من يجرؤ على اتهام الأسد؟
أحمد الجارالله
فيما بدأت بلابل القفص السوري تغرد في سرب مصافحة الأسد ورئيس اسرائيل كاتساف، وتتبادل الاتهامات فيما بينها، وتخشى عبارات التخوين، وتتفق على أن ما في سورية هو من شر البلية الذي يضحك العالم، وأن إسرائيل إذا كان رئيسها جادا في المصافحة، فليتفضل الى طاولة المفاوضات..فيما هذه البلابل تغرد وتتصافق بأجنحتها، نرى بلابل لبنان، من بري الى نصرالله الى لحود الى قنديل، الى عضوم، الى كل طالع ونازل في هذا السرب المثير للشفقة، لشدة عمالته العمياء، تتزاحم على امتشاق سيوف التحدي، وإعلاء نبرة المقاومة، والتمادي والمغالاة في عداء اسرائيل.
والسؤال هنا: ماذا سيكون عليه مصير هؤلاء الأيتام البائسين وقد تركتهم الجيوش السورية المنسحبة من لبنان وراء دباباتها وشاحناتها المليئة بالأثاث، ربما المسروق، والابقار (ما دخل الابقار بالمعدات العسكرية؟) .. هل سيستمرون في مواصلة الدور المأمورين به من دمشق، ودمشق بدأت تغير ملابسها وأدوارها، وهل سيواصلون تعطيل قيام الدولة اللبنانية الجديدة بتأخير متعمد لتشكيل حكومة مربوط بتأخير الانتخابات العامة والتمديد للمجلس النيابي الحالي ذي الاكثرية الموالية لسلطات الاحتلال السوري الغاربة، أم ماذا؟!
لن نكترث بتوابع الاحتلال السوري في لبنان، بل سنهتم بمصافحة الأسد، كاتساف. نحن مع هذه المصافحة، سواء أثمرت سياسيا أم لم تثمر. فالسلام خيار سوري ستراتيجي، وتحقيق هذا الهدف مستحيل من دون مفاوضات، والمفاوضات تكون مع الاسرائيليين لا مع الاشباح.وهذه الحقائق هي المطلوب اعتناقها في التفكير وفي الشعارات اذا أردنا التوقف عن تضليل الناس بالنضال الوهمي، وبالخطب الرنانة ، وبالحناجر الصارخة، والامتناع عن المتاجرة بأرواحهم.
إننا نخشى الآن أن يطلع علينا بلابل لبنان، من نصرالله، وقنديل وعضوم وفرزلي، ويقولون لنا أن الأسد ذهب ضحية مؤامرة أميركية لكن الله أنجاه منها، وأن مخابرات أميركا هي التي قتلت البابا، الذي مات بكبر السن، او أن إسرائيل هي التي دست له السم في طعامه، إلى ماهنالك من كلام ينتمي الى شر البلية الذي يضحك.
لقد عشنا هذه السفاهة السياسية منذ 50 سنة، ومع المخادعة حيث كان الادعاء باسترجاع الجولان مبررا لإخصاء الشعب السوري، ومصادرة حقوقه الانسانية، وحريته، وكرامة حياته، وكان الضحايا يتساقطون بالعشرات بإلباسهم تهم التعامل مع »العدو الاسرائيلي« بينما كان هؤلاء الضحايا لاذنب لهم سوى أنهم يستحقون الابتزاز في ثرواتهم وأعراضهم، وعيون المناضلين الحاسدة عليهم، ولعابهم يسيل على ممتلكاتهم، والكل يذكر المسكينة ملكة جمال لبنان التي شاركت في مسابقة ملكةجمال الكون، وصافحت، دون أن تدري، ملكة جمال إسرائيل.. هذه المسكينة ما أن عادت الى وطنها حتى سارعت اليها الاجهزة بالاعتقال بتهمة »مصافحة العدو«.. والله أعلم ماذا دفعت كي يفرج عنها، ويجري إطلاقها من زنازين الاشاوس.
سورية الآن فاقدة للجولان، ولم تطلق رصاصة مقاومة واحدة فيه، ومحاصرة، وتعاني من عزلة دولية بسبب سياسة التنكر للواقع، والمواظبة على سياسة إخفاء الشمس بالمنخل، وهي الآن في وضع لم يعد يسمح لها الا بانتهاج خيار التفاوض الجدي، والتأهل لدخول المفاوضات مع اسرائيل، أي إقامة النظام الديمقراطي التعددي، والتوقف عن دعم الارهاب.. وهذا التأهل متاح اذا كان هناك ارادة في سورية وإجماع.
مصافحة الأسد كاتساف لا نراها من المحرمات، ففي الحرب العالمية الثانية، وإثر الهزيمة تنازل امبراطور اليابان حتى عن "ألوهيته"، حيث لم يكن الناس يجرؤون على النظر الى وجهه أو سماع صوته، وأعلن استسلامه للمنتصرين، وقال لا أريد ضحايا في بلدي، وباشر بناء نظام سياسي جديد أصبحت اليابان من بعده من أولى الديمقراطيات في العالم.
بالعكس.. فان مصافحة الأسد كاتساف دليل على الثقة بالنفس، تماما كما كان استسلام امبراطور اليابان وتنازله عن صفاته دليلا على الثقة بالنفس، وضمانا لاستمرار عرشه الذي تتنعم به ذريته حتى اليوم.
لقد كنا دائما في صفوف المحاربين ضد السفاهة السياسية، وضد تبادل التخوين والعمالة، كلما، اختلفت سورية مع هذا البلد العربي أو ذاك، لان نتاج هذه السفاهة لم يصدر الا من الانظمة القومية التي انكشفت بأنها أنظمة ابتلاعية وتقوم على العدوان، كما حصل في احتلال نظام صدام حسين للكويت، واحتلال النظام السوري المديد للبنان.. إن هذه الانظمة القومية الشمولية أنتجت كذلك فسادا غير موصوف، وأنتج أجهزة مخابرات تجاوزت في استبدادها وطغيانها وانتهاكها لحقوق الانسان كل الحدود، الى جانب عملها في التجارة غير المشروعة، وتبييض الاموال.
حسنا فعل الأسد حين صافح كاتساف، فقد أظهر أنه حاكم وطني يريد مصلحة سورية وإخراجها من العزلة، ومن اختناق الافق السياسي، تماما كما كان أنور السادات حاكما وطنيا، والحبيب بورقيبة حاكما وطنيا.
الآن ماذا سيقول لنا حسن نصرالله بعد هذه المصافحة التي يمكن أن تتطور سياسيا وتنتهي بمعاهدة سلام بين سورية واسرائيل، وماذا سيفعل أيتام النظام السوري في لبنان الذين تاجروا بشعاراته وتركهم وحيدين وراء دباباته المنسحبة؟
http://www.metransparent.com/texts/ahmad_j...ccuse_assad.htm