحرك لإِنقاذ إخوانهم الفلسطينيين من براثن أعداء الله في لبنان.
إن الغريب في هذه المحاضرة ثناء المحاضر على ياسر عرفات والتماس الأعذار له، والأكثر غرابة أن المحاضر كان يتحدث في حفل جامعي كبير اجتمع فيه صفوة الشباب الإِسلامي!!.
لا أدري والله كيف تتحكم عواطفنا بعقولنا فنتناسى التاريخ والمنطق والدقة في فهم الواقع وفي الحكم عليه .. وعندما أفلس عرفات، ونبذه الأميركان والسوفيات والغرب وعملاؤهم في بلادنا، وجلس يندب حظه في تونس .. في هذه الظروف الحرجة تذكر زعيم المنظمة الإِسلاميين فاتصل بهم، ووجد من يتعاون معه، ويعلق آمالاً عريضة على هذا التعاون.
وأخشى أن يهلك عرفات فيصبح عند الناس داعية من دعاة الإِسلام لاسيما إن كان هلاكه على أيدي النصيريين أو الشيوعيين.
ومن أجل أن لا يُخدع الدعاة إلى الله مرة أخرى بياسر عرفات ومساعديه حرصت على كشف أساليبهم وبيان انحرافهم في هذا الفصل.
المبحث الثاني
عرفات يبحث عن دور
أثبت عرفات من خلال قيادته لمنظمة التحرير أنه انتهازي وليس من أصحاب المبادئ والمواقف الثابتة .. فهو يقول اليوم ما ينقض أفعاله بالأمس، ويتحالف بعد حين مع من كان من أشد الناس خصومة له، وليس من وراء هذا التحالف أي نفع لقضية فلسطين.
وإذا كانت الأدلة على ذلك كثيرة فسوف أختار منها ما يكشف أخلاقيات قائد المنظمة وتناقضاته، مع الحرص على تجنب الإِسهاب لأن لي كتابات غير قليلة في هذه المسألة:
1- من الشعارات التي كانت ترفعها فتح في سنواتها الأولى: (الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين).
وقال عرفات للراهب الكاثوليكي (إبراهيم عياد): (إنني أعرف حق المعرفة أننا لا نستطيع حتى بالقتال استرداد فلسطين. علينا أن نحارب لنقول للعالم أن هناك شعباً فلسطينياً.
علينا أن نقاتل لكي نحرك ضمير شعوب العالم. فإذا أخفقنا في إقناع شعوب العالم بأن قضيتنا عادلة فإننا سنضيع وسننتهي)( [1]).
فكيف ينقض في جلساته المغلقة ما يؤكده في نشرات منظمة فتح ورسائلها ومما يجدر ذكره أن حديثه مع الراهب الكاثوليكي كان في أوائل عام 1965م، أي في بداية الطريق.
2- كان عرفات ومساعدوه في قيادة فتح يعلمون أن الحكومة العربية ضد (الكفاح المسلح الفلسطيني)، وقد أصدرت القيادة العربية الموحدة توصيات تطالب فيها الدول العربية بعدم تشجيع الفدائيين وعدم إذاعة أية عمليات عسكرية لقوات العاصفة .. ومن شاء مزيداً من التفاصيل فليراجع مذكرات فتح ورسائلها( [2]).
ورغم موقف الأنظمة العربية من فتح كان عرفات يرسل الرسائل والمذكرات إلى الملوك والرؤساء، ويوسط لهم الأصدقاء من أجل أن يسمحوا له بالمثول بين أيديهم .. وعندما عُرِضت عليه رئاسة منظمة التحرير سارع إلى قبولها، ولم يعد الملوك والرؤساء عنده أعداء الكفاح المسلح، وأصبحت هوايته المفضلة زيارتهم والتوسط في حل خلافاتهم.
3- في عام 1975م بدأت اتصالات مشبوهة بين عرفات وبعض المنظمات والأحزاب اليهودية، وكان الدكتور عصام السرطاوي ممثلاً لعرفات في هذه الاتصالات، ومن الذين كانوا وسطاء بين الطرفين: الرئيس السنغالي (سنغور)، ورئيس ساحل العاج (فيليكس هوفي بوانييه) .. ورغم اغتيال عصام السرطاوي وسعيد حمامي فلقد استمرت الاتصالات بين الطرفين، وتحدثت كذلك عن هذه الاتصالات الصحفي البريطاني (آلن هارت) في كتابه (عرفات إرهابي أم صانع سلام)، وفي عام 1979م أثمرت وساطة (آلن هارت) السرية عن عدة لقاءات جرت بين زعماء المنظمة ومن بينهم ياسر عرفات – وزعماء إسرائيليون وصفوا بأنهم معتدلون(1).
4- عرفات ومساعدوه يتحدثون عن الولايات المتحدة الأميركية وكأنها الشيطان الرجيم .. ويؤكدون في تصريحاتهم أن قادة البيت الأبيض في واشنطن أكثر تطرفاً من اليهود .. غير أن كلامهم هذا للاستهلاك المحلي والمزايدات وسنكتفي هنا بذكر مثالين على ذلك:-
المثال الأول: ورد في مقال كتبه [هيرمان فريدريك إيلتيس] السفير الأمريكي السابق في مصر والمدير الحالي لمركز العلاقات الدولية في جامعة بوسطن: (إن إدانة إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية بالإِرهاب هو ادعاء لا معنى له سياسياً، فالمنظمة تضم في قيادتها قادة عقلانيين يتسمون بالمسؤولية ممن وقفوا إلى جانب عرفات، وممن يحدو بهم الاستعداد للتفاوض، إذا كانت مثل هذه المفاوضات يمكن أن تؤدي على الأقل إلى تحقيق المطالب الوطنية الفلسطينية.
والرئيس السابق (جيمي كارتر) أشار بأننا في الماضي تكلمنا مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأنه بمساعدتها الناشطة تمكنا من إخلاء الرعايا الأمريكيين من بيروت في عام 1976م، وإننا كنا نتلقى بهدوء تحذيرات من قادتها المسؤولين خلال السنوات حول خطط المتطرفين لاغتيال السفراء الأمريكيين.
وكل هذا أظهر بأن منظمة التحرير الفلسطينية يمكن أن تتسم بالمسؤولية وبتقديم العون، وهذا أمر يجب عدم نسيانه بسهولة)(1).
إن المعلومات التي كشفها الأميركي السابق لم تكذب من قبل قادة المنظمة وتحدث عنا آخرون من المطلعين على خفايا الأمور ..
ومن حقنا أن نسأل عرفات ومساعديه:
- ما الذي يدفعكم إلى كشف خطط من أسماهم السفير بالمتطرفين؟!، ولماذا لا يكشف الأميركان لكم خطط الصهاينة ضدكم؟!.
- لا أدري كيف يدعم الأميركان العدو الصهيوني في كل ما يرتكبه من مجازر وحشية، وكيف يعمل عرفات ومساعدوه جواسيساً بالمجان ويكشفون خطط أعداء الأميركان في المنطقة؟!.
مما لا شك فيه أن عرفات كان يتطلع من وراء هذا النفاق إلى اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمنظمته وهيهات ذلك.
المثال الثاني: يحدثنا صلاح خلف – عضو اللجنة المركزية – عن نتائج الاتصالات الأميركية الفلسطينية والتي لا ندري كم استمرت، ولا نعتقد أن صلاح خلف سوف يقول كل شيء:
(لقد مر ميرفي خلال مهمته بمرحلتين هامتين .. ففي مارس 1985م طالب أن يكون ممثلو الفلسطينيين في الوفد الأردني الفلسطيني المشترك غير معلنين ولا تسميهم المنظمة على أنهم ممثلين لها ولقد رفضنا بالإِجماع هذا العرض حيث كنا في اجتماع في بغداد – اجتماع مشترك للجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية للمنظمة -.
وفي شهر حزيران عاد ميرفي مرة ثانية وقال بإمكانية مقابلة وفد أردني – فلسطيني مشترك، والفلسطينيون يتم تسميتهم من خلال المنظمة، وتعلن المنظمة ذلك، ويعلن الوفد نفسه أنه يمثل المنظمة.
والذي حصل للأسف أننا قدمنا الأسماء وبعد ذلك ثبت أن هناك شروطاً أميركية مازالت قائمة. وأوضح أن هذه الشروط لن تلغي الاتفاق الأردني – الفلسطيني، وإنما هناك إصرار أميركي على أربعة شروط .. أولاها الاعتراف بقراري مجلس الأمـن رقمي 242 و 838، ثم إدانة الإِرهاب ويقصد بذلك النضال الفلسطيني المسلح، إضافة إلى الإِعتراف المسبق بإسرائيل، وأن يكون هناك مفاوضات مباشرة).
وقال صلاح خلف أيضاً: (إن الشرط الأميركي الأهم والذي لم يذكر هنا والذي لم يتحدث عنه أحد بعد، أنه وحتى بعد قبول الفلسطينيين لكل هذه الشروط فليس هناك أي تعهد أميركي بأن تنسحب إسرائيل من الضفة وغزة، وإنما يلتقي الإِسرائيليون بالمفاوضات المباشرة مع وفد أردني فيه بعض الفلسطينيين الذين لا ينتمون إلى منظمة التحرير الفلسطينية)(1).
ليس فيما ذكره صلاح خلف عن موقف الولايات المتحدة الأميركية أية غرابة لأن سياسة الأميركان في هذه القضية ثابتة لم تتغير منذ عام 1948م، ولكن مواقف قادة المنظمة هي التي تتغير وتتناقض.
5- إن ارتباط حسين بن طلال مع الأميركان والانكليز ثابت ولا ينكره العاديين من الناس في بلادنا.
ومن جهة أخرى فمفاوضات الملك الأردني مع العدو الصهيوني لم تنقطع منذ عام 1976م، ومن أبرز الذين اجتمع بهم (موشى ديان) وزير الخارجية السابق، و(شمعون بيريز) رئيس الوزراء.
ومن جهة ثالثة فعداوة حسين بن طلال لمنظمة التحرير، وعداوة المنظمة له لا تحلها المجاملات والبيانات الكاذبة .. فأي مصلحة للفلسطينيين من اتفاقية عمان؟!.
لا أعتقد بأن الملك حسين سوف يوافق على تكليف ياسر عرفات ولو بتشكيل وزاره في الأردن.
إن كلاً منهما أراد أن يغدر بالآخر، فملك الأردن يريد تفويضاً غير مقيد من قيادة المنظمة، وعرفات يريد أي حل لقضية فلسطين، وعلى كل حال فالاتفاقية ماتت في مهدها وقبل أن ترى النور.
وعرفات ماض في سياسة الاستسلام. لقد أعلن في القاهرة – وليس في عمان كما يريد الملك حسين – إلغاء الكفاح المسلح .. ويعمل جاداً من أجل إقناع مساعديه ليعلنوا بالإِجماع الاعتراف بقراري مجلس الأمن رقمي 242 و 838 .. ولكن إسرائيل لا تعترف بهم، ولا تريد السلام .. وويل لعرفات ومساعديه من مشهد يوم عظيم.
المبحث الثالث
تحالف المنظمة مع الباطنيين
1- أكد ياسر عرفات بأن الخلاف بين منظمة التحرير ونظام (أسد النصيري) قديم، وقال في مقابلة أجرتها معه مجلة التضامن في عددها الصادر بتاريخ 2 نوفمبر 1985م: (عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع منع دخول القوات السورية إلى الأردن، ثم استولى على الحكم وأودع الدكتور نور الدين الأتاسي وصلاح جديد في السجن لأنهما أرسلا القوات السورية لنجدتنا في الأردن [يقصد عرفات في حوادث أيلول 1970م]، والواقع أن الخلاف معه سابق حتى لحوادث أيلول. إنني أُذَكِر من نسي أن الأسد يوم كان وزيراً للدفاع أصدر أمراً اشتمل على 21 نقطة كلها تقييد لحركتنا في سورية، بدءاً من منع تسلل عناصرنا ومقاتيلنا إلى الجولان، وانتهاء بمنعنا من وضع أي ملصق على الجدران في شوارع دمشق، وأذكر أنني ذهبت إليه في مكتبه وهو وزير للدفاع وناقشته في النقاط الواحدة والعشرين، ثم ذهبت وقابلت الأتاسي وصلاح جديد الذين طلبا مني نسيان هذا الأمر وكأنه لم يحدث أن صدرت النقاط، لذلك موقف حافظ العدائي من الثورة الفلسطينية ومن حركة فتح بوجه خاص هو موقف قديم ويسبق توليه الرئاسة)(1).
وتحدث عدد من قادة فتح(2) في مقابلاتهم، وما كتبه بعضهم من مقالات ومذكرات عن موقف النظام النصيري منهم عند بداية تأسيس فتح .. لقد تم اعتقالهم، واتهموا بعضهم بالإِجرام، ومنعوا من التسلل إلى فلسطين المحتلة عن طريق الجولان، وحاولوا اغتيال عرفات .. وما ذكره قادة فتح غيض من فيض، فآباء أسد وأجداده ضالعون في تآمرهم مع اليهود والنصارى في القديم والحديث.
وبعد حوادث أيلول عام 1970م تحالف عرفات ومساعدوه مع حافظ الأسد، رغم وقوف الأخير إلى جانب الملك حسين، وتأييده له فيما ارتكبه من مجازر ضد الشعب الفلسطيني .. وأصبح حافظ الأسد عند قادة المنظمة ومؤيديها قائداً للأمة العربية وأملهم في تحرير فلسطين، وازداد تأييدهم له بعد حرب رمضان عام 1973م، مع أن هذه الحرب لم تكن أهدافها مجهولة، وما كان حافظ الأسد يخفي كرهه للفلسطينيين.
وفي عام 1976م وقف جيش أسد في خندق واحد مع الكتائب واليهود، واستباحوا أرواح الفلسطينيين وأموالهم في المخيمات، وتناسى قادة المنظمة جرائم حافظ الأسد، وعادوا بعد عام واحد يجددون ولاءهم له، ويتحالفون معه ضمن جبهة الصمود وغيرها.
وفي عام 1982م اجتاحت إسرائيل لبنان وحاصرت بيروت والجيش النصيري الذي كان يرابط في لبنان لم يحرك ساكناً، بل لقد ثبت من خلال الوثائق والمذكرات التي نشرت، وأشرنا لبعضها فيما مضى من هذا الكتاب .. أقول لقد ثبت أن اجتياح إسرائيل كان مؤامرة وكان نظام أسد طرفاً فيها.
وعاد عرفات بعد حين إلى دمشق يحاول استرضاء قائد النظام النصيري .. لكن الأخير قام بما عجزت إسرائيل عنه. لقد نجح في شق فتح والمنظمة، وسخر عملاءه المجرمين فاستباحوا دماء الفلسطينيين في مخيمي البداوي ونهر البارد، وتم ذلك بعد طرد عرفات من دمشق وبعد اغتيال قائد قوات المنظمة (سعد صايل) ..
وحاول عرفات ومساعدوه حتى بعد طرد أسد له من دمشق استرضاءه، ولكن الطاغوت النصيري رفض قبول عرفات وإعادة العلاقات معه في أي حال من الأحوال.
عجيب أمر هذا العرفات في حديثه لمجلة التضمن [2 نوفمبر 1985م] هاجم جورج حبش لأن الأخير تراجع عما قاله عن نظام دمشق في الجزائر والكويت، وقال مخاطباً حبش: (ألم تكن أرض الله واسعة ف تعيشون فيها).
ويقـول هـذا العرفـات في نفـس الحديـث: (لقـد أخطأنـا بمقاطعـة قمـة عمــان [1980م]، ولم يكن قرارنا في هذا الاتجاه صحيحاً، لكنها غلطة حصلت تحت التهديد السوري، يومها قال حافظ الأسد بالحرف: إما أن أحشد القوات ضد الأردن وإما أن أحشدها ضدكم).
ونحن نقول لهذا العرفات: (ألم تكن أرض الله واسعة فتعيشون فيها).
ما أكذب هذا الرجل!! فإن كان مضطراً لمقاطعة مؤتمر عمان بسب تهديد سورية فلماذا كان مساعدوه ينقدون هذا المؤتمر ويقولون عبر وسائل إعلامهم عن المؤتمر ما لم تقله سورية؟!.
ومن جهة أخرى ماذا صنع هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات لقضية فلسطين؟!.
وفي مقابلات عرفات الأخيرة صار يكثر من الحديث عن النظام الطائفي النصيري في سورية، وعن مؤامرة الكانتونات .. وما لا شك فيه أن النظام الطائفي النصيري يحكم سورية منذ أكثر من عشرين عاماً فلماذا كان عرفات صامتاً لا ينقد هذا النظام .. بل لماذا كان حليفاً له وهو يعلم أنها مؤامرة وأن أمريكا وراءها؟!.
أين كان صوت عرفات وأصوات مساعديه عندما أقدم النظام النصيري المجرم على هدم مدينة حماة؟!.
إن شعب حماة المسلم لم يقصر مرة واحدة في تأييد الفلسطينيين، بل وفي الجهاد عام 1948م، وكان الشيخ مروان حديد رحمه الله من المتحمسين للعمل الفدائي، وكان يدرب شباب حماة في معسكرات فتح في الأردن عام 1969م، 970م، وقام هؤلاء الشباب بعدة عمليات فدائية في فلسطين المحتلة .. ماذا قدم عرفات لأهل حماة في محنتهم؟!. يجيبنا على هذا السؤال عرفات نفسه:
التضامن: هنالك من يرجع الموقف الذي يتخذه الحكم السوري منكم سبب آخر وهو أنكم في فتح ساندتم حركة الأخوان المسلمين في عنفوان المواجهة بينها وبين نظام الرئيس حافظ الأسد، وأن المساندة اشتملت على تقديم سلاح وتدريب عناصر ..
أبو عمار [مقاطعاً]: أتحدى أن يكون هنالك إثبات واحد ضدنا في هذا الخصوص، صحيح أن الاتهام طرح، وحصل أن المخابرات السورية قبضت على بعض عناصرنا وحققت معها في هذا الأمر، ولكن لم يثبت أي شيء على الإِطلاق، ولو ثبت علينا شيء في هذا الخصوص لكان النظام السوري [هرسنا هرساً].
ومما يجدر ذكره أن النظام النصيري كان يتحدى مشاعر المسلمين، ولم يتكن جرائمه في حماة وغيرها قاصرة على الأخوان المسلمين .. وياسر عرفات لا يجهل هذه الحقيقة، ورغم ذلكم يتحدى النظام النصيري أن يقدم دليلاً يثبت أن فتح ساندت يتامى وأرامل حماة وحلب وتدمر وادلب!!.
وكاتب هذه الأسطر يعلم بأن كثيراً من قادة فتح وقفوا مع الأسد في خندق واحد ضد المسلمين في سورية، ويعلم بأن عرفات ومن حوله ليسوا أهل مروءة ونخوة، ولا ينتظر منهم مساندة الدعاة إلى الله، وأتمنى أن يدرك ذلك الذين يحسنون الظن بعرفات!!.
3- قال عرفات [للتضامن في 2 نوفمبر 1985م عن أمل: (.. حركة أمل نحن الذين دربنا عناصرها، ونحن أول من مدها بالسلاح، بل أنا من أسماها أمل، لأن الإِمام موسى الصدر كان واقفاً معنا وضد من يشهر السلاح ضدنا ..).
أما قوله [لأن الإِمام موسى الصدر كان واقفاً معنا وضد من يشهر السلاح ضدنا] فليس صحيحاً على الإِطلاق، لأن خلافات الصدر معهم كانت معروفة وتعاونه مع النظام النصيري لا يجهله عرفات ومساعدوه، وكذلك لا يجهلون تآمره مع الكتائب وتسليم حي النبعة، وقد تحدثت عن الصدر في كتابي الأول وفي الفصل السابق من هذا الكتاب ما فيه الكفاية .. ولكن عرفات كذاب.
وقوله بأن المنظمة أول من مد حركة أمل بالسلاح وغيره فهو اعترف منه – أي عرفات – بتآمره على قضية فلسطين لأنه تبني حركة مشبوهة يقودها خائن جيء به من إيران ليزعزع صف المسلمين وليمكن للصليبيين في لبنان .. ومن قبل اعتبر عرفات – عليه من الله ما يستحق – قضية اختفاء الصدر قضية الشعب الفلسطيني .. وقد صدر هذا التصريح بعد أن تكشفت أوراق الصدر وأدواره.
وعرفات تعاون مع ثوار الخميني، وكان في طليعة الذين زاروا طهران فور وصول الخميني إليها، وزعم أنه إمامه .. وأيدت منظمة التحرير إيران في حربها ضد العراق، وضلل عرفات شعبه فأصبحوا ينتظرون بفارغ الصبر سقوط بغداد لأن الخميني قال لهم: إن الطريق إلى القدس يمر من بغداد والكويت والرياض وعمان.
وأخيراً راح يقول: (صدمني هذا التوجه المعادي للعروبة، والذي أوجد تناقضاً مع العرب ومع جيران إيران من دور مبرر، وصدمني أيضاً وقوف الثورة الإِيرانية موقف المتفرج من حرب المخيمات ومن محاولة التصفية التي تعرضت لها أثناء حصار طرابلس، وقبل ذلك كله يصدمني في الثورة الإِيرانية إصرار قادتها على الاستمرار في القتال ضد العراق ..).
لقد جاء اعترافه متأخراً، ورغم عداوة شيعة لبنان وإيران لعرفات والمنظمة .. لم يقل عرفات ما يعرفه عن فضائحهم، وعن تعاونهم مع اليهود، ولعله ينتظر مبادرة منهم لتعود علاقاته معهم كما كانت.
3- وصف ياسر عرفات [التضامن 2 نوفمبر 1985م] كمال جنبلاط بأنه شهيد الشعب الفلسطيني، أفعبد كل ما فعله كمال جنبلاط بالفلسطينيين، وما فعله ابنه وليد من بعده، وما فعلته طائفته وحزبه يبقى شهيداً للشعب الفلسطيني؟!.
مسكين هذا الشعب الذي قد ابتلاه الله بقيادة عرفات وأمثاله!!.
المبحث الرابع
تحالف المنظمة مع الصليبيين
سافر عرفات يرافقه خليل الوزير في آذار عام 1965م من الكويت إلى دير في بيروت وقابل الراهب الكاثوليكي (إبراهيم عياد) وحدثه عن الأسباب التي تجعله يعتقد أنه ليس أمام الفلسطينيين إلا القتال .. ويتحدث الراهب عن هذا اللقاء فيقول:
(سألني إذا كنت أوافق معه. قلت بكل مشاعري وجوانحي. ثم أخبرني آنذاك ما كان سراً كبيراً جداً. قال: إن فتح عندما بدأت عملياتها العسكرية لم يكن لديها سوى سبعة مقاتلين مدربين: عرفات نفسه وستة آخرون، ولم يكن لديهم سوى خمسة بنادق لهم جميعاً.
كذلك قال لي: (إنهم شرعوا دون أي مال. إذ أن صديقاً فتح شيكاً تعادل قيمته ألف جنيه استرليني، ولكن الصديق أبلغهم أنهم لا يستطيعون صرف الشيك لمدة شهرين أن ثلاثة لأنه لم يكن هنالك رصيد في حسابه!!).
عندما أبلغني عرفات القصة قلت له: (يبدو أنك بحاجة إلى مساعدة. فهل تريد مني أن أساعدك؟ وأذكر بكل جلاء رد عرفات: يا أبانا، كل ما أريده منك هو مباركتك. وهذا ما أعطيته – الكلام للراهب – له)(1).
ورغم ما عرف عن ياسر عرفات من نفاق ومداهنة فليس في مذكراته ومذكرات زملائه من قادة فتح ما يشير إلى أنهم زاروا عالماً من علماء الإسلام بداية تأسيسهم لفتح وطلبوا منه الدعاء والمباركة، مع أن معظم العلماء والدعاة أيدوا فتح ومدوا لها يد العون والمساعدة، والمنظمة قامت ابتداءً على سواعد المسلمين، وليس للنصارى أي دور إيجابي لا في نشأتها ولا في استمرارها.
ونفاق عرفات للنصارى لم يتوقف عند حد طلب المباركة من القسيس إبراهيم عياد بل لقد أصبح للنصارى دور بارز في صنع القرار الفلسطيني .. ومن أشهر الأسماء التي شاركت في قيادة المنظمة: (جورج حبش، وديع حداد، نايف حواتمة، كمال ناصر، الخوري، المطران كابوتشي، وغيرهم وغيرهم).
والسؤال الذي يفرض نفسه: (ما الذي جنته المنظمة والشعب الفلسطيني من تحالف عرفات مع النصارى؟!).
وبكثير من الإِيجاز الذي يتناسب مع طبيعة هذا الفصل نقول: -
- النصارى الانكليز قدموا خدمات لا تحصى لليهود، وشجعوا هجرتهم من جميع بلاد العالم إلى فلسطين، وتبنوا إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين [وعد بلفور].
- نشطت كثير من الجمعيات النصرانية في فلسطين في الدعوة إلى هجرة اليهود إلى فلسطين، ونادوا بقيام مملكة لإِسرائيل .. وكانت هذه الجمعيات تعمل بالتنسيق مع دوائر الاستخبارات البريطانية من جهة ومع الوكالة اليهودية من جهة أخرى .. وكان الممول اليهودي [روتشيلد] يقدم مساعداته لجميع الإِرساليات التبشيرين في فلسطين كالبابوية، والبروتستانتية، والصهيونية(1).
- أعلن بولس السادس باب الفاتيكان تبرئة اليهود من دم المسيح – وهو حق أراد به باطلاً – وكذّب عقيدة قومه المخالفة لصريح القرآن الكريم، وعندما زار القدس في الأسبوع الأخير من شهر يناير عام 1965م قال مخاطباً اليهود: (إن الصراع الدامي بين المسيحية واليهودية قد انتهى).
- أسس النصارى تنظيماً كتائبياً آخر في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة، وفي الضفة الشرقية أسموه (الجيش المريمي).
وكان لهذا التنظيم جناح عسكري يقوده ضباط نصارى لهم مراكز قيادية في الجيش الأردني، وجناح سياسي يعمل من أجل السيطرة على القدس وما حولها، ويشتري أعضاء هذا التنظيم العقارات من المسلمين بأسعار باهظة كما فعل اليهود من قبل .. وقبل عام 1967م وضعت السلطات الأردنية يدها على المؤامرة والمتآمرين، وضبطت نشراتهم السرية ومستودعات الأسلحة التي يمتلكونها .. واكتفت أجهزة الأمن بتسريح بعض قادة هذا التنظيم من العسكريين واعتقال أفراد منهم.
- اعترف ياسر عرفات وبعض مساعديه في فتح بأن جورج حبش وحواتمة ووديع حداد كانوا طرفاً في مؤامرة أيلول عام 1970م .. وأنشطتهم التخريبية في الأردن لم تكن في صالح القضية الفلسطينية، ورغم ذلك لم تتخذ فتح ضدهم أي إجراء رادع.
وبعد عام 1982م تحالف جورج حبش ونايف حواتمة مع النظام النصيري وهما أول من يعرف بأن حافظ أسد من ألد أعداء الشعب الفلسطيني ومن المتآمرين على كفاح الشعب الفلسطيني .. وفوق ذلك كله فعرفات يلهث من أجل مصالحة حبش وحواتمة.
وبعد: هذه نبذة مختصرة عن نتائج تحالفات عرفات مع النصارى .. وليدلنا هو وزملاؤه عن زعيم نصراني وقف بصدق ضد الموارنة في لبنان وضد اعتداءاتهم على المخيمات الفلسطينية؟!.
ولا ندري لماذا وإلى متى تسلط فتح الأضواء على كابوتشي وأمثاله من جنود باب روما؟!.
المبحث الخامس
تحالف المنظمة مع السوفيات
زعم قادة منظمة التحرير منذ القديم أن الاتحاد السوفياتي مع العرب ضد إسرائيل، وصدّقهم الشعب الفلسطيني عندما قالوا له: (إن قادة الكرملين يقفون مع الشعوب المضطهدة في كفاحها ضد الاستعمار ويقدمون لها كل ما يقدرون عليه من دعم ومساعدة من أجل أن تتحرر من الظلم والطغيان والاستعمار، وهم – أي السوفيات – لا يريدون من وراء ما يبذلون جزاءً ولا شكوراً).
وكان ثمن هذه الدعاية باهظاً جداً .. لقد ظن ضعاف النفوس من أبناء جلدتنا أن الشيوعيين سيحررون لنا فلسطين، وأن الذين يحاربون الشيوعية عملاء لأمريكا بل ولإِسرائيل .. وفي ظل هذه الأجواء المحمومة التي صنعتها قادة منظمة التحرير تسلل عدد من الشيوعيين ومؤيديهم إلى قيادتي منظمة التحرير وفتح، وقامت منظمات فلسطينية يسارية، وأصبح للشيوعيين دور مهم في صنع القرار الفلسطيني.
وكم حج عرفات إلى قبر لينين وطاف حوله!! وكم نافق للسوفييت .. ومن ذلك تأييده لغزو أفعانستان المسلمة ومحاولتهم إبادة هذا الشعب الطيب الذي يعد من أشد شعوب الأرض حماسة لقضية فلسطين!!.
ويتطلع ياسر عرفات إلى القادة السوفيات طالباً منهم تأييده ضد المنشقين عنه .. ولكن هيهات له ذلك، لقد قرروا خلعه ليكون البديل عنه مخلصاً لهم. ولتكون القيادة دمية بأيديهم يحركونها كما يشاءون. وقد بدأ قادة الكرملين يصرحون بذلك في محادثاتهم مع المسؤولين الفلسطينيين الذين زاروا موسكو بعد الانشقاق الذي وقع في قيادة المنظمة.
وبعد: آن لنا أن نتساءل: هل كان الشيوعيون السوفيات مع العرب ضد إسرائيل كما زعمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية؟!.
إن الجواب على هذا السؤال ورد في عدد من المؤلفات التي نشرت بعد حرب 1948م، مع ذلك نحاول إيجازه فيما يلي:-
- ألغت ثورة أكتوبر الشيوعية عام 1917م كافة القوانين والقيود المفروضة على اليهود أيام القياصرة، لأن اليهود ساهموا في هذه الثورة، وكان عدد من القادة الشيوعيين يهود.
- شارك الاتحاد السوفيتي في إنشاء دولة إسرائيل عام 1948م، ووقف الشيوعيون العرب إلى جانب اليهود، وكانوا يعارضون مشروعية دفاع العرب عن حقوقهم في فلسطين عام 1948م، ووقعت مصادمات بين المواطنين والشيوعيين في عدد من العواصم العربية.
- وافق الاتحاد السوفياتي على قراري مجلس الأمن: 242 و 838 بعد حرب الخامس من حزيران عام 1967م.
- إذا كانت الولاياة المتحدة الأميركية قدمت لإِسرائيل المال والسلاح، فالاتحاد السوفياتي قدم لها الغطاء البشري الذي يمكنها من إنجاح كافة المشاريع الإِسرائيلية العسكرية والاقتصادية.
ونورد فيما يلي الجدول التالي الذي يوضح أعداد المهاجرين وسنوات الهجرة وأعداد من وصل منهم إلى إسرائيل كما أعلنته جريدة يديعوت أحرونوت في 13 مارس 1981م.
المهاجرون السوفيت 1971م - 1980م
السنة عدد المهاجرين عدد الذين وصلوا إلى إسرائيل
1971 13.000 11.500
1972 32.000 31.652
1973 35.00 33.477
1974 30.000 20.000
1975 13.000 11.459
1976 14.383 14.000
1977 17.000 8.383
1978 29.000 12.000
1979 51.000 17.000
1980 21.000 12.542
ويكون عدد الذين هاجرون من الاتحاد السوفياتي من اليهود منذ عام 1971م إلى عام 1980م 383 و 255 أي أكثر من ربع مليون.
- نشرت صحيفة [لونوفيل أوبسر فاتور] التعليق الآتي:-
(أشارت أنباء واردة من إسرائيل إلى أن آلافاً من اليهود السوفيات [يقدر البعض عددهم بمائة ألف بينما يقدر الآخر أن عددهم نصف مليون] ينتظرون الحصول على سمة خروج من الأراضي السوفيتية ولا أحد يعرف متى ستفتح لهم الأبواب لهجرتهم خارج الاتحاد السوفيتي، كما لا يعرف أحد بعد الطريق الذي سيسلكونه للوصول إلى إسرائيل، فهل سيمر هؤلاء من وارسو كما يعتقد صحافيو التايمز؟ أو أنه سيتم تنظيم رحلات جوية مباشرة لتقلهم من الاتحاد السوفيتي إلى تل أبيب مباشرة.
والهدف كما نعلم هو منع اليهود السوفيات من المرور بفيينا حيث يفضل غالبيتهم التوجه إلى الولايات المتحدة بدلاً من التوجه إلى (أرض الميعاد) – على حد قول الصحيفة -، كما كانوا يفعلون منذ عشر سنوات، الأمر الذي أغضب الحكومة الإِسرائيلية.
وإذا تمت عملية النقل عبر وارسو فهذا سيعني بأن عملية ذوبان الجليد بين إسرائيل من جهة ودول الكتلة الشيوعية من جهة أخرى قد بدأت من بولندا وهذا على أية حال لن يدهش أحداً نظراً لعملية التقارب بين البلدين التي بدأت قبل بضعة أشهر مضت.
وفي غضون ذلك تؤكد بعض الدوائر الوثيقة الاتصال بالحكومة الإِسرائيلية أنه تم إحراز تقدم كبير في المفاوضات الجارية حول السماح لليهود السوفيات بالهجرة إلى (أرض الميعاد). وتدور هذه المفاوضات على مستويات مختلفة. فهي تدور من ناحية في واشنطن بين دبلوماسيين إسرائيليين وسوفيت، وتدور من ناحية أخرى بين (ادغار برونجمان) رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ومسؤولين سوفيات.
هذا وكان الرجل قد سلم شخصياً رسالتين من شمعون بيريز إلى الزعيم السوفيتي (ميخائيل جورباتشيف) وذلك في مناسبتين. لكن يبدو أن المفاوضات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بهذا الشأن هي الأهم، نظراً لأن المسألة لا تخص فقط اليهود السوفيات لكنها تخص مشكلة منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وعلى أية حال يبدو أن الوقت سانح لتحقيق تقارب بين إسرائيل من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة ثانية، وإذا كانت عملية عربات الجليد في العلاقات بين البلدين لم تتم بعد فإنها لا شك قد بدأت. وليس من الصدفة أن يكون الرئيس الإِسرائيلي (حاييم هيرتزوج) قد توجه أخيراً لحضور افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي الإِسرائيلي، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يحضر فيها رئيسها افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي في إسرائيل. وأعاد (خيرتزوج) إلى الأذهان الدور الذي لعبته موسكو في إنشاء الدولة اليهودية، ودعا إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ورد عليه (ميخائيل ناشيف) الذي كان يمثل رسمياً الحزب الشيوعي السوفيتي في الاحتفال مشيراً إلى العلاقات (الطبيعية) التي كانت سائدة بين البلدين في السابق، وأعاد إلى الأذهان ما قاله (ميخائيل جورباتشيف): (لقد شاركنا في إنشاء دولة إسرائيل ونحن نعترف بسيادتها وحقها في العيش في سلام وأمان)(1).
وكل الدلائل تشير إلى أن القيادة السوفيتية الجديدة ترغب وبسرعة في القضاء على الاحتكار الذي فرضته الولايات المتحدة لنفسها للتحكم في عملية السلام بين إسرائيل والعرب. ويقال أن موسكو على استعداد من أجل تحقيق ذلك أن تدفع ثمناً ما أيضاً. وقد حدد الإِسرائيليون على ما يبدو هذا الثمن، وهو السماح بالهجرة المكثفة لليهود السوفيات إلى إسرائيل، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وبالمقابل سيقبل شمعون بيريز اشتراكاً سوفيتياً في عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط وذلك ضمن إطار مظلة دولية لأية مفاوضات مباشرة بين العرب والإِسرائيليين في المستقبل.
ويدرك بيريز أن المشاركة السوفيتية مسألة مهمة بالنسبة لأية تسوية سلمية للنزاع العربي الإٍِسرائيلي). انتهى كلام صحيفة (لونوفيل أوبسر فاتور).
وقصارى القول فإن السوفيات ساعدوا إسرائيل بهجرة ربع مليون يهودي، ويستعدون الآن لإصدار قرار ينظم هجرة ربع مليون آخر من اليهود، فيكون المجموع نصف مليون .. فأية مساعدة أكبر من هذه المساعدة، وأي عون أهم من هذا العون؟!.
يقول (هليل اشكنازي) المدير العام لوزارة الجرة والاستيعاب الإِسرائيلي السابق:
(إنه يجب تأمين سبعين ألف مهاجر سنوياً إلى إسرائيل للحفاظ على نسبة 85% من اليهود فيها في مقابل 15% من العرب، لأن انخفاض الهجرة قد يؤدي إلى انفجار التوازن السكاني لصالح العرب) النهار 8 مارس 1974م.
ومن غير السوفيات يقدم لإِسرائيل مثل هذه الخدمات التي تضمن لهم عدم الانفجار السكاني لصالح العرب.
ومن جهة أخرى يتحدث قادة المنظمة وغيرهم من اليساريين العرب عن الأسلحة السوفياتية، وعن دعم العرب في المحافل الدولية.
أما الأسلحة فتباع للمنظمة وللحكام العرب بالثمن الذي يريده السوفياتي، وتعد من الموارد الاقتصادية المهمة.
وأما دعم العرب في المحافل الدولية فيجري ضمن شروط اللعبة الدولية، ويعد من قبيل تبادل المصالح، لأن للسوفيات مصالح مهمة في دول الشرق الأوسط ..
وعلى كل حال فعرفات يعض أصابعه ندماً على تورطه مع السوفيات، وهو ليس أول ضحية من ضحاياهم.
المبحث السادس
الأباطرة
وجهت مجلة التضامن لياسر عرفات السؤال التالي: في إطار الانتقادات التي توجه إلى أسلوب عمل بعض مؤسسات المنظمة، تدور في مجالس الناس، فلسطينيون وعرب من أقطار مختلفة، انتقادات لمسؤولين في المنظمة لأن سلوكهم يتصف بالتعالي وليس بالثورية، على سبيل المثال هنالك بعض مدراء مكاتب منظمة التحرير الذين يتصرفون باستعلاء، والوصول إليك أنت يبدو أحياناً أسهل من الوصول إليهم، بل إن بعضهم صار يغضب إذا لم يلقبه المرء بقلب [سعادة السفير] بدل الأخ فلان؟.
أبو عمار: هؤلاء، أو هذا البعض الذي تتحدث عنهم، لي فيهم رأي، ومشهور عني قول أردده عنهم، ويشهد لي في ذلك الأخ الطيب عبد الرحمن أنا أسميهم الأباطرة، الأباطرة في الثورة، طبعاً ليس كل مدراء المكاتب.
وفي موضع آخر من المقابلة وصفهم عرفات بالقياصرة.
وتحدث في موضع ثالث في المقابلة التي أجرتها التضامن معه [في العدد رقم 134 تاريخ 2 نوفمبر 1985م] عن التجاوزات العسكرية التي ارتكبتها المنظمة في لبنان قبل الغزو الإِسرائيلي .. ولكن كعادته راح يهون من شأن هذه التجاوزات، ويلتمس الأعذار لجنده، وزعم أن قيادته لم تتدخل في شئون لبنان ولم ترتكب تجاوزات.
ونشرت مجلة (درشبيغل) الألمانية تعليقاً مهماً عن منظمة التحرير هذا نصه: (من الناحية العسكرية فإن ياسر عرفات قد قضي عليه تماماً، ومن الناحية السياسية فإنه يشعر الآن بالتعب والإِرهاق، ولكن رغم كل ذلك فإن عرفات ما زال يملك روح الاستمرار في جهوده الرامية إلى إثبات الذات فلسطينياً وعربياً ودولياً من خلال من تبقى له من الأصدقاء معتمداً في ذلك على ضريبة الحرب التي يدفعها الفلسطينيون في كافة الأنحاء، والأموال التي تدخرها المنظمة في خزينتها).
أحد مسؤولي مكتب منظمة التحرير في روما يصف الحالة والوضع الراهن للمنظمة بالقول: (إن كبار المسؤولين الفلسطينيين يرون أن مستقبل المنظمة أصبح في مهب الريح نتيجة لسلسلة الهزات التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة ويقولون إن الأزمات أصبحت تحيط بالبيت الفلسطيني من كل جانب، وإن الوضع أصبح خطيراً للغاية ما لم تحصل معجزة تحد من هذه الخطورة).
ويؤكد هؤلاء المسؤولين أن ما تعرضت له منظمة التحرير من ضربات متلاحقة ابتداءً من الغزو الإِسرائيلي للبنان وخروج المنظمة من لبنان، وقصف الطائرات المقاتلة الإِسرائيلية لمقر المنظمة الجديد في تونس وانتهاءً باعتراض الطائرات المقاتلة الأميركية التابعة لحاملة الطائرات الأميركية [سراتوغا] للطائرة المصرية التي كانت تقل خاطفي السفينة الإِيطالية [أشيل لورو] والزعيم الفلسطيني المتطرف أبو العباس بهدف اعتقاله ومحاكمته، كل هذه الضربات أدت إلى إنهاك المنظمة ورئيسها ياسر عرفات.
وعلى الصعيد العربي، فإن الدور العربية التي كانت تمول المنظمة بالمال طوال السنوات الماضية تشك الآن في إمكانية تحقيق المنظمة لأهدافها السياسية في المستقبل المنظور، وأخذت تفكر في قطع المساعدات المالية عنها، وخاصة في أعقاب وصول الطائرات الإِسرائيلية إلى أقصى الشمال في ملاحقتها للفلسطينيين، كما أن هذه الدول العربية أخذت تبدي تخوفها من أن تتعرض هي الأخرى إلى اعتداءات إسرائيلية جديدة شبيهة بالاعتداء الذي وقع على تونس، ومن قبلها على العراق، حيث قصفت الطائرات الإِسرائيلية المفاعل النووي العراقي بالقرب من العاصمة بغداد قبل حوالي أربع سنوات.
وفي هذا الإِطار قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير جمال الصوراني في مقابلة مع صحيفة [العرب] القطرية: (إن الأموال التي تنفقها المنظمة تزيد عدة أضعاف عن الأموال الواردة إلى المنظمة من المساعدات العربية).
وهذا التصريح إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأموال التي تتلقاها المنظمة يذهب بعضها إلى جيوب بعض القيادات الفلسطينية الطفيلية التي تريد أن تغني عن طريق المساعدات التي تقدمها الدول العربية والضرائب التي يدفعها الفلسطينيون العاملون في الدول العربية للمنظمة.
ولهذا فإن قطاعات كبيرة من الفلسطينيين أخذت توجه الاتهامات للمنظمة بأنها تنتزع الأموال من الفلسطينيين ليس بهدف استثمارها للكفاح الفلسطيني ولاستمرار النضال ولمساعدة الأهل في الأراضي العربية المحتلة، التي ترزح تحت الاحتلال، وإنما لاستثمار هذه الأموال في تحقيق مآرب بعض القيادات الفلسطينية في المنظمة.
ومن بين هؤلاء الذين ينقدون المنظمة ويوجهون الاتهامات واللوم لها رئيس بلدية بين لحم إلياس فريج الذي قال في أكثر من مناسبة: إن المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هم أولى بالأموال الطائلة التي تنفقها المنظمة، لأن الأهل في الوطن المحتل هم الذين يواجهون قوات الاحتلال، وهم الذين يتعرضون يومياً لعمليات القهر والاعتقال.
وعندما كانت المنظمة في أوج قوتها وعندما كان ينظر إلى عرفات على أنه واحد من الزعماء العرب، وأخذ أصحاب النفوذ في البيت الفلسطيني والعربي، وجدت الدول العربية نفسها مضطرة إلى مواكبة هذا الشعور وهذا الاعتقاد، ولهذا قررت بعد أن وقع الرئيس المصري السابق أنور السدات معاهدة الصلح مع إسرائيل واتفاقيات [كامب ديفيد] برعاية الولايات المتحدة عام 1978م، وفي مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد الاعتراف على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، كما قررت زيادة المعونات المالية التي تقدمها إلى المنظمة إلى 300 مليون دولار سنوياً خلال الفترة الواقعة بين عامي 1979م، و1989م.
ونظراً لهذا المبالغ الطائلة التي كانت تتلقاها المنظمة فقد تم تشكيل صندوق فلسطيني يشرف عليه مباشرة ياسر عرفات. وبموجب القرار الذي اتخذه الزعماء العرب في قمة بغداد، فإن المنظمة كانت تحصل من السعودي 85.7 مليون دولار سنوياً، ومن الكويت وليبيا 47.1 مليون دولار، ومن العراق 44.6 مليون دولار، ومن الإمارات العربية المتحدة 21.4 مليون دولار، ومن قطر 19.8 مليون دولار سنوياً.
وفي [طبق] آخر تابع للمنظمة فإن الدول العربية تقدم ما قيمته 70 مليون دولار سنوياً لمساعدة الفلسطنيين الخاضعين للاختلال الإِسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
ولكن ورغم كل تلك المساعدات فإن بعض القيادات الفلسطينية كانت تتهم بعض الدول العربية بالتقصير في مساعداتها. وعلى سبيل المثال فإن الرجل الثاني في حركة [فتح] الفدائية وعضو اللجنة المركزية للحركة صلاح خلف [أبو إياد] اتهم بعض الدول العربية بأنها تنفق أموالاً في دور غير عربية أكثر بكثير مما تنفقه على الأخوة الفلسطينيين والمعروف أن لمنظمة التحرير رؤوس أموال في كافة أنحاء العالم، وحتى في الولايات المتحدة وأوربا الغربية، كما أن لها حصصاً في عدد من البنوك العربية والعالمية ويعتقد مسؤول بنكي أردني بأن منظمة التحرير تمتلك حالياً في الأردن حوالي سبعين بالمائة من الاقتصاد الأردني فهي تمتلك مصانع لتركيب السيارات ومؤسسات لتصنيع وتعليب الفواكه، ولهذا فإن الأردن يعتمد اعتماداً كبيراً على رؤوس الأموال الفلسطينية في اقتصاده.
وحسب مزاعم إسرائيلية فإن الزعيم الفلسطيني أبو العباس يحصل شهرياً على مائة ألف دولار.
أما بالنسبة لمنظمة الصاعقة، فإن اغتيار زعيمها زهير محسن في الريفيرا الفرنسية حيث يمتلك هناك [فيللا] فخمة، له دلالته على مدى الغنى الذي كان يتمتع به قادة منظمة التحرير.
أما بالنسبة لوديع حداد الذي كان متخصصاً في تنفيذ عمليات فدائية داخل إسرائيل [هكذا زعمت درشبيغل] فقد ترك لشقيقته الوحيدة في عام 1978م ارثاً ضخماً مقداره 140 مليون دولار). اهـ.
تعليقات:
1- أليس عرفات ومساعده هم الذين اختاروا هؤلاء الذين أسماهم أباطرة وقياصرة؟!.
وما الحاجة إلى وجود هذه المكاتب في مختلف بلدان العالم؟!.
إنهم سفراء لحكومة المنفى التي يزعم عرفات بعدم جدواها .. والمنظمة انتهى دورها عندما لجأت إلى تأسيس هذه المكاتب وراحت تنفق عليها من الأموال التي تقدمها بعض الدول العربية للمنظمة.
وما قاله إلياس فريج صحيحاً [بغض النظر عن أهدافه ومقاصده] فالفلسطينيون في الأرض المحتلة وفي المخيمات أحق بهذه الأموال من الأباطرة.
2- حقاً هناك شركات ومؤسسات في مختلف بلدان العالم تديرها فتح، وبعض المسؤولين تخلو عن عضويتهم في المنظمة، لكنهم لم يتخلوا عن إدارة هذه الشركات وأصبحت من أملاكهم الخاصة، وفتح لا تستطيع أن تتخذ أي إجراء لأن الشركة في ظاهرها وحسب القوانين ملك لمديرها وليس لمنظمة فتح.
3- كان عرفات مضطراً للاعتراف بتجاوزات وأخطاء جنده في لبنان .. لكنه زعم أن هذه التجاوزات كانت يسيرة، وغير مستغربة، وقد كذب عرفات كعادته فيما زعمه، ونحن في حديثنا عن تجاوزات منظمة التحرير لا نردد أقوال الموارنة ومن نحا نحوهم من أعداء الوجود الفلسطيني في لبنان، وإنما نشير لأهم الأمور التي كان يتحدث عنها المسلمون السنة في لبنان.
- إن جنود حواتمة وحبش وجبريل سلكوا الأسلوب نفسه الذي سلكوه في الأردن قبل مذبحة أيلول عام 1970م.
لقد روّعوا الآمنين، واعتدوا على النساء والشيوخ، ونشروا الرعب والإِرهاب، وكانوا ينفذون عن طريق هذه الأعمال الوحشية دورهم في المؤامرة ضد الشعب الفلسطيني.
وجند زهير محسن من منظمة الصاعقة كانوا لصوصاً وقطاع طرق، وقد تحدث عنهم كمال جنبلاط في مذكراته، كما تحدث عنهم غيره من السياسيين اللبنانيين والفلسطينيين ..
ولهذا فغير مستغربث أن يمتلك زهير محسن (فيللا) فخمة في الريفيرا الفرنسية.
- ولم يكن الجند في حركة فتح أحسن حالاً من غيرهم .. لقد سيطروا على عدد من الشقق المفروشة في بيروت وغيرها من المدن، وكانت هذه الشقق والمباني أوكاراً للدعارة والفجور .. وقد كلم أصدقاء وأعوان الشعب الفلسطيني ياسر عرفات ومساعديه عن هذه التجاوزات لكنهم كانوا بين مشارك للفاسقين في فسقهم أو بين عاجز عن وضع حدٍ لهذه الانحرافات.
وكان [علي حسن سلامة] المسؤول الأول عن جهاز الأمن في فتح علماً من أعلام الفساد والفجور، وكان من المدمنين على شرب الخمرة، ويكفي أن زوجته كانت [جورجينا رزق] ملكة الجمال المعروفة .. وكان والده رحمه الله من المجاهدين الذين شاركوا في ثورة الشيخ عز الدين القسام رحمه الله، ثم انتهى ابنه إلى هذه النهاية وعاش جزءاً من حياته مع صليبية فاجرة حاقدة يطلعها على أدق أسرار حركة فتح.
واعترف الرجل الثاني في فتح صلاح خلف أن المخابرات الصهيونية استطاعت تجنيد [سكرتيرته] وأنها حاولت قتله عن طريق السم في الشاي الذي قدمته له في الصباح .. لكنها اعترفت قبل تنفيذ الجريمة [انظر كتاب عرفات إرهابي أم صانع سلام].
والمشكلة ليست في تنفيذ الجريمة من عدمه، وإنما المشكلة في قدرة المخابرات الإِسرائيلية على تجنيد مديرة مكتب الرجل الثاني في المنظمة.
ونجحت المخابرات الصهيونية في اغتيال عدد من زعماء المنظمة في لبنان وفي أوربا وفي بلدان أخرى .. وكانت الخمرة والمرأة من أهم الأسباب في نجاح المخابرات اليهودية.
لهذه الأسباب وغيرها أقول:
لقد دافعت في كتابي هذا عن الشعب الفلسطيني المظلوم في لبنان، ولم أكن أدافع عن عصابات فتح وحبش وحواتمة وجبريل وغيرهم من قطاع الطرق .. فقيادة هذه الحركات جزء لا يتجزأ من المؤامرة، وكان عرفات يبذر أموال المنظمة هنا وهناك، والفلسطينيون في المخيمات يعيشون حياة البؤس والفاقة والحرمان، ففي بيروت وحدها كان عرفات ينفق على أكثر من عشرين منظمة لبنانية يزعم قادتها أنهم من الشعب الفلسطيني، وعندما وقعت الواقعة هربوا إلى باريس ولندن يعربدون بالأموال التي جُمِعَتْ باسم الشعب الفلسطيني وتركوا أعداء الإِسلام يرتكبون أفظع المذابح في كل مدينة ومخيم يسكنه المسلمون السنة.
المبحث السابع
المنشقون
بعد أن ولغ جند أمل بدماء الفلسطينيين في مخيامتهم البائسة .. وبعد أن كشفت أوراق الرافضة وهتكت أستارهم أمام البقية الباقية من المسلمين السنة الذين كانوا يحسنون الظن بهم .. بعد هذا كله صدر عن بعض قادة المنشقين عن قيادة عرفات التصريحات التالية:
- في 1 يوليو 1985م قال عضو لجنة التنسيق عن جبهة الإِنقاذ [أبو علي بسيسو] في مقابلة له مع مجلة [الأسبوع العربي]:
(الطائفة الشيعية حليفتنا الطبيعية بشكل عام .. وهي التي احتضنت جماهير شعبنا منذ عام 1948م. ولنلق نظرة سريعة حينما أرغم شعبنا على الخروج من فلسطين المحتلة، أين المخيمات الفلسطينية المتواجدة في لبنان؟!.
أليست جميعها – باستثناء مخيم – بين أبناء الطائفة الشيعية.
وقال: إن ياسر عرفات هو الذي ذبح الطائفة الشيعية يوم مارس سلطاته على جماهير شعبنا في لبنان كاملة.
وقال أيضاً: (إن أسلحتنا بأيدي جماهير شعبنا .. كانت وستبقى في المخيمات وبموافقة الأطراف اللبنانية كافة وعلى رأسهم الأخوة في حركة أمل. على أن أخذ هذه الخصوصية اللبنانية في عين الاعتبار، بأن يكون سلاحنا في أمرتها، وليس العكس، فنحن كقوي ثورية سلاحنا وأرواحنا بإمرة القوى الثورية اللبنانية). اهـ.
- ودافع أبو موسى عن الذين قاموا باغتيال كوادر موالية لياسر عرفات في مخيم عين الحلوة في صيدا وقال: (هؤلاء رموز موالية لعرفات ويشتبه في تعاونهم مع العدو وأعوانه مثل أبي عريضة الذين يلحقون الضرر بالشعب الفلسطيني .. غير أنه استدرك قائلاً: (ولكن جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني ترفض حالياً اللجوء إلى التصفيات) اهـ(1).
- صدر عن جبهة الإنقاذ الفلسطيني بياناً جاء فيه: (يؤكد المجتمعون(2) طلبهم إلى كل من عبد العزيز أبو فضة وراجي النجمة وسحسين الهيبي ومؤمن، رموز النهج العرفاتي المستسلم والمرتبط بالحلول الأميركية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية مغادرة صيدا والجنوب خلال أسبوع واحد من تاريخ صدور هذا البيان)(1).
وأعجب ما في هذه التصريحات ثناء [أبو علي بسيسو] على طائفة الشيعة .. ولا أدري كيف نجمع بين علمانية بسيسو ومناداته بإلغاء الطائفية وبين إعجابه الشديد بالشيعة؟!.
وبدلاً من استنكاره لجرائم أمل راح بسيسو يتحدث عما أسماه جرائم عرفات ضد الشيعة في لبنان، وعرفات لم يرتكب مثل هذه الجرائم، والشيعة لم يحتضنوا الشعب الفلسطيني كما زعم بسيسو.
مرة أخرى لا أدري كيف يتجرأ هؤلاء الخونة على قتل إخوانهم في عين الحلوة، وترديد أقوال عملاء إسرائيل وأميركا من النصيريين والرافضة .. والوقوع في مثل هذه التنقضات؟!.
ومهما قيل عن خيانة المنشقين وانحرافهم، لا بد من الاعتراف بأنهم رفاق طريق ياسر عرفات، وخاصة أصدقائه، ولا بد من الاعتراف أيضاً أن ياسر عرفات لم يفاجأ بمواقفهم ولا بمعارضتهم له ولمن هم على شاكلته .. ويفخر عرفات بأنه وقف طضد القرار القاضي بطرد أبي صالح من قيادة فتح قبل انشقاقه بزمن غير قصير، كما أنه يفخر بأنه كان قد أنقذ أحمد جبريل من القتل، مع أن جبريل كان معروفاً ارتباطه بالمخابرات السورية منذ بداية تأسيس فتح [مجلة التضامن 2 نوفمبر 1985م].
إذن كان عرفات ومساعدوه يعرفون اتجاهات زملاءهم في قيادي منظمة التحرير وفتح، ويزعم عرفات بأنه ديموقراطي، وقد ترك المجال مفتوحاً أمام الآخرين ليعبروا عن آرائهم بحرية كاملة .. ولكن الأمر ليس كذلك فعرفات أتقن اللعب على الحبال، وأحب أن يكون في فتح عدة اتجاهات، وهو يستفيد من الصراع بين هذه الاتجاهات، ويشعر كل طرف بحاجتهم إلى رعاية الزعيم الأوحد، ومن جهة أخرى ينافق لبعض الحكومات عن طريق عناصرها في فتح ومنظمة التحرير، فإذا أراد حاجة من الاتحاد السوفياتي أرسل إليهم عناصر شيوعية من فتح، وللعراق وسورية عناصر بعثية ولدول الخليج (آل الحسن)، وللملك حسين السائح وأمثاله، وللفاتيكان المطران كباوتشي وغيره من القسيسين .. وظن عرفات أنه عبقري وغيره أغبياء، وثبت أن غيره لا يقل ذكاء عنه، كما ثبت أن الأفكار والمبادئ أقوى وأشد رسوخاً من الجعجعة واللعب على الحبال، وانتهى عرفات كما انتهى من قبله أحمد القشيري ومن المؤسف أن المسلمين الفلسطينيين كانوا وحدهم الضحية لسياسة عرفات، وقد قادهم من نكبة إلى أخرى، ومن مجزرة إلى مجزرة أخرى، وكان حلفاؤه هم القتلة والجزارين.
المبحث الثامن
الموقف العربي
أسر الروم في حروبهم مع المعتصم – الخليفة العباسي – امرأة مسلمة وأودعوها في سجن من سجون عمورية .. وذات يوم وجه إليها السجّان كلمة نابية جرحت كرامتها فصاحت المرأة بأعلى صوتها (وامعتصماه)، فلطمها الجندي، وسخر منها ومن ندائها، وأين هي من المعتصم؟!.
وشاء الله جلّ وعلا أن تقرع هذه الكلمة آذان المعتصم حيث نقلها له أحد الذين سمعوا الخبر .. فغضب الخليفة العباسي، وأمر بتجهيز الجيش، ثم سار به إلى عمورية، وهزم الجيش الروماني بعد معركة طاحنة على مشارف المدينة، وفتح الله على يديه عمورية، وتوجه إلى السجن فقتل الجندي الروماني، وأنقذ المرأة المظلومة .. وعندما مثلت بين يده قال لها: (لبيك نداؤك وامعتصماه .. لبيك نداؤك وامعتصماه .. كرها ثلاثاً).
وتمر الأيام التي وصفها الشاعر هاشم الرفاعي رحمه الله فقال:
وما فتئ الزمان يدور حتـــــــــــــــى مضى بالمجد قوم آخرونـــــــــــا
وأصبح لا يرى في الركب قومـــــــــــي وقد كانوا أئمته سنينـــــــــــــــا
وآلمني وآلم كل حـــــــــــــــــــــــــر سؤال الدهر أين المسلمونـــــــــــا
تمر الأيام، وينتصر حفنة من اليهود على سبعة جيوش عربية عام 1948م، نتيجة مؤامرة دبرتها الدول الكبرى، ونفذها الطواغيت العرب أمثال: جميل مردوم، وعبد الله بن الحسين، وفاروق .. وغيره من الذين زهدوا بالشهادة في سبيل الله وفقدوا النخوة والمروءة العربية ..، وقبلوا أن يكون الضابط الانجليزي (غلوب باشا) قائداً للقوات العربية .. وفر الفلسطينيون مذعورين من أرضهم وأوطانهم، فروا أمام مطاردة عصابات (الهاغانا) الظالمة.
ويتذكر شاعر الشام عمر أبو ريشة قصة المعتصم فقال في مظاهرة صاخبة يخاطب جميل مردم رئيس وزراء سورية:
رب وامعتصماه انطلقـــت ملئ أفواه الصبايا اليتــم
لامست أسماعهم لكنهـــا لم تلامس نخوة المعتصـم
لا يلام الذئب في عدوانــه إن يك الراعي عدو الغنم
ويقال بأن هذه القصيدة التي تعد من عيون الشعر الحديث كانت سبباً في سقوط وزاره جميل مردم. فأين حكام اليوم من جميل مردم وأقرانه؟!.
- جميل مردم رئيس وزراء سورية عام 1948م كان يسمح بالمظاهرات، وكان يُشْتَم من قبل المتظاهرين ولا يسجن أو يقتل أحداً.
أما حافظ الأسد حاكم سورية الأوحد منذ عام 1970م وحتى عام 1986م فلا يسمح بالمظاهرات اللهم إلا إذا كانت مؤيدة لجرائمه وبطشه، وقد حاول الفلسطينيون في مخيم اليرموك بدمشق أن يتظاهروا وينددوا بجرائم أمل، فقمعت المظاهرة بالحديد والنار، وتم تصفية عدد غير قليل من المتظاهرين، واعتقال الآخرين.
- جميل مردم كان يسمح للمتطوعين المجاهدين أن يمروا من سورية ليقاتلوا العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة .. أما حافظ الأسد وأقرانه فلا يستطيع أحد في البلاد العربية أن يطلب منهم السماح له بالدفاع عن الفلسطينيين في سورية أو الأردن أو لبنان أو فلسطين المحتلة.
- كان أهل الخير والمحسنون في عهد الخائن جميل مردم يوزعون المال والطعام على اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، ولا يستطيع أهل الخير اليوم أن يوزعوا مثل ذلك على الفلسطينيين، وقد صادر نظام أسد جميع المؤن والمساعدات التي تبرع بها المحسنون في شبه الجزيرة العربية للمنكوبين المسلمين في لبنان.
- كانت الإذاعات العربية في عهد جميل مردم وأقرانه تتباكى على قضية فلسطين، وكان أكثر الطواغيت خيانة لا يجرؤ على ذكر مصالحة العدو الصهيوني .. أما اليوم فكلهم يلهثون وراء ما يسمى بالحل الأميركي أو الحل السوفياتي، وزيارات رسل البيت الأبيض لدول المواجهة تتصدر نشرات الأخبار العربية دون حياء ولا خجل.
وعلى نقيض ذلك فالجهات العليا في معظم الدول العربية منعت وسائل إعلامها من ذكر الأمور التالية:
أمل الشيعية، المسلمون السنة، النظام النصيري السوري، قوات الموارنة، الكتائب، قوات النصارى، الدروز.
وكانت تكتفي هذه الإِذاعات عند الحديث عن الحرب اللبنانية بقولها: القوات الوطنية، والقوات اللبنانية، وحركة أمل.
ومن أراد سماع بعض ما يجري في لبنان، كان يستمع إلى إذاعة صوت أمريكا أو إذاعة إسرائيل أو إحدى إذاعات الدول الغربية.
- وجميل مردم رئيس وزراء سورية عام 1948م كان متهماً بقضية باخرة الأسلحة، ونتيجة لذلك سقطت حكومته وانتهى دوره .. لكنه رغم ذلك ما كان يستطيع أن يتخذ موقفاً ضد الشعب الفلسطيني، بل لقد كان الفلسطينيون في عهده يتمتعون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون السوريون. أما حافظ الأسد رئيس سورية الثوري وأحد أعمدة حزب البعث العربي الاشتراكي فهو صاحب بلاغ سقوط القنيطرة عام 1967م، وصاحب قرار فصل القوات، وهو الذي مكن إسرائيل من احتلال ما أسماه جيوياً جديدة عام 1973م.
وهو – أي حافظ الأسد – الذي أمر جيشه بدخول لبنان عام 1976م بحجة المحافظة على حقوق منظمة التحرير في لبنان .. ومن ذلك العام وحتى كتابة هذه الأسطر وهو يقتل ويبطش بالفلسطينيين، ولا أعرف أحداً في الدنيا نكتب المسلمون في فلسطين وسورية ولبنان مثله .. ومن أشهر الجرائم التي شارك فيها رئيس النظام النصيري: مجزرة تل الزعتر، وعين الحلوة، والبداوي، ونهر البارد، وصبرا، وشاتيلا، وبرج البراجنة.
ورغم كل ما اقترفته يده لا يزال رئيساً لسورية، وزعيماً عربياًيحسب له القادة العرب ألف حساب، كما أنه لا يزال ينادي بتحرير فلسطينويشن حملات شعواء ضد الذين ينادون بالحلول السلمية!!.
فأيهم أكثر خيانة وإجراماً جميل مردم أم حافظ أسد؟!.
أما الأنظمة العربية فلقد أيدت حافظ أسد في احتلال جيشه للبنان، وسكتت عن جرائمه وكمت أفواه المواطنين، ومنعت خطباء المساجد وأصحاب الأقلام من استنكار المجازر التي ارتكبها أسد في لبنان(1).
وفضلاً عن ذلك فقد التزمت الدول العربية الغنية بنفقات القوات النصيرية التي احتلت لبنان وأسمتها ظلماً وزوراً قوات الردع العربية .. كما التزمت هذه الدول بدعم الاقتصاد السوري، وأنقذت النظام من الانهيار والإِفلاس، ومن الجدير بالذكر أن هذا الدعم صاحب وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970م.
وتحتفظ معظم الأنظمة العربية بعلاقات متينة مع قادة الدروز والموارنة والنصيريين والرافضة .. وتقدم لهم مساعدات سنوية تزيد على ما تنفقه هذه الدول على المساجد ودور العلم الشرعية.
ونظام أسد ليس أول نظام عربي يسفك دماء الفلسطينيين .. لقد سبقه الملك حسين ففعل ما فعله في جرشٍ ومخيمات عمان .. واعترف بعض قادة فتح بأن جمال عبد الناصر كان شريكاً لملك الأردن في مجاز عام 1970م [انظر كتاب عرفات إرهابي أم صانع سلام].
وسبقه حزب البعث في مفاوضاته مع اليهود عام 1958م، وفيما نفذه من إعدامات في عامي 1963م و1964م .. وتوج نظام العفالقة في بغداد جرائمهم باغتيال عدد من قادة المنظمة في السبعينيات(1).
وقصارى القول فإن الأنظمة العربية كلها متورطة مع أسد في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، لا فرق في ذلك بين اليمينية واليسارية منها أو بين التقدمية والرجعية .. وإذا كان هناك اختلاف فهو في الأدوار .. ولا نصدق بعد هذا أي زعيم عربي عندما يقول: إن هذا الجيش – يعني جيش بلده – درع للأمة العربية، وصخرة تتحطم عليها أطماع العدو الصهيوني.
لا نصدق مثل هذه الأقوال لأننا اختبرنا هذه الجيوش وتأكد عندنا بأنها أُعِدَتْ لحراسة النظام ضد الانقلابات والمؤامرات الداخلية، والناس في بلادنا خائفون مذعورون من مليشيا الزعيم وجواسيسه، وإذا فرضت إسرائيل الحرب على العرب يفر قادة هذه الجيوش ويتبعهم الجند وهم يرددون:
(الحزب أهم من الأرض).
والعجيب أن قادة الأنظمة الثورية اتخذوا من قضية فلسطين سلماً ومن الحرية شعاراً، ولا يزال في أمتنا من يصدق بأنهم خير من جميل مردم وعبد الله بن الحسين وفاروق!!.
المبحث التاسع
وهل بعد ذلك من نصر؟!
وفي الختام أذكر أخواني أبناء فلسطين بما يلي:
أولاً – لا تنسوا:
- لا تنسوا أن الجيش الإسلامي الذي ضم الصحابة رضي الله عنهم هو الذي فتح فلسطين وحررها من استعباد الرومان واستعمارهم.
- ولا تنسوا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منح النصارى حقوقاً ما كانوا يحلمون بها في ظل سيطرة الرومان.
- ولا تنسوا أن المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي فتح فلسطين وحررها من الاستعمار الصليبي الذي دام أكثر من مائتي عام .. وظنوا أن الميدان قد أقفر من أبطاله، وأنهم باقون في فلسطين أمد الدهر.
- ولا تنسوا أن داعية الإِسلام الشيخ عز الدين القسام خطيب مسجد حيفا هو الذي رفع راية الجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، وما كان عليه رحمة الله يشعر بأن سورية كيان وفلسطين كيان آخر، ولا كان يؤمن بهذه الحدود المصطنعة بين بلدان العالم الإِسلامي.
ويشار الله أن يكون الشيخ عز الدين القسام من مدينة [بانياس الساحل] لا تبعد كثيراً عن قرية الخائن حافظ الأسد [القرداحة].
ولا تنسوا دور الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين الذي طاق بلدان العالم الإِسلامي داعياً إلى الجهاد في فلسطين، ومحذراً من المؤامرة التي يدبرها أعداء الله الإنجليز، فاستجاب لدعوته العلماء والدعاة إلى الله وفي طليعتهم (الأخوان المسلمون) الذين خاضوا حرب فلسطين عام 1948م، وضربوا أروع الأمثال في الفداء والتضحية، ودافعوا بكل شجاعة عن المسجد الأقصى، وقدموا عدداً غير قليل من الشهداء الشباب.
- ولا تنسوا أن الدعاة إلى الله كانوا معكم فيما ابتلاكم به في الأردن وسورية ولبنان .. كانوا معكم في خنادقكم ومخيماتكم وفي العمل الفدائي داخل فلسطين المحتلة .. كانوا معكم في حين كان معظمكم ضدهم فيما ابتلاهم الله به في مصر وسورية.
أخواني أبناء فلسطين: عندما اعتدت حركة أمل والنظام النصيري على صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في رمضان عام 1405هـ كنت في سفر، وشاهدت في سفري عدداً من المسلمين من جنوب شرق آسيا، وإفريقيا، وأوروبا .. لقد كانوا معكم في محنتكم، كانوا يبكون ويتمنون أن يسمح لهم بالوصول إلى لبنان ليدافعوا عن مخيماتكم.
ثانياً – ولا تنسوا:
- ولا تنسوا ما فعله الحسين بن طلال في جرش وفي مخيماتكم في عمان .. اذكروا جرائمه، ولا تنسوا أن جده الأول الحسين بن علي كان أول خائن عربي استخدمه الإنجليز واليهود من أجل هدم الخلافة الإِسلامية، وكان ابنه فيصل بن الحسين أول مسؤول عربي يتفاوض مع اليهود ويعدهم بوطن قومي لهم في فلسطين وابنه الآخر عبد الله بن الحسين كان صنيعة الإنجليز، وهم الذين منحوه إمارة شرقي الأردن ونصبوا الضابط الإنجليزي (غلوب باشا) قائداً لجيشه .. وهؤلاء يا أبناء فلسطين هم أبطال ما يسمى بالثورة العربية الكبرى ورواد القومية العربية!!.
- ولا تنسوا الشعارات التي كان يروجها جمال عبد الناصر، وكيف استغل قضية فلسطين أبشع استغلال، وصدقتموه عندما قال لكم: (إن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر من العوام العربية).
وكيف استخدم كثيراً من شبابكم في تنفيذ مؤامراته ومعاركه في الأردن ولبنان وسورية والعراق واليمن وشبه الجزيرة العربية.
وأخيراً ماذا قدم عبد الناصر لقضية فلسطين؟!.
لقد صنع أكبر هزيمة في تاريخ العرب الحديث، ووافق على مشروع روجرز – أي الاعتراف بحق اليهود في فلسطين كلها -، وأعطى الملك حسين الضوء الأخضر ليبطش بكم في أيلول من عام 1970م لأن أتباع جورج حبش(1) ونايف حواتمة تظاهروا ضده واستنكروا موافقته على مشروع روجورز .. وأخيراً فهو الذي اختار صديق السادات ليكون خليفته.
- ولا تنسوا تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي .. لقد كان أول حزب يفاوض اليهود عام 1958م، وهو الذي كان يقرع طبول الحرب ويزعم قادتهم أنهم سيلقون اليهود في البحر المتوسط ليكونوا طعاماً لحيتانه، وعندما وقعت الحرب هربوا من ساحة المعركة، وأصدروا بلاغ سقوط القنيطرة، ومن بعد ذلك منعوا الفدائيين من المرور من حدودهم إلى فلسطين المحتلة .. وأخيراً فعلوا في مخيماتكم ما عجزت إسرائيل عن فعله ..
اذكروا جيداً أن جميع أجنحة حزب البعث متورطون في المؤامرة لا فرق في ذلك بين عفلق والبيطار، أو بين جديد وزعّين، أو بين الأتاسي والبكر، أو بين صدام والأسد .. كلهم يستخدمون الحزب للطائفية أو العشائرية التي يؤمنون بها ويدعون إليها.
- ولا تنسوا ما فعله شيعة الخميني، ففي جنوب لبنان تحالفوا مع اليهود والنصارى وفي بيروت والبقاع والشمال تحالفوا مع الدروز والنصيريين والنصارى، وكنتم وإخوانكم من المسلمين السنة العدو المشترك لجميع هذه الأطراف المتحالفة.
لقد خدعكم عرفات وأعوانه عندما زعموا بأن الخميني إمام للمسلمين، وهو الذي سيحرر الأقصى وما حوله .. والخميني اليوم يتلقى الأسلحة من إسرائيل ويستخدمها في حربه ضد العراق .. واعترف عرفات أخيراً بأن موافق الخميني صدمته!!.
أخواني أبناء فلسطين: إن الخميني اليوم يعيد للأذهان أساليب عبد الناصر في استغلال الفلسطينيين وقضية فلسطين .. وقد تشيع بكل أسف بعض الفلسطينيين، وفي لبنان وغزة والضفة الغربية ناس من بني جلدتكم مازالوا يصدقون أقوال الخميني وشيعة فكونوا على حذر، واعلموا أن الرافضة حلفاء لليهود والنصارى منذ أيام عبد الله بن سبأ.
- ولا تنسوا تأييد الاتحاد السوفياتي لليهود عام 1948م، ولسماحهم لمئات الآلاف من اليهود بالهجرة من الاتحاد السوفياتي إلى فلسطين المحتلة.
وتذكروا جيداً مواقف الأحزاب الشيوعية العربية من قضية فلسطين، وآخرها موقفهم منكم في شمال لبنان، وتعاونهم مع النظام النصيري، ولا تصدقوا ما يقوله صلاح خلف وفاروق قدومي وغيرهما عن مواقف السوفيات.
واعلموا أن حافظ الأسد ما كان قادراً على فعل ما فعله بكم لولا تأييد السوفيات له.
ولا تنسوا دور الدروز في حرب 1948م وكيف وقفوا إلى جانب اليهود ضد المسلمين، ولا موقفهم في حرب 1967م .. وتذكروا كيف تخلى عنكم كمال جنبلاط ودروزه عام 1976م وهو الذي حاول أن يصعد على جماجمكم ليكون رئيس جمهورية لبنان .. ثم تذكروا جيداً ما فعله ابنه وليد بكم عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م .. وتذكروا أخيراً بأن الدروز هم الدروز في كل عصر ومصر.
- ولا تنسوا أخيراً عداوة النصارى لكم: في فلسطين المحتلة، وفي الأردن، وفي لبنان، وفي الفاتيكان، وسواء كانوا يساريين كعفلق وحبش وحواتمة وجورج حاوي، أو يمينيين، كريمون إدة، وبيار الجميل، وسليمان فرنجية .. لا تتجاهلوا تاريخ أمتكم، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا .. واذكروا قوله تعالى: ]وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء[ [هود: 113].
وقوله تعالى: ]لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ[ [الممتحنة: 22].
ثالثاً – عودوا إلى الله:
في لقاء المفتي الأسبق الشيخ محمد أمين الحسيني رحمه الله مع أبناء وطنه وجهوا إليه السؤال التقليدي التالي: (متى نعود إلى فلسطين).
فأجاب: عودوا إلى الله تعودوا إلى فلسطين!!.
فسخر سفهاؤهم من جواب المفتي، وراحوا يتساءلون: ما علاقة العودة إلى الله بالعودة إلى فلسطين؟!.
وهل أخرجنا من ديارنا وأوطاننا إلا الله؟! .. ودفعهم كرههم لما يدعوا إليه الشيخ الحسيني إلى الانخراط في الأحزاب والحركات القومية واليسارية: كحزب البعث العربي الإِشتراكي، والحركة الناصرية، وحركة القوميين العرب، والأحزاب الشيوعية العربية.
وبعد رحلة شاقة في مسيرة هذه الأحزاب القومية العلمانية دامت أكثر من ثلاثين عاماً ثبت بالأدلة الأكيدة أن قادة هذه الأحزاب متآمرون مخادعون .. وقد استغلوا كثيراً من أبناء فلسطين في معاركهم ضد خصومهم سواء كانوا من الدعاة إلى الله أو من غيرهم، وأخيراً فعلوا بالفلسطينيين ما عجز اليهود عن فعله.
وبعد هذه الرحلة الشاقة المضنية تذكر العقلاء من أبناء فلسطين قوله المفتي رحمه الله: عودوا إلى الله تعودوا إلى فلسطين.
أما والدة خالد الحسن – أحد قادة منظمة التحرير – فكانت تؤكد منذ بداية تأسيس فتح أن فلسطين لن يحررها إلا المجاهدون المسلمون الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا.
ذكر أحد أبنائها القصة التالية:
كان زوجها – والد خالد الحسن – أحد المجاهدين الأشداء في ثورة الشيخ عز الدين القسام، وكانت زوجته تشاركه في آماله وآلامه، وتؤدي دورها المطلوب في معركة المصير .. وفرحت المرأة عندما سمعت أبناءها يتحدثون عن تأسيس فتح، وكانت تذكرهم بجهاد أبيهم، وتطلب منهم أن يرتسموا خطاه.
واجتمع قادة فتح في بيت خالد، واستمر اجتماعهم طوال ليل ذلك اليوم، وكانت الأم ترصد حركات المجتمعين وأفعالهم، وكان الأبناء يستغربون من أمهم التصاقها بباب الحجرة التي تضم معظم قادة فتح .. وبعد أن انفض الاجتماع قالت الأم لأبنائها:
شتان شتان بين اجتماعكم واجتماعات أبيكم وأصحابه .. كانوا يقومون الليل صلاة وذكراً، وأنت ما سمعت منكم إلا العبث والكلام الفارغ .. وليست مواصفات الذين سيحررون فلسطين من العدو المغتصب!!.
ما أروع الفطرة السليمة، فهذه المرأة لم تجهد نفسها في البحث والتنظير، ولم تقرأ عشرات المؤلفات، بل لعلها أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك فإنها أدركت بفطرتها التي لم تلوثها الأفكار والاتجاهات الدخيلة الشاذة بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن النصر من الله وحده لا شريك له، وليس من واشنطن أو موسكو أو بكين، ومن يعتصم بالله ويأخذ بأسباب النصر لا تهزمه أساطيل الدول الكبرى ولا جيوشها وصواريخها:
]كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[ [المجادلة: 21].
حقاً لقد كانت والدة خالد الحسن أبعد نظراً من أبنائها ومن معهم من قادة فتح، وأكثر منهم وعياً وعمقاً .. وتذكر أحد أبنائها نصيحة أمه بعد عقدين من الزمن، وبعد أن تعامل مع قادة المنظمة عن كثب وسبر أغوارهم، وأدرك أنهم أصحاب أهواء وطلاب زعامة، وأنهم يتاجرون بقضية فلسطين كغيرهم من الحكام العرب .. تذكر الإِبن نصيحة أمه فتخلى عن المنصب المرموق الذي كان يشغله في فتح، أما أخواه فتخلوا عن منهج أبيهم وغرقوا في أوحال السياسة.
رابعاً – انتهى دور عرفات:
انتهى دور عرفات بعد أن تخلى بعد أسياده، وفشلت تحالفاته، وانشق عنه رفاق دربه.
ومع ذلك لا تزال بعض الأصوات تطالب باستمرار قيادته، وتلتمس له الأعذار .. لهؤلاء نقول: إذا كان عرفات غبياً وغير قادر على معرفة العدو من الصديق، فلا يجوز أن يقود الغبي أمة مجاهدة .. وإذا كان عرفات خبيثاً، وقد كان يعرف مخططات حلفائه، وتعاون معهم حرصاً على زعامته فهو خائن مجرم .. وفي كلا الحالتين يجب أن لا تستمر قيادته للشعب الفلسطيني.
يا أبناء فلسطين: ما هو المبرر لاستمرار قيادة هذا المجرم الذي قاد أمته من مجزرة إلى مجزرة ومن محنة إلى محنة أخرى؟!.
حكموا عقولكم ودعوا عنكم العواطف الفارغة ما الذي يجنيه الشعب الفلسطيني من تقارب عرفات مع الملك حسين أو مع حسنى مبارك؟!.
وماذا تنتظرون من الجزار أسد حتى يتذلل له عرفات، ويطلب منه العفو والمغفرة .. لو كان رئيس المنظمة وفياً لشعبه لما مد يده للمجرم أسد بعد مذابح عام 1976م، لكنه لم يكن وفياً ولا أميناً على دماء وأعراض المستضعفين في المخيمات الفلسطينية.
أي طريق مشبوه لم يسكه عرفات؟!، لقد فاوض اليهود منذ عام 1975م زاعماً أنهم من دعاة السلام ويعارضون نهج النظام الصهيوني، وحاول أن يكسب ود الأميركان، وهاجم المجاهدين المسلمين الأفغان نفاقاً للسوفيات، وبايع الخميني إماماً للمسلمين، ورفع شعار العلمانية، وكان ينفق أموال الشعب الفلسطيني على قطاع الطرق ورجال العصابات في بيروت وطرابلس وصيدا .. ولو كان يعلم بأن اليهود سينسحبون له عن (أريحا) ويسمحون له بإقامة دولة فلسطينية مستقلة فيها لفعل أكثر مما فعله السادات.
يقول بعض الفلسطينيين: إن البديل لعرفات قادة الانشقاق – أمثال أبي موسى وأبي صالح – وأحمد جبريل وجورج حبش ونايف حواتمة .. وهؤلاء ليسوا أحسن حالاً من عرفات ومساعديه.
قلت: المنشقون هم بطانة عرفات وأصدقائه، وقيادته المنحرفة جاءت بهم، وكان يعلم أهدافهم، ولم يختلف معهم على أهداف وتصورات، وإنما كان الخلاف شخصياً.
ومن جهة أخرى فالقضية المطروحة ليست عرفات أو المنشقين، لقد ثبت فشل هذه القيادة بشقيها، ولم تعد مؤهلة لقيادة هذا الشعب المسلم الذي نهض من سبات نوم عميق، وكفر بالشرق والغرب، وعاد إلى كنف ربه يسأله النصر والغفران .. وعرفات ومن حوله يعلمون هذه الحقيقة، ويحاولون استقطاب هذه الجموع – داخل فلسطين المحتلة وخارجها – بأساليب ملتوية ليس هذا موضع الحديث عنها .. ولكن هيهات له ذلك، فلقد أفل نجمه، وانفض الناس من حوله.
والقيادة المرشحة لهذه المهمة هي القيادة التي لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً ولا توالي أعداء الله، ولا تضع الورود والرياحين على قبر لينين.
إنها القيادة آلت تستنفر جميع طاقات المسلمين المعطلة، وتعمل جاهدة من أجل توحيد جماعات وهيئات أهل السنة، فليس هناك أخطر على المسلمين من الفرقة والتناحر.
أجل إنها القيادة التي تتفهم مشكلات العصر، وتضع لها الحلول المناسبة من غ ير ما غلو ولا تسيب .. وتتق الله في كل قطرة دم من دماء المسلمين.
وهكذا كانت قيادة صلاح الدين الأيوبي وأستاذه عماد الدين زنكي عليهما رحمة الله ورضوانه.
ومن تقدير الله العجيب أن قيادة صلاح الدين هي التي حطمت دولة العبيدين في مصر، ودويلات الحشاشين والنصيرين والرافضة في بلاد الشام.
ما أشبه الليلة بالبارحة فالنصيريون في بلاد الشام، والرافضة في لبنان وإيران والعراق يذكروننا بسيرة أجدادهم مع الصليبيين والتتار ونرجوا الله أن يبعث في هذه الأمة رجلاً كصلاح الدين وما ذلك على الله بعزيز.
خامساً – رأي في عودة مصر:
مما لا شك فيه أن الرئيس المصري السابق – عليه من الله ما يستحق – ارتكب جريمة كبرى وخيانة عظمى يوم زار الكنيست الإِسرائيلي، وعانق القتلة المجرمين أمثال: بيغن، ودايان، وشارون، وبيريز، وأعقب هذه الزيارة التوقيع على معاهدة (كمب ديفيد)، وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع العدو الصهيوني.
وأعلن الحكام العرب من جهتهم في مؤتمر بغداد مصر سياسياً واقتصادياً، فزادت هذه المقاطعة من وقاحة فرعون مصر، فأعلن عما بنفسه من حقد وكراهية للعرب، وأصبح دمية تحركها الولايات المتحدة كما تشاء.
ولم تتغير أحوال مصر كثيراً بعد هلاك السادات لأن خلفاءه وجدوا أنفسهم في موقف حرج لا يحسدون عليه ولا يستطيعون منه فكاكاً.
والذين استفادوا من عزلة مصر فضلاً عن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل: النظام النصيري في دمشق، ونظام الآيات في طهران، ونظام القذافي في طرابلس الغرب.
فنظام طهران لا يقبل اليوم أية وساطة من أجل إنهاء الحرب بينه وبين العراق، ويهدد باحتلال دول الخليج العربي.
ونظام دمشق النصيري تمكن من احتلال معظم لبنان تحت مظلة الجامعة العربية، وارتكب أسوأ المجازر ضد المسلمين السنة، وبشكل أخص الفلسطينيين منهم.
ونظام القذافي يحاول احتلال تونس والسودان، ومن جهة أخرى يحرك جماعة أبي نضال وغيرها من الجماعات الإِرهابية التي تعيد للأذهان أسلوب عبد الناصر، ومعاركه التي كان يفتعلها داخل البلدان العربية.
ومن جهة ثالثة ينسق هذا النظام مواقفه مع كل من سورية وإيران.
ولهذا يعارض الباطنيون في العالم العربي بشدة أية محاولة تهدف إلى عودة مصر إلى الصف العربي، لأن هذه العودة تقلل من أهميتهم وتضف شأنهم ..
ومن المؤسف أن أي حاكم عربي لا يستطيع كبح جماح أسد النصيرية الذي أصبح مرهوب الجانب بعد غياب مصر وانشغال العراق بالحرب.
ولا أدري ما هو المبرر في عدم عودة مصر إلى الصف العربي؟!.
إن جميع الحكام العرب يلهثون وراءا لحلول الاستسلامية مع العدو الصهيوني، لكنهم يخشون شعوبهم، ويفتقدون وقاحة السادات ولا أقول جرأته.
ليست المشكلة عندنا في هذا الحاكم أو ذاك إنما المشكلة في عزلة الشعب المصري المسلم، وما يعانيه من أزمات اقتصادية خانقة تنذر بأسوأ الكوارث.
سادساً – إن ربك لبالمرصاد:
أخبرنا جلَّ وعلا أن أمماً طغت وبغت وأكثرت في الأرض الفساد، فأخذها الله سبحانه وتعالى من حيث لم تحتسب، وجعلها عبرة لمن يعتبر. قال تعالى:
]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ.[. [الفجر: 6-14].
لقد ظن الذين سفكوا دماء الفلسطينيين في لبنان أنهم خالدون مخلدون في هذه الحياة .. فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .. ومن أشهر هذه الأسماء:
- طوني بن سليمان فرنجية الذي كان يطمع أن يكون خليفة لأبيه في لبنان .. قُتِلَ في معركة مع حزب الكتائب الماروني، وكان حزن أبيه على قتله أعظم من أن يوصف.
- موسى الصدر زعيم الشيعة ومؤسس حركة أمل اختطفته مخابرات صديقه القذافي مع مرافقيه، ويقال بأنه تمت تصفيتهم.
- بشير بن بيار الجميل: رئيس جمهورية لبنان، وقائد القوات المارونية الذي كان يسمى بشارون لبنان .. قتله نصارى من الحزب القومي السوري الاجتماعي.
- كمال جنبلاط: الزعيم الدرزي الذي ورط الفلسطينيين في المعركة وتخلى عنهم .. قتله نصيريو حافظ الأسد.
- بيار الجميل: زعيم الكتائب، رده الله إلى أرذل العمر، وهلك بعد مقتل ابنه بشير، وبعد أن دب الخلاف بين قادة حزبه.
- سعد حداد: زعيم الدويلة المسيحية في الجنوب، وعميل إسرائيل، أهله الله بالسرطان.
ومن الذين يعيشون في رعب، ولا يأمنون على أرواحهم وأبنائهم، ويخشون حتى من الجند الذين يحرسونهم.
- طاغية سورية حافظ الأسد لقد نجا من الاغتيال بأعجوبة، وكاد يهلك بمرض القلب، ورأى بعينيه اختلاف الوارثين على تركته.
- كميل شمعون: نجا من الاغتيال أكثر من مرة، وأباد الكتائبيون معظم قادة مليشياته، والغريب أن الذين يهددونه بالقتل أبناء جلدته الموارنة .. وفوق هذا وذاك فقد رده الله إلى أرذل العمر.
- تدور معارك طاحنة بين أطراف حزب الكتائب، أي بين إيليا حبيقة من جهة، وأمين الجميل وسمير جعجع من جهة أخرى، وكان ضحية هذه الاشتباكات مئات القتلى، ولا أظن أن هذا الخلاف سيحسم بصورة سليمة.
- جرت أكثر من محاولة لاغتيال وليد بن كمال جنبلاط، وكانت سورية إحدى هذه الجهات المتهمة باغتياله لأن شهر العسل بينه وبينها قارب الانتهاء.
- وجرت أكثر من محاولة لاغتيال زعيم حركة أمل نبيه بري .. وهناك جهات كثيرة – داخل الطائفة وخارجها – تطالب بدمه.
هذه بشائر في طريق النصر إن شاء الله، والله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهلاك الظالمين لا يعني التثاقل إلى الأرض، وعدم الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية.
من عادة الإِسلام ينصر عاملاً ويسود المقدام والفعــــالا
ظلمته ألسنة تؤاخذه بكــــم وظلمتموه مقصرين كسالا
إخواني أبناء فلسطين: لا تقنطوا من رحمة الله، ولا تيأسوا من نصره:
]قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[ [الحجر: 57].
واعلموا بأن الإِسلام لم ينهزم في معاركنا مع اليهود.
لقد انهزم القادة الملاحدة الذين يوجهون أشرس الضربات لدعاة الإِسلام.
وانهزمنا جميعاً لأننا قبلنا قيادة هؤلاء الطغاة لنا، وقاتلنا تحت الرايات الجاهلية التي يرفعونها.
وانهزمنا بذنوبنا، وكثرة معاصينا، وتفرق كلمتنا.
ثقوا يا أخوة بأن اليهود هم اليهود في كل زمان ومكان جبناً وهلعاً وضعفاً .. إنهم لا يقاتلون إلا إذا كانوا في قلاع حصينة أو في دبابات متينة. قال تعالى:
]لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ[ [الحشر: 14].
ولو كان المسلمون المجاهدون يملكون أرضاً لا تزيد مساحتها عن مساحة لبنان أو الأردن، وكانت هذه الأرض مجاورة لفلسطين المحتلة لانتصروا على اليهود بإذن الله.
لقد وعدنا الله بالنصر والتمكين عندما ننصر الله جلَّ وعلا في أخلاقنا وأفعالنا ]إنا إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[ [غافر: 25].
]وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[ [الروم: 47].
________________________________________
الفهرس
الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
أخي القارئ .......................................................
مقدمة .............................................................
الفصل الأول
المبحث الأول .................................................
من غير تعليق .....................................................
المبحث الثاني ................................................
فقرات مختارة من كتابي الأول: وجاء دور المجوس .................
أصول لا بد من معرفتها ............................................
الثورة الإيرانية ومنظمة التحرير ....................................
ظاهرة الصدر وثورة الخميني .......................................
الفصل الثاني
المبحث الأول
الاعتداءات على المخيمات التي سبقت مجازر أمل ..................
معارك أيلول سنة 1970م ..........................................
معارك 1976م وتل الزعتر .........................................
تقرير لوكالة رويتر .................................................
عملية الليطاني ....................................................
الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م .............................
الموقف العربي .....................................................
مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982م ..................................
المبحث الثاني
شهود المذبحة .....................................................
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
الشاهد الأول ......................................................
الشاهد الثاني .....................................................
الشاهد الثالث .....................................................
الشاهد الرابع ......................................................
الشاهد الخامس ...................................................
الشاهد السادس ....................................................
البداوي ونهر البارود ...............................................
الفصل الثالث
المبحث الأول
عدوان أمل على المخيمات الفلسطينية ..............................
وصف لسير المعارك ................................................
المبحث الثاني
صور من الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل ..........................
تقرير للصحفي البريطاني ديفيد بلاندي نشرته الصنداي تايمز ......
تقرير نشره الصحفي (جون كيفنر) .................................
الفصل الرابع
المبحث الأول
مرحلة ما بعد حرب المخيمات .....................................
المبحث الثاني
مجزرة طرابلس ....................................................
أقفال الملف اللبناني ...............................................
المبحث الثالث
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
الشيخ سعيد شعبان ماذا يريد؟! ....................................
تأييد لمنظمة التحرير ...............................................
لمحات عن تعاونه مع إيران .......................................
الوساطة الإيرانية وتصريحات شعبان ...............................
رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .....................................
الفصل الخامس
المبحث الأول
الصدر والمجلس الشيعي الأعلى ....................................
كلام مهم لكامل الأسعد ...........................................
أقوال الأسعد في الميزان ............................................
ماذا يريد النصارى من إنشاء المجلس الشيعي الأعلى ................
تعاون الرافضة مع الموارنة ..........................................
جنوب بيروت للشيعة أم للسُّنة ....................................
ما لم يصرح به الأسعد .............................................
المبحث الثاني
نظرات في مواقف قادة أمل وتصوراتهم ..............................
حركة أمل تدعو إلى العلمانية .......................................
أمل والقضية الفلسطينية ...........................................
التعاون اليهودي الشيعي ...........................................
أضواء على شخصية نبيه بري ......................................
أمل على خطي الكتائب ...........................................
المبحث الثالث
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
صراع مراكز القوى .................................................
أطراف الصراع ....................................................
حلفاء الموارنة ......................................................
رجال الدين الرسميون .............................................
الحركات الموالية لإيران ............................................
حركة أمل ........................................................
حقيقة هذا الصراع .................................................
حركة أمل وآيات قم ..............................................
قواسم مشتركة .....................................................
الرافضة لا يصدقون ................................................
موقف الرافضة من أهل السنة واحدة ...............................
لماذا يستغربون تعاون أمل مع الموارنة ...............................
المبحث الرابع
سياسة توزيع الأدوار ..............................................
بري بين العلمانية والطائفية .......................................
الفصل السادس
الفلسطينيون بين فكي الكماشة .....................................
المبحث الأول: حوار مع صديق ....................................
المبحث الثاني: عرفات يبحث عن دور ............................
المبحث الثالث: تحالف المنظمة مع الباطنيين ......................
المبحث الرابع: تحالف المنظمة مع الصليبيين ......................
المبحث الخامس: تحالف المنظمة مع السوفييت ....................
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
المبحث السادس: الأباطرة ........................................
تعليقات ..........................................................
المبحث السابع: المنشقون ..........................................
المبحث الثامن: الموقف العربي .....................................
المبحث التاسع: وهل بعد ذلك من نصر؟! .........................
لا تنسوا ...........................................................
عودوا إلى الله .....................................................
انتهى دور عرفات .................................................
رأي في عودة مصر .................................................
إن ربك لبالمرصاد ..................................................
وجاء دور المجوس
2
أمل
والمخيمات الفلسطينية
http://www.4shared.com/file/21867698/90f...nline.html
عبدالله محمد الغريب
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
- فإلى الذين حولوا سماء المخيمات إلى كتلة من النيران ابتهاجاً بنجاح ثورة الخميني.
- وإلى الذين أيدوا ياسر عرفات عندما قال للخميني في أول مرة يزور فيها إيران: (أنت ثائرنا ومرشدنا الأول).
- وإلى الذين رددوا وراء هاني الحسن: (غداً تركيا وبعد غدٍ فلسطين).
- وإلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية الذين ما زالوا يحسنون الظن بالخميني ونظامه في إيران، ويعتقدون أنه وشيعته سوف يقاتلون اليهود في فلسطين المحتلة.
- وإلى كثير من أبناء فلسطين الذين كانوا يتمنون انتصار إيران في حربها ضد العراق لأن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر من بغداد والكويت والرياض وعمان كما قال الخميني وأركان نظامه.
- وإلى الذين تشيعوا من الفلسطينيين، وإن كانوا أقل من قليل.
- وإلى المسلمين السنة في لبنان – سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين – الذين خدعهم موسى الصدر وقادة حركة أمل وحزب الله، وانخرط بعضهم في الحزب الأخير.
إلى هؤلاء جميعاً أقدم كتابي الثاني (وجاء دور المجوس) حتى لا يلدغوا من جحر واحد مرات ومرات.
وقد قسمت الكتاب إلى الفصول التالية:
الفصل الأول: عرضت فيه فقرات من كتابي الأول تتصل بموضوعات هذا الكتاب .. وقد ثبت والحمد لله صحة التحليلات التي كتبتها عام 1979 م، بل وبعضها كنت قد كتبته في منتصف السبعينات.
الفصل الثاني: تحدثت فيه عن أهم الاعتداءات على المخيمات الفلسطينية التي سبقت عدوان حركة أمل على صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، كما تحدثت بشيء من الإيجاز عن الفظائع التي ارتكبها المعتدون.
الفصل الثالث: ويشتمل على وصف لعدوان أمل على المخيمات، وعرضت صوراً من الفظائع التي ارتكبها الشيعة.
الفصل الرابع: مرحلة ما بعد عدوان أمل، ويحوي الموضوعات الآتية: الاتفاق شيء والممارسات شيء آخر، مجزرة طرابلس، إقفال الملف اللبناني، الشيخ سعيد شعبان ماذا يريد؟!.
الفصل الخامس: شيعة لبنان وحركة أمل، عود على بدء تحدثت في هذا الفصل عن ارتباط شيعة لبنان بشيعة إيران، وبيّنت الأدلة التي تؤكد تعاون شيعة لبنان مع اليهود، والموارنة، والدروز، والنصيريين .. وأجبت عن سؤال مطروح:
هل صحيح أن نظام خميني وقف ضد حركة أمل في عدوانها على المخيمات؟!.
الفصل السادس: تحدثت فيه عن تناقض ياسر عرفات ومساعديه في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كما تحدثت عن موقف الأنظمة العربية من المؤامرة والمتآمرين، وفي الختام وجهت بعض النصائح للشعب الفلسطيني.
أخواني أبناء فلسطين: لقد كنت أعيش معكم فيما ابتلاكم الله به من به من محن ومصائب، وأنا لا أدعوكم إلى حزب أو جماعة، ولا أبغي من وراء ما أكتبه – علم الله – منصباً ولا جاهاً في هذه الدنيا، وإنما أدعوكم إلى الالتزام بدينكم، وعدم اتباع السبل فتضل بكم عن سبيله.
توضيحات وردود
1- صعوبات رافقت نشر الكتاب الأول :
فتن معظم أهل السنة بثورة الخميني، وزعموا أنه ليس طائفياً، ولا يؤمن بعقائد وتصورات سلفه من كبار علماء الإِمامية الاثني عشرية .. وصَدَّق هذه الأقاويل بعض الطيبين من علماء أهل السنة، وكنت ولله الحمد والمنة قد قرأت كتب الخميني وسجلت ملاحظاتي عليها قبل أن يشتهر اسمه ويتألق نجمه، بل وكنت أستغرب التفاف الشيعة حوله مع أنه لم يكن من كبار آياتهم.
وإذن لا بد من نشر ما عندي من علم حول الشيعة وتاريخهم وثورتهم فكنت بهذا الكتاب كمن يسبح ضد التيار.
وكنت أعلم أن نشر هذا الكتاب سيجر عليَّ متاعب كثيرة لاسيما وأن بعض أصدقائي كانوا من الذين تورطوا وأيدوا ثورة الرافضة، وتأثر بأقوالهم كثير من الناس، وكان لا بد من نقد أقوالهم ومواقفهم لأن الحق أحب إليَّ منهم.
وعندما انتهيت من تأليف الكتاب لم أجد من يجرؤ على نشره، ولهذا تأخر صدوره عاماً كلاماً، وعندما انتهت طباعته لم تسمح الدول العربية بتوزيعه، وشاء الله أن يطلع عليه نفر من كبار علماء أهل السنة المشهود لهم بالفضل والعلم – ولا نزكي على الله أحداً – فأعجبوا به أشد الإِعجاب، ونصحوا الشباب بقراءته، بل وكان أحدهم يقرر شيئًا منه في درسه العام الذي يحضره مئات الناس، ويدعو لمؤلفه بالخير والتوفيق، ويشهد له بسلامة العقيدة والتحرر من التعصب والهوى .. وعن طريق هؤلاء العلماء دخل بعض البلدان العربية، ولا يزال محظوراً في معظمها.
ومع ذلك لم أطرق أبواب هؤلاء العلماء – رغم تقديري لهم – ولم أطلب منهم أو من غيرهم التوسط من أجل السماح بتوزيع الكتاب، وما اعتدت والحمد لله مثل هذا الأسلوب .. فقليلاً من الحياء يا أصحاب النفوس الضعيفة ]وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[. [البقرة، 281].
ولا أريد الإطالة في الحديث عن الأثر الذي تركه الكتاب في مشارق الأرض ومغاربها، ولا عن الضجة التي أثارها وكيف أنقذ ناساً كثيراً من التشيع .. وحسبي أنني كتبته إرضاءً لله سبحانه وتعالى، ودفاعاً عن كتاب الله جل وعلا وعن سنة المصطفى r، وزيادة على ذلك فهو والحمد لله كتاب أدلة وأرقام وليس كتاب مجاملات وعواطف، ومن شاء دليلاً على ذلك فليجدد صلته بالكتاب وسيعلم عندئذٍ تفاهة ما يردده أصحاب الأهواء.
2- من المجوس :
قال بعضهم: إنني أطلقت القول بتكفير الشيعة !!.
ومن يقرأ الكتاب جيداً يعلم كذب هذا الادعاء، ومن شاء مزيداً من التفصيل فليعد إلى الصفحتين 152 و153 .. فقد أكدت أنه لا يجوز تكفير الشيعة على الإِطلاق، لأن منهم أصحاب رسول الله r الذين وقفوا في صف علي ابن أبي طالب t وعن أصحاب رسول الله أجمعين .. والذين قلب بكفرهم هم الإمامية الذين يقولون في القرآن زيادة أو نقصاناً، وينكرون سنة المصطفى r، ويشتمون الصحابة رضوان الله عليهم، وهؤلاء شر من المجوس وهم الذين قصدتهم في قولي: (وجاء دور المجوس) أما عامة الإِمامية الذين لا يظهرون مثل هذه الأقوال فنكل أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى، وهم عندنا من أهل القبلة.
فهل عند هؤلاء المعترضين غير هذا القول؟! وهل عندهم أدلة بأن الذين ينكرون السنة النبوية ويقولون بأن في القرآن زيادة أو نقصاناً هم مسلمون ولا يجوز القول بكفرهم؟!.
ليبينوا لنا أدلتهم أو فليفصحوا عن حقيقة ما يريدون؟! ونصيحتي إلى الشباب الذين يحترمون عقولهم أن لا يعتمدوا في حكمهم على مثل هذه القضايا الخطيرة على قول زيد أو عمرو، ولو كان هذا الذي يعتمدون على قوله داعية أو وجيهًا أو ثقة عندهم .. أنصح الشباب بالبحث والدراسة، وإذا وجدوا حقاً فعليهم أن يعضوا عليه بنواجذهم .. وحذار من التعصب والهوى.
3- رأي في الحرب العراقية الإِيرانية :
عندما صدر كتابي الأول كانت العراق في طليعة الدول التي اعترفت بنظام خميني، واستقبل الرئيس العراقي أحد الآيات كسفير جديد لإِيران في العراق، ومع ذلك فقد تحدثت عن أطماع إيران في العراق ودول الخليج، وعن حرص نظم الآيات على تصدير الثورة، ومن شاء الاستزادة مما كتبت فليراجع من صفحة 297 إلى 376.
ونشبت الحرب بين البلدين بينما كان الكتاب في المطبعة، وأرجو أن ييسر الله لي وقتاً أكتب فيه ما عندي من معلومات ووثائق عن هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس.
وخلاصة رأيي في هذه الحرب أحددها في الأسطر التالية:
- العراق رسمياً هو الذي أعلن الحرب على إيران، وعملياً فلقد بدأت إيران هذه الحرب عندما حركت عملاءها داخل العراق بعد وصول الخميني إلى الحكم بقليل، وقام النظام الإِيراني باعتداءات متكررة على المخافر العراقية.
- هناك فرق واسع بين العراق كشعب والعراق كنظام.
أما العراق كنظام فإنني أتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكرهه، ولا أعرف نظاماً في العالم الإِسلامي بطش بالدعاة إلى الله من أهل السنة بعد نظام أسد النصيري كنظام صدام التكريتي، وأعتقد بأن ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يتخذ من بغداد مقراً له من أخطر الشخصيات الصليبية التي حاربت الإِسلام والمسلمين في العصر الحديث.
أما العراق كشعب وأرض فليمثل قوة لا يستهان بها، وللجيش العراقي مواقف بطولية في الحروب العربية الإِسرائيلية، وتحييد هذا الجيش خسارة كبيرة للعرب.
- من فضل الله وتوفيقه صمود العراق طوال هذه المدة .. وسقوط العراق يعني اجتياح باطني مجوسي لدول الخليج وبلاد الشام يعيد للأذهان ذكريات الاجتياح القرمطي والعبيدي.
ومن فضل الله أيضًا أن سخر الطاغية صدام ليواجه الطاغية خميني.
- الذين يتوسطون بين البلدين يجهلون العقلية التي يفكر بها الرافضة في القديم والحديث. إن احتلال العراق مسألة حياة أو موت بالنسبة لنظام خميني .. ولن تتوقف هذه الحرب إلا إذا سقط نظام صدام، أو هلك الخميني واختلف الوارثون على تركته، أو إذا أفلس نظامه وانفض عنه حلفاؤه.
- عجبت من موقف بعض الذين يكرهون الرافضة، وقد دفعهم هذا الكره إلى تعليق الآمال العريضة على شخصية صدام، وراحوا يقولون:
إنه يصوم النهار ويقوم الليل .. ليتق الله هؤلاء الناس، أين هذا التغير المزعوم في شخصية صدام؟!.
هل اتخذ قراراً بحل حزب البعث وأعلن براءته منه؟!.
هل نادى بتحكيم شرع الله.
ليس هناك أي تغير في شخصية صدام وفي نظامه، ولا أدري لماذا هذا النفاق؟!.
4- للذين يكتبون عن الرافضة:
نبهت ثورة الخميني كثيراً من أهل السنة إلى خطر الرافضة في العالم الإسلامي فانبرى عدد من أصحاب الأقلام إلى الكتابة في هذه المسألة، ونصيحتي لهؤلاء الدعاة أن يهتموا بالأمور التالية:
- شيعة اليوم لا يختلفون عن سلفهم القدامة في الأصول والفروع.
- بيان فساد أصولهم بأسلوب عصري يفهمه شبابنا الذين يصعب عليهم العودة إلى الكتب القديمة.
- شعارهم: التقارب مع أهل السنة يعني تضليل أهل السنة.
- أحوال المسلمين السنة في إيران قبل الثورة وبعدها.
- متابعة مخططاتهم في العالم الإسلامي، وفضح تحالفاتهم مع أعداء الإِسلام من اليهود والنصارى والعلمانيين.
- الأمانة في النقل، وعدم المبالغة في تقدير قيمة ما يكتب .. ويجب أن نعترف بأننا جميعاً عالة على ما كتبه فحول علمائنا، أمثال شيخ الإِسلام ابن تيميه - رحمه الله - في سفره النفيس (منهاج السنة)، وقد ضم هذا الكتاب أهم أقوال وآراء رجال خير القرون في الشيعة وفرقهم .. ومن المؤسف أن بعض الكتاب المحدثين يوهمون القراء بأنهم وحدهم الذين تصدوا للشيعة، ولم يسبقهم أحد إلى قول كذا وكذا .. فهذا منهم غرور ونسأل الله لنا ولهم العفو والعافية.
* * *
وأخيراً: سوف أستمر إن شاء الله في فضح أوكار الرافضة ومخططاتهم ومؤامرتهم في العالم الإسلامي، وسيكون كتابي القادم عن أوضاع المسلمين السنة في إيران، وعن الحرب العراقية الإِيرانية، وأنا أعلم جيداً موقف الرافضة من نشر مثل هذه الكتب، كما أعلم قدرتهم على شراء ضمائر بعض المنسوبين لأهل السنة .. أعلم ذلك كله، ورغم ذلك سأمضي في هذا الطريق.
أما الذين قالوه ما قالوه عن الكتاب ظلماً وكذباً وحسدًا فلن أقول عنهم بالحق ما يعجزون عن قوله عني بالباطل لأنني احتسبت هذا القلم لفضح أعداء الله والدفاع عن الإِسلام، وليس للدفاع عن نفسي، وسأظل أتمثل قول الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
فاللهم تقبل منا واختم بالصالحات أعمالنا.
الفصل الأول
من غير تعليق
الدروز والاجتياح الإسرائيلي
في مقابلة أجرتها مجلة المجتمع الكويتية – في عددها رقم 595 الصادر بتاريخ 30 يناير عام 1403هـ مع الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية صلاح خلف قال عن سبب وصول القوات الإِسرائيلية إلى مشارف بيروت:
(إن عدم وجود عمق لساحة القتال في الجنوب شكل عائقاً لنا، فقد كان المدى الأرضي أحياناً لا يزيد في الجنوب عن أربعين متراً ونحن محاطون بالعدو من البر والجو والبحر وبعد صيدا مباشرة حرمنا من أن نضع مدفعاً واحداً من قبل الدروز، ورئيس الحركة الوطنية بالذات، أما القوات السورية في الجنوب فحسب ادعاء السوريين ليست للقتال).
وقال عن الدروز أيضاً: (أنا لا أستحي أبداً من الحقيقة .. الأخ وليد جنبلاط، رئيس الحركة الوطنية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، رفض أن تتواجد أو تنقل أسلحة إلى منطقة نفوذه في الشوف .. قال لنا: إن عنده أسلحة كافية وسيقاوم في الشوف ونحن نعلم أنه كان عنده فعلاً سلاح جيد، لكن الذي حدث أن الأخ وليد وإخواننا الدروز لم يقاتلوا خلال الغزو الأخير .. ورأينا مجيد أرسلان وفيصل أرسلان وجماعتهما بعد أن وعدوا المسلمين بالقتال معهم ضد بشير الجميل والكتائب، تخاذلوا أمام الأموال بينما انحشرنا نحن في شريط ساحلي ضيق من صور لصيدا لبيروت والمعركة الوحيدة التي دارت على مدى خمسة أيام في الشرط الساحلي كانت معركة [خلدة] البطولية التي استشهد فيها خيرة رجالنا والتي كنا فيها وحدنا).
إسرائيل تؤيد التدخل السوري في لبنان
1- صرح شمعون بيريز وزير دفاع [العدو الصهيوني السابق] أن هدف إسرائيل هو نفس هدف دمشق بالنسبة للمسألة اللبنانية، وقال أيضًا: (يجب أن نمنع وقوع لبنان تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية).
وكالة الصحافة الفرنسية 29 سبتمبر 1976م
2- أعلن إسحاق رابين رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق في تصريح نقلته أجهزة إعلامهم: (إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين وتدخلنا عندئذٍ سيكون بمثابة تقديم المساعدة للفلسطينيين ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتلها للفلسطينيين فهي تقوم بمهمة لا تخفى نتائجها الحسنة!! بالنسبة لنا). وجاء دور المجوس ص 418
3- قال جوناتان راندال في كتابه مأساة لبنان: (وطوال سنة 1976م كانت السفن السورية والإِسرائيلية تقوم بدوريات في قطاعات مختلفة من الساحل اللبناني لمنع تزويد الفلسطينيين بأية إمدادات، وقدمت الدولتان أسلحة وذخيرة للمليشيات المسيحية).
مجلة المجلة، العدد 172 تاريخ 28 مايو 1983م
التعاون اليهودي الشيعي
- (نحن والله نعلم أن حكام طهران أشد خطراً على الإسلام من اليهود ولا ننتظر منهم خيراً، وندرك جيداً أنهم سيتعاونون مع اليهود في حرب المسلمين، وأن الذين يتآمرون على العراق والخليج ولبنان وسورية لن ولن يحاربوا إسرائيل).
وجاء دور المجوس، ص 374، عبد الله محمد الغريب
- قالت وكالة رويتر في تقرير لها من النبطية في 1- 7- 1982م أن القوات الصهيونية، التي احتلت البلدة سمحت لمنظمة (أمل) بأن تحتفظ بالمليشيات الخاصة التابعة لها، وبحمل جميع ما لديها من أسلحة. وصرح أحد قادة مليشيا منظمة (أمل) ويدعى حسن مصطفى (أن هذه الأسلحة ستستخدم في الدفاع عنا ضد الفلسطينيين).
اسمعي يا منظمة التحرير
- ذكرت صحيفة (ريبو بليكا) الإِيطالية أن فلسطينياً من المعاقين لم يكن يستطيع السير منذ سنوات رفع يديه مستغيثاً في شاتيلا أمام عناصر (أمل) طالباً الرحمة، وكان الرد عليه قتله بالمسدسات مثل الكلاب .. وقالت الصحيفة إنها الفظاعة بعينها.
الوطن، عدد 3688، 27 مايو 1985م
اليهود أفضل منهم
تصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل: (اليهود أفضل منهم).
وفتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها تنتحب وتصيح مشيرة إلى جثة منتفخة ملفوفة في بطانية خشنة تلطخها الدماء: هذا أخي .. وتشير إلى جثة أخرى: وذلك أخي الثاني .. ثم تشير إلى واحد من مسلحي أمل وتقول: هم فعلوها!! .. أصغر الضحايا .. طفل لم يمهله الموت سوى بضعة شهور .. جثته الصغيرة الطاهرة تكاد لا ترى من القماش الأبيض المتسخ الذي لفت فيه .. هكذا يقول الصليب الأحمر.
بيروت، وكالة –أ- ب، 7 يونيو 1985م
نريد التخلص من الفلسطينيين
قال داني شمعون ابن كميل شمعون: (إننا نريد التخلص من الفلسطينيين سواء بالقوة أو بغيرها، وعلى دول البترول العربية الغنية التي تساندهم (!!) وأن تجد لهم مكاناً في أقطارها، وحتى لو جرد الفلسطينيون من السلاح فإننا لن نوافق على بقائهم في لبنان). صحيفة (هاندلسبلات) الصادرة في روتردام أوائل أغسطس 1976م
وما ذكرته مقطع من مقال نشرته الصحيفة تحت عنوان: (وقف إطلاق النار في لبنان يبقى حلماً).
شعار جديد
(لا إله إلا الله والعرب أعداء الله) شعار ردده متظاهرون من حركة أمل في 2 يونيو 1985م احتفالاً بيوم (النصر) بعد سقوط مخيم صبرا وموت الكثيرين داخله من الجوع.
الوطن الكويتية، العدد تاريخ 3 يونيو 1985م
قوات حبيقة
ذكرت صحيفة (السفير اللبنانية) في عددها الصادر في 16 أبريل 1985م أن بواخر تابعة للقوات اللبنانية – الكتائبية نقلت مسروقات من مناطق تلال شرقي صيدا قيمتها ثلاثة مليارات ليرة لبنانية عبر ساحل الشوف الأسفل إلى الشطر الشرقي من العاصمة.
وأضافت أن هذه البواخر عادت إلى شرق بيروت وهي تحمل المسروقات بعدما كانت قد وصلت إلى مرفأ الجية على ساحل إقليم الخروب في الشوف الأسفل وفي تنقل تعزيزات وأسلحة للقوات اللبنانية – الكتائبية.
وكانت أنباء قد ذكرت قبل أسبوع أن منازل نحو أربعة آلاف عائشة مسلمة في مناطق تلال صيدا قد أفرغت من محتوياتها المقدرة بنحو ثلاثة مليارات ليرة.
وأوضحت أن القوات الكتائبية نقلت المسروقات بواسطة الشاحنات إلى ساحل إقليم الخروب ومن هناك جرى نقلها بحراً إلى الحوض الخامس في شرق العاصمة.
وكالة الأنباء الكويتية، وصحيفة الشرق الأوسط 17 أبريل 1985م
أمل وقوات حداد
نشرت مجلة (الأيكونومست) في عددها الصادر في نهاية الشهر السابع من عام 1982م أن 2000 مقاتل من عناصر منظمة (أمل) الشيعية انضمت إلى قوات مليشيا سعد حداد، وتوقعت المجلة أن ينضم عدد أكبر منهم إلى (الحرس الوطني) الذي ترعاه إسرائيل في جنوب لبنان.
بري يتبادل الرسائل مع تل أبيب
أكد وزير الخارجية السويدي (بيير أوبيرت) في جنيف في 24 يونيو 1985م أنه نقل رسالة من رئيس حركة أمل نبيه بري إلى القيادة الإِسرائيلية.
ونسبت (كونا) لأوبيرت قوله للصحفيين صباح 24 يونيو 1985م: (إن تبادل الرسائل بين حركة أمل والقادة الإِسرائيليين جرى يوم الجمعة الماضي إلا أنه رفض إعطاء تفاصيل أخرى). الوطن الكويتية 25 يونيو 1985م
مصالح أمل وإسرائيل واحدة
قالت صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ 23 مايو 1985م: (إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل، التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة خالية من أي هجمات ضد إسرائيل.
إن إسرائيل ترددت حتى الآن في تسليم أمل مهمة الحفاظ على الأمن والقانون على الحدود بين فلسطين ولبنان، وإن الوقت حان لأن تعهد إسرائيل إلى أمل بهذه المهمة).
ثقة الاستخبارات اليهودية بأمل
نقلت وكالة الأنباء في 6 يونيو 1985م عن رئيس الاستخبارات العسكرية اليهودية (أهود برادك) قوله: (إنه على ثقة تامة من أن "أمل" ستكون الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، وأنها ستمنع رجال المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد الأهداف الإِسرائيلية).
ماذا تريد إسرائيل من لبنان؟!
قال وزير الاقتصاد الإِسرائيلي دان ميردور: (إن هدف إسرائيل الدائم هو إزالة المخيمات الفلسطينية نهائياً من الوجود، فنحن نريد أن يغادر جميع اللاجئين لبنان وتذويبهم في المجتمعات العربية التي سيذهبون إليها).
السفير اللبنانية، 3 أغسطس 1982م
مؤامرة يهودية .. ولكن من ينفذها
في 25 مايو 1985م دعت صحيفة (البعث السورية الرسمية إلى القضاء على جماعة عرفات نهائياً في المخيمات .. وقالت: (إن ما يجري مؤامرة يهودية أميركية ينفذها عرفات)!!!.
المبحث الثاني
فقرات مختارة من كتابي الأول وجاء دور المجوس
أولاً: أصول لا بد من معرفتها:
1- إن مركز القيادة الشيعة والفرق الباطنية المتفرعة عنها في العالم الإِسلامي هو إيران. أشار الخميني إلى هذه الحقيقة في كتابه (الحكومة الإِسلامية)، وصرح بذلك ما يسمى بآية الله شريعتمداري في لقاء له مع صحيفة السياسة الكويتية تاريخ: 26 يونيو 1987م، بل وقال بالحرف الواحد: (إن زعامة الشيعة في إيران وفي قم بالذات).
وأضاف قائلاً: (لا بد من مجلس أعلى للشيعة في العالم).
وإذا كان لا بد من التفريق بين الشاه المخلوع والزعماء الدينيين، فالتنظيم الباطني الرافضي العالمي كان ولا يزال مرتبطاً بالزعماء الدينيين وليس بالشاه، مرتبطاً بهم من خلال [الحسينيات] و [الحوزات العلمية]، ويتولى العلماء الإِيرانيون توجيه وتثقيف الشيعة في معظم بلدان العالم، ونراهم يغيرون ويبدلون في أسمائهم فيحذفون منها الكنية الفارسية، ويضيفون إليها أصلاً عربياً ومن ثم يزعمون أنهم من أصل عربي، ومن آل البيت، وأن جدهم هاجر لإِيران قبل كذا سنة، وأنهم اليوم عادوا إلى وطنهم وأملاكهم، ويشهد لهم بذلك جميع الشيعة من سكان البلد العربي الذي استوطنوا فيه.
2- ليس لخلافات الشاه المخلوع مع الخميني أثر كبير عند أبناء الطائفة خارج إيران، فالمهم ولاء الطائفة وأنصارها للقيادة السياسية والزعامة الدينية في إيران معاً.
مثال: كان لقيادة النظام النصيري في سورية صلات وثيقة مع شاه إيران المخلوع ونظامه، وصارت لهم صلات أوثق وأقوى مع الثورة الجديدة بقيادة الخميني، وليس هناك من يقول: (كيف كانت علاقتهم قوية مع الشاه ثم أصبحت كذلك مع الخميني)؟!. المهم أنهم حلفاء وأنصار للقيادة السياسية الإِيرانية مهما كانت هويتها، وللزعامة الدينية في قم.
3- ليس للخلافات التي كانت قائمة – ولا تزال – بين أسرة بهلوي من جهة والآيات من جهة أخرى، أو بين الآيات والأحزاب المعارضة .. ليس لهذه الخلافات أي تأثير على سياسية إيران الخارجية وأطماعها في عدد من الدول المجاورة.
فالشاه محمد رضا كان ينادي بالبحرين وشط العرب، وكان قد احتل الجزر العربية الثلاثة [طنب الكبرى، والصغرى، وأبي موسى].
وجاء زعماء ثورة الخميني فزعموا أن الجزر المحتلة فارسية، وأن الخليج فارسي، وتمادوا أكثر فطالبوا بالبحرين والعراق ومكة والمدينة وجنوب لبنان، بل ويحاولون إقامة امبراطورية شيعية كبرى تمتد لتشمل جميع البلدان الإِسلامية تحت قيادة فارسية كما نص دستورهم مؤخراً. وقال مثل هذا الكلام الدكتور شابور بختيار رئيس وزراء إيران السابق.
4- يتعمد الشيعة والنصيريون وسائر الفرق الباطنية إصدار التصريحات المتضاربة، ويفتعلون الخلافات، فهذا يهدد بتصدير الثورة وبعد أن يصبح هذا التهديد حديث العالم يصدر مسؤولاً آخر تصريحاً يؤكد فيه أن ثورتهم غير قابلة للتصدير، وأن الذي أصدر التصريح الأول ليس مسؤولاً.
ومن ثم فالباطنيون يركبون كل موجة من موجات التحرر والوطنية والثورية والجمهورية وما إلى ذلك من شعارات حديثة، والشعارات التي يرفعونها ليس أكثر من استهلاك محلي، وتخطيط مرحلي، وتراهم يقولون شيئًا ويقصدون شيئًا آخر .. وهذا الأسلوب يتمشى مع عقيدتهم في التقية، ويلائم شدة إيمانهم بالسرية.
لقد كذب الروافض على الله وعلى رسوله r، كما كذبوا على الصحابة وعلى علي وأبنائه رضوان الله عليهم أجمعين، وملأوا التاريخ دساً وافتراءً، وسبق أن نقلنا – في الباب الثاني – أقوال علماء الجرح والتعديل فيهم، فلا يصح اعتقاد الصدق بأقوالهم وأفعالهم.
وهم بعد ذلك أشربوا الغدر، فمن يراقب أحوالهم يرى أنهم يستمرون سنوات طويلة في حركة من الحركات الوطنية، حتى يتمكنوا من السيطرة عليها واحتوائها، فإذا نجحوا في تحقيق هدفهم قلبوا ظهر المجن لشركائهم، وداسوا بأقدامهم الشعارات التي كانوا يطوفون حولها ويدعون الناس إلى تعظيمها وعبادتها.
ووصف علماؤنا أسلوبهم هذا فقالوا: (يميلون إلى كل قوم بسبب يوافقهم، ويميزون من يمكن أن يخدعوه ممن لا يمكن، فهم يدخلون على المسلمين من جهة ظلم الأمة لعلي وقتل الحسين رضي الله عنهما، وإن كان المخاطب يهودياً دخلوا عليه من جهة انتظار المسيح ومسيحهم هو المهدي، وإن كان نصرانياً فاعكس وهكذا).
أما السرية فأصل من أصولهم حتى لو كان الحكم لهم، وفي هذا دليل على غموضهم وعدم وضوح أهدافهم، فهم يقولون في أجهزة إعلامهم شيئًا، ويبيتون في الخفاء خلافه، وكل من يتعامل معهم لا بد أن يهيئ نفسه لمفاجآت كثيرة تخالف ما يعرفه عنهم.
5- ينظر الباطنيون الرافضة إلى المسلمين العرب بمنظار الحقد والكراهية، لا لشيء إلا لأنهم هدموا مجد فارس وقهروا سلطان كسري، والتاريخ خير شاهد على عمق تعاونهم مع الكفرة والمشركين والاستعانة بهم ضد السنة المسلمين: (لقد استخدمهم التتار في أبشع مجازر شهدها التاريخ الإِسلامي، وكان زعيمهم نصير الكفر الطوسي وزير [هولاكو]).
واستخدمهم النصارى في الحروب الصليبية المشهورة، وتطوع النصيريون فقاتلوا المسلمين في ساحل بلاد الشام، وعملت الدولة العبيدية المجوسية كل ما تقدر عليه من أجل تثبيت أقدام الصليبيين في مصر، كما قام بعض الأمراء من الشيعة الإِمامية بتسليم مناطقهم للصليبيين دون قتال في بعض أجزاء بلاد الشام.
واستخدمهم البرتغاليون والإنجليز ضد الدولة العثمانية المسلمة وضد المسلمين بشكل عام، ولعب الصفويون دوراً خبيثاً في تمكين الكفرة المستعمرين من ثغور بلاد المسلمين، وسنذكر شواهد كثيرة في الفصول المقبلة على تعاونهم مع الموارنة وأمريكا وإسرائيل كما حصل في حرب لبنان عام 1975م، وكما هو حاصل في إيران اليوم.
إنهم مطايا لأعداء الإِسلام في كل عصر ومصر، وواهم جداً من يحسن الظن بهم ويعتقد بأن شيعة اليوم خير من شيعة الأمس.
6- للباطنيين الرافضة جذور اشتراكية قديمة، وما القرامطة إلا غصن من غصون شجرتهم الخبيثة التي غرسها [مزدك]، وجاء أبو حامد القرمطي من بعده ليتعهدها ويرعاها.
ومن الأساليب الخبيثة التي يستخدمها الباطنيون الرافضة في نشر دعوتهم الفوضى فلا يأمن الإِنسان في ظل أنظمتهم على نفسه وماله وعرضه، ويستغلون هذه الفوضى فيعمدون إلى تصفية خصومهم وإرهاب من لم تتم تصفيته.
7- ليس في عقيدتهم أصول تمنعهم من المحرمات أو تردعهم عن فعل المنكرات، فإيمانهم بالتقية جعل منهم أكذب أمة، وعقيدتهم في المتعة جعلت معظمهم زناة بغاة، ووقاحتهم مع أصحاب رسول الله r سهلت عليهم شتم المؤمنين والافتراء على المتقين.
وبعد: لا بد أن يتذكر القراء هذه الأصول عند قراءة كتب الرافضة، وعند الدخول معهم بحوار، وعند متابعة أنشطتهم وتقويم منهجهم ومخططاتهم. ومن يتصدى للحكم عليهم ويتجاهل هذه الأصول سيجد نفسه أمام تناقضات .. فقد يحكم عليهم من خلال رأي سمعه من أحد زعمائهم، ويقبل هذا الرأي لأنه لا يعلم أن عقيدة هذا الزعيم تبيح له الكذب [التقية]، ومن ثم قد يقرأ رأياً لهذا الزعيم يناقض ما سمعه منه فيقول بكل سذاجة وغفلة عن الرأي الثاني: لقد افترت الجهة التي نقلت عنه(1).
ثانياً: الثورة الإِيرانية ومنظمة التحرير:
كان ياسر عرفات أول من زار طهران مهنئًا، وراح يوزع قبلاته المشهورة على وجوه قادة الثورة وخاطب الخميني قائلاً: (إن ثورة إيران ليست ملكاً للشعب الإِيراني فقط .. إنها ثورتنا أيضًا فنحن نعتبر الإِمام الخميني ثائرنا ومرشدنا الأول [عرفات يقوم مثل هذا الكلام لكاستروا] الذي يلقي بظله ليس على إيران فحسن بل على الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى في القدس).
وفي 11 فبراير 1979م تحولت سماء المخيمات الفلسطينية في بيروت والضواحي المحيطة بها إلى كتلة من النيران، فقد أخذ الفلسطينيون والمواطنون اللبنانيون كذلك يطلقون العيارات النارية من مختلف الأسلحة بكثافة غير عادية ابتهاجاً بنجاح ثورة الخميني.
ترى هل نسي قادة المنظمة دور الرافضي الباطني حافظ الأسد وكيف وقف مع الموارنة ضد الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين؟!. أم نسوا غدر الصدر بهم عندما انضم إلى الجيش النصيري عند دخوله لبنان، وأمر منظمته أمل وعساكره التي تعمل في جيش لبنان العربي الانضمام إلى الجيش النصيري؟!.
إلى متى يبقى الفلسطينيون سلماً لطلاب الزعامة في العالمين العربي والإِسلامي؟!.
واختارات منظمة التحرير المهرج المعروف [هاني الحسن] ليكون مندوبها في طهران، وناطقاً فضولياً باسم حركة الخميني، ولا يخجل من الوقوف خطيباً في إحدى المظاهرات ويقول: (غداً تركيا وبعد غد فلسطين)(2).
وتركيا السنة عدوة تقليدية لإِيران الرافضة، وهذه هي المهمة التي تريدها حركة الخميني من منظمة التحرير، تريد أن تسخر الفلسطينيين كما سخرهم عبد الناصر من قبل وأوعز إليهم أن يرددوا: تحرير الرياض وعمان ودمشق وبغداد قبل تحرير فلسطين.
وسيستمر هاني الحسن وعرفات وسائر قادة المنظمة بسياسة التضليل والدجل وغسل الأدمغة، ومن فقد إيمانه وعقيدته فقد كل شيء والعياذ بالله(1).
ثالثاً – ظاهرة الصدر والحرب اللبنانية:
موسى الصدر إيراني المولد والجنسية، مواليد عام 1928م تخرج من جامعة طهران، كلية الحقوق والاقتصاد والسياسة، ووصل لبنان عام 1958م نزل ضيفاً على آل شرف الدين في مدينة صور.
قال عنه السياسي الإِيراني الدكتور موسى الموسوي: (في عام 1958م أرسل الجنرال بختيار مدير الأمن العام الإِيراني موسى الصدر إلى لبنان وزوده بالأموال اللازمة .. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ أصبح هذا الشخص رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى، وقد صرفت الحكومة الإِيرانية لتوليته هذا المنصب أكثر من مليون ليرة لبنانية).
وقال كامل الأسعد في حديث نشرته مجلة الحوادث اللبنانيـة في 3 يناير 1975: (لقد أبدى أقطاب النهج [أنصار فؤاد الشهاب من النصارى وضباط المخابرات اللبنانية] الذين كانوا وراء مطلب إنشاء المجلس الإِسلامي الأعلى، تحبيذهم لتعيين السيد موسى الصدر رئيساً للمجلس، والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات تابعاً للعهد وزعمائه).
وقال الأسعد أيضًا: (إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا في الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج).
والذي قاله الأسعد والموسوي موافق لأقوال معظم الذين كتبوا عن الصدر، وقد لمع نجمه في لبنان، ومنحه فؤاد شهاب الجنسية بموجب مرسوم جمهوري مع أنه إيران ابن إيراني.
وفي بداية السبعينات أنشأ الصدر حركة المحرومين ووضع لها شعارات براقة: كالإيمان بالله، الحرية، التراث اللبناني!!، العدالة الاجتماعية، الوطنية، تحرير فلسطين، الحركة لجميع المحرومين وليست خاصة بالشيعة.
وأنشأ جناحاً عسكرياً لحركة المحرومين أسماه [أمل]، وحرص على أن يكون سرياً، بل كان يتظاهر بأنه ضد التسلح، وعندما بدأت الحرب اللبنانية كانت خطة الصدر فيها على الشكل التالي:
له منظمة مسلحة – أمل – في الجنوب وبيروت والبقاع، وكانت هذه المنظمة متعاونة مع القوات الوطنية، وله عناصر كثيرة في جيش لبنان العربي كان من أبرزهم مساعدو أحمد الخطيب، وكان للصدر وشيعته صلات وثيقة مع منظمة التحرير.
وأكثر الجهات التي كان يتعاون معها النظام النصيري في سورية، ولقد رأينا في الصفحات الماضية كيف استصدر مرسوماً حكومياً أصبح نصيريو الشمال اللبناني بموجبه شيعة، وعين لهم مفتياً جعفرياً، وكان الصدر الساعد الأيمن لكل مسؤول سوري يدخل لبنان من أجل التوسط في النزاع القائم بين المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين من جهة والموازنة من جهة أخرى.
وعندما دخل الجيش النصيري إلى لبنان استبدل الصدر وجهه الوطني الإسلامي بوجه باطني استعماري وقام بالدور التالي:
أمر الضابط إبراهيم شاهين فانشق عن الجيش العربي، وأسس طلائع الجيش اللبناني الموالية لسورية، كما انشق الرائد أحمد المعماري شمال لبنان وانضم إلى الجيش النصيري، وكان جيش لبنان العربي أكبر قوة ترهب الموارنة، فانهار لأنه ما كان يتوقع أن يأتيه الخطر من داخله أي من شاهين وغيره، وأمر الصدر منظمة أمل فتخلت عن القوات الوطنية، وانضم معظم عناصرها إلى جيش الغزاة.
وبدأ الصدر بمهاجمة منظمة التحرير. نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 12 أغسطس 1976م اتهام الصدر للمنظمة بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وعلى رأسها النظام اللبناني، ودعا الأنظمة إلى مواجهة الخطر الفلسطيني، ونقلت بعض الصحف اللبنانية هذا النصري.
وكانت ضرب الصدر مؤلمة مما جعل مثل المنظمة في القاهرة يصدر تصريحاً يندد فيه بمؤامرة الصدر على الشعب الفلسطيني وتآمره مع الموارنة والنظام السوري.
وما من معركة خاضها جيش لبنان العربي والقوات اللبنانية والفلسطينية إلا ووجدوا ظهورهم مكشوفة أمام الشيعة. فمثلاً خاضوا معركة قرب بعلبك والهرمل فاتصل الشيخ سليمان اليحفوفي المفتي الجعفري هناك بالجيش النصيري وسار أمامه حتى دخل بعلبك فاتحاً على أشلاء المسلمين.
وعندما طلب الوزير خدام من زعماء المسلمين أن يوقعوا على ميثاق وطني تكرس بموجبه رئاسة الجمهورية للمارون رفض زعماء المسلمين جميعاً هذا الطلب إلا موسى الصدر فقد وافقه عليه.
وفي 5 أغسطس 1976م نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن الصدر دعا إلى اجتماع ضم أساقفة الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والموارنة الكاثوليك وعدداً من أعيان البقاع ونوابها، وتم عقد الاجتماع في قاعدة رياق الجوية من أجل تشكيل حكومة محلية في المنطقة التي يسيطر عليها السوريون النصيريون.
أدرك الوطنيون اللبنانيون كما أدرك الفلسطينيون حقيقة الدور الذي يقوم به الصدر، فحاولوا اغتياله، وأقدموا على نسف بيته في بعلبك لكنه نجا من الموت، وضاقت عليه الأرض بما رحبت فالتجأ إلى دمِشق وسكن في حي الروضة تحت حراسة إخوانه النصيريون، وصار يمثله في المؤتمرات والمفاوضات في لبنان نائبه الشيخ محمد يعقوب.
وما اكتفى موسى الصدر وشيعته بالتعاون مع حكام سوريا، وإنما أخذوا يطالبون بوقف العمل الفدائي وإخراج الفلسطينيين من الجنوب ومن أجل ذلك وقعت صدامات ونظم الشيعة إضراباً عاماً في صيدا وطالبوا بإخراج المنظمات المسلحة من الجنوب.
وكان الصدر أول من طالب بقوات طوارئ دولية تتمركز في الجنوب، وزعم أن لبنان في هدنة مع إسرائيل ولا يجوز أن يخرقها الفلسطينيون، وعندما جاءت قوات الطوارئ نجح في أن تكون نسبة كبيرة من هذه القوات من إيران، وتعاون معظم زعماء الشيعة في الجنوب مع اليهود وصنيعتهم سعد حداد، وعندما اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب ثار موضوع تعاون الموارنة مع اليهود، فقال بيار الجميل: (إن الشيعة تعاملوا مع إسرائيل قبل الموارنة، وقال سعد حداد: إن أعيان الشيعة في منطقة الحدود يؤيدون هذه الدولة.
ومن أجل ذلك عقد المجلس الشيعي الأعلى اجتماعاً، وأصدر في نهاية الاجتماع بياناً ناشد فيه شيعة الجنوب مساندة الجيش اللبناني الشرعي حتى يتمكن من أداء مهمته، وفي ردهم على اتهامات سعد حداد لهم قالوا: (إن أعيان الشيعة في الجنوب لم يتعاملوا مع اليهود ولكن التزموا الصمت خوفاً من التعرض لعمليات القمع.
أليس من المؤسف بعد هذا كله أن يقبل مؤيدو المنظمة رأي قيادتهم في إعادة التعاون مع النظام النصيري، بل عدد هؤلاء يغنون لأبي سليمان [حافظ الأسد] في أفراحهم.
أليس من المؤلم أن يعتبر زعماء المنظمة اختفاء الصدر مؤامرة إسرائيلية ضد زعيم وطني ناصر القضية الفلسطينية؟! هل رأيتم شعباً كشعبنا يتقرب لجلاديه ويهتف بحياة قاتليه؟!.
رابعاً: موسى الصدر وثورة الخميني:
يزعم آل الخميني وآل الصدر أنهم من آل بيت رسول الله r، وهناك وجوه أخرى للقرابة، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت موسى الصدر وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني، ونائب رئيس وزراء إيران الحالي الدكتور صادق الطبطبائي هو ابن شقيقة الصدر، وعاش معه مدة طويلة في لبنان، وكان للصدر صلات قوية مع الدكتور مهدي بازركان والدكتور إبراهيم يازدي، وصادق قطب زاده.
والدكتور مصطفى جمران وزير الدفاع الإيراني من أكبر أعوان موسى الصدر. فلقد كان مديراً لمدرسة في صور أنشأها الصدر، وكان يتولى الإشراف على فروع منظمة [أمل] العسكرية قبل نشوب الثورة الإيرانية.
وزير الدفاع الإيراني كان يسمى في لبنان مصطفى شمران، وفي إيران مصطفى جمران، وهكذا فالتخطيط الشيعي لا يعرف وطناً ففي عام من الأعوام تراه زعيماً لبنانياً، وفي عام آخر تراه زعيماً إيرانياً.
وقصارى القول فلقد استفاد شيعة الخميني من المنظمة كثيراً قبل سقوط الشاه، لقد قامت المنظمة بتدريبهم على السلاح والقتال، وقدمت لهم مساعدات مالية وعسكرية، وبعد سقوط الشاه وجد ثوار الخميني أن أفضل شعار يلجأون إليه من أجل الزحف على البلدان العربية المناداة بتحرير القدس وفلسطين.
وسادة قم يحركون منظمة التحرير كما كان كسرى يحرك المناذرة من قبل والعكس غير جائز مطلقًا، لقد حاول قادة المنظمة أن يستغلوا قضية احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية فيتوسطوا بين كارتر والخميني ولكن الأخير أغلق الأبواب بوجوههم ورد عليهم أشد رد وأقبحه.
ويعلم ثوار الخميني أنه ما من طاغوت عربي إلا وقد استغفل الفلسطيني وقضية فلسطين، وأن قادة وكوادر المنظمة لم تأخذ العبرة من استغلال البعثيين والشيوعيين والناصريين لهم.
والمنظمة مستعدة أن تيسر مع حكام طهران الجدد إلى نهاية الشوط ولو أعادوا لهم ذكريات تل الزعتر وجسر الباشا، ومجازر صيد والبقاع ولا ندري إلى متى سيبقى هذا اليوم – عرفات – ينعق أمام الفلسطينيين المسلمين ويقودهم من هلاك إلى هلاك(1).
حقاً لو كانت القيادة الفلسطينية إسلامية لم تخدع مراراً بالصدر والأسد، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
________________________________________
الفصل الثاني
المبحث الأول
الاعتداءات على المخيمات التي سبقت مجازر أمل
بدأ نشاط منظمة فتح الفدائي في مطلع عام 1965م وقد بعثت عملياتهم الأمل في نفوس المسلمين، واستبشروا خيراً من أول بيان صدر، وقد استهله قادة فتح بقولهم: (اتكالاً على الله، وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس).
وبعد الهزيمة النكراء في الخامس من حزيران سنة 1967م اضطرت دول المواجهة إلى تشجيع العمل الفدائي لأنه الورقة الوحيدة التي يستطيعون استخدامها والمتاجرة بها أمام شعوبهم.
ومن أجل أن لا يتجاوز العمل الفدائي الهدف المطلوب سارعوا إلى تأسيس ودعم منظمات مشبوهة ومن ذلك: جبهة التحرير العربية التي أسسها حزب البعث العراقي في أول نيسان 1969م، ومنظمة الصاعقة التي أسسها حزب البعث النصيري السوري بعد حرب الخامس من حزيران 1967م، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها جورج حبش في تشرين الثاني 1967م، ومنظمة قوات الأنصار التي أسسها الشيوعيون، ومنظمة فلسطين العربية التي أسسها الناصريون.
ومعظم هذه المنظمات وجدت لخدمة أنظمة عربية معينة وجهات أجنبية مشبوهة، وكانت أنشطتها في العواصم العربية وليس داخل الأراضي المحتلة، وسوف نستعرض فيما يلي أهم الاعتداءات على المخيمات الفلسطينية ودور هذه المنظمات المأجورة في هذه المؤامرة.
أولاً: معارك أيلول سنة 1970م :
توترت العلاقات الأردنية الفلسطينية بسبب حوادث الشعب الفلسطيني التي كانت تدبرها الجبهة الشعبية – جورج حبش – وما انشق عنها من جبهات.
لقد رفعت هذه المنظمات الشعار المشهور: إن تحرير فلسطين يبدأ من عمان وبقية العواصم الرجعية، وراحت تتحرش بالنظام الأردني، وتحولت إلى عصابات قطاع طرق، فكانت تفرض الأتاوات وتعتقل الأبرياء، وتوجت تصرفاتها الاستفزازية سلسلة عمليات خطف الطائرات بين 6-9 أيلول 1970م، وبالمظاهرات التي اجتاحت شوارع عمان تنادي بسقوط عبد الناصر الذي وافق على مشروع روجرز للسلام في آب 1970م ولأنه قبل قرار الأمم المتحدة رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967م وعندما وقعت الواقعة بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير، هرب جيش ومن على شاكلته وتركوا الشعب الفلسطيني المسلم يواجه الموت والدمار.
وفي معارك أيلول ظهرت بطولات الجيش الأردني فارتكب أبشع المجازر في مخيمات عمان وجرش وفي أربد، وقد اضطر بعض الفلسطينيين إلى الفرار من الأردن إلى الضفة الغربية هرباً من بطش الجيش الأردني.
وأسفرت هذه المعارك عن قتل أعداء كبيرة من الجانبين، تجاوزت عدد الذين قتلوا في حرب 1967م، وامتلأت سجون الأردن بالشباب والأحرار أما حبش فقال كلمته المشهورة: (لقد حاربت النظام الأردني العميل بمنظمة فتح).
ومما لا شك فيه أن الجهات الاستعمارية التي حركت حبش وحواتمة وأحمد جبريل هي نفسها التي حركت العملاء داخل النظام الأردني وبخاصة جهاز المخابرات.
وتبيين فيما بعد أن عبد الناصر هو الذي أعطى الملك حسين الضوء الأخضر بعد أن توترت علاقاته مع المنظمة وبعد مظاهرات عمان التي نظمتها المنظمات اليسارية، وقد اعترف كبار قادة فتح بهذه الحقيقة فيما نشر من مذكرات(1)، ومقابلات صحفية، وبعد خروج المنظمة من الأردن أعلن الملك حسين عن مشروع المملكة العربية المتحدة.
ثانياً: معارك 1976م وتل الزعتر:
قام أتباع جورج وحواتمة بالدور نفسه الذي كانوا يقومون به في الأردن وكانت منظمة فتح تضطر أخيراً إلى تأييد اليساريين من الفلسطينيين واللبنانيين وأصبح كمال جنبلاط زعيماً لهذا الاتجاه الجديد في لبنان، ولهذا فقد كثرت الاحتكاكات بين السلطة اللبنانية من جهة ومنظمة التحرير من جهة أخرى منذ عام 1970م وحتى عام 1975م، وبعد اختطاف أربعة من الجنود اللبنانيين أمر سليمان فرنجية رئيس الجمهورية اللبنانية جيشه [وقوامه 15 ألف جندي] بضرب الفلسطينيين.
وقام دبلوماسي أمريكي يصف تلك الحوادث: (كانت تلك المرة الأولى التي رأيت فيها الجيش اللبناني فعالاً. فقد جرى قتال عنيف حيث أمطرت طائرات الهوكر هنتر مخيم برج البراجنة بوابل من النيران)(2).
وبدأت الحرب الأهلية في لبنان بحادث [الأتوبيس في عين الرمانة] في 13 أبريل 1975م، ووجد الفلسطينيون أنفسهم طرفاً في الحرب، بل وكانت منظمة التحرير الفلسطينية وفتح بالذات تتحمل العبء الأكبر في هذه الحرب.
واستطاعت القوات الفلسطينية بالتعاون مع القوات الوطنية اللبنانية دحر الكتائبيين وحلفائهم من الموارنة وألحقوا بهم شر هزيمة، وأطبقت القوات الفلسطينية وجيش لبنان العربي على معظم لبنان.
وهنا جاء التدخل السوري بعد أن أدت منظمة الصاعقة والمخابرات السورية، ومنظمة حزب البعث السوري، ومنظمة أمل دورها المطلوب في توتر الأجواء والتمهيد للدور السوري، قال زهير محسن رئيس منظمة الصاعقة: (إننا نفضل حدوث تدخل سوري واسع النطاق لفرض الاستقرار في لبنان، وسوريا هي وحدها التي تستطيع إنقاذ لبنان)(1).
دخلت القوات السورية وقوامها 30 ألف جندي لبنان في 5 يونيو 1976م، وخاضت معارك طاحنة مع القوات المشتركة، وقد تخلى كمال جنبلاط عن الفلسطينيين في أوقات المحنة ووقف مع دروزه على الحياد، أما الشيعة فقد وقف معظمهم إلى جانب القوات النصيرية الغازية.
وانتصر الجيش النصيري، وانتزع من القوات المشتركة: البقاع، وعكار، والجبل، وصيدا، ومنع المؤن والأسلحة من الوصول إلى المقاومة الفلسطينية.
وكان هناك تعاون وتنسيق بين قوات الكتائب وحلفائها وبين الجيش النصيري والقوات الإسرائيلية خلال حصار تل الزعتر، ومما يجدر ذكره أن حصار تل الزعتر تم سقوط مخيم جسر الباشا، ومخيم عين الحلوة، ومخيم برج حمود ومن المعروف أن بيار الجميل طلب في جلسة مجلس النواب اللبناني في 22 مايو 1975م نقل مخيم تل الزعتر من بيروت الشرقية.
وبدأ حصار القوات المارونية لتل الزعتر في أواخر حزيران، وسقط المخيم في 14 أغسطس 1976م بعد حصار دام أكثر من شهر ونصف وبعد منع الماء والغذاء ورجال منظمة الصليب الأحمر من دخول المخيم.
أجرت صحيفة الوطن الكويتية استطلاعاً عن لبنان في عدده الصادر في 11 أغسطس 1976م، ونقلت عن الملازم أول أبي عبد الله من القوات الليبية – في قوات الأمن العربية – قوله: (إن القص الذي شهده في المناطق الوطنية وفي صيدا بالذات يدين السوريين ويؤكد تورطهم العسكري لصالح الانعزاليين).
ويضيف الملازم أول حسن من القوات الليبية: (لقد قصفوا المطار أربع مرات، سورية تشجعهم ليكتمل الحصار الذي فرضته على المناطق الوطنية بعد أن أغلقت موانئ صيدا وصور وطرابلس، كنت في المطار وشاهدت جريمة قصفه البشعة وضحاياه كانوا مواطنين أبرياء مدنيين وبينهم أطفال).
وقال الملازم أول طه حسين من القوات السودانية: (نحن سعداء إذ نشعر بمثل هذه الألفة بيننا وبين الجماهير. السوريون متورطون في المؤامرة وكل صاحب ضمير يعترف بهذا).
وقال الملازم أول فتحي حسن: (حصار التجويع ومنع رغيف الخبز ومنع الأدوية جرائم بشعة ترتكب بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني).
وقال الملازم محمد خليل من القوات الليبية المرابطة في مشارف الهلالية: (إنها مؤامرة تستهدف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، وكما نرى بأعيننا تفاصيل المعركة سياسياً وعسكرياً نقول: إن الذين ينفذونها كثيرون وإن النظام السوري متورط فيها).
لقد انطلق الصليبيون الموازنة داخل المخيم كالوحوش الكاسرة، وراحوا يذبحون الأطفال والشيوخ، ويبقرون بطون الحوامل، ويهتكون أعراض الحرائر، وظهرت صورهم [على شاشة التلفاز في معظم بلدان العالم] وهم يشربون كؤوس الخمر احتفالاً بالنصر على الفلسطينيين المسلمين، وكانوا يعلقون صلبانهم في أعناقهم.
أما تورط إسرائيل في مذبحة تل الزعتر فأماط اللثام عنها شركاء بيجن في الحكم في جلسة من جلسات الكنيست الإسرائيلي نشرت وقائعها الصحف ووكالات الأنباء العالمية، وتبال الحزبان الاتهامات فشمعون بيريز يتهم بيجن وشركائه بمذبحة صبرا وشاتيلا والآخرون يتهمون بيريز بمذبحة تل الزعتر عندما كان وزيراً للدفاع.
تعليق: أتدرون ماذا فعلت الأنظمة العربية بعد هذه المذبحة الرهيبة ؟؟
عقدت مؤتمر قمة عربية، وتم الاتفاق على إيجاد ما يسمى بالردع العربي في لبنان، وكان في حقيقتها غطاء للوجود النصيري، فالقوات السورية الكبيرة استمرت في احتلال وقهر أل السنة في لبنان، وأضاف العرب إليها بضع مئات غير السوريين، وقد تم انسحابهم من لبنان بعد وقت قصير.
ثمة شيء أكثر غرابة من ذلك، لقد تعهدت الأنظمة العربية بمساعدات ضخمة تقدمها لسوريا النصيرية، كما تعهدت الأنظمة العربية بتغطية نفقات القوات السورية العاملة في لبنان. أليست هذه مكافأة لنظام الأسد على جرائمه التي ارتكبها ضد المسلمين ؟!
أما عرفات وصحبه من قادة فتح فخصتهم هذه الأنظمة بشيء من المساعدات وأطفال تل الزعتر ليسوا أطفاله، وهو لا يخجل من هتك الأعراض، ولو كان من الذين يخجلون ما قبل أن تنقل الصحف ووكالات الأنباء صورته وهو يقبل امرأة في مناسبة من المناسبات الفلسطينية الكثيرة.
والمهم أن مخيم تل الزعتر تم تدميره، وتم القضاء على معظم سكانه، وقليل منهم تمكن من النجاة.
ماذا فعل الجيش النصيري في لبنان ؟
نشرت وكالة رويتر للأنباء في 23 يوليو 1976م التقرير الآتي: (عندما انسحب حوالي 4000 جندي سوري من تلال الهلالية التي تشرف على مدينة صيدا في الأسبوع الماضي تركوا في نفوس السكان المحليين شعوراً بالمرارة والانقباض).
وكانت الدبابات السورية قد دخلت صيدا في 7 حزيران بعد أن ظلت هذه المدينة بعيدة عن الصراع بسبب سيطرة اليسار عليها، وقال المدافعون عن صيدا: (إنهم دمروا عدة دبابات سورية أو استولوا عليها وأوقعوا إصابات بين السوريين).
وتشهد المباني التي قصت وواجهات المتاجر التي اسودت بفعل النار وبرج دبابة سورية رفع على شرفة الطبقة الخامسة من أحد المباني على ضراوة القتال الذي دار في هذا الميناء.
وعندما انسحب السوريون إلى التلال المطلة على هذا السهل الساحلي، يبدو كما يقول السكان المحليون أنه كان مزيجاً من القصف العشوائي والضرب الصاروخي المحكم.
ففي مصفاة الزهراني على بعد تسعة كيلو مترات إلى الجنوب من هنا أطلق السوريون وبإحكام كبير 96 صاروخاً تسبب في دمار بالغ واحترقت النار في بعض صهاريجها منذ حوالي أسبوع.
وكان مسئول سوري قد قال في لندن أخيراً: (إن المصفاة دمرت في قتال نشب بين فئات فلسطينية وإن الزعم بأن السوريين دمروها يشكل جزءًا من حملة معادية للسوريين).
ولكن بعض عمال المصفاة ويبلغ عددهم 220 عاملاً قالوا: إنهم مقتنعون بأن السوريين تعمدوا مهاجمة المصفاة التي كانت تكرر تقريباً جميع الوقود المستهلك في المنطقة التي يسيطر عليها التحالف الفلسطيني اللبناني.
وكانت الحكومة اللبنانية تزود السوريين بالوقود من هذه المصفاة خلال حرب سنة 1973م مع إسرائيل بعد أن قصف السلاح الجوي الإسرائيلي مصفاة حمص.
وفي إحدى ضواحي صيدا الجنوبية يشاهد مستشفى أصيب بثلاث قذائف وقال العاملون في المستشفى أن القذيفة الأولى جاءت من مدفع سوري حين كان السوريون يزحفون على صيدا.
وحطمت آخر عملية قصف جزءًا من جدار خلفي للمبنى ودمرت جناحين التجأ المرضى فيهما والموظفون إلى الطبقة الأرضية.
وقال طبيب وجد أن من الصعب عليه أن يصدق السوريين هم الذين قصفوا المستشفى إنهم ربما كانوا يحاولون ضرب محطة لتوزيع الوقود غير الشارع. وسئل عن رأيه في الوجود السوري فقال: (إني لست طبيباً(1) ولكنه أضاف يقول: لم تحدث أية مشكلة هنا إلى أن جاء السوريون.
قتلوا الأطفال: ويعتبر خيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين خارج صيدا أكبر مخيم في لبنان إذ يقطنه حوالي 45.000 شخص نصفهم من اللبنانيين الفقراء.
ويضم المخيم ملاجئ كثيرة تحت الأرض كان السكان يستخدمونها في السنوات الماضية اتقاء للغارات الجوية الإسرائيلية التي دمرت 400 منزل. وبدت بعض الأضرار الناجمة عن القذائف.
وقال مواطن فلسطيني: إن المخيم ضرب بالقذائف هنا وهناك وقد قتل صبيّان كانا يلعبان في الشارع هنا.
وقتل ثلاثة أشخاص عندما ضرب صاروخ ذلك البيت، وقتل حوالي 20 من سكان المخيم أو جرحوا نتيجة للقصف.
المقابر تتحكم: وفي المدينة ذاتها ضرب القذائف الأسواق وبعض الأماكن السكنية كما تحطم جزءًا من سور مقبرتها. وكان كثير من الأضرار في مناطق لم تتأثر بقال السابع من يونيو.
ونفى السكان المحليون أن تكون هذه المناطق قد ضربت خلال قتال بين الفدائيين أنفسهم وقالوا لقد وقع اشتباك ثانوي فقط بين فدائيين يناصرون سوريا وآخرون يعارضونها في شهر آيار.
واتهمت سوريا كذلك بضرب مرفأ صيدا مما أثار الفزع في نفوس ربابنة البواخر التي كانت تصل محملة بالأغذية والمؤن الأخرى لتوزع في المناطق التي يسيطر عليها اليساريون.
وقال السكان المحليون أنه ما أن انسحب السوريون حتى أصلح المرفأ وبدأت المؤن تتدفق عليه من جديد.
وقال قائد عسكري فلسطيني محلي: (إن معنويات الجنود السوريين في الهلالية متدهورة).
وكثيرًا ما يطلق رجال المدفعية السورية قنابلهم إلى البحر لتفادي إصابة المدنيين. وقد استبدل ضباط وجنود جدد ببعض ضباط وجنود القوة الأصلية.
وقال القائد الفلسطيني: (إن كثيراً من المعلومات التي تصل إليه عن خطط القوة السورية وتحركاتها إنما ينقلها إليه قرويون يطلعهم على هذه الخطط والتحركات ضباط سوريون.
وقد انسحب جزء من هذه القوة الآن إلى البقاع بينما انسحب الجزء الآخر إلى بلدة جزين الواقعة على بعد 30 كيلو متراً إلى الشرق من صيدا.
ومن جهة أخرى أقامت القوات السورية المسلحة الموجودة في جنوب لبنان وبالتعاون مع قادة طلائع الجيش العراقي اللبناني مكاتب خاصة للعلاقات العامة في معظم المدن والقرى اللبنانية التي تشرف عليها هذه القوات لتأمين الخدمات العامة وحل مشاكل المواطنين بما فيها القضاء والزواج والطلاق نظراً إلى غياب المؤسسات اللبنانية الرسمية. وتضم هذه المكاتب ضباط من سوريا ومن طلائع جيش لبنان العربي.
وأصدرت الإدارة السياسية التابعة للقوات السورية المسلحة صحيفة يومية أسمتها (الموقف) وصدر في العدد الأول منها ليوزع في أنحاء لبنان ويتضمن آخر المعلومات عن الموقف في الساحة اللبنانية ووجهة نظر سوريا في النزاع القائم في لبنان.
ثالثاً : عملية الليطاني :
هاجمت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان في 15 مارس 1978م، وتم ضرب مواقع الفلسطينيين جنوب نهر الليطاني، وأنشأت جيش سعد حداد على الشريط الحدود بتاريخ 28 مارس 1978م.
ونجحت إسرائيل في تجميع الفلسطينيين شمال النهر ليكونوا هدفاً لضربة أخرى ومن الجدير بالذكر أن القوات السورية التي كانت تشرق وتغرب في لبنان لم تحرك ساكناً، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد القوات الإسرائيلية.
ومن جهة أخرى فإن عملية الليطاني تمت بين زيارة السادات للقدس، وبين توقع معاهدة [كامب ديفيد] للسلام في أيلول 1978م.
رابعاً: الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م :
كان العدو الإسرائيلي على لبنان متوقعاً، وكان عرفات يصرح بذلك قبل أشهر من وقوع العدوان، ويزعم أنه أعد لكل شيء عدته، وأنه سيلقن إسرائيل درساً لن تنساه.
وفي يوم 4 يونيو 1982م بدأت الحرب بغارات جوية على لبنان كله، وتبعها بعد يومين الاجتياح البري بقوة قدرت بحوالي 20 ألف جندي، واكتسحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان بسرعة خاطفة، ثم واصلت سيرها نحو بيروت العاصمة، وهناك استقبلتها القوات المارونية بحفاوة بالغة، وأمدتها بالعون والنصيحة.
وقصفت القوات الغازية بيروت الغربية – بيروت السنة – براً وبحراً وجواً، ومنع الماء والغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء عن المسلمين السنة في بيروت العربية، ومن الأمثلة على القصف الشديد الذي تعرضت له بيروت الغربية ما حدث في يوم الأحد 1 أغسطس 1982م حيث استمر القصف الإسرائيلي براً وبحراً وجواً مدة أربع عشرة ساعة متواصلة سقطت خلالها 180 ألف قذيفة أي بمعدل يزيد على 214 قذيفة في الدقيقة الواحدة، وتكرر مثل هذا القصف يومي الثالث والرابع ثم العاشر والثاني عشر من الشهر نفسه.
لقد هدمت المنازل، ورُوع الأطفال، وعاش سكان بيروت المنكوبة أياماً عصيبة، وامتزجت دماء المسلمين اللبنانيين والمسلمين الفلسطينيين، وكانت الخسائر فادحة جداً.
وأخذ رفاق عرفات من الدروز والرافضة والعلمانيين يطالبون بخروج منظمة التحرير من بيروت بل من لبنان كلها، وأدى المبعوث الأمريكي بخروج منظمة التحرير من بيروت بل من لبنان كلها، وأدى المبعوث الأمريكي دوره المطلوب بعد جولات من المحادثات أجراها فيليب حنا في تل أبيب وبيروت ودمشق وعواصم عربية أخرى انتهت بخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان.
الموقف العربي:
تم عقد مؤتمر طارئ لوزرا الخارجية العرب بعد 23 يوماً من الاجيتاح الإسرائيلي، واختلف أعضاء المؤتمر وتفرقوا دون أن يتخذوا قراراً حاسماً، وما كنا ننتظر منهم غير هذا الموقف المؤسف.
أما النظام النصيري فكان دوره دور المتفرج .. وقصفت إسرائيل الصواريخ السورية في البقاع في 9 يونيو 1982م، ودارت معركة جوية هزيلة انتهت بسقوط عدد من الطائرات السورية، وصدر عن القيادة المركزية للجهة الوطنية التقدمية في دمشق بياناً في 19 يونيو 1982م جاء فيه: (إن ما جرى في لبنان ليس نهاية معاركنا وسنناضل لطرد الغزاة .. وجاء في البيان أيضاً: لا يعقل أن نترك الجولان ونعلن الحرب على إسرائيل من لبنان).
وعقد عبد الحليم خدام مؤتمراً صحفياً في 25 يونيو 1982م قال فيه: (إن سوريا حاولت تجنب الحرب نظراً لحدوث اختلال التوازن العسكري في المنطقة نتيجة خروج مصر على الصف العربي بعد التزامها باتفاقية كامب ديفيد).
وفي 20 يوليو 1982م قال حافظ الأسد في كلمة له من دمشق: (إن القوات السورية دخلت إلى لبنان لأداء مهمة محددة هي إنهاء الحرب الأهلية التي فرقته خلال عام 1975م و 1976م ولم تذهب لتحارب إسرائيل من هناك).
هذا ما قاله أسد عبر أجهزة الإعلام، أما ما قاله صراحة لمبعوث عرفات: (أريد أن تهلكوا جميعاً لأنكم أوباش).
وعندئذ أدركت قيادة المنظمة تآمر الأسد عليهم وأنه ينسق أموره ضدهم مع الكتائب وإسرائيل والولايات المتحدة.
أما ليبيا فقد زعمت أن أسباباً جغرافية حالت دون القيام بعمل عسكري ليبي مباشرة على الجبهة الشمالية في لبنان. عن الوكالات 15 يونيو 1982م
أما وليد جنبلاط ودروزه فيكفينا ما قاله عنهم الرجل الثاني في منظمة التحرير صلاح خلف: (إن عدم وجود عمق لساحة القتال في الجنوب شكل عائقاً لنا، فقد كان المدى الأرضي أحياناً لا يزيد في الجنوب عن أربعين متراً ونحن محاطون بالعدو من البر والجو والبحر وبعد صيدا مباشرة حرمنا من أن نضع مدفعاً واحداً من قبل الدروز ورئيس الحركة الوطنية بالذات – أي وليد جنبلاط -، أما القوات السورية في الجنوب فحسب ادعاء السوريين ليست للقتال).
وقال أيضاً: (أنا لا أستحي أبداً من الحقيقة .. الأخ وليد جنبلاط رئيس الحركة الوطنية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رفض أن تتواجد أو تنقل أسلحة إلى منطقة نفوذه في الشوف .. قال لنا: إن عنده أسلحة كافية وسيقاوم في الشوف ونحن نعلم أنه كان فعلاً سلاح جيد، لكن الذي حدث أن الأخ وليد وإخواننا الدروز لم يقاتلوا خلال الغزو الأخير، ورأينا مجيد أرسلان وفيصل أرسلان وجماعتهم بعد أن وعدوا المسلمين بالقتال معهم ضد بشير الجمل والكتائب، تخاذلوا أمام الأموال بينما انحشرنا نحن في شريط ساحلي ضيق من صور لصيدا لبيروت والمعركة الوحيدة التي دارت على مدى خمسة أيام في الشريط الساحلي كانت معركة [خلده] البطولية التي استشهد فيها خيرة رجالنا والتي كنا فيها وحدنا).
أما الموارنة فبعض قواتهم شاركت في الحرب إلى جانب اليهود، وبعضهم تعاونوا مع اليهود في إحكام الحصار على بيروت، والجيدون فيهم وقفوا على الحياد.
كذلك كان موقف الشيعة فقد عادوا إلى قراهم وحققوا حلمهم في طرد الفلسطينيين من جنوب لبنان، وكانت إذاعة العدو الصهيوني تنقل تصريحات أعيانهم في تأييد إسرائيل.
وجملة القول: فإن إسرائيل خاضت حرباً ضروساً مع المسلمين السُّنَّة وحدهم، وإذا كان بعض الناس سيفسر كلامي هذا تفسيراً طائفياً رغم ما فيه من حقائق لأنني أكتب ما أعتقده وأومن به بصراحة ووضوح.
إذا كان الأمر كذلك عند هؤلاء الناس فنحيلهم على مصادر كثيرة ليست إسلامية، وليس من اهتمامات الانتصار للسُّنة أو الشيعة، ومن هذه المصادر تنقل فقرات من دراسة قدمتها صحيفة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 30 أبريل 1985م تحت عنوان: (الإسرائيليون جردوا المنظمات السُّنية من السلاح وحدها).
(لقد حصر الإسرائيليون عملية التجريد من الأسلحة بالفلسطينيين أولاً ثم بالسُّنيين من اللبنانيين دون سواهم).
لقد أصر شارون على دخول بيروت الغربية لتجريد [المرابطون] بوصفهم فريقاً لبنانياً محسوباً على المنظمات الفلسطينية.
لماذا أسلحة السُّنة وحدها – وهي أسلحة غير منضبطة في إطار سياسي قال: - تشكل خطراً على الإسرائيليين؟!.
وهل [المرابطون] الخارجون على قاعدة الالتزام الإسلامي السُّني، بالامتناع عن خوض الحرب، من خنادق الطائفية يستحقون مثل هذا المستوى من الاهتمام الإسرائيلي، وهم الذين عدوا بعد الاجتياح مجرد علم ومحطة إذاعة؟!
بعض الناس صفق للمقاومين المغامرين – أي قليلات وجماعاته -، ومعظم القيادات السياسية المحافظة، رأت في الإصرار على مواجهة الدخول الإسرائيلي ضرراً إضافياً يقع على أرواح الناس وممتلكاتها، في وقت رحلت فيه المقاومة الفلسطينية عن بيروت، وتجنب الاشتراكيون – أي الدروز – مواجهة الإسرائيليين في الجبل، وتوقف حركة أمل – أي الشيعة – عند مفترق تحييد الضاحية الجنوبية، وتحول الكتائبيون إلى شرطي مرور للقوات الغازية، وإلى برج مراقبة وحارس حاجز ورأس حربة أحياناً.
... وأدركت القيادات الإسلامية السُّنية، أنها في مواجهة استراتيجية، أوسع مما يرى بالعين المجردة، استراتيجية ترتكز على النظرية الإسرائيلية المساوية بين السُّني اللبناني والفلسطيني المقيم في لبنان، من حيث إلغاء الدور، وتحطيم الفعالية، فالمناطق السُّنية كانت وستبقى، الأرض الخصبة لنمو المقاومة الفلسطينية.
(إن مدرسة الزعامات السياسية، خرجت أشخاصاً، ولم تخرج مؤسسات سياسية، مجموعة أسماء تتناوب على رئاسة الحكومة، بتنافس سطحي، لا يتعدى حدود الذات، وإن ابتعد، فإلى حدود المحلة أو المدينة). ا.هـ
إن صحيفة الأنباء الكويتية ليست إسلامية، وما كانت فيما كتبته تدافع عن أهل السُّنة، وعلى العكس فهي صحيفة قومية علمانية .. ولكن الحقائق أنطقت القائمين عليها كما أنطقت وكالات الأنباء المحلية والعالمية التي غالباً ما تتجاهل القضايا الإسلامية.
خامسا: مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982م:
اتفق المبعوث المبعوث الأمريكي [فيليب حبيب] مع النظام الصهيوني من جهة والأنظمة العربية المعنية من جهة أخرى على إخراج منظمة التحرير وقواتها التي تربو على إحدى عشر ألف مقاتل من لبنان.
وصورت أجهزة الإعلام العربية المشبوهة الاتفاق على أنه انتصار للمنظمة وهزيمة منكرة للعدو الصهيوني، وإسرائيل لا تريد في تلك المرحلة أكثر من خروج المنظمة وقواتها العسكرية من لبنان.
وخرج البطل ياسر عرفات [كما يصوره أتباعه] وشركائه من لبنان وتركوا وراءهم النساء والشيوخ والأطفال العزل .. تركوهم بين اليهود والكتائب والباطنيين، وزعموا – عليهم من الله ما يستحقون – أنهم حصلوا على ضمانات بسلامتهم من الولايات المتحدة وجهة عربية أخرى صديقة للولايات المتحدة .. وهم الذين يقولون في كل مناسبة: (الولايات المتحدة الأمريكية أكثر يهودية من اليهود).
وبعد خروج منظمة التحرير من لبنان تم تنفيذ حلقة أخرى من حلقات المؤامرة، حيث تم اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، وثبت فيما بعد أن حزب القومي السوري هو الذي نفذ العملية بتكليف من النظام النصيري السوري.
والحزب القومي السوري الذي يسمى الآن بالحزب السوري الاجتماعي – أسسه أنطون سعادة – وهو حزب طائفي دموي استعماري ينادي بوحدة سوريا الكبرى ولا يؤمن بالقومية العربية. واليهود السوريون جزء من الأمة التي يعتز بها أنطون سعادة.
وحزب البعث من ألد أعداء الحزب القومي السوري غير أن حافظ الأسد وطائفته متورطون في هذا الحرب المشبوه، وقد قام الأسد بالإفراج عن قادته كعصام المحايري وغيره وأعطاه صلاحيات واسعة في لبنان.
وفي الفترة الأخيرة أخذ الأسد يلمع قيادة هذا الحزب ويعدهم لدور ما، ومما لا شك فيه أن أعوان أسد في حزب البعث من غير أبناء الطائفة النصيرية يتوجسون خيفة من تعاون زعيمهم مع الحزب القومي السوري المعروف في بلاد الشام.
المهم أن مقتل بشير الجميل في تلك الفترة يعني بأن الكتائبيين والقوات اليهودية التي تحتل لبنان وبيروت بذات سيسحقون الفلسطينيين في مخيماتهم، وحافظ الأسد أول من يعرف هذه الحقيقة.
وإذا كنت عند كتابة هذه الأسطر لا أملك أدلة كافية .. ففقدان هذه الأدلة لا يمنعني من إبداء وجهة نظري التي تتلخص فيما يلي:
(إن عملية قتل المجرم بشير الجميل لم تكن عفوية بحال من الأحوال، والحزب الذي نفذ العملية يرتبط بصلات وثيقة مع النظامين النصيري واليهودي، وهذان النظامان لا يؤيدان وجود رئيس قوي يحكم لبنان ولو كان مجرماً لأنهم يخشون من التفات اللبنانيين حوله، وخلال مدة حكمه القصيرة وقعت خلافات بين بشير الجميل من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، أما عداوة النظام السوري له فمعروفة وأكيدة.)
وإذن لا بد من قتله، والذي أتوقعه أن النظامين: اليهودي والنصيري قد خططا معاً لتصفية رئيس الجمهورية اللبنانية بشير الجميل .. ومع ذلك لا أملك أدلة، ولكنها رؤية وسوف يأتينا بالأخبار من لم نزود.
المبحث الثاني
شهـــود المذبحــــة(1)
اقتحمت القوات الكتائبية واليهودية مخيمي صبرا وشاتيلا بعد مقتل بشير الجميل ... وارتكب الأوباش مجزرة رهيبة تذكرنا بمجزرة حماة التي سبقتها بقليل.
وفي هذه الأسطر القليلة، سوف أترك المجال لنفر من شهود المجزرة يتحدثون عما رأوا وسمعوا:
الشاهد الأول: سلمان الخليل المسؤول عن دفن الموتى قرب صبرا وشاتيلا.
قال سلمان: (وقعت المجازر يوم الأربعاء، وفي المساء أخذت الجرافات تدفن الضحايا بدون صلاة ولا تكفين ولا غسيل. الدفن جماعي.
ولم يعرف أحد أي شيء عن الجثث، لم يتعرف يومها أحد على جثة كان قسم منها لونه أسود، وقسم آخر منفوخ بفعل الشمس. كان الآباء والأمهات يأتون إليَّ بصور أبنائهم وذويهم كي أتعرف عليهم لكني لم أكن أفلح في ذلك.
دفنت في يوم واحد عدداً إجمالياً 113 جثة في سبعة خلجان حفرتها الجرافات، وفي إحدى المرات كان شاهداً على الدفن السفير الفرنسي. وكان حاضراً أيضاً الصليب الأحمر والجيش اللبناني والدفاع المدني وكشافة الرسالة والمقاصد. كان السفير الفرنسي يبكي. رأيته يبكي بعيني. كنت في حالة صعبة كالضائع أذهلني المنظر(2).
وعندما دخلت إلى المخيم رأيت [اللحم ملزق على الحيطان]. وتستطيع أن تقول كل أساليب القتل قد استخدمت الساطور، البارودة، الرصاص، العصي، كاتم الصوت، هناك مساحة لاحظتها وهي عبارة عن 200م فيها كثافة دماء حوالي 2ملم – 3ملم مع آثار شعر وأحذية، قيل لي أنه في هذه المساحة قد تجمعت حوالي 40 جثة، نقلت جميعها قبل يوم واحد بالجرافات.
والذين هربوا صوب الغبيري أو صوب الشرق نجوا من القتل، والذين هربوا صوب المدينة الرياضية أو صوب القرى قتلوا أو اعتقلوا والدليل على ذلك أننا دفنا 70 جثة قتل أصحابها في محلة الرمول بالقرب من المدينة الرياضية كان يوجد هناك قوة كبيرة جداً من المسلحين.
يوم الاثنين التالي والأيام اللاحقة للمجزرة، كنت أصلي على الجنازات من الساعة الرابعة صباحاً حتى الساعة السادسة مساءً. كانا يزودونا بكمامات تفادياً للروائح الكريهة، ساعدتنا شركة [أوجيه لبنان] بتقديم الآليات والجرافات.
كان عمق الخليج الذي نحفره مترين ونصف المتر وطوله حوالي ثلاثين قدماً، وكنا نع كل خمسة جثث فوق بعضها البعض، ونرمي فوقها الكلس والتراب خوفاً من انتشار الروايح المنبعثة منها، ووضعنا أيضاً الأطراف المقطعة من الجثث. أما الأسماء فإنها كانت موجودة مع الصليب الأحمر، ولم تنشرها الصحف لأن الصليب الأحمر كان يخشى من إثارة الرأي العام.
لقد صليت وحدي على 6000 جثة، وهناك ألفا جثة دفنتها الجرافات دون أن أصلي عليها، والجثث المدفونة جماعياً موجودة في مقبرة على مداخل شاتيلا مسورة، ومساحة المكان تبلغ ما يقارب 1500 متر مربع.
لقد ذُهلت عندما صليت على 113 جثة يوم الأحد بعد المجزرة في مكان واحد، بعدها صرت كالضائع الأقوى على مخاطبة أحد، تأثرت كثيراً عليهم لأول مرة في حياتي أرى 113 جثة، لم أكن قادراً على البكاء كي أموه على نفسي.
لقد كان عدد الرجال أكثر من عدد النساء، وكان بين الضحايا من كان عمرة 90 سنة، وما زالت صورته حتى الآن في ذهني، كانت ذقنه طويلة، ومن بين الذين دفناهم أطفال أعمارهم بين 6-7 سنوات ونساء من مختلف الأعمار، كانوا يقتلون كل شيء يتحرك أمامهم.
الشاهد الثاني: فاطمة، عمرها 30 سنة، فقدت في المجزرة أهلها.
* أين كنتِ عندما وقعت المجزرة؟
- بالقرب من المدينة الرياضية، رأيتهم بعيني ينزلون، كانوا مثل الجيش اللبناني، وكانت إسرائيل وراءهم، على زنودهم شارة الكتائب اللبنانية، كانوا شباباً تتراوح أعمارهم بين 20 و25 و27 و30 عاماً.
تكمل روايتها: بعد قليل تفاقمت الصحة وخرجنا تحت الرصاص، وتركت منزلي وفيه أغراض بـ 15 ألف ليرة كلها راحت .. صاروا يضربون علينا هاون صغير وأنا لا أخاف من الهاون انبطحنا في الأرض فأصيب زوجي بشظايا الحجارة فحملته على ظهري وركضت صوب مستشفى غزة وبقيت معه في المستشفى .. هناك بدأت أفواج الجرحى تتوافد. رأيت ولداً صغيراً جسمه ملئ بالشظايا وغيره كثيرين .. خفت على أولادي، فعدت إلى المنزل وما أن وصلت حتى أطلقوا النار علي فلم أصب، لكني سرعان ما غادرت البيت إلى (زاروبة) مجاورة صوب منزل أهلي فوجدتهم كلهم مقتولين وجيران أهلي وغيرهم كثيرين .. امرأة حامل فتحوا بطنها، وامرأة أخرى في شهرها الرابع قتلوها على باب الملجأ .. ناس لبنانيين حاملين أعلام بيض قتلوهم .. نسوان أخوتي قتلوهم .. أخي الكبير كان يحمل القتلى والجرحى ويساعد الناس قتلوه .. أمي كانت تحمل 78 ألف ليرة قتلوها .. نسوان قطعوا لهم أياديهم من أجل أساور الذهب وقتلوهم .. كانوا مخدرين يأخذون حقن مورفين في عروقهم.
الشاهد الثالث: فهيمة محمود السعدي، عمرها 24 سنة متزوجة فلسطينية من مخيم صبرا، وزوجها من بيت القاضي، وقد نكبت عائلة القاضي، وقتل منها عدد كبير في مخيمي صبرا وشاتيلا.
تتحدث فهيمة كيف تم اعتقالها كيف تم اعتقالها مع عدد من أهلها، وما تعرضت له من تعذيب، وإهانة، وكيف تم فرز الناس .. وتمضي في حديثها فتقول:
النساء اللبنانيات ذهبن إلى مكان يقع بالقرب من السفارة الكويتية، وكان المسلحون هناك (ينفلون نفل وكأن القيامة قائمة)، وقالت لي يما بعد إحدى الأخوات اللبنانيات أن المسلحين كانوا (شربانين) .. بعد ذلك جاءت بهن إلى تجمعنا وقالوا لنا كل شيء سيسير على ما يرام، فمن له علاقة بالمنظمات، سنعتقله والذين لا علاقة لهم سنتركهم .. في هذا الوقت جاءوا بامرأة وزوجها من صبرا وكان حالتها (يوقف شعر الرأس) سألناها عن الأمر فالت: (قتلوا كل الشباب الواقفين في أول صف في صبرا عندها ارتفع العويل والصراخ بين النساء وسادت حالة من الهستيريا .. فهجم علينا أحد المسلحين وقال: التي تريد أن تكمل الصراخ فلتأتي إلى هنا وستصبح عاطلة (ما بدي ولا كلمة. اسكتوا كلكم) وسألنا من أخبركم بالأمر فلم نجب لأنه قد يقتلها خصوصاً بعد أن قتل زوجها وثلاثة من أولادها أمام عينها. الساعة السابعة مساءً قالوا لنا الآن يمكنكم أن تنصرفوا لكن شرط ألا تذهبوا إلى منازلكم (دبروا حالكم في الشوارع والطرقات).
وصلنا إلى حاجز للجيش اللبناني فقال لنا الجنود (شو القصة يا أختي، ليش ماشيين حافيين ومبهدلين) فروينا لهم الأمر قالوا: غير معقول فأكدنا لهم فقالوا إلى أين ستذهبن. قلت إلى أي شارع يه بشر كي يعرف الجميع ماذا حل بنا.
الشاهد الرابع: حنان الخطيب، عمرها 18 سنة، لبنانية. تتحدث عن اعتقالها فتقول:
كان عددنا حوالي 20 بنتاً وولداً وشاباً واحداً عمره حوالي 16 سنة، نقلونا إلى المنطقة الشرقية بواسطة كمبون شحن صغير، وكانا قد استبقوا الرجال في الملجأ .. تجولوا بنا في المنطقة الشرقية كلها ونزلونا في مقر لا أعرف لمن [المكان في بكفيا] كانوا يومها في حالة حداد ويقفون على الشرفات ينظرون إلينا .. بعد قليل تقدم أحد الضباط الموجودين هناك وسأل المسلحين (شو جايبين معكم .. كلهم نسوان) فأجابه مسلح: معنا شاب عمره حوالي 16 سنة. ودفعه إلى الضابط الذي خبطه بالأرض ثم حمله إلى مكان لا ندري أين هو. وعاد إلى المسلحين وقال لهم: (ارسلوا النساء وهاتوا الرجال).
وتمضي حنان في الحديث عما شاهدته: في اليوم التالي وكان نهار الجمعة الساعة الرابعة أطلقوا سراحنا فذهبت إلى مستشفى عكا كي أبحث عن أبي، فقيل لي يمكن أن يكون مع الأسرى في الرملة البيضاء، فصدت المكان فلم أجده، عدت إلى المخيم فلم أجد قتلى أو جرحى، وصلت إلى الحرش 25 شخصاً مكومين فوق بعضهم بدون رؤوس عدت إلى البيت فوجدت أبي مقتولاً ورأسه على الحجر وعلى جسمه غطاء أبيض .. بعد ذلك جمعت أغراضي من ذهب ومصاري وقصدت الغبيري وهم كانوا قد تجمعوا في المدينة الرياضية بقيت في الغبيري حتى يوم الأحد حيث عدت واهتميت بدفن والدي.
وعن الذين اعتقلوها تقول حنان: كان لهجتم كسروانية وجنوبية ومعهم ناس بعلبكية.
الشاهد الخامس: صبحية حمد فارس، عمرها 38 سنة، متزوجة قتل زوجها مع ثلاثة من أولادها.
* أين كنتم تسكنون أثناء المجزرة؟
- في مستديرة شاتيلا، ويوم الجمعة بعد المجزرة هربنا إلى الغبيري [حي لبناني ملاصق للمخيمات].
* هل تذكرين كيف دخل المسلحون إلى المخيمات يوم المجزرة؟
- دخلوا من حي عرسال، كانوا يرتدون الزي العسكري الذي يرتديه الجيش اللبناني.
وعن محاولة هروبها مع زوجها وأولادها ثم عن اعتقال الكتائب لهم تقول: أخذونا إلى المجلس الحربي الكتائبي، وكانت الساعة قد بلغت السابعة مساءً نزلوا الشباب في ساحة الكرنتينا(1) (وبطحوهم على الأرض) ثم أخذوا يضربونهم بالكرابيج، على مرأى منا، أما نحن فإنهم كانوا يرمون علينا البيض ويرشقونا بالتراب والحجارة والبحص. المهم أنهم عصبوا أعين الشباب وأعادوهم إلى السيارات، وكنا كلما بكينا ينهالون علينا بالضرب ويطلقون النار فوق رؤؤسنا ثم نقلونا بالسيارة بعد أن طردوا سائقها إلى حاجز البربارة، وهناك قالوا لنا اذهبوا ولا تعودوا إلى هنا أبداً، وإذا سئلتم عمن فعل ذلك لا تأتوا على ذكر الكتائب، قولوا جيش لبنان الحر [سعد حداد] ونحن عرفناكم جيداً وعرفنا أسماؤكم، إياكم أن تنطقوا باسمنا وإياكم أن ترجوا، إذا رجعتم إلى بيروت نذهب إلى منازلكم ونقتلكم فيها هناك.
* هل تعتقدي أن إسرائيل شاركت في المجزرة؟
- نعم شاركت بالمجزرة لأنهم كانوا يرغمون الهاربين على العودة إلى المخيم ثم إن الجيش الإسرائيلي كان يحاصر المخيمات ولا يسمح بالخروج منها لأي شخص كان.
الشاهد السادس: يتيم صبرا، كريم عبد يوسف، فتى في الحادية عشرة من عمره، فقد عائلته خلال المجازر، يتحدث عما لقي من مصائب فيقول:
اعتقلوا معي حوالي 100 شخص معظمهم أولاد صغار .. بعد قليل طلبوا منا أن نركض في الملعب أثناء ذلك فكرت بالهرب مع صبي كان يركض بجانبي واسمه حسن. قلت لحسن: هل تهرب معي فوافق. قفزنا من مكان فيه أسلاك شائكة وأصبنا بجروح .. لحقونا ولكن ما قدروا يلقطونا. فطعنا مسافة قصيرة فاصطدمنا بثلاثة مسلحين كتائب، خرطشوا علينا الكلاشنات وأعادونا إلى الملعب حيث ضربونا ضرباً مؤلماً، بقينا في الملعب طيلة النهار والليل وفي صباح اليوم التالي أفرجوا عنا وقالوا فليذهب كل شخص إلى منزله .. توجهت إلى بيتنا فوجدت أبي مذبوحاً ومربوطاً بالحبال [هنا أجهش كريم بالبكاء] .. عندما رأيت والدي ضاع عقلي ولم أعد أعرف ماذا أفعل، تذكرت والدتي وأخواتي بحثت عنهم فلم أجدهم. هنا تصاعد إطلاق الرصاص فهربت وعلى الطريق صادفت اثنين (اختيارية) – أي شخصين كبار السن – ذهبت معهما إلى أحد المنازل وهناك أيضاً طوقنا الكتائب وأطلقوا علينا الرصاص .. لكننا استسلمنا لهم بعد أن رفعنا خرقة بيضاء، فأخذونا إلى مركز تجمع الإسرائيليين لكن هؤلاء رفضوا استسلامنا فأعادونا إلى صبرا وقالوا (الذي يدلنا على فدائي نتركه ونعطيه مصاري) التزمت الصمت فقال لي أحدهم: هل تدلنا يا شاطر على فدائيين فنعطيك مصاري ونخلي سبيلك. كان هذا الشخص إسرائيلي لكنه يرتدي ثياب الكتائب. بعد قليل جاء ضابط إسرائيلي أصلع وقال: (امشوا خلفي) .. على الطريق (صرنا نشوف القتلى مرميين على الأرض. اللي مقطوع رأسه، اللي مقطعه اجريه، اللي منفوخ!! امرأة حبلى بقروا بطنها وعلقوها كما تعلق اللحمة عند الجزاء).
* هل عثرت على أمك وأخواتك؟
- نعم. كانوا مقتولين. (وما شفتهم كيف اتقتلوا) لكن أخبرني الناس في تلك اللحظة أصبت بالجنون. مات أبي وأمي وأخواتي. تأثرت كثيراً خصوصاً على موت أخواتي لأنني كنت أرى النور من عيونهن. كنت أحبهم أكثر من كل أهلي، بحثت عن أخوتي الشباب فعثرت على أحدهم وكان مشطوباً بالبلطة – أي الفأس – على رأسه، وأخي الثاني كان وجهه مهشماً من الضرب. أخي الثالث سمير لم يمت بل خطف، هكذا قيل لي، وهو الآن مفقود لا أعرف مصيره؟! دفن أهلي دون أن أراهم. والجميع الآن مدفونين في مكان قريب من مدخل شاتيلا، زرتهم يوم العيد (عيد الفطر الماضي) مع بعضهم البعض.
* والآن ماذا تفعل، هل تشتغل؟
- أريد أن أشتغل على [طنبر الكاز] أبيع الكاز.
* أين نمت وأين تنام في هذه الأيام.
- كنت أنام في كل منزل يستقبلني، وأقول يا رب ساعدني. نمت في مداخل البنايات في كوخ على حصيرة صغيرة يمكن أن أنام. هذا هو مصير الطفل الذي يفقد أهله. نزلت بعد المجزرة إلى سوق الخضرة وجمعت مصاري من البائعين .. في أحد الأيام لمحت فتاة تشبه أختي آمال (يمين الله تشبهها) فركضت نحوها كي أضمها فتبين لي أنها ليست هي .. كنت أحمل خضرة على كتفي وأنزلها من الكمبونات الآية من مدينة صور، أصبت بجرح في كتفي من جراء (الإنزال والتحميل) في سوق الخضرة. أرسل الله لي شخصاً اسمه عبده هو الذي جاء بي إلى هذا المنزل (المكان الذي أجريت فيه المقابلة في مخيم صبرا) وغداً سأباشر العمل على (طنبر الكاز). العم أبو سعيد صاحب هذا البيت قال لي أنزل (على الطنبر) لك الربح ولي رأس المال. ووعدني بأن يشتري لي حصاناً نافعاً للشغل.
* هل أنت مرتاح الآن؟
- لا، لست مرتاحاً لأنني بلا أهل، زهقت حياتي لا أحد يرعاني ويهتم بي .. إذا وجدت أخي المفقود يمكن أن يتغير كل مجرى حياتي وتصبح أحسن من الآن بكثير. الناس هنا يهزءون بي ويقولون لي (يا مزفت) لأن ملابسي ممزقة ووسخة استعرتها من عند ناس من المخيم. لقد انتهت حيات. الله يسامح الناس الذين يسخرون مني(1).
سادساً: البداوي ونهر البارود :
بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م، وبعد خروج القوات العسكرية الفلسطينية من بيروت لم يبق للمقاتلين الفلسطينيين موضع قدم في أية دولة من دول المواجهة العربية .. اللهم إلا من كان في شرق لبنان وشمالها.
ومما يجدر ذكره أن شرق لبنان وشماله يقعان تحت استعمار القوات النصيرية الغازية، وتجمع الفلسطينيين في هذا الجزء من لبنان لم يكن مصادفة، وإنما جاء نتيجة لمؤامرة دبرها حافظ الأسد وأسياده في تل أبيب وواشنطن وموسكو.
ومبادرة الأسد يلبسها دوماً لبوس الوطنية والتورية ومحاربة الاستسلام للعدو الصهيوني، ومن هذا المنطلق راح أبو صالح وأحمد جبريل وخالد الفاهوم ينادون بمحاكمة عرفات لخروجه من لبنان وزيارته لمصر واجتماعه برئيسها حسني مبارك، وأقدم النظام السوري على اغتيال قائد القوات العسكرية الفلسطينية أبي صائل، ثم تطور الأمر ودفعت القوات النصيرية بهؤلاء العملاء المأجورين ليرتكبوا جريمة أخرى ضد الفلسطينيين الآمنين في مخيم نهر البارود ومخيم البداوي، وبعد معارك عنيفة بين عرفات ومن معه من جهة، وبين المنشقين عنه والقوات السورية من جهة أخرى .. سقط مخيم نهر البارود في 6 نوفمبر 1983م بأيدي المنشقين والنصيريين .. وتبعه مخيم البداوي في 16 نوفمبر 1983م .. وكانت الخسائر فادحة في هذين المخيمين، ونزح 70% من سكان خيم البداوي وأطراف طرابلس الشمالية في اتجاه عكار والضنية والبقاع وبيروت.
وتعرضت طرابلس للقصف الشديد الذي شارك فيه النصيريون وأبناء طائفتهم في بعل محسن كما شارك فيه الرافضة، وخاض الغزاة معارك شرسة مع المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين داخل طرابلس، وتعرضت المباني والمؤسسات للهدم .. وبعد حصار مرير دام ستة أسابيع وافق عرفات ومن معه على مغادرة طرابلس أثر وساطة بينه وبين النظام السوري قام بها وزيران عربيان من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي.
غادر عرفات ومعه أربعة آلاف مقاتل فلسطيني طرابلس في 20 نوفمبر 1983م، وأقلتهم خمس سن يونانية تحت حماية أسطول حربي فرنسي ومراقبة السفن العسكرية الإسرائيلية، وكان عرفات كعادته يرفع شارات النصر، ويوزع الابتسامات والقبلات على مودعيه، أما الأسلحة الثقيلة فقد وزعها قبل سفره، وجزء منها أخذه الجيش اللبناني ليعود إلى الكتائب.
________________________________________
الفصل الثالث
المبحث الأول
عدوان أمل على المخيمات الفلسطينية وصف لسير المعارك
مدخل:
تسري اليوم نشوة غير عادية في المخيمات الفلسطينية وأسباب هذه الفرحة الغامرة كثيرة، فإن غدا الاثنين 20 مايو 1985م سوف يكون الأول من رمضان الذي يعظمه المسلمون جميعاً ويبتهجون بقدومه، وفي اليوم نفسه سوف تتم عملية تبادل الأسرى، وسيتم إطلاق سراح ما يزيد على [1200] معتقل فلسطيني ولبناني، مقابل ثلاثة من الأسرى اليهود، وزيادة على هذا وذاك فقد أخذت اليوم الأحد القوات الصهيونية مواقعها في المحاور الجنوبية لقضاء البقاع الغربي، وهذه هي بداية المرحلة الثالثة والأخيرة من الانسحاب النهائي من لبنان(1) والتي زعم مسؤولون يهود أنها ستكتمل أواخر شهر مايو [آيار] الجاري.
وهكذا تتكامل بواعث الغبطة والحبور عند الفلسطينيين في مخيمات بيروت.
ولكن أيرضى بنو صهيون بهذا .. وهل يقبلون بالانسحاب دون مصائب وكوارث تلحق بالفقراء من أبناء فلسطين في مخيماتهم؟!
اسمعوا الجواب:
تقترب الساعة الآن من التاسعة من مساء يوم الأحد 19 مايو 1985م .. ودورية مسلحة شيعية تابعة لأمل تجوب مخيم صبرا الفلسطيني، توقفت الدورية قرب فتى يحمل مسدساً حربياً – وهي ظاهرة غير غريبة في لبنان – ثم حاولت اعتقاله بحجة أنه حاول تهديدهم، لكنهم فشلوا، وأفلت الفتى من أيديهم وانطلق يعدو هارباً، وتبادل معهم إطلاق النار.
ترى أكانت حرباً عفوية، تسبب فيها غلام طائش، وهل نحن نعيش في عصر داحس والغبراء وأيام الجاهلية .. يوم كانت الحروب المدمرة تقوم ولا تنتهي لأتفه الأسباب؟!
كلا .. كلا .. إن الأمر أكثر عمقاً من هذا التحليل المغرق في السذاجة .. إنه مشهد في عصر أضحت فيه السياسة مسرحية متقنة الإخراج، وسوف نبسط أدلتنا في هذا كله إن شاء الله.
مواقف وتصريحات سبقت الحرب:
- كانت أمل قد رفضت قبل أسبوعين من اندلاع المعارك ورقة عمل عرضتها جبهة الإنقاذ الفلسطيني على نبيه بري، وتنص هذه الورقة على أن تتولى الجبهة أمن المخيمات، علماً بأن الجبهة موالية للنظام النصيري الذي تتلقى أمل منه الدعم والتأييد.
- صرح نبيه بري يوم الأربعاء 22 مايو 1985م أن إعادة السيطرة على المخيمات المحيطة ببيروت، أياً كان اللون الفلسطيني الغالب، يعني فصل الضاحية عن بيروت مرة أخرى، وبالتالي التمهيد لإعادة التوازنات في عاصمة لبنان لغير مصلحة أمل بالتأكيد.
- تحدث إبراهيم .. أحد قادة أمل عن سبب اندلاع الحرب في 21 مايو 1985م فكان مما قاله: (إن الفلسطينيين يريدون أن يستعيدوا حرية العمل التي كانت لهم قبل الاجتياح الإسرائيلي، ورأت أمل أنهم يجلبون الأسلحة .. وعندها بدأ القتال.
- سبق الحرب حوادث بين الطرفين افتعلتها أمل من أشهرها احتجاز ثلاثة من الفلسطينيين من مخيم عين الحلوة في صيدا يوم 18 مايو 1985م كما احتجزت أمل المدعو أبو محمد القائد العسكري لحركة (المرابطون) بعد إنزاله من الطائرة في مطار بيروت، وكان في طريقه إلى باريس، وقد رد فلسطينيو عين الحلوة باعتقال أحد مسئولي أمل في الجنوب.
- اشتد الوضع تدهوراً بين الطرفين عندما أقيم مهرجان في مخيم عين الحلوة حره نائب صيدا نزيه البزري، ورئيس التنظيم الناصري المسيطر عسكرياً في صيدا مصطفى سعد، وجرى خلاله إلقاء كلمات أجمعت على التنديد بحركة أمل.
- قبل شهر واحد فقط من هذه المعارك، كانت أمل وبمساعدة الحزب الاشتراكي قد صفت الوجود الفلسطيني، ثم صفت بعد معارك دامية تنظيم (المرابطون) الأمر الذي ضمن لها سيطرة كاملة على أمن بيروت الغربية.
- كان للأعداد الكبيرة التي أفرج عنها اليهود من المعتقلين الفلسطينيين أثر في إثارة مخاوف أمل من قوة مراكز المخيمات عسكرياً، كما أن المنظمات بدأت تسرب عدداً من عناصرها نحو المخيمات والجنوب الأمر الذي يعني استئناف النشاط الفدائي ضد العدو اليهودي، وقد التزمت منظمة أمل بإيقاف مثل هذا النشاط.
وفوق هذا وذاك علينا أن لا ننسى تاريخ أمل مع المنظمات الفلسطينية، ولا عجب في ذلك فهو امتداد لتاريخ الرافضة الذي ذكرنا أمثله من جرائمهم في الجزء الأول من هذا الكتاب.
كيف بدأت الحرب؟!
بعد البدايات الأولى لإطلاق النار ليلة الاثنين 20 مايو 1985م اقتحمت ميليشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وقامت باعتقال جميع العناصر في مستشفى غزة، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول، كما منعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية .. وأفاد شهود عيان أن الحرائق شبت في مستشفى غزة. وهذه البداية تعني أن أمل تريد الهلاك والدمار، وليست القضية عندها قضية شاب رفض الانصياع لدورية من دورياتها.
وفي الساعة الخامسة من فجر الاثنين 20 مايو 1985م بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز بمدافع الهاون والأسلحة المباشرة من عيار 106 ملم.
وفي الساعة السابعة من اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون، وكانت السيطرة في البداية لقوات أمل .. ويظهر أن القيادات العسكرية للمخيمات لم تكن تشعر بالمؤامرة وأبعادها، ولذلك فلم تتحرك جدياً إلا في الساعة التاسعة صباحاً .. ورغم هذا التأخير، فقد تمكنوا من صد الهجوم سريعاً بسبب خبرتهم القتالية الجيدة، والاحتياطات التي علمتهم المجازر السابقة أن يتخذوها تحسباً لمثل هذا الموقف.
لم تأت الساعة الثانية عشرة ظهراً إلا وقوات أمل قد أجبرت على الخروج من مبنى المدينة الرياضية، بل ومن منطقة الفاكهاني عموماً، ومن محيط الجامعة العربية، وتوصل المدافعون عن المخيمات إلى السيطرة على قصر العويني الكائن على طريق المطر، وربطوا مخيم صبرا بمخيم شاتيلا، ثم شقوا الطريق من هذين المخيمين إلى بئر حسن كي يربطوا هذه المخيمات بمخيم برج البراجنة إلى الشرق من طريق المطار.
لكن قوات أمل احتفظت بجيب استراتيجي على الزاوية الشرقية لمنطقة شاتيلا ولم تسلم بقية المخيمات الفلسطينية من اشتباكات متقطعة مع أمل ومن معها كما حدث في مخيم الميّه وميّه في الجنوب، ولكن التركيز الكثيف كان على صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة.
موقف جبهة الإنقاذ:
كان تبرير إعلام نظام دمشق لهذه الهجمة هو أن أتباع عرفات الخونة يحاولون العودة والتسلل إلى المخيمات بعد طردهم منها .. ولكن الذي حصل أن جميع المقاتلين أن جميع المقاتلين الفلسطينيين – بما فيهم جبهة الإنقاذ – شاركوا في الدفاع عن المخيمات والسؤال المطروح.
هل تمردت قيادة جبهة الإنقاذ هذه المرة إلى إرادة الأسد ولماذا؟
وجواباً على هذا السؤال نقول:
1- إذا صفى الوجود الفلسطيني في هذه المخيمات فتكون جبهة الإنقاذ قد فقدت ثقلها كلها أو جله على الأقل لأنها لا تملك وجوداً عسكرياً إلا في هذه المخيمات، ولها وجود ضئيل في مخيمات أخرى.
2- واجهت الجبهة نقداً شديداً بسبب المعارك التي خاضتها في مخيمي البداوي ونهر البارود إرضاء للأسد ونظامه المرتد .. لقد سفكوا دماء الأبرياء وارتكبوا أبشع الجرائم وأحطها .. ولا يزال الشعب الفلسطيني يذكر لهم هذه المواقف الدنيئة، ولو استجابوا لأوامر الأسد هذه المرة لفقدوا ما تبقى لهم من أعوان وأنصار.
3- وقادة الجبهة أول من يعلم أنهم لو طلبوا من قواعدهم مساندة أمل أو الوقوف على الحياد لما استجابت لهم هذه القواعد .. وكيف يستجيبون وهم يرون أبناءهم وأخواتهم وأمهاتهم يذبحون كالنعاج.
لهذا ولغيره فإن جبهة الإنقاذ شاركت في المعارك، ودافع رجالها عن أنفسهم وذويهم، ولا ندري هل اتفقوا سلفاً مع أسد على هذا الموقف أم الظروف الحرجة فرضت عليهم خوض المعركة .. ورغم ذلك فكانت تصريحات القادة تتراوح بين الهجوم المقذع على ياسر عرفات ومن معه وبين النقد الهادئ لنظام الأسد، غير أن القيادات التي غادرت دمشق كانت أكثر حرية.
عودة لسياق المعركة:
انطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال، ولم تتوقف عند هذا الحد وإنما امتدت أيديهم القذرة لتطول المستشفيات ودار العجزة .. لقد أحرقوا بنيرانهم بعض غرف الطابقين الرابع والخامس من مستشفى المقاصد الخيرية كما أحرقوا جزءاً من دار العجزة!!
كانت أمل في وضع متميز لأنها كانت قادرة على الكر والفر، وهي التي كانت تفرض المعركة متى أرادت، أما المقاتلون الفلسطينيون فكانوا يدافعون عن أنفسهم، ولا يملكون التراجع عن مواقعهم .. ورغم ذلك فقد عجزت أمل عن الصمود أمام المقاتلين الفلسطينيين فترة طويلة.
اللواء السادس يدخل المعركة:
أصدر المجرم المحترف نبيه بري أوامره لقادة اللواء السادس في الجيش اللبناني لخوض المعركة وليشارك قوات أمل في ذبح المسلمين السُّنَّة في لبنان .. ولم تمض ساعات إلا واللواء السادس يشارك بكامل طاقاته في المعركة وقد قام بقصف مخيم برج البراجنة من عدة جهات.
ومن الجدير بالذكر أن أفراد اللواء السادس كلهم من طائفة الشيعة، وقد خاض هذا اللواء معارك شرسة ضد المسلمين السُّنَّة في بيوت الغربية.
محاولات وقف إطلاق النار:
كان المسلمون السُّنة من اللبنانيين لا يتوقعن مثل هذه المؤامرة الدنيئة وكانوا يقولون: إنها معركة أفلت زمامها من عقلاء الطرفين .. ولهذا تحركوا لوقف الاقتتال، فأجرى المفتي وسليم الحص وغيرهما اتصالات مكثفة مع نبيه بري من أجل وقف إطلاق النار، فوافق زعيم أمل دون أن يصدر أوامره لرجاله بوقف القصف، ولعله فعل ذلك كي يخفف المقاتلون الفلسطينيون الضغط على جنده.
كان هذا الاتفاق الأول قد تم في الساعة العاشرة من صباح الاثنين 20 مايو 1985م ولما لم تجد هذه المحاولة تحرك السياسيون المنتسبون لأهل السنة بفاعلية أكثر وعقدوا اجتماعاً في منزل بري بعد إلحاح شديد وشارك في هذا الاجتماع: الحزب التقدمي الاشتراكي – الدرزي – واتفق المؤتمرون على وقف فوري لإطلاق النار مع تيسير دوريات من الجيش اللبناني في مناطق الاشتباكات.
ولم يكن بري جاداً هذه المرة أيضاً ودليلنا على ذلك أن مناطق الأوزاعي والغبيري كانت في هذه الأثناء تشهد حشوداً عسكرية ضخمة تابعة لقوات أمل الشيعية، وهذا يعني أنه كان يستعد لمعركة ضخمة يثأر فيها في شهر رمضان الفضيل لدماء الحسين t، كما زعم أتباعه وهم يقتحمون المخيمات [ليعد من شاء إلى ما روته وكالات الأنباء عنهم].
إن الحسين t بريء من هؤلاء المجرمين المنحرفين، بريء من أعمالهم وأخلاقهم وعقائدهم وأساليبهم.
الوقف الثاني لإطلاق النار:
استمرت المعارك بقية اليوم، وفي الليل، وتمكنت أمل من إحراز بعض التقدم لكن ما أن حل الليل حتى تراجعت تحت ضغط المقاتلين الذين استفادوا من حلول الظلام في الحركة بحرية.
وفي الساعة السابعة من صباح الثلاثاء 21 مايو 1985م وجه اللواء السادس نداءات بواسطة مكبرات الصوت إلى سكان المخيمات تطالبهم بإحلالها تجنباً للقصف، وقد سارعت العائلات على الفور بالنزوح من منازلها واللجوء إلى المدارس والمساجد والأحياء الآمنة .. كما دخل الصليب الأحمر المخيمات لإخلاء المصابين، وتم دفن بعض القتلى.
لم تدم هذه الهدنة إلا وقتاً قصيراً، ففي الساعة والنصف عاد القصف مرة أخرى من طرف أمل، وتوقف نقل الجرحى وظلوا ينزفون حتى الموت .. حتى إن بعض التقارير قالت: إن طفلاً من المصابين يموت كل خمس دقائق.
وعندما تبيّن لكل ذي عينين هدف أمل التآمري تحركت القوات العسكرية المحسوبة على أهل السنة في لبنان، ففي يوم الثلاثاء 21 مايو 1985م دخلت قوات (شاكر البرجاوي) و(المرابطون) في معارك مع أمل في منطقة الطريق الجديدة، وشارع حمد، ومحيط جامعة بيروت العربية، كما أقاموا نقاط تفتيش مشتركة مع الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة خارج صيدا، وقد أربك هذا العمل خطوط أمل الخلفيّة، وكانت المعارك في قمة الضراوة في هذين اليومين: الاثنين والثلاثاء، ويقال أن عدد القتلى وصل في هذين اليومين إلى 100 قتيل و 500 جريح من سكان المخيمات وحدها.
وقف رابع:
بذلت مساع عديدة لوقف نزيف الدم شارك فيها مفتي الجمهورية، ورشيد كرامي، وسليم الحص وغيرهم من أهل اسُّنة كما شارك فيها محمد شمس الدين وحسين فضل الله وغيرهما من الرافضة، ونجحوا في ترتيب اجتماع عقد في منزل فضل الله منتصف ليلة الأربعاء 22 مايو 1985م ومثل منظمة أمل في هذا الاجتماع أحمد بعلبكي كما حضره ممثل عن جبهة الإنقاذ .. ويعد هذا أول لقاء مباشر بين الطرفين، ولم يتفقوا في نهاية الاجتماع على حل شامل لكنهم اتفقوا على بندين.
- وقف فوري شامل وحاسم لإطلاق النار.
- فتح الطرقات المؤدية إلى المخيمات والسماح للصليب الأحمر الدولي بإجلاء الجرحى والقتلى.
أما بقية المسائل، كمسألة أمن المخيمات وغيرها فسوف تعالج في أجواء أكثر هدوءاً، وصرح فضل الله للصحف ووكالات الأنباء أن وقف إطلاق النار سيكون هذه المرة ثابتاً وحاسماً ونهائياً.
ولكن الرافضة لا عهد عندهم ولا ضابط يضبطهم .. فوقف إطلاق النار الرابع استمر لمدة ساعات فقط زعمت أمل بعد هذه الساعات القليلة أن نقاط المراقبة التابعة لها رصدت جرافة تعمل على إقامة تحصينات في مخيم شاتيلا بناء على طلب القيادة الفلسطينية في الجبل، فصدرت الأوامر بضرب الجرافة مما أدى لاندلاع شرارة القتال – على حد قول قادة أمل -!!
وفي أثناء وقف إطلاق النار الرابع سارع سكان المخيمات إلى الفرار بأطفالهم ونسائهم إلى مناطق ليس فيها رافضة.
تطور جديد:
توترت العلاقات بعض الشيء بين منظمة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي ووقعت بعض الاشتباكات بين الطرفين، وليس لهذا التطور الجديد أي علاقة بالفلسطينيين، فالطرفان مجمعون على تصفية الوجود السني في بيروت الغربية والجنوب والمخيمات، ويبدو أن الدروز باتوا يتوجسون خيفة من ازدياد نفوذ أمل ونمو قواتها العسكرية، ويعرف قوم جنبلاط قصة الثور الأسود الذي قال: (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).
وفي 22 مايو 1985م ذهب وليد جنبلاط إلى دمشق ليبحث مع المسؤولين هناك وقف القتال، وفي اليوم نفسه الساعة 12.10 انطلقت راجمات الصواريخ الفلسطينية من بحمدون وشملان وضهور العبادية لتدك موقع أمل في الشياح والغبيري وبئر عبد ومنطقة السمرلاند.
وكان لهذا التطور الجديد أثره الكبير على سير المعارك، وارتبكت قوات أمل وانتشر الرعب بين عناصرها المقاتلين .. ولجأ الكبار إلى إصلاح الخلق في الأدوار المتفق عليها، وبعد الاجتماعات والمشاورات نفى ناطق رسمي باسم الحزب الدرزي أن يكون القصف جاء من مناطقه، واتهم القوات اللبنانية – أي الكتائب – بقصف الضاحية الجنوبية.
وصدرت التعليمات عند القيادة الاشتراكية الدرزية في بيروت إلى قواتهم في الجبل تطلب منها التحرك بسرعة، وممارسة أقصى الضغط على الفلسطينيين لوقف القصف من مواقعهم في الجبل بأية وسيلة ممكنة.
وفي مساء هذا اليوم التقى وفد من جبهة الإنقاذ الفلسطينية مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس النصيري، وأكد المجتمعون على أهمية تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الجبهة وحركة أمل والوطنيين اللبنانيين!!
ولا ندري مع من يريد عبد الحليم خدام وزعماء الإنقاذ تعزيز العلاقات!!
أمع الهياكل العظمية المتبقية في المخيمات الفلسطينية الجريحة، أم مع اليتامى والأرامل ومشوهي الحرب؟!
يوم الخميس:
في اليوم الرابع للبداية الفعلية للمعارك شنت قوات أحمد جبريل غارات على مواقع حركة أمل في بلدة الجيّة الساحلية وبلدة برجا.
ولجأت أمل إلى استخدام الحرب النفسية، حيث أعلنت عن سقوط مخيمي صبرا وشاتيلا، وراحت تكرر إذاعة الخير في الأيام التالية: 26، 27، 30، 31 مايو، وكانت كاذبة في كل ما زعمته عن سقوط صبرا وشاتيلا، وأخذ نبيه بري يصدر التصريحات العجيبة في هذا اليوم ومن ذلك أنه طلب من أتباعه القضاء على الفلسطينيين خلال ساعة!!
ومن الغرائب أن إذاعة مونت كارلو تذيع بيانات أمل ولا ترد منها شيئاً في حين كانت ترفض إذاعة البيانات الصادرة عن قيادة المنظمة .. ثم تزعم مثل هذه الإذاعات أنها مستقلة وليست طرفاً في مثل هذه الصراعات.
النظام اللبناني:
قصفت القوات الكتائبية المخيمات الفلسطينية بالقذائف المدفعية والصاروخية وذلك من مواقعها الشرقية، وبادرت قيادة الجيش اللبناني ممثلة في ميشيل عون ولأول مرة منذ شهر شباط 1984م إلى إمداد اللواء السادس بالأسلحة والذخائر كاشفة بذلك عن تواطؤها المقصود مع أمل.
أما رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي وأمثاله من المحسوبين على السنة فكانوا يصدرون التصريحات الفارغة التي يمتصون بها نقمة الشارع السني لكنهم لا يقدمون شيئاً ولا يقفون مواقف فعالة، وعلى العكس من ذلك فقد بقي كرامي والحص في الوزارة، وكانا يطالبان بتدخل الجيش النصيري، ويعلمان ما الذي فعله الجيش النصيري عندما تدخل عام 1976م.
أما الأحزاب الوطنية واليسارية فهي تخشى أشد الخشية من نمو قوات أمل، وتؤيد كل ما تريده سوريا. ورغم ذلك فقد راحت تطالب بوقف الاقتتال في المخيمات.
يوم السبت:
رغم وقوف اللواء السادس مع أمل في خندق واحد، ورغم تعاون القوات الكتائبية والجيش اللبناني مع أمل وتقديم كل عون ومساعدة لها .. رغم هذا وذاك فشلت أمل في حسم المعركة لصالحها، وكان لا بد من موقف تظهر فيه الوجوه الكالحة على حقيقتها، ويتلخص هذا الموقف فيما يلي:
* انضم اللواء الثامن في يوم السبت 25 مايو 1985م إلى أمل في حربها ضد الفلسطينيين,
* طوق جيش النظام النصيري مخيم الجليل الفلسطيني في منطقة البقاع، وقام باعتقال عدد من شباب المخيم.
* أقامت قوات أمل مواقع لها على التلال المطلة على المخيم.
وهكذا تتضح المؤامرة والأطراف المشتركة فيها.
يوم الأحد:
في يوم الأحد 26 مايو تم تقديم أربعة مشاريع مختلفة للحل: مشروع من جبهة الإنقاذ، ومشروع من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والثالث قدمته منظمة أمل، والرابع قدمته الجبهة الديمقراطية الوطنية اللبنانية .. وفشلت المشاريع كلها لأن المتآمرين لم يحققوا أهدافهم، أما المعارك فقد استمرت، كما استمر المجرمون الرافضة في اختطاف وتصفية المدنيين الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها.
وبعد يوم الأحد استمرت المعارك تشتد حيناً وتخف أخرى، والمؤتمرات السياسية لا تختلف عن سير خط المعارك الحربية، ومن الحوادث المهمة في هذه الأيام.
- أحبطت منظمة أمل محاولة لنسف منزل بري يوم الثلاثاء 28 مايو حيث تم تفكيك صاروخين، كانا موجهين إلى منزله من سطح أحد المباني المقابلة للمنزل.
- في يوم الأربعاء 29 مايو طوقت قوات سورية في الشمال مخيمي البارود والبداوي، وذلك بعدما أخلت القوات الفلسطينية مواقعها فيها رضوخاً لتهديد سوري سابق بالإغارة على كافة المواقع إذا لم تنسحب منها القوات خلال 24 ساعة.
- قامت منظمة أمل تحت ضغط الخسائر الكبيرة التي منيت بها في المعارك إلى فرض التجنيد الإجباري في الضاحية الجنوبية من بيروت – وسكان الضاحية شيعة -، كما قامت باعتقال العديد ممن رفضوا هذا التجنيد.
- غادر الرئيس اللبناني أمين الجميل قصر الرئاسة في بعبدا متوجهاً إلى دمشق لإجراء محادثات قمة – وهي التاسعة من نوعها – مع الأسد لبحث الأوضاع في لبنان وبخاصة في بيروت.
- وفي يوم الخميس 30 مايو تدخل الطرف الذي تجري لمصلحته كل هــذه المعارك .. إذ اخترقت أسراب من الطائرات اليهودية جدار الصوت فوق المخيمات محدثة دوياً هائلاً .. وواصلت تحليقها بارتفاع منخفض فوق بيروت والجبل كي تتمتع برؤية عمليات التصفية، وتصور أمجاد عملائها، وتدخل مزيداً من الرعب إلى قلوب الأطفال والشيوخ والنساء في المخيمات المنكوبة.
- وفي اليوم نفسه سقط صاروخ من طراز [غراد] من الجبل على البيت المجاور لمنزل بري أدى إلى تدميره ومقتل شخصين.
سقوط مخيم صبرا:
استمرت المعارك بين كرّ وفر، وفي ضحى يوم الجمعة 31 مايو أعلنت أمل ومن غير مقدمات وقف إطلاق النار من طرف واحد .. ثم أعلنت جبهة الإنقاذ – بعد ذلك – موافقتها على وقف إطلاق النار.
فهل ارتوت أمل من دماء النساء والأطفال؟! لا، لم يكن الأمر كذلك .. وها هي الأسباب المريبة:
1- سقوط مخيم صبرا بعد صراع طويل، وكان سقوطه صباح يوم الجمعة 31 مايو، ولكن المقاتلين الفلسطينيين لم يتوقفوا، وإنما بقيت لهم جيوب داخل المخيم، وكان الهدف من وقف إطلاق النار إعطاء فرصة [لبلدوزرات] أمل واللواءين السادس والثامن، لتهديم ما تبقى على وجه الأرض من منازل ومرتفعات، ولكي تسوي جميع المنازل بالأرض – على حد تعبير نايف حواتمة -، فلا يبقى بعد ذلك حواجز يقف وراءها الفلسطينيون في الدفاع عن أنفسهم.
2- عاد الرئيس الكتائبي أمين الجميل يوم الجمعة 31 مايو من دمشق بعد يومين من المباحثات المكثفة في خمس جلسات .. وفي مطار دمشق أدلى الرئيس اللبناني بتصريح قال فيه: (إن القوات السورية ستساعد لبنان في وقف حربه الأهلية تمهيداً لإجراء إصلاحات سياسية ستزعج أكثر من طرف).
وقال أيضاً: (سيتم بالتعاون ما بين القوات السورية والجيش اللبناني نزع سلاح جميع الميليشيات والمنظمات بما فيها الفلسطينيون، ووجود السلاح في المخيمات توطئة لحرب جديدة).
ومن الملاحظ أن رئيس النظام اللبناني زار نظيره النصيري في وقت كانت تسيل فيه دماء الفلسطينيين وهو المسؤول الأول في لبنان ومع ذلك لم يأسف للمجزرة وإنما زعم أن السلاح الفلسطيني توطئة لحرب جديدة فمتى انتهت حروب لبنان لتبدأ حرباً جديدة فض الله فاه، وكيف يكون السلاح الذي يدافع به الفلسطينيون عن أنفسهم توطئة لحرب جديدة؟! وسلاح الكتائب وأمل والدروز إذن توطئة لماذا؟!
أما قوله بأن الجيش السوري سيساعد لبنان وسيتم بالتعاون معه نزع سلاح جميع الميليشيات .. فيه دلالة على أن الجيش النصيري سيقوم بالمهمة التي عجزت إسرائيل والكتائب وأمل والدروز عن القيام بها.
أما قول الجميل بأنه وجيش الأسد سينزعون سلاح جميع الميليشيات فهو ليس أكثر من استهلاك محلي، ويزيد الأمر وضوحاً ما ذكرته صحيفة (الحقيقة) اللبنانية: (إن الجميل والأسد اتفقا على عودة القوات السورية إلى بيروت .. وذُكِرَ أن حشوداً سورية بدأت تتجمع في بحمدون، وعندما أعلن ناطق فلسطيني رفض اتفاق دمشق قامت أمل والجيش اللبناني بقصف مخيم شاتيلا بالصواريخ معلنة سقوط وقف إطلاق النار بعد ساعات من إعلانه.
3- بدأ في هذا اليوم مجلس الأمن الدولي بحث قضية حرب المخيمات بناء على طلب تقدمت به مصر، ولا بد أن تتخذ أمل موقفاً بقطع الطريق على طلب مصر.
4- كان ممن ساعد على سقوط مخيم صبرا رغم استبسال المقاتلين في الدفاع عنه لمدة 12 يوماً توقف الدعم العسكري القادم من القوات الفلسطينية في الجبل، وكان هذا التوقف قد بدأ منذ بضعة أيام، لذلك فقد سهل هذا على أمل توجيه قصف مدفعي شديد وبكل العيارات على المخيم مما أدى إلى تدميره تماماً .. حتى إن المقاتلين الفلسطينيين اضطروا إلى استخدام السلاح الأبيض، لفك طوق أمل حولهم والانسحاب من المخيم.
وهكذا لم تعلن أمل عن وقف إطلاق النار إلا وهي تعلم أن هذا الوقف يخدمها.
وفي هذا اليوم تعرض مخيم عين الحلوة لقصف مدفعي من مناطق جبلية يسيطر عليها النصارى العملاء لإسرائيل بقيادة لحد.
وبعد هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار، ورغم سقوطه بعد ساعات .. إلا أن المعركة خفت حدتها بعد ذلك، وإن لم تتوقف، ويظهر أن سبب ذلك محاولة نظام دمشق تطبيق اتفاق القمة، وقد صرح نبيه بري بذلك في مؤتمر صحفي يوم الأحد 2 يونيو 1985 قال فيه: (إن الوقت قد حان لدور سوري أكبر في شؤون لبنان .. وإن أمل مستعدة عند تولي قوات ردع سورية الأمن في لبنان لتسليم سلاحها مثل الفلسطينيين).
وتصريحه هذا لا يختلف عن تصريح آخر له طالب فيه بتسليم أمن المخيمات إلى قوات اللواء السادس اللبناني، واللواء السادس الرافضي لا يختلف عن أمل أو عن النظام النصيري الرافضي فكلهم وجوه لعملة واحدة.
ومن جهة أخرى فإن المعارك انخفضت حدتها حتى نهاية يوم الاثنين 3 يونيو حيث تبين لنظام دمشق أن الفلسطينيين لم يذعنوا للأوامر الصادرة عن الأسد ولا بد من سحقهم حتى لا تقوم لهم قائمة ولهذا اشتدت المعارك بعد يوم الاثنين ورمت سوريا بثقلها فأقدمت على قتل عشرات من الفلسطينيين الذين خرجوا بمظاهرات في دمشق يوم الثلاثاء 4 يونيو احتجاجاً على تواطؤ سوريا مع أمل، كما تم اعتقال أكثر من 700 شخص، واحتلت السلطة مكاتب جبهة الإنقاذ وصادرت ممتلكاتها مع دفع بعض قادة الجبهة إلى التقارب مع المنظمة، حيث التقى كل من عزمي الخواجه [ممثل الجبهة الشعبية] ووليد مصطفى [ممثل الحزب الشيوعي] مع خليل الوزير نائب ياسر عرفات، وأصدروا في عمان – وللمرة الأولى – بياناً مشتركاً يدعو إلى تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ويندد بأمل والجيش اللبناني ومن يساندهما!!
ولم تبلغ بهم الجرأة للحد الذي يمكنهم من التصريح بذكر اسم نظام دمشق.
وفي هذا اليوم عاد الفلسطينيون إلى قصف مواقع أمل من الجبل بعد توقف طويل.
محادثات دمشق الثانية:
اجتمع بري وجنبلاط وممثلين عن جبهة الإنقاذ في دمشق مع عبد الحليم خدام نائب الرئيس النصيري لبحث موضوع حرب المخيمات .. وفي اليوم نفسه الثلاثاء 4 يونيو صعدت أمل هجماتها على المخيمات، الأمر الذي دفع الجبهة إلى التهديد بالانسحاب من المفاوضات يوم الأربعاء ثم يوم الخميس، وكان نظام دمشق حريصاً على الوصول إلى حل قبل نهاية يوم الجمعة، موعد مؤتمر قمة وزراء الخارجية العرب الذي يعقد في تونس بناء على طلب منظمة التحرير .. ورغم التهديد والوعيد فقد انفض الاجتماع دون الوصول إلى حل، وربما كانت جبهة الإنقاذ هي التي انسحبت من الاجتماع تنفيذاً لتهديدها، أما النظام النصيري فقد زعم رسمياً أن الاجتماع تأجل بسبب عطلة نهاية الأسبوع – أي يوم الجمعة -.
وفي هذه الفترة الزمنية جدت أمور جديدة نوجزها فيما يلي:-
- خاضت المنظمات السنيّة اللبنانية معارك خاطفة مع أمل في بيروت الغربية وصيدا.
- اختطف الحزب الاشتراكي الدرزي عنصرين من عناصر أمل يوم الأربعاء، واشتبك الدروز مع ميليشيات أمل عندما حاولت اقتحام مخيم مار إلياس الذي لجأ إليه مهجرو صبرا وشاتيلا.
- تلقى فلسطينيو المخيمات يوم الخميس والجمعة مساعدات عسكرية متعددة منها صواريخ دفاعية، وذخائر وإمدادات فضلاً عن المياه والمواد التموينية، ومولدات الكهرباء.
- هددت جبهة الإنقاذ بنقل المعارك إلى خارج المخيمات وذلك بمساعدة جهات وطنية لبنانية – وهي سنية على الأغلب -.
- نشبت اشتباكات في طرابلس بين الحزب الديمقراطي [وهو حزب نصيري] وحركة التوحيد الإسلامي، وهي حركة سنية، وجاءت هذه الاشتباكات بعد هدوء طويل .. واستمرت هذه المعارك إلى غاية يوم الاثنين حيث التقى ممثلون عن الحركتين بعد وساطة رشيد كرامي وتوصلوا إلى قرار بوقف إطلاق النار أصبح ساري المفعول يوم الأربعاء 12 يونيو.
عودة إلى المفاوضات:
الاثنين 10 يونيو وفي اليوم نفسه عادوا إلى اجتماع دمشق برعاية خدام جنبلاط وممثل عن أمل ويبدو أن هذا الاجتماع كان لحل الخلافات التي نشبت بين الدروز والشيعة، وبشكل أخص معركة يوم الثلاثاء 11 يونيو التي استمرت عشر ساعات متواصلة .. وتم الاتفاق بين الطرفين على أن يقوم الدروز بإجلاء الفلسطينيين من بيروت الغربية – الفاكهاني والمصيطبة – إلى منظمة الانتشار العسكري الدرزي في الجبل شرقي العاصمة .. الأمر الذي يبعد خطر مشاركتهم في الدفاع عن أهلهم وذويهم في المخيمات .. وفي هذا اليوم صرح جنبلاط أن تحالفه مع أمل تحالف مصيري، وأعلن عن رفضه لعودة الفلسطينيين إلى الوضع الذي كان سائداً قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م.
ولم يخجل جنبلاط من قوله – يصف تحالفه مع بري – وأمثاله: (إنه تحالف وطني، وليس تحالفاً مذهبياً لأن كل تحالف طائفي في لبنان مهدد بالسقوط .. إنه تحالف وطني في مواجهة الكتائب وفي مواجهة النظام اللبناني والجيش اللبناني).
نقول بكل ثقة: إن جنبلاط يكذب ويعلم أنه يكذب، بل ويعلم أن الناس لا يصدقون مثل هذه الادعاءات .. فهل كان احتلاله لبيروت الغربية عملاً وطنياً في مواجهة الكتائب والنظام اللبناني، وهل كان قراره بعدم مواجهة الاحتياج الإسرائيلي عملاً وطنياً!!
وهل من المصادفة أن يكون جميع أعضاء الحزب التقدمي الاشتراكي من الدروز إلا أعداداً قليلة من غيرهم والشاذ لا حكم له!!؟. إن تحالف جنبلاط مع بري تحالف طائفي استعماري، وهما وكلاء لإسرائيلي في لبنان، ولهذا قاموا باحتلال بيروت الغربية، كما قاموا بشن حرب عدوانية ضد سكان المخيمات.
أما النظام اللبناني فوقف مع أمل في خندق واحد، وناب عنه اللواءان السادس والثامن، والصحفيون الذين يخاطبهم جنبلاط ليسوا جهلة أو مغفلين .. إنهم يتابعون الأمور ويعرفون العلاقات التي تربط دروز جنبلاط مع العدو الإسرائيلي.
عُقِد اجتماع دمشق للمرة الثالثة يوم السبت 15 يونيو، وفشلت المشاريع المطروحة للحل، ورافق فشل الاجتماع تصعيد عسكري من قبل أمل .. والذي زاد من غيظ بري وخدام أن خمسين مقاتلاً فلسطينياً تمكنوا من التسلل يوم الاثنين 10 مايو إلى مخيم شاتيلا، كما نجحت مجموعتان أخريان في نفس اليوم من احتلال مواقع في مخيم برج البراجنة.
وما اكتفى نظام الأسد بما فعله في مخيمات لبنان وبأنصار عرفات، وإنما راح يبطش بعملائه من جبهة الإنقاذ، ففرضت الإقامة الجبرية على المدعو [ياسر عبد ربه] الأمين العام للجبهة، وصودرت جوازات سفر قيادات الجبهة، كما صودرت سيارات المنظمات، ومنعت السلطة مجلتي: الحرية، والهدف الناطقتين باسم الجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية .. وهذا المنتظر من الأسد، بل وهذه عقوبة كل خائن.
تم التوقيع على اتفاق بين منظمة أمل وجبهة الإنقاذ الفلسطيني يوم الاثنين 17 يونيو، وصار معروفاً هذا الاتفاق باتفاق دمشق.
وجاء التوقيع على الاتفاق بعد ممارسة ضغوط شديدة على ممثل جبهة الإنقاذ وحققت أمل بعض أهدافها لكنها تعلمت دروساً لا تنسى ومن ذلك:
- كانت تنتظر مساعدة الدروز، ولكن قوم جنبلاط لم يقدموا لهم مساعدة فعالة.
- استطاع الفلسطينيون رغم قلة عددهم وتعاون دول الطوائف ضدهم أن يهزموا أمل في كثير من المعارك.
- أصبحت أمل معزولة في لبنان بل أصبحت أهداف الرافضة واضحة لكل ذي بصيرة في العالم الإسلامي.
- ولو طُلِبَ منا أن نلخص سير المعارك بكلمات قليلة لقلنا.
كان السُّنة من اللبنانيين والفلسطينيين طرفاً، وكان الرافضة والموارنة واليهود والنصيريون طرفاً آخر .. وكانت المعارك طاحنة ليس فيها رحمة ولا شفقة.
وشهد المسلمون في المخيمات شمس يوم الثلاثاء 18 يونيو بعد أن اعتادت عيونهم على ظلام الملاجئ التي لا يضيئها غير وميض الرصاص ولهيب الحرائق، واعتادت أنوفهم على استنشاق روائح الجثث العفنة.
خرج المسلمون الفلسطينيون من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع دفعهم لأكل القطط والكلاب.
خرجوا من المخابئ ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها كما تقول بعض الإحصائيات.
خرجوا من الملاجئ بالخسائر التالية [كما ذكرت كثير من وكالات الأنباء]:
3100 بين قتيل وجريح.
15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات.
فهل يكون هذا آخر درس يتعلمه الفلسطينيون من حلفائهم؟!
وهل ينتبه الفلسطينيون إلى انحرافات قيادة منظمة التحرير؟! نرجو ذلك.
أما فظائع أمل فسنتحدث عنها في المبحث الثاني من هذا الفصل.
المبحث الثاني
صور من الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل
الفظائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً، ويعجز مثل هذا القلم عن وصفها وتحديد حجمها لأن الرافضة حرصوا على ممارسة التعتيم الإعلامي على ما اقترفته أيديهم من جرائم، وهددوا الصحفيين من الاقتراب والتقاط الصور، وهذا الذي قصده مراسل [صنداي تايمز] بقوله: (إنه من الاستحالة نقل أخبار المجازر بدقة لأن حركة أمل تمنع المصورين من دخول المخيمات وبعضهم تلقى التهديد بالموت طعناً بالسكين. وقال الصحفي أيضاً: إنه في العادة يجري نشر أخبار المجازر بشكل واسع في الصحافة الدولية، ولكن الخوف والتهديدات وصلت إلى حد أن المصادر أصبحت تفتقر إلى أخبار المجازر وقد جرى سحب العديد من المراسلين خوفاً عليهم من الاختطاف والقتل، ومن تبقى منهم في لبنان يجدون صعوبة وخطورة في العمل)(1).
ولقد منعت حركة أمل واللواء السادس مراسل الصحف حتى بعد سقوط مخيم صبرا من الدخول، وحطموا الكاميرات والأفلام التي استطاع بعض الصحفيين التقاطها لآثار الدماء فقط فما بالك الجرائم الفظيعة التي صاحبت الأحداث(2).
ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه بعد سقوط مخيم صبرا انتشرت مجموعات من الشيعة – في الجيش وحركة أمل – في حالة عصبية كل عشرة وعشرين متراً لمنع الصحفيين والمصورين من التقاط أية صورة(3).
والعدد الحقيقي للقتلى يصعب معرفته كما قال مراسل جريدة [هيرالدتريبيون](4). رغم ذلك استطاع بعض المراسلين نشر بعض الأخبار والصور الفظيعة التي تبيّن بشاعة الجريمة التي ارتكبها شارون الشيعية [نبيه بري] عليه من الله ما يستحق.
وقصارى القول: فإن ما سوف ننشره في هذا الفصل – على بشاعته – بعض من كل، وغيض من فيض.
ومن المؤسف أن معظم هذه الأخبار علمنا بها من الصحف والمراسلين الغربيين، ومما يزيد الطين بلّة أن الصحف العربية كانت تنقل عن الصحف الغربية .. وإذا كانت هذه النكبات والمصائب لا تحرك ضمائر أصحاب الصحف في بلادنا فلا أدري ماذا يحركها!!
وسوف أراعي في الحديث عن هذه الجرائم التسلسل الزمني والإيجاز.
فظاعة:
ذكرت صحيفة [ريبو بليكا] الإيطالية أن فلسطينياً من المعاقين لم يكن يستطيع السير منذ سنوات رفع يديه مستغيثاً في شاتيلا أمام عناصر أمل طالباً الرحمة .. وكان الرد عليه قتله بالمسدسات .. وقالت الصحيفة في تعليقها على الحادث: إنها الفظاعة بعينها(1).
ذبح من الأعناق:
قال مراسل صحيفة صنداي تلغراف في بيروت أن عدداً من الفلسطينيين قتلوا في مستشفيات بيروت، وأن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق(2).
الصحف البريطانية تحذر
3)
حذرت الصحف البريطانية أمس من أن مئات الفلسطينيين تعرضوا للقتل على يد عناصر أمل في المخيمات الفلسطينية في بيروت.
وكشفت صحيفة الصنداي تايمز عن وجود أدلة تشير إلى وقوع عدد كبير من القتلى المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا. وأشارت صحيفة صنداي تلغراف إلى المقاومة العنيفة للمقاتلين الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة. ونقلت محطة التلفزيون البريطانية [بي. بي. سي] الليلة قبل الماضية خبر اختفاء 1500 فلسطيني في مراكز الاستجواب التابعة لأمل، وأعربت عن اعتقادها بأن عدداً من الفلسطينيين ربما قتلوا في المستشفيات في منطقة بيروت الغربية.
وقالت: إنه عثر في أحد المستشفيات على مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق(1).
ونقلت (رويتر) عن مسؤولين في الصليب الأحمر الدولي أنهم مُنِعُوا من الدخول إلى المخيمين وأنهم منزعجون لأنهم مُنِعُوا كذلك من العناية بالجرحى(2).
ونعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الطبية إنعام قيس، التي قامت قوات أمل بتصفيتها وهي تقوم بواجبها الإنساني في إسعاف الجرحى والمصابين في مستشفى غزة(3).
وكشف ناطق فلسطيني النقاب عن قيام قوات أمل بنسف أحد الملاجئ يوم 26 مايو التي كان يتواجد فيها مئات الشيوخ والأطفال والنساء في عملية دنيئة تعبر عن البربرية الجديدة(4).
وذكرت شاهد عيان أنها رأت أحد أفراد الميليشيا يذبح بحرية بندقيته ممرضة فلسطينية في مستشفى غزة لأنها احتجت على قتل جريح أمامها!!، وذكرت الشاهد أنها رأت أفراد الميليشيا يقتلون فتاة صغيرة وقع شقيقها الجريح بعد أن طلبوا منها حمله خارج المستشفى فقالت: إنها لا تقوى على حمله فما كان منهم إلا أن أردوها قتيله(5).
وذكرت وكالة [اسوشيتدبرس] عن اثنين من الشهود أن ميليشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم، وقال الشاهدان أنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله، ومضى أحدهما يقول: (إنه رأى المقاتلين الفلسطينيين أنفسهم يقتلون رفاقهم الجرحى حتى لا يسقطوا في أيدي الميليشيات. وذكر شاهد عيان أن مجموعة من 15 رجلاً جريحاً نقلت إلى خارج المستشفى إلى مكان قريب من مسجد الإمام علي t وهنـاك قتلهم سبعة أو ثمانية من المسلحين الشيعة، ووقفوا فوق أجسادهم، وأفرغوا فيهم خزائن رشاشاتهم، وبعد ذلك كان دور المجموعة الثانية وكانت تضم 25 شخصاً، وقد تم قتلهم خلف منزل قريب من المستشفى ثم قذفت جثثهم في خندق(1).
فتوى:
أصدرت القيادات الدينية – أي الإفتاء – فتوى بتجريم نهب أموال المسلمين بعد أن تردد أن مقاتلي [أمل] اللصوص يعتبرون أن ما يستولون عليه من ممتلكات الفلسطينيين هو من غنائم الحروب(2).
تعليق:
الصحفيون الذين نشروا هذا الخبر يظنون أن المقاتلين اللصوص من منظمة أمل تصرفوا مثل هذا التصرف بسبب حقدهم وانحرافهم .. ولكن الأمر أكثر عمقاً من ذلك .. إن الإمامية الذين يتزعمون الخميني اليوم يرون بأن أهل السُّنة من النواصب، والنواصب عندهم مارقون من الدين لأنهم يناصبون آل بيت رسول الله r العداء.
وقد كذبوا فأهل السُّنة يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى بحب آل البيت ويبرأون من النواصب، ومن أراد مزيداً من الأدلة فليراجع أمهات كتبهم، وقد يفتي بعضهم بخلاف ذلك وهو يعلم أنه يخالف أصول دينهم لأن باب التقية عندهم واسع متعدد الأرجاء .. ولهذا فنحن نقرأ في الصحف قول عناصر أمل للفلسطينيين: يا زنادقة !!، بل وسمعت من شيعي خبيث رآني حزيناً على ما يجري في المخيمات فقال: هؤلاء زنادقة كفار، ثم استدرك قائلاً: إنهم عصاة، فرددت عليه مما يستحق.
بيان من جبهة الإنقاذ:
صدر عن جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني بيانات كثيرة خلال حرب المخيمات كان من أشهرها البيان الذي نشرته الصحف العربية في 30 مايو 1985م وقد ناشدت جبهة الإنقاذ في هذا البيان كافة الجمعيات والمؤسسات اللبنانية والعربية والإسلامية والعالمية التدخل لوقف ما يجري حول المخيمات الفلسطينية من مجازر بحق الشعب الفلسطيني من سكان المخيمات.
وجاء في البيان: إن المنازل جرفت والمساجد خربت وخزانات المياه فجرت والكهرباء والماء قطعت والمواد الغذائية نفذت، والجرحى دون أطباء أو أدوية، والشهداء في الشوارع بسبب حصار حركة أمل واللواء السادس والثامن ومن يساندهم في البرزة.
وأكد بيان الجبهة أن ما يجري في المخيمات حالياً لم يحدث له مثيل حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي لا لذنب ارتكبه الشعب الفلسطيني سوى الدفاع عن نفسه وعن حقه في الوجود.
وأهاب البيان بكافة المؤسسات الإنسانية في لبنان والعالم وكذلك المؤسسات الدينية والصليب الأحمر وكل الجمعيات الخيرية التدخل بإدخال المواد الغذائية والماء والدواء وإخراج الجرحى ودفن الشهداء والعمل على وقف المجزرة الرهيبة قبل فوات الأوان.
تعليق:
ما جاء في البيان عن هدم المنازل والمساجد وقطع المواد الغذائية والأدوية .. ليس جديداً فلقد تحدثت عنه وكالات الأنباء العالمية، ويعلمه الصديق والعدو .. لكن الجديد في البيان قولهم: إن ما يجري في المخيمات حالياً لم يحدث له مثل حتى أثناء الاجتياح الإسرائيلي، وقالوا في بيان سابق نشرته الصحف في 27 مايو وقعه ناطق فلسطيني في دمشق: (إن القتلة البرابرة في قيادة أمل واصلوا حملات الإبادة والذبح ضد الجماهير الفلسطينية في بيروت تنفيذاً للمخطط الصهيوني الذي يقضي بشطب الوجود الفلسطيني من بيروت الذي عجز عنه شارون وعملاؤه).
ونحن نوافقهم فيما قالوه عن أمل ولكن من حقنا أن نسألهم: هل كان زعيم النظام النصيري في دمشق بعيداً عن هذا المخطط؟!
وإذا كانت أمل عميلة للنظام الصهيوني وتنفذ مخططاته في لبنان فما قولهم بمن كان حليفاً لها، ومن يعود إلى التعامل معها والإشادة بها وهو يعلم أنها عميلة؟!
وما هو الفرق بين دور إسرائيل والكتائب وأمل من جهة، وبين دور ما يسمى بجبهة الإنقاذ في مخيمي البداوي ونهر البارد، وفي البقاع؟! وهل يكون دماء الأطفال والنساء في المخيمات مباحاً إذا كان القتلة من أبناء فلسطين ويحركهم المجرم الأسد؟! ولنا عودة أخرى إلى هذا الموضوع إن شاء الله.
قولوا لأمل تتركنا في حالنا يا بني:
شاهد مراسل كونوا بعض النسوة اللواتي خرجن من مخيم صبرا وشاتيلا أمام مبنى مستشفى عكا على الطريق العام لمدخل صبرا الجنوبي، وقالت إحداهن: (أسفي على الشباب) متسائلة [هذه المعارك المفتعلة لصالح من ..؟؟].
وقالت ثانية: (نحن لسنا أعداء .. عدونا(1) المشترك واحد وهو إسرائيل .. وهدفنا تحرير أرضنا في فلسطين للعودة إلى ديارنا).
وقالت سيدة في حوالي الستين من عمرها: (يا بني .. قولوا لهم نحن لسنا ضدهم وإني متزوج من فتاة أخوها في حركة أمل، ونحن نحبه (2).. لكن لا نحب أحداً أن يعتدي علينا داخل مخيماتنا وسنظل هنا ندافع)(3).
اليهود لم يفعلوا هذا:
كان أزير الرصاص ودوي انفجارات القنابل يتردد في وسط بيروت أمس، بينما كانت النسوة الفلسطينيات المنكوبات ينتحبن وهن يبحثن عن أحبابهن الذين سقطوا ضحايا لحركة أمل واللواء السادس، في صف طويل من الجثث 840 جثة متعفنة .. منتفخة تنغلها الديدان صفت في نفس مقبرة شهداء شاتيلا .. كي تلحق بجثث أولئك الذين سقطوا شهداء بأيدي تختلف في المسميات وتتفق مع أيدي أمل والسادس في الإثم والجريمة.
تصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل: (اليهود أفضل منهم) وأخرى تغطي بعضاً من وجهها وتبحث في قافلة الشهداء عن شقيقها .. تستدير فجأة وتصرخ: (إنه هو، لكن الديدان تنغل في جسده) .. وتسقط على الأرض مغشيا عليها، أما القتلة من جنود اللواء السادس وأفراد أمل فيراقبون ولا يتكلمون .. وبعضهم يشارك في الدفن، القاتل يدفن القتيل).
جثث وجثث يرتع فيها الذباب من تحت الأغطية الشفافة الملفوفة بها، 84 جثة الدفعة الأولى من ضحايا مخيم شاتيلا الذي نسفته أمل على من فيه أخرجها الصليب الأحمر الدولي أمس الأول وعرضت للتعرف عليها قبل دفنها في قبر واحد.
فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها تنتحب وتصيح مشيرة إلى جثة منتفخة ملفوفة في بطانية خشنة تلطخها الدماء (هذا أخي) وتشير إلى جثة أخرى (وذلك أخي الثاني) ثم تشير إلى واحد من مسلحي أمل وتقول: (هم فعلوها).
أصغر الضحايا .. طفل لم يمهله الموت سوى بضعة شهور من حياة الفلسطيني .. جثته الصغيرة الطاهرة تكاد لا ترى من القماش الأبيض المتسخ الذي لفت فيه .. وكم في صبرا مثله من جثث .. هكذا يقول الصليب الأحمر(1).
أبي .. قل لهم أوقفوا القصف:
شرع الباقون على قيد الحياة في مخيم شاتيلا – أحد المخيمات الفلسطينية الثلاثة في بيروت – يسردون معاناتهم بعد 24 يوماً من الحصار الشرس المضروب حول المخيم.
لماذا لا تقل لهم أن يكفوا عن القصف يا أبي، قالها طفل في الرابعة من عمره لأبيه [أحد الطيبين في مخيم شاتيلا].
يقول الأب الطيب: (كنا في مسجد المخيم وكما هي نظرة كل طفل لأبيه من حيث القدرة على تحقيق أي شيء وجه إلى ولدي ذلك السؤال فأجبته بأن هذا ليس قصفاً وإنما نوع من اللهو، فضحك الطفل).
وفي 24 يونيو أقبل بلدوزر ليجتث المتاريس التي كانت مقامة على مداخل المخيم في رقعة طولها 100 م وعرضها 50 متراً قاوم فوقها ألف من الفلسطينيين، ووقف مقاتلون فلسطينيون وأفراد من ميليشيات حركة (أمل) والبنادق
الكلاشنكوف في أكتافهم يتبادلون الحديث في جوانب المخيم التي عمها الخراب والتي لم يعد بها بيت واحد سليم.
ويروي الطبيب أن عملية إخلاء الجرحى كانت حرباً لا رحمة فيها ولا هوادة، إذ أن هيئة الصليب الأحمر الدولي لم تتمكن من نقل الفوج الأول من المصابين ويبلغ عدده 57 شخصاً إلا في 19 يونيو أي بعد يومين من توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في دمشق بين حركة (أمل) والمنظمات الفلسطينية.
وأكد الطبيب أن المسجد الذي تحول إلى مستوصف تعرض للقصف صبيحة اليوم الذي أعلن فيه نبيه بري أن المسجد لن يقصف.
لقد أصبت مبنى المسجد من ميع الجهات وفتحت القذائف فجوات كبيرة في الجدران، واستسلمت النسوة للبكاء على القبور في الدور الأرضي حيث دفن 47 فلسطينياً بينما دفن آخرون في البيوت وظل بعض القتلى من الفلسطينيين تحت الأنقاض واختفى عدد كبير منهم وقتلوا أو سجنوا.
وعندما أصبحت عمليات القصف تجري على فترات غير ثابتة أمكن نقل المصابين من المسجد إلى قاعة المناسبات وتم تفريقهم في المنازل حيث كان يختبئ الأطفال والنسوة.
وقال أحد مقاتلي منظمة (فتح): (كان لدينا مخزون من الطعام ومن الأرز والمعلبات إلا أن الماء كان شحيحاً وكان الصنبور الوحيد الذي يعمل موجوداً في شارع معرض للقصف فأصيب من جراء ذلك عدد كبير من النسوة في محاولاتهن جلب بعض الماء).
وقال أحد الجرحى في المستشفى العام في بيروت: (كان كل كوب من الماء يتكلف كوباً من الدم).
وكان فتيان وفتيات من حركة (فتح) يرابطون في منزل ذي أبواب حديدية وقد علقوا فوق صدورهم سلاسل تحمل صورة ياسر عرفات(1) .. قال هؤلاء: إن كل ما يدافعون به عن أنفسهم من سلاح هي بنادق الكلاشنكوف والصواريخ المضادة للدبابات وزجاجات مولوتوف الحارقة(2).
ونقل عن مسلح من أمل قوله: (إنكم مخطئون إذ ظننتم أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد. وأضاف أنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينيين في لبنان)(3).
شعار جديد:
(لا إله إلا الله والعرب أعداء الله).
شعار جديد رددته حركة أمل خلال مسيرات لمقاتليها في شوارع بيروت الغربية في 2 يونيو 1985 احتفالاً بيوم (النصر) بعد سقوط مخيم صبرا وموت الكثيرين داخله من الجوع وانعدام العناية الصحية وانتشار الأمراض فيه(4).
الكوليرا:
نسبت صحيفة السفير اللبنانية إلى ناطق باسم جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني القول أن اثنى عشر طفلاً وثلاث نساء فلسطينيات توفوا في مخيم شاتيلا بسبب وباء الكوليرا.
كما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية أن وباء غير معروف انتشر في المخيم أدى إلى وفاة خمسة عشر طفلاً، وقالت: إن عشرات الجرحى في المخيم قد توفوا بسبب عدم توفر الأدوية والعلاج.
وتمكن الصليب الأحمر اللبناني من نقل 12 جريحاً من مخيم برج البراجنة قبل حلول الظلام في 2 يونيو كما نقل 40 جثة و40 جريحاً من صبرا في 2 يونيو.
وحاول الصليب الأحمر الدولي في 2 يونيو 1985 تسريع عملية إجلاء الجرحى من المخيمات في بيروت بعد أن حصل على ضمانات أمنية للقيام بثاني عملية إغاثة في يومين.
وقالت ناطقة باسم الصليب الأحمر الدولي: أن قافلة من ست سيارات إغاثة تقف على استعداد خارج برج البراجنة وأن الصليب الأحمر يأمل القيام (بعملية كبيرة).
وقد نقل الصليب الأحمر 64 جريحاً من هذا المخيم نصفهم كان في 1 يونيو، لكن أكثر من 100 جريح آخر لا يزالون في المخيم المحاصر منذ 14 يوماً.
وقالت ناطقة بلسان الصليب الأحمر أن 32 شخصاً بينهم طفلان نقلوا من مخيم برج البراجنة إلى مستشفيات في منطقة تقع إلى الجنوب من بيروت ويسيطر عليها الحزب التقدمي الاشتراكي، ذلك أن مستشفيات بيروت لا تعبر آمنة بالنسبة إلى الفلسطينيين.
وفي غضون ذلك أعلنت مصادر الصليب الاحمر في بيروت في 2 يونيو أنها تعمل جاهدة لنقل ستين جثة فلسطينية وجدت موضوعة في براد إحدى سيارات نقل اللحوم بالقرب من مستشفى الجامعة الأميركية إلى باحة مستشفى المقاصد الإسلامية ليتعرف عليها ذووها.
وقالت المصادر أن الصليب الأحمر لم يسمح له بنقل 35 جثة فلسطينية في مستشفى غزة رغم النداءات المتكررة التي وجهتها منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى المعنيين. وأضافت المصادر أن المنظمة في انتظار السماح لها بمواصلة إخلاء الجرحى من المدنيين في مخيم برج البراجنة.
اغتصاب:
تقارير الوكالات ذكرت في هذه الأثناء أن قوات أمل اقترفت أمس جريمة بشعة حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا وعلى مرأى من أهالي المخيم(1).
تقرير للصحفي البريطاني ديفيد بلاندي نشرته الصنداي تايمز:
(قال (ديفيد بلاندي): إن الخسائر البشرية جسيمة، وإن حركة أمل رغم تفوقها في العدد والعدة ورغم انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني .. فشلت في تحقيق انتصار حاسم، وهناك تقارير تفيد بأنها تكبدت خسائر جسيمة في الأرواح تقدر بحوالي 400 قتيل وما يزيد عن الألف جريح، وأما بالنسبة لعدد الإصابات الفلسطينية فليس هناك أرقام دقيقة).
وقال شهود عيان في الأسبوع الماضي أن مخيمين من المخيمات الفلسطينية الثلاثة وهما صبرا وشاتيلا كانا عبارة عن أراضي قاحلة، إذ جرى تدمير المنازل بواسطة القصف المدفعي أو البلدوزرات وكذلك المواد المتفجرة. وهناك اعتقاد بأن المقاتلين الفلسطينيين يستخدمون شبكة واحدة من الأنفاق لإخفاء المقاتلين والرجال.
ولقد كان مخيما صبرا وشاتيلا اللذان شهدا مقتل 800 فلسطيني على أيدي الكتائبيين عام 1982م، مسرحاً لمجازر جديدة جرى خلالها قتل الجرحى في المستشفيات وكذلك الأسرى والمدنيين.
وقد نقلت (صنداي تايمز) وكذلك هذا الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) في الأسبوع الماضي أخبار المذابح في المخيمات، إذ قام القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بإذاعة تقرير حول المجازر التي ارتكبها رجال أمل، وعلى هذا الأساس قامت بسحب مراسليها الثلاثة خوفاً على حياتهم.
وفي أعقاب هذا التقرير وجهت المنظمة التي تطلق على نفسها اسم (الجهاد الإسلامي)(1) والتي أعلنت مسئوليتها في أكثر من مناسبة عن اختطاف أجانب في بيروت تهديداً للصحافة الأجنبية على تقاريرها (الزائفة). وقد احتج نبيه بري زعيم حركة أمل، لدى السفير البريطاني في بيروت على التحيز في نقل الأخبار في الصحف البريطانية.
ويقول (ديفيد بلاندي): إن (صنداي تايمز) تستطيع أن تؤكد حقيقة تقرير الأسبوع الماضي، وحقيقة أخرى هي أن العديد من عمليات القتل لم يشملها التقرير لأن شهود العيان كانوا خائفين على حياتهم، ووفق التقديرات المتوفرة لدى (صنداي تايمز) فإن عدد المدنيين من الفلسطينيين الذين قتلوا يتراوح ما بين 100 إلى 200 شخص.
إن أخبار القتال داخل المخيمات من الصعب، بل من الاستحالة نقلها بدقة لأن حركة أمل تمنع رجال الصحافة من دخول المخيمات. وقد تلقى أحد المراسلين الصحفيين الذي دخل المخيمات تهديداً بالقتل من أحد رجال ميليشيات أمل الذي قال له: (إذا ما حضرت إلى هنا فإنك ستطعن بالسكين حتى الموت).
وقد نشرت تلميحات حول المجازر في الصحافة اللبنانية، على الرغم من أن معظم المراسلين الصحفيين والآلاف من الناس علموا بأخبار هذه المجازر.
وقال مراسل محلي: (لو قمنا بنشرها فإننا سنتلقى القنابل عبر نوافذنا).
بشكل عام فإن الناس في بيروت يبدون عدم اكتراث، فالمجازر ارتكبها مقاتلوا المجموعات المتصارعة في معظم الأزمات التي شهدتها لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة من الحرب الأهلية. إذ أصبحت المجازر سمة الحرب في لبنان.
وقال زعيم مسيحي متسائلاً: (ما هو الجديد في ذلك؟).
وأضاف قائلاً: (بالطبع حصلت مجازر فهناك الكثير من الدماء وحركة أمل).
ومضى (ديفيد) يقول في تقريره: إنه في العادة يجري نشر أخبار المجازر بشكل واسع في الصحافة الدولية ولكن الخوف والتهديدات وصلت الآن إلى حد أن المصادر أصبحت تفتقر إلى أخبار المجازر فقد جرى سحب العديد من المراسلين خوفاً عليهم من الاختطاف والقتل. ومن تبقى منهم في لبنان يجدون صعوبة وخطورة في العمل.
لقد كان بالإمكان نقل أخبار المجازر وعمليات القتل التي كان يرتكبها الإسرائيليون والسبب هو أن زعماء أمل كانوا يرحبون بالمراسلين ويشجعونهم على مشاهدة ونقل أخبار الأعمال الإسرائيلية. والآن وبعد أن أصبحت حركة أمل نفسها التي تفرض الرقابة الشديدة نتيجة أعمالها في المخيمات، فهي تحاول الحد من نشر أخبار المجازر.
ووصل الحد لدى المراسلين الصحفيين الذين يتزاحمون ويتنافسون على الحصول على الأخبار، إلى الدخول في تحالف غريب ومشاطرة مصادر المعلومات.
واتفقوا على نشر التقارير والقصص الصحفية في آن واحد حتى لا تجد صحيفة أو وكالة أنباء نفسها معزولة أو هدفاً للتهديدات والهجمات.
ولكن هذا التحالف انشق في الأسبوع الماضي حيث وجدت هيئة الإذاعة البريطانية (صنداي تايمز) أن لديهما سبقاً صحفياً. فقامت إحدى وكالات الأنباء بنقل قصص الأخبار وعزت هذه القصص ليس لمصادرها الخاصة بل إلى مصادر (صنداي تايمز) و(هيئة الإذاعة البريطانية).
وقامت وكالة أنباء أخرى بنقل هذه القصص إلى العرب وحجتها عن البيت في الشرق الأوسط خوفاً على موظفيها في بيروت. أما بقية الصحف والوكالات فإما أنها تجاهلت هذه القصص كلياً أو أنها قللت من شأنها.
وقال مراسل صحفي في بيروت: (يجب أن تكون واقعياً في بيروت أو ربما في دول أخرى في الشرق الأوسط فعلى سبيل المثال لو ارتكب الرئيس ريجان خطأ في أحد خطاباته فإننا نقوم بنقله أما لو ارتكب زعيم عربي الخطأ ذاته فإني سأمتنع عن نقله، إذ أنني لو قمت بذلك لحرمت من دخول عاصمة ذلك الزعيم).
أن تكون واقعياً في بيروت يعني أن تواجه حقائق المجازر التي انكشفت بسالة. ومن بين القصص التي تروى وهي مؤكدة، قصة الشاب الفلسطيني المجروح وشقيقته التي تبلغ من العمر 13 سنة، وكان الشاب وشقيقته موجودين في الدور الأرضي من مستشفى مخيم صبرا عندما دخل عليهما جندي من اللواء السادس اللبناني وطلب من الفتاة الفلسطينية أن تخرج وشقيقها، وعندما رفضت قتلت هي وشقيقها.
وهناك أيضاً قصة الفلسطينيين الستة الذين أجبروا على الخروج من أحد أجنحة المستشفى وطلب منهم خلع ثيابهم وبدأ جنود اللواء السادس ورجال الميليشيات بالبحث عن آثار الحروق وعلامات على أكتافهم تثبت أنهم من المقاتلين، وبعدها نقل الرجال الستة إلى حفرة خارج المستشفى حيث قتلوا(1).
وهناك أيضاً حادثة الصبي المصاب بشظية الذي قتل لاعتقاد رجال الميليشيات أنه أصيب أثناء القتال.
وقال شاهد عيان أن الجنود، ورجال الميليشيات قاموا بعد ارتكاب هذه الأعمال بإلقاء القنابل والمتفجرات في (بدروم)(1) المستشفى. وقام الجنود باقتحام الملجأ الذي يختبئ به العاملون في المستشفيات حيث سمعت أصوات الرصاص والتفجيرات ليسود بعدها الصمت.
وهذه قصص بعض ما ارتكب من عمليات قتل. اهـ(2).
تقرير نشره (جون كيفنر) في صحيفة نيويورك تايمز:
يوم الأحد الموافق 23 يونيو 1985م كان مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين هادئاً بعد أن صمدت خطة السلام التي توسطت فيها سوريا في أعقاب شهر من القتال الذي حاولت خلاله ميليشيات حركة أمل سحق أي وجود مسلح للفلسطينيين في بيروت. لقد صمد برج البراجنة بعناد أكثر حتى من مخيمي صبرا وشاتيلا المجاورين على الحافة الجنوبية للمدينة.
وبينما دخلت حفنة من الصحفيين الأجانب المخيم لأول مرة منذ اندفع القتال في 19 مايو 1985م كانت مدينة الأكواخ خليط من المنازل المحطمة وقطع من الحكام مع السيارات والجدران التي فتح الرصاص فيها ثقوباً.
وبدأ المخيم تقريباً محطماً بصورة سيئة كما كان حوالي نهاية شهر أغسطس 1982م، بعد أسابيع من القصف خلال الغزو الإسرائيلي. مات المئات من الناس.
وهذه المرة على أيدي أخوة عرب، ولن يعرف أبداً الرقم بدقة، وكانت هناك قصص مثل قصة عائلة (لزيز) في المخيمات كلها.
وألقى خيط دقيق من الشمس من ثقب قذيفة ما يكفي من الضوء لإظهار البقعة الداكنة حيث كان دم لزيز (16 عاماً) قد انتشر على جدار ما كان بيتاً لها. ومن مكان ما من المنزل المبني من الطوب المشوي أخرجت صورة ملونة تظهر فتاة جميلة حواجبها سوداء في ثوب أبيض وهي تحمل أختاً أصغر منها في حضنها.
كانت مها لزيز تخبز الخبز المسطح المستدير الذي يعتبر من ضروريات الحياة مع أخواتها عندما ضربة صلية المورتر المنزل. وبعد خمسة أيام قالت هيام – والدتها – إن إحدى يدي ابنتها وجدت فوق كومة من البسط على الجدار وضعت للحماية.
صرخت الأم فجأة (كانت هذه هي الأقسى، حتى الإسرائيليين لم يفعلوا ذلك بنا، حتى الكتائب).
كانت هناك مرارة، في المخيمات، ليس فقط تجاه ميليشيات أمل بل وربما أكثر تجاه سوريا التي تعتبر على نطاق واسع قد خططت لحصار المخيم وساندته من أجل تحطيم نفوذ ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ولكي تعزز بالوكالة، سيطرتها على لبنان(1).
قال شاب يتكلم الإنجليزية ساعد كدليل للصحفيين خلال الدمار: (السبب الحقيقي لكل هذا هو أن سوريا لا تريد أن يكون للفلسطينيين أي استقلال).
وتطال المرارة الفصائل الفلسطينية المعارضة لعرفات التي توجد مقراتها الآن في دمشق والتي زال الوهم عنها بصورة متزايدة بالقبضة الصارمة للنظام السوري.
وفي المقابلات التي جرت مؤخراً في دمشق تحدثت مصادر فلسطينية عن شعورها بالإحباط والغضب، واشتكت من قيام السوريين بإغلاق جميع صحفهم وغيرها من المطبوعات ومصادرة سياراتهم، وسحب جوازات سفرهم، ومنع تصاريح السفر عن عدد من الفلسطينيين البارزين.
حتى سعيد موسى (العقيد أبو موسى) زعيم منظمة فتح المعارضة لعرفات أعيد من المطار هذا الشهر عندما حاول الذهاب إلى ليبيا كما قالت مصادر فلسطينية وقال مسؤول فلسطيني معارض لعرفات يلتزم بالخط الرسمي في العلن في جلسة خاصة: (مضيفونا ماذا أستطيع أن أقول. هذا زمن رديء جداً بالنسبة للفلسطينيين لن يسمحوا لنا بعمل أي شيء).
وعلى صعيد مباشر أكثر قامت الفصائل التي تساندها سوريا في التلال التي يديرها الدروز والمطلة على بيروت، بما في ذلك قوات أبي موسى وقوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – بقيادة أحمد جبريل وهو ضابط سابق في الجيش السوري يسير عادة في خط دمشق، قامت هذه القوات بقصف قوات أمل بالمدفعية والصواريخ، ومن الواضح أن هذا القصف وفر الهامش الذي مكن المقاتلين الفلسطينيين المسلحين بأسلحة خفيفة في المخيمات من الصمود.
قال مصدر فلسطيني في دمشق: (الخطأ الرئيسي كان الحط من قيمة المقاومة .. لقد ظنوا أنهم سيطهرون المقاومة خلال 24 ساعة أو نحو ذلك، وفي المقام الأول لم يدركوا المدى الذي ستلتقي فيه الفصائل معاً عندما تكون مهددة بصفتها فلسطينية).
وبينما استمر القتال لمدة شهر أصبح محرجاً بصورة متزايدة لسوريا. فهو لم يوتر علاقات سوريا مع وكلائها الفلسطينيين فحسب لكنه وترّها أيضاً مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة، إيران وليبيا(1)، اللتين انتقدتا علناً الهجوم على المخيمات، وتركتا سوريا معزولة في العالم العربي.
وتقول مصادر فلسطينية ولبنانية أن ضرورة إنقاذ ماء الوجه كانت إلى حد كبير السبب وراء اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه قبل ستة أيام في دمشق ووضعه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي تصارع مع الشؤون اللبنانية طيلة عقد من الزمن تقريباً.
وتكمن خلق اللغة المعقدة للبيان المكون من 13 بنداً، في النتيجة، هزيمة لقوات أمل الشيعية بقيادة نبيه بري(2).
أراد الشيعة تجريد الفلسطينيين من السلاح للحيلولة دون ظهور أي دولة فلسطينية ضمن دولة في بيروت الغربية مرة أخرى كما كان الحال قبل غزو 1982م والأسباب من شقين: فالشيعة الآن أولاً في حالة نهوض سياسي ويرغبون في السيطرة على بيروت الغربية، وهم ثانياً يخشون من أن عودة ظهور الفدائيين الفلسطينيين سوف يؤدي إلى انتقام سريع من إسرائيل وأنهم سوف يتحملون معظم المعاناة كما حدث قبل عام 1982م.
إن البند الرئيسي المنقذ لماء الوجه في الاتفاق يدعو المقاتلين في المخيمات إلى تسليم أسلحتهم الثقيلة. غير أنه لا توجد أي أسلحة ثقيلة – قطع المدفعية، أو المورتر، أو منصات إطلاق الصواريخ أو الدبابات – في المخيمات.
وهكذا، وبصورة غير مباشرة، سوف يتمكن الفلسطينيون في المخيمات من الاحتفاظ ببنادقهم الهجومية وغيرها من الأسلحة الشخصية الخفيفة. وهذا يترك الوضع كما كان عليه قبل أن يبدأ الحصار.
إضافة إلى ذلك أعطى الاتفاق في النتيجة اعترافاً رسمياً بائتلاف الفصائل التي تدعمها سوريا المعروفة باسم جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني بينما لم تكن (أمل) تريد أي دور سياسي للفلسطينيين في لبنان. 25 يونيو 1985م نيويورك تايمز الأمريكية.
تعليق:
لم يبق للفلسطينيين أي دور في بنان، وجبهة ما يسمى بالإنقاذ في وضع لا يحسدون عليه، وسوف نشير إلى البيان وما تلاه من أحداث في الصفحات القادمة من هذا البحث.
وحسبنا من مقال (جون كيفنر) ما ذكره عن حال المخيمات بعد انتهاء القتال.
وقصارى القول: فهذه الفظائع التي ارتكبها الشيعة في المخيمات تذكرنا بتاريخهم الأسود الملطخ بالدماء، وتعيد لنا ذكريات التتار والصليبيين واليهود في القديم والحديث، ومن كان يجهل تاريخ الرافضة وأحقادهم الدفينة فعليه أن يعود إلى أمهات كتب التاريخ.
________________________________________
الفصل الرابع
المبحث الأول
مرحلة ما بعد حرب المخيمات
صرح العقيد أبو موسى زعيم المنشقين عن حركة فتح بأنه وفقاً لاتفاق دمشق – الذي أنهى حرب مخيمات بيروت – تعترف جميع الأطراف اللبنانية (بحق الثورة الفلسطينية في التواجد في لبنان والعمل ضد العدو الصهيوني انطلاقاً من جنوبي لبنان).
وأوضح أبو موسى في حديث أدلى به في طرابلس لمجموعة من الصحفيين الفرنسيين: أن البند الثاني الهام من الاتفاق يؤكد حق فلسطيني مخيمات اللاجئين في حيازة أسلحة شخصية خفيفة وقد حددها هذا البند كالآتي: (أي سلاح يمكن أن يستخدمه رجل أو رجلان على الأكثر أي قاذف آر. بي. جي. رشاش.
وراح العقيد يفلسف هزيمته فقال عن موافقتهم على سحب الأسلحة الثقيلة منهم: (إن التسليح الثقيل الذي يستلزم استخدامه ثلاثة أشخاص على الأقل لا يجب تواجده في المخيمات وهو ليس موجوداً فيها على أية حال.
وطبقاً للمنطلق العسكري فإن الأسلحة الثقيلة لا يمكن استخدامها انطلاقاً من مناطق بعيدة عن الجبهة مثل بيروت ومن ثم ليس من الضروري أن نضعها في المخيمات).
ومن قوله: (وطبقاً للمنطق العسكري فإن الأسلحة الثقيلة لا يمكن استخدامها انطلاقاً من مناطق بعيدة عن الجبهة مثل بيروت) نفهم أن هذه الأسلحة سوف يستخدمها العقيد في الجنوب .. وهذا الذي دفع الصحفيين إلى طرح السؤال التالي عليه: (هل ستترك أمل الفلسطينيين يعملون انطلاقاً من جنوبي لبنان؟!).
فأكد العقيد تصميم منظمته على عدم استخدام المدفعية ذات المدى البعيد انطلاقاً من جنوبي لبنان ضد شمالي إسرائيل مثلما كان الحال قبل الغزو الإسرائيلي.
وقال أبو موسى: المسألة لا تتمثل في معرفة ما إذا كانت حركة أمل تريد أو لا تريد. فهذا الأسلوب لم يسفر في الماضي عن نتائج ونحن نرغب في إعادة النظر في هذا الأسلوب، ويجب أن ترتكز الثورة الفلسطينية على القيام بعمل عسكري في الأراضي المحتلة (حرب عصابات حقيقية) وليس مجرد قصف أو قصف مضاد)(1).
وتصريح أبو موسى يذكرني بما كان يتندر بذكره في تصريحاته الكثيرة عن أكاذيب ياسر عرفات، وكنت أصدقه [وهو الكاذب] لأن أكاذيب عرفات لا يشك بها كل من يعرفه عن كثب أو كل من يتابع تصريحاته، ولكن العقيد أصبح أكذب من قائده، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:-
- كان أبو موسى يندد بعرفات لأنه أصبح بعيداً عن ساحة المعركة، أما هو ومن معه فيرابطون في لبنان، ومنها سينطلقون إلى فلسطين، ولا يفوته الإشادة بالنظام النصيري والقوات الوطنية التقدمية في لبنان [أي الشيعة والدروز] .. وكان هذا دينه في كل تصريح.
- كان لأسلحتهم الثقيلة دور مهم في الدفاع عن المخيمات، وقد أصابوا أهدافاً مهمة وأربكوا القوات الغازية .. ولولا أن سخر الله مدافعهم لسحقت القوات الشيعية المخيمات خلال بضعة أيام، فأين هذا من قوله ليس من الضروري وجود أسلحة ثقيلة في المخيمات علماً بأن المخاطر لا تزال تهدد الفلسطينيين في المخيمات وغيرها؟!
- إذا كان شعار المرحلة القادمة عند العقيد أن تكون المقاومة داخل الأرض المحتلة فلماذا يبقى مع قواته في لبنان؟!
وكيف يكون عرفات خائناً لأنه يطرح هذا الشعار ولا يكون هو ومن معه كذلك؟!
لا نعتقد أنه مقتنع بهذا أو أنه غبي إلى هذا الحد .. إنه يعلم أهداف سوريا وماذا تريد من لبنان، وما هو الدور الذي أعدته له ولغيره من العملاء.
الاتفاق على شيء والممارسات شيء آخر:
ليس للعقيد وحده الذي يزعم بأن اتفاق دمشق حقق لهم انتصارات كثيرة، وإنما يردد هذه المقولة معظم قادة ما يسمى (بجبهة الإنقاذ).
ونحن لا نناقشهم في بنود الاتفاقية – رغم أنها لا تشرفهم وليس فيها ما يزعمون – لأنها لا تساوي عند النصيريين والشيعة ثمن الحبر الذي كتبت به، ولن نسألهم عما جرى وراء (الكواليس) لأننا نعلم بأنهم لا يَصْدُقُونْ.
سوف نستعرض مجريات الأمور التي تمت بعد الاتفاقية، وما كان هناك من أحد يجهل نوايا النصيريين والشيعة والدروز والنصارى واليهود في لبنان:-
أولاً: تم سحب السلاح الثقيل والمتوسط من المخيمات، كما تم ضبط السلاح الخفيف، ودخلت عناصر من قوى الأمن الداخلي إلى داخل المخيمات وأصبحت الجهة المسؤولة عن أمن المخيمات، مع أن الغالبية العظمى من هذه العناصر من الشيعة والنصارى، وجملة القول فإن أطراف جبهة الإنقاذ نفذوا جميع الالتزامات التي يلزمهم بها الاتفاق.
ثانياً: أما الشيعة فلم ينفذوا الالتزامات التي يلزمهم بها الاتفاق .. وهذه أقوال وتصريحات أطراف جبهة الإنقاذ:-
- صرح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - أبو الطيب - في 5 يوليو 1985م بما يلي: (جبهة الإنقاذ قد نفذت كل الالتزامات المطلوبة منها في شأن حرب المخيمات لكن حركة أمل واللواء السادس لم ينفذوا ما هو مطلوب منهما، فلم يفك الحصار عن المخيمات وما زالت حركة أمل تحتفظ بعدد كبير من المعتقلين الذين يجب أن يطلقوا فوراً).
- أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – نايف حواتمة – في بيان وزعته على الصحف في بيروت بتاريخ 28 يونيو 1985م أن حركة أمل لا تزال تحتجز مئات من الفلسطينيين من بينهم عشرات من المسئولين والكوادر.
ودعت الجبهة الديمقراطية في بيانها لجنة التنسيق المشتركة إلى تكثيف جهودها من أجل الإفراج عن جميع المعتقلين بلا استثناء والمعروف أنها اللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ الاتفاق المبرم في 17 يونيو 1985م الحالي بين حركة أمل وجبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني.
وذكر بيان الجبهة الديمقراطية بأن إطلاق سراح المعتقلين يمثل بنداً من بنود اتفاق دمشق الذي تضمن 13 نقطة.
ثالثاً: نقلت وكالة الصحافة الفرنسية في 1 أغسطس 1985م أن وحدات من الجيش اللبناني بدأت تتسلم عدداً من الدبابات أرسلتها سوريا إلى حركة (أمل)، وكانت حركة أمل قد تسلمت في 31 يوليو 1985م في بيروت خمسين دبابة (تي 54) سوفيتية الصنع لتدعيم القوة العسكرية للحركة وبعض ألوية الجيش اللبناني.
وذكر المصدر نفسه أن [22 دبابة] سلمت إلى اللواء السادس بينما سلمت عشر دبابات أخرى إلى الكتيبة 87 في الجيش التي انتشرت على الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا.
وعلم من مصدر موثوق به أن خمسين دبابة جديدة ستسلمها سوريا في غضون الأسابيع القادمة إلى حركة (أمل). وسيتسلم الحزب التقدمي الاشتراكي عشرين دبابة من طراز [تي 54 و تي 55].
وعلم من مصدر موثوق به لدى الحزب التقدمي الاشتراكي أن الحزب لديه في الوقت الراهن نحو تسعين دبابة سوفيتية الصنع و110 سيارة مدرعة وعربات مجنزرة.
وبالإضافة إلى تسليم الدبابات فإن الاتفاق الذي أبرم في دمشق بين سوريا ونبيه بري رئيس حركة أمل ينص على تدريب بعض الميليشيات والكوادر العسكرية لميليشيا (أمل) وعُلِمَ من مصدر موثوق في بيروت أن ألفاً من أفراد ميليشيا أمل ذهبوا إلى سوريا بعد حرب المخيمات الفلسطينية في بيروت لمتابعة التدريب العسكري بموجب هذا الاتفاق(1).
إن سوريا التي تزعم بأنها ستنشر الأمن في ربوع لبنان، وسوف تقلم أظافر ملوك الطوائف هي التي ترمي بثقلها إلى جانب أمل الشيعة، ودروز جنبلاط، وكتائب حبيقة، وتقدم لهم كميات من الأسلحة لا تحلم بها بعض الجيوش العربية.
وكل منصف يعلم أن هذه الأسلحة لن تستخدم إلا ضد أهل السنة لأنهم وحدهم الجهة الوحيدة التي ستستمر في مقاومتها للاحتلال الصهيوني مهما طال الزمن.
ومن جهة أخرى فمما لا شك فيه أن فاتورة هذه الأسلحة مدفوعة سلفاً من قبل الدول العربية الغنية التي تصر على تقديم كل عون ومساعدات للطاغية الأسد رغم كل ما يقترفه من جرائم ومذابح فردية كانت أو جماعية.
ومن جهة ثالثة فهذه الأسلحة تقدم للشيعة وحلفائهم في الوقت نفسه الذي تم فيه سحب أسلحة الفلسطينيين المعتدى عليهم من قبل أمل واللواء السادس.
رابعاً: أمل قصفت المخيمات بالدبابات السورية:
نشرت وكالات الأنباء في 7 سبتمبر 1985م التقرير التالي: (ارتكبت حركة أمل مجزرة بشعة بحق 19 شخصاً من المدنيين الفلسطينيين قتلوا بطريقة وحشية في الضاحية الجنوبية من بيروت بالقرب من مخيم برج البراجنة المحاصر منذ يوم الثلاثاء الماضي. فيما دخلت الاشتباكات بين المدافعين عن المخيم وأمل يومها الرابع.
وذكر أن ميليشيا أمل استخدمت في القصف مدفعية الدبابات السوفيتية [تي 54] التي تسلمتها من سوريا منذ فترة(1).
وبينما قالت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيان أصدرته أمس أن أمل قتلت 19 شخصاً في (حارة حريك) على بعد كيلو مترين من المخيم.
ونشرت الجبهة أسماء 12 من هؤلاء الضحايا، بينما ادعت (أمل) بأن أحد عناصرها لقي شقيقه مصرعه في المعارك التي دارت في 5 سبتمبر 1985م فاقتحم المجمع السكني (روستون) وقتل أربعة رجال وامرأة.
وصرح عضو في الحزب القومي الاجتماعي السوري والذي يوجد مكتبه في نفس المجمع السكني بأنه أحصى 15 جثة بعد وقوع هذه المذبحة. مما دفع غسان سبلاني عضو المكتب السياسي لأمل للاعتراف بالمذبحة لكنه قال: إنه لا يعرف التفاصيل.
وذكر المسؤول في الحزب القومي أن ما يتراوح بين أربعين وخمسين من رجال الميليشيا الذين يتصرفون فيما يبدو دون أوامر قد دخلوا هذا المجمع السكني وأطلقوا النار في الهواء واستجوبوا السكان وأعدموا من اعترف بأنه فلسطيني.
وقبل ذلك بعشرة دقائق شاهد مراسل وكالة فرانس بريس شابين معصوبي العينين وقد انهال عليهما رجال ميليشيا أمل باللكمات وضربات العصي.
وكانت الجبهة الديمقراطية قد اتهمت ميليشيا (أمل) بقتل أربعة وأربعين مدنياً فلسطينياً ليلة أمس الأول على مشارف برج البراجنة.
في غضون ذلك قصفت أمل مخيم (برج البراجنة) بمدافع الدبابات السوفيتية في رابع يوم من القتال).
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل كان أطراف جبهة الإنقاذ يجهلون ما تدبره حركة أمل ضدهم؟!
يجيبنا على هذا السؤال جورج حبش في مؤتمر صحفي عقده في الكويت في 10 يونيو 1985م: (إن جبهة الإنقاذ أرسلت وفداً إلى لبنان قبل حوادث المخيمات، وكان يحمل مشروعاً مكتوباً قدمه لحركة أمل والجبهة الوطنية الديمقراطية اللبنانية، رسم من خلاله تصوراً للحقوق المدنية الفلسطينية في لبنان، كان المطلوب دراسة المشروع، لتجنب أي خطأ في العلاقة بين الطرفين .. وفي يوم الجمعة الذي سبق الحصار التقينا مع برّي، وأعربنا عن الرغبة في الحوار حول المشروع، جاءنا الرد بعد أيام؛ عن طريق تطويق المخيمات. لقد نادت أمل، بأنه لا قتال في جنوب لبنان، إلا ضمن استراتيجية عربية شاملة للتحرير) ا.هـ.
ونقلنا فيما مضى تصريحات أخرى تؤكد معرفة أطراف جبهة الإنقاذ لأبعاد المؤامرة التي يديرها بري ونظام دمشق بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .. فكيف عادوا بعد هذا كله إلى التعاون مع الأسد وزبانيته، وكيف زعموا أن اتفاق دمشق حقق لهم كثيراً من الانتصارات؟!
المبحث الثاني
مجــزرة طرابــلس
الذين يراقبون الأحداث في لبنان كانوا يعلمون أن النظام النصيري المحرم وعملاءه سيرتكبون مجزرة في طرابلس الشام وسيحاولون هدم المدينة إن استطاعوا .. ولذلك أسباب كثيرة من أهمها ما يلي:-
1- دخل هذا النظام لبنان عام 1976م لإذلال أهل السُّنة، وكان معاركه ضدهم ابتداءً من مخيم تل الزعتر، ومروراً بمخيمات صيدا وانتهاءً بمحاولة تدمير مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا في منتصف الشهر الخامس من عام 1985م.
وكانت معاركه مع غير أهل السُّنة ليست أكثر من مناوشات يحسب لها النظام النصيري ألف حساب لأنه يعلم بأن إسرائيل مسؤولة عن حماية الموارنة والدروز، وإيران مسؤولة عن حماية الشيعة، ودخول جيش هذا النظام إلى لبنان جاء حسب اتفاقيات ومعاهدات لا يستطيع أن يتجاهلها بحال من الأحوال.
2- صدر عن قادة الجماعات الإسلامية في طرابلس تنديدات بمنظمة أمل ومن وراءها، وأعلنوا عن استعدادهم للقتال ذوداً عن المخيمات الفلسطينية.
ونظام دمشق الجبان يخشى من مثل هذا الموقف وترتعد فرائصه من صحوة أهل السُّنة في بلاد الشام، ومن قيام تنظيم يوحد شتاتهم ويضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية.
3- يرى الحاكم بأمره في دمشق أن طرابلس جزء لا يتجزءأ من سوريا تاريخياً، ومن ثم فالبقاع، وطرابلس وسائر مناطق الشمال تعد من الكانتون السوري المتفق عليه في تقسيم لبنان، وقد كانت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية طرفاً في هذا الاتفاق مقابل سكوت نظام دمشق عن المطالبة بالجولان.
4- يخشى نظام دمشق من استمرار سيطرة قوات التوحيد الإسلامي على مرفأ طرابلس، وما يترتب على هذه السيطرة من مخاطر، كما يخشى من الأسلحة التي يمتلكها المسلمون السُّنة في طرابلس.
5- سيكون موقف النظام النصيري ضعيفاً في مؤتمر القمة العربي القادم كما أن موقفه سيكون ضعيفاً في الصفقات التي يعقدها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية إذا كانت مدينة طرابلس ليست خاضعة تماماً لسيطرة نظام (الأسد).
لهذه الأسباب مجتمعة كان لا بد من معركة فاصلة لهذا النظام مع المسلمين السُّنة في طرابلس.
ولهذه الأسباب حرك النظام عملاءه في حي (بعل محسن) النصيري، كما حرك الأحزاب العميلة: كالحزب السوري القومي المعروف بارتباطاته المشبوهة مع المخابرات الإسرائيلية والمخابرات البريطانية في السابق، والحزب الشيوعي اللبناني – النصارى الأرثوذكس -، ومنظمة حزب البعث [زعماؤها شيعة أمثال عاصم قنصوه وعبد الأمير عباس]، والحزب العربي الديمقراطي [نصيريو بعل محسن، وكانوا يطلقون على أنفسهم فرسان العرب].
وبشكل أكثر وضوحاً يمكننا القول: لقد حرك نظام دمشق عملاءه وأعوانه من الرافضة والنصارى بغية هدم مدينة طرابلس الفيحاء.
أما ما زعمه النظام النصيري عن أسباب الهجوم فتتلخص فيما يلي:
- إن جماعة التوحيد روعت المواطنين في مدينة طرابلس، ونشرت الذعر والفساد.
- فَتَحَ حكام طرابلس الجدد ميناء المدينة أمام أنصار عرفات، ويعملون معه من أجل مزيد من الاضطرابات والفتن في لبنان.
- حولوا المدينة إلى (كانتون) مستقل عن بقية الأراضي اللبنانية، ويقيسون الأمور بمقياس طائفي بغيض.
وهكذا فنحن في عصر التناقضات فالمفسد يتهم المصلحون بالفساد، والعميل المتآمر يزعم أنه وطني مخلص .. ومن قبل دعا المشركون على رسول الله r لأنه فرق دينهم، وشتت جمعهم، وسألوا ربهم هلاكه في بدر .. فلا غرابة إذن أن يتهم حكام دمشق غيرهم بالعمالة والطائفية والفساد.
ونفّذ النصيريون في حي (بعل محسن) أوامر قيادتهم فأطلقوا قذائفهم ونيران أسلحتهم المتطورة على حي (التبانة) الذي يبعد عنهم بضعة أمتار ولا يفصله عنهم إلا شارع سوريا.
وكانت القوات السورية قد شددت من حصارها لمدينة طرابلس، واستقدمت تعزيزات عسكرية تتألف من أربعة آلاف جندي أحاطت بالمدينة من كل جانب من أجل شن هجوم خاطف.
وحاصرت الطائرات الحربية السورية طريق البحر إلى مرفأ طرابلس، وأبلغت القوات النصيرية صيادي الأسماك بضرورة عدم النزول إلى البحر لممارسة أعمالهم، وأعلنت أنها لن تسمح لأي زورق بالخروج أو الدخول للمرفأ في الوقت الحاضر.
وشاهد مراسل (رويتر) جنوداً سوريين بملابس الميدان في 28 سبتمبر 1985م يقيمون مواقع جديدة ومرابض مدفعية جديدة، بينما يقوم عشرات من رجال الميليشيات اللبنانية اليسارية [على حد قول المراسل] في القرى المجاورة بإعداد التموينات والاستعدادات للمعركة.
وأكدت مصادر أمنية مستقلة [صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 1 أكتوبر 1985م] أن مدفعية الجيش السوري المشرفة على طرابلس والدبابات المرابطة فوقها تشترك بالقصف منذ الساعات الأولى لبدء الهجوم.
فكيف نصدق بعد هذا قول العميد غازي كنعان رئيس جهاز استخبارات القوات السورية: (إنه ليس صحيحاً أن الجنود السوريين يقومون بالقصف، إنها الأحزاب المهاجمة إذ لديها كل الأسلحة التي تحتاج إليها 1 أكتوبر 1985م).
بدأ القتال في 15 سبتمبر 1985م أي بعد مجزرة مخيمات بيروت الأخيرة التي استخدمت فيها الدبابات السورية بثمانية أيام.
وفي 27 سبتمبر أعلن العميد غازي كنعان إنهاء الوساطة السورية، وحمّل أطراف اللقاء الإسلامي مسؤولية تعثر المساعي(1).
وبعد ساعات قليلة من هذا الإعلان المفتعل شنت الأحزاب الآنفة الذكر هجوماً على المناطق الواقعة تحت سيطرة اللقاء الإسلامي، من ثلاثة محاور رئيسية في الشمال والشرق والجنوب .. وهذه الأحزاب مجتمعة أعجز من أن تتقدم خطوة واحدة في طرابلس لولا الجيش السوري وراجماته وصواريخه المتطورة التي كانت تدك المدينة من (الكورة) و (تربل).
استمرت المعارك العنيفة عشرين يوماً، وكتب مراسلون في وصفها: (إن طرابلس أصبحت تبدو في النهار كمدينة أشباح تغطيها أعمدة الدخان الأسود وتهزها انفجارات القذائف المدفعية والصاروخية. وفي الليل تصطبغ على المدينة من التلال المحيطة بها، وقالوا إن نصف سكان المدينة البالغ عددهم حوالي 700 ألف نسمة نزحوا عنها)(1).
لقد انهمر على المدينة أكثر من مليون صاروخ وقذيفة مما أدى إلى تدمير نصف مبانيها، كما تم تدمير معظم شوارعها، وخلت أفران المدينة من الخبز، وسياراتها من الوقود، وأحاطت النار بمداخلها البرية والبحرية، وانقطعت عن العالم هاتفياً ولاسلكياً.
وساهمت (القوات اللبنانية) في الحرب فمنعت نقل المحروقات إلى الشمال منذ 24 سبتمبر، كما قطعت الطحين عن طرابلس.
وتتبع الجناة المدنيين الهاربين من جحيم الحرب، ففي المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس عند بلدة البحصاص تم العثور على 15 جثة مصابة بطلقات نارية.
وبعد تدمير أكثر من نصف مباني وشوارع المدينة توصلت دمشق إلى هدنة غير معلنة لإتاحة المجال لدخول وفد رسمي إيراني إلى طرابلس لإجراء محادثات مع أطراف اللقاء الإسلامي .. وتم ذلك أثر اتصال هاتفي مطول بين الرئيس الإيراني علي خامئني والرئيسي النصيري حافظ الأسد، وعاد الوفد الإيراني إلى دمشق مصطحباً معه الشيخ سعيد شعبان، والمهندس عبد الله بابتي .. وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار برعاية حافظ الأسد.
وقد وقع الاتفاق سعيد شعبان عن (اللقاء الإسلامي)، وجورج حاوي عن الحزب الشيوعي اللبناني، وعلي عيد عن الحزب العربي الديمقراطي، وعاصم قنصوه عن الحزب الحاكم في سوريا، وعصام محايري عن الحزب القومي السوري، وحسين حمدان عن حزب العمال الاشتراكي العربي.
ومن أهم بنود هذا الاتفاق:-
- وقف إطلاق النار اعتباراً من منتصف ليلة الخميس 14 أكتوبر 1985م.
- تشكيل هيئة تنسيق برئاسة رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي وعضوية الأطراف الموقعة للاتفاق.
- تشكل لجنة أمنية تضم ممثلين عن القوات السورية والجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي لمنع اقتناء السلاح الثقيل، وتسليم السلاح الفردي، وحصر الأسلحة المرخص بها لأعمال الحراسة وغيرها.
- إطلاق حرية العمل السياسي لجميع الأطراف، وإجراء لقاءات مصالحة، وعدم إجراء ملاحقات تتعلق بالأحداث الأخيرة.
وفي 6 أكتوبر 1985م بدأت القوات السورية باحتلال مدينة طرابلس، وقامت حركة التوحيد وحلفائها بسحب قواتهم من المواقع التي انتشرت فيها القوات السورية، ووجه رئيس حركة التوحيد الشيخ سعيد شعبان نداءً أذيع من (التلفزيون) والإذاعة المحلية اللبنانية ناشد فيها أنصاره في طرابلس الالتزام باتفاق دمشق وعدم التعرض للقوات السورية المنتشرة في المدينة.
وقال الشيخ شعبان: (وعلى الجميع أن يتعاونوا مع الأخوة السوريين والقوات الداخلية وعدم التعرض لأي فريق من هذه القوات وفي أي موقع من المواقع .. وإني أعتبر هذا الالتزام عهداً عقدناه والعهد واجب التنفيذ ..).
وقامت أطراف اللقاء الإسلامي بتسليم أسلحتها الثقيلة في مستودعات يشرف عليها السوريون .. وكذلك فعلت الأحزاب الأخرى كما زعم ضابط سوري مسؤول.
موقف من الاتفاق:
القوات النصيرية طرف في معارك طرابلس وليست حكماً – كما زعمت -، وجيشها دخل المدينة فاتحاً مستعمراً، وسيكون قائد هذا الجيش حاكماً مستبداً لا يخضع لقانون أو عرف، وطرابلس عنده كحماة أو حلب .. وإذا أراد المسلمون الدفاع عن أنفسهم سيجدون أنفسهم عزلاً من السلاح ولا يستطيعون الفرار لأن العدو يحيط بهم من كل جانب .. ومن تاريخ النصيريين القريب والبعيد نعلم بأنهم لا يحترمون عهداً ولا ميثاقاً .. وخلال أيام من دخولهم إلى طرابلس بدأت صيحات الاحتجاج والاستنكار ترتفع هنا وهناك في أوساط المسلمين السُّنة، والشيخ سعيد شعبان يحذر الآن من المداهمات والاعتقالات التي تتعارض مع جوهر الاتفاق الذي وقع عليه. هذا في بداية الطريق فكيف يكون الأمر بعد حين من الزمن؟َ!
ومن جهة أخرى فقد دخلت الأحزاب المدينة بعقلية المنتصر، ولها ثارات عند أهل التوحيد، وإذا افترضنا جدلاً أنهم سلموا سلاحهم فسيكون من السهل جداً عليهم الحصول على السلاح، وسوف تلجأ القوات السورية إلى هذه الأحزاب وإلى أخوانهم في (بعل محسن) كلما أرادوا قتل مجموعة من الدعاة إلى الله، أو كلما أرادوا مزيداً من البحث والتنقيب عن المسلمين السوريين والفلسطينيين الذين فروا من ظلم دمشق وبطشه.
وأخيراً سيكون من اليسير جداً على حكام دمشق وحلفائهم في طهران اختراق أطراف اللقاء الإسلامي لأنهم ليسوا جماعة واحدة، ولا ينطلقون من منهج وتصور واحد، وقد ندد سعيد شعبان ببعضهم أثناء حصار طرابلس .. وسيكون المسلمون السُّنة في الشمال في وضع لا يحسدون عليه بعد الاتفاق وإلى الله المشتكى من جهل الجاهلين وجلد الفاجرين.
اقفال الملف اللبناني
منذ بداية حرب المخيمات، رفع النظام النصيري شعاراً براقاً أسماه (إقفال الملف اللبناني).
ومن أجل إقفال الملف اللبناني لا بد من إقفال الملف الفلسطيني أولاً، وقامت منظمة أمل بدورها شر قيام، ثم جاء دور طرابلس، ونفذ هذا الدور النظام النصيري وأعوانه من الأحزاب الشيعية والنصيرية، وتوقفت اجتماعات (هيئة الحوار الثلاثي) في دمشق خلال حرب طرابلس، واستأنفت اجتماعاتها بعد انتهاء الحرب وما رافقها من دمار.
وتتألف هيئة الحوار من الأطراف التالية:
1- الدروز ويمثلهم وليد جنبلاط صاحب القرار المعروف بعدم مقاومة الاجتياح اليهودي للشوف عام 1982م، والذي منع منظمة التحرير من وضع مدفع واحد في مناطق الدروز، وأخيراً فإن وليد أقام علاقات وطيدة مع عدد من القادة اليهود، ومن شاء مزيداً من التفاصيل فليراجع الصحف التي صدرت في تلك الفترة، ومن جملتها المقابلات التي أجرتها بعض الصحف والمجلات مع الزعيم الدرزي.
2- الكتائب ويمثلهم (إيلي حبيقة) قائد القوات اللبنانية والمسؤول الأول عن مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982م، وسفير الموارنة في مفاوضاتهم السرية والعلنية مع العدو الصهيوني.
3- الشيعة ويمثلهم نبيه بري [شارون الشيعة]، وجزار المخيمات .. وقد نشرنا فيما مضى من هذا الكتاب وفي الجزء الأول أخباراً كثيرة عن علاقاته وعلاقات منظمته مع اليهود.
أما مهندس هذا الحوار فهو صاحب بلاغ سقوط القنيطرة المعروف!!.
والجديد في هذا الحوار شخصية (إيلي حبيقة)، وكان نظام دمشق يعلم أن الناس كل الناس سوف يستغربون وجوده في مثل هذه الاجتماعات، لهذا احتفظ عبد الحليم خدام بتعهدات التزم بها قائد القوات اللبنانية وكتبها بخط يده ومن أهمها: قطع العلاقة مع العدو الصهيوني، وإقامة علاقات سياسية وأمنية خاصة مع سوريا، وكان خدام يطلع عليها حلفاء سوريا لتأكيد مسيرة الحل القادم في لبنان(1).
ومما يجدر ذكره أن هيئة الحوار تمثل (كانتونات) طائفية مستقلة، ولا يسمح أي طرف في هذه الهيئة لأحد كائناً من كان أن يتدخل في شؤون دويلته .. ومع ذلك يسمون الأمور بغير مسمياتها وينادون بإلغاء الطائفية، ووحدة لبنان كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية!!
ومن جهة ثانية فليس للمسلمين السُّنة من يمثلهم في هذا الحوار لأنهم نُكبوا في حرب لبنان، والغنائم لا توزع إلا على المنتصرين.
والذي نراه أن نظام دمشق لا يريد توحيد لبنان في دولة مستقلة، وقل إن شئت مثل ذلك عن الدروز والكتائب والشيعة.
ولو افترضنا أن (الأسد) يريد توحيد لبنان بالشكل الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام السورية فهو ليس قادراً على تحقيق ذلك، لأن لإسرائيل نفوذاً واسعاً جداً في صفوف الدروز والموارنة الشيعة، وجيش لحد قد يتضاعف عدد أفراده وبشكل أخص إذا انضم إليه معارضو هذا الاتفاق من الموارنة وغيرهم، وقد تعود إسرائيل وتحتل جزءاً آخر من لبنان، ونظام دمشق لا يستطيع وحده الدخول في حرب مع إسرائيل.
والذين يعارضون (هيئة الحوار الثلاثي) كثير في لبنان، وسوف يستمر النظام في اتباع سياسة (فرق تسد)، وفي التعامل مع (كانتونات) غير معلنة رسمياً، وفي تسمية الأمور بغير مسمياتها، والله تعالى أعلم.
المبحث الثالث
الشيخ سعيد شعبان ماذا يريد ؟!
ترددت الكلمة عن مواقف الشيخ سعيد شعبان المؤسفة، واستمر ترددي أكثر من سنتين، ومن أهم أسباب هذا التردد قناعتي المطلقة بأن الطغمة النصيرية الحاكمة في دمشق تفكر بهدم مدينة طرابلس المسلمة سواء كان الشيخ سعيد شعبان موجوداً أو غير موجود وذلك لأن طرابلس وحماة مدينتان مسلمتان تتميزان عن غيرهما من المدن الأخرى، وتجاوران جبال النصيرية، ويشعر قادة الجبل بأن دولتهم لن يكتب لها الحياة مع وجود هاتين المدينتين .. وقد فعلوا الذي فعلوا بمدينة أبي الفداء، وبقيت طرابلس تنتظر موعدها مع ألد أعداء الإسلام والمسلمين.
ومن جهة أخرى فإن من أصعب الأمور على نفسي نقد داعية من دعاة الإسلام، وأن تظهر هذه الكتابة في مرحلة عصيبة جداً نجح فيها أعداء الله في هدم أكثر من 50% من مباني طرابلس ومؤسساتها.
وأخيراً زال ترددي واقتنعت أنه لا بد من الكتابة، ولا يجوز لي أن أتجاوز في هذا المؤلف نقد مواقف وتصريحات الشيخ سعيد شعبان لأن المبادئ والتصورات أهم من الأشخاص واللافتات، ومن كانوا خيراً مني من الصحابة والتابعين نقدوا من كان خيراً منه .. وأخشى إذا سكت أن يشملني حديث رسول الله r: (من سُئِلَ عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)(1).
كما أخشى أن تقع الفتنة الكبرى ويتشيع المسلمون في طرابلس إذا استمر الشيخ في تبجيله وتعظيمه لآيات طهران وقم، ولا شك أن مثل هذه الفتنة أشد سوءاً من هدم نصف مباني المدينة.
ولن أتعرض فيما سأكتبه لسيرة الرجل وأموره الشخصية، وإنما سأتناول بالنقد موقفه من نظام الرافضة وثورتهم في إيران، وموقفه منهم ليس سراً من الأسرار فقد كتب وخطب وأجريت معه مقابلات صحفية كافية للحكم له أو عليه.
وسأعرض فيما يلي ملاحظاتي بشكل موجز ومرقم:
أولاً: تأييده لمنظمة التحرير :
قبل الحديث عن موقف أمير التوحيد من نظام طهران أود الإشارة لموقفه من منظمة التحرير عام 1982م.
سئل الشيخ في 21 أكتوبر 1985م عن موقف من عرفات فأجاب: (عرفات لا وجود له بيننا، لأننا لسنا مع عرفات ولسنا مع طريق عرفات، ولسنا خدماً لعرفات.
نحن خدم لهذا الدين، ولا يمكن أن نبيع قضيتنا لقضية يحملها عرفات وهي مصالحته لإسرائيل.
ومن أدلة الشيخ على أنه ليس مع عرفات قوله: (وأكبر دليل كما نقول بأن عرفات مع العراق ومع الأردن، ونحن لسنا مع هؤلاء، وعلاقتنا مع إيران وثيقة وأكيدة، وهذا يؤكد التناقض)(1).
يتحدث الشيخ عن موقفه من منظمة التحرير وزعيمها عام 1985م، ونحن سنتحدث عن موقفه منها عام 1982م، لقد نشأت حركة التوحيد الإسلامي في صيف عام 1982م، وقد فوجئت بنشئوها، كما فوجئت بقيادة الشيخ لها، فالشيخ لا يملك أي خبرة عن التنظيمات والأعمال العسكرية والسياسية، ومن جهة أخرى فحركة التوحيد تألفت من عدة تجمعات محلية، بعضها كان إسلامياً، وبعضها الآخر كان يسارياً أو شئت فقل كانوا قطاع طرق ثم تابوا إلى الله فجأة، ومع قناعتي الأكيدة بأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، وقد يمسي المرء كافراً ويصبح مؤمناً .. مع ذلك كله أقول: (إنني أخشى من توبة جماعة كلها .. فقد تاب القذافي فتاب عساكره(2) ثم ارتد فارتدت معه.
وقل مثل ذلك عن ضياء الحق الباكستاني، ومحمد جعفر نميري السوداني.
ونحن لا نقول للذين تابوا لِمَ تبتم؟! أو لا نصدقكم فيما تدعون .. لا نقول لهم مثل هذا القول كما أنه من الواجب علينا أن لا نتجاهل دور غيرهم من العلماء والدعاة، ونُكوِّن من هذا الخليط الجديد حركة تنظيمية عسكرية تزعم أنها من المسلمين، وبين عشية وضحاها يصبح قطاع الطرق علماء وقادة .. وهذا الذي فعله الشيخ سعيد شعبان غفر الله لنا وله.
أمر آخر يدعو إلى الشك والريبة أن هؤلاء الذين تابوا كانوا من أتباع منظمة التحرير الفلسطينية وكانت تقدم لهم المال والسلاح ليتسنى لها السيطرة على الشارع الإسلامي في دولة الطوائف، وجاءت هذه التوبة إبان حرب المخيمات وهي ظروف حرجة كان يمر بها ياسر عرفات، ونقول بكل وضوح وصراحة: (إن جاعة "جند الله" الإسلامية كانت وثيقة الصلة بمنظمة التحرير، وكانت تتلقى منها العون المادي والعسكري .. وتبعاً لذلك وقف أمير التوحيد إلى جانب ياسر عرفات في معركته ضد المنشقين عنه ومن وراءهم في دمشق، وفي معركة التوحيديين مع الأحزاب في طرابلس أيدتهم منظمة التحرير، واستمر هذا التعاون بعد رحيل عرفات ومن معه عن طرابلس وخُطب سعيد شعبان وتصريحاته في الصحف وصوره مع عرفات تؤكد كل ما ذكرناه.
وليس من المصلحة ذكر مزيد من الأدلة والبراهين، لأننا – يعلم الله – لا نبغي التشهير بأمير التوحيد ومن معه، ونكره إحراج الآخرين.
وكم يكون الشيخ سعيد منصفاً لو قال: (تعاونوا مع عرفات ومن معه أو وقفنا معهم في خندق واحد عام 1982م .. ثم أدركنا فيما بعد أننا تسرعنا في اتخاذ هذا الموقف .. ومن المؤسف أن قليلاً جداً من الدعاة في هذا العصر من يعترف بخطأه.
ثانياً: لمحات عن تعاونه مع إيران:
كان الشيخ سعيد شعبان في طليعة الذين زاروا إيران بعد الإطاحة بالشاه .. وعاد من طهران يحدث كل من رآه عن شخصية القائد الخميني الفذة، وتواضعه الجم، وزهده النادر، وحذّره من نظن فيهم الفضل والعلم من مثل هذا الموقف خلال إحدى زياراته لبلد عربي فرد عليهم ردوداً عاطفية ليس فيها علم ولا منطق، والتمست الأعذار للشيخ لأن الذين أعلم منه كانوا – بكل أسف – يجهلون معتقدات الرافضة وأصولهم، ويظنون أن خلافنا معهم لا يتعدى بعض الفروع، ومثل هذه الخلافات متوفرة بين مذاهب أهل السنة.
ثم جاءني من يعرف الشيخ عن كثب فقال: (لقد تورط الشيخ سعيد شعبان مع الشيعة. فقلت له: ما هو دليلك على ما تقول؟!
فذكر لي أموراً لم أقتنع بها، وتمسك بموقفه من الشيخ كما تمسكت بموقفي ولم أقصر في نصحه وتحذيره من أهل الغلو.
ثم عاد صاحبي بعد حين من الزمن، وأبرز لي إخراج قيد نفوس صادر عن الأحوال المدنية في طرابلس الشام باسم ابن شقيق الشيخ، وفي القيد ما يؤكد أن مذهبه شيعي، وهذا يعني أن زوج شقيقة أمير التوحيد شيعي ابن شيعي. فقلت: لعل والد الشيخ هو المسؤول عن هذا الزواج.
فقال: ولكن ما هو رأيك بمن يزوج ابنته من شيعي في بلاد الشام؟!
قلت: أمر مستغرب وغير مألوف.
قال: ألا تعرف بأنني أحب الرجل، وبيني وبينه صحبة ومحبة؟!
قلت: بلى.
قال: مع ذلك أصبحت أشك بعلاقاته مع حكام إيران ومع شيعة لبنان، ومثل هذه الأمور أسمعها منه بالذات، ويتفوه بها معظم أعوانه ومساعديه.
ثم أصبح سعيد شعبان أميراً لطرابلس باستثناء حي (بعل محسن)، وتكررت زياراته لإيران، وتوقفت صلاته مع ما يسمى بـ (حزب الله) وأمل الإسلامية، والمسؤولين الإيرانيين الذين يترددون على لبنان أو المقيمين بها.
وكان حكام طهران يتوسطون بين أمير التوحيد، والإمبراطور النصيري، وعندما زار الرئيس الإيراني (خامنئ) دمشق استدعى شعبان وجمعة بحافظ الأسد وقيل أن العلاقات تحسنت بعض الشيء بين الطرفين، وإن كان للطاغوت النصيري موقف ثابت من أهل السنة، وله أطماع خاصة بشمال لندن، ولا تنفع عنده الوساطات في مثله هذا الأمر.
واستغل الرافضة مواقف الشيخ سعيد شعبان المؤسفة وأمثاله فعملوا على أن يكون ورقة يتاجرون بها بين أهل السنة .. وبين يدي مقابلة أجرتها معه مجلة الثورة الإسلامية في عددها رقم 61. ومن يتأمل هذه المقابلة يلاحظ بأن المجلة قد أخذت من أمير طرابلس كل ما تريد، وأنه كان يتحدث بدون تحفظ، بل وكان يستعمل المصطلحات الشيعية السياسية كقوله على سبيل المثال لا الحصر: (الإعلام الاستكباري) وأكثر من مدح إيران والهجوم على دول الخليج، ولا يستغرب مثل هذا الهجوم لو كان الشيخ قد اعتاد عليه، أو لو كان لا يخدم مقاصد الشيعة.
ومن أجله أجرت المجلة معه مثل هذه المقابلة، ولم يذكر موقفاً سلبياً واحداً من مواقف النظام الإيراني، أو من مواقف الشيعة في لبنان .. فلم يذكر سوء معاملتهم لأهل السنة في إيران، ولم يسألهم عن أسرار تعاونهم مع النظام النصيري في دمشق، ولم يندد بتعامل كثير من قيادات الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان، لقد كان الشيعة يتكلمون على لسان أمير التوحيد في هذه المقابلة.
ثالثاً: الوساطة الإيرانية وتصريحات شعبان:
بعد دمار طرابلس واتفاقية دمشق أجرت مجلة الشراع في عددها رقم 188 بتاريخ 21 أكتوبر 1985م مقابلة مع الشيخ سعيد شعبان ننقل منها فيما يلي ما يتعلق بإيران:
سؤال: لماذا أنتم متهمون دائماً بالعلاقة مع عرفات؟
جواب: من أجل التبرير، كما برر الذئب قضيته لافتراس الحمل، ولكننا لسنا حملاناً إن شاء الله تعالى، وكل هذه التهم باطلة ولا أساس لها من الصحة وأكبر دليل كما نقول، بأن عرفات مع العراق ومع الأردن، ونحن لسنا مع هؤلاء، وعلاقتنا مع إيران وثيقة وأكيدة، وهذا يؤكد التناقض.
سؤال: ماذا جرى مع العلاقة الجيدة مع إيران؟
جواب: إنهم مسلمون يحملن الإسلام ويرفعون راية الإسلام .. أعزوا الإسلام بثورتهم، وطردوا أميركا(1) وإسرائيل من بلادهم، ونحن نبارك ونكبر كل دولة تحارب أميركا وإسرائيل وتقطع العلاقة معها، يكفي أنهم أعلنوا إسلامية ثورتهم، ونحن نلتقي مع الإسلام.
سؤال: ألا تعتقدون أن الذي يفجر نفسه بحاجز إسرائيلي هو من طرد إسرائيل أو شارك بطرد إسرائيل؟
جواب: نحن نعتبر أن من فجر نفسه – لإخراج إسرائيل لا للدعاية الحزبية بل لدحر إسرائيل -، ومن دمر مركز (المارينز) في بيروت، ومواقع الفرنسيين، ومركز القوات الإسرائيلية في صور، هؤلاء هم الأبطال الذين لم تسجل أسماؤهم، هؤلاء الأتقياء الأخفياء، يضربون الضربات الموجعة من دون أن يقوموا بالضجيج الإعلامي.
سؤال: حركة التوحيد فيها من هم من خارج السنة؟
جواب: لا ليس يها .. ولكن لو دخل فيها من طوائف المسلمين لما مانعنا في ذلك، وفي حزب الله مثلاً في بيروت يوجد سُنَّة وشيعة، ونحن نعتبر حزب الله جزءاً منا، وأكبر دليل على ذلك أننا كنا في وفد واحد في مفاوضات دمشق بالأمس .. كان هناك حزب الله، وأمل الإسلامية وعناصر من السفارة الإيرانية يشكلون معنا وفداً واحداً لنؤكد للمسؤولين السوريين أننا في لبنان أمة واحدة.
سؤال: هل تعتقدون(1) أن ذلك ينجح في لبنان بعد هذه الحروب المذهبية؟
جواب: هذا يخضع في الحقيقة للجهد الذي يبذل، إيران 40 مليون حكمها اليهود والأميركان، لكنها اليوم مستقلة، راعيها أب، والرعية كلهم يتعاونون على البر والتقوى وفيها مختلف الأديان، ومختلف الطوائف، وليس إلا الإسلام هو الذي وحدها.
إذن نحن نعتبر أن الإسلام هو القاسم المشترك الذي يعدل بين الجميع.
سؤال: لماذا تدخلت إيران برأيكم؟
جواب: لأنها مسلمة تحس بأوجاع المسلمين، والمسلمون كالجسد الواحد، إذا اشتكى عضو اشتكى الجسد كله) اهـ(2).
ولي على أقوال وتصريحات الشيخ سعيد شعبان الملاحظات التالية:
1- ما الذي قدمته إيران الخميني لطرابلس الشام في محنتها؟
فرغم متانة الروابط وقوة العلاقات التي تجمع بين إيران ونظام دمشق .. فقد تم الإعلان عن نجاح هذه الوساطة بعد هدم أكثر من نصف مباني المدينة وقتل وجرح الآلاف، وهروب معظم السكان.
وسئل مسؤول لجنة الوساطة: هل اختلاف وجهات النظر بينكم وبين سوريا يؤثر على العلاقات المتينة بين البلدين؟ فأجاب بالنفي القاطع لأن العلاقات بين البلدين أقوى من أن تؤثر فيها هذه الأحداث.
ومن جهة ثانية فقد فرض النظام النصيري شروطه كلها من خلال بنود الإتفاقية: كاحتلال قواته العسكرية لطرابلس وسحب السلاح منها .. وكانت أطراف اللقاء الإسلامي ترفض هذه الشروط بإصرار .. ومن مصلحة النظام السوري بعد تحقق هذه الشروط أن يوسط إيران حتى لا يتعرض لخسائر فادحة عند دخول قواته واحتلالها لأحياء المدينة .. ومن ثم فإن استمرار الجيش الغازي متعذر في طرابلس إذ وجد مقاومة مسلحة ومنظمة.
وقصارى القول فإن الوساطة لمصلحة النظامين: السوري والإيراني اللهم إلا إذا كان السوريون يشترطون قتل شعبان وأعوانه ثم تراجعوا عن هذا الشرط ولا نعتقد أن ذلك من مصلحتهم.
2- يزعم سعيد شعبان أن وفدهم في دمشق كان يضم(1) حزب الله الشيعي، وأمل – جناح الموسوي – وعناصر من السفارة الإيرانية!!
ومما لا شك فيه أن هذا الوفد العتيد تشكل بعد المذبحة التي ارتكبها الشيعة والنظام النصيري في المخيمات فماذا كان موقف أطراف هذا الوفد، وماذا قدموا للفلسطينيين!!
ومن جهة أخرى فقد قال الإيرانيون عن أنفسهم بأنهم وسطاء، وكذلك وصفتهم الدوائر السياسية والإعلامية في العالم .. فمن أين جاء أمير التوحيد بهذا الزعم؟!
ومن جهة ثالثة فقد قال مسؤول الوفد أن علاقة بلده مع سوريا أقوى من أن تهزها أحداث طرابلس، وسوريا النصيرية تذبح المسلمين في طرابلس .. ماذا تقول لسعيد شعبان بعد هذا كله؟!
3- يقول سعيد شعبان: ليس في حركة التوحيد من غير أهل السُّنة أحد: فنقول: (الشيعة لا يقبلون بغير قيادتهم، وأهل السُّنة – في نظرهم – كفار لأنهم نواصب، أما قوله: "وفي حزب الله مثلاً في بيروت سُنَّة وشيعة .. ونحن نعتبر حزب الله جزءاً منها، وهم يعتبرون أنفسهم جزءاً منا ...).
فنقول: في حزب الله سُنَّة لأنهم جهلة لا يفهمون عقيدتهم ولا يقرءون تاريخ أمتهم، وقد ابتلاهم الله بقيادة الشيخ سعيد شعبان وأمثاله.
وقد اطلعت على تصريحات زعماء الشيعة الذين يثني عليهم أمير التوحيد فوجدتها خبثاً ولؤماً، ومن الأمثلة على ذلك المقابلة التي أجرتها صحيفة القبس الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 5 نوفمبر 1985م – مع محمد حسين فضل الله وهو من أبرز زعمائهم في لبنان. وقد سئل عن أحداث طرابلس فلم يقل عبارة واحدة في تأييد شعبان وحركته أو في التنديد بالجرائم التي ارتكبها النظام النصيري في طرابلس أو في المخيمات أو في حماة.
4- لم يجد سعيد شعبان مثالاً يقدمه على عدل الإسلام ومساواته بين الناس إلا إيران الخميني فكان مما قاله: (.. راعيها – أي إيران – أب، والرعية كلهم يتعاونون على البر والتقوى وفيها مختلف الأديان، ومختلف الطوائف، وليس إلا الإسلام هو الذي وحدها).
راعيها أب، والرعية كلهم يتعاونون على البر والتقوى!! ما هذا الهراء العجيب؟! وهل يسفك الأب دماء أبناءه؟! أفلا يقرأ سعيد شعبان أو يسمع؟!
ألم يقرأ ماذا فعل الخميني برعيته؟! ألم يسمع صيحات أهل السُنَّة في إيران، وعدد الذين قتلوا منهم، وماذا يجري للمعتقلين منهم في سجونهم؟!
إن كان سعيد شعبان صاحب هوى فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإن كان جاهلاً فمن المصائب العظام أن يقود أمتنا جهلة .. وإن كان مستعداً أن يعيد النظر بقناعاته فليقرأ كتابنا الأول وغيره من الكتب التي فضحت هؤلاء الباطنيين .. بل فليقرأ تاريخ طرابلس الشام – مدينته – ومصائبها مع الرافضة والنصيريين، وزيادة على ذلك كله فنحن مستعدون أن نجمعه مع أهل السنة الذين نكبهم نظام الطاغية خميني.
رابعاً: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه:
وقع الشيخ سعيد شعبان في تناقضات كثيرة نختار منها ما يلي:
1- نحن آخر أناس يسلمون سلاحهم .. قبل أن تسلم الكتائب وقوات جنبلاط ونبيه بري، لن نسلم لأننا لن نكون العلامة الفارقة، ولأننا نعيش في غابة من السلاح والوحوش. عن وكالة كونا 29 سبتمبر 1985م.
ثم أذاع بياناً بعد الاتفاقية وطالب أعوانه بتسليم السلاح، ولم تسلم الكتائب والقوات الدرزية وقوات أمل أسلحتها.
2- وفي 27 سبتمبر 1985م اتهم سوريا بالإعداد لمجزرة، وأنها تريد سيطرة القوات السورية على طرابلس، وفي 29 سبتمبر 1985م، أي بعد يومين وصف علاقة حركته بالمسؤولين السوريين بأنها طيبة .. ثم أخذ ينادي بسيطرة القوات السورية على طرابلس.
3- صدرت عنه تصريحات يهاجم فيها ياسر عرفات ومن معهن، وكانت قد صدرت عنه تصريحات أخرى على نقيض ذلك.
وعرفات هو عرفات في انحرافه وانتهازيته ودعوته إلى دولة علمانية في فلسطين المحتلة.
4- صدرت عنه تصريحات يهاجم فيها أطرافاً من اللقاء الإسلامي، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن العميد غازي كنعان رئيس جهاز المخابرات العسكرية السورية العاملة في لبنان، أن الشيخ سعيد شعبان أبلغه أن في صفوف حركة التوحيد عناصر غير منضبطة لا ترغب في إيجاد حل لمشكلة طرابلس، أما هو فيريد التوصل إلى حل مع سوريا.
وإذا كان العميد كنعان قد افترى على شعبان كذباً فقد صدرت عن الأخير تصريحات نقلتها عدد من الصحف منها الشراع بتاريخ 21 أكتوبر 1985م وهاجم ناساً من أعوانه لأنهم كانوا لا يطيعون وكانوا معجبين بآرائهم، وارتكبوا مخالفات شرعية.
ولو لم تصدر مثل هذه التصريحات عن أمير التوحيد لكانت مثل هذه السلبيات متوقعة وغير مستغربة لأن البدايات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة.
وبعد: لقد أخطأ الشيخ سعيد شعبان عندما وضع نفسه في موضع لا يقدر عليه، وليس أهلاً له، وأخطأ عندما راح يقول اليوم ما ينقضه غداً.
وعليه أن يعيد النظر بجميع حساباته ويتق الله فيما يقوله ويفعله .. وكم نتمنى أن يتفاهم مع إخوانه أهل السُنَّة قبل التفاهم مع أهل الرفض والتقية والغدر وفي الإشارة ما يغني عن الكلم.
الفصل الخامس
المبحث الأول
الصدر والمجلس الشيعي الأعلى
ليست هذه المرة الأولى التي أكتب فيها عن شيعة لبنان وحركة أمل .. ففي كتابي الأول (وجاء دور المجوس)(1) تحدثت عن نشأة أمل، وعن تاريخ مؤسسها الرجل الغامض الإيراني موسى الصدر، وكيف منحه حكام لبنان النصارى – أقطاب النهج – الجنسية اللبنانية في وقت كانت تحجب فيه هذه الجنسية عن غير النصارى، وأمثال موسى الصدر من اللبنانيين الذين جدوا منذ عشرات السنين على أرضهم قبل ضمها إلى ما سمي (بدولة لبنان الكبير) إثر الاحتلال الفرنسي عام 1920م.
ونجح الصدر وأعوانه في عام 1969م شق المجلس الإسلامي الأعلى الذين يضم كل مسلمي لبنان وتأسيس (المجلس الشيعي الأعلى) الذي أصبح رئيسًا له.
واستفاد الصدر من التناقضات التي تعج بها الساحة اللبنانية، فارتبط في بداية طريقه مع زعماء النصارى في لبنان – الشهاديين -، ثم تحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية، ورفع شعار تحرير فلسطين، وقدمت له المنظمة مقابل ذلك المال والسلاح وقامت بتدريب عناصر أمل عند بداية تأسيسها .. وتنكر الصدر لوعوده وعهوده عندما وقع الصدام بين النظام النصيري من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية والقوات الوطنية اللبنانية من جهة أخرى، ولعل هذا الأمر من أهم الأسباب التي دعت النظام الليبي إلى قتله أو احتجازه في 31 أغسطس 1978م ومعه الشيخ محمد شحادة ويعقوب والصحفي الشيعي عباس بدر الدين صاحب وكالة أخبار لبنان.
وفي هذا الفصل سأعود من جديد إلى الحديث عن شيعة لبنان وحركة أمل وظاهرة الصدر لأعرض أدلة أخرى تؤكد صحة النتائج التي توصلت إليها قبل بضع سنين، وسوف أجيب على عدد من الأسئلة التي يكثر طرحها.
كلام مهم لكامل الأسعد:
كامل الأسعد أحد زعماء الشيعة التقليديين في لبنان، وقد ترأس المجلس النيابي اللبناني مدة طويلة من الزمن، وله في المجلس كتلة عدد أعضائها تسعة، وورث زعامة الطائفة عن أبيه، ونجح في تقديم خدمات جلى لأبناء طائفته .. وقد أجرت مجلة الحوادث اللبنانية مقابلة مع كامل الأسعد في عددها بتاريخ (3 يناير 1975م) تحدثت فيها عن خلافه مع موسى الصدر، وكان مما قاله:
(سأتحدث أولاً عن علاقاتي بالسيد موسى الصدر، هذه العلاقات مرت بثلاث مراحل: مرحلة العهد السابق – عهد الرئيس حلو -، ومرحلة الفترة الأولى من العهد الحالي، والمرحلة الأخيرة.
ففي أثناء العهد السابق، الذي تلا العهد الشهابي، أبدى أقطاب النهج، الذين كانوا وراء مطالب إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، تحبيذهم لتعيين السيد موسى الصدر رئيسًا للمجلس. والسيد موسى الصدر يعرف والنواب الشيعة، أنه لو كانت كتلة الأعضاء التسعة التي انتمى إليها، لم تؤيد فكرة إنشاء هذا المجلس، لما كان أنشئ أصلاً، ولما أصبح السيد موسى الصدر رئيسه. ولكني وافقت على إنشاء المجلس وتعيين السيد موسى الصدر رئيسًا له، على الرغم من التحذيرات التي تلقيتها من عدد من الأصدقاء وعدة مصادر، بأن وراء هذا التعيين خطة لمحاربتي شخصيًا على صعيد الجنوب وعلى مستوى الطائفة الشيعية أيضًا.
وقد قبلت تلك المخاطرة لأني كنت مقتنعًا بأن تلك الفرصة المواتية لإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لن تتكرر.
والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر، خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات، تابعًا للعهد ولزعمائه.
والجميع يذكر موقف العهد بإزاء الشيعة بوجه عام، وجنوب لبنان بوجه خاص. كانت هناك مؤامرة على الجنوب كل يوم: تجميد مشروع الليطاني، محاولات للتفرقة بين الفلسطينيين واللبناني، وإرهاب فكري ونفساني للمواطنين في كل ما يفعلون. واقتصرت حركة موسى الصدر وقئتذٍ على الدعوة إلى الإضراب.
ووجه نداء من بيروت داعيًا أهالي الجنوب إلى احتلال القصور في العاصمة.
ولا حاجة إلى إيضاح العواقب التي كانت تترتب على تلك الدعوة لو أن أهالي الجنوب هاجروا فعلاً إلى بيروت ليحتلوا القصور والشوارع، وتحولوا إلى لاجئين فعلاً في العاصمة.
والعجيب أنه في ذلك اليوم بالذات، أخذ التليفزيون، الذي هو مؤسسة حكومية رسمية، على عاتقه إذاعة نداء الإمام إلى التظاهرة).
ويتساءل كامل الأسعد فيقول: (والآن ماذا يريد السيد موسى الصدر؟!.
لقد عرض لائحة بالمطالب. وكان أهم مطلبين فيها:
1- تأمين العدالة للطائفة الشيعية بشأن الوظائف العامة.
2- تنفيذ مشروع الليطاني.
المطلب الأول: تم تحقيقه خلال التعيينات الأخيرة، وأصبحت المناصب المعطاة لأبناء الطائفة الشيعية متناسبة وعددهم. أما فيما يتعلق بالمطلب الثاني [أي مشروع الليطاني] فقد كنا نحن، وليس هو، من لاحق المشروع من أجل تنفيذه. ولن نسمح أبدًا بأن يؤخر تنفيذه أكثر مما أخر.
فالاعتمادات متوافرة، والمسح الجوي للأرض ستتولاه إحدى الشركات أو الجيش.
وقد طرحت دراسة النفق الرئيسي والقناة في مناطق عامة، وحدد حزيران سنة 1975م موعدًا لبداية العمل فماذا يبقى من مطالب الإمام؟!.
التنقيب عن النفط؟ هل هناك نفط في الجنوب للتنقيب عنه؟).
وسئل الأسعد عن مدى قوة التيار الذي يمثله الصدر في لبنان، فأجاب بقوله: (إن قوته ليست مستمدة من مركزه كرجل دين. فلا يهم أن يعتمر العمة أم لا. إن قوته مصدرها المال الذي يبعث به المهاجرون إلى المجلس الشيعي الأعلى والمعونة المالية التي تقدمها الدولة إلى المجلس. فهو ينفق هذا المال في شراء الرجال واستقطابهم. وقوته تأتي أيضًا من قدرته على تجميع المعارضة في الجنوب وحشدها في عمل موحد ضدي كما فعلت عائلتا عسيران والزين عندما اتحدتا ضدي أثناء انتخابات النبطية.
إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا وفي الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج). انتهى كلام الأسعد.
أقوال الأسعد في الميزان
1- ماذا يريد النصارى من إنشاء المجلس الشيعي الأعلى؟!
يقول الأسعد بأن أقطاب النهج النصارى كانوا وراء مطلب إنشاء المجلس الشيعي الأعلى!! وإنشاء هذا المجلي يعني شق الصف الإسلامي رسميًا لأول مرة في تاريخ لبنان الحديث.
ويعترف الأسعد أيضًا بأن النصارى كانوا وراء تعيين موسى الصدر رئيسًا لهذا المجلس. ومما يجدر ذكره أن أقطاب النهج النصارى كانوا – ولا يزالون – من ألد أعداء الإسلامي والمسلمين، وكانوا يتعاونون مع الشيطان من أجل تمزيق الصف الإسلامي.. فكيف نجمع بين دعمهم لموسى الصدر وبين قول السذج من قيادات أهل السنة:
لقد كان الصدر مخلصًا، وكان من دعاة التقريب بين السنة والشيعة، وكانت له علاقات وثيقة مع علماء أهل السنة.
وكامل الأسعد – مع اعترافه بأن أقطاب النهج النصارى كانوا وراء هذا المجلس – لا يتبرأ من إنشاء المجلس الشيعي الأعلى وإنما يؤكد بأنه كان من الداعين له لأن في إنشائه مصلحة للطائفة، ومصالح الطائفة فوق خلافاته مع الصدر وغيره. وهذا هو مصدر القوة في تصريح رئيس المجلس النيابي اللبناني السابق.
2- تعاون الرافضة مع الموازنة:
ويقول الأسعد: (والجميع يذكر كيف كان السيد موسى الصدر، خلال تلك الفترة التي امتدت عدة سنوات، تابعًا للعهد ولزعمائه ..).
وقد صدق الأسعد فيما قالعه وردده مرات ومرات، ولكن هل كان الصدر نشازًا في تاريخ الشيعة الحديث؟!.
لا لم يكن نشازًا فالرئيس كامل الأسعد من المتعاونين مع الموازنة، وكذلك كان أبو أحمد الأسعد، وصبري حمادة في الشمال، وكاظم الخليل في الجنوب وكذلك كان غيرهم من زعماء ونواب الرافضة في لبنان.
ومن يقرأ التاريخ يدرك عمق الروابط بين الرافضة والموازنة، وبشكل أخص في الحروب الصليبية، وفي ظلال استعمار فرنسا لبلاد الشام.
وتكشفت لكل ذي بصيرة علاقات المحامي نبيه بري – تلميذ الصدر – مع الموازنة، ويقوم النظام النصيري في دمشق نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتوزيع الأدوار بين الشيعة والموازنة والدروز، وسوف يأتينا بالأخبار من لم نزود عن أبعاد المؤامرة وفضائح حركة أمل.
3- جنوب بيروت للشيعة أم للسنة؟!
قال الأسعد: (إن الصدر وجه نداءً من بيروت داعيًا أهالي الجنوب إلى احتلال القصور في العاصمة.. والعجيب أنه في ذلك اليوم بالذات، أخذ التلفزيون، الذي هو مؤسسة حكومية رسمية، على عاتقه إذاعة نداء الإمام إلى التظاهر).
ونحن نختلف مع الأسعد في تفسيره لنداء الصدر، وإن كنا نشاركه في تعجبه من موقف السلطة اللبنانية.
والذي حدث أن عددًا كبيرًا جدًا من شيعة الجنوب قد احتلوا المباني والقصور .. ولكن في مناطق أهل السنة وفي ضواحي بيروت الجنوبية بالذات..
ومما ينبغي التأكيد عليه أن بيروت من مدن أهل السنة المشهورة، وغير السنة دخلاء على المدينة، وازدادت هجرة الشيعة إلى بيروت في الستينات، وسكنوا في ضواحي العاصمة الجنوبية بعدما نشأت فيها مؤسسات صناعية جديدة، وكان العمال الفلسطينيون قد سكنوا هذه المناطق بعد عام 1948م، كما سكنها العمال السوريون، وأطلق عليها فيما بعد (حزام البؤدس). وتتألف الضاحية الجنوبية من المناطق التالية:
الشياح، الغبيري، حارة حريك، بئر العبد، برج البراجنة، حي السلم، الليلكي، صحراء، الشويفات، الأوزاعي.
ويغلب على ظني أن استيطان الشيعة في بيروت في الستينات وقبها كان عفويًا، أما بعد الستينات فكانت أهدافهم واضحة، وكان موسى الصدر مهندس هذه الخطة ومن ورائه النهج النصراني، ومن الأدلة على ذلك أن العمال والموظفين القادمين من الجنوب والبقاع والشمال كانوا يبنون منازلهم في جنوب بيروت على أملاك الغير، وكان ذلك يحدث تحت سمع السلطة وبصرها، بل وكان أصحاب الأراضي من أهل السنة يطالبون الأجهزة المسئولة بوضع حدٍ لهذا العبث، ورغم ذلك فالسلطة تترك قطاع الطرق يفعلون ما يشاءون .. ولو كان هذا الذي يحدث في بيروت الشرقية أو في أي منطقة من مناطق النصارى لما صمت قادة الموازنة لحظة واحدة.
وتضاعفت هجرة الشيعة خلال الحرب اللبنانية أضعافًا مضاعفة، واحتلوا المنازل والشقق والقصور كما أمرهم إمامهم، والسلطة تحرضهم وتشجعهم على مثل هذه الأفعال الشنيعة.
وهكذا قامت أحياء في الضاحية الجنوبية وكأنها أحياء متقطعة من بعلبك، أو أحياء أخرى وكأنها متقطعة من صور أو النبطية، وفي هذا الحي يقطن نبيه بري، وفي ذاك الحي حسين الحسيني رئيس المجلس النيابي وأمين عام منظمة أمل سابقًا، وفي الحي الثالث عبد الأمير قبلان المفتي الجعفري الممتاز.
ويضاف إلى ما سبق ذكره أن المغتربين الشيعة الذين يعملون في الخليج أو إفريقيا أو الأمريكتين راحوا يشترون الأراضي في بيروت، ويقيمون المؤسسات والمشاريع الاقتصادية في العاصمة، وأصبحوا من أصحاب الفاعليات الاقتصادية فيها.
وعندما سأل الصحفيون نبيه بري عن الأسباب التي دفعته إلى احتلال بيروت الغربية أجاب: (بيروت الغربية عاصمة لبنان وملك لجميع المواطنين وليست حكرًا على أهل السنة).
ومن المؤسف بعد هذا كله أن تصور أجهزة الإعلام المحلية والعالمية تصور جنوبي بيروت وكأنه ملك الشيعة منذ بضعة قرون، وتصور الفلسطينيين وكأنهم قطاع طرق مع أنهم أقدم من الشيعة في هذه الأحياء والمخيمات ولعبوا دورًا مهمًا في تطور مدينة بيروت بل في تطور لبنان كله.
حقاً إن الزحف الشيعي على بيروت يذكرني بالزحف النصيري على طرابلس والساحل السوري وحمص ودمشق، كما يذكرني بابتلاع إيران لشرقي الخليج العربي وابتلاع اليهود لفلسطين، والنصارى للأندلس وما أكثر المصائب والمآسي في عالمنا الإسلامي.
4- ما لم يصرح به الأسعد:
سئل الأسعد عن مدى قوة التيار الذي يمثله الصدر في لبنان. فأجاب: (.. إن قوة الصدر مصدرها المال الذي يبعث به المهاجرون إلى المجلس الشيعي الأعلى، والمعونة المالية التي تقدمها الدولة إلى المجلس)..
وليس فيما قاله الأسعد جديد، وأنشطة الصدر ونفقات مؤسساته كانت تتجاوز مثل هذه المساعدات.. غير أن الأسعد يقترب من الحقيقة بعض الشيء في قوله: (إن هناك أكثر من علامة استفهام تدور حول الخطة التي ينفذها السيد موسى الصدر والأشخاص الذين يؤيدونه هنا وفي الخارج، وأبعاد هذه الخطة في لبنان والخارج). اهـ.
ولا أعتقد أن الأسعد لا يعلم أبعاد الخطة التي ينفذها الصدر ولا المصادر التي تموله فليبيا نشرت قليلاً عن هذه المساعدات [انظر كتابنا الأول ص454]، ونشرت الصحف بعد اختفاء الصدر شيئًا عن مقدار المساعدات التي قدمتها ليبيا لشيعة لبنان، ناهيكم عن مساعدات منظمة التحرير، وقادة الدولة اللبنانية من الموازنة، وقد نشرت صحف لبنان بعض أخبار هذه المساعدات عندما قام الصدر بتسليم حي النبعة للكتائب.
وقصارى القول لم يقل الأسعد كل ما عنده من معلومات عن الصدر رغم أهمية ما أفضى به.
المبحث الثاني
نظرات في مواقف قادة أمل وتصوراتهم
1- حركة أمل تدعو إلى العلمانية:
قال المحامي نبيه بري: (إن حركة أمل ليست حركة دينية، وميثاق الحركة الذي تمت صياغته في عام 1975م، من قبل 180 مثقفًا لبنانيًا، معظمهم من المسيحيين، يدعو إلى إلغاء النظام الطائفي في البلاد وإلى المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز.
ومؤسس الحركة الإمام موسى الصدر، لم يكف عن تكرار أنه تم تأسيس حركته للدفاع عن الطبقات المحرومة).
ووجهت الصحيفة إلى نبيه بري السؤال التالي: لكن بتأييدك لإقامة نظام حكم متحرر من الطابع الطائفي، ألا تخاطر بمواجهة ثورة من قبل زعمائكم الدينيين؟!
فأجاب: (لا لأنهم لا يستطيعون أن يدعوا أنهم ملكيون أكثر من الملك، أو أنهم مسلمون أكثر من الإمام موسى الصدر .. وعندما ندعو إلى العلمانية فنحن نراعي حساسية المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وهذا لا يعني على سبيل المثال أننا سنفرض الزواج المدني.. ويجب أن يصدر قانون لمنح فرصة للزواج الديني أيضًا لجميع المواطنين..)(1).
وصدق بري فيما نسبه إلى موسى الصدر، قال الأخير في المهرجان الكبير الذي عقد في الأسبوع الأخير من شهر مارس 1975م: (لأننا نريد أن يبقى لبنان طنًا لجميع أبنائه، ولأننا أقسمنا اليمين أربع مرات بألا نهدأ طالما يوجد في لبنان محروم، شيعيًا كان أم غير شيعي، تصرفنا بحكمة ومرونة وحزم ودقة، وما قطعنا طلب الحوار لحظة واحدة ولا سحبنا يد التعاون ولا أغمضنا عين الواقعية خلال هذه المرحلة)(2).
وقد عدت إلى ميثاق أمل الذي وضعه الصدر وغيره من المثقفين فوجدت أنه ورد التأكيد فيه على أن حركة أمل ليست طائفية، ولا تهدف إلا تحقيق مكاسب فئوية، بل هي حركة المحرومين جميعًا .. وجاء الميثاق خاليًا من المعاني الإسلامية التي تدعو إلى وجوب تحكيم شريعة الله في لبنان.
وفي قوله بري [وميثاق الحركة الذي تمت صياغته في عام 1975م، من قبل 180 مثقفًا لبنانيًا، معظمهم من المسيحيين] دليل على أن نصارى لبنان كان لهم دور بارز في تأسيس حركة أمل كما كان لهم دور في تأسيس المجلس الشيعي الأعلى.
ومن جهة أخرى ففي صفوف أمل عناصر كثيرة ليست متدينة وعلى رأسهم أمينها العام نبيه بري، ورغم ذلك فحركة أمل طائفية شيعية، وهي ليست لجميع المحرومين كما زعم الصدر وأعوانه من قادة الحركة .. والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف نجمع بين طائفية الحركة ووجود بعض العلمانيين في قيادتها؟!.
وقد أجبنا على هذا السؤال في موضعين من كتابنا الأول:
الموضع الأول في المبحث الأول من الباب الثالث (أصول لابد من معرفتها).
والموضع الثاني عند حديثي عن بازركان، وقطب زاده، وبني صدر.
وفي نهاية هذا الفصل سأعود إلى الجواب على هذا السؤال بشيء من الإيجاز إن شاء الله.
2- أمل والقضية الفلسطينية:
جاء في ميثاق أمل – أي دستور الحركة -: (6- فلسطين، الأرض المقدسة التي تعرضت، ولما تزل، لكل أنواع الظلم، هي في قلب حركتنا وعقلها، وأن السعي إلى تحريرها أول واجباتنا وأن الوقوف إلى جانب شعبها وصون مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها، خصوصًا أن الصهيونية تشكل الخطر الفعلي والمستقبلي على لبنان، وعلى القيم التي نؤمن بها وعلى الإنسانية جمعاءٍ، وأنها ترى في لبنان – بتعايش الطوائف فيه – تحديًا دائمًا لها ومنافسًا قويًا لكيانها)(1).
وفي السادس من سبتمبر 1975م حدد الصدر أهداف حمل السلاح في قوله الذي نشرته الصحف: (إن على أبناء الطائفة أن يحملوا السلاح في مواجهة ثلاثة احتمالات هي: تصفية المقاومة، التقسيم، واحتلال الجنوب).
وبعد مرور بضعة أشهر على هذا التصريح كان الصدر يهاجم منظمة التحرير ويتهمها بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وفي طليعتها النظام اللبناني، ودعا الأنظمة العربية إلى مواجهة ما أسماه بالخطر الفلسطيني .. ولم يقف عند هذا الحد إنما تجاوزه بكل لؤم وخبث وناصر النظام النصيري ونصارى لبنان ضد المسلمين في لبنان(1).
وبعد قليل من الزمن تناسى الفلسطينيون غدر (أمل) وخيانتها، واعتبروا اختفاء الصدر عام 1978م مؤامرة إسرائيلية ضد زعيم وطني ناصر القضية الفلسطينية .. وراح قادة أمل يضللون الفلسطينيين من جديد، سئل النائب حسين الحسيني أمين عام حركة أمل في 18 فبراير 1980م عن علاقات أمل بمنظمة التحرير فأجاب: (الذين ينظرون إلى أوضاع الجنوب من بعيد، يراهنون على صدام جنوبي – فلسطيني لعدم توفر المعلومات الدقيقة والعميقة عن حقيقة الوضع، فالجنوبي قد أعطى القضية الفلسطينية كل ما عنده، حتى كاد أن يكون العربي الوحيد في كل هذا العالم العربي، وعطاء الجنوبي ينطلق من قناعته وتبنيه للقضية الفلسطينية سواء أكان هناك شعب فلسطيني ومقاومة فلسطينية أولم يكن فالجنوبي يعتقد بوجوب تحرير الأرض الفلسطينية المقدسة كما يعتقد بحتمية زوال إسرائيل، وهذا ما أكدته حركة أمل مرارًا بل أكثر من ذلك فإنه إذا كان في المقاومة الفلسطينية من يعتقد بإمكانية قيان وطن قومي فلسطيني على جزء من أرض فلسطين وهذا ما تسعى المحافل الدولية إليه، فإننا لا نعتقد بصواب هذا الرأي لأن أي صلح مع إسرائيل ومهما تعددت الجهات التي ترضى به، ليس من شأنه أن يبدل وصف الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية وطالما هناك استحالة تبديل الوصف فإن إسرائيل زائلة حتمًا، ولا يلزم العرب المسلمين أي توقيع مهما كانت أهمية الجهة التي توقع)(2).
وعندما أصبح المحامي نبيه بري أمينًا عامًا لحركة أمل ظن الفلسطينيون أنهم حققوا انتصارًا رائعًا في لبنان لأن بري – على حد زعمهم – وطني قومي تقدمي، وكتبوا عشرات المقالات في الثناء عليه والإشادة به، وراح بري من جهته يطلق التصريحات الثورية التي تندد بإسرائيل وعملائها في لبنان وتدعو إلى عمل وطني موحد.
سئل بري عن موقفه من القضية الفلسطينية فأجاب بما يلي: (جاء في الميثاق الأساسي لحركة أمل: على العنصر الذي سينضم لحركة أمل، أن يحفظ الشعب الفلسطيني، وأن يقدس مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يعتبر تحرير الأرض الفلسطينية واجبًا دينيًا وطنيًا عليه)(1).
ومما يجدر ذكره أن هذا التصريح جاء بعد معركة جرت بين حركة أمل ومنظمة فتح وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى.
وعند الاجتياح الإسرائيلي للبنان صنعت منظمة التحرير من بري بطلاً، وكان في طليعة الذين ودعوا ياسر عرفات وزملائه عند مغادرتهم بيروت.
وبعد خروج المنظمة من بيروت بدأ نبيه بري يُعلن عن مواقف أخرى مناقضة للأولى ولم يذكر الأسباب التي دعته إلى تغيير مواقفه من القضية الفلسطينية ومن أصدقائه في منظمة التحرير ومن ذلك قوله:
(إن على القضية الفلسطينية تفهم الواقع الجديد وهم مضطرون اليوم لقبول كل ما يؤدي إلى التصفية النهائية لقضيتهم)(2).
ثم توالت تصريحات بري: فتحرير فلسطين قضية عربية وليست قضية لبنانية، ولا يجوز استخدام الجنوب لهذا الغرض، ومنظمة أمل مسئولة عن حفظ للأمن في الجنوب.
ولا يجوز تسلل الفلسطينيين المقاتلين إلى بيروت أو الجنوب لأنهم من أنصار ياسر عرفات العميل وداعية الاستسلام للعدو الصهيوني، وأصبح عرفات ذريعة لمنع كل فلسطيني مقاتل من العودة إلى بيروت والجنوب ولو كان من المنتسبين لما يسمى بجبهة الإنقاذ.
ومن شاء من الفلسطينيين زيارة أهله وذويه في مخيمات بيروت عليه أن لا يحمل أسلحة، وأن يرتدي ملابس مدنية، ويحصل على تصريح من أمل يسمح له بموجبه في البقاء في العاصمة مدة تتراوح بين يومين وشهر .. ورغم كل القيود التي فرضتها أمل على الفلسطينيين في الجنوب فقد تم منع كبار قادة جبهة الإنقاذ من دخول بيروت أمثال (أبي صالح)، و(أبي موسى) وأحمد جبريل(1).
وكان العدوان على المخيمات وما رافقه من حقد ووحشية آخر مواقف بري وحركته التي تحدثنا عنا في هذا الكتاب.
3- التعاون اليهودي الشيعي:
تعاون الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان حقيقة ثابتة وليس أسطورة: اخترعها خصوم الرافضة.
لقد تحدثت الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية عن هذا التعاون، ولمسه المسلمون والنصارى في الجنوب لمس اليد، واعترف به الطوفان: الشيعي واليهودي. اعترف به اليهود عبر أجهزة الإعلام، واعترف به الشيعة من خلال تبادل الاتهامات فيما بينهم.
فزعيم منظمة أمل الإسلامية حسين الموسوي اتهم حركة أمل – بري – بالتعاون مع العدو الصهيوني، في خطاب ألقاه في يوم القدس في بعلبك يوم 19 يوليو 1982م(2).
وسئل نبيه بري عن الجيش الشيعي الذي أنشأه اليهود في الجنوب فأجاب: (محاولات إنشاء جيوش .. وخاصة [الجيش الشيعي] الذي هو أبعد ما يكون عن الإسلام والشيعة تحت ذريعة وجود القوات اللبنانية).
وسئل عن موقف حركته من هذا الجيش فأجاب: (سنقاوم ما يسمى بالجيش الشيعي وسنقاوم كل محاولة لإقامة كانتونات طائفية أو دويلات)(3).
والصحيفة التي أجرت لقاءً مع بري كانت تعلم بأن الجيش الشيعي الجنوبي فصيلة من فصائل أمل كما صرح بذلك حسين الموسوي، وما كانت الصحيفة تنتظر من بري الاعتراف بتعاون حركته مع العدو الصهيوني، ولكنها أرادت تسليط الأضواء على المشكلة من كافة جوانبها .. وحسبنا هنا أن نبيه بري وحسين الموسوي لم ينكرا تعاون العدو الصهيوني مع الشيعة في الجنوب .. وإذا كان هذا التعاون قديمًا فسوف نذكر فيما يلي شواهد جرت بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982م.
- نشرت مجلة (الأيكونومست) البريطانية في عددها الصادر في نهاية الشهر السابع من عام 1982م أن 2000 مقاتل من عناصر أمل الشيعية انضمت من قوات مليشيا سعد حداد، وتوقعت المجلة أن ينضم عدد أكبر منهم إلى الحرس الوطني) الذي ترعاه إسرائيل في جنوب لبنان.
- وقالت وكالة رويترز في تقرير لها من النبطية في 1 يوليو 1982م أن القوات الصهيونية.، التي احتلت البلدة سمحت لمنظمة أمل بأن تحتفظ المليشيات الخاصة التابعة لها، وبحمل جميع ما لديها من أسلحة.
وصرح أحد قادة مليشيا منظمة أمل ويدعى حسن مصطفى أن هذه الأسلحة ستستخدم في الدفاع عنا ضد الفلسطينيين.
وبعد أن أعلنت إسرائيل عن عزمها على الانسحاب من لبنان ضاعفت منظمة أمل من مطاردتها للقوات الفلسطينية في بيروت الغربية والجنوبية وفي جنوب لبنان، وكانت ادعاءات إسرائيل ضد منظمة التحرير تشبه ادعاءات أمل فهل تتم مثل هذه الأمور بشكل عفوي بين الطرفين؟!.
- تجيبنا على هذا السؤال صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ 23 مايو 1985م: (إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة خالية من أي هجمات ضد إسرائيل.
إن إسرائيل ترددت حتى الآن في تسليم أمل مهمة الحفاظ على الأمن والقانون على الحدود بين فلسطين ولبنان، وإن الوقت حان لأن تعهد إسرائيل إلى أمل بهذه المهمة).
كما يجيبنا على هذا السؤال رئيس الاستخبارات العسكرية اليهودية – أهود براك – حيث يقول: (إنه على ثقة تامة من أن [أمل] ستكون الجبهة الوحيدة المهيمنة في منطقة الجنوب اللبناني، وأنها ستمنع رجال المنظمات والقوى الوطنية اللبنانية من التواجد في الجنوب والعمل ضد الأهداف الإسرائيلية)(1).
- ويجيبنا على السؤال أيضًا وزير الخارجية السويدي [بيير أوبيرت] الذي أكد في جنيف في24 يونيو 1985م أنه نقل رسالة من رئيس حركة أمل نبيه بري إلى القيادة الإسرائيلية.
ونسبت وكالة الأنباء الكويتية [لأوبيرت] قوله للصحفيين: إن تبادل الرسائل بين رئيس حركة أمل والقادة الإسرائيليين جرى يوم الجمعة الماضي – أي في 21 يونيو – إلا أنه رفض إعطاء تفاصيل أخرى(1).
- ونختم حديثنا عن التعاون بين العدو الصهيوني وحركة أمل بنقل فقرات من المقابلة التي أجرتها مجلة الأسبوع العربي في عددها 24 أكتوبر 1983م مع [حيدر الدايخ] أحد قادة حركة أمل في الجنوب.
قالت المجلة: وصلنا إلى معسكر حيدر الرايخ الذي أقيم عند مدخله حاجز كان يوقف السيارات ويدقق في الهويات، وكانت عناصره ترتدي الثياب العسكرية وتحمل أسلحة [الكلاشنكوف]، بعضهم لم يتجاوز العشرين من عمره، وبعضهم الآخر أطلق لحيته، فأدركت عندئذٍ أن هذه العناصر هي من أفراد الجيش الشيعي وأن إسرائيل هي التي تدربهم خصوصًا عندما شاهدت على بعد أمتار قليلة من المركز الذي نصبت فيه ست خيمات، [فيللا] فخمة يتمركز فيها الإسرائيليون بعد أن اتخذوها مقرًا لهم، وكان أحد الإسرائيليين بين الحين والآخر يرفع منظاره إلى عينيه ويحدق في الوجوه الباردة بفعل الأمطار المتساقطة، وإلى الجنوب معسكرًا آخر تابع للقوات الفرنسية كان أحد أفرادها هو الآخر يراقب بمنظاره جماعة [الدايخ] والإسرائيليين.
اقتربنا من حيدر الدايخ، إنه شاب أشقر لم يتجاوز الأربعين من عمره يلبس الثياب العسكرية، ويضع في وسطه المزنر بالرصاص مسدسًا.
ويصف الصحفي [جوزف فرج] ثكنة الجيش الشيعي فيقول: (وفي وسطها رفع العلم اللبناني، بينما كان أحد العناصر يقوم بإصلاح إحدى السيارات العسكرية الموجودة في الثكنة إلى جانب عدد آخر منها، وقد كتب على إحداها قوات كربلاء، وسألنا حيدر عن سبب التسمية فقال: موقعة كربلاء لها مدلولات كثيرة بنظري. هي مأساة الإمام الحسين الذي اشتهر بمحاربة الظلم، ونحن نحارب الظلم، برأيي أن لبنان كله يمر بكربلاء حاليًا، لأن موقف لبنان مثل موقف الحسين بكربلاء، أعداء الإمام كثيرين والأصدقاء تخلوا عنه، هكذا لبنان، لذلك نسترشد بالإمام الحسين ونمشي على خطاه.
وسأل الصحفي خليل عيساوي – أحد عساكر الدايخ – عن سبب حمله السلاح، فأجاب: (إن سبب حملي السلاح يعود إلى المخاطر التي تتعرض لها الطائفة الشيعية وإلى التفتت الذي قد يعترضها في المستقبل).
وسأل الصحفي قائد الثكنة [حيدر الدايخ]: هل تعتبر أن تسميتكم الجيش الشيعي تعود إلى أن عناصركم هي من الطائفة الشيعية؟!.
الدايخ: نحن في منطقة شيعية، وجميع عناصري (أولاد الجنوب اللبناني) هم من الطائفة الشيعية، لكن هذا لا يعني أننا طائفيون، بل ليس لدينا أي بعد أو تفكير طائفي، يا أخي، إذا كنا شيعة، ماذا نفعل هل نغير هويتنا، هل نغير طائفتنا كي نرضي بعض الناس؟ نحن لا يمكن أن نتخلى عن هذه الهوية ولا يمكن أن ننكر بأننا إسلام.
الأسبوع العربي: ما رأيك بالتعليقات السياسية التي صدرت وتندد بإنشاء الجيش الشيعي في الجنوب؟!.
الدايخ: أولاً نحن (مش قد السياسيين) ولا نعمل في السياسة، ولا نهتم بما يقال عنا من السياسيين، والتاريخ اللبناني سيحاسب وأعتقد أن حساب هؤلاء السياسيين سيكون عسيرًا لأنهم هم الذين أوصلونا إلى هذه الحالة المتردية، وليس الشعب اللبناني، واتفاقية القاهرة التي بموجبها منح الفلسطينيون أرضًا لبنانية من وقعها؟! إنهم هؤلاء السياسيون وليس أولاد الجنوب والشمال أو أولاد بيروت.
إذن لنترك التاريخ يحاسب الناس التي أخطأت بحق لبنان.
ويؤكد الدايخ مرة أخرى فيقول: (كل الناس تعلم والحكومة أيضًا بأننا نحمل السلاح منذ بداية الأحداث وخضنا المعارك ضد الإرهاب الفلسطيني وضد التجاوزات التي كانت تحصل في الجنوب).
ويثني على إسرائيل فيقول: (.. كنا نحمل السلاح قبل دخول إسرائيل إلى الجنوب، ومع ذلك فإنها فتحت لنا يدها وأحبت أن تساعدنا، فقامت باقتلاع الإرهاب الفلسطيني من الجنوب وغيره ولن نستطيع أن نرد لها الجميل ولن نطلب منها أي شيء لكي لا نكون عبئًا عليها).
وعن الرائد سعد حداد قال: (أحب أن أقول بأن الرائد سعد حداد هو إنسان لبناني يحمل الهوية اللبنانية ونكن له كل احترام وتقدير [ويا ريت كل الرواد في الجيش اللبناني مثل الرائد حداد] لأنهم لو عملوا عمل حداد لما كان بقى غريب على أرض لبنان. وأتساءل هل يعتبر عميلاً الإنسان الذي يحمي بلده، إذا كان هذا هو مفهوم العمالة فإنني أول عميل من أجل حماية وطني، العمالة تكون لأولئك الذين باعوا وطنهم للغرباء).
الأسبوع العربي: كيف تصف العلاقة بينكم وبين حركة أمل الشيعية؟!
الدايخ: أنا كشيعي، أؤمن بأن حركة أمل هي الممثل الوحيد للطائفة الشيعية، وأؤمن بأن توجهات حركة أمل ليست توجهات طائفية. لأن الإمام موسى الصدر الذي أنشأها كان ينصر المحرومين، جميع المحرومين، وعلى أية حال، حركة أمل ليست حاجة إلى شهادة حسن سلوك من حيدر الدايخ أو غيره، إنما كشيعي أحاول أن أعبر عن رأيي في حركة أمل التي لها ظروفها في أن تقف المواقف التي تقفها حاليًا، ولكن عتبي على بعض المسئولين فيها الذين يصفوننا بأننا أناس عاطلون عن العمل، هوايتنا حمل السلاح والتعاون مع إسرائيل وخلق فتنة في الجنوب، وإنني آسف أن يكونوا نسوا ما فعله هؤلاء الشبان وحيدر الدايخ بالذات من أجل حركة (أمل) وهذا ليس بمنة لأننا أولاد طائفة واحدة وعلينا أن نساعد بعضنا البعض ونحترم بعضنا البعض، والأيام ستعطي كل إنسان حقه، علمًا بأن كل شبابي هم من حركة (أمل)، يجب أن تتوقف هذه المهاترات، ساعة يقولون عنا أننا مرتزقة أو منشقون عن (أمل) أو جيش شيعي، المهم قناعتنا التي لن تتغير نحن أولاد الجنوب الذين يدافعون عن وطنهم وحياتهم وأرزاقهم وإيماننا بأرضنا ووطننا ورئيسنا.
الأسبوع العربي: ما رأيك كانتون شيعي في الجنوب؟!
الدايخ: نحن كأولاد الجنوب لا نرضى عن الدولة بديلاً وشعارنا رفع الظلم والحرمان عن المواطنين، ونرفض أي كانتون على الأرض اللبنانية، إن كان شيعيًا أو درزيًا أو مارونيًا. انتهت الأقوال التي اخترناها من المقابلة الصحفية مع قائد الجيش الشيعي حيدر الدايخ.
وأول ما يلفت النظر ما زعمه (الدايخ) عن إقتدائه بالحسين t الذي اشتهر بمحاربة الظلم .. ثم يشن هجومًا شديدًا على الفلسطينيين في عدة مواضع من المقابلة في الوقت نفسه الذي يطنب في الثناء على سعد حداد وعلى القوات الإسرائيلية .. إن الحسين t بريء من هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادًا.
نعم إن ابن بنت رسول الله r بريء من هؤلاء العملاء المجرمين الذين يوالون أعداء الله اليهود.
ومن جهة أخرى فأقوال الدايخ لا تتعارض مع تصريحات بري وغيره من قادة أمل، فهو يزعم أن جيشه ليس شيعيًا، وأنهم ليسوا من دعاة الطائفية والكانتونات.. ويسعون من أجل عودة الشرعية وسعادة المحرومين والبائسين.
وعندما سئل المجرم دايخ عن أعداد أفراده أجاب بأن عدد النظاميين سيصبح 500 بعد انتهاء مدة الدورة .. وقال أيضًا: الجنوب كله سيهب إلى مناصرتنا إذا تعرضنا لأي مشكلة أمنية.
ومن جهة ثالثة فيقول الدايخ بكل وضوح وصراحة: إن كل شبابي هم من حركة أمل.
* * *
وإذن: لقد ثبت لكل منصف بعد هذه الشواهد التي عرضتها أن شيعة الجنوب وحركة أمل بالذات متورطون مع العدو الصهيوني، وليس في ذلك غرابة لأن تاريخهم يعيد نفسه.
4- أضواء على شخصية نبيه بري:
أصبح نبيه بري – فجأة – من أبرز الذين يصنعون القرار في لبنان المنكوب، واستحوذ أمين عام حركة أمل على اهتمام أجهزة الإعلام المحلية والعالمية.
فكيف أصبح بري زعيمًا لشيعة لبنان مع أنه ليس عالمًا كبيرًا من علمائهم ولا آية من آياتهم الصغرى أو الكبرى، كما أنه ليس نائبًا من نواب الشيعة أو ابن عائلة مشهورة، وفوق هذا وذاك فليس بري من القادة العسكريين الذين اكتووا بنار الحرب الطائفية في لبنان. لقد ولد في (سيراليون)، وعاش معظم سني عمره بعد تخرجه من الجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن (ديترويت) جاء أو جيء به ليكون الرجل الأول في لبنان.
لقد اطلعت على معظم ما كتبته الصحف ووكالات الأنباء عن شخصية نبيه بري، فزادني هذا الإطلاع شكًا به، وارتيابًا من الدور الذي يؤديه أن الدور المطلوب منه أن ينفذه، وكان الصحفيون المطلعون على كثير من خفايا الأمور يكتبون عن سيرة الرجل لكنهم يعترفون بأن شيئًا من الغموض يكتنف حياته .. وسوف أنقل فيما يلي تقريرًا كتبه الصحفي إبراهيم البرجاوي في مجلة التضامن الصادرة في لندن، وقد وجدت هذا التقرير من أوفى وأدق ما كتب عن بري.
يقول البرجاوي: (.. بري كغيره من شباب الشيعة بدأ في فترة شبابه الأولى يتطلع نحو الأحزاب العقائدية اليسارية التي استطاعت في الخمسينات والستينات استقطاب الطائفة الشيعية لما رفعت من شعارات تحقق تطلعات هذه الطائفة التي عاشت شظف الحرمان من التعليم والمراكز العليا في الدولة وحصر أبنائها في الأعمال اليدوية المضنية في المدن كعمال أو في القرى كمزارعين لأرض قاسية جرداء على الرغم من توافر خيرات المياه المجاورة التي لا تصلها إلا بمشاريع ري لم يرصد لها حكام البلاد الأموال اللازمة.
ومن قريته [تبنين] جاء نبيه بري مع عائلته إلى بيروت وتلقى في مدارسها العلم، وفي الصفوف الثانوية شده الأستاذ [إنعام الجندي] معلم اللغة العربية كما شد كثيرين غيره إلى مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي فانضوى تحت لوائه، وعرف فيه زملاءه الحزبيون منذ كان مناصرًا للحزب حماسته وشجاعته واقتحامه حلقات الحوار ما بين البعثيين والشيوعيين، أو البعثيين والسورييين القوميين والاجتماعيين، أو البعثيين وحزب التحرير الإسلامي، أو البعثيين وحركة القوميين العرب، التي كانت تصدر نشرة [الثأر] ويتزعمها جورج حبش، ووديع حداد ومحسن إبراهيم، ومحمد كشلى. وهذه الأحزاب كانت هي الوحيدة التي تستقطب الشبان المسلمين في الخمسينات والستينات.
وكما في المناقشة، كان بري أيضًا في التظاهرة دائمًا في المقدمة يحب المواجهة ويتنطح للواجهة ويعشق الخطابة وهو فيها مميز وإن كان ذلك على حساب لغة سيبوبه. وفسر ذلك زملاءه ورفاقه بالحماسة.
وعلى هذا الأساس دعموه وعاضدوه ورشحوه رئيسًَا لاتحاد الطلاب الجامعيين ضد جميع ممثلي الأحزاب وذلك بعدما استطاع أن يفوز برئاسة لجنة طلاب الحقوق في الجامعة، وكان انتصاره انتصارًا للبعث والخط القومي إجمالاً ونكسة لليساريين واليمنيين ومنهم الشيوعيون والكتائبيون.
تخرج نبيه بري محاميًا وانكفأت أخباره وتردد أن حماسه قل بعدما واجه الحياة العملية مما أدى إلى ابتعاده عن النشاطات الحزبية والسياسية ثم قيل أنه سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد إلى [ديترويت]، حيث تنزل جالية شيعية لبنانية كبيرة [حوالي 70 ألفًا] تعمل في شركات صناعة السيارات وهناك تعرف إلى فتاة لبنانية شيعية كانت قد حصلت على الجنسية الأمريكية بحكم طول إقامة عائلتها الثرية في البلاد وتزوج منها وأنجب ثلاثة أولاد، وبفعل هذا الزواج استطاع المحامي الشاب تكوين ثروة لا بأس بها يشاع حسب مصادر صحافية أمريكية رددتها مجلة [النهار العربي والدولي] اللبنانية أنها مكونة من بعض المحطات لبيع البنزين.
ولما ترسخت زعامة بري على [أمل] وأصبح بحكمها أحد أعمدة السياسيين في لبنان، اضطر إلى تغيير إقامته ونقلها إلى ببيروت، وخالفته زوجته في ذلك فطلقها، ثم تزوج كريمة صاحب [دار الآداب للنشر] وهي من عائلة عاصي وأنجب أول أولاده منها بنتًا عمد إلى تسميتها [ميس] نسبة إلى بلدة [ميس الجبل] المجاورة لمسقط رأسه في بلدة [تنين]. ولكن نبيه بري كان يتردد دائمًا على بيروت، وعرف في وقت ما أنه كان مقربًُا من الرئيس كامل الأسعد الزعيم الشيعي الجنوبي المعروف نجل الزعيم الإقطاعي أحمد الأسعد، ثم كانت علاقة أعجب بالإمام موسى الصدر وقد تعود بري على مناداته بعبارة [مولانا] حتى أصبح ترديد هذه العبارة أثناء حديث بري مع أي كان عادة يأخذها عليه بعض منتقديه من أصدقائه.
ولاقى هذا الإعجاب عند الإمام الصدر تجاوبًا لما يتحلى به هذا الشاب من إقدام وحماسة وجرأة قد تصل أحيانًا إلى حد الوقاحة بالنسبة إلى خصومه، وقرب الإمام بري منه وضمه إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ثم إلى حركة (أمل)، وأصبح بري كظل الإمام لا يفارقه أبدًا.
وفي الحركة استطاع أن يكوكب حوله شبانًا مراهقين يشاركونه حماسته، وأعجبوا بقوة شخصيته.
ولاحظ أثرياء الشيعة من المغتربين هذه الصفات القيادية لدى المحامي الشاب فتقربوا منه، وكثرت دعواتهم له لزيارتهم في بلدان الاغتراب، وأملوا فيه تحقيق مصالحهم ومصالح الطائفة الشيعية والدفاع عنها، وما لاحظه هؤلاء لاحظه أيضًا الحكم اللبناني وأجهزته والمقاومة الفلسطينية وقيادتها والسوريون ومخابراتهم، وبدأ كل طرف من الأطراف الأربعة محاولة جذبه إليه.
وما بين هذه الأطراف الأربعة استطاع نبيه بري إتقان اللعب على الحبال فنال رضاها كلها مما حقق أحلامه في الزعامة والقيادة وهو على قناعة بأنه في ذلك إنما يخدم طائفته وخطه القومي ووطنه(1).
وتبوأ بري قيادة [أملٍ] وكل طرف من الأطراف الأربعة يظنه له، وأغدقوا جميعًا عليه السلاح والدعم حتى قويت حركته وزعامته لها، وبدأ خلافه في بادئ الأمر مع الفلسطينيين، فقيل إنه على حق لأن تجاوزات بعضهم لا تحتمل، ولكن الفلسطينيين اتهموه بأنه (عميل) للمكتب الثاني اللبناني [جهاز المخابرات].
وفي الاجتياح الإسرائيلي حارب نبيه بري إسرائيل في بيروت وضواحيها، ولم يهاجمها في الجنوب، ووقف إلى جانب السوريين في كثير من المواقف كما عارضهم في كثير من المواقف(2) حتى أنه رفض الانضمام إلى جبهة الإنقاذ التي ألفتها سوريا من جنبلاط وفرنجية وكرامي لمحاربة الاتفاق مع إسرائيل المعروف باتفاق 17 أيار بل أكثر من ذلك زار الرئيس أمين الجميل في القصر الجمهوري وقال إن المعارضة يجب ألا تكون من خارج الحدود بل من داخل النظام.
وقيل إنه لم يكن معارضًا متحمسًا للاتفاق مع إسرائيل، وقيل أيضًا أنه وسط الرئيس صائب سلام حتى يقنع الرئيس الجميل بإشراكه في الحكم.
وقيل الكثير عن تقلبات تحالفاته السياسية وهو يفسر ذلك بأنه كان دائمًَا يبحث عن مصلحة طائفته، ثم بلاده، ولكنه كان دائمًا يحفظ خط الرجعة مع الجميع، ولا يقطع شعرة معاوية نهائيًا مع أحد، وتردد أنه على الرغم من علاقاته مع المقاومة الفلسطينية كان أحد القلائل الذين نالوا مساعدة مادية كبيرة من هذه المقاومة عندما ودع ياسر عرفات عند باخرة الترحيل في بيروت، وسياسته هذه بحفظ خط الرجعة كان أكثر ما يحرث علها في نهجه مع سوريا إلى أن وصل ليكون رجل سوريا الأول. وفي هذا استفاد كثيرًا عندما قطف ثمار انتفاضة السادس من شباط والتي لو لم يضرب جيش أمين الجميل الضاحية الجنوبية، لما قامت أو كانت). انتهى ما اخترناه من تقرير إبراهيم البرجاوي الذي نشرته التضامن في عددها الصادر بتاريخ 20 يوليو 1985م.
وكتبت الصحف والمجلات العربية كاملاً مماثًلا لما جاء في هذا التقرير ومن جهة ثانية فإن ممارسات بري على الساحة اللبنانية تؤكد صحة هذه المعلومات، وهو بعد ذلك لا يخفى أنه غير متدين، ومعظم الباطنيين كذلك وعلى كل حال هذه المعلومات – رغم خطورتها – لا تساوي شيئًا أمام المعلومات التي ذكرناها في هذا الفصل – وفي الفصول السابقة – من هذا الكتاب عنه وعنه حركته (أمل).
5- أمل على خطي الكتائب:
سلك قادة (أمل) الطريق نفسه الذي سلكه الكتائبيون قبل بداية الحرب اللبنانية وخلالها عندما سيطروا على مليشيات النصارى كلها بعد عدة معارك مع قوات فرنجي وقوات شمعون، ثم تحالفوا مع إسرائيل من جهة والنظام النصيري في دمشق من جهة أخرى، وسيطروا على مقاليد الأمور في لبنان – على المستوى الرسمي على الأقل -.
وقطع قادة (أمل) مسافة شاسعة في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والمفاجآت، وسوف أذكر على سبيل المثال لا الحصر أشهر المعارك التي خاضتها حركة أمل من أجل السيطرة على الساحة الإسلامية في لبنان:
- تم تصفية عشرات الشباب الشيعة لأنهم رفضوا التخلي عن انتماءاتهم الحزبية المناهضة للطائفة.
- اشتبكت حركة أمل مع حزب البعث العربي الاشتراكي المؤيد للعراق في منطقة الشياح في 23 أبريل 1980م وفي 8 مايو 1980م.
وسقط في هذه المعارك عدد كبيرة من القتلى والجرحى، واستخدام الطرفان كافة أنواع الأسلحة.
- في 13 أبريل من عام 1980م اجتاحت قوات أمل الشيعية اثنتا عشرة قرية في الجنوب اللبناني، وخاضت معارك شرسة مع وحدات من الحزب الشيوعي، ووحدة من حزب البعث المؤيد للعراق، ووحدة من الاتحاد الاشتراكي العربي المؤيد لليبيا .. وفي الوقت نفسه هاجمت (أمل) منظمات حزبية يسارية ووطنية في بيروت، وحاولت استدراج الفلسطينيين لكن رئيس المنظمة ياسر عرفات ظل محايدًا، وسقط في هذه المعارك عدد غير قليل من القتلى والجرحى، ووقف المجلس الشيعي الأعلى إلى جانب أمل حيث صدر القتلى والجرحى، ووقف المجلس الشيعي الأعلى إلى جانب أمل حيث صدر بيان باسم نائب رئيس المجلس محمد مهدي شمس الدين يديه في منظمة التحرير والحركات اليسارية والوطنية لأنها اعتدت على طائفته على حد زعمه.
- هاجمت قوات حركة (أمل)، والقوات الدرزية – أي ما يسمى بالحزب التقدمي الاشتراكي – بيروت الغربية في أواخر عام 1983م، وقامت بتصفية تنظيم (المرابطون)، وتنظيم (كمال شاتيلا) الناصري، ونشرت القوات الدرزية والشيعية الذعر في سائر أنحاء بيروت الغربية.
- في عام 1983م وقعت معركة طاحنة بين قوات (أمل) والجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية، وقد أسفر عن هذه المعركة خسائر فادحة في الأموال والأرواح، وانضم اللواء السادس الشيعي إلى قوات أمل.
- أما معارك (أمل) مع قوات منظمة التحرير فكانت لا تنقطع في الجنوب وبيروت والبقاع، وقد توجت هذه المعارك بمجزرة المخيمات التي تحدثنا عنها في الفصول السابقة.
- خاضت حركة (أمل) معارك متعددة مع القوات الدرزية – الحزب التقدمي الاشتراكي – وكان آخر هذه المعارك (معركة الأعلام) في بيروت الغريبة التي كادت تتحول إلى كارثة لولا الضغوط التي مارستها سوريا على الطرفين.
وقصارى القول: فقد حاربت (أمل) جميع الأحزاب والحركات في لبنان، وأصبحت عدوة للجميع .. أما نبيه بري فقد أصبح زعيمًا لبنانيًا مرموقًا، ولكن هل نجح في السيطرة على الساحة الإسلامية، كما سيطر بشير الجميل على الساحة الصليبية؟!
وهل أصبح الناطق الرسمي باسم جميع المسلمين في لبنان؟!
لقد نجح بري بالتعاون مع سوريا النصيرية ومع الدروز في توجيه أشرس الضربات للمسلمين السنة، ومع ذلك فقد فشل في تحقيق حلمه الذي يحلم به أعني أن يكون ناطقًا رسميًا باسم جميع المسلمين، وحتى دمشق لا تقبل بهذا فهي تتعامل معه ومعه جنبلاط ولا تزال المخيمات وبيروت الغربية والدروز وصيدا سدودًَا في وجه بري وطموحاته، ولا ندري إن كان مصيره سيكون كمصير بشير الجميل؟!
المبحث الثالث
صراع مراكز القوى
أولاً – أطراف الصراع:
الصراع بين مراكز القوى داخل كل طائفة في لبنان ليس مستغربًا، ذلك لأن مصالح السياسيين تختلف باختلاف اتجاهاتهم وأهواءهم ..
والعقلية التي يفكر بها القادة السياسيون تتعارض مع العقلية التي يفكر بها رجال الدين .. وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة – وبشكل أخص بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م – عن صراع مراكز القوى داخل الطائفة الشيعية، وسارعت الصحف والمجلات ووكالات الأنباء إلى نشر ما يعرفون عن أسرار هذا الخلافات، كما سارع الصحفيون إلى إجراء مقابلات مع زعماء هذه الأطراف المتصارعة، وتحدث قادة هذه الأطراف عن أسباب خلافاتهم مع الآخرين، وسوف أعرض فيما يلي أهم هذه الأطراف والاتجاهات:
1- حلفاء الموازنة:
1- في أوائل تشرين الأول من عام 1983م وقعت معركة بين الجيش اللبناني وحركة (أمل) في الضاحية الجنوبية، وتحدثت صحيفة (العمل) الناطقة باسم حزب الكتائب عن خلاف حاد بين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ورئيس مجلس قيادة حركة (أمل) المحامي نبيه بري، ونقلت الصحيفة عن رئيس جمعية علماء الدين الشيعية، وعضو الهيئة الشرعية العامة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ أحمد شوقي الأمين قوله:
(إذا كان موضوع المهجرين موضوعًا ذا أهمية يستحق كل عناية وإعطاءه قدرًا كبيرًا من الاهتمام والدراسة بالنسبة إلى حساسيته وخطورته، فقد أوليناه بالغ توجهنا وكذلك فعل فريق كبير من رجال الحكم والدين والسياسة والقانون، حيث طالبنا مرات عديدة بإعطائه الأولوية ووضع الدراسات الجادة والحلول المناسبة والملائمة لوضع المهجرين الصعب. كما طالبنا بحل هذا الموضوع حلاً سياسيًا وإنسانيًا حتى ولو اقتضى الأمر سن تشريع جديد له.
وأضاف: وبالطبع فإننا لا نرضى أن يكون هذا الموضوع الإنساني والوطني غطاء للمزايدات السياسية ولاتخاذ المواقف التجارية التي تتلاعب بعواطف الناس وأرزاقهم وأرواحهم لجني مكاسب وهمية وصفقات مالية على حساب الوطن والمواطنين.
وحسبنا هذه السنون العديدة التي خسرنا فيها كل شيء. وقد آن الأوان لنا أن نبدأ مسيرة الإنقاذ، مسيرة التعويض عما فات لبناء المواطن والوطن على أسس سليمة ومواقف أخلاقية مسئولة.
وقال العلامة الأمين: أما التعرض للجيش من قبل بعض الفئات وضرب المؤسسات الرسمية، فهو موقف غير مسئول ويقتضي شجبه سواء كانت دوافعه وخلفياته مشبوهة، وإنها لكذلك، أو كانت كما يدعي المحرضون مجرد رد فعل، لأنها في كلتا الحالتين تصب في خانة عرقلة الجهود المبذولة لتحرير الوطن وتوحيد الطاقات، ودعم المؤسسة العسكرية كمواقف صلبة لإعادة بناء المؤسسات)(1).
ومن زعماء الشيعية وأحزابهم الذين صدرت عنهم بيانات ضد أمل (نبيه بري) في هذه المناسبة وغيرها من المناسبات:
- رئيس المجلس النيابي السابق وزعيم ما يسمى بالحزب الديموقراطي الاشتراكي (كامل الأسعد) الذي كان يعد من أبرز خصوم ورئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر.
- النائب (كاظم الخليل) أحد أعمدة حزب كميل شمعون، وكان وزيرًا سابقًا وله نفوذ واسع في الجنوب وبشكل أخص في أوساط الشيعة، وطروحاته لا تختلف عن طروحات زعماء الموازنة.
- العائلات الإقطاعية المشهورة أمثال: آل عسيران، وآل الأسعد، وآل الزين، وآل حمادة.
- حركة (أمل) في الجنوب اللبناني، التي أُطلق عليها (الجيش الشيعي) والتي كانت تتعاون مع العدو الصهيوني وجيش سعد حداد، وتتعاطف مع كاظم الخليل، وقد تحدثنا عنها في الصفحات الماضية من هذا البحث.
2- رجال الدين الرسميون:
ويمثلهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والشيخ عبد الأمير قبلان المفتي الجعفري الممتاز.
وهما طرفان في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في دار الفتوى، والذي يضم السنة والشيعة والدروز، وكان أول لقاء لزعماء هذه الطوائف قد تم في نهاية عام 1983م، وأجرت مجلة المستقبل – في عددها الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 1983م – لقاءً مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وجهت إليه أسئلة كثيرة كان منها هذا السؤال:
المستقبل: سبق أن صدر عن مؤتمركم الإسلامي الذي عقدتموه في دار الفتوى ما سمي (بثوابت) المواقف الإسلامي. ولكن حتى الآن فإن هذا الموقف بثوابته لم يُعطِ الفعالية المطلوبة بالتأثير على مجرى التطورات؟!
شمس الدين: هذه الثوابت أوجدت حقيقة سياسية إسلامية كانت مفقودة، لم يكن هناك قبلها موقف إسلامي بل كان ثمة موقف لهذا السياسي أو ذاك أو موقف لهذه الطائفة أو تلك.
وأول إنجاز لهذا العمل أنه أوجد هذه الرؤيا التي حظيت باستجابة واسعة وعميقة في صفوف المسلمين جميعًا الشيعة والسنة. هذا الموقف لا أزال أوافق على أنه لم يغير حتى الآن شيئًا على الأرض، ولكنه غير بالتأكيد عناصر المواجهة السياسية على الأرض وأوجد حالة سياسية تجعل أي عمل وأي إجراء تحت أي شعار يهدد وحدة لبنان موضع الاتهام وموضع الحذر من المسلمين وتحملهم للوقوف في وجهه.
هذا الموقف الإسلامي القائم على (الثوابت) أوجد لأول مرة خطًا سياسيًا إسلاميًا يتجاوز الحالة الطائفية للمسلمين.. هذا الموقف ينمو الآن وستنشأ مؤسساته وأدواته التعبيرية ليكون قوة أساسية في تغيير المعادلات وفي صنع مصير لبنان لا باتجاه طائفي إسلامي وإنما باتجاه وطني بتجاوز الحالات الطائفية. وحينما قلت إن هناك فرصًا وآمالاً لإنقاذ الوضع ففي الحقيقة إن أحد أكبر المرتكزات هذا الموقف الإسلامي) اهـ.
ونشرت صحيفة القبس في عددها بتاريخ 7 فبراير 1983م ما يلي: (نقل راديو [صوت لبنان الكتائبي] أن المكتب الخاص لنائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى أعلن أنه منذر شهر إبريل الماضي لم تعد للقيادة الحالية لحركة أمل أي علاقة مع سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. وقد أبلغت القيادة الحالية لحركة أمل بهذا القرار في حينه.
ورد بيان باسم رئيس مجلس قيادة حركة أمل المحامي نبيه بري بأن شرعية الحركة مستمدة من جماهيرها ومنهجية قائدها الإمام موسى الصدر وأن توجهات الحركة تصب في تحرير الوطن واستعادة سيادته مهيبة بالجميع في الظروف الراهنة الابتعاد عن الدخول في المشاحنات الخاصة).
وجملة القول: فتصريحات شمس الدين تختلف عن التصريحات الصادرة عن نبيه بري، فالأول ينطلق من شرعية النظام، وما أسماه ثوابت المؤتمر الإسلامي، ويزعم أنه ضد الهيمنة الطائفية وضد العنف والإرهاب، أما نبيه بري فيتظاهر بعداوته للموازنة، ويزعم أن حركته علمانية وطنية وليست دينية طائفية، ويمارس أبشع أنواع العنف والإرهاب، وله صلات وثيقة جدًا مع النظام النصيري في دمشق، أما شمس الدين فليس له مثل هذه الصلات ولا تصدر عنه تصريحات ضد سوريا أسد.
3- الحركات الموالية لإيران:
من أشهر هذه الحركات: حزب الله، وحركة (أمل) الإسلامية التي انشقت عن (أمل) نبيه بري.
وأبرز زعماء هذه الحركات: محمد حسين فضل الله، وصبحي الطفيلي، وحسن نصر الله، وإبراهيم أمين، وحسن نصر الله.
ويعد محمد حسين فضل الله الزعيم الروحي لهذه الحركات ويوصف بأنه خميني لبنان، أما إبراهيم أمين فهو المسئول السياسي في حزب الله، وحسين الموسوي زعيم أمل الإسلامية، وصبحي الطفيلي هو مرشد حزب الله في البقاع.
ولا أدري لماذا لا يتم دمج الحركتين في حركة واحدة لأنه لا خلاف بينهما ويبدو أن حزب الله أُعِدَ ليكون فخًا لأهل السنة من اللبنانيين والفلسطينيين، فظاهره جهاد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وحقيقته احتواء من يخدعون شعارات الرافضة، أما (أمل) الإسلامية فهي خاصة بالشيعة.
ويعلن قادة هاتين الحركتين أنهم دعاة إلى حركة إسلامية عالمية ينتزعها إمامهم الخميني في طهران ولا يهمهم لبنان إلا من خلال اهتماماتهم الإسلامية ككل.
والمصادر المصرفية اللبنانية تقول: إن إيران قدمت عام 1985م لهذه التنظيمات عبر مؤسسة أبناء الشهداء [30 مليون دولار] وهناك مساعدات يقدمها نظام خميني عبر المجلس الثوري للشيعة الدولية الذي يتبنى تمويل وتوجيه الحركات المؤيدة لإيران في العالم.
ومر معنا في الفصل السابق قول الشيخ سعيد شعبان: (وفي حزب الله مثلاً في بيروت يوجد سنة وشيعة، ونحن نعتبر حزب الله جزءًا منا، وأكبر دليل على ذلك أننا كنا في وفد واحد في مفاوضات دمشق .. كان هنالك حزب الله، وأمل الإسلامية وعناصر من السفارة الإيرانية يشكلون معنا وفدًا واحدًا لنؤكد للمسئولين السوريين أننا في لبنان أمة واحدة). وهذا من القرائن التي تدل على أن حزب الله فخ نصبه الرافضة لأهل السنة في لبنان، كما أشرت قبل قليل.
4- حركة (أمل):
تحدثنا عن حركة (أمل) في الصفحات الماضية من هذا الفصل وفي كتابنا الأول، وبينا كيف نشأت، ولماذا أطلق عليها موسى الصدر حركة المحرومين وزعم أنها ليست طائفين وإنما هي لجميع الفقراء والبائسين.
ولا يزال قادة هذه الحركة يمثلون دور الناطق الرسمي باسم الشيعة في لبنان، ومعظمهم شباب الطائفة يقاتلون في صفوف الحركة، أما زعيمها المحامي نبيه بري فهو أحد أعمدة الحكم في لبنان، وقد شارك في معظم المؤتمرات ابتداءً بمؤتمر الوفاق الوطني، ومرورًا بمؤتمر لوزان، وانتهاءًُ بمؤتمر اللجنة الثلاثي في دمشق الذي جمع بين بري وقائد القوات اللبنانية (إيلي حبيقة)، وكان مؤتمر الوفاق الوطني قد جمع بينه وبين بشير الجميل أثناء الاجتياح الإسرائيلي.
وقد قلب نبيه بري ظهر المجن لجميع حلفائه وأصدقائه في لبنا ماعدا النظام النصيري في دمشق فلا يزال ينفذ أوامرهم في لبنان دون تردد أو تذمر.
وقصارى القول فحركة أمل طرف من أطرف الشيعة المتصارعة بل هي أهم هذه الأطراف.
ثانيًا – حقيقة هذا الصراع:
السذج والمغفلون أو أصحاب الأهواء والمنافع من أبناء السنة صدقوا المزاعم التي يروجها أعضاء حزب الله وحركة أمل الإسلامية عن موقف أسيادهم في طهران وقم من حركة (أمل) التي يتزعمها بري، ومن النظام النصيري في دمشق.. ويقول الذين ينتشرون هذه المزاعم: (إن حركة أمل التي يتزعمها بري حركة علمانية مشبوهة، وأتباعها في الجنوب كانوا يتعاونون مع العدو الصهيوني ومع جيش حداد ولحد..
كما أن قادتها في بيروت يتعاونون مع الكتائب ومع الأحزاب العلمانية الكافرة).
أما عن المخيمات وطرابلس فيقولون: (إن الحكومة الإسلامية في إيران اتخذت موقفًا حاسمًا، ولولا هذا الموقف لسحقت حركة أمل المخيمات، ولتم تدمير مدينة طرابلس على أيدي قوات الجيش السوري).
وفي طليعة الذين يرددون مثل هذه الأقاويل سعيد شعبان ومن نحا نحوه في لبنان.
أما أصحاب العقول من أبناء المسلمين الذين يعرفون كيد الرافضة في القديم والحديث فيسألون: هل صحيح أن هناك خلافات بين الرافضة في لبنان، وهل صحيح أن إيران الخميني أدانت عدوان أمل على المخيمات، وعدوان النظام النصيري على طرابلس الشام؟!.
ونحن من جهتنا مع أننا لا نستبعد وقوع خلافات بين الرافضة وذلك لأنه حتى الذين يدعون إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله قد يختلفون فيكف لا يختلف الذين يدعون إلى الباطل والهوى؟!
ومع أن جوابنا على هذا السؤال لا يكون دقيقًا إذا ما قلنا: إننا نستبعد اختلافهم. أو: إنهم اختلفوا فعلاً. أو: إنهم لم يختلفوا.. ولكن الإجابة تتضح إذا ما تتبعنا الأمور التي يدعون أنهم اختلفوا عليها:
1- حركة (أمل) وآيات قم:
إن الإيرانيين هم الذين أنشئوا حركة (أمل)، وكان من أبرزهم: الإمام موسى الصدر تلميذ الخميني وصهره، والدكتور مصطفى جمران وزير دفاع نظام خميني الذي أهلكه الله في حادث سقوط طائرة، ونائب رئيس وزراء نظام خميني الدكتور صادق الطبطائي ابن أخت موسى الصدر وصهر الخميني. وقادم أمل كلهم من تلامذة الصدر وأخص بالذكر:
نبيه بري، وحسين الحسيني قائدها السابق الذي استقال، وحسين الموسوي قائد (أمل) الإسلامية الذي انشق عن بري وليس بين هؤلاء من ينقد موسى الصدر أو يهاجمه، ولا يزال كل منهم يستمد شرعيته من أقوال الصدر وأفعاله وحتى الحديث عن علمانية حركة (أمل) فقد نسبه نبيه بري إلى الصدر، وقد صدق في ذلك.
وخاضت حركة (أمل) عدة معارك مع حزب البعث المؤيد للعراق نيابة عن نظام خميني، ونجحت أمل في القضاء على هذا الحزب في بيروت والجنوب والبقاع.
وفي الشهر الرابع من عام 1982م أعلنت حركة (أمل) عن مبايعتها للزعيم الإيراني آية الله خميني إمامًا للمسلمين في كل مكان(1).
وفي 9 سبتمبر 1985م تبادلت حركة أمل وحزب الله الاتهامات لأن أمل منعت وفود الحزب من الوصول إلى مدينة صور، وقد تم إلغاء هذا الاجتماع الذي كان سيعقد بمناسبة الذكرى السابعة لاختفاء الصدر.
ولم يصدر عن قادة حركة (أمل) ما ينقض بيعتهم لإمامهم الخميني .. قد يقولون: إن إيران قطعت علاقاتها مع الحركة، أو قد يصدر عنهم بيان ينددون فيه بتصريحات أدلى بها (خلخالي) عن اختفاء الصدر، أو قد يهاجمهم سفير إيران في بيروت بسبب موقف من المواقف.. لكن مثل هذه المواقف قد تحدث بين زعماء في حزب واحد ولا تتجاوز إطار الحزب ومؤسساته التنظيمية.
2- قواسم مشتركة:
هناك قواسم مشتركة ثابتة تجمع بين الأطراف المتصارعة.. ومن أشهرها:
أ- التعاون مع سوريا: فحركة أمل خاضت معارك مع جميع الأحزاب والمنظمات في لبنان إلا النظام النصيري في دمشق لم تختلف معه ولم تتمرد عليه.. أما حزب الله وحركة (أمل) الإسلامية فعندما كان المنتسبون إلى هاتين الحركتين يخطفون طائرة أو مسئولاً كان نظام دمشق وحده القادر على التفاهم معهم .. بل لقد قدموا خدمات جلى لنظام دمشق، وازدادت الولايات المتحدة الأمريكية ثقة (بأسد) بسبب هذه الخدمات.. أما نظام طهران الذي يزعم بأنه إسلامي فلا يزال النظام النصيري في دمشق من أهم حلفائه وأعوانه في العالم.
ب- موقفهم من منظمة التحرير: رغم هذه الصراعات فأطراف الشيعة في لبنان، ونظام الآيات في قم، وأسد النصيرية .. هؤلاء جميعًا لهم موقف واضح من منظمة التحرير.
لأن عرفات يبحث عن حل سلمي مع العدو الصهيوني، ويبطشون بالفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ بسبب عرفات، وحتى ما يسمى بجبهة الإنقاذ لم تسلم من شرورهم بسبب عرفات رغم كل ما قدمته هذه الجبهة لأسد وللرافضة ضد أهلهم وذويهم.
ومما لا شك فيه أن الرافضة جميعًا يعلمون حقيقة أسد النصيرية ومفاوضاته مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذه البوابة دخل لبنان، فكيف يكون عندهم بطلاً وطنيًا، ويكون عرفات خائنًا مستسلمًا؟!.
3- الرافضة لا يصدقون:
نقلت صحيفة العمل الكتائبية في عددها الصادر بتاريخ 17يوليو 1983م استنكار المجلس الشيعي الأعلى لموقف أمل من الجيش اللبناني، ونقلت عن نائب رئيس المجلس الشيخ محمد مهدي شمس الدين قوله:
(إن المجلس قد شكل لجنة خاصة برئاسة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان، لمتابعة الاتصالات، واتخاذ التدابير التي تحول دون توظيف هذه المشكلة في غير إطارها الصحيح).
وفي 27 فبراير 1983م أعلن المكتب الخاص لنائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى أنه لم يعد للمجلس علاقة بحركة أمل.
وفي 8 أكتوبر 1983م أعلن عبد الأمير قبلان – المفتي الجعفري الممتاز – باسم المجلس الشيعي الأعلى ما يلي: (إن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية، وإن ما تعلنه (أمل) نتمسك به كمجلس إسلامي شيعي أعلى، وبالتالي فإن ما يعلنه المجلس الشيعي تتمسك به الحركة)(1).
ومما يجدر ذكره أن تصريح قبلان نسخ التصريحين السابقين لأنه جاء بعدهما .. وهذه هي أخلاق الرافضة ومواقفهم في القديم والحديث.
4- موقف الرافضة من أهل السنة واحدة رغم اختلاف فرقهم وتباين وجهات نظرهم:
ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
- في عام 1981م دمر النظام النصيري الباطني في سورية معظم أحياء ومباني مدينة أبي الفداء وهدم أكثر مساجدها، وقتل عددًا كبيرًا من العلماء والدعاة إلى الله، وهتك أعراض المسلمين .. فما الذي فعله نظام خميني ومن على شاكلته في لبنان؟!.
هل أرسلوا قوات للدفاع عن مدينة حماة؟! هل قطع خميني علاقاته الدبلوماسية مع جزار سورية .. هل وقفت أجهزة إعلام طهران إلى جانب المسلمين في حماة المجاهدة؟!.
لم يفعل الخميني شيئًا من هذا، بل فعل نقيضه. لقد أعلن نظامه عن تأييد للمجرم حافظ الأسد ضد من أسماهم عملاء إسرائيل؟!.
- وفي شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ أعلنت منظمة (أمل) الشيعية حربًا على سكان المخيمات الفلسطينية في بيروت .. واستخدموا في عدوانهم كافة أنواع الأسلحة، وقد عرضنا فيما مضى من هذا الكتاب صورًا من الفظائع التي ارتكبوها بحق الضعفاء والمحرومين من أبناء فلسطين ؟!
لقد استمر عدوانهم شهرًا كاملاً، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق – حافظ الأسد – ووكيل أعماله في بيروت – نبيه بري -، فأين الخميني وحزب الله وأمل الإسلامية مع أن ضحايا هذه المجازر: الشيوخ، والنساء، والأطفال، والمدنيون الآمنون، وليس ياسر عرفات وغيره من قادة منظمة التحرير؟!.
- وجاءت مجزرة طرابلس الشام بعد مذبحة المخيمات بثلاثة أشهر، وهدم أسد ونصيريو (بعل محسن) أكثر من نصف مؤسساته ومباني المدينة .. واستمرت معارك طرابلس أكثر من أسبوعين .. ثم جاءت وساطة الخميني .. ونجحت الوساطة ولكن متى ؟! نجحت بعد استسلام الشيخ سعيد شعبان ومن معه وقبولهم بجميع الشروط التي فرضها النظام النصيري.
فأين هذه المواقف المشرفة التي وقفها خميني وأتباعه من لبنان مع أهل السنة؟!.
ولو كان المعتدى عليهم من الشيعة لما قبل حزب الله ومؤيدوه بغير التدخل بديلاً، وهذا ليس افتراضًا نفترضه، ففي عام 1983م وقف حزب الله في خندق واحد مع (أمل) بري ضد الجيش اللبناني، بل ومن الذي يصدق أن قوات أمل واللواء السادس يتلقون أوامرهم من نبيه بري وحده، وليس لهم أية علاقة بحزب الله أو بأمل الإسلامية أو بإيران الخميني؟!.
من يصدق مثل هذه المزاعم فإنه لا يعرف شيئًا عن الرافضة وعلمائهم، ودور هؤلاء العلماء في صنع القرار.
ومن الأمور الجديرة بالاعتبار والتأمل أن حزب الله وحركة (أمل) كانا على حافة الاصطدام لأسباب لا علاقة لها بأهل السنة ثم صدرت بيانات عن الطرفين تدعو إلى ضبط النفس والصبر حتى يضيق الصبر ذرعًا، وكل طرف كان يؤكد بأنه يخشى من الفتنة الكبرى أي القتال بين أبناء الطائفة(1) .. أما قتال الفلسطينيين في مخيماتهم، وقتال الآمنين في بيروت الغربية، وقتال سكان طرابلس .. هذا كله فتنة لأن المعتدى عليهم ليسوا مسلمين في نظر الرافضة.
5- لماذا يستغربون تعاون (أمل) مع الموازنة:
زعم قادة حزب الله وأمل الإسلامية أن من أهم أسباب اختلافهم مع حركة (أمل) تعاون هذه الحركة مع الموازنة عملاء العدو الصهيوني عليهم من الله ما يستحقون .. لقد كانوا يعملون مع موسى الصدر، وكان الصدر يتعاون مع الموازنة ومع النصارى بشكل عام، وكانوا يقدمون له المساعدات المادية والمعنوية، وهم الذين منحوه الجنسية وجعلوا منه زعيمًا .. فكيف يكون تعاون الصدر مع الموازنة مشروعًا ولا يعترضون عليه، ويكون تعاون نبيه بري غير مشروع، علمًا بأن الأخير حقق مكاسب للطائفة عجز الصدر عن تحقيقها.
أما ما قاله زعيم أمل الإسلامية حسين الموسوي عن تعاون عنصر (أمل) بري في الجنوب مع العدو الصهيوني فصحيح والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح:
لقد كان هذا التعاون منذ أواخر السبعينيات فلماذا سكت عنه الموسوي طوال هذه المدة ولم يستنكره إلا بعد اجتياح الإسرائيلي 1982م وبعد اختلافه مع بري؟!.
ومن جهة أخرى فالعالم كله يعلم تعاون نظام خميني في إيران مع نظام العدو الصهيوني، وأن الأخير قدم مساعدات عسكرية لإيران في حربها ضد العراق، فأين اعتراضات الموسوي واستنكاره لموقف أسياد في طهران وقم؟!.
بل أين استنكاره لتعاون نظام خميني مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا؟!.
المبحث الرابع
سياسة توزيع الأدوار
تبين لنا من خلال المبحث السابق أنه ليس بين أطراف الشيعة في لبنان خلافات: لا في الأصول والتصورات، ولا في التخطيط والغايات.
وليس بينهم من انتصر لأهل السنة الذين ظلموا واستباح أعداء الله دماءهم وأرواحهم.
ويبقى هناك تساؤل: كيف نفسر تبادل الاتهامات بينهم، ولماذا يقف بعضهم مع الإسلاميين من أهل السنة، وبعضهم مع الدروز وآخرون منهم مع الموازنة واليهود؟!.
يجيبنا على هذا التساؤل كاتب سبر غور لعبة الطوائف في بلاد الشام، وكشف كثيرًا من أسرارهم ومناوراتهم. قال الأستاذ محمد عبد الغني النواوي:
(إذا نظرنا إلى تركيبة الحكم في بلاد الشام منذ هدم الخلافة الإسلامية وحتى يومنا هذا، نرى مساهمة غير المسلمين في كل نظام، بل وسيطرتهم عليه في معظم الأحيان).
لقد تسلم مقاليد الحكم في سورية ضباط عسكريون، فكان معظمهم من غير المسلمين – اللهم إلا عهد أديب الشيشكلي – ثم توالت الانقلابات العسكرية فكان لغير المسلمين نصيب الأسد فيها، وبين الحين والحين كانت تأتي أنظمة ديموقراطية برلمانية، فإذا مركز الثقل فيها لغير المسلمين. وفي تعليل هذه الظاهرة نلاحظ التزام غير المسلمين بالخطة التالية:
يتسللون إلى قيادة كافة الأحزاب الجاهلية الحائدة عن منهج الله، ويقفون من النظام الحاكم مواقف مختلفة:
- فقسم منهم يؤيد النظام، ويشارك في اقتسام الغنائم.
- وقسم ثاني يعارض النظام القائم، وهؤلاء قلة، ويعرفون من أين تؤكل الكتف، أعني أنهم يعارضون من منطلق قوي ومن أحزاب وتنظيمات مرشحة لوراثة الحكم القائم.
- وقسم ثالث يصفقون لأي حكم ويدعمون أبناء طائفتهم، وهم أكثرية الطائفة.
وهذه الخطة حققت لغير المسلمين الفوائد التالية:
1- يجد كل نظام نفسه أسيرًا لغير المسلمين، فهم الذين يصفقون له، وبهم يبطش، ومنهم يستمد قوته وديمومته.
2- يتوسط أبناء الطائفة المشاركون في النظم لأبناء طائفتهم من أقطاب الحكم المنهار فلا يصابون بأذى، وقد يعللون توسطهم بقولهم:
ليس من المصلحة إثارة حساسية الطائفة من أجل حفنة من الانتهازيين.
3- تشارك كل طائفة في قيادة الجيش وفي الوزارة ومختلف أجهزة الأمن والإعلام والتخطيط والتعليم والاقتصاد.
4- يستخدم غير المسلمين كل نظام في حرب الدعاة إلى الله، والتنكيل بهم ومتابعة أخبارهم .. ورغم العداوة الشديدة التي يكنها النصيريون للدروز فهم يعتمدون عليهم، وعلى النصارى في أجهزة الأمن والمخابرات المكلفة بتتبع الإسلاميين.
وفي حالات قليلة تصطدم طائفة من الطوائف مع النظام، فيهب لنجدتها معظم الأحزاب والطوائف الأخرى والشخصيات السياسية التي امتهنت النفاق، فيسقط النظام، ويتحول النظام الجديد إلى دمية بيد الطائفة المنتصرة، وما مثال أديب الشيشكلي عنا ببعيد.
وقد يظن السذج من الناس في بلادنا – وما أكثرهم – أن مثل هذه الأمور تتم مصادفة ومن غير تخطيط مسبق، غير أن تاريخ غير المسلمين وواقعهم يؤكدان أن لهم قيادة، وتتألف قيادة كل طائفة من رجال الدين ومن زعماء العائلات المشهورة فيها، وهذه القيادة مسئولة عن جميع أبناء الطائفة.
وقد مر معنا(1) عند حديثنا عن [الدروز] أن حسن الأطرش زعيم الجبل سنة 1936م، كان على صلة مع سلطان الأطرش المنفي في الأردن – الكرك – وكان لا يقطع أمرًا مهمًا دون أن يسأل ابن عمه ويأخذ رأيه فيه .. كما مر معنا أن الدروز ثاروا سنة 1925م من أجل إقدام الفرنسيين على نفي زعماء آل الأطرش [عبد الغفار وحمد ومتعب] رغم كونهم عملاء للفرنسيين، والذين قاد هذه الثورة ابن عمهم [سلطان]، وكانوا يتعاونون حينًا، ويفترقون حينًا آخر دون إراقة دماء أو دون أن يعلن أحدهما الحرب على الآخر.
ويشاركنا الرأي الكاتب الدرزي [فؤاد الأطرش] فيقول عن توزيع الأدوار بين أبناء الطائفة:
(.. ومن الخطأ أن نحلل الموضوع تحليلاً خاصًا فنصفي على ثورة سلطان باشا صفة التقدمية، وعلى رسالة الأمير سليم صفة الرجعية، والحقيقة أن الرسالتين لهما معنى واحد هو الحفاظ على الدروز في مجتمع الحقد والكراهية .. وبهذا المعنى التوحيدي يمكننا أن نفهم اشتراكية كمال جنبلاط الذي جسد مبادئ التوحيد في أنظمة سياسية محاولاً إخضاع الفكر لتلك القوانين الروحية العامة).
وبناء اتفاق وجهة نظري [ الكلام لا يزال للنواوي] مع رأي أحد أبناء قادة الطائفة نذكر فيما يلي أبرز زعماء الدروز ودور كل منهم الذي مثله أو مازال يمثله:
- سلطان باشا الأطرش: قائد الثورية السورية، ورمز الوطنية والتضحية، والرجل الذي قدم كل ما يملك في سبيل استقلال بلاده، ولم يشارك غيره في اقتسام الغنائم بعد جلاء الفرنسيين عن البلاد.
وقد بينا فيما مضى زيف هذا الادعاء، وسلطنا الأضواء على ثورة سلطان المشبوهة.
- حسن الأطرش، مجيد أرسلان، فضل الله جربوع .. وهؤلاء من زعماء الأحزاب اليمنية الديمقراطية كحزب الشعب في سورية، والأحزاب النصرانية في لبنان.
- برز في الحركة الناصرية: جادو عز الدين، وفهد الشاعر، والأخير أصبح بعثيًا بعد إعدام زملائه الناصريين في 18 تموز عام 1936م.
- من أشهر الذين لعبوا دورًا مهمًا في جميع أجنحة حزب البعث: منصور بن سلطان الأطرش، شلبي العيسمي، حمود الشوفي، العقيد حميد عبيد [قائد القوات المسلحة التي فتكت بمدينة حماة عام 1964م]، والرائد سليم حاطوم [قائد القوات المسلحة التي هدمت جزءًا من مسجد بني أمية، وقتلت بعض المصلين فيه].
- الزعيم شوكت شقير الذي خلف الشيشكلي في تموز 1953، ثم أقيل من مصبه بتاريخ 8 حزيران 1956م.
- كمال جنبلاط: زعيم دروز لبنان، وعميد الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم كافة الأحزاب القومية واليسارية، ورئيس حزب اشتراكي علماني .. وهكذا صنع الدروز منه صنمًا في لبنان كما صنعوا من سلطان الأطرش صنمًا في سورية.
- الأمير عادل أرسلان: أحد أعمدة نظام الزعيم حسني الزعيم عام 1949م.
سليمان كنج: زعيم الدروز في الجولان، وجبر معدي داهش زعيم الدروز في فلسطين المحتلة، وشيخ عقل الدروز أمين طريف .. ويتعاون هؤلاء مع اليهود.
وهكذا يتعاون الدروز مع جميع الأنظمة اشتراكية كانت أو ديمقراطية، يهودية أو عسكرية .. والغاية عندهم كما وصفها فؤاد الأطرش: [الحفاظ على الدروز في مجتمع الأحقاد والكراهية].
ومغرق في الخطأ من اعتقد أن للدروز عقيدة غير العقيدة الطائفية.
وما قلناه عن الدروز ينطبق على بقية الطوائف، فجميع الأحزاب التي حكمت سورية منذ أيام الانتداب أسسها النصارى.
أما النصيريون فلقد انكشف أمرهم، وهتكت أسرارهم، ويكفينا ما ذكره الدكتور منيف الرزاز في تجربته المرة.
تحدث أمين عام حزب البعث السابق – الرزاز – عن زعماء الطائفة النصيرية في الحكم البعثي ووصمهم بالطائفية، والمراوغة، والانتهازية.
(.. ثم تقرر القيادة القطرية [أي القيادة التي كان يتزعمها صلاح شديد وحافظ أسد] إلقاء القبض على الحورانيين [أي جماعة أكرم الحوراني] وتتهمهم بشتى التهم، ومنها الاشتراك مع جهات أجنبية في تآمر العهد، وتنشر مقالات متتابعة في جريدة [الثورة] تهاجم فيها الحورانيين، وقيادة الحزب، وصلاح البيطار، وميشيل عفلق، وتبري القوميين السوريين من دم عدنان المالكي، وتهاجم اللقاء الثوري، وروح التقارب مع عبد الناصر، في حملة مسعورة محمومة ليس لها مثيل).
وفي موضع آخر يتحدث عن استهتار حافظ أسد وإبراهيم ماخوس بالقيادة القومية، وفي موضع ثالث يتكلم عن محمد معمران وكيف كان ينتقد القيادة القطرية، ولكنه في الخفاء طائفي متعصب، يتفق مع جديد حينًا، وينافسه في زعامة الطائفة أحيانًا أخرى.
وقد اقتصرنا في هذا الكلام على كتاب [التجربة المرة] لأن مؤلفة يتكلم عن مرحلة كان فيها المسئول الأول عن حزب البعث، ومن موقع المسئولية يعترف – الرزاز – بأن الجناح النصيري في الحزب [الأسد، وجديد، وماخوس، وعمران] لم يكونوا في يوم من الأيام بعثيين، ولم تكن خلافاتهم إلا تمثيلاً وتضليلاً للآخرين.. لقد كانوا ومازالوا طائفيين اتخذوا من البعث سلمًا لتحقيق آمال وتطلعات قيادة الطائفة.
وبعد الإطاحة بالرزاز وسائر كبار أعضاء القيادة القومية أصبح الحكم نصيريًا طائفيًا، وكان نصيب أعضاء حزب البعث من التنكيل والتعذيب كنصيب الإسلاميين سواء بسواء.
ومن خلال مذكرات منيف الرزاز [التجربة المرة] يتبين لنا سخافة أعضاء القيادة القومية الذين هم من أصول سنية، فبعضهم كان نفعيًا انتهازيًا يمشي مع من يقدم له عرضًا أفضل، وبعضهم – أمين الحافظ – كان أحمقًا مغفلاً يتوهم أن هناك حزبًا وما عليه إلا أن يكون وفيًا مطيعًا لقيادة هذا الحزب.
إلا أن الرزاز لم يكشف التكتل الدرزي الذي كان يمثله: حاطوم وحمد عبيد وفهد الشاعر من العسكريين، ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي وحمود الشوفي من المدنيين، كما أنه لم يكشف التكتل الصليبي الذي يمثله: الرزاز، وميشيل عفلق، وطارق حنا عزيز(1) .. الذين كانوا في القيادة القومية في تلك المرحلة.
ولا يزال التكتلان: الدرزي والصليبي يلعبان دورًا مهمًُا في قيادة البعث – الجناح العراقي -، وسيأتي ذلك اليوم الذي يكشف فيه درر العيسمي كما كشف دور جديد أو الأسد وسيبقى [أمين الحافظ] وأمثاله خدامًا أمناء للطوائف المتسلطة على حزب البعث، إلا أن يتوبوا من الحزب وأفكاره ويدخلوا في دين الله).
انتهى كلام النواوي(2).
وهذا هو تفسيرنا للصراع القوى وتعدد الاتجاهات الشيعية في لبنان.. إنه من قبيل توزيع الأدوار الذي يخدم مصالح الطائفة، وهذا لا يعني أن يكون دور الشيعة صورة طبق الأصل عن دور الدروز أو النصيريين أو النصارى.
بري بين العلمانية والطائفية
لم يكن نبيه بري في يوم من أيام حياته داعية من دعاة الشيعة أو مرجعًا من مراجعهم، ولم يكن من الذين يصلون ويترددون على مساجد الشيعة وحسيناتهم.
وعلى نقيض ذلك فلقد كان من دعاة القومية والعلمانية، ومن الشباب المتحمس لأفكار وتصورات حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن أخص صفاته الخلقية: الانتهازية، وتقديس الذات(1).
فكيف نجمع بين قيادته لجمهور الشيعة في لبنان وبين دعوته الصريحة إلى العلمانية؟!.
وجوابنا على هذا السؤال من الوجوه التالية:
الوجه الأول: الدعوة إلى الطائفية لا تعني بالتأكيد والتدين والالتزام بشيء من الخلق والفضيلة، وقادة الطوائف في بلاد الشام ليسوا أحسن حالاً من نبيه بري، ومن الأمثلة على ذلك: حافظ الأسد، وليد جنبلاط، بشير الجميل، كميل شمعون، سعد حداد، سليمان فرنجية .. فأين هؤلاء جميعًا من الأخلاق والمروءة والفضيلة؟!.
الوجه الثاني: في قيادة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في القديم والحديث كثير من النماذج المشابهة لنبيه بري .. وقد ذكرت في كتابي الأول أمثلة عن فساد أخلاق كثير من الآيات والمراجع .. وأشرت أيضًا إلى نوعية العناصر التي تعاون معها الخميني من أمثال: مهدي بازركان، وصادق قطب زاده، وأبو الحسن بني صدر، وصادب طبطائي، وأمير عباس انتظام، وغيرهم، وغيرهم.
ومن هؤلاء من كان مدمنًا على المخدرات، ومنهم من كانت له صلات مع الساقطات من النساء .. ومعظمهم عاش في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان بري أحد أصدقائهم خلال إقامته في (ديترويت)، ومن هناك جاءوا ليؤدوا أدوارًا مشبوهة في إيران ولبنان.
الوجه الثالث: قيادة نبيه بري للشيعة في لبنان في هذه المرحلة ضرورية جدًا، لأن الشيعة تحولوا فيها إلى وحوش كاسرة، وسفكوا دماء أهل السنة، ونشروا – بالتعاون مع النصيريين – الفساد والدمار في كل مكان في لبنان، وليس من مصلحة الشيعة في هذه المرحلة أن يتولى القيادة فيها مرجع من مراجعهم الدينية لأن مثل هذه الجرائم ستلصق عندئذٍ بقيادة الطائفة الدينية لا مفر، وليس برجل علماني لا دين له.. وقد تستمر الحاجة إلى نبيه بري إذا تأكد عندهم أن في بقائه مصلحة أكيدة للطائفة.
الوجه الرابع: لو افترضنا جدلاً أن خلاف حركة (أمل) مع إيران والخميني ومراجع الشيعة في لبنان صحيح .. وأن نبيه بري يعمل من أجل السيطرة الكاملة على الطائفة، لحكمنا على محاولاته بالفشل لأن الشيعة لا يطيعون إلا مراجعهم الدينية، وعلاقاتهم بالمراجع والحوزات العلمية والحسينيات علاقات حزبية تنظيمية .. ومن جهة أخرى فحركة (أمل) واجهت تحديات كثيرة، وخاضت معارك متعددة، ولم تعد الخلافات بين قادة الحركة سرًا من الأسرار، والهيمنة أصبحت للقادة العسكريين أمثال حسن هاشم، وعقل حمية، وعاكف حيدر، وداود وداود، وأوامر نبيه بري غير نافذة بل وليس لها أهمية عند معظم هؤلاء القادة.
ومن جهة ثالثة فمراجع الشيعة في إيران ولبنان يعتمدون على حزب الله الذي تزداد قوته نموًا يومًا بعد يوم، ويعمل بصمت ومنهجية، ويعتمد أسلوب الخلايا السرية في التنظيم، وتنفق عليه إيران ملايين الدولارات.
وقصارى القول فشيعة لبنان قادرون على الإطاحة بنبيه بر، وأعوانه كما أطاحوا ببازركان وقطب زاده وكامل الأسعد ..
________________________________________
الفصل السادس
المبحث الأول
حوار مع صديق
خلال حصار جيش العدو الصهيوني لبيروت الغربية .. سألني أحد الشباب الذين يتابعون الأحداث ويحسنون فهمها. قال: (هل تغيّرت صورة عرفات ومساعديه في نظرك أم مازلت تقول: إنهم خونة وطلاب زعامة؟!).
قلت: كان موقفنا واحداً فهل تغيّر رأيك؟!.
قال: لا أدري كيف نجمع بين صمودهم وإصرارهم على القتال، رغم أنهم يقاتلون في غير أرضهم، ويواجهون أعداء وليس عدواً واحداً، وفوق ذلك كله فهم أقل عدداً وعتاداً .. مرة أخرى أقول لا أدري كيف نجمع بين موقفهم البطولي وبين ما نقوله عن خيانتهم؟!.
قلت: شعوبنا في مثل هذه الظروف تحكم العاطفة لا العقل، وتقع من جراء ذلك بتناقضات لا حصر لها .. وأضرب لك مثالين على ذلك:-
أ- فسادات مصر كانت تدور حوله الشكوك وتوضع أمام اسمه إشارات الاستفهام لاسيما وأنه جاء بعد هلاك جمال عبد الناصر، وكان من أوائل أفعاله الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين سجنهم سلفه، واعتقال كبار المسؤولين في العهد السابق الذين أسماهم مراكز القوى.
وخاض السادات حرب رمضان فتحسنت صورته وأصبح في أعين الناس زعيماً وطنياً وبطلاً قومياً ثم زار السادات القدس وأعلن في [الكنيست الإِسرائيلي] استسلامه لليهود فأصبح خائناً مجرماً.
ب- وأسد سورية تكلم الناس الكثير الكثير عن خيانته عندما أعلن عنه سقوط القنيطرة قبل أن تطأها أقدام الغزاة الصهاينة، ثم أصبح بطلاً في حرب رمضان، وعاد الناس يتحدثون عن خيانته في مفاوضاته مع اليهود والأميركان، وفي ضربه للمخيمات.
ومما لا يقبله عقل ولا منطق أن يكون الرجل خائناً ثم يصبح بطلاً مخلصاً ثم يعود خائناً وهكذا.
قال: ولكن عرفات لم يقترف ما اقترفه الأسد أو السادات، وهو محاصر الآن لا يأمن على نفسه؟!.
قلت: أفعال عرفات وأدواره ليست صورة طبق الأصل عن أفعال السادات أو الأسد .. واسمح لي أن أحدثك عما فعل:
قبل الاجتياح الإِسرائيلي للبنان كان عرفات يعلم أن هناك مؤامرة ضد الوجود الفلسطيني في لبنان، وأطراف هذه المؤامرة: إسرائيل، والنظام النصيري في سورية، والولايات المتحدة الأميركية، وطوائف لبنان من الموارنة والدروز والشيعة.
وكانت إسرائيل تهدد وتتوعد، وكانت جادة فيما تقول ورغم ذلك فقد قابل عرفات تهديدات إسرائيل بتهديدات عنترية تذكرنا بأقوال أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب قبل الخامس من حزيران 1967م.
زعم عرفات أنه أعد لكلٍ شيء عدته، وأنه يملك أسلحة حديثة متطورة، وسوف يلقن إسرائيل درساً لن تنساه.
وكنا نعلم أن عرفات يكذب ويعلم أنه يكذب، فدول المواجهة العربية مجتمعة ليست – بكل أسف – في مستوى الجيش الصهيوني.
ومن جهة أخرى يعلم عرفات أنه سيواجه العدو الصهيوني بأرض لا يملكها .. ويعلم تمام العلم بأن شيعة الجنوب ودروز الشوف، وجيش حداد، وقوات بشير الجميل، وسوف تقف في خندق واحد مع العدو الصهيوني، ويعلم عرفات بأن أسد النقيطرة لن يخوض حرباً مع إسرائيل مع أجل عرفات والفلسطينيين.
واجتاح اليهود لبنان، وخلال زمن يسير جداً كان جيش العدو الصهيوني يحاصر بيروت ويطالب بإخراج المنظمة من لبنان والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: ما الذي دفع عرفات إلى اتخاذ مثل هذا الموقف؟!.
وجوابنا على ذلك: إن عرفات ومساعديه يعلمون بأن الشعب الفلسطيني قاتل ضد الحلول الاستسلامية، وسوف يسارع الفدائيون إلى تصفية القيادة التي تقبل باسترداد جزء من الأرض المغتصبة مقابل الصلح مع العدو الصهيوني.
ومن جهة أخرى فالفلسطينيون منتشرون في عدد من البلدان العربية، ولا يستطيع عرفات أن يفرض عليهم قانون الأحكام العرفية كما يفعل الحكام المستبدون .. وإذن لن يستسلم الفلسطينيون إلا بعد هزائم متكررة، ونكبات متلاحقة، وهو يمثل دور من يرفض الحلول الاستسلامية(1).
قال محدثي الشباب: ولكن عرفات يعلم أنه قد يقتل في كل لحظة، فما الذي يدفعه لهذا الإِصرار؟!.
قلت: على رسلك يا أخي إن الأمور بخواتيمها، وأحسب أن عرفات سيخرج من بيروت بطلاً كما خرج من الأردن ومن حرب 1976م في لبنان، وسيدفع الفقراء والبائسون في المخيمات الفلسطينية ثمن هذه البطولة باهظاً!!.
ألم تقرأ أخبار تدخل الزعماء في كل مكان من العالم الذين يطالبون بخروج عرفات ومساعديه من بيروت دون أن يتعرض أحد منهم لأذى.
ويقول هؤلاء الزعماء: إن عرفات معتدل ومن دعاة السلام، وإذا قتل فسوف يكون البديل متطرفاً أو مجهولاً على الأقل، وأنت تعرف ما معنى: متطرف، والسلام، وإرهابي .. عن هؤلاء الزعماء، وأخص منهم زعماء العالم الغربي.
إن اليهود لا يجهلون مقر قيادة عرفات في بيروت الغربية التي تغص بالخونة والمتآمرين .. وقد التقى عرفات أثناء الحصار مع عدد من الأميركان كان من بينهم (فيليب حبيب)، وكان حبيب يتنقل بين بيروت وتل أبيب ودمشق فلماذا أحجم اليهود عن ضرب مقر عرفات، وهي التي اغتالت عدداً من الزعماء الفلسطينيين، كما اغتالت بعض الأنظمة العربية عدداً آخر من الزعماء الفلسطينيين .. هلي صحيح أن حساسية عرفات المفرطة كانت من أهم الأسباب في كشف المؤامرات وبقائه حياً رغم كثرة المؤامرات التي تعرض لها؟!.
صمت صاحبي فترة من الوقت .. ثم قال: والله لا أدري: ما سمعته منك مهم، وما أسمعه من الناس عن صمود عرفات لا أجد جواباً مقنعاً أراد به عليهم.
وما قاله صديقي الشاب تكرر بعد عدة أشهر عندما عاد عرفات إلى الشمال لبنان، وخاض معركة مع النظام النصيري وعملائه من قادة المنظمة كأبي صالح وأحمد جبريل.
في هذه المعارك مثّل عرفات دور الشيخ المسلم المجاهد لأنه كان محتاجاً إلى مساعدة جماعة التوحيد الإِسلامي في طرابلس، وخدع قائد المنظمة كثيراً من الدعاة الطيبين كما خدع غيرهم من قبل، وإن نسيت لا أنسى محاضرة ألقاها أستاذ جامعي من العاملين في الحقل الإِسلامي تحدث فيها عن قضية فلسطين، وطالب المسلمين بالتحرك لإِنقاذ إخوانهم الفلسطينيين من براثن أعداء الله في لبنان.
إن الغريب في هذه المحاضرة ثناء المحاضر على ياسر عرفات والتماس الأعذار له، والأكثر غرابة أن المحاضر كان يتحدث في حفل جامعي كبير اجتمع فيه صفوة الشباب الإِسلامي!!.
لا أدري والله كيف تتحكم عواطفنا بعقولنا فنتناسى التاريخ والمنطق والدقة في فهم الواقع وفي الحكم عليه .. وعندما أفلس عرفات، ونبذه الأميركان والسوفيات والغرب وعملاؤهم في بلادنا، وجلس يندب حظه في تونس .. في هذه الظروف الحرجة تذكر زعيم المنظمة الإِسلاميين فاتصل بهم، ووجد من يتعاون معه، ويعلق آمالاً عريضة على هذا التعاون.
وأخشى أن يهلك عرفات فيصبح عند الناس داعية من دعاة الإِسلام لاسيما إن كان هلاكه على أيدي النصيريين أو الشيوعيين.
ومن أجل أن لا يُخدع الدعاة إلى الله مرة أخرى بياسر عرفات ومساعديه حرصت على كشف أساليبهم وبيان انحرافهم في هذا الفصل.
المبحث الثاني
عرفات يبحث عن دور
أثبت عرفات من خلال قيادته لمنظمة التحرير أنه انتهازي وليس من أصحاب المبادئ والمواقف الثابتة .. فهو يقول اليوم ما ينقض أفعاله بالأمس، ويتحالف بعد حين مع من كان من أشد الناس خصومة له، وليس من وراء هذا التحالف أي نفع لقضية فلسطين.
وإذا كانت الأدلة على ذلك كثيرة فسوف أختار منها ما يكشف أخلاقيات قائد المنظمة وتناقضاته، مع الحرص على تجنب الإِسهاب لأن لي كتابات غير قليلة في هذه المسألة:
1- من الشعارات التي كانت ترفعها فتح في سنواتها الأولى: (الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين).
وقال عرفات للراهب الكاثوليكي (إبراهيم عياد): (إنني أعرف حق المعرفة أننا لا نستطيع حتى بالقتال استرداد فلسطين. علينا أن نحارب لنقول للعالم أن هناك شعباً فلسطينياً.
علينا أن نقاتل لكي نحرك ضمير شعوب العالم. فإذا أخفقنا في إقناع شعوب العالم بأن قضيتنا عادلة فإننا سنضيع وسننتهي)( [1]).
فكيف ينقض في جلساته المغلقة ما يؤكده في نشرات منظمة فتح ورسائلها ومما يجدر ذكره أن حديثه مع الراهب الكاثوليكي كان في أوائل عام 1965م، أي في بداية الطريق.
2- كان عرفات ومساعدوه في قيادة فتح يعلمون أن الحكومة العربية ضد (الكفاح المسلح الفلسطيني)، وقد أصدرت القيادة العربية الموحدة توصيات تطالب فيها الدول العربية بعدم تشجيع الفدائيين وعدم إذاعة أية عمليات عسكرية لقوات العاصفة .. ومن شاء مزيداً من التفاصيل فليراجع مذكرات فتح ورسائلها( [2]).
ورغم موقف الأنظمة العربية من فتح كان عرفات يرسل الرسائل والمذكرات إلى الملوك والرؤساء، ويوسط لهم الأصدقاء من أجل أن يسمحوا له بالمثول بين أيديهم .. وعندما عُرِضت عليه رئاسة منظمة التحرير سارع إلى قبولها، ولم يعد الملوك والرؤساء عنده أعداء الكفاح المسلح، وأصبحت هوايته المفضلة زيارتهم والتوسط في حل خلافاتهم.
3- في عام 1975م بدأت اتصالات مشبوهة بين عرفات وبعض المنظمات والأحزاب اليهودية، وكان الدكتور عصام السرطاوي ممثلاً لعرفات في هذه الاتصالات، ومن الذين كانوا وسطاء بين الطرفين: الرئيس السنغالي (سنغور)، ورئيس ساحل العاج (فيليكس هوفي بوانييه) .. ورغم اغتيال عصام السرطاوي وسعيد حمامي فلقد استمرت الاتصالات بين الطرفين، وتحدثت كذلك عن هذه الاتصالات الصحفي البريطاني (آلن هارت) في كتابه (عرفات إرهابي أم صانع سلام)، وفي عام 1979م أثمرت وساطة (آلن هارت) السرية عن عدة لقاءات جرت بين زعماء المنظمة ومن بينهم ياسر عرفات – وزعماء إسرائيليون وصفوا بأنهم معتدلون(1).
4- عرفات ومساعدوه يتحدثون عن الولايات المتحدة الأميركية وكأنها الشيطان الرجيم .. ويؤكدون في تصريحاتهم أن قادة البيت الأبيض في واشنطن أكثر تطرفاً من اليهود .. غير أن كلامهم هذا للاستهلاك المحلي والمزايدات وسنكتفي هنا بذكر مثالين على ذلك:-
المثال الأول: ورد في مقال كتبه [هيرمان فريدريك إيلتيس] السفير الأمريكي السابق في مصر والمدير الحالي لمركز العلاقات الدولية في جامعة بوسطن: (إن إدانة إسرائيل لمنظمة التحرير الفلسطينية بالإِرهاب هو ادعاء لا معنى له سياسياً، فالمنظمة تضم في قيادتها قادة عقلانيين يتسمون بالمسؤولية ممن وقفوا إلى جانب عرفات، وممن يحدو بهم الاستعداد للتفاوض، إذا كانت مثل هذه المفاوضات يمكن أن تؤدي على الأقل إلى تحقيق المطالب الوطنية الفلسطينية.
والرئيس السابق (جيمي كارتر) أشار بأننا في الماضي تكلمنا مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأنه بمساعدتها الناشطة تمكنا من إخلاء الرعايا الأمريكيين من بيروت في عام 1976م، وإننا كنا نتلقى بهدوء تحذيرات من قادتها المسؤولين خلال السنوات حول خطط المتطرفين لاغتيال السفراء الأمريكيين.
وكل هذا أظهر بأن منظمة التحرير الفلسطينية يمكن أن تتسم بالمسؤولية وبتقديم العون، وهذا أمر يجب عدم نسيانه بسهولة)(1).
إن المعلومات التي كشفها الأميركي السابق لم تكذب من قبل قادة المنظمة وتحدث عنا آخرون من المطلعين على خفايا الأمور ..
ومن حقنا أن نسأل عرفات ومساعديه:
- ما الذي يدفعكم إلى كشف خطط من أسماهم السفير بالمتطرفين؟!، ولماذا لا يكشف الأميركان لكم خطط الصهاينة ضدكم؟!.
- لا أدري كيف يدعم الأميركان العدو الصهيوني في كل ما يرتكبه من مجازر وحشية، وكيف يعمل عرفات ومساعدوه جواسيساً بالمجان ويكشفون خطط أعداء الأميركان في المنطقة؟!.
مما لا شك فيه أن عرفات كان يتطلع من وراء هذا النفاق إلى اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمنظمته وهيهات ذلك.
المثال الثاني: يحدثنا صلاح خلف – عضو اللجنة المركزية – عن نتائج الاتصالات الأميركية الفلسطينية والتي لا ندري كم استمرت، ولا نعتقد أن صلاح خلف سوف يقول كل شيء:
(لقد مر ميرفي خلال مهمته بمرحلتين هامتين .. ففي مارس 1985م طالب أن يكون ممثلو الفلسطينيين في الوفد الأردني الفلسطيني المشترك غير معلنين ولا تسميهم المنظمة على أنهم ممثلين لها ولقد رفضنا بالإِجماع هذا العرض حيث كنا في اجتماع في بغداد – اجتماع مشترك للجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية للمنظمة -.
وفي شهر حزيران عاد ميرفي مرة ثانية وقال بإمكانية مقابلة وفد أردني – فلسطيني مشترك، والفلسطينيون يتم تسميتهم من خلال المنظمة، وتعلن المنظمة ذلك، ويعلن الوفد نفسه أنه يمثل المنظمة.
والذي حصل للأسف أننا قدمنا الأسماء وبعد ذلك ثبت أن هناك شروطاً أميركية مازالت قائمة. وأوضح أن هذه الشروط لن تلغي الاتفاق الأردني – الفلسطيني، وإنما هناك إصرار أميركي على أربعة شروط .. أولاها الاعتراف بقراري مجلس الأمـن رقمي 242 و 838، ثم إدانة الإِرهاب ويقصد بذلك النضال الفلسطيني المسلح، إضافة إلى الإِعتراف المسبق بإسرائيل، وأن يكون هناك مفاوضات مباشرة).
وقال صلاح خلف أيضاً: (إن الشرط الأميركي الأهم والذي لم يذكر هنا والذي لم يتحدث عنه أحد بعد، أنه وحتى بعد قبول الفلسطينيين لكل هذه الشروط فليس هناك أي تعهد أميركي بأن تنسحب إسرائيل من الضفة وغزة، وإنما يلتقي الإِسرائيليون بالمفاوضات المباشرة مع وفد أردني فيه بعض الفلسطينيين الذين لا ينتمون إلى منظمة التحرير الفلسطينية)(1).
ليس فيما ذكره صلاح خلف عن موقف الولايات المتحدة الأميركية أية غرابة لأن سياسة الأميركان في هذه القضية ثابتة لم تتغير منذ عام 1948م، ولكن مواقف قادة المنظمة هي التي تتغير وتتناقض.
5- إن ارتباط حسين بن طلال مع الأميركان والانكليز ثابت ولا ينكره العاديين من الناس في بلادنا.
ومن جهة أخرى فمفاوضات الملك الأردني مع العدو الصهيوني لم تنقطع منذ عام 1976م، ومن أبرز الذين اجتمع بهم (موشى ديان) وزير الخارجية السابق، و(شمعون بيريز) رئيس الوزراء.
ومن جهة ثالثة فعداوة حسين بن طلال لمنظمة التحرير، وعداوة المنظمة له لا تحلها المجاملات والبيانات الكاذبة .. فأي مصلحة للفلسطينيين من اتفاقية عمان؟!.
لا أعتقد بأن الملك حسين سوف يوافق على تكليف ياسر عرفات ولو بتشكيل وزاره في الأردن.
إن كلاً منهما أراد أن يغدر بالآخر، فملك الأردن يريد تفويضاً غير مقيد من قيادة المنظمة، وعرفات يريد أي حل لقضية فلسطين، وعلى كل حال فالاتفاقية ماتت في مهدها وقبل أن ترى النور.
وعرفات ماض في سياسة الاستسلام. لقد أعلن في القاهرة – وليس في عمان كما يريد الملك حسين – إلغاء الكفاح المسلح .. ويعمل جاداً من أجل إقناع مساعديه ليعلنوا بالإِجماع الاعتراف بقراري مجلس الأمن رقمي 242 و 838 .. ولكن إسرائيل لا تعترف بهم، ولا تريد السلام .. وويل لعرفات ومساعديه من مشهد يوم عظيم.
المبحث الثالث
تحالف المنظمة مع الباطنيين
1- أكد ياسر عرفات بأن الخلاف بين منظمة التحرير ونظام (أسد النصيري) قديم، وقال في مقابلة أجرتها معه مجلة التضامن في عددها الصادر بتاريخ 2 نوفمبر 1985م: (عندما كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع منع دخول القوات السورية إلى الأردن، ثم استولى على الحكم وأودع الدكتور نور الدين الأتاسي وصلاح جديد في السجن لأنهما أرسلا القوات السورية لنجدتنا في الأردن [يقصد عرفات في حوادث أيلول 1970م]، والواقع أن الخلاف معه سابق حتى لحوادث أيلول. إنني أُذَكِر من نسي أن الأسد يوم كان وزيراً للدفاع أصدر أمراً اشتمل على 21 نقطة كلها تقييد لحركتنا في سورية، بدءاً من منع تسلل عناصرنا ومقاتيلنا إلى الجولان، وانتهاء بمنعنا من وضع أي ملصق على الجدران في شوارع دمشق، وأذكر أنني ذهبت إليه في مكتبه وهو وزير للدفاع وناقشته في النقاط الواحدة والعشرين، ثم ذهبت وقابلت الأتاسي وصلاح جديد الذين طلبا مني نسيان هذا الأمر وكأنه لم يحدث أن صدرت النقاط، لذلك موقف حافظ العدائي من الثورة الفلسطينية ومن حركة فتح بوجه خاص هو موقف قديم ويسبق توليه الرئاسة)(1).
وتحدث عدد من قادة فتح(2) في مقابلاتهم، وما كتبه بعضهم من مقالات ومذكرات عن موقف النظام النصيري منهم عند بداية تأسيس فتح .. لقد تم اعتقالهم، واتهموا بعضهم بالإِجرام، ومنعوا من التسلل إلى فلسطين المحتلة عن طريق الجولان، وحاولوا اغتيال عرفات .. وما ذكره قادة فتح غيض من فيض، فآباء أسد وأجداده ضالعون في تآمرهم مع اليهود والنصارى في القديم والحديث.
وبعد حوادث أيلول عام 1970م تحالف عرفات ومساعدوه مع حافظ الأسد، رغم وقوف الأخير إلى جانب الملك حسين، وتأييده له فيما ارتكبه من مجازر ضد الشعب الفلسطيني .. وأصبح حافظ الأسد عند قادة المنظمة ومؤيديها قائداً للأمة العربية وأملهم في تحرير فلسطين، وازداد تأييدهم له بعد حرب رمضان عام 1973م، مع أن هذه الحرب لم تكن أهدافها مجهولة، وما كان حافظ الأسد يخفي كرهه للفلسطينيين.
وفي عام 1976م وقف جيش أسد في خندق واحد مع الكتائب واليهود، واستباحوا أرواح الفلسطينيين وأموالهم في المخيمات، وتناسى قادة المنظمة جرائم حافظ الأسد، وعادوا بعد عام واحد يجددون ولاءهم له، ويتحالفون معه ضمن جبهة الصمود وغيرها.
وفي عام 1982م اجتاحت إسرائيل لبنان وحاصرت بيروت والجيش النصيري الذي كان يرابط في لبنان لم يحرك ساكناً، بل لقد ثبت من خلال الوثائق والمذكرات التي نشرت، وأشرنا لبعضها فيما مضى من هذا الكتاب .. أقول لقد ثبت أن اجتياح إسرائيل كان مؤامرة وكان نظام أسد طرفاً فيها.
وعاد عرفات بعد حين إلى دمشق يحاول استرضاء قائد النظام النصيري .. لكن الأخير قام بما عجزت إسرائيل عنه. لقد نجح في شق فتح والمنظمة، وسخر عملاءه المجرمين فاستباحوا دماء الفلسطينيين في مخيمي البداوي ونهر البارد، وتم ذلك بعد طرد عرفات من دمشق وبعد اغتيال قائد قوات المنظمة (سعد صايل) ..
وحاول عرفات ومساعدوه حتى بعد طرد أسد له من دمشق استرضاءه، ولكن الطاغوت النصيري رفض قبول عرفات وإعادة العلاقات معه في أي حال من الأحوال.
عجيب أمر هذا العرفات في حديثه لمجلة التضمن [2 نوفمبر 1985م] هاجم جورج حبش لأن الأخير تراجع عما قاله عن نظام دمشق في الجزائر والكويت، وقال مخاطباً حبش: (ألم تكن أرض الله واسعة ف تعيشون فيها).
ويقـول هـذا العرفـات في نفـس الحديـث: (لقـد أخطأنـا بمقاطعـة قمـة عمــان [1980م]، ولم يكن قرارنا في هذا الاتجاه صحيحاً، لكنها غلطة حصلت تحت التهديد السوري، يومها قال حافظ الأسد بالحرف: إما أن أحشد القوات ضد الأردن وإما أن أحشدها ضدكم).
ونحن نقول لهذا العرفات: (ألم تكن أرض الله واسعة فتعيشون فيها).
ما أكذب هذا الرجل!! فإن كان مضطراً لمقاطعة مؤتمر عمان بسب تهديد سورية فلماذا كان مساعدوه ينقدون هذا المؤتمر ويقولون عبر وسائل إعلامهم عن المؤتمر ما لم تقله سورية؟!.
ومن جهة أخرى ماذا صنع هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات لقضية فلسطين؟!.
وفي مقابلات عرفات الأخيرة صار يكثر من الحديث عن النظام الطائفي النصيري في سورية، وعن مؤامرة الكانتونات .. وما لا شك فيه أن النظام الطائفي النصيري يحكم سورية منذ أكثر من عشرين عاماً فلماذا كان عرفات صامتاً لا ينقد هذا النظام .. بل لماذا كان حليفاً له وهو يعلم أنها مؤامرة وأن أمريكا وراءها؟!.
أين كان صوت عرفات وأصوات مساعديه عندما أقدم النظام النصيري المجرم على هدم مدينة حماة؟!.
إن شعب حماة المسلم لم يقصر مرة واحدة في تأييد الفلسطينيين، بل وفي الجهاد عام 1948م، وكان الشيخ مروان حديد رحمه الله من المتحمسين للعمل الفدائي، وكان يدرب شباب حماة في معسكرات فتح في الأردن عام 1969م، 970م، وقام هؤلاء الشباب بعدة عمليات فدائية في فلسطين المحتلة .. ماذا قدم عرفات لأهل حماة في محنتهم؟!. يجيبنا على هذا السؤال عرفات نفسه:
التضامن: هنالك من يرجع الموقف الذي يتخذه الحكم السوري منكم سبب آخر وهو أنكم في فتح ساندتم حركة الأخوان المسلمين في عنفوان المواجهة بينها وبين نظام الرئيس حافظ الأسد، وأن المساندة اشتملت على تقديم سلاح وتدريب عناصر ..
أبو عمار [مقاطعاً]: أتحدى أن يكون هنالك إثبات واحد ضدنا في هذا الخصوص، صحيح أن الاتهام طرح، وحصل أن المخابرات السورية قبضت على بعض عناصرنا وحققت معها في هذا الأمر، ولكن لم يثبت أي شيء على الإِطلاق، ولو ثبت علينا شيء في هذا الخصوص لكان النظام السوري [هرسنا هرساً].
ومما يجدر ذكره أن النظام النصيري كان يتحدى مشاعر المسلمين، ولم يتكن جرائمه في حماة وغيرها قاصرة على الأخوان المسلمين .. وياسر عرفات لا يجهل هذه الحقيقة، ورغم ذلكم يتحدى النظام النصيري أن يقدم دليلاً يثبت أن فتح ساندت يتامى وأرامل حماة وحلب وتدمر وادلب!!.
وكاتب هذه الأسطر يعلم بأن كثيراً من قادة فتح وقفوا مع الأسد في خندق واحد ضد المسلمين في سورية، ويعلم بأن عرفات ومن حوله ليسوا أهل مروءة ونخوة، ولا ينتظر منهم مساندة الدعاة إلى الله، وأتمنى أن يدرك ذلك الذين يحسنون الظن بعرفات!!.
3- قال عرفات [للتضامن في 2 نوفمبر 1985م عن أمل: (.. حركة أمل نحن الذين دربنا عناصرها، ونحن أول من مدها بالسلاح، بل أنا من أسماها أمل، لأن الإِمام موسى الصدر كان واقفاً معنا وضد من يشهر السلاح ضدنا ..).
أما قوله [لأن الإِمام موسى الصدر كان واقفاً معنا وضد من يشهر السلاح ضدنا] فليس صحيحاً على الإِطلاق، لأن خلافات الصدر معهم كانت معروفة وتعاونه مع النظام النصيري لا يجهله عرفات ومساعدوه، وكذلك لا يجهلون تآمره مع الكتائب وتسليم حي النبعة، وقد تحدثت عن الصدر في كتابي الأول وفي الفصل السابق من هذا الكتاب ما فيه الكفاية .. ولكن عرفات كذاب.
وقوله بأن المنظمة أول من مد حركة أمل بالسلاح وغيره فهو اعترف منه – أي عرفات – بتآمره على قضية فلسطين لأنه تبني حركة مشبوهة يقودها خائن جيء به من إيران ليزعزع صف المسلمين وليمكن للصليبيين في لبنان .. ومن قبل اعتبر عرفات – عليه من الله ما يستحق – قضية اختفاء الصدر قضية الشعب الفلسطيني .. وقد صدر هذا التصريح بعد أن تكشفت أوراق الصدر وأدواره.
وعرفات تعاون مع ثوار الخميني، وكان في طليعة الذين زاروا طهران فور وصول الخميني إليها، وزعم أنه إمامه .. وأيدت منظمة التحرير إيران في حربها ضد العراق، وضلل عرفات شعبه فأصبحوا ينتظرون بفارغ الصبر سقوط بغداد لأن الخميني قال لهم: إن الطريق إلى القدس يمر من بغداد والكويت والرياض وعمان.
وأخيراً راح يقول: (صدمني هذا التوجه المعادي للعروبة، والذي أوجد تناقضاً مع العرب ومع جيران إيران من دور مبرر، وصدمني أيضاً وقوف الثورة الإِيرانية موقف المتفرج من حرب المخيمات ومن محاولة التصفية التي تعرضت لها أثناء حصار طرابلس، وقبل ذلك كله يصدمني في الثورة الإِيرانية إصرار قادتها على الاستمرار في القتال ضد العراق ..).
لقد جاء اعترافه متأخراً، ورغم عداوة شيعة لبنان وإيران لعرفات والمنظمة .. لم يقل عرفات ما يعرفه عن فضائحهم، وعن تعاونهم مع اليهود، ولعله ينتظر مبادرة منهم لتعود علاقاته معهم كما كانت.
3- وصف ياسر عرفات [التضامن 2 نوفمبر 1985م] كمال جنبلاط بأنه شهيد الشعب الفلسطيني، أفعبد كل ما فعله كمال جنبلاط بالفلسطينيين، وما فعله ابنه وليد من بعده، وما فعلته طائفته وحزبه يبقى شهيداً للشعب الفلسطيني؟!.
مسكين هذا الشعب الذي قد ابتلاه الله بقيادة عرفات وأمثاله!!.
المبحث الرابع
تحالف المنظمة مع الصليبيين
سافر عرفات يرافقه خليل الوزير في آذار عام 1965م من الكويت إلى دير في بيروت وقابل الراهب الكاثوليكي (إبراهيم عياد) وحدثه عن الأسباب التي تجعله يعتقد أنه ليس أمام الفلسطينيين إلا القتال .. ويتحدث الراهب عن هذا اللقاء فيقول:
(سألني إذا كنت أوافق معه. قلت بكل مشاعري وجوانحي. ثم أخبرني آنذاك ما كان سراً كبيراً جداً. قال: إن فتح عندما بدأت عملياتها العسكرية لم يكن لديها سوى سبعة مقاتلين مدربين: عرفات نفسه وستة آخرون، ولم يكن لديهم سوى خمسة بنادق لهم جميعاً.
كذلك قال لي: (إنهم شرعوا دون أي مال. إذ أن صديقاً فتح شيكاً تعادل قيمته ألف جنيه استرليني، ولكن الصديق أبلغهم أنهم لا يستطيعون صرف الشيك لمدة شهرين أن ثلاثة لأنه لم يكن هنالك رصيد في حسابه!!).
عندما أبلغني عرفات القصة قلت له: (يبدو أنك بحاجة إلى مساعدة. فهل تريد مني أن أساعدك؟ وأذكر بكل جلاء رد عرفات: يا أبانا، كل ما أريده منك هو مباركتك. وهذا ما أعطيته – الكلام للراهب – له)(1).
ورغم ما عرف عن ياسر عرفات من نفاق ومداهنة فليس في مذكراته ومذكرات زملائه من قادة فتح ما يشير إلى أنهم زاروا عالماً من علماء الإسلام بداية تأسيسهم لفتح وطلبوا منه الدعاء والمباركة، مع أن معظم العلماء والدعاة أيدوا فتح ومدوا لها يد العون والمساعدة، والمنظمة قامت ابتداءً على سواعد المسلمين، وليس للنصارى أي دور إيجابي لا في نشأتها ولا في استمرارها.
ونفاق عرفات للنصارى لم يتوقف عند حد طلب المباركة من القسيس إبراهيم عياد بل لقد أصبح للنصارى دور بارز في صنع القرار الفلسطيني .. ومن أشهر الأسماء التي شاركت في قيادة المنظمة: (جورج حبش، وديع حداد، نايف حواتمة، كمال ناصر، الخوري، المطران كابوتشي، وغيرهم وغيرهم).
والسؤال الذي يفرض نفسه: (ما الذي جنته المنظمة والشعب الفلسطيني من تحالف عرفات مع النصارى؟!).
وبكثير من الإِيجاز الذي يتناسب مع طبيعة هذا الفصل نقول: -
- النصارى الانكليز قدموا خدمات لا تحصى لليهود، وشجعوا هجرتهم من جميع بلاد العالم إلى فلسطين، وتبنوا إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين [وعد بلفور].
- نشطت كثير من الجمعيات النصرانية في فلسطين في الدعوة إلى هجرة اليهود إلى فلسطين، ونادوا بقيام مملكة لإِسرائيل .. وكانت هذه الجمعيات تعمل بالتنسيق مع دوائر الاستخبارات البريطانية من جهة ومع الوكالة اليهودية من جهة أخرى .. وكان الممول اليهودي [روتشيلد] يقدم مساعداته لجميع الإِرساليات التبشيرين في فلسطين كالبابوية، والبروتستانتية، والصهيونية(1).
- أعلن بولس السادس باب الفاتيكان تبرئة اليهود من دم المسيح – وهو حق أراد به باطلاً – وكذّب عقيدة قومه المخالفة لصريح القرآن الكريم، وعندما زار القدس في الأسبوع الأخير من شهر يناير عام 1965م قال مخاطباً اليهود: (إن الصراع الدامي بين المسيحية واليهودية قد انتهى).
- أسس النصارى تنظيماً كتائبياً آخر في الضفة الغربية من فلسطين المحتلة، وفي الضفة الشرقية أسموه (الجيش المريمي).
وكان لهذا التنظيم جناح عسكري يقوده ضباط نصارى لهم مراكز قيادية في الجيش الأردني، وجناح سياسي يعمل من أجل السيطرة على القدس وما حولها، ويشتري أعضاء هذا التنظيم العقارات من المسلمين بأسعار باهظة كما فعل اليهود من قبل .. وقبل عام 1967م وضعت السلطات الأردنية يدها على المؤامرة والمتآمرين، وضبطت نشراتهم السرية ومستودعات الأسلحة التي يمتلكونها .. واكتفت أجهزة الأمن بتسريح بعض قادة هذا التنظيم من العسكريين واعتقال أفراد منهم.
- اعترف ياسر عرفات وبعض مساعديه في فتح بأن جورج حبش وحواتمة ووديع حداد كانوا طرفاً في مؤامرة أيلول عام 1970م .. وأنشطتهم التخريبية في الأردن لم تكن في صالح القضية الفلسطينية، ورغم ذلك لم تتخذ فتح ضدهم أي إجراء رادع.
وبعد عام 1982م تحالف جورج حبش ونايف حواتمة مع النظام النصيري وهما أول من يعرف بأن حافظ أسد من ألد أعداء الشعب الفلسطيني ومن المتآمرين على كفاح الشعب الفلسطيني .. وفوق ذلك كله فعرفات يلهث من أجل مصالحة حبش وحواتمة.
وبعد: هذه نبذة مختصرة عن نتائج تحالفات عرفات مع النصارى .. وليدلنا هو وزملاؤه عن زعيم نصراني وقف بصدق ضد الموارنة في لبنان وضد اعتداءاتهم على المخيمات الفلسطينية؟!.
ولا ندري لماذا وإلى متى تسلط فتح الأضواء على كابوتشي وأمثاله من جنود باب روما؟!.
المبحث الخامس
تحالف المنظمة مع السوفيات
زعم قادة منظمة التحرير منذ القديم أن الاتحاد السوفياتي مع العرب ضد إسرائيل، وصدّقهم الشعب الفلسطيني عندما قالوا له: (إن قادة الكرملين يقفون مع الشعوب المضطهدة في كفاحها ضد الاستعمار ويقدمون لها كل ما يقدرون عليه من دعم ومساعدة من أجل أن تتحرر من الظلم والطغيان والاستعمار، وهم – أي السوفيات – لا يريدون من وراء ما يبذلون جزاءً ولا شكوراً).
وكان ثمن هذه الدعاية باهظاً جداً .. لقد ظن ضعاف النفوس من أبناء جلدتنا أن الشيوعيين سيحررون لنا فلسطين، وأن الذين يحاربون الشيوعية عملاء لأمريكا بل ولإِسرائيل .. وفي ظل هذه الأجواء المحمومة التي صنعتها قادة منظمة التحرير تسلل عدد من الشيوعيين ومؤيديهم إلى قيادتي منظمة التحرير وفتح، وقامت منظمات فلسطينية يسارية، وأصبح للشيوعيين دور مهم في صنع القرار الفلسطيني.
وكم حج عرفات إلى قبر لينين وطاف حوله!! وكم نافق للسوفييت .. ومن ذلك تأييده لغزو أفعانستان المسلمة ومحاولتهم إبادة هذا الشعب الطيب الذي يعد من أشد شعوب الأرض حماسة لقضية فلسطين!!.
ويتطلع ياسر عرفات إلى القادة السوفيات طالباً منهم تأييده ضد المنشقين عنه .. ولكن هيهات له ذلك، لقد قرروا خلعه ليكون البديل عنه مخلصاً لهم. ولتكون القيادة دمية بأيديهم يحركونها كما يشاءون. وقد بدأ قادة الكرملين يصرحون بذلك في محادثاتهم مع المسؤولين الفلسطينيين الذين زاروا موسكو بعد الانشقاق الذي وقع في قيادة المنظمة.
وبعد: آن لنا أن نتساءل: هل كان الشيوعيون السوفيات مع العرب ضد إسرائيل كما زعمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية؟!.
إن الجواب على هذا السؤال ورد في عدد من المؤلفات التي نشرت بعد حرب 1948م، مع ذلك نحاول إيجازه فيما يلي:-
- ألغت ثورة أكتوبر الشيوعية عام 1917م كافة القوانين والقيود المفروضة على اليهود أيام القياصرة، لأن اليهود ساهموا في هذه الثورة، وكان عدد من القادة الشيوعيين يهود.
- شارك الاتحاد السوفيتي في إنشاء دولة إسرائيل عام 1948م، ووقف الشيوعيون العرب إلى جانب اليهود، وكانوا يعارضون مشروعية دفاع العرب عن حقوقهم في فلسطين عام 1948م، ووقعت مصادمات بين المواطنين والشيوعيين في عدد من العواصم العربية.
- وافق الاتحاد السوفياتي على قراري مجلس الأمن: 242 و 838 بعد حرب الخامس من حزيران عام 1967م.
- إذا كانت الولاياة المتحدة الأميركية قدمت لإِسرائيل المال والسلاح، فالاتحاد السوفياتي قدم لها الغطاء البشري الذي يمكنها من إنجاح كافة المشاريع الإِسرائيلية العسكرية والاقتصادية.
ونورد فيما يلي الجدول التالي الذي يوضح أعداد المهاجرين وسنوات الهجرة وأعداد من وصل منهم إلى إسرائيل كما أعلنته جريدة يديعوت أحرونوت في 13 مارس 1981م.
المهاجرون السوفيت 1971م - 1980م
السنة عدد المهاجرين عدد الذين وصلوا إلى إسرائيل
1971 13.000 11.500
1972 32.000 31.652
1973 35.00 33.477
1974 30.000 20.000
1975 13.000 11.459
1976 14.383 14.000
1977 17.000 8.383
1978 29.000 12.000
1979 51.000 17.000
1980 21.000 12.542
ويكون عدد الذين هاجرون من الاتحاد السوفياتي من اليهود منذ عام 1971م إلى عام 1980م 383 و 255 أي أكثر من ربع مليون.
- نشرت صحيفة [لونوفيل أوبسر فاتور] التعليق الآتي:-
(أشارت أنباء واردة من إسرائيل إلى أن آلافاً من اليهود السوفيات [يقدر البعض عددهم بمائة ألف بينما يقدر الآخر أن عددهم نصف مليون] ينتظرون الحصول على سمة خروج من الأراضي السوفيتية ولا أحد يعرف متى ستفتح لهم الأبواب لهجرتهم خارج الاتحاد السوفيتي، كما لا يعرف أحد بعد الطريق الذي سيسلكونه للوصول إلى إسرائيل، فهل سيمر هؤلاء من وارسو كما يعتقد صحافيو التايمز؟ أو أنه سيتم تنظيم رحلات جوية مباشرة لتقلهم من الاتحاد السوفيتي إلى تل أبيب مباشرة.
والهدف كما نعلم هو منع اليهود السوفيات من المرور بفيينا حيث يفضل غالبيتهم التوجه إلى الولايات المتحدة بدلاً من التوجه إلى (أرض الميعاد) – على حد قول الصحيفة -، كما كانوا يفعلون منذ عشر سنوات، الأمر الذي أغضب الحكومة الإِسرائيلية.
وإذا تمت عملية النقل عبر وارسو فهذا سيعني بأن عملية ذوبان الجليد بين إسرائيل من جهة ودول الكتلة الشيوعية من جهة أخرى قد بدأت من بولندا وهذا على أية حال لن يدهش أحداً نظراً لعملية التقارب بين البلدين التي بدأت قبل بضعة أشهر مضت.
وفي غضون ذلك تؤكد بعض الدوائر الوثيقة الاتصال بالحكومة الإِسرائيلية أنه تم إحراز تقدم كبير في المفاوضات الجارية حول السماح لليهود السوفيات بالهجرة إلى (أرض الميعاد). وتدور هذه المفاوضات على مستويات مختلفة. فهي تدور من ناحية في واشنطن بين دبلوماسيين إسرائيليين وسوفيت، وتدور من ناحية أخرى بين (ادغار برونجمان) رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ومسؤولين سوفيات.
هذا وكان الرجل قد سلم شخصياً رسالتين من شمعون بيريز إلى الزعيم السوفيتي (ميخائيل جورباتشيف) وذلك في مناسبتين. لكن يبدو أن المفاوضات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بهذا الشأن هي الأهم، نظراً لأن المسألة لا تخص فقط اليهود السوفيات لكنها تخص مشكلة منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وعلى أية حال يبدو أن الوقت سانح لتحقيق تقارب بين إسرائيل من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة ثانية، وإذا كانت عملية عربات الجليد في العلاقات بين البلدين لم تتم بعد فإنها لا شك قد بدأت. وليس من الصدفة أن يكون الرئيس الإِسرائيلي (حاييم هيرتزوج) قد توجه أخيراً لحضور افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي الإِسرائيلي، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يحضر فيها رئيسها افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي في إسرائيل. وأعاد (خيرتزوج) إلى الأذهان الدور الذي لعبته موسكو في إنشاء الدولة اليهودية، ودعا إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ورد عليه (ميخائيل ناشيف) الذي كان يمثل رسمياً الحزب الشيوعي السوفيتي في الاحتفال مشيراً إلى العلاقات (الطبيعية) التي كانت سائدة بين البلدين في السابق، وأعاد إلى الأذهان ما قاله (ميخائيل جورباتشيف): (لقد شاركنا في إنشاء دولة إسرائيل ونحن نعترف بسيادتها وحقها في العيش في سلام وأمان)(1).
وكل الدلائل تشير إلى أن القيادة السوفيتية الجديدة ترغب وبسرعة في القضاء على الاحتكار الذي فرضته الولايات المتحدة لنفسها للتحكم في عملية السلام بين إسرائيل والعرب. ويقال أن موسكو على استعداد من أجل تحقيق ذلك أن تدفع ثمناً ما أيضاً. وقد حدد الإِسرائيليون على ما يبدو هذا الثمن، وهو السماح بالهجرة المكثفة لليهود السوفيات إلى إسرائيل، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وبالمقابل سيقبل شمعون بيريز اشتراكاً سوفيتياً في عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط وذلك ضمن إطار مظلة دولية لأية مفاوضات مباشرة بين العرب والإِسرائيليين في المستقبل.
ويدرك بيريز أن المشاركة السوفيتية مسألة مهمة بالنسبة لأية تسوية سلمية للنزاع العربي الإٍِسرائيلي). انتهى كلام صحيفة (لونوفيل أوبسر فاتور).
وقصارى القول فإن السوفيات ساعدوا إسرائيل بهجرة ربع مليون يهودي، ويستعدون الآن لإصدار قرار ينظم هجرة ربع مليون آخر من اليهود، فيكون المجموع نصف مليون .. فأية مساعدة أكبر من هذه المساعدة، وأي عون أهم من هذا العون؟!.
يقول (هليل اشكنازي) المدير العام لوزارة الجرة والاستيعاب الإِسرائيلي السابق:
(إنه يجب تأمين سبعين ألف مهاجر سنوياً إلى إسرائيل للحفاظ على نسبة 85% من اليهود فيها في مقابل 15% من العرب، لأن انخفاض الهجرة قد يؤدي إلى انفجار التوازن السكاني لصالح العرب) النهار 8 مارس 1974م.
ومن غير السوفيات يقدم لإِسرائيل مثل هذه الخدمات التي تضمن لهم عدم الانفجار السكاني لصالح العرب.
ومن جهة أخرى يتحدث قادة المنظمة وغيرهم من اليساريين العرب عن الأسلحة السوفياتية، وعن دعم العرب في المحافل الدولية.
أما الأسلحة فتباع للمنظمة وللحكام العرب بالثمن الذي يريده السوفياتي، وتعد من الموارد الاقتصادية المهمة.
وأما دعم العرب في المحافل الدولية فيجري ضمن شروط اللعبة الدولية، ويعد من قبيل تبادل المصالح، لأن للسوفيات مصالح مهمة في دول الشرق الأوسط ..
وعلى كل حال فعرفات يعض أصابعه ندماً على تورطه مع السوفيات، وهو ليس أول ضحية من ضحاياهم.
المبحث السادس
الأباطرة
وجهت مجلة التضامن لياسر عرفات السؤال التالي: في إطار الانتقادات التي توجه إلى أسلوب عمل بعض مؤسسات المنظمة، تدور في مجالس الناس، فلسطينيون وعرب من أقطار مختلفة، انتقادات لمسؤولين في المنظمة لأن سلوكهم يتصف بالتعالي وليس بالثورية، على سبيل المثال هنالك بعض مدراء مكاتب منظمة التحرير الذين يتصرفون باستعلاء، والوصول إليك أنت يبدو أحياناً أسهل من الوصول إليهم، بل إن بعضهم صار يغضب إذا لم يلقبه المرء بقلب [سعادة السفير] بدل الأخ فلان؟.
أبو عمار: هؤلاء، أو هذا البعض الذي تتحدث عنهم، لي فيهم رأي، ومشهور عني قول أردده عنهم، ويشهد لي في ذلك الأخ الطيب عبد الرحمن أنا أسميهم الأباطرة، الأباطرة في الثورة، طبعاً ليس كل مدراء المكاتب.
وفي موضع آخر من المقابلة وصفهم عرفات بالقياصرة.
وتحدث في موضع ثالث في المقابلة التي أجرتها التضامن معه [في العدد رقم 134 تاريخ 2 نوفمبر 1985م] عن التجاوزات العسكرية التي ارتكبتها المنظمة في لبنان قبل الغزو الإِسرائيلي .. ولكن كعادته راح يهون من شأن هذه التجاوزات، ويلتمس الأعذار لجنده، وزعم أن قيادته لم تتدخل في شئون لبنان ولم ترتكب تجاوزات.
ونشرت مجلة (درشبيغل) الألمانية تعليقاً مهماً عن منظمة التحرير هذا نصه: (من الناحية العسكرية فإن ياسر عرفات قد قضي عليه تماماً، ومن الناحية السياسية فإنه يشعر الآن بالتعب والإِرهاق، ولكن رغم كل ذلك فإن عرفات ما زال يملك روح الاستمرار في جهوده الرامية إلى إثبات الذات فلسطينياً وعربياً ودولياً من خلال من تبقى له من الأصدقاء معتمداً في ذلك على ضريبة الحرب التي يدفعها الفلسطينيون في كافة الأنحاء، والأموال التي تدخرها المنظمة في خزينتها).
أحد مسؤولي مكتب منظمة التحرير في روما يصف الحالة والوضع الراهن للمنظمة بالقول: (إن كبار المسؤولين الفلسطينيين يرون أن مستقبل المنظمة أصبح في مهب الريح نتيجة لسلسلة الهزات التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة ويقولون إن الأزمات أصبحت تحيط بالبيت الفلسطيني من كل جانب، وإن الوضع أصبح خطيراً للغاية ما لم تحصل معجزة تحد من هذه الخطورة).
ويؤكد هؤلاء المسؤولين أن ما تعرضت له منظمة التحرير من ضربات متلاحقة ابتداءً من الغزو الإِسرائيلي للبنان وخروج المنظمة من لبنان، وقصف الطائرات المقاتلة الإِسرائيلية لمقر المنظمة الجديد في تونس وانتهاءً باعتراض الطائرات المقاتلة الأميركية التابعة لحاملة الطائرات الأميركية [سراتوغا] للطائرة المصرية التي كانت تقل خاطفي السفينة الإِيطالية [أشيل لورو] والزعيم الفلسطيني المتطرف أبو العباس بهدف اعتقاله ومحاكمته، كل هذه الضربات أدت إلى إنهاك المنظمة ورئيسها ياسر عرفات.
وعلى الصعيد العربي، فإن الدور العربية التي كانت تمول المنظمة بالمال طوال السنوات الماضية تشك الآن في إمكانية تحقيق المنظمة لأهدافها السياسية في المستقبل المنظور، وأخذت تفكر في قطع المساعدات المالية عنها، وخاصة في أعقاب وصول الطائرات الإِسرائيلية إلى أقصى الشمال في ملاحقتها للفلسطينيين، كما أن هذه الدول العربية أخذت تبدي تخوفها من أن تتعرض هي الأخرى إلى اعتداءات إسرائيلية جديدة شبيهة بالاعتداء الذي وقع على تونس، ومن قبلها على العراق، حيث قصفت الطائرات الإِسرائيلية المفاعل النووي العراقي بالقرب من العاصمة بغداد قبل حوالي أربع سنوات.
وفي هذا الإِطار قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير جمال الصوراني في مقابلة مع صحيفة [العرب] القطرية: (إن الأموال التي تنفقها المنظمة تزيد عدة أضعاف عن الأموال الواردة إلى المنظمة من المساعدات العربية).
وهذا التصريح إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأموال التي تتلقاها المنظمة يذهب بعضها إلى جيوب بعض القيادات الفلسطينية الطفيلية التي تريد أن تغني عن طريق المساعدات التي تقدمها الدول العربية والضرائب التي يدفعها الفلسطينيون العاملون في الدول العربية للمنظمة.
ولهذا فإن قطاعات كبيرة من الفلسطينيين أخذت توجه الاتهامات للمنظمة بأنها تنتزع الأموال من الفلسطينيين ليس بهدف استثمارها للكفاح الفلسطيني ولاستمرار النضال ولمساعدة الأهل في الأراضي العربية المحتلة، التي ترزح تحت الاحتلال، وإنما لاستثمار هذه الأموال في تحقيق مآرب بعض القيادات الفلسطينية في المنظمة.
ومن بين هؤلاء الذين ينقدون المنظمة ويوجهون الاتهامات واللوم لها رئيس بلدية بين لحم إلياس فريج الذي قال في أكثر من مناسبة: إن المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هم أولى بالأموال الطائلة التي تنفقها المنظمة، لأن الأهل في الوطن المحتل هم الذين يواجهون قوات الاحتلال، وهم الذين يتعرضون يومياً لعمليات القهر والاعتقال.
وعندما كانت المنظمة في أوج قوتها وعندما كان ينظر إلى عرفات على أنه واحد من الزعماء العرب، وأخذ أصحاب النفوذ في البيت الفلسطيني والعربي، وجدت الدول العربية نفسها مضطرة إلى مواكبة هذا الشعور وهذا الاعتقاد، ولهذا قررت بعد أن وقع الرئيس المصري السابق أنور السدات معاهدة الصلح مع إسرائيل واتفاقيات [كامب ديفيد] برعاية الولايات المتحدة عام 1978م، وفي مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد الاعتراف على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، كما قررت زيادة المعونات المالية التي تقدمها إلى المنظمة إلى 300 مليون دولار سنوياً خلال الفترة الواقعة بين عامي 1979م، و1989م.
ونظراً لهذا المبالغ الطائلة التي كانت تتلقاها المنظمة فقد تم تشكيل صندوق فلسطيني يشرف عليه مباشرة ياسر عرفات. وبموجب القرار الذي اتخذه الزعماء العرب في قمة بغداد، فإن المنظمة كانت تحصل من السعودي 85.7 مليون دولار سنوياً، ومن الكويت وليبيا 47.1 مليون دولار، ومن العراق 44.6 مليون دولار، ومن الإمارات العربية المتحدة 21.4 مليون دولار، ومن قطر 19.8 مليون دولار سنوياً.
وفي [طبق] آخر تابع للمنظمة فإن الدول العربية تقدم ما قيمته 70 مليون دولار سنوياً لمساعدة الفلسطنيين الخاضعين للاختلال الإِسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
ولكن ورغم كل تلك المساعدات فإن بعض القيادات الفلسطينية كانت تتهم بعض الدول العربية بالتقصير في مساعداتها. وعلى سبيل المثال فإن الرجل الثاني في حركة [فتح] الفدائية وعضو اللجنة المركزية للحركة صلاح خلف [أبو إياد] اتهم بعض الدول العربية بأنها تنفق أموالاً في دور غير عربية أكثر بكثير مما تنفقه على الأخوة الفلسطينيين والمعروف أن لمنظمة التحرير رؤوس أموال في كافة أنحاء العالم، وحتى في الولايات المتحدة وأوربا الغربية، كما أن لها حصصاً في عدد من البنوك العربية والعالمية ويعتقد مسؤول بنكي أردني بأن منظمة التحرير تمتلك حالياً في الأردن حوالي سبعين بالمائة من الاقتصاد الأردني فهي تمتلك مصانع لتركيب السيارات ومؤسسات لتصنيع وتعليب الفواكه، ولهذا فإن الأردن يعتمد اعتماداً كبيراً على رؤوس الأموال الفلسطينية في اقتصاده.
وحسب مزاعم إسرائيلية فإن الزعيم الفلسطيني أبو العباس يحصل شهرياً على مائة ألف دولار.
أما بالنسبة لمنظمة الصاعقة، فإن اغتيار زعيمها زهير محسن في الريفيرا الفرنسية حيث يمتلك هناك [فيللا] فخمة، له دلالته على مدى الغنى الذي كان يتمتع به قادة منظمة التحرير.
أما بالنسبة لوديع حداد الذي كان متخصصاً في تنفيذ عمليات فدائية داخل إسرائيل [هكذا زعمت درشبيغل] فقد ترك لشقيقته الوحيدة في عام 1978م ارثاً ضخماً مقداره 140 مليون دولار). اهـ.
تعليقات:
1- أليس عرفات ومساعده هم الذين اختاروا هؤلاء الذين أسماهم أباطرة وقياصرة؟!.
وما الحاجة إلى وجود هذه المكاتب في مختلف بلدان العالم؟!.
إنهم سفراء لحكومة المنفى التي يزعم عرفات بعدم جدواها .. والمنظمة انتهى دورها عندما لجأت إلى تأسيس هذه المكاتب وراحت تنفق عليها من الأموال التي تقدمها بعض الدول العربية للمنظمة.
وما قاله إلياس فريج صحيحاً [بغض النظر عن أهدافه ومقاصده] فالفلسطينيون في الأرض المحتلة وفي المخيمات أحق بهذه الأموال من الأباطرة.
2- حقاً هناك شركات ومؤسسات في مختلف بلدان العالم تديرها فتح، وبعض المسؤولين تخلو عن عضويتهم في المنظمة، لكنهم لم يتخلوا عن إدارة هذه الشركات وأصبحت من أملاكهم الخاصة، وفتح لا تستطيع أن تتخذ أي إجراء لأن الشركة في ظاهرها وحسب القوانين ملك لمديرها وليس لمنظمة فتح.
3- كان عرفات مضطراً للاعتراف بتجاوزات وأخطاء جنده في لبنان .. لكنه زعم أن هذه التجاوزات كانت يسيرة، وغير مستغربة، وقد كذب عرفات كعادته فيما زعمه، ونحن في حديثنا عن تجاوزات منظمة التحرير لا نردد أقوال الموارنة ومن نحا نحوهم من أعداء الوجود الفلسطيني في لبنان، وإنما نشير لأهم الأمور التي كان يتحدث عنها المسلمون السنة في لبنان.
- إن جنود حواتمة وحبش وجبريل سلكوا الأسلوب نفسه الذي سلكوه في الأردن قبل مذبحة أيلول عام 1970م.
لقد روّعوا الآمنين، واعتدوا على النساء والشيوخ، ونشروا الرعب والإِرهاب، وكانوا ينفذون عن طريق هذه الأعمال الوحشية دورهم في المؤامرة ضد الشعب الفلسطيني.
وجند زهير محسن من منظمة الصاعقة كانوا لصوصاً وقطاع طرق، وقد تحدث عنهم كمال جنبلاط في مذكراته، كما تحدث عنهم غيره من السياسيين اللبنانيين والفلسطينيين ..
ولهذا فغير مستغربث أن يمتلك زهير محسن (فيللا) فخمة في الريفيرا الفرنسية.
- ولم يكن الجند في حركة فتح أحسن حالاً من غيرهم .. لقد سيطروا على عدد من الشقق المفروشة في بيروت وغيرها من المدن، وكانت هذه الشقق والمباني أوكاراً للدعارة والفجور .. وقد كلم أصدقاء وأعوان الشعب الفلسطيني ياسر عرفات ومساعديه عن هذه التجاوزات لكنهم كانوا بين مشارك للفاسقين في فسقهم أو بين عاجز عن وضع حدٍ لهذه الانحرافات.
وكان [علي حسن سلامة] المسؤول الأول عن جهاز الأمن في فتح علماً من أعلام الفساد والفجور، وكان من المدمنين على شرب الخمرة، ويكفي أن زوجته كانت [جورجينا رزق] ملكة الجمال المعروفة .. وكان والده رحمه الله من المجاهدين الذين شاركوا في ثورة الشيخ عز الدين القسام رحمه الله، ثم انتهى ابنه إلى هذه النهاية وعاش جزءاً من حياته مع صليبية فاجرة حاقدة يطلعها على أدق أسرار حركة فتح.
واعترف الرجل الثاني في فتح صلاح خلف أن المخابرات الصهيونية استطاعت تجنيد [سكرتيرته] وأنها حاولت قتله عن طريق السم في الشاي الذي قدمته له في الصباح .. لكنها اعترفت قبل تنفيذ الجريمة [انظر كتاب عرفات إرهابي أم صانع سلام].
والمشكلة ليست في تنفيذ الجريمة من عدمه، وإنما المشكلة في قدرة المخابرات الإِسرائيلية على تجنيد مديرة مكتب الرجل الثاني في المنظمة.
ونجحت المخابرات الصهيونية في اغتيال عدد من زعماء المنظمة في لبنان وفي أوربا وفي بلدان أخرى .. وكانت الخمرة والمرأة من أهم الأسباب في نجاح المخابرات اليهودية.
لهذه الأسباب وغيرها أقول:
لقد دافعت في كتابي هذا عن الشعب الفلسطيني المظلوم في لبنان، ولم أكن أدافع عن عصابات فتح وحبش وحواتمة وجبريل وغيرهم من قطاع الطرق .. فقيادة هذه الحركات جزء لا يتجزأ من المؤامرة، وكان عرفات يبذر أموال المنظمة هنا وهناك، والفلسطينيون في المخيمات يعيشون حياة البؤس والفاقة والحرمان، ففي بيروت وحدها كان عرفات ينفق على أكثر من عشرين منظمة لبنانية يزعم قادتها أنهم من الشعب الفلسطيني، وعندما وقعت الواقعة هربوا إلى باريس ولندن يعربدون بالأموال التي جُمِعَتْ باسم الشعب الفلسطيني وتركوا أعداء الإِسلام يرتكبون أفظع المذابح في كل مدينة ومخيم يسكنه المسلمون السنة.
المبحث السابع
المنشقون
بعد أن ولغ جند أمل بدماء الفلسطينيين في مخيامتهم البائسة .. وبعد أن كشفت أوراق الرافضة وهتكت أستارهم أمام البقية الباقية من المسلمين السنة الذين كانوا يحسنون الظن بهم .. بعد هذا كله صدر عن بعض قادة المنشقين عن قيادة عرفات التصريحات التالية:
- في 1 يوليو 1985م قال عضو لجنة التنسيق عن جبهة الإِنقاذ [أبو علي بسيسو] في مقابلة له مع مجلة [الأسبوع العربي]:
(الطائفة الشيعية حليفتنا الطبيعية بشكل عام .. وهي التي احتضنت جماهير شعبنا منذ عام 1948م. ولنلق نظرة سريعة حينما أرغم شعبنا على الخروج من فلسطين المحتلة، أين المخيمات الفلسطينية المتواجدة في لبنان؟!.
أليست جميعها – باستثناء مخيم – بين أبناء الطائفة الشيعية.
وقال: إن ياسر عرفات هو الذي ذبح الطائفة الشيعية يوم مارس سلطاته على جماهير شعبنا في لبنان كاملة.
وقال أيضاً: (إن أسلحتنا بأيدي جماهير شعبنا .. كانت وستبقى في المخيمات وبموافقة الأطراف اللبنانية كافة وعلى رأسهم الأخوة في حركة أمل. على أن أخذ هذه الخصوصية اللبنانية في عين الاعتبار، بأن يكون سلاحنا في أمرتها، وليس العكس، فنحن كقوي ثورية سلاحنا وأرواحنا بإمرة القوى الثورية اللبنانية). اهـ.
- ودافع أبو موسى عن الذين قاموا باغتيال كوادر موالية لياسر عرفات في مخيم عين الحلوة في صيدا وقال: (هؤلاء رموز موالية لعرفات ويشتبه في تعاونهم مع العدو وأعوانه مثل أبي عريضة الذين يلحقون الضرر بالشعب الفلسطيني .. غير أنه استدرك قائلاً: (ولكن جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني ترفض حالياً اللجوء إلى التصفيات) اهـ(1).
- صدر عن جبهة الإنقاذ الفلسطيني بياناً جاء فيه: (يؤكد المجتمعون(2) طلبهم إلى كل من عبد العزيز أبو فضة وراجي النجمة وسحسين الهيبي ومؤمن، رموز النهج العرفاتي المستسلم والمرتبط بالحلول الأميركية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية مغادرة صيدا والجنوب خلال أسبوع واحد من تاريخ صدور هذا البيان)(1).
وأعجب ما في هذه التصريحات ثناء [أبو علي بسيسو] على طائفة الشيعة .. ولا أدري كيف نجمع بين علمانية بسيسو ومناداته بإلغاء الطائفية وبين إعجابه الشديد بالشيعة؟!.
وبدلاً من استنكاره لجرائم أمل راح بسيسو يتحدث عما أسماه جرائم عرفات ضد الشيعة في لبنان، وعرفات لم يرتكب مثل هذه الجرائم، والشيعة لم يحتضنوا الشعب الفلسطيني كما زعم بسيسو.
مرة أخرى لا أدري كيف يتجرأ هؤلاء الخونة على قتل إخوانهم في عين الحلوة، وترديد أقوال عملاء إسرائيل وأميركا من النصيريين والرافضة .. والوقوع في مثل هذه التنقضات؟!.
ومهما قيل عن خيانة المنشقين وانحرافهم، لا بد من الاعتراف بأنهم رفاق طريق ياسر عرفات، وخاصة أصدقائه، ولا بد من الاعتراف أيضاً أن ياسر عرفات لم يفاجأ بمواقفهم ولا بمعارضتهم له ولمن هم على شاكلته .. ويفخر عرفات بأنه وقف طضد القرار القاضي بطرد أبي صالح من قيادة فتح قبل انشقاقه بزمن غير قصير، كما أنه يفخر بأنه كان قد أنقذ أحمد جبريل من القتل، مع أن جبريل كان معروفاً ارتباطه بالمخابرات السورية منذ بداية تأسيس فتح [مجلة التضامن 2 نوفمبر 1985م].
إذن كان عرفات ومساعدوه يعرفون اتجاهات زملاءهم في قيادي منظمة التحرير وفتح، ويزعم عرفات بأنه ديموقراطي، وقد ترك المجال مفتوحاً أمام الآخرين ليعبروا عن آرائهم بحرية كاملة .. ولكن الأمر ليس كذلك فعرفات أتقن اللعب على الحبال، وأحب أن يكون في فتح عدة اتجاهات، وهو يستفيد من الصراع بين هذه الاتجاهات، ويشعر كل طرف بحاجتهم إلى رعاية الزعيم الأوحد، ومن جهة أخرى ينافق لبعض الحكومات عن طريق عناصرها في فتح ومنظمة التحرير، فإذا أراد حاجة من الاتحاد السوفياتي أرسل إليهم عناصر شيوعية من فتح، وللعراق وسورية عناصر بعثية ولدول الخليج (آل الحسن)، وللملك حسين السائح وأمثاله، وللفاتيكان المطران كباوتشي وغيره من القسيسين .. وظن عرفات أنه عبقري وغيره أغبياء، وثبت أن غيره لا يقل ذكاء عنه، كما ثبت أن الأفكار والمبادئ أقوى وأشد رسوخاً من الجعجعة واللعب على الحبال، وانتهى عرفات كما انتهى من قبله أحمد القشيري ومن المؤسف أن المسلمين الفلسطينيين كانوا وحدهم الضحية لسياسة عرفات، وقد قادهم من نكبة إلى أخرى، ومن مجزرة إلى مجزرة أخرى، وكان حلفاؤه هم القتلة والجزارين.
المبحث الثامن
الموقف العربي
أسر الروم في حروبهم مع المعتصم – الخليفة العباسي – امرأة مسلمة وأودعوها في سجن من سجون عمورية .. وذات يوم وجه إليها السجّان كلمة نابية جرحت كرامتها فصاحت المرأة بأعلى صوتها (وامعتصماه)، فلطمها الجندي، وسخر منها ومن ندائها، وأين هي من المعتصم؟!.
وشاء الله جلّ وعلا أن تقرع هذه الكلمة آذان المعتصم حيث نقلها له أحد الذين سمعوا الخبر .. فغضب الخليفة العباسي، وأمر بتجهيز الجيش، ثم سار به إلى عمورية، وهزم الجيش الروماني بعد معركة طاحنة على مشارف المدينة، وفتح الله على يديه عمورية، وتوجه إلى السجن فقتل الجندي الروماني، وأنقذ المرأة المظلومة .. وعندما مثلت بين يده قال لها: (لبيك نداؤك وامعتصماه .. لبيك نداؤك وامعتصماه .. كرها ثلاثاً).
وتمر الأيام التي وصفها الشاعر هاشم الرفاعي رحمه الله فقال:
وما فتئ الزمان يدور حتـــــــــــــــى مضى بالمجد قوم آخرونـــــــــــا
وأصبح لا يرى في الركب قومـــــــــــي وقد كانوا أئمته سنينـــــــــــــــا
وآلمني وآلم كل حـــــــــــــــــــــــــر سؤال الدهر أين المسلمونـــــــــــا
تمر الأيام، وينتصر حفنة من اليهود على سبعة جيوش عربية عام 1948م، نتيجة مؤامرة دبرتها الدول الكبرى، ونفذها الطواغيت العرب أمثال: جميل مردوم، وعبد الله بن الحسين، وفاروق .. وغيره من الذين زهدوا بالشهادة في سبيل الله وفقدوا النخوة والمروءة العربية ..، وقبلوا أن يكون الضابط الانجليزي (غلوب باشا) قائداً للقوات العربية .. وفر الفلسطينيون مذعورين من أرضهم وأوطانهم، فروا أمام مطاردة عصابات (الهاغانا) الظالمة.
ويتذكر شاعر الشام عمر أبو ريشة قصة المعتصم فقال في مظاهرة صاخبة يخاطب جميل مردم رئيس وزراء سورية:
رب وامعتصماه انطلقـــت ملئ أفواه الصبايا اليتــم
لامست أسماعهم لكنهـــا لم تلامس نخوة المعتصـم
لا يلام الذئب في عدوانــه إن يك الراعي عدو الغنم
ويقال بأن هذه القصيدة التي تعد من عيون الشعر الحديث كانت سبباً في سقوط وزاره جميل مردم. فأين حكام اليوم من جميل مردم وأقرانه؟!.
- جميل مردم رئيس وزراء سورية عام 1948م كان يسمح بالمظاهرات، وكان يُشْتَم من قبل المتظاهرين ولا يسجن أو يقتل أحداً.
أما حافظ الأسد حاكم سورية الأوحد منذ عام 1970م وحتى عام 1986م فلا يسمح بالمظاهرات اللهم إلا إذا كانت مؤيدة لجرائمه وبطشه، وقد حاول الفلسطينيون في مخيم اليرموك بدمشق أن يتظاهروا وينددوا بجرائم أمل، فقمعت المظاهرة بالحديد والنار، وتم تصفية عدد غير قليل من المتظاهرين، واعتقال الآخرين.
- جميل مردم كان يسمح للمتطوعين المجاهدين أن يمروا من سورية ليقاتلوا العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة .. أما حافظ الأسد وأقرانه فلا يستطيع أحد في البلاد العربية أن يطلب منهم السماح له بالدفاع عن الفلسطينيين في سورية أو الأردن أو لبنان أو فلسطين المحتلة.
- كان أهل الخير والمحسنون في عهد الخائن جميل مردم يوزعون المال والطعام على اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، ولا يستطيع أهل الخير اليوم أن يوزعوا مثل ذلك على الفلسطينيين، وقد صادر نظام أسد جميع المؤن والمساعدات التي تبرع بها المحسنون في شبه الجزيرة العربية للمنكوبين المسلمين في لبنان.
- كانت الإذاعات العربية في عهد جميل مردم وأقرانه تتباكى على قضية فلسطين، وكان أكثر الطواغيت خيانة لا يجرؤ على ذكر مصالحة العدو الصهيوني .. أما اليوم فكلهم يلهثون وراء ما يسمى بالحل الأميركي أو الحل السوفياتي، وزيارات رسل البيت الأبيض لدول المواجهة تتصدر نشرات الأخبار العربية دون حياء ولا خجل.
وعلى نقيض ذلك فالجهات العليا في معظم الدول العربية منعت وسائل إعلامها من ذكر الأمور التالية:
أمل الشيعية، المسلمون السنة، النظام النصيري السوري، قوات الموارنة، الكتائب، قوات النصارى، الدروز.
وكانت تكتفي هذه الإِذاعات عند الحديث عن الحرب اللبنانية بقولها: القوات الوطنية، والقوات اللبنانية، وحركة أمل.
ومن أراد سماع بعض ما يجري في لبنان، كان يستمع إلى إذاعة صوت أمريكا أو إذاعة إسرائيل أو إحدى إذاعات الدول الغربية.
- وجميل مردم رئيس وزراء سورية عام 1948م كان متهماً بقضية باخرة الأسلحة، ونتيجة لذلك سقطت حكومته وانتهى دوره .. لكنه رغم ذلك ما كان يستطيع أن يتخذ موقفاً ضد الشعب الفلسطيني، بل لقد كان الفلسطينيون في عهده يتمتعون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطنون السوريون. أما حافظ الأسد رئيس سورية الثوري وأحد أعمدة حزب البعث العربي الاشتراكي فهو صاحب بلاغ سقوط القنيطرة عام 1967م، وصاحب قرار فصل القوات، وهو الذي مكن إسرائيل من احتلال ما أسماه جيوياً جديدة عام 1973م.
وهو – أي حافظ الأسد – الذي أمر جيشه بدخول لبنان عام 1976م بحجة المحافظة على حقوق منظمة التحرير في لبنان .. ومن ذلك العام وحتى كتابة هذه الأسطر وهو يقتل ويبطش بالفلسطينيين، ولا أعرف أحداً في الدنيا نكتب المسلمون في فلسطين وسورية ولبنان مثله .. ومن أشهر الجرائم التي شارك فيها رئيس النظام النصيري: مجزرة تل الزعتر، وعين الحلوة، والبداوي، ونهر البارد، وصبرا، وشاتيلا، وبرج البراجنة.
ورغم كل ما اقترفته يده لا يزال رئيساً لسورية، وزعيماً عربياًيحسب له القادة العرب ألف حساب، كما أنه لا يزال ينادي بتحرير فلسطينويشن حملات شعواء ضد الذين ينادون بالحلول السلمية!!.
فأيهم أكثر خيانة وإجراماً جميل مردم أم حافظ أسد؟!.
أما الأنظمة العربية فلقد أيدت حافظ أسد في احتلال جيشه للبنان، وسكتت عن جرائمه وكمت أفواه المواطنين، ومنعت خطباء المساجد وأصحاب الأقلام من استنكار المجازر التي ارتكبها أسد في لبنان(1).
وفضلاً عن ذلك فقد التزمت الدول العربية الغنية بنفقات القوات النصيرية التي احتلت لبنان وأسمتها ظلماً وزوراً قوات الردع العربية .. كما التزمت هذه الدول بدعم الاقتصاد السوري، وأنقذت النظام من الانهيار والإِفلاس، ومن الجدير بالذكر أن هذا الدعم صاحب وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970م.
وتحتفظ معظم الأنظمة العربية بعلاقات متينة مع قادة الدروز والموارنة والنصيريين والرافضة .. وتقدم لهم مساعدات سنوية تزيد على ما تنفقه هذه الدول على المساجد ودور العلم الشرعية.
ونظام أسد ليس أول نظام عربي يسفك دماء الفلسطينيين .. لقد سبقه الملك حسين ففعل ما فعله في جرشٍ ومخيمات عمان .. واعترف بعض قادة فتح بأن جمال عبد الناصر كان شريكاً لملك الأردن في مجاز عام 1970م [انظر كتاب عرفات إرهابي أم صانع سلام].
وسبقه حزب البعث في مفاوضاته مع اليهود عام 1958م، وفيما نفذه من إعدامات في عامي 1963م و1964م .. وتوج نظام العفالقة في بغداد جرائمهم باغتيال عدد من قادة المنظمة في السبعينيات(1).
وقصارى القول فإن الأنظمة العربية كلها متورطة مع أسد في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، لا فرق في ذلك بين اليمينية واليسارية منها أو بين التقدمية والرجعية .. وإذا كان هناك اختلاف فهو في الأدوار .. ولا نصدق بعد هذا أي زعيم عربي عندما يقول: إن هذا الجيش – يعني جيش بلده – درع للأمة العربية، وصخرة تتحطم عليها أطماع العدو الصهيوني.
لا نصدق مثل هذه الأقوال لأننا اختبرنا هذه الجيوش وتأكد عندنا بأنها أُعِدَتْ لحراسة النظام ضد الانقلابات والمؤامرات الداخلية، والناس في بلادنا خائفون مذعورون من مليشيا الزعيم وجواسيسه، وإذا فرضت إسرائيل الحرب على العرب يفر قادة هذه الجيوش ويتبعهم الجند وهم يرددون:
(الحزب أهم من الأرض).
والعجيب أن قادة الأنظمة الثورية اتخذوا من قضية فلسطين سلماً ومن الحرية شعاراً، ولا يزال في أمتنا من يصدق بأنهم خير من جميل مردم وعبد الله بن الحسين وفاروق!!.
المبحث التاسع
وهل بعد ذلك من نصر؟!
وفي الختام أذكر أخواني أبناء فلسطين بما يلي:
أولاً – لا تنسوا:
- لا تنسوا أن الجيش الإسلامي الذي ضم الصحابة رضي الله عنهم هو الذي فتح فلسطين وحررها من استعباد الرومان واستعمارهم.
- ولا تنسوا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منح النصارى حقوقاً ما كانوا يحلمون بها في ظل سيطرة الرومان.
- ولا تنسوا أن المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي فتح فلسطين وحررها من الاستعمار الصليبي الذي دام أكثر من مائتي عام .. وظنوا أن الميدان قد أقفر من أبطاله، وأنهم باقون في فلسطين أمد الدهر.
- ولا تنسوا أن داعية الإِسلام الشيخ عز الدين القسام خطيب مسجد حيفا هو الذي رفع راية الجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، وما كان عليه رحمة الله يشعر بأن سورية كيان وفلسطين كيان آخر، ولا كان يؤمن بهذه الحدود المصطنعة بين بلدان العالم الإِسلامي.
ويشار الله أن يكون الشيخ عز الدين القسام من مدينة [بانياس الساحل] لا تبعد كثيراً عن قرية الخائن حافظ الأسد [القرداحة].
ولا تنسوا دور الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين الذي طاق بلدان العالم الإِسلامي داعياً إلى الجهاد في فلسطين، ومحذراً من المؤامرة التي يدبرها أعداء الله الإنجليز، فاستجاب لدعوته العلماء والدعاة إلى الله وفي طليعتهم (الأخوان المسلمون) الذين خاضوا حرب فلسطين عام 1948م، وضربوا أروع الأمثال في الفداء والتضحية، ودافعوا بكل شجاعة عن المسجد الأقصى، وقدموا عدداً غير قليل من الشهداء الشباب.
- ولا تنسوا أن الدعاة إلى الله كانوا معكم فيما ابتلاكم به في الأردن وسورية ولبنان .. كانوا معكم في خنادقكم ومخيماتكم وفي العمل الفدائي داخل فلسطين المحتلة .. كانوا معكم في حين كان معظمكم ضدهم فيما ابتلاهم الله به في مصر وسورية.
أخواني أبناء فلسطين: عندما اعتدت حركة أمل والنظام النصيري على صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة في رمضان عام 1405هـ كنت في سفر، وشاهدت في سفري عدداً من المسلمين من جنوب شرق آسيا، وإفريقيا، وأوروبا .. لقد كانوا معكم في محنتكم، كانوا يبكون ويتمنون أن يسمح لهم بالوصول إلى لبنان ليدافعوا عن مخيماتكم.
ثانياً – ولا تنسوا:
- ولا تنسوا ما فعله الحسين بن طلال في جرش وفي مخيماتكم في عمان .. اذكروا جرائمه، ولا تنسوا أن جده الأول الحسين بن علي كان أول خائن عربي استخدمه الإنجليز واليهود من أجل هدم الخلافة الإِسلامية، وكان ابنه فيصل بن الحسين أول مسؤول عربي يتفاوض مع اليهود ويعدهم بوطن قومي لهم في فلسطين وابنه الآخر عبد الله بن الحسين كان صنيعة الإنجليز، وهم الذين منحوه إمارة شرقي الأردن ونصبوا الضابط الإنجليزي (غلوب باشا) قائداً لجيشه .. وهؤلاء يا أبناء فلسطين هم أبطال ما يسمى بالثورة العربية الكبرى ورواد القومية العربية!!.
- ولا تنسوا الشعارات التي كان يروجها جمال عبد الناصر، وكيف استغل قضية فلسطين أبشع استغلال، وصدقتموه عندما قال لكم: (إن الطريق إلى تحرير فلسطين يمر من العوام العربية).
وكيف استخدم كثيراً من شبابكم في تنفيذ مؤامراته ومعاركه في الأردن ولبنان وسورية والعراق واليمن وشبه الجزيرة العربية.
وأخيراً ماذا قدم عبد الناصر لقضية فلسطين؟!.
لقد صنع أكبر هزيمة في تاريخ العرب الحديث، ووافق على مشروع روجرز – أي الاعتراف بحق اليهود في فلسطين كلها -، وأعطى الملك حسين الضوء الأخضر ليبطش بكم في أيلول من عام 1970م لأن أتباع جورج حبش(1) ونايف حواتمة تظاهروا ضده واستنكروا موافقته على مشروع روجورز .. وأخيراً فهو الذي اختار صديق السادات ليكون خليفته.
- ولا تنسوا تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي .. لقد كان أول حزب يفاوض اليهود عام 1958م، وهو الذي كان يقرع طبول الحرب ويزعم قادتهم أنهم سيلقون اليهود في البحر المتوسط ليكونوا طعاماً لحيتانه، وعندما وقعت الحرب هربوا من ساحة المعركة، وأصدروا بلاغ سقوط القنيطرة، ومن بعد ذلك منعوا الفدائيين من المرور من حدودهم إلى فلسطين المحتلة .. وأخيراً فعلوا في مخيماتكم ما عجزت إسرائيل عن فعله ..
اذكروا جيداً أن جميع أجنحة حزب البعث متورطون في المؤامرة لا فرق في ذلك بين عفلق والبيطار، أو بين جديد وزعّين، أو بين الأتاسي والبكر، أو بين صدام والأسد .. كلهم يستخدمون الحزب للطائفية أو العشائرية التي يؤمنون بها ويدعون إليها.
- ولا تنسوا ما فعله شيعة الخميني، ففي جنوب لبنان تحالفوا مع اليهود والنصارى وفي بيروت والبقاع والشمال تحالفوا مع الدروز والنصيريين والنصارى، وكنتم وإخوانكم من المسلمين السنة العدو المشترك لجميع هذه الأطراف المتحالفة.
لقد خدعكم عرفات وأعوانه عندما زعموا بأن الخميني إمام للمسلمين، وهو الذي سيحرر الأقصى وما حوله .. والخميني اليوم يتلقى الأسلحة من إسرائيل ويستخدمها في حربه ضد العراق .. واعترف عرفات أخيراً بأن موافق الخميني صدمته!!.
أخواني أبناء فلسطين: إن الخميني اليوم يعيد للأذهان أساليب عبد الناصر في استغلال الفلسطينيين وقضية فلسطين .. وقد تشيع بكل أسف بعض الفلسطينيين، وفي لبنان وغزة والضفة الغربية ناس من بني جلدتكم مازالوا يصدقون أقوال الخميني وشيعة فكونوا على حذر، واعلموا أن الرافضة حلفاء لليهود والنصارى منذ أيام عبد الله بن سبأ.
- ولا تنسوا تأييد الاتحاد السوفياتي لليهود عام 1948م، ولسماحهم لمئات الآلاف من اليهود بالهجرة من الاتحاد السوفياتي إلى فلسطين المحتلة.
وتذكروا جيداً مواقف الأحزاب الشيوعية العربية من قضية فلسطين، وآخرها موقفهم منكم في شمال لبنان، وتعاونهم مع النظام النصيري، ولا تصدقوا ما يقوله صلاح خلف وفاروق قدومي وغيرهما عن مواقف السوفيات.
واعلموا أن حافظ الأسد ما كان قادراً على فعل ما فعله بكم لولا تأييد السوفيات له.
ولا تنسوا دور الدروز في حرب 1948م وكيف وقفوا إلى جانب اليهود ضد المسلمين، ولا موقفهم في حرب 1967م .. وتذكروا كيف تخلى عنكم كمال جنبلاط ودروزه عام 1976م وهو الذي حاول أن يصعد على جماجمكم ليكون رئيس جمهورية لبنان .. ثم تذكروا جيداً ما فعله ابنه وليد بكم عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م .. وتذكروا أخيراً بأن الدروز هم الدروز في كل عصر ومصر.
- ولا تنسوا أخيراً عداوة النصارى لكم: في فلسطين المحتلة، وفي الأردن، وفي لبنان، وفي الفاتيكان، وسواء كانوا يساريين كعفلق وحبش وحواتمة وجورج حاوي، أو يمينيين، كريمون إدة، وبيار الجميل، وسليمان فرنجية .. لا تتجاهلوا تاريخ أمتكم، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا .. واذكروا قوله تعالى: ]وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء[ [هود: 113].
وقوله تعالى: ]لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ[ [الممتحنة: 22].
ثالثاً – عودوا إلى الله:
في لقاء المفتي الأسبق الشيخ محمد أمين الحسيني رحمه الله مع أبناء وطنه وجهوا إليه السؤال التقليدي التالي: (متى نعود إلى فلسطين).
فأجاب: عودوا إلى الله تعودوا إلى فلسطين!!.
فسخر سفهاؤهم من جواب المفتي، وراحوا يتساءلون: ما علاقة العودة إلى الله بالعودة إلى فلسطين؟!.
وهل أخرجنا من ديارنا وأوطاننا إلا الله؟! .. ودفعهم كرههم لما يدعوا إليه الشيخ الحسيني إلى الانخراط في الأحزاب والحركات القومية واليسارية: كحزب البعث العربي الإِشتراكي، والحركة الناصرية، وحركة القوميين العرب، والأحزاب الشيوعية العربية.
وبعد رحلة شاقة في مسيرة هذه الأحزاب القومية العلمانية دامت أكثر من ثلاثين عاماً ثبت بالأدلة الأكيدة أن قادة هذه الأحزاب متآمرون مخادعون .. وقد استغلوا كثيراً من أبناء فلسطين في معاركهم ضد خصومهم سواء كانوا من الدعاة إلى الله أو من غيرهم، وأخيراً فعلوا بالفلسطينيين ما عجز اليهود عن فعله.
وبعد هذه الرحلة الشاقة المضنية تذكر العقلاء من أبناء فلسطين قوله المفتي رحمه الله: عودوا إلى الله تعودوا إلى فلسطين.
أما والدة خالد الحسن – أحد قادة منظمة التحرير – فكانت تؤكد منذ بداية تأسيس فتح أن فلسطين لن يحررها إلا المجاهدون المسلمون الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا.
ذكر أحد أبنائها القصة التالية:
كان زوجها – والد خالد الحسن – أحد المجاهدين الأشداء في ثورة الشيخ عز الدين القسام، وكانت زوجته تشاركه في آماله وآلامه، وتؤدي دورها المطلوب في معركة المصير .. وفرحت المرأة عندما سمعت أبناءها يتحدثون عن تأسيس فتح، وكانت تذكرهم بجهاد أبيهم، وتطلب منهم أن يرتسموا خطاه.
واجتمع قادة فتح في بيت خالد، واستمر اجتماعهم طوال ليل ذلك اليوم، وكانت الأم ترصد حركات المجتمعين وأفعالهم، وكان الأبناء يستغربون من أمهم التصاقها بباب الحجرة التي تضم معظم قادة فتح .. وبعد أن انفض الاجتماع قالت الأم لأبنائها:
شتان شتان بين اجتماعكم واجتماعات أبيكم وأصحابه .. كانوا يقومون الليل صلاة وذكراً، وأنت ما سمعت منكم إلا العبث والكلام الفارغ .. وليست مواصفات الذين سيحررون فلسطين من العدو المغتصب!!.
ما أروع الفطرة السليمة، فهذه المرأة لم تجهد نفسها في البحث والتنظير، ولم تقرأ عشرات المؤلفات، بل لعلها أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك فإنها أدركت بفطرتها التي لم تلوثها الأفكار والاتجاهات الدخيلة الشاذة بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن النصر من الله وحده لا شريك له، وليس من واشنطن أو موسكو أو بكين، ومن يعتصم بالله ويأخذ بأسباب النصر لا تهزمه أساطيل الدول الكبرى ولا جيوشها وصواريخها:
]كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[ [المجادلة: 21].
حقاً لقد كانت والدة خالد الحسن أبعد نظراً من أبنائها ومن معهم من قادة فتح، وأكثر منهم وعياً وعمقاً .. وتذكر أحد أبنائها نصيحة أمه بعد عقدين من الزمن، وبعد أن تعامل مع قادة المنظمة عن كثب وسبر أغوارهم، وأدرك أنهم أصحاب أهواء وطلاب زعامة، وأنهم يتاجرون بقضية فلسطين كغيرهم من الحكام العرب .. تذكر الإِبن نصيحة أمه فتخلى عن المنصب المرموق الذي كان يشغله في فتح، أما أخواه فتخلوا عن منهج أبيهم وغرقوا في أوحال السياسة.
رابعاً – انتهى دور عرفات:
انتهى دور عرفات بعد أن تخلى بعد أسياده، وفشلت تحالفاته، وانشق عنه رفاق دربه.
ومع ذلك لا تزال بعض الأصوات تطالب باستمرار قيادته، وتلتمس له الأعذار .. لهؤلاء نقول: إذا كان عرفات غبياً وغير قادر على معرفة العدو من الصديق، فلا يجوز أن يقود الغبي أمة مجاهدة .. وإذا كان عرفات خبيثاً، وقد كان يعرف مخططات حلفائه، وتعاون معهم حرصاً على زعامته فهو خائن مجرم .. وفي كلا الحالتين يجب أن لا تستمر قيادته للشعب الفلسطيني.
يا أبناء فلسطين: ما هو المبرر لاستمرار قيادة هذا المجرم الذي قاد أمته من مجزرة إلى مجزرة ومن محنة إلى محنة أخرى؟!.
حكموا عقولكم ودعوا عنكم العواطف الفارغة ما الذي يجنيه الشعب الفلسطيني من تقارب عرفات مع الملك حسين أو مع حسنى مبارك؟!.
وماذا تنتظرون من الجزار أسد حتى يتذلل له عرفات، ويطلب منه العفو والمغفرة .. لو كان رئيس المنظمة وفياً لشعبه لما مد يده للمجرم أسد بعد مذابح عام 1976م، لكنه لم يكن وفياً ولا أميناً على دماء وأعراض المستضعفين في المخيمات الفلسطينية.
أي طريق مشبوه لم يسكه عرفات؟!، لقد فاوض اليهود منذ عام 1975م زاعماً أنهم من دعاة السلام ويعارضون نهج النظام الصهيوني، وحاول أن يكسب ود الأميركان، وهاجم المجاهدين المسلمين الأفغان نفاقاً للسوفيات، وبايع الخميني إماماً للمسلمين، ورفع شعار العلمانية، وكان ينفق أموال الشعب الفلسطيني على قطاع الطرق ورجال العصابات في بيروت وطرابلس وصيدا .. ولو كان يعلم بأن اليهود سينسحبون له عن (أريحا) ويسمحون له بإقامة دولة فلسطينية مستقلة فيها لفعل أكثر مما فعله السادات.
يقول بعض الفلسطينيين: إن البديل لعرفات قادة الانشقاق – أمثال أبي موسى وأبي صالح – وأحمد جبريل وجورج حبش ونايف حواتمة .. وهؤلاء ليسوا أحسن حالاً من عرفات ومساعديه.
قلت: المنشقون هم بطانة عرفات وأصدقائه، وقيادته المنحرفة جاءت بهم، وكان يعلم أهدافهم، ولم يختلف معهم على أهداف وتصورات، وإنما كان الخلاف شخصياً.
ومن جهة أخرى فالقضية المطروحة ليست عرفات أو المنشقين، لقد ثبت فشل هذه القيادة بشقيها، ولم تعد مؤهلة لقيادة هذا الشعب المسلم الذي نهض من سبات نوم عميق، وكفر بالشرق والغرب، وعاد إلى كنف ربه يسأله النصر والغفران .. وعرفات ومن حوله يعلمون هذه الحقيقة، ويحاولون استقطاب هذه الجموع – داخل فلسطين المحتلة وخارجها – بأساليب ملتوية ليس هذا موضع الحديث عنها .. ولكن هيهات له ذلك، فلقد أفل نجمه، وانفض الناس من حوله.
والقيادة المرشحة لهذه المهمة هي القيادة التي لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً ولا توالي أعداء الله، ولا تضع الورود والرياحين على قبر لينين.
إنها القيادة آلت تستنفر جميع طاقات المسلمين المعطلة، وتعمل جاهدة من أجل توحيد جماعات وهيئات أهل السنة، فليس هناك أخطر على المسلمين من الفرقة والتناحر.
أجل إنها القيادة التي تتفهم مشكلات العصر، وتضع لها الحلول المناسبة من غ ير ما غلو ولا تسيب .. وتتق الله في كل قطرة دم من دماء المسلمين.
وهكذا كانت قيادة صلاح الدين الأيوبي وأستاذه عماد الدين زنكي عليهما رحمة الله ورضوانه.
ومن تقدير الله العجيب أن قيادة صلاح الدين هي التي حطمت دولة العبيدين في مصر، ودويلات الحشاشين والنصيرين والرافضة في بلاد الشام.
ما أشبه الليلة بالبارحة فالنصيريون في بلاد الشام، والرافضة في لبنان وإيران والعراق يذكروننا بسيرة أجدادهم مع الصليبيين والتتار ونرجوا الله أن يبعث في هذه الأمة رجلاً كصلاح الدين وما ذلك على الله بعزيز.
خامساً – رأي في عودة مصر:
مما لا شك فيه أن الرئيس المصري السابق – عليه من الله ما يستحق – ارتكب جريمة كبرى وخيانة عظمى يوم زار الكنيست الإِسرائيلي، وعانق القتلة المجرمين أمثال: بيغن، ودايان، وشارون، وبيريز، وأعقب هذه الزيارة التوقيع على معاهدة (كمب ديفيد)، وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع العدو الصهيوني.
وأعلن الحكام العرب من جهتهم في مؤتمر بغداد مصر سياسياً واقتصادياً، فزادت هذه المقاطعة من وقاحة فرعون مصر، فأعلن عما بنفسه من حقد وكراهية للعرب، وأصبح دمية تحركها الولايات المتحدة كما تشاء.
ولم تتغير أحوال مصر كثيراً بعد هلاك السادات لأن خلفاءه وجدوا أنفسهم في موقف حرج لا يحسدون عليه ولا يستطيعون منه فكاكاً.
والذين استفادوا من عزلة مصر فضلاً عن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل: النظام النصيري في دمشق، ونظام الآيات في طهران، ونظام القذافي في طرابلس الغرب.
فنظام طهران لا يقبل اليوم أية وساطة من أجل إنهاء الحرب بينه وبين العراق، ويهدد باحتلال دول الخليج العربي.
ونظام دمشق النصيري تمكن من احتلال معظم لبنان تحت مظلة الجامعة العربية، وارتكب أسوأ المجازر ضد المسلمين السنة، وبشكل أخص الفلسطينيين منهم.
ونظام القذافي يحاول احتلال تونس والسودان، ومن جهة أخرى يحرك جماعة أبي نضال وغيرها من الجماعات الإِرهابية التي تعيد للأذهان أسلوب عبد الناصر، ومعاركه التي كان يفتعلها داخل البلدان العربية.
ومن جهة ثالثة ينسق هذا النظام مواقفه مع كل من سورية وإيران.
ولهذا يعارض الباطنيون في العالم العربي بشدة أية محاولة تهدف إلى عودة مصر إلى الصف العربي، لأن هذه العودة تقلل من أهميتهم وتضف شأنهم ..
ومن المؤسف أن أي حاكم عربي لا يستطيع كبح جماح أسد النصيرية الذي أصبح مرهوب الجانب بعد غياب مصر وانشغال العراق بالحرب.
ولا أدري ما هو المبرر في عدم عودة مصر إلى الصف العربي؟!.
إن جميع الحكام العرب يلهثون وراءا لحلول الاستسلامية مع العدو الصهيوني، لكنهم يخشون شعوبهم، ويفتقدون وقاحة السادات ولا أقول جرأته.
ليست المشكلة عندنا في هذا الحاكم أو ذاك إنما المشكلة في عزلة الشعب المصري المسلم، وما يعانيه من أزمات اقتصادية خانقة تنذر بأسوأ الكوارث.
سادساً – إن ربك لبالمرصاد:
أخبرنا جلَّ وعلا أن أمماً طغت وبغت وأكثرت في الأرض الفساد، فأخذها الله سبحانه وتعالى من حيث لم تحتسب، وجعلها عبرة لمن يعتبر. قال تعالى:
]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ.[. [الفجر: 6-14].
لقد ظن الذين سفكوا دماء الفلسطينيين في لبنان أنهم خالدون مخلدون في هذه الحياة .. فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .. ومن أشهر هذه الأسماء:
- طوني بن سليمان فرنجية الذي كان يطمع أن يكون خليفة لأبيه في لبنان .. قُتِلَ في معركة مع حزب الكتائب الماروني، وكان حزن أبيه على قتله أعظم من أن يوصف.
- موسى الصدر زعيم الشيعة ومؤسس حركة أمل اختطفته مخابرات صديقه القذافي مع مرافقيه، ويقال بأنه تمت تصفيتهم.
- بشير بن بيار الجميل: رئيس جمهورية لبنان، وقائد القوات المارونية الذي كان يسمى بشارون لبنان .. قتله نصارى من الحزب القومي السوري الاجتماعي.
- كمال جنبلاط: الزعيم الدرزي الذي ورط الفلسطينيين في المعركة وتخلى عنهم .. قتله نصيريو حافظ الأسد.
- بيار الجميل: زعيم الكتائب، رده الله إلى أرذل العمر، وهلك بعد مقتل ابنه بشير، وبعد أن دب الخلاف بين قادة حزبه.
- سعد حداد: زعيم الدويلة المسيحية في الجنوب، وعميل إسرائيل، أهله الله بالسرطان.
ومن الذين يعيشون في رعب، ولا يأمنون على أرواحهم وأبنائهم، ويخشون حتى من الجند الذين يحرسونهم.
- طاغية سورية حافظ الأسد لقد نجا من الاغتيال بأعجوبة، وكاد يهلك بمرض القلب، ورأى بعينيه اختلاف الوارثين على تركته.
- كميل شمعون: نجا من الاغتيال أكثر من مرة، وأباد الكتائبيون معظم قادة مليشياته، والغريب أن الذين يهددونه بالقتل أبناء جلدته الموارنة .. وفوق هذا وذاك فقد رده الله إلى أرذل العمر.
- تدور معارك طاحنة بين أطراف حزب الكتائب، أي بين إيليا حبيقة من جهة، وأمين الجميل وسمير جعجع من جهة أخرى، وكان ضحية هذه الاشتباكات مئات القتلى، ولا أظن أن هذا الخلاف سيحسم بصورة سليمة.
- جرت أكثر من محاولة لاغتيال وليد بن كمال جنبلاط، وكانت سورية إحدى هذه الجهات المتهمة باغتياله لأن شهر العسل بينه وبينها قارب الانتهاء.
- وجرت أكثر من محاولة لاغتيال زعيم حركة أمل نبيه بري .. وهناك جهات كثيرة – داخل الطائفة وخارجها – تطالب بدمه.
هذه بشائر في طريق النصر إن شاء الله، والله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهلاك الظالمين لا يعني التثاقل إلى الأرض، وعدم الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية.
من عادة الإِسلام ينصر عاملاً ويسود المقدام والفعــــالا
ظلمته ألسنة تؤاخذه بكــــم وظلمتموه مقصرين كسالا
إخواني أبناء فلسطين: لا تقنطوا من رحمة الله، ولا تيأسوا من نصره:
]قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[ [الحجر: 57].
واعلموا بأن الإِسلام لم ينهزم في معاركنا مع اليهود.
لقد انهزم القادة الملاحدة الذين يوجهون أشرس الضربات لدعاة الإِسلام.
وانهزمنا جميعاً لأننا قبلنا قيادة هؤلاء الطغاة لنا، وقاتلنا تحت الرايات الجاهلية التي يرفعونها.
وانهزمنا بذنوبنا، وكثرة معاصينا، وتفرق كلمتنا.
ثقوا يا أخوة بأن اليهود هم اليهود في كل زمان ومكان جبناً وهلعاً وضعفاً .. إنهم لا يقاتلون إلا إذا كانوا في قلاع حصينة أو في دبابات متينة. قال تعالى:
]لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ[ [الحشر: 14].
ولو كان المسلمون المجاهدون يملكون أرضاً لا تزيد مساحتها عن مساحة لبنان أو الأردن، وكانت هذه الأرض مجاورة لفلسطين المحتلة لانتصروا على اليهود بإذن الله.
لقد وعدنا الله بالنصر والتمكين عندما ننصر الله جلَّ وعلا في أخلاقنا وأفعالنا ]إنا إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ[ [غافر: 25].
]وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ[ [الروم: 47].
________________________________________
الفهرس
الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
أخي القارئ .......................................................
مقدمة .............................................................
الفصل الأول
المبحث الأول .................................................
من غير تعليق .....................................................
المبحث الثاني ................................................
فقرات مختارة من كتابي الأول: وجاء دور المجوس .................
أصول لا بد من معرفتها ............................................
الثورة الإيرانية ومنظمة التحرير ....................................
ظاهرة الصدر وثورة الخميني .......................................
الفصل الثاني
المبحث الأول
الاعتداءات على المخيمات التي سبقت مجازر أمل ..................
معارك أيلول سنة 1970م ..........................................
معارك 1976م وتل الزعتر .........................................
تقرير لوكالة رويتر .................................................
عملية الليطاني ....................................................
الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م .............................
الموقف العربي .....................................................
مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982م ..................................
المبحث الثاني
شهود المذبحة .....................................................
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
الشاهد الأول ......................................................
الشاهد الثاني .....................................................
الشاهد الثالث .....................................................
الشاهد الرابع ......................................................
الشاهد الخامس ...................................................
الشاهد السادس ....................................................
البداوي ونهر البارود ...............................................
الفصل الثالث
المبحث الأول
عدوان أمل على المخيمات الفلسطينية ..............................
وصف لسير المعارك ................................................
المبحث الثاني
صور من الفظائع التي ارتكبتها قوات أمل ..........................
تقرير للصحفي البريطاني ديفيد بلاندي نشرته الصنداي تايمز ......
تقرير نشره الصحفي (جون كيفنر) .................................
الفصل الرابع
المبحث الأول
مرحلة ما بعد حرب المخيمات .....................................
المبحث الثاني
مجزرة طرابلس ....................................................
أقفال الملف اللبناني ...............................................
المبحث الثالث
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
الشيخ سعيد شعبان ماذا يريد؟! ....................................
تأييد لمنظمة التحرير ...............................................
لمحات عن تعاونه مع إيران .......................................
الوساطة الإيرانية وتصريحات شعبان ...............................
رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .....................................
الفصل الخامس
المبحث الأول
الصدر والمجلس الشيعي الأعلى ....................................
كلام مهم لكامل الأسعد ...........................................
أقوال الأسعد في الميزان ............................................
ماذا يريد النصارى من إنشاء المجلس الشيعي الأعلى ................
تعاون الرافضة مع الموارنة ..........................................
جنوب بيروت للشيعة أم للسُّنة ....................................
ما لم يصرح به الأسعد .............................................
المبحث الثاني
نظرات في مواقف قادة أمل وتصوراتهم ..............................
حركة أمل تدعو إلى العلمانية .......................................
أمل والقضية الفلسطينية ...........................................
التعاون اليهودي الشيعي ...........................................
أضواء على شخصية نبيه بري ......................................
أمل على خطي الكتائب ...........................................
المبحث الثالث
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
صراع مراكز القوى .................................................
أطراف الصراع ....................................................
حلفاء الموارنة ......................................................
رجال الدين الرسميون .............................................
الحركات الموالية لإيران ............................................
حركة أمل ........................................................
حقيقة هذا الصراع .................................................
حركة أمل وآيات قم ..............................................
قواسم مشتركة .....................................................
الرافضة لا يصدقون ................................................
موقف الرافضة من أهل السنة واحدة ...............................
لماذا يستغربون تعاون أمل مع الموارنة ...............................
المبحث الرابع
سياسة توزيع الأدوار ..............................................
بري بين العلمانية والطائفية .......................................
الفصل السادس
الفلسطينيون بين فكي الكماشة .....................................
المبحث الأول: حوار مع صديق ....................................
المبحث الثاني: عرفات يبحث عن دور ............................
المبحث الثالث: تحالف المنظمة مع الباطنيين ......................
المبحث الرابع: تحالف المنظمة مع الصليبيين ......................
المبحث الخامس: تحالف المنظمة مع السوفييت ....................
تابع الفهرس
الموضــــــــــــوع الصفحة
المبحث السادس: الأباطرة ........................................
تعليقات ..........................................................
المبحث السابع: المنشقون ..........................................
المبحث الثامن: الموقف العربي .....................................
المبحث التاسع: وهل بعد ذلك من نصر؟! .........................
لا تنسوا ...........................................................
عودوا إلى الله .....................................................
انتهى دور عرفات .................................................
رأي في عودة مصر .................................................
إن ربك لبالمرصاد ..................................................