ويح نفسي ماذا لقينا من مستعجمي اللسان والبيان.
أتانا امرؤ مولد ينعى علينا شيئا قد استعجم عليه معناه، وسر صاحبه بقوله، وعم السرور على فريق من القوم وظنوا أنهم قد أتوا بما لم تأت به الأوائل.
ولو أن من عاب على الناس ما ليس هو فيه بحجة، قد انصرف إلى
موقع الوراق. ونظر فيه تحت مادة بـ شـ ر، وعرف معنى الكلمة التي قد ظن هو وأخاه أنها لا تعني إلا
النياكة حصرا، لوفرا علينا شريطا ومداخلات لا تسمن.
ونحن نااقلون للمعنى هنا بإذن الله:
بـ شـ ر:
ابن بزرج: والبَشَرُ جمع بَشَرَةٍ وهو ظاهر الجلد. الليث: البَشَرَةُ أَعلى جلدة الوجه والجسد من الإِنسان، ويُعْني به اللَّوْنُ والرِّقَّةُ، ومنه اشتقت مُباشَرَةُ الرجل المرأَةَ لِتَضامِّ أَبْشارِهِما.
وباشَرَ الرجلُ امرأَتَهُ مُباشَرَةً وبِشاراً: كان معها في ثوب واحد فَوَلَيِتْ بَشَرَتُهُ بَشَرَتَها. وقوله تعالى: ولا تُباشِرُ وهُنَّ وأَنتم عاكفون في المساجد؛ معنى المباشرة الجماع، وكان الرجل يخرج من المسجد، وهو معتكف، فيجامع ثم يعود إِلى المسجد. ومُباشرةُ المرأَةِ: مُلامَسَتُها. والحِجْرُ المُباشِرُ: التي تَهُمُّ بالفَحْلِ. والبَشْرُ أَيضاً: المُباشَرَةُ؛ قال الأَفوه:
لَمَّا رَأَتْ شَيْبي تَغَيَّر، وانْثَـنـى ــــ مِنْ دونِ نَهْمَةِ بَشْرِها حينَ انثنى
أَي مباشرتي إِياها. وفي الحديث: أَنه كان يُقَبِّلُ ويُباشِرُ وهو صائم؛ أَراد بالمباشَرَةِ المُلامَسَةَ وأَصله من لَمْس بَشَرَةِ الرجل بَشَرَةَ المرأَة، وقد يرد بمعنى الوطء في الفرج وخارجاً منه.
وباشَرَ الأَمْرَ: وَلِيَهُ بنفسه؛ وهو مَثَلٌ بذلك لأَنه لا بَشَرَةَ للأَمر إذ ليس بِعَيْنٍ. وفي حديث علي، كرّم الله تعالى وجهه: فَباشِرُوا رُوحَ اليقين، فاستعاره لروح اليقين لأَنّ روح اليقين عَرَضٌ، وبيِّن أَنَّ العَرَضَ ليست له بَشَرَةٌ. ومُباشَرَةُ الأَمر: أَن تَحْضُرَهُ بنفسك وتَلِيَه بنفسك.
والأصل في الكلمة الثلاثي بشر، وزيدت الألف بمعنى المشاركة، مثل قتل وقاتل، عرك وعارك،....
والأصل فيها أنها تعني تماس البشرتين من اثنين، واستعيرت لمعنى
النياكة كناية عليه، إذا لا يليق بالبليغ أن يأتي بالصريح في معرض الكناية، ولا بالكناية في معرض الصريح. وليس معناها الوحيد هو ذاك، فنوم الرجل مع أهله في لحاف واحد متحاضنين هو مباشرة، وعناق الرجل لأهله هو مباشرة...
أما المستعجمون، فقد سروا بما لم ينالون، وفرحوا بما لم يؤتون، وهرعوا يعلمون العرب لسانها، ويدبجون لها مقالها، ويفصلون لنا قواعد منطقنا، وأسرار بياننا، وتعريضاتنا وكناياتنا، وبديع قولنا مما قد عجز عنه آخرون.
ويح نفسي معشارا وتكرارا، والله لقد ظننت أنه ينبغي لي أن أقول فيكم مقالا يروى، وحديثا ينشر، أولا يرعاكم دين عن هذا؟ أولا يكفكم وازع عما تصدرتموه من هجر المقال وقبيح الفعال؟
ولو كانت
المباشرة حصرا، لحل لنا أن ننيك النساء وهن حوائض، ذلك أن فعل الرسول سنة، وهو وحي من الله ليس فيه عندنا شك.
فلننظر منطق القوم فيما يلي:
باشر سعيد العمل في الورشة
===================================
قبل أن
يباشر) قوم التبليغ بحجة أني قد أسأت، ننقل المعاني التالية:
مولد اللسان:
وإِن سمي المُوَلَّد من الكلام مُوَلَّداً إذا استحدثوه ولم يكن من كلامهم فيما مضى.
وجاءنا بِبيِّنة مُوَلَّدة: ليست بمحققة. وجاءنا بكتاب مُوَلَّد أَي مُفْتَعَل. والمُوَلَّد: المُحْدَثُ من كل شيء ومنه المُوَلَّدُونَ من الشعراء إِنما سموا بذلك لحدوثهم.
مستعجم:
ويقال: قرأَ فلان فاسْتَعْجمَ عليه ما يَقْرؤه إذا الْتَبَسَ عليه فلم يَتَهيَّأْ له أَن يَمضِي فيه.
واسْتَعّجَمَتْ على المُصَلِّي قِراءته إذا لم تَحضُرْه. واستعجم الرجل: سكَت. واستَعجمت عليه قراءتُه: انقطعت فلم يَقْدِرْ على القراءة من نعاس. ومنه حديث عبد الله: إذا كانَ أحدكُم يُصلِّي فاسْتعجَمَتْ عليه قِراءتُه فَلْيُتِمَّ، أَي أُرْتِجَ عليه فلم يقدِرْ أَن يقرأَ كأَنه صارَ به عُجْمةٌ، وكذلك اسْتَعْجَمَتِ الدارُ عن جواب سائلها؛ قال امرؤ القيس:
صَمَّ صَداها وعَفا رَسْمُـهـا، ــــ واسْتَعْجَمَتْ عن مَنْطِقِ السائلِ
===================================