[CENTER]التغيير الديمقراطي في سورية: حسين العودات[/CENTER]


س 1 ـ كيف تقيمون نضوج أسباب التغيير في سورية ؟

ج1 ـ يبدو لي أن أسباب التغيير وشروطه وظروفه قد نضجت في سورية، فقد بدا واضحاً الآن فشل النظام السياسي في التعامل مع الوضع الداخلي والوضعين

الإقليمي والدولي، ففي الداخل يصر النظام على عدم مشاركة أحد في السلطة والثروة، ولذلك فهو يرفض الحرية والتعددية ويحاصر الرأي الآخر ويصر على استمرار العمل بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، ويلغي كل السلطات لصالح السلطة التنفيذية، ويتمسك بالدولة الأمنية، ويتجنب أي إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي حقيقي، وقد تزايدت الصعوبات الداخلية، والأزمة الاقتصادية، وارتفعت نسب البطالة، واستشرى الفساد، واستمرالإمعان برفض الديموقراطية، ورفض قبول تأسيس الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وإطلاق حرية الصحافة، ومع تغير الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لم يعد النظام قادراً على استمرار التهديد بالقبضة الحديدية، واتسعت الفجوة بينه وبين الناس، ووقع في أزمة حقيقية فهو من جهة يواجه مأزقاً داخلياً متعدد الجوانب غير قادر على حله وهو من جهة أخرى لا يريد شركاء في الثروة والسلطة، وبين هذا وذاك أخذ الناس يطالبون بحقوقهم، وأخذت أصواتهم ترتفع شيئاً فشيئاً، وحراكهم الاجتماعي والسياسي يتنامى، وانتزعوا بعض الخوف من نفوسهم الذي كان يسيطر عليهم وساعد على ذلك تفجر وسائل الاتصال التي أثرت في وعيهم وكشفت بعض المستور، كما ازداد ضعف النظام بعد ان فقد معظم أوراقه الإقليمية في العراق ولبنان وفلسطين حتى كاد أن يفقد دوره الإقليمي في الوقت الذي مازالت الأراضي السورية محتلة،وفشلت جميع عمليات الترقيع (والتحديث والتطوير) التي ينادي بها النظام، ووجد نفسه أمام سد مرتفع من الصعوبات ومن الضعف يقف على كومة من الفشل المتتابع في حل القضايا السياسية والاقتصادية والمعيشية للناس، ويحارب بإدارة الدولة المترهلة والفاسدة والمتخلفة، بعد أن عزل الشعب عن المشاركة في تقرير مصيره. ولعل هذا كله يوحي بنضوج أسباب تغيير بنية النظام وسياساته وممارساته.

س2 ـ كيف تنظرون إلى علاقة الداخل والخارج في هذا التغيير؟

ج 2 ـ مهما كانت نوايا الخارج وسياساته وأدواته ومناهجه وأهدافه فإن ضغوطه أضعفت النظام بالمحصلة، وفي الواقع فإن النظام السياسي السوري أضعف نفسه حيث اعتقد أنه يمكن أن يحل مشاكله مع القوى الدولية الخارجية من خلال صفقات يجريها، ومواقف يتنازل عنها في سبيل كف أذى الخارج وخاصة الإدارة الأمريكية، ولم يقتنع بأن السياسة الأمريكية لن تنتهي مطالبها وأنها تريد سورية برمتها ولم تعد تنفع معها سياسة الصفقات، ورغم كل ما قالته وكتبته القوى السياسية السورية والنخب الثقافية من أن مواجهة مع الخارج لا يمكن أن تنجح إلا بالرهان على الداخل والاستقواء به من خلال إقامة وحدة وطنية تتشارك جميع القوى السياسية والتيارات الاقتصادية والثقافية في إقامتها وأنها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بمواجهة الضغوط الخارجية، رغم هذا كله اختار النظام التنازل للخارج هنا وهناك عوضاً عن مشاركة شعبه في مواجهة هذا الخارج، وربما أدرك متأخراً أن مطالب الخارج لن تنتهي دون أن يقتنع مع ذلك حتى الآن بإشراك الشعب في تقرير مصيره، وهذا ما جعل مواقفه مترددة قلقة جزئية وأدى بالنهاية لإضعافه.

س3 ـ كيف ترون جاهزية المعارضة (شعبياً وسياسياً) للدخول في هذه العملية؟ وأين يكمن قصورها إن وجد؟

ج3 ـ لقد تعرضت المعارضة السورية خلال العقود الأربعة الماضية لمختلف وسائل القمع والبطش والتشريد حتى أصبح هدفها أو كاد المحافظة على بعض بعضها، وحسبها أنها مازالت حية، لكنها في الواقع ونتيجة ما لاقته أصبحت ضعيفة سواء بالنسبة لتنظيماتها أم بالنسبة لبرامجها، فهي لا تمتلك البرامج الكافية الصالحة لحل مشاكل الشعب السوري الوطنية والسياسية والاجتماعية، ولا تملك المناضلين الأكفاء كماً ونوعاً القادرين على إحداث حراك جدي وفعال داخل المجتمع السوري ولاقيادة هذا المجتمع للاحتجاج على الظلم أو المطالبة بالإصلاح شأن معارضات الدنيا كلها، إلا أنها أظهرت حيوية واضحة في السنتين الأخيرتين وأبدت نشاطاً وحراكاً يشكل نواة لنجاحات مقبلة، خاصة وأن المجتمع السوري عبر في الفترة الماضية عن رغبة حقيقية في التحرك وأفرز عديداً من الهيئات المجتمعية ومنظمات حقوق الإنسان ولجان المجتمع المدني وهي جميعها رديف جدي لأحزاب المعارضة السورية وتشكل بمجملها بداية لمعارضة فعالة.

س4 ـ ما الأدوات والوسائل التي ترجحون اعتمادها من أجل التغيير؟

ج 4 ـ من البديهي أنها وسائل سلمية علنية بعيدة عن العنف أدواتها الناس ممثلين بأحزابهم وتنظيماتهم المجتمعية والحقوقية ونشاطات نخبهم واستخدام وسائل الإعلام المتنوعة والمتعددة بكثافة وحيثما أمكن ذلك، ومن خلال المذكرات والبيانات والاعتصامات والتظاهرات والاستفادة من قدرات الشارع ورغباته ومطالبه ومشاركته وفعاليته، والسعي لعقد مؤتمر وطني يضم كافة الفئات السياسية والمجموعات الثقافية والاقتصادية السورية بدون استثناء أحد منها، ودعوة حزب البعث للمشاركة في هذا المؤتمر، لبحث واقع سورية والتداول فيه وتلمس الاتفاق على عقد اجتماعي جديد وبرنامج شامل واضح يشترك فيه الجميع ويهدف لانتشال سورية من أزمتها وتحمل شعبها مسؤوليته وتقرير مصيره.

س5 ـ هل يشكل "المؤتمر القطري" القادم برأيكم محط أمل لقرارات جدية بهذا الاتجاه؟ ولماذا؟

ج5 ـ لا أعتقد أن المؤتمر القطري القادم سيأتي بقرارات تحل مشاكل سورية، فقد تقرر عقده دون إجراء حوار مع القوى الأخرى أي أن النظام مازال يحتكر القرار وحده دون أن يشرك أحداً، ويريد مناقشة الأمور في غرف مغلقة، فلو كان لدى أهل المؤتمر رغبة جدية في الوصول لقرارات جدية ومتكاملة لطرحوا المشاكل والقضايا الأساسية على النقاش العام من خلال الحوار في وسائل الإعلام والتواصل مع القوى السياسية الأخرى داخل الجبهة وفي المعارضة، وإجراء الحوار معها وعقد الندوات العامة في سبيل الوصول إلى توافقات ثم طرحها ناضجة على المؤتمر القطري، أما وأن ذلك كله لم يحصل فلا شك أن النظام يصر على تحييد قوى المجتمع عن قضاياها واستئثار حزب البعث بمناقشتها وإقرار الحلول التي يراها في غرف مغلقة بينها وبين الناس أسوار، وأظن انه لم يعد ممكناً في عصرنا حل مشاكل الناس دون إشراكهم بإقرار الحلول.

س6 ـ يبدو أن الاستبداد لايريد أن يرحل، ماالنتائج المترتبة على استمراره أكثر؟

ج6 ـ يبدو انه لا يريد أن يرحل فعلاً ، وإن استمر فسيتآكل النظام كله والسلطة كلها أمام الصعوبات الداخلية المتنامية والضغوط الخارجية المتصاعدة وترهل أدوات النظام جميعها وعدم استطاعتها فعل شيء لمواجهة هذا كله، ومعروف مصير نظام يرفض الإصلاح ولا يستطيع إنجاز مهماته وتزداد عزلته الإقليمية والدولية. إنه سيتخشب ويفقد نسغ الحياة.

س 7 ـ كيف ترون صورة "سورية المستقبل" وأين موقعها اليوم بين الحلم والواقع؟

ج7 ـ أعتقد أن الشعب السوري قادر على تجديد حراكه وتنشيط قواه الذاتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسيقوم من بين الأنقاض ليصل إلى الديموقراطية ويعالج أزمته الاقتصادية والاجتماعية في إطار عقد اجتماعي جديد وتوافقات وطنية في دولة حديثة معاييرها المواطنة والعدالة والمساواة والحرية وتمارس فيها التعددية والتداول السلمي للسلطة وتحترم فيها حقوق الإنسان، ولعل هذا كله من سمات عصرنا، ونحن أبناء هذا العصر ولسنا غرباء عنه.

حسين العودات

"الرأي / خاص"

[CENTER]التغيير الديمقراطي في سورية كما يراه الاستاذ حسن عبد العظيم -لم يعتقل بعد:[/CENTER]
س1- كيف تقيمون نضوج أسباب التغيير في سورية ؟

ج 1- إن أسباب التغيير في سورية ، متوفرة ، ومهيأة للنضوج ، وطـرح الثمار، وبوادرالتغيير الوطني قادمــة




لا محالة ، بفعل عوامل عديدة ، منها ما يتعلـــــق بالنظام السياسي ، ومنها ما يتعلق بالمعارضـــة الوطنية

ومنها ما يتعلق بالمجتمع ، ومنها ما يتعلق بالظروف الخارجية وتأثيراتها الفاعلة في المنطقة ..

آ- فالنظام السياسي الذي استمرعلى نمط معين ونهج معين على مـدى أربعة عقود ، لم يحاول مراجعة نهجه الشمولي:9: ، على الرغم من المتغيرات العاصفة التي حدثت في العالم وأودت بالنظم الشمولية ، التي أفرزت ظواهر الاستبداد والفساد وعصابات المافيا ودمرت المجتمعات والشعوب وأعادتها قروناً إلى الوراء ، في عصر تتجلى فيه وتتسابق ثورات عديدة للمعرفة والتكنولوجيا والاتصالات والسباق إلى غزو الفضاء ، وعلى الرغم من المتغيرات الهامة التي حصلت في المنطقة من حولنا كالثورة الإيرانيــة التي عصفت بنظام الشاه، وأجهزته كجهازالسافاك الذي بني تحت إشراف المخابرات المركزية ، بعد قمع ثورة مصدق ، و كالتغييرالديمقراطي الذي حصل في تركيا ، في المرحلة الأخيرة والذي كان استجابة للأغلبية الواسعة من الشعب التركي من ناحية ، وتجاوبا مع مطالب الاتحاد الأوربي لقبول تركيا في منظومة الاتحاد من ناحية أخرى ، وأخيراً وليس آخراً انهيار النظام العراقي أمام الغزو الأمريكي البريطاني ، بعد سنوات طويلة من الحصار لم يحاول فيها النظام التخلي عن عقليــة الحزب الواحد والقائد ، وتمكين شعب العراق ، من ممارسة حقوقه المشروعة بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية .. ومع أن الفرصة أمام النظام السوري كانت مواتية في صيف عام 2000 مع مجيءالرئيس الشاب وإن بطريق الوراثة وهي سابقــة مرفوضة في أي نظام جمهوري ومع أن بعض الآمال- وبخاصة في أوساط المثقفين أوجدت موجة من التفاؤل ، فقامت منتديات، وظهرت تعبيرات أولية لممارسة النقد الموضوعي وحرية التعبير، إلا أنها ما لبثت أن صودرت وقمعت بشدة من خـلال موجة الاعتقال ، والمحاكمات الصورية والأحكام الظالمة ، في ظل قانون الطوارئ وحالة الطوارئ المعلنة منذ أربعة عقود..

ب- أما ما يتعلق بالمعارضة الوطنية في سورية ، فقد حدث تطور كبيرخلال العقود الماضية في بنيتها وخطابها السياسي ، فقـد كانت أطراف هذه المعارضة تنتمي إلى التيارالقومي ( الناصري و البعثي ) أوالتيارالماركسي ، أوالتيار الإسلامي ، وكانت بنيتها ، ورؤاها الأيديولوجية قائمة على فكرة التعصب والنظرة الأحادية وعدم الاعتراف بالأخر، غير أن معظمها مارس مراجعة جدية لمواقفه وأفكاره وممارساته، وطور خطابه السياسي ، وكانت الجبهة الوطنية التي قامت بين عدد من هذه القوى في عام 1968، بداية لهذه المراجعة و التغيير، ثم كانت المشاركة في الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1972 تعبيرا عن ذلك، ثم جاء تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي تكريسا لهذا الاتجاه ويمكن القول أن تطـورالخطاب السياسي يشمل أيضا قوى سياسية أخرى خارج التجمع كالأحـزاب الكردية والحزب القومي الاجتماعي و حزب العمل الشيوعي ، و كان التطور الهام الذي طرأ على خطاب جماعة الإخوان المسلمين من خلال الوثائق الصادرة عنهم في السنوات الأخيرة حصيلة مراجعة جادة كان من نتائجها القبول بالتعددية و حق الاختلاف ، والدولة المدنية القائمة على عقد اجتماعي وعدم فرض مرجعية خاصة ، والاحتكام لرأي الأكثرية في نظام ديمقراطي ، كل ذلك يدعو للتأكيد على ضرورة إلغـاء القانون 49 ، و حقهم في العودة إلى الوطن والمشاركة في الحياة السياسية . أما أنصارالتيارالليبرالي فهم مهيئون بطبيعة تكوينهم ومصالحهم .

هذا التطورالواضح في خطاب قوى المعارضة لا يقتصر عليها ، وإنما يشمل الطيف الديمقراطي، الذي يمارس دوره في فعاليات اجتماعية و ثقافيـة وحقوقية ، كلجان إحياء المجتمع المدني، و المنتديات ومنظمات حقوق الإنسان .

محصلة ذلك أن قوى وفعاليات المعارضة الوطنية مارست منذ أواخـرالستينات من القـرن الماضي نقد أفكارها وتجاربها إلى حد كبير، و غيرت نفسها قبل أن تطالب الغير بالتغيير، وصارت ممارساتها متسقة مع أفكارها وقناعاتها وغلبــت السيـاسي والاستراتيجي على الأيديولوجي إلى حد معقول وإن كان يتطلب المزيد .

جـ- أما ما يتعلق بالمجتمع فهـويعاني من تفاقم الأوضاع والأزمات السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية ومن تجاهل النظام لمعالجتها وإيـجاد الحلول ، واستمرارظواهر الاستبداد والفساد و نهب المال العام المتواصل وغياب الحريات الأساسية ، و النهج الديمقراطي و آليات الرقابة و المحاسبة .

ونتج عن ذلك اتساع دائرة الفقر ، وازدياد الخلل الاجتماعي و تنامي عوامل التوتر و الاحتقان في المجتمع وتغذية عوامل التعصب و ازدياد موجة عدم الرضا عن الواقع ، و انتظارالتغيير الذي كان وسيظل ضرورة وطنية قبل أن يكون مطلبا دوليا خارجيا .

د- أما بالنسبة للظروف الخارجية وتأثيرها ، فمنها مايتعلق بموقف الاتحاد الأوربي من اتفاق الشراكة مع سورية ، والاشتراطات التي يطلبها من النظام السوري وخصوصاً مايتعلق بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان للتوقيع النهائي على الاتفاقية، ومنها مايتعلق بالتطورات الأخيرة في لبنان والقرار1559 الصادرعن مجلس الأمن وسيأتي تفصيله في جواب السؤال الثاني .

س2- كيف تنظرون إلى علاقة الداخل والخارج في هـذا التغيير ؟

ج 2- على امتداد العقود الأربعة الماضية ، كان النظام الدولي يسكت عن النظم الاستبدادية و يدعمها ، سواء في مرحلة النظام الدولي القائم على الثنائية القطبية أو في مرحلة الهيمنة الأمريكية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ، ثم جاءت أحداث 11/9/2001 و تأثيرها المفاجئ على الشعب الأمريكي وعلى سياسات الإدارة الأمريكية ذات الاتجاه اليميني الأيديولوجي المتشدد ، و مشروعها الإمبراطوري للسيطرة على العالم انطلاقا من السيطرة على منطقة الشرق الأوسط كانت عاصفة أيلول على يــد متشددين إسلاميين من تنظيم القاعدة قدأعطت الذرائع والمبررات للتعجيل في المشروع الأمريكي، الذي يستهدف إحداث تغييرات جغرافية سياسية ثقافية في دول المنطقة ،لإعادة صياغتها وفق الرؤية الأيديولوجية للإدارة الأمريكية الجديدة والتي تلتقي في كثير من خطوطها وملامحها مع الرؤية الإسرائيلية للمنطقة . لقد أدركت الإدارة الأمريكية أن مخزونا من الغضب العربي و الإسلامي تجاه السياسات الأمريكية في المنطقة يولد الكراهية و الحقد ، و أن عوامل ثلاثة وراء ذلك ، الأول : دعم النظم الشمولية والاستبدادية في الدول العربية والإسلامية وتمكينها من البقاء والاستمراردون الحصول على الشرعية الدستورية من شعوبها . والثاني : الانحياز المطلق لإسرائيل و حماية عدوانها و احتلالها للأراضي ، و تجاهلها للقرارات الدولية . و العامل الثالث : تصورالإدارة الأمريكية أن الثقافة العربيـة الإسلامية في واقعها الراهن تختزن العداء للغرب ، و لليهود والحركة الصهيونية ، و تحرض على الكراهية و تحض على الجهاد والاستشهاد ، و المقاومة ، فلا بد من تغييرهذه الثقافة ، وحذف النصوص والبرامج التي تغذيها و تعززها وقطع كل منابع التمويل عن المنظمات والقوى التي تعمل بتأثيرهذه الثقافة .

وقد بدأت الإدارة الأمريكية فعلا بالعمل على تغييرالأنظمة ، فأسقطت نظام طالبان في أفغانستان ونظام البعث في العراق ، و هي تضغط على النظام السوري ، و السعودي ، و المصري ، للتكيف مـع السياسات الأمريكية في المنطقة ، و مع أن معظم دول الاتحاد الأوربي و في طليعتها فرنسا عارضت بشدة الحرب على العراق ووقفت ضدها ، فإنها في الفترة الأخيرة بدأت تنسق مع الإدارة الأمريكية ، بالضغط على نظم المنطقـة من اجل الإصلاح ،الذي لم يعد مطلباً داخلياً في سورية و لدى شعوب المنطقـة فحسب ، وإنما تحول إلى مطلب دولي تدعو إليه الولايات المتحدة و الـدول الغربيـة و تتبناه وتطالــب به قبل ذلــك هيئات ومنظمات

حقوق الإنسان الأوربية و الدولية . و مع إن قانون محاسبة سورية تحول إلى أداة ضغط بيد الإدارة الأمريكية في العام 2004 فان قرار مجلس الأمن 1559 الصادر بتنسيق فرنسي أمريكي ، تحول إلى سلاح ضغط خارجي على سورية أدى إلى اتخاذ قرار واضح بالخروج العسكري والأمني من لبنان ، و إلى تحرر لبنان من الهيمنة الأمنية ، ومن إمكانية التدخل في شؤونه الداخلية بما في ذلك التحكم في نتائج الانتخابات النيابية القادمة ، وكما أدى ذلك لتحقيق اغلب مطالب المعارضة اللبنانية ، وإلى اتساع قاعدتها و إلى ارتباك واضح في صفوف قوى الموالاة للنظام السوري و اللبناني ، و مع انكفاء دورالنظــام السوري في لبنان بالإضافة إلى اضطراره للاستجابة إلى الكثير من المطالب الأمريكية ، لا يبقى أمامه إلا احد خيارين الأول : البحث عن شرعية خارجية و الاستمرار في تقديم التنازلات التي لا تنتهي لان المطالب الأمريكية تحتوي في قسم منها مطالب إسرائيلية ، الثاني : البحث عن شرعية شعبية من خلال مشروع وطني للتغيير الديمقراطي يتحقق فيه تغير جدي في بنية النظام والحزب ، ينهي وصاية الحزب واستئثاره بالسلطة لصالح نظام وطني ديمقراطي قائم على التعددية السياسية و الحزبية و حق التداول السلمي للسلطة ، عبر انتخابات ديمقراطية تتوفر فيها الحرية و الديمقراطية و النزاهة و على المساواة أمام القانون و تكافؤ الفرص والعدل الاجتماعي وبذلك تقوم دولة حق للجميع ،السلطة فيها للأكثرية المنتخبة ، و المعارضة فيها تمارس دورها و واجبها في نقد الأوضاع و تصحيحها .

س3- كيف ترون جاهزية المعارضة ( شعبياً وسياسياً ) للدخول في هذه العملية ، وأين يكمن قصورها إن وجد ؟

ج 3- يمكن القول أن قوى المعارضة في سورية مبلورة و موجودة إلا أن قسوة الظروف و اختلاف وسائل وأساليب التغيير جعلت بعضها يبقى في الداخل يواجه الأعاصير العاتية التي تحاول اقتلاعها كأحزاب التجمع الوطني الديمقراطي ، الذي تبنى خيارالتغييرالوطني بالنضال الديمقراطي السلمي ، وبعضها تضطره الظروف للتواجد في الخارج لأنه تبنى خيار التغيير بالعنف والقوة ، كما أن أعدادا كبيرة من كوادرأحزاب التجمع و أنصاره اضطرت لخيار النفي القسري في البلدان الأوربية وبعض الأقطارالعربية بسبب الملاحقة وإمكانية التعرض للاعتقال الطويل، والأحكام الصورية الجائرة , التي تفرضها المحاكم الميدانيـــة ومحكمة امن الدولة بالاستناد إلى قوانين استثنائية .

ومع ذلك تبلور تيار المعارضة وتوحد خطابها حول هدف التغييرالديمقراطي السلمي و نبذ العنف وإجماعها حول أهمية الحوارالوطني في إطارمؤتمروطني شامل لكل القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية ، جعل الكرة في ملعب السلطة التي تجاهلت نداء التغييـرالديمقراطي و أهميته الراهنة كضرورة وطنية ، بل حاول بعض أطراف النظام توجيه الاتهامات الباطلة للمعارضة ، وعلاقاتها المزعومة بقوى خارجية .

إن وحدة موقف تيار المعارضة على تعدد انتماءاتها الأيديولوجية يعزز دورها و فاعليتها و قدرتها على استنهاض التيار الوطني العريض من حولها " للضغط الجدي على النظام لتقديم تنازلات لشعبه والاستجابة لمطالبه المشروعـة بدلا من الانسياق في تقديم تنازلات للقوى الخارجية تمس الثوابت والمصالح الوطنية العليا

- أن أوجه القصور لدى قوى المعارضة لا يمكن إنكارها ، منها غياب الحوارالسياسي بين أطرافها على المستوى العمودي ومنها أهميةوضوح ووحدة خطابها على المستوى الداخلي ، ومنها ضرورة بلورة برنامج مفصل للتغييرالديمقراطي يشمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومنها ضعف العلاقــة بين هذه القوى وبين الجماهير بسبب القصور في تبني قضاياها الحياتية ، وفي التفاعل مع همومها اليوميــة قبل مطالبتها بالمشاركة في النضال الديمقراطي من اجل التغيير .

س4- ماالأدوات والوسائل التي ترجحون اعتمادها من أجل التغيير ؟

ج 4- بعد أن أجمعت كل قوى المعارضة في الداخل و الخارج على نبذ العنف كأداة و وسيلة للتغيير لا يبقى سوى الأدوات و الوسائل السلمية ، المتاحة ابتداء من نشرالوعي بالواقع من خلال التقييم و النقد الجريء لظواهرالاستبداد و الفساد ، والتأكيد على ضرورة التغيير الشامل وأهميته ، و كل الوسائل السلمية المتاحة كالحشد والتعبئة والعمل على تحريرالمنظمات الشعبية و النقابات من وصاية الأجهزة وهيمنتها والمشاركة في بناء و توسيع مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ولجان ومنتديات و منظمات حقـوق إنسان والعمل على الاعتصام و التظاهر لتحقيق المطالب الأساسية التي ترفعها المعارضة و خاصة المتعلقة بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والضغط على النظام من اجل انتزاعها ، وهكذا كل الوسائل السلمية مطلوبة بما فيها العصيان المدني كخيار أخيرعندما يصم النظام آذانه عن الاستجابة لمطالب التغيير .

س5- هل يشكل " المؤتمرالقطري " القادم برأيكم محط أمل لقرارات جدية بهذا الاتجاه ؟ ولماذا ؟

ج 5- لا يمكن للمؤتمر القطري القادم أن يكون محط أمل للتغيير الديمقراطي المطلوب ، لأنه مؤتمر خاص بحزب البعث ، ودوره ينحصر في ترتيب أوضاع الحزب و تقييم أوضاعه و سياساته و الإصـرارعليها أوتغييرها بسبب نتائجهـا وآثارها الخطيرة على الدولة والمجتمع من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية من ناحية وعلى المستوى الداخلي و العربي والدولي من ناحية أخرى . فإذا استطاع المؤتمر أن يدرك مخاطر سياسات الحزب على امتداد العقود السابقة ومخاطرها على سورية الوطن والشعب ، وعمل على تغييرها بشكل جدي ، وعلى محاسبة قياداته ومساءلتها عن ممارسات الاستبداد و الفساد ، و ما ألحقته بالمجتمع من مظالم وتدهور آنذاك يمكن للحزب أن يعيد النظر بجدية في سياساته و ينهي مقولة الحزب الواحد وعقلية الاستئثار بالسلطة ، و تغيير قناعاته المريضة تجاه الأخر و الرأي الأخر و قوى المعارضة الوطنية وعقلية التعالي و الوصاية على المجتمع ، وعندها يؤهل نفسه ليكون طرفا في الحوارالوطني بين كل القوى في المجتمع وفعالياته عبر مؤتمر وطني شامل يضم قوى السلطة والمعارضة وفعاليات المجتمع المدني.

س6- يبدوأن الاستبداد لايريد أن يرحل ، ماالنتائج المترتبة على استمراره أكثر ؟

ج 6- في تقديري أن ظاهرة الاستبداد ستنتهي في سورية لأسباب عديدة منهــا :

آ- انتهاء نظم الحزب الواحد ، في مواطنها الأصليـــة :

على المستوى الدولي ( الاتحاد السوفياتي ، دول أوربا الشرقية ) .

وعلى المستوى الاقليمي ( ايران ، أفغانستان ... ) وفي كثيرمن البلدان العربية ( المغرب ، الجزائر، البحرين ، العراق .. ) .


ب- انتهاء نظم الاستبداد ، المدعومة أمريكياً ، في آسيا وأمريكا اللاتينية ( سوموزا ، ماركوس ، بينوشيه سوهارتو .. وغيرهم .... الذين استمرحكمهم الاستبدادي طويلاً ، حتى عصفت بهم انتفاضات شعبية

جـ - تخلي الولايات المتحدة – بعد أحداث أيلول – عن دعم وحمايــة نظم الاستبداد لتخفيف عوامل كراهية الشعوب لسياساتها .

جرأة قوى المعارضة الوطنية في مناهضة النهج الشمولي وظواهرالاستبداد والفساد ، والنهب المنظم ونفسها الطويـــل ، وصمودها في وجـــه محاولات القمع والالغاء من جهـــة ، ومحاولات الإغراء والالحاق من جهــة أخرى ، واصرارالمعارضـــة على أهدافهـــا ومطالبها ، وبرامجها للتغييرالوطني الديمقراطي .

أما النتائج المترتبة على استمراره ستكون كارثيــة .. !

س7- كيف ترون صورة " سورية المستقبل " ؟ وأين موقعها اليوم بين الحلم والواقع ؟

ج7- سورية المستقبل كما نراها ، ليست حلماً – على الرغم من مشروعية الحلم- إن الماضي القريب مازالت ملامحه حاضرة في أذهاننا ، ففي منتصف الخمسينات ، عندما تخلصت القوى الوطنية والشعبية في سورية من مسلسل الانقلابات العسكرية ، واستبداد نظام الشيشكلي ، وأقامت نظاماً نيابياً تعددياً تتوفرفيه أسس وركائزمعقولة للديمقراطية ، استطاع الشعب السوري بحيويته ، أن يبني وحدته الوطنية وأن يصمد في وجه المؤامرات والأطماع الاستعمارية والحصارالاقتصادي والسياسي والعسكري ، وأن يساهم مع مصرعبدالناصر، في إقامة أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي المعاصر.

وتستطيع سورية اليوم ، في ظل تغييروطني ديمقراطي حقيقي أن تكون وطناً حراً لجميع أبنائه على قدم المساواة ، وتكافؤالفرص ، يسود فيه القانون ، وتتوفرفيه الحريات الديمقراطية ، والاعلامية والمشاركة السياسية ، والتداول السلمي للسلطة ، في ظل انتخابات حقيقية ، تتنافس فيها الأحزاب والتحالفـات على أساس البرامج والأفكار، ويكون الدستورالجديد الذي تشارك في صياغته قوى المجتمع وفعالياته عبرجمعية تأسيسية بمثابة عقـد اجتماعي جديد ، ينهي الأوضاع الاستثنائية ، والقوانين الاستثنائية والقضاء الاستثنائي ، فلا اعتقالات تعسفية تستند إلى قانون طوارئ ، ولاأحكام جائرة مبرمة ، تستند إلى تحقيقات أمنية في الأقبية ، ولا سلطة تنفيذية ، تمارس بمساعدة الأجهزة الأمنية صلاحياتها وصلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية.

نتطلع إلى سورية الجديدة ، التي يتوفرفيها لجميع الأحزاب والقوى السياسية حق العمل والنشاط العلني وحق التعبيرفي الاعلام العام والخاص :15:، وتتوفرفيها المنتديات الثقافية والاجتماعية ، والنوادي ، وهيئات حقوق الإنسان ، وتتحررفيها النقابات المهنيـــة والمنظمات الشعبيـة ، من هيمنة ووصاية السلطـة وأجهزتها ، وتتمكن من الدفاع عن مصالح أعضائها ، ومصالح الوطن ، وتقوم فيها مؤسسات المجتمع المدني ، بدورها المطلوب في عملية البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، بناء سورية المستقبل ، القوية في موقعها ، المؤثرة والفاعلة في محيطها العربي والاقليمي والدولي ، ليس هـذا حلماً وإنما هو نظرة مستقبلية قابلة للتحقيق :15:والتحول إلى واقع في ظل التغييرالديمقراطي المطلوب .


دمشق 18 / 4 / 2005

حسن اسماعيل عبدالعظيم

"الرأي / خاص"