كنت أرتب "أوراقي الأثيرية وملفاتي الأنترنتية" قبل قليل ...
كنت أبوّبها وأتنخّلها وأركب راحلة الزمن كي أقف بها واستوقفها على كل طلل دارس ورسم عابس وغصن يابس ...

كنت أنبش "قديمي" في المنتديات، فأبتسم أحياناً لبعض المداخلات، وأشيح عن أخرى بوجهي، ولربما ورت زنادي الثالثة وأثقلت قلبي الرابعة ...

قضيت ساعتين وبعض الساعة وأنا أرحل في تضاعيف هذا التاريخ المتقلب، أتذكر مناسبة بعض ما كتبته وأراني ناسياً الأخرى ... أحن إلى بعض كتاب الرعيل الأول وأتعوذ من آخرين؛ أصحو وأمطر، أشتعل وأخبت، أناجي "ليلى" وأفر من "المجنون"...

مررت على نصوص جميلة وأخرى مثل وجه "الحطيئة". ولكن نصاً بعينه استوقفني لأنه بدا لي غير مكتمل ... بحثت عن "تتمته" بين ملفاتي فلم أعثر لها على أثر. حاولت مثنى وثلاث ورباع مع "أقراص قديمة" كي أعود كل مرة بخفي حنين.

قررت أن أنشر النص القديم هنا، وأسأل عابري السبيل من الزملاء الذين كانوا يتابعون النادي في "آرابيا" إن كان أحد منهم يحتفظ ببغيتي .. ولأوضح:

كنت قد كتبت في "النادي" عندما كان في "منفاه" في "آرابيا" نصاً إنشائياً عن "الكتابة وأساليبها".

كان ذلك في 23 يونيو|حزيران سنة 2001. وكنت يومها قد غضبت لأن موضوعاً لي "طار" بقدرة قادر لأنه في عرف "تجار آرابيا" قد خالف القوانين المرعية للكتابة عندهم. يومها، تضايقت وحبرت نصاً عن "الكتابة" عندي ... ثم هدأت واستتبعته بنص آخر حول أسلوب آخر من الكتابة كي ألحق هذا الأخير بنص ثالث ورابع (كما أذكر) حول أساليب أخرى.

بقيت النصوص الثلاثة الأولى في جهازي وغاب النص الرابع. ولم يسعفني ارشيفي في الحصول عليه ... فهل هناك من "الرواد والمتابعين" القدامى من احتفظ، ولو سهواً، بهذه النصوص ؟ .... ليته يسعفني وأكون له من الشاكرين ...

سوف أتلو عليكم النصوص الثلاثة الآن وأنتظر "النص الرابع" ... فلعل وعسى ... وشكراً سلفاً ...

(f)

واسلموا لي
العلماني

(1)

الكتابة عندي هي أن تغسل يديك بماء النار وتقبض على شعر الشمس وتدخلها جحور الفئران الباردة المظلمة الرطبة ....

الكتابة عندي استحمام بسحر الكلمة وهتك عورات القماءة والدناءة والفكر المخصي والتعبير المقعد .... هي الاجهاز على اللغة المستهلكة المتهالكة ودواوين "السلامات" و"حفلات الزار" و"مجالس الحشيش والأفيون" ، جاءت هذه من التقاليد أم من العادات أم من الدين أم من الأخلاق القروسطية ... لا فرق ....

الكتابة عندي هي فعل تمرد وخروج على الأعراف، وعلى الشائع والمتداول والمبذول ... هي قبضة مرفوعة في وجه السماء وسوط من نار يتهاوي على الأرض .... هي زعزعة كيانات، وتحطيم أبواب موصدة، وانفلات من أطواق الواقع والمكان والزمان وإعادة ترميمهما من جثثهما ........

ليست الكتابة عندي – ولن تكون – التعامل مع العصافة والهباء المنثور على أنهما كلأ الأرض وخصوبتها ...

ليست الكتابة عندي تمسحاً بالتقاليد البالية واحتراماً لمنظومات قيمية هي أصل تخلفنا وشره المستطير ...

ليست الكتابة – في عرفي – اجتراراً لأحاديث لينة يلفها الحياء وتغرقها الحشمة ويلوكها كذب رخيص لم تنطل حقيقته على الكاتب والمتلقي ....

لن أكتب حرفاً لو التزمت بالمقدسات والأديان والحياء والحشمة والأخلاق والفضائل السائدة ..

لن أكتب حرفاً لا يهتك ستر الثوابت ولا يعري ربات الخدور ولا يجعلني أنتشي برائحة الغابات البكر والزهور المسورة المحمية ....

لن أكتب حرفاً لا يثير زوبعة أو ريحاً أو إعصاراً ..
.
لن أكتب حرفاً لا يقلب عالمي رأساً على عقب، فأنا في النهاية لا أكتب إلا عندما أحس نفسي قنبلة من نار ونور، وينبوعاً لن يتسع صدر الجبل له فيشقه ويمضي كي يعانق الشمس والهواء و تعديل سطح الأرض وزيادة ماء اليم ....

يتبع ...

ومع هذا فأنا أعلم بأن للكتابة وجوه أخرى أستعذبها وأحبها وأتهادى على رقراق مائها وطيب ترابها ونقاء حصبائها ...

من هذه الوجوه ذلك الحرف المرتدي نسيماً ألقاً يداعب - سويعات الصبح - جبين زهرة ندية فيوزع عطرها على الأرض وكائناتها بكرم وانفتاح وعشق ووجد ...

في هذا المضمار يستحيل الحرف إلى ابتسامة عذراء حيية وخصر يتماوج ويذوب على أنغام موسيقى سرمدية ... ....

تلبس الكلمة - مع هذا الوجه من وجوه الكتابة – ثوباً تتضوع منه جميع أنفاس الربيع، وتروح مختالة على صب معمود

"تسقيه من طرفها خمراً ومن يدها ..... خمراً فما له من سكرين من بد" ....

ينطق القلم مع هذا الوجه الآخر للكتابة بجميع خمريات الأعشى والنواسي وغياث بن غوث التغلبي ... ثم يروح يعزف شعر "المجنون" و"جميل بثينة" و"كثير عزة" وكل وجد " العباس بن الأحنف" بصاحبته "فوز" ... بل أنه يتمادى طرباً فيروح يراقص "عنان جارية الناطفي" على موسيقى "عريب" و"معبد" و"ابن جامع " و"إسحق الموصلي" ....

بقدر ما كان وجه الكتابة الأول يمثل "الشنفرى" و"لبيد" و"عمرو بن كلثوم" و"أبو الطيب المتنبي" و"الجواهري" في عصرنا الحديث، بقدر ما يأتي وجهها الثاني متمثلاً "بابن المعتز" و"ابن زيدون" و"جبران" و"نزار قباني" ... ولكنك لن تتعب في أن تجد جميع شعر المبدعين وجماع نثر الأدباء قد توظف في هذين الوجهين بحيث يخلع واحداً كي يلبس الآخر مع كل قصيدة ، بل وفي القصيدة الواحدة نفسها ... هكذا مثلاًُ نجد بجانب "افاطم مهلاً بعض هذا التدلل" عند امريء القيس "مكر مفر مقبل مدبر معاً"، وهكذا نجد "المتنبي" يفيض رقة وعاطفة قبل أن يتخلص إلى ممدوحه فيعلو الغبار وتقطر السيوف وتزبد الكلمات ....

تتعدد الأمثلة وتترى والمبدعون العرب لا يحيدون عن هذا الدرب إلا قليلا عندما ينصرفون أحياناً إلى ضرب من المرورة والسخرية والتهكم ...

ولكن لندع الآن هذه الضروب ولنتعاطى مع نوعية مختلفة من أساليب التعبير، بل لعله الأسلوب الأكثر استعمالاً في عصرنا الحاضر : أعني "الكتابة الأداة"، الكتابة الفاترة الباردة التي نعثر بها كل يوم في الصحف والإذاعات المسموعة والمرئية ، بل لعلها "لغة المنتديات" الأكثر تداولاً والتي تعنينا بصورة مباشرة في هذا المضمار ...

ولكن، لهذه الكتابة حديث آخر آت فقد ابتدأنا بالاقتراب من جوهر موضوعنا ...


يتبع .....

عندما يصبح القلم "عبوة فيتامينات"، وضرباً من الغذاء المباع في الصيدليات بعد أن اقتنص منه دسمه وطعمه ولونه ورائحته، عندها نكون قد وصلنا إلى الأسلوب العلمي أو "الكتابة الأداة" ....

ليس للقلم – مع هذا الوجه من وجوه الكتابة - أن يكون جمحة حصان شارد، ولا أن يستحيل إلى رجع ترنيمة مقدسة في عمق واد مهيب، لا وليس له أن يريد "عمروا"ً من خلال مهاجمة "زيد" ... فالمطلوب من المداد أن لا يكفهر ولا يدلهم ولا يوشح ولا يوشي ولا يترنح بين الخيط الأسود والخيط الأبيض ... فهمّ الكاتب منصب على إيصال "فكرة ما" - تفتق عنها وعيه - دون التفاف ولا مواربة، وبمقدار ما يكون مباشراً كالسهم واضحاً كالصبح صادقاً كطلقة مسدس، يكون قد نجح في إداء مهمته على خير وجه ...

هذا الوجه من وجوه الكتابة لا يأخذ زخمه من الحرف وفنونه، ولا يستمد ألقه من الخيال وتحويماته، ولا يشتد ساعده بيد روح منفعله وخفقان قلب سريع النبضات ... فقوام هذا الأسلوب يعتمد على صحة واستقامة الفكرة منطقياً في المجالات النظرية، وعلى دقة التجرية وسلامتها في المجالات التطبيقية ....

ومع هذا فلو عرف هذا الأسلوب أن يمتزج بالحرف الجميل والخيال المجنح، لصال وجال وفتن الخلق ومشى في ركابه المجد، وأمس كان "فريدريك نيتشه" يقبض على جماع عبقريته بكلتا يديه ويترك للأجيال "هكذا تلكم زرادشت" ، فيمزج الفكرة المحكمة بأتون الحرف المتوقد، ويسطر على جبين الزمن فصلاً من الجمال الفلسفي الذي ما زالت تغلي مراجله حتى اليوم .. ولكن الدهر لا يجود دائماً بمثل "نيتشه" ولا بمثل "فولتير" قبله، بل أن الأغلب الأعم من جمهور العلماء والفلاسفة أكثر جفافاً من "أرسطو" و"توما الأكويني" و"ابن رشد" و"باروخ اشبينوزا" و"عمانوئيل كانط" "وألبرت أينشتاين" "وهانز كلسن" ... هم –كما أسلفنا – ضرب من "زيت السمك" المقوي المغذي المفيد الذي لا يستسيغه اللسان وينفر منه الفم ويحتج عليه الحلق ....

شكراً ...

واسلموا لي
العلماني

صحيح انو اسمي "آرابيا" فليكس.. لكن ماكنتش معكم بـ "آرابيا" :P .. ولكن لوتحب اكملك من عندي .. اعطيني شي طرعتشر شهر لحتى اكون قد المقام (f)

بسيطة يا عميد ، حبتين " ذاكرة " وبيمشي الحال .. أحيانا الحال يمشي أفضل مما كان عليه أيضا ..

قبل سنوات كنت (( أحلم )) بجمع شتاتي لنشره في مجموعة قصصية ، وفجأة اختفت النصوص .. أحدهم مزقها ..
بكثير من الجموح ، اعتقدت أن أحدهم " سرقها " لكي ينسبها لذاته ، ثم اكتشفت بعد سنين أن أبي هو من مزقها .. ما أعجبه أنني أتحدث عن ناهدي سعاد اللذان بدأا بالتفتح الظاهر :lol:

الآن .. ولا أدري لماذا ، عادت لي الذاكرة بشكل مفاجئ وبدأت استعيد ما مزقه أبي .. وعلى وشك أن أنجح :)


وان كان " حسان المعري " قادر على ذلك ، أمعقول أن يستعصي القلم على العلماني ؟!


تحياتي
(f)

وميظ :P..

ال "طرعتشر شهر" كم قيمتهم "الأمواحية"؟ (كم أمواح بيجو يعني؟) ...

(f)

حسان ...

هذه بركات "ناهدي سعاد" ولو بعد حين ... ولكن من أين لي بهذه البركات في هذا الموضوع ؟

:what: هممممم ... بيمشي الحال قولك لو ضمنت الموضوع "لحية واحد صاحبنا" ؟ :lol::lol:

وين الصبي تبع بسام الخوري ؟!!

إيه لقيتو ..

:baby::baby::baby:

(f)

اقتباس:  العلماني   كتب/كتبت  
أنتهى ما عندي في المداخلة السابقة ... فهل هناك من يزال يملك "تتمة" لهذا الموضوع ؟


شكراً ...

واسلموا لي  
العلماني

سلمك الله (f)
ونحن نريد تتمة الموضوع، هل من الممكن أن يعيد العلماني الكتابة؟ واستكمال رؤاه حول الكتابة؟
أتمنى

دمتَ بكل الخير الخير

اقتباس:سلمك الله  
ونحن نريد تتمة الموضوع، هل من الممكن أن يعيد العلماني الكتابة؟ واستكمال رؤاه حول الكتابة؟
أتمنى

دمتَ بكل الخير الخير

سوف أعد بالمحاولة يا ديانا ... هنا أو على منبر آخر ...

شكراً لك ...

واسلمي لي
العلماني