{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
ضيف
Unregistered
|
بحث في إثبات أنّ كاتب إنجيل مرقس مجهول
أقوال مأثورة عن إنجيل القديس مرقس
[إن عظمة إنجيل مرقس - أقدم الأناجيل - في تاريخ الكنيسة، هي في تميُّزه كونُه قد أعطى لمرَّة واحدة وبلمسات حيَّة، النموذج الوحيد لكل مَنْ جاء بعده. ومن واقع وجود المسيح على أرضنا فقد حفر في مخيلة الكنيسة صوراً للمسيح لن تمحى جوانس فايس( )
[إن إنجيل مرقس هو وثيقة تاريخية، وثيقة هي حقـًّا ناطقة بالحقائق التي منها نتعرَّف على يسوع المسيح كيف كان وأي عملٍ عَمِلَ على أرضنا، وسجله تاريخياً، بحيث أصبح قاعدةً ينطلق منها أيُّ عمل آخر يهدف إلى إعطاء صورة حية للمسيح بوركت( )
[إلى أن تتأقلم أعيننا على جو الإنجيل الثاني، سيصعب علينا التعرف على شخصية المخلِّص المألوفة بوجهه الوديع غير المتقسِّم، تلك الصورة السرية ذات الملامح القوية التي تعصف العينين في إنجيل مرقس بوركت( )
[إن إنجيل مرقس هو كتاب أسرار استعلانات يسوع.] ديبليوس( )
[إن استعلانات المسيح في إنجيل مرقس تتعقبها النفس بصعوبة، فهي مختصرة يجيء سردها متعرجاً يعلوها غلالة من السرية في أوصافها أو تحركاتها، حتى إن استعلانها يجيء نصف مكشوف ونصف مخفى.] ديبليوس( )
هام: ق. مرقس تبع المسيح كتلميذ ملاصق:
[إن إنجيل ق. مرقس يعتبر سرًّا فريداً من نوعه، مسجَّل لنا بلا مواربة ممَنْ هو صاحب خبرة
عينية كمشاهد ورفيق مخلص للمسيح على مدى خدمته بطولها ترنر( )
[إن إنجيل مرقس إذا نظرنا إليه تاريخياً فهو أهم كتاب كُتب بالدرجة الأُولى بين الكتب قاطبة ترنر( )
[إن إنجيل مرقس كُتب أصلاً باللاتينية وإن ترجمته إلى اليونانية جاءت بلغة عامية كوشو( )
[إن أخبار آلام المسيح في إنجيل مرقس تُحسب واحدة من أعظم الإبداعات في الأدب النثري، وهذا بسبب موضوعيتها وهدوئها هنري كادبري( )
[في مجموع حاصل كتابة الثلاثة أناجيل المتوازية نجد متى ولوقا عبارة عن محاولة لاستخلاص إدراك لشخص المسيح الفائق الإدراك، فلم يستطيعوا أن يضيفوا على مرقس شيئاً أو يُخفوا شيئاً من مرقس من جهة الإيمان المسيحي الذي يطفح على قسمات وجه المسيح لدى مرقس. هم حاولوا أن يبسطوا إنجيل مرقس ولكنه أكثر صعوبة مما عندهم
هوسكنز( )
العالِم تورري سنة 1947 يتحدّى جميع المؤرخين ليضع تاريخ كتابة إنجيل ق. مرقس بين سنة 39-40م. فقول الرب: » فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي (في الهيكل)، ليفهم القارئ، حينئذ فليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... «(مر 14:13)، يؤكِّد العالِم تورري بناءً على هذا القول أن مرقس كتب إنجيله قبل أن تحدث حادثة قتل الامبراطور كاليجولا في 24 يناير سنة 41م( ).
ويمتدح العالِم فارر، زميله ليتفوت في تقريظه للقديس مرقس ويضيف:
[إن القديس مرقس صاحب فكر مسيحي حي وعقل ذي طاقة جبَّارة. كما نجد أن مرقس قد احتفظ بوحدة الشرح اللاهوتي للإنجيل، وإنجيله أصيل وذو وحدة متماسكة عميقة.] فارر( )
هام: جحد العالم فارر لرأي الأسقف بابياس صاحب النظرية بأن مرقس لم يَرَ الرب وأن إنجيله إملاء من بطرس:
[إن التقليد المنحدر لنا من بابياس ينبغي بكل بساطة التخلِّي عنه لأنه يعتبر تأليفاً مزيفاً.] فارر( )
[إن إنجيل مرقس هو حصيلة حياة الكنيسة الأُولى الملهمة بروح الله.] فنسنت تايلور( )
[نحن لدينا الأسباب الصحيحة لنقرِّر أن اللغة الأرامية هي الخلفية الحقيقية وراء يونانية مرقس، كما لدينا القناعة أن هناك وراء النصوص مصادر أرامية ربما كانت شفاهية، كما يحق لنا أن نقول إن مرقس استخدم تقليد الكنيسة الذي يتحتَّم أن يكون أرامياً أيضاً.]
فنسنت تيلور( )
أولاً - كاتب الإنجيل: القديس مرقس الرسول
اسم صاحب الإنجيل: يوحنا مرقس:اسم مرقس اليهودي الأول هو يوحنا ومعناه: “الله تحنَّن”، وأخذ اسم مرقس اللاتيني بحكم البيئة والتعليم، إذ تربَّى في مدرسة كيريني (القيروان) ودرس في مدارسها اليونانية واللاتينية. ومرقس تعني باللاتينية: “المطرقة الثقيلة” - وتُدعى: “المرزبَّة”. واسم مرقس يُنطق على نطقين: الأول مَرقس بفتح الميم Marcos والثاني بالألف بعد الميم Máarcos كما وُجِد في بعض الحفريات وذلك عن العالِم ألفريد بلومر (صفحة x). وكان هذا الاسم كثير الشيوع بالنسبة للحكَّام والقادة لأنه يعني: “الشدَّة والهيبة” - ويبدو أن ق. مرقس قد مارس هذه الشدة على الوثنيين في الإسكندرية، فقد انقضَّ عليهم في عظاته بطرَقات عنيفة مما أثار حفيظتهم وأربك علماءهم وألَّب عليه الشعب الوثني فلم يحتملوا طرقاته الهاوية على أصول ديانتهم الواهية. وصحيح أنهم قتلوه ولكن بعد أن حطَّم آلهتهم وجرَّهم كخراف للحظيرة، هم أطفأوا شعلة حياته الأرضية ولكنه أشعل النور في ظلمات حياتهم الروحية، حقًّا إن مرقس أتى بنور( )!
لماذا الأسد رمزٌ للقديس مرقس؟
ما من صورة للقديس مرقس إلاَّ ويُرسم الأسد تحت قدميه وهو يكتُب إنجيله، وكأنما الأسد ينتظر نهاية الكتابة لكي يأخذ جناحين ويطير بالإنجيل يوزِّعه على كل المسكونة. ولكن من أين جاء هذا التقليد؟
للرد على هذا نقول: إن العلاَّمة هنري باركلي سويت( ) في بحثه التاريخي انتهى إلى أنه بحسب كتابات العلاَّمة فيكتورينوس( ) الذي من بيتو، الذي شرح سفر الرؤيا، عندما جاء على ذِكر
الشاروبيم (بالجمع) ذوي الأوجه الأربعة، النسر والأسد والعجل والإنسان: » وفي وسط العرش وحول العرش أربعة حيوانات مملوءةٌ عيوناً من قدَّام ومن وراءٍ. والحيوان الأول شبه أسد، والحيوان الثاني شبه عجل، والحيوان الثالث له وجهٌ مثل وجه إنسان، والحيوان الرابع شبه نسرٍ طائر «(رؤ 4: 6و7)، شرح فيكتورينوس المغزى بأن هؤلاء هم رمزٌ للإنجيليين الأربعة (الذين يحملون استعلان عمل الله في الخليقة). وأعطى الأول للقديس مرقس وهو الأسد. والثاني وهو العجل للقديس لوقا والإنسان للقديس متى والنسر الطائر للقديس يوحنا( ). وعلى هذا الرمز بدأ الآباء يعلقون على مدى مناسبة كل رمز لصاحبه فقالوا الأسد لمرقس لأنه بدأ إنجيله كأسدٍ يزمجر في بريةٍ » صوتُ صارخ في البرية ... «(مر 3:1)
موطن القديس مرقس الأول الذي وُلِدَ وتربَّى فيه:كانت عائلة ق. مرقس من مستوطني مقاطعة الخمس مدن الغربية وهي في إقليم برقة بليبيا الآن. ولم تكن في الحقيقة مدناً بل مقاطعات شاسعة، كانت تقطنها جاليات، الأُولى رومانية وهي ذات السلطان لأن المقاطعات كانت تحت الحكم الروماني ويحكمها حاكم روماني، والثانية يونانية وهي ذات كثرة وسيادة علمية، والثالثة كانت يهودية حيث كانت الجالية اليهودية من أكبر الجاليات في إفريقيا. وكانت عائلة ق. مرقس متركزة في أغنى هذه المقاطعات وهي مدينة كيريني أو سيريني وهي المسمَّاه بمدينة القيروان “Cyrene” أو “Cyrenaica” (كيرناؤس).
وفي هذه المدينة وُلِدَ ق. مرقس ودخل المدارس وتعلَّم تحت أيدي أساتذة يونان ورومان (لاتين) فأتقن اليونانية واللاتينية. وقد لاحَظ العلماء في دراستهم لإنجيل ق. مرقس أن لغته اليونانية مختلفة جداً عن لغة الأناجيل الأخرى، سواءٌ في أدبياتها أو أسلوبها أو لهجتها أو نحوها. وقد وصفوها أنها عامية. ولكن في الحقيقة أن اللغة اليونانية واللاتينية أيضاً كالعربية تماماً تختلف كثيراً باختلاف البلاد والمناطق، حتى يكاد الإنسان لا يفهم منها شيئاً إن بعدت الأقطار بسبب التحام اللغة بما هو حولها من لهجات؛ حتى إنهم من لغته استطاعوا أن يعرفوا ما هو من كتابته وما هو الدخيل عليها. فأصبح إنجيل ق. مرقس وكأنه وثيقة لغوية فريدة في كلماتها وأسلوبها ونحوها اللغوي، تحمل التراث المسيحي والكنسي الأول والأقدم.
أمَّا القيروان فهي واقعة في بقاع خصبة وعلى مستوى عالٍ من الغنى وتسمَّى الآن بالجبل الأخضر. وهذه المدن الخمس كانت في أيام ق. مرقس داخل حدود مصر الشمالية الغربية، وكانت جميعها تحت الحكم الروماني. وبالتالي دخلت المدن الخمس بدخولها المسيحية تحت رعاية الكنيسة القبطية التي أسسها ق. مرقس نفسه، وظلت خاضعة لها لعدة قرون تالية( ). وكانت كنيسة الإسكندرية ترسم لها الأساقفة وترسلهم، وفي البداية كانوا مصريين؛ ولكن بعد أن رسخت المسيحية هناك صارت الرسامة من الوطنيين. ومن أبحاث د. ميخائيل مكسي( ) يمكن جمع المعلومات الآتية:
صفحة 78و79: أن اليهود بدأوا يتوافدون على ليبيا مع الإسكندر الأكبر حينما زحف بجيشه على مصر سنة 332 ق.م وازدادوا على يد خلفائه. ويروي يوسيفوس المؤرِّخ أن بطليموس الأول المدعو سوتير أرسل فريقاً من اليهود ليستقرُّوا في كيريني لأنه كان مهتماً بتشديد قبضته على المدن الخمس.
صفحـــــة 66: ودخل بعدهم الرومان على يد قائدهم لوكللوس Lucullus وبسطوا نفوذهم على المدن الخمس وأُقيمت ولايتهم على كيريني سنة 75 ق.م.
صفحة 68و69: ولم يعد اليونان (الأغريق) يشعرون بعد أنهم على قدم المساواة مع السادة الرومان.
صفحــــــة 68: وقد تمتعت كيريني برخاء نسبي في القرن الأول المسيحي متبوعاً بالأمن والسلام، ونتج عن ذلك نهضة عمرانية وزراعية وعلمية. وهي المدة التي وُلِدَ فيها ق. مرقس وعاش في أحضان أسرته التي كانت من أكبر أغنياء الجالية هناك.
ولكي يُدرك القارئ مدى المستوى الثقافي والعلمي واللُغوي لتلك المناطق، عليه أن يُدرك أنها كانت مهد الترجمة اللاتينية للعهد الجديد التي بُدئت هناك. وهذا هو تقرير قاموس هاستنج عن ذلك:
[كان يوجد إقليم على درجة كبيرة من الأهمية لم يكن فيه لليونانية مكان، حيث كانت اللاتينية هي اللغة الوحيدة للكلام والأدبيات المكتوبة، وكان هذا الإقليم يسمَّى إفريقيا، وهي المنطقة التي تُدعى الآن تونس - الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط - فكانت مأهولة بشعب عظيم يتكلَّم اللاتينية. وكانت المسيحية هناك مزدهرة جداً وبُدئ السماع عنها من بداية القرن الثاني الميلادي. فقد سُمع عن ترتليان كأكبر مدافع عن الإيمان بغيرة وحرارة نادرة (150-220م). والمعروف أن أقدم نسختين للعهد الجديد باللغة اللاتينية
كانت مستقرة في إفريقيا هذه. وأول نسخة لاتينية للعهد الجديد كانت بحوزة ترتليان، وبعده كبريانوس (200-258م)، كما أنه لا يوجد قط أي نسخ أو أجزاء من العهد الجديد باللغة اللاتينية في أي مكان من العالم حتى يمكن أن تُعمل لها مقارنة مع نسخ إفريقيا.]( )
والمعروف أن إقليم الخمس مدن هو الامتداد الطبيعي لهذا الإقليم وينطبق عليه نفس الكلام.
من هذا نفهم أن تعليم ق. مرقس كان على هذا المستوى العالي في اللاتينية واليونانية، لأن أسرة ق. مرقس كانت على ثراء كبير وكانت قادرة أن تعلِّم ابنها على هذا المستوى.
ويعتقد البعض أن عائلة ق. مرقس قَبِلَت الإيمان المسيحي أثناء وجودها بأُورشليم وذلك في يوم الخمسين حينما حضر رؤوس العائلات عيد الفصح وتعوَّقوا ليوم الخمسين، وكانت جاليتهم من أبرز الجاليات الحاضرة في هذا اليوم:
+ » وكان يهودٌ رِجالٌ أتقياء من كل أُمةٍ تحت السماء ... فرتيُّون وماديون وعيلاميون، والساكنون ما بين النهرين، واليهودية وكبدوكية وبُنتُس وأسيَّا وفريجية وبمفيلية ومصر، ونواحي ليبية التي نحو القيروان، والرومانيون المستوطنون يهودٌ ودخلاء، كريتيون وعرب. «(أع 2: 5و9-11)
والرؤوس التي تنصَّرت هناك معروف منها لوقيوس القيرواني (أع 1:13) ويُعتقد أنه صار أسقفاً على كيريني (القيروان)، كذلك سمعان المدعو بالقيرواني، ويذكر القديس مرقس في إنجيله اسم ولديه ألكسندرُس وروفُس (مر 21:15)، وهو الذي حمل صليب المسيح، وسمعان الذي يُدعى نيجر ومناين (مناحم) (أع 1:13)، هؤلاء يُعتقد أنهم بعدما تنصَّروا رجعوا وبشَّروا إقليم الخمس مدن مع ق. مرقس قبل أن ينزحوا من الإقليم بعد غارة البربر.
ويؤيِّد هذا الكلام العالِم موريه إذ يقول:
[إن يهوداً متنصِّرين عادوا من فلسطين بعد يوم الخمسين إلى كيريني حاملين معهم بشارة الإنجيل.]( )
ونشأ القديس مرقس وسط عائلة متديِّنة، وتربَّى على الإيمان المسيحي بغيرة حتى إنه دُعي في بعض المخطوطات بالزيلوطي Zealot أي الغيور. واستناداً إلى رواية ساويرس أسقف الأشمونين
(أواخر القرن العاشر) المنقولة من مصادر مصرية قديمة، نعلم أن أسرة القديس مرقس هاجرت إلى أُورشليم بعد هجوم البربر على القيروان (سيرينيكا) في أواخر عهد أغسطس قيصر الذي حكم بين 30 ق.م - 14م وحملت معها ثروتها إلى الأرض المقدَّسة( ).
نزوح عائلة ق. مرقس إلى الأرض المقدَّسة:
نزحت عائلة ق. مرقس مبكِّراً مع جالية كبيرة من يهود كيريني واتجهت إلى فلسطين حسب الروايات المذكورة سابقاً. ويقول د. ميخائيل مكسي في كتابه: إن يهود بنتابوليس (الخمس مدن) كان لهم صلة قوية بفلسطين وبهيكل أُورشليم، وكانت الرحلة إلى هناك سهلة سواء عن طريق دلتا النيل أو عن طريق البحر. وقد هاجر أعداد من يهود ليبيا إلى الأرض المقدَّسة في القرن الأول بحسب العالِم الألماني شورر( ) واستقروا بها، وشيَّدوا لهم مجمعاً في أُورشليم (أع 9:6)، ومن هؤلاء المهاجرين أسرة ق. مرقس. كما يقول يوسيفوس( ) المؤرِّخ أن سكان سيرين (القيروان) من اليهود كانوا يشكِّلون جالية مستقلة واضحة عن غيرها، وكان لهم امتيازات خاصة دون جميع الجاليات في أيام يوليوس قيصر بسبب مساعدتهم له في حروبه ضد مصر، ومن هذه الامتيازات اشتراكهم - كأعضاء - في مجلس الشيوخ الروماني( ) المعروف بالسناتو Senato، كما أصبح لهم نفس حقوق اليونان (الأغريق) في التمثيل في المجالس المحلية( )، كما أصبحت لهم مؤسساتهم الثقافية المستقلة. وقد عُثر على نقش بسيرينيكا يرجع إلى أيام المسيح ويتضمن قائمة بأسماء أعضاء منظمة رياضية للشباب اليهودي( )، وكان يهود سيرينيكا يمثِّلون نصف سكان المقاطعة. وهجرتهم إلى فلسطين تمَّت في العقد الثاني من القرن الأول وكان عمر ق. مرقس آنئذ حوالي 18 سنة.
القديس مرقس في أورشليم:واستناداً إلى رواية ساويرس أسقف الأشمونين (أواخر القرن العاشر) المنقولة عن مصادر قبطية قديمة، يتضح أن أسرة القديس مرقس هاجرت إلى أُورشليم بعد هجوم البربر على سيرينيكا Cyrenaica وذلك في أواخر عهد أغسطس قيصر (الذي حكم من سنة 30 ق.م إلى 14 ميلادية) وحملت معها ثروتها إلى الأراضي المقدَّسة( ).
ويقول الدكتور عزيز سوريال عطية إن مرقس آنئذ كان قد أكمل 15 سنة من عمره. ولكن يقول الدكتور ميخائيل مكسي إنه كان قد ناهز 18 سنة. علماً بأن المعروف أن ق. مرقس وُلِدَ بعد ميلاد المسيح بثلاث سنوات( ) وأنه تعرَّف على المسيح عن طريق زيارات المسيح للعليَّة في صهيون في بكور خدمته، حيث لم تكن هذه العليَّة سوى بيت عائلة القديس مرقس (أع 12:12). أي أن القديس مرقس قد عاين أعمال المسيح منذ البداية. ويؤيِّد هذا الكلام أسقف مدينة كليفتون( ) الإنجليزي (1901) الذي يقول:
[إن بداخل إنجيل ق. مرقس ما يؤيِّد أنه كتبه كشاهد عيان لأعمال المسيح].
ويؤكِّد ساويرس ابن المقفِّع وابن كبر عن مصادر قديمة أن ق. مرقس حضر حفل العُرس في قانا الجليل وكان مع الذين يملأون الأجران، كما حضر العشاء الأخير وسمع كلام سر الإفخارستيا( ).
وتقول بعض المصادر القديمة إن سمعان القيرواني أبا ألكسندر ورُوفس وولديه كانوا يقيمون في منزل ق. مرقس، وكان السيد المسيح يتردد على هذا البيت طبقاً لما ذكره أبو المكارم سعد الله في مخطوط تاريخ الكنائس( ).
ويقول دكتور عزيز سوريال إن ق. مرقس كان أقرب شاهد لحياة المسيح (صفحة 25). ويقول التقليد الكنسي إن المسيح اختاره مع السبعين رسولاً وذلك منذ البدء، يذكر هذا ساويرس ابن المقفع (القرن العاشر في كتابه سير الآباء البطاركة). وقد تقبَّلت الكنيسة هذا التقليد الثابت
ووضعت اسمه مع قائمة أسماء السبعين رسولاً باللغة القبطية عن الأصل اليوناني عن ابن كبر (مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، الكتاب الرابع). كما يذكر العالِم الكاثوليكي ابن الصليبي في تفسيره لإنجيل مرقس، أن مرقس [دُعي للتلمذة برفقة السبعين تلميذاً وسمِّي: الثيئوفورُس أي حامل الإله]. والكنيسة القبطية تدعوه عن حق وجدارة بالمعلِّم والرسول وناظر الإله.
ومعلوم أن عائلة ق. مرقس كانت من أثرياء الجالية اليهودية في القيروان ولمَّا هاجرت إلى الأرض المقدَّسة، استوطنت أُورشليم. وأقام والد ق. مرقس- والذي ذكر الأسقف ساويرس ابن المقفع (من القرن العاشر) أن اسمه أرسطوبولس - أقام بيته الكبير الذي اتسع لكل الرسل والتلاميذ للإقامة يوم الخمسين، مع عليَّة أعلى البيت كانت المكان المفضَّل للمسيح. والمظنون بالتالي أنه اشترى قطعة أرض في منحدر جبل الزيتون وهي التي سميت ببستان جثسيماني أو معصرة الزيت لتعيش منها الأسرة. ولكن لا نعلم متى توفِّي أرسطوبولس وحل القديس مرقس محلَّه كرب البيت.
بهذا يكون القديس مرقس الرسول بصفته صاحب العليَّة قد حضر ليلة تأسيس العهد الجديد، واستقى الدم من يد الفادي، وخدم غسل الأرجل، ونظر اتضاع المخلِّص وصار الاتضاع حياته. وأنه صاحب بستان جثسيماني وحضر كل حوادث القبض كشاهد عيان، ورأى قُبلة يهوذا وتبع المسيح إلى المحاكمة، وسجَّل دقائق ألاعيب رؤساء الكهنة واستحضار شهود الزور، وعاين الآلام الأُولى من الخدم من لَكْمٍ وبصاق، وشاهد وشهد على إنكار ق. بطرس ثلاثاً على صياح الديك وحضر البكاء. وتابع أعمال بيلاطس كمراقب عن كثب يشاهد ويسمع ويفهم، لأنه كان متضلِّعاً في اللغة الرومانية (اللاتينية)، وسجَّل تحركاته القلقة في محاكمة الرب وهو غير راضٍ عن القضية بجملتها. وأخيراً عمل بيلاطس » ما يرضيهم « ورأى ق. مرقس الآلام المروعة قبل الصليب، ورأى خشبة الصليب، وشاهد سمعان قريبه قادماً بوحي إلهي ليحمل على كتفه صليب مَنْ حمل العالم في قلبه، وعاين الصلب مع أُمه مريم وعاد معها مكسور القلب، وعاش أحلك أيامه حتى رأى الرب قائماً في العليَّة حيًّا ممجداً مفتتحاً بجسده القائم من الأموات الخليقة الجديدة لإنسان العالم الجديد، فدخل فرحة القيامة وقَبِلَ مع التلاميذ نفخة الروح ونال قوة الكرازة للعهد الجديد.
ومكث ق. مرقس في العليَّة كوصية الرب لا يفارقها مع المتعاهدين على الصلاة والصوم مع كل التلاميذ ومع مريم أم يسوع وإخوة الرب، ورأى الروح كألسنة نار استقرت على رؤوس الحاضرين الاثني عشر وامتلأ بالروح مع الذين امتلأوا وتكلَّم بالروح مع المتكلمين وانطلق يكرز مع الكارزين.
أين ومتى كتب القديس مرقس إنجيله:لم يُعطِ التاريخ المسجَّل زمن كتابة الإنجيل بتحديد سواء في الإنجيل نفسه أو في أعمال الرسل، لذلك تكاثرت التخمينات سواء من جهة زمان كتابته أو المكان الذي خَلَدَ إليه ق. مرقس ليكتب إنجيله. فمن جهة الزمان اختلف بين المبكِّر( ) سنة 45م والمتأخر سنة 60م وما بعد ذلك. أمَّا المكان فقيل إنه كُتب في روما وقيل لا بل في الإسكندرية، كما قيل أيضاً إن مرقس الرسول جاء إلى مصر وإنجيله في يده (د. عزيز سوريال عطية).
ولكن بالاستقراء المتأني وبفحص الإنجيل آية آية انتبهنا إلى أن الإنجيل هو عبارة عن تسجيلات متتابعة عن رؤية وسمع، والقليل منها نقلاً شفاهياً من بطرس الرسول .
وربما جرى قلم القديس على بعض الكلمات يفسِّرها لاتينياً من وضعها العبري بدافع عرض إنجيله على أهل روما عندما كان هناك. ويقول المؤرِّخ د. عزيز سوريال عطية عن مؤرخين آخرين إنه كتبه إمَّا باللاتينية أو اليونانية أو ربما باللغتين( ). ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم إنه كتبه باليونانية في مصر.
وردًّا على الذين يقولون إن الإنجيل من تأليف متأخِّر في الستينات، يقول المؤرخون: إن إنجيل ق. مرقس ظهر بعد اثنتي عشرة سنة من حادث الصلب، وهذا يطابق سنة 45م. كما يطابق ميعاد دخول ق. مرقس الإسكندرية للبشارة بالإنجيل. كما يقولون: كان إنجيله بين يديه. وغيرة ق. مرقس على نشر إنجيله في باقي إقليم مصر بين غير المتكلِّمين باليونانية كانت واضحة منذ بداية خدمة التبشير إذ طلب أن يُترجم بلغة أهل مصر وهي القبطية البحيرية أولاً وبعدها بمائة سنة تقريباً تُرجم الإنجيل إلى اللهجة الصعيدية.
ومن هذه الحقائق يتبيَّن بُعد المسافة عن حقيقة إنجيل ق. مرقس وما نسبه إليه بعض المؤرخين نقلاً عن بعضهم دون تفحُّص دقيق لمادة الإنجيل الذي يتكلَّمون عنه.
التقليد القديم الخاص بكتابة إنجيل القديس مرقس بما له وما عليه من علاّت:
1 - تقليد بابياس أسقف هيرابوليس:أول مَنْ افتتح هذه الروايات الخيالية عن الإنجيل هو بابياس أسقف هيرابوليس (60-130م) في آسيا الصغرى، وقد فُقدت كتاباته ولكن أقواله وصلت إلينا عن طريق يوسابيوس في كتاب تاريخ الكنيسة. ولم يكن بابياس نفسه يتكلَّم عن معرفة شخصية، بل كان ينقل - حسب قوله - عن الكاهن المكرَّم (؟) :
[وقال الشيخ هذا أيضاً: إن مرقس وإذ أصبح المفسِّر (˜rmhneut»j) لبطرس، دوَّن بدقة كل الذي تذكَّره من الأمور التي قالها وعملها الرب. ولكن ليس بترتيب، لأنه لم يسمع الرب ولا تبعه، ولكن فيما بعد - كما قلت - تبع بطرس الذي جعل تعاليمه توافق السامعين ولكن دون أن يقدِّم تقريراً متماسكاً عن أقوال الرب. هكذا وبالتالي، لم تبدُ من مرقس أخطاء وهو يسجِّل الأشياء كما تذكرها هو الآخر، لأنه جعل همَّه أن لا يسقط منه شيء مما سمع حتى لا يسجِّل حقائق مزيَّفة في إنجيله] انتهى( ).
وواضح من هذا التسجيل أن الجملة الأُولى فقط هي المنسوبة للشيخ وهي هكذا: [وإذ أصبح مرقس المفسِّر لبطرس دوَّن بدقة كل الذي تذكَّره من الأمور التي قالها وعملها الرب] انتهى. والباقي هو تعليق من بابياس.
وهذا الذي ينقله بابياس عن الشيخ لا يتوافق مع كل ما نعرفه عن شخص ق. مرقس كما تسجِّله له الرسائل، فهو كارز ومعلِّم وليس مجرد مترجم أو مفسر بل هو » نافع للخدمة «(2تي 11:4)، » والعامل معي في ملكوت الله «(كو 11:4). إذاً، نفهم من هذا أن هذا التقرير الذي ينقله بابياس عن “الشيخ” لا يعطي الصورة الصحيحة عن القديس مرقس.
كذلك حينما نأتي إلى تقرير بابياس الذي يقول إن ق. مرقس لم يَرَ الرب ولا سمعه ولا تبعه، نجده مخالفاً تماماً لحقيقة ق. مرقس كصاحب العليَّة بل وصاحب ضيعة جثسيماني. وهذا الأمر ينفيه قول أسقف كليفتون السابق ذكره: [إن بداخل إنجيل مرقس ما يؤيد أنه كتبه كشاهد عيان لأعمال المسيح].
ولكننا لا نُعْدَم شهادة حسنة من تحت قلم بابياس فيما يخص إنجيل ق. مرقس، إذ يقول مدافعاً عنه هكذا: [لم تبدُ من مرقس أخطاء وهو يسجِّل الأشياء كما تذكَّرها لأنه جعل همَّه أن لا يسقط منه شيءٌ مما سمع حتى لا يسجِّل حقائق مزيفة في إنجيله]. وهذه الشهادة نأخذها نحن بدورنا ونطبقها على كيف كان يسجِّل ق. مرقس إنجيله بدقة متناهية حادثة بحادثة وخبراً بخبر كما شاهده وسمعه دون زيادة أو نقصٍ، فجاء إنجيله إنجيلاً تسجيلياً بالصوت والصورة كما يقولون أي عن رؤيا وسمع.
2 - تقليد مقدِّمة إنجيل مرقس الموجهة ضد ماركيون:
كان من دأب الذين ينسخون أسفار العهد الجديد قديماً أن يفتتحوها بمهاجمة ماركيون الهرطوقي. وقد وصلنا من هذه المقدمات وصف لإنجيل القديس مرقس ضائع منه بعض سطوره الأُولى ولكنه يستمر قائلاً:
[مرقس أعلن ... وكان يسمَّى ذا “الإصبع الصغير” Colobodactylus (لاتيني) Kolobod£ktuloj (يوناني)، لأنه كان له أصابع قصيرة، وكان مترجماً (مفسِّراً) - interpres - لبطرس، وبعد موت بطرس كتب إنجيله في أماكن بإيطاليا.]( )
ويوافق العالِم المؤرِّخ هارناك( ) على صحة هذه المقدِّمة ويحدِّد زمانها بسنة 160-180م. ,تعطي معلومة جديدة وهي أن القديس مرقس كان له أصابع صغيرة. هذه معلومة متأخرة تاريخياً نوعاً ما عن بابياس، وقد ذكرها هيبوليتس. ولكن بسبب ذِكرها في مقدمة من القرن الثاني موجهة ضد مارقيون، أصبحت ذات وزنٍ تاريخي عالٍ.
كذلك تضيف هذه المقدمة “ضد ماركيون” أن ق. مرقس كتب إنجيله في إيطاليا وليس في روما بالذات وبعد موت بطرس في روما. هذا يجعلنا نلتفت إلى ما سجَّله التاريخ لنا أن ق. مرقس بشَّر في مدينة أكويلا وفينيسيا بإيطاليا، وأن اسمه مذكور هناك وقد أُقيمت كنيسة عظيمة باسمه مع تماثيل وصور بلا عدد. هذا بحد ذاته هو الذي دعا كاتب المقدمة ضد ماركيون أن يقول إن ق. مرقس كتب إنجيله “في إيطاليا”. وهذه المعلومة تأتي مبكِّرة عن ما قدَّمه إيرينيئوس بعد ذلك.
3 - يوستين الشهيد( ):( ). ويعود أيضاً ويذكر في نفس المرجع عبارة اقتبسها مما جاء في إنجيل ق. مرقس (3:6): » أليس هذا هو النجَّار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا؟ فكانوا يعثرون به « فيذكر منها كلمة: tšktonoj nomizomšnou “أي المحسوب نجَّاراً”( ) وهذه الصفة للمسيح لم يذكرها إلاَّ مرقس.
4 - إيرينيئوس:جاء ذكر إنجيل ق. مرقس في كتاباته عن الأناجيل، فبعد أن ذكر أن إنجيل القديس متى كُتب أثناء ما كان القديسان بطرس وبولس على قيد الحياة يبشِّران بالإنجيل وينشئان كنيسة رومية (هكذا):
[وبعد أن استشهد كلاهما، قام تلميذ بطرس والمترجِم له لينقل لنا كتابة الأمور التي بشَّر بها بطرس.]( )
5 - القانون الموراتوري:وهو الذي طبعه ل. أ. موراتوري سنة 1740م وهو في أجزاء شديدة التلف من مخطوط يرجع تاريخه إلى القرن السابع أو الثامن في مكتبة أمبروزيان في ميلانو. وهو يحوي الأسفار المعروفة في روما في الفترة بين سنة 170-190م. وجملة الافتتاح جاءت ناقصة وهي تعني إنجيل مرقس إذ أنها متبوعة “بالإنجيل الثالث بحسب لوقا”،
6 - كليمندس الإسكندري:ثلاث صفحات من كتابات كليمندس تدعو للإلتفات، منها صفحتان ينقلها عنه يوسابيوس والثالثة متداولة باللاتينية:
( أ ) [حينما أكمل بطرس كرازته في روما جهاراً وأعلن الإنجيل بالروح، فالحاضرون وكانوا كثيرين ترجوا مرقس كونه كان مرافقاً لبطرس مدة طويلة ويذكر كل ما قاله أن يسجِّل لهم كلماته. ومرقس عمل هذا ونسب إنجيله إلى الذين ترجوه. وحينما علم بطرس بذلك لم يتحمَّس في ممانعة ذلك ولا هو شجَّع العمل.]( )
(ب) [ويقولون إن بطرس حينما سمع ما قد عمل (مرقس) كما أعلن له الروح سُرَّ بغيرة الأشخاص الذين طلبوا منه ذلك وصادق على الكتابة لقراءتها في الكنائس.]( )
( ج ) [مرقس الذي تتبع بطرس بينما كان بطرس يكرز علناً بالإنجيل في روما في حضرة بعض قادة قيصر، وقد قدَّم شهادات كثيرة بالنسبة للمسيح، تقدَّم هؤلاء برجاء أن يكون لديهم ما يتذكرونه من هذه الشهادات التي قيلت إليهم، فكتب لهم الإنجيل المذكور حسب مرقس.]( )
في هذه الصفحات وخاصة ب ، ج نجد أن التقليد المنسوب للقديس بطرس بدأ ينمو ويُزاد عليه. والكلام يناقض بعضه، فالقول إن القديس مرقس كتب إنجيله في حياة بطرس يناقض ما جاء في إيرينيئوس والمقدِّمة ضد ماركيون.
7 - أوريجانوس:حينما كان يصف الأربعة أناجيل يعيد مؤكِّداً ما قاله بابياس ويوثِّقه بما جاء في رسالة بطرس الأُولى:
[وثانياً هذا الذي حسب مرقس الذي عمل كما علَّمه بطرس الذي يعترف به كابن في الرسالة العامة بقوله: » تسلِّم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني «(1بط 13:5).]( )
8 - جيروم:( )
النقطة الجديدة الوحيدة أن مرقس كان أول أسقف على الإسكندرية وهذا التقليد نسمعه لأول مرَّة هنا من جيروم (342-420)، لأنه غير مذكور في أي من السابقين، لا في بابياس ولا إيرينيئوس ولا كليمندس مع أنه إسكندري، ولا حتى أوريجانوس الذي تربَّى في المدرسة التي أنشأها ق. مرقس.
ولكن من المستحيل أن يتوافق هذا مع التقليد الروماني الذي سار كل السابقين على أساسه، خاصة وأنه منذ جيروم فصاعداً اهتم الكتَّاب الكنسيون بالقول أن ق. مرقس استشهد في السنة الثامنة من حكم نيرون (54-68) أي سنة 62م في الإسكندرية، وذلك يكون قبل موت بطرس وبولس، فجيروم يقول بالحرف الواحد في كتابه عن مشاهير الرجال( ):
[mortuus est autem octavo Neronis anno et sepultus Alexandriae succedente sibi Anniano. أي: تنيَّح في السنة الثامنة لحكم نيرون، ودُفن بالإسكندرية، وخلفه إنيانوس].
ويحذو حذوه كل من يوسابيوس والمراسيم الرسولية وإبيفانيوس( ).
ومن هذه التحقيقات يتضح لنا أن كل المؤرِّخين القدامى أخذوا عن بابياس أخذاً أعمى دون تحقيق أو مضاهاة هذه الأقوال على واقع الإنجيل نفسه، وانتحوا جميعاً ناحية بطرس وروما. فبطرس هو الذي أملى الإنجيل على تلميذه في روما، والبعض يقول قبل موته والبعض الآخر بعد موته. ويخرج عن هذا التقليد الغربي الصرف جيروم العالِم الإنجيلي. وهو بهذه المناسبة مولود في المدينة نفسها التي بشَّر فيها ق. مرقس أكويليا Aquileia بإيطاليا ودرس في روما؛ ولكنه انحدر إلى الشرق وعاش في أنطاكية وارتحل إلى صحاري سوريا عابداً متنسكاً لما يقرب من خمس سنوات، وأمضى بعض الوقت في القسطنطينية، ثم انطلق إلى روما وعمل مع البابا داماسوس كسكرتير له، وبعد وفاته انحدر إلى الإسكندرية ومصر ثم فلسطين واستقر في بيت لحم وعاش بقية حياته راهباً دارساً للإنجيل. وهو الذي ترجم الإنجيل إلى اللاتينية من اللغات الأصلية. وهو الذي ترجم أعمال يوسابيوس إلى اللاتينية وأكملها، وترجم مؤلفات أوريجانوس وديديموس وتحقيقاته التاريخية على غاية من الدقة. ومن الطرائف أنه يصوَّر دائماً وتحت قدميه أسد( ).
واضح أن تقليد جيروم شرقي وأنه من أكويليا التي كرز فيها ق. مرقس وأنه عاش في مصر وفلسطين وأنه مؤرِّخ مدقِّق. لهذا نأخذ بتحقيقه بكثير من الثقة وهو يطابق تقليدنا القبطي إلى حد كبير.
أمَّا تقليد جميع المؤرخين القدامى الآخرين الذين سجلنا أقوالهم فهي نسخة من أقوال بابياس الذي بقوله أن ق. مرقس لم يَرَ الرب ولا سمعه يكون قد ألغى كل مصداقية أقواله فيما يخص القديس مرقس وإنجيله. هذا الأسقف الذي تسبب في حجب قيمة إنجيل ق. مرقس عنَّا كل القرون السالفة.
ولكن لا ينبغي أن ننفي عن إنجيل ق. مرقس بعض الاعتماد على كل من القديسيْن بطرس وبولس، فقد خدم معهما. وهو وإن كان قد أخذ شيئاً من ق. بطرس فقد أعطى أشياءً للقديس بولس. إذ كان ق. مرقس هو المصدر الدائم والمرافق لبولس ليتعلَّم منه ماذا قال الرب وماذا عمل وخاصة فيما سجله ق. بولس:
+ » فإنني سلَّمت إليكم في الأول ما قبِلته أنا أيضاً: أن المسيح مات مِنْ أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفِنَ، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب ... «(1كو 15: 3و4)
ومعروف أن ما قبله ق. بولس قبله من الرسل وبالأخص ق. مرقس، ولم يكن موجوداً من الكتب أثناء خدمة ق. بولس إلاَّ إنجيل ق. مرقس.
ولكن الانطباع العام الذي انتهى إليه جميع العلماء والنقَّاد في السنين الأخيرة أن ق. مرقس هو كاتب إنجيله كشاهد عيان ومسجِّل لما كان يرى ويسمع عن قرب من الحوادث ومن الرب نفسه. لذلك أصبحت التقاليد القديمة التي تداولت في الكنيسة على مدى العصور السالفة وأخذ بها كل الكتَّاب المنحازين لروما وللقديس بطرس أخذاً بلا تحفظ تعتبر الآن على غير ذي صحة ولا تفيد القارئ والمتتلمذ لحق الإنجيل بحسب ق. مرقس، لأن شهادة شاهد العيان تنقل الحق كما هو، حيًّا ينبض بالحياة، خاصة إذا كان الشاهد يهدف إلى استعلان الحق دون أن يتدخل في استعلانه.
هذا هو الإنجيل بحسب ق. مرقس كما نراه من خلف هذه الشواهد التي طوَّحت به بعيداً عن واقعه وحجبت تعليمه عنَّا كل القرون السالفة ظلماً وبدون معرفة بسبب هذا البابياس.
هذا هو مرقس الذي اعتاد أن يتقابل مع المسيح حينما كان يذهب للصلاة (ربما في بستان جثسيماني الخاص بالأسرة) في بيت مرقس، وهكذا تقبَّل مرقس التعليم وأصول الإيمان وأيضاً كان يتبع المسيح أينما سار ليسمع تعاليمه السماوية( ).
مؤهلات القديس مرقس للتعليم والكرازة:لأن القديس مرقس له معرفة متقدِّمة في اللغة اليونانية واللاتينية بجوار العبرية، كانت له خلفية قوية في الشرح والتأويل والتعبير مع الترجمة بهذه اللغات، لذلك سُمِّي ق. مرقس في خدمته مع كل من القديسيْن بطرس وبولس بالمفسِّر ˜rmhneut»j وهي تفيد الترجمة والتفسير (أي الشرح) معاً. بمعنى أنه كانت له القدرة على شرح وتفسير الإنجيل باللغة اللاتينية لأهل روما وباليونانية للعالم اليوناني آنئذ في كل مكان. معنى هذا أن ق. مرقس كان ذا موهبة إنجيلية عالية القدر وبالتالي كان قديراً في الشرح وتعليم المؤمنين، مما كان يسمَّى في الكنيسة بالكاتشيزم Catechism. وهو على نوعين: النوع الأول: تعليم المتقدِّمين إلى المعمودية ليكونوا على مستوى المعرفة والإيمان الصحيح بالمسيح والخلاص بحسب الإنجيل، والنوع الثاني: تعليم المسيحيين عموماً أصول الإيمان المسيحي تعليماً صحيحاً مدرسياً. وكلمة كاتشيزم هي أصلاً من كلمة kathcšw = يجعله يسمع، أي يسمع الإنجيل، أي يتعلَّم.
وأول استخدامها كان على المستوى الشفاهي الذي كان يقوم به ق. مرقس للمؤمنين بعد أن يسمعوا عظات القديسيْن بطرس وبولس ويتأثروا ويطلبوا الإيمان والمعمودية. وهذا كان عمل ق. مرقس الأساسي بعد التعليم الأوَّلي ثم الخدمة diakon…a أي خدمة المعمودية للمؤمنين، وبعدها تكميل المعرفة شفاهياً. ولكن بعد أيام ق. مرقس أصبحت هناك كتب خاصة للتعليم - كاتشزم - وكتب للصلوات بالنسبة للمؤمنين مقرَّرة عليهم.
+ «خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة = diakon…an. » (2تي 11:4)
وكان الذين يتعلَّمون مبادئ الإيمان قبل المعمودية يسمّون بالموعوظين - كاتيخوميني kathcoÚmenoi - وكان لهم مكان خاص في الكنيسة، ولكن قبل التناول مباشرة كانوا يخلون مكانهم ويخرجون خارج الكنيسة. وكان لهم قدَّاس خاص بهم يسمَّى قدَّاس الموعوظين - الكاتيخوميني - وكان يخلو من صلوات وأعمال الإفخارستيا. أمَّا معلِّم الكاتشزم أو مدرِّس التعليم الإيماني للمبتدئين فكان يسمَّى كاتشست Catechist (= kathcist»j). وقامت في الكنائس الأُولى مدارس خاصة بالموعوظين وكانت تسمَّى مدارس الكاتشسيز Catechese = kat»chsij.
والمعروف أن ق. مرقس أول رسول أسس مدرسة من هذا النوع في الإسكندرية وطوَّرها قبل استشهاده لتصير أول مدرسة لاهوت لتخريج الأساقفة. وقد تخرَّج منها بعد ذلك أعاظم اللاهوتيين والمعلِّمين على مدى العصور.
القديس مرقس يخدم في قبرس مع القديسَين برنابا وبولس:
+ » فهذان (القديسان برنابا وبولس) إذ أُرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية، ومن هناك سافرا في البحر إلى قبرس. ولمَّا صارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليهود. وكان معهما يوحنا (مرقس) خادماً Øphršthn. «(أع 13: 4و5)
والكلمة يقابلها في العبرية حازان Hazzan وتعني معلِّم مدرسة أي كاتشست في المجامع. فالخدمة مع ق. بولس كانت مكمِّلة للوعظ أي تختص بتكميل التعليم والإعداد للمعمودية ثم المعمودية في مجامع اليهود. ويلاحَظ أن ق. مرقس كان من سبط لاوي، وكان يتقن العبرية أي يتقن التعليم والطقس معاً، وكان مترجماً لليونانية بالنسبة لليونان، واللاتينية بالنسبة للرومان. وهكذا برزت مواهبه في التعليم والتفسير. وهذه كلها استخدمها في كتابة إنجيله لتقديم بشارة متكاملة هادفة.
القديس مرقس يكرز مع القديس برنابا في قبرس:
ولكن ق. مرقس لم يشأ أن يكمِّل مع القديسيْن بولس وبرنابا الرحلة الأُولى صوب آسيا، ففارقهما وانحدر إلى أُورشليم. ولكن بعدها: » برنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس «(أع 39:15). وهنا يختفي اسم ق. مرقس من سفر الأعمال على مدى حوالي عشر سنوات، ليظهر اسمه بعد ذلك في رسالة كولوسي (10:4) وفليمون (24) إذ عاد يطلبه ق. بولس باعتباره أنه عامل معه في الكرازة بملكوت الله:
+ » يسلِّم عليكم أرسترخس المأسور معي، ومرقس ابن أخت برنابا، الذي أخذتم لأجله وصايا. إن أتى إليكم فاقبلوه. ويسوع المدعو يسطس، الذين هم من الختان. هؤلاء هم وحدهم العاملون معي sunergo… لملكوت الله، الذين صاروا لي تسلية. «(كو 4: 10و11)
وهذه العشر سنوات تبدأ من رحلة ق. بولس الأُولى التي تخلَّف ق. مرقس في منتصفها سنة 45م حتى الرحلة التبشيرية الثالثة (انظر شرح رسالة رومية صفحة 28 رقم 18و19). وتلمِّح إلى ذلك المؤرِّخة بوتشر هكذا:
[وتوجه برنابا مع ق. مرقس إلى قبرس وإلى هنا لا يُذكر عنهما شيء في سفر أعمال الرسل، ولكن يرجح كثيراً أن مرقس ذهب حينئذ إلى كيريني (في المدن الخمس) ثم عاد القديس مرقس ماراً بالمدن الخمس (على الساحل) إلى الإسكندرية. ويؤيِّد هذا الرأي بعض تلميحات وردت عرضاً في العهد الجديد وكذلك ما ورد في التواريخ المصرية أن مارمرقس أسس خمس كنائس أخرى (على الخمس مدن) بين زيارتيه الأُولى والثانية إلى الإسكندرية ومن ضمنها
كنيستي كيريني وليبيا.]( )
بدء التقليد الشرقي لكرازة مرقس الرسول في كل من
الخمس مدن الغربية والإسكندرية على مدى هذه العشر سنوات:
المدن الخمس الغربية Pentapolis:
وهي في أيام حكم بيزنطة تُعرف بالمقاطعات الخمس: كيرين أو سيرين (Kirawan) Cyrene بتولمايس أو برقة Ptolemais = Barca، أرسينوي أو توشيرا Taucheira، برنيس Hesperides = Berenice وأبولونيا Apolonia هذا بحسب أبحاث العالمة بوتشر.
وقد أمضى القديس مرقس سنتين في الخمس مدن الغربية. ثم انحدر إلى الإسكندرية وكرز فيها لمدة سبع سنوات حسب التقليد. وبعدها عاد إلى أُورشليم وانطلق لملاقاة ق. بولس في رومية. ويوجد لدينا بحسب تسجيلات المؤرخين ثلاث روايات عن زيارة ق. مرقس للإسكندرية ولكلٍّ منها ما يؤيِّدها:
الرواية الأولى:
وتقول إن ق. بطرس أخذ زوجته مع ق. مرقس وقاموا برحلة إلى مصر للبشارة وافتقاد الجالية اليهودية الموجودة في بابليون مصر، والجالية الأخرى في الإسكندرية. أمَّا الجالية اليهودية في بابليون فكانوا من اليهود المستوطنين في مصر منذ مئات السنين ولا يتكلَّمون اليونانية، هؤلاء خدم ق. بطرس بينهم وهناك كتب رسالته الأُولى: » تسلِّم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني «(1بط 13:5). والمعروف أن أساس هذه الرحلة إلى الجنوب كان تكميلاً للهروب الذي بدأه ق. بطرس من أُورشليم إلى أنطاكية خوفاً من هيرودس. ثم من بابليون انطلق ق. بطرس وزوجته إلى أُورشليم عبر الصحراء الشرقية حيث طريق القوافل الدائم والمؤمَّن عليه في طرق ممهدة تحت الحراسة الرومانية. أمَّا ق. مرقس فانطلق إلى الإسكندرية للبشارة وتأسيس الكنيسة.
وإليك ما قالته المؤرِّخة بوتشر عن زيارة القديسين بطرس ومرقس لمصر:
[قد ثبت بالإجماع أن مؤسِّس كنيسة مصر هو القديس مرقس الإنجيلي، غير أن السنة التي جاء فيها إلى مصر لأول مرَّة لم يُتَّفق على تعيينها اتفاقاً تاماً. والظاهر أن ق. بطرس الرسول رافقه إلى بابليون وهناك كتب رسالته الأُولى للأُمم كما أشار إلى ذلك في آخر تلك الرسالة. والباحث لا يستطيع أن يأتي بدليل قاطع أن بابل المذكورة في رسالة ق. بطرس هي بابليون المصرية، فضلاً على أن مؤرِّخي الغرب كثيراً ما حاولوا أن يثبتوا أن مدينة بابل هذه في أشور أو رومية عن طريق المجاز. غير أن العدالة توجب علينا ترجيح القول بأنها مصر وهو الأقرب إلى الصواب، لأن ق. بطرس كتب رسالته في مدينة مأهولة باليهود وكانت ملجأ لسيِّدِهِ (الطفل يسوع وأمه القديسة). علماً بأن أشور آنئذ كانت خارج الولاية الرومانية ... ويصعب علينا التصديق بأن بطرس الرسول استخدم كلمة بابل مجازاً للدلالة على رومية ... على أنه (يلزم الأخذ في الاعتبار) أن الكنائس الغربية كانت لا تعرف شيئاً عن بابليون مصر - بل والحديثين أيضاً من رجال الغرب - لأن كنيسة مصر تُعرف بكنيسة الإسكندرية.]( )
الرواية الثانية:
وفيها يُقال إن ق. برنابا أخذ مرقس ابن اخته وانحدر من قبرس نحو الإسكندرية وكرزا معاً في الإسكندرية.
والذي يلمِّح على ذلك المؤرِّخ نياندر المشهور:
[ومن بين الغيورين الأوائل الذين كرزوا بالإنجيل في الإسكندرية نجد أشخاصاً تثقفوا في الإسكندرية مثل أبولوس الإسكندري وأيضاً برنابا القبرصي ... وبحسب التقليد مرقس الإنجيلي كمؤسِّس كنيسة الإسكندرية ... ومن الإسكندرية إلى المدن الخمس وخاصة كيريني وذلك بسبب اتصالهما وتداخلهما معاً ووحدة الروح بين الاثنين. ولكن بالرغم من أن الإنجيل وجد طريقه مبكِّراً في الوجه البحري الذي كان يقطنه كثرة من اليونان واليهود المتكلِّمين باليونانية، إلاَّ أن الإنجيل لم يجد طريقه إلى مصر الوسطى والعليا بسهولة بسبب شيوع اللغة القبطية فقط وكثرة كهنة الأوثان وعدم ثقافة المواطنين هناك. إلاَّ أننا نسمع عن اضطهاد المسيحيين في صعيد مصر في أيام الإمبراطور سبتيموس ساويرس( ) أي في أواخر القرن الثاني! وقد حازت هذه المناطق في بكور القرن الثالث على نسخة من الإنجيل باللهجة الصعيدية.]( )
الرواية الثالثة:
وفيها نعرف أن ق. مرقس انحدر وحده من قبرس إلى المدن الخمس في شمال إفريقيا، وركَّز كرازته في كيريني بالذات لأنها وطنه الأصلي والمدينة التي وُلِدَ فيها، وقد أسس فيها أول كنيسة. وبعدما كرز في المدن الخمس وأسس فيها كنائس ورسم أساقفة ومكث فيها سنتين، اتجه إلى الإسكندرية عن طريق الساحل الشمالي وكرز فيها وأسس الكنيسة وبقي فيها سبع سنوات. ثم غادر الإسكندرية وأكمل أسفاره مع ق. بولس وبقي معه في روما حتى استشهاده. ثم اتجه جنوباً إلى أكويلا أي فينيسيا( ) ومنها إلى المدن الخمس للمرَّة الثانية ثم الإسكندرية لثاني زيارة وفيها استشهد سنة 68م.
وهذه الرواية سنتعرَّض لها كما ذُكرت في التقليد القبطي بحسب المراجع الكثيرة الموغلة في القدم. ولكن تختلف المراجع في التاريخ ما بين المبكِّر فيها جداً والمتأخِّر. وهنا اختلفت آراء المؤرِّخين بالنسبة للبداية والنهاية. والتواريخ كالآتي:
1 - يوسابيوس القيصري المؤرِّخ يعطي تاريخاً لذهاب ق. مرقس إلى الإسكندرية في السنة الأُولى لحكم كلوديوس قيصر سنة 42م( ). ولكن تعلِّق على ذلك بعض المراجع المصرية المسمَّاه Chronicon Alexandrinumوتقول: بل مبكِّراً عن ذلك أي سنة 39م( ).
2 - تعلِّق المؤرِّخة بوتشر أنه بمقتضى البحث في سفر الأعمال يمكن أن نحددها بسنة 45م. وتقول إنه استمر في الإسكندرية حوالي سبع سنوات. وانطلق إلى أُورشليم سنة 50م ليحضر مجمعاً هناك. وتقول هذه المؤرِّخة إنه على أكثر ترجيح كتب إنجيله في بابليون مصر أثناء ما كان مع بطرس الرسول وزوجته( ). وتكتفي هذه المؤرِّخة برحلة واحدة لم تذكر غيرها في كتابها. غير أنها تعطي زمن استشهاد ق. مرقس سنة 62م.
3 - العالِم لاجرانج يعطي تاريخ مجئ ق. مرقس إلى الإسكندرية أثناء حكم كاليجولا (39-40م).
4 - مخطوطة أثرية نشرها العالِم كيرستينوس Kirstenius تعطي تاريخ السنة السابعة لحكم
كلوديوس أي سنة 48م( ).
5 - د. عزيز سوريال عطية عن مؤرِّخين قدامى (كامل صالح نخلة والأسقف إيسيذوروس) يعطي تواريخ سنة 48 أو 55 أو 58 أو 61م( ).
6 - إيريس حبيب المصري أعطت تاريخ سنة 61م( ).
ولكن يبدو أن الذين أعطوا تواريخ متأخرة لم ينتبهوا إلى أن ق. مرقس قام بزيارتين للمدن الخمس والإسكندرية، وأن التواريخ المتأخرة تختص بالزيارة الثانية وليست الأُولى.
الزيارة الأُولى للمدن الخمس:
على أية حال وصل القديس مرقس إلى ساحل إفريقيا الشمالي ونزل في إقليم المدن الخمس واتجه إلى كيريني موطنه ومسقط رأسه. واستقبله اليهود هناك بالترحاب واستجابوا لدعوة الإنجيل دخلاء ووثنيون، يونانيون ورومانيون، وكلَّم الجميع كل جماعة بلغتها. وبحسب التقليد أن الله آزره بعمل آيات كثيرة حسب الوعد فتشدَّدت الكرازة وآمن واعتمد المئات والألوف. ويُقال أنه صنع أشفية كثيرة وأقام ميتاً ابن أرملة وحيداً لأمه فآمن بالمسيحية نحو خمسة آلاف. وقد ذكر هذه المعجزات الأب شينو في كتابه (قديسو مصر)( ). وأقام أول كنيسة في كيريني ورسم عليها أسقفاً يُدعى ألينوس وجعل ابنه الأكبر قساً والأصغر شماساً ودعاهما أقاديوس وفيلبُّس حسب رواية أسقف نستروه (ميمر نشره بارجيه( )). وأقام كنيسة أخرى في مارمريكا في النصف الشرقي للجبل الأخضر وكنيسة ثالثة في درنة( ). ويقول د. زاهر رياض إنه أسس أربع كنائس، ويقول إن المسيحية لاقت انتشاراً سريعاً في المدن الخمس( ). غير أن المؤرِّخ ساويرس ابن المقفع( ) يقول إنه لم يرسم أساقفة في زيارته الأُولى لليبيا لأن ق. مرقس كان يتطلَّع أن تكون أسقفيات المدن الخمس تابعة لكرسي الإسكندرية، لأن ليبيا في الإقليم المذكور كانت تخضع آنئذ تحت الحكم الروماني الذي كانت عاصمته في الجنوب هي الإسكندرية، ولذلك كانت هذه البلاد معتبرة أنها قطعة من مصر وتتبعها سياسياً. ومن هنا جاءت علاقة الكنيستين معاً. ويقول د. زاهر رياض إن ق. مرقس اكتفى أولاً بأنيانوس رئيساً لإيبارشيتي مصر وسرنيكا. ولكن هذا لا يستقيم مع الواقع إذ قامت بالفعل بحسب نصوص التاريخ كنائس لها أساقفة.
وفي الزيارة الثانية للمدن الخمس انطلاقاً من الإسكندرية أخذ ق. مرقس بعض العاملين معه من مصر ليخدموا في الخمس مدن الغربية ويساعدوه في الكرازة وفي تنظيم الكنيسة هناك. وقد رسم لوقيوس القيرواني كأول أسقف هناك. وقد جاء هذا الأسقف إلى مصر واستشهد فيها في نفس الوقت الذي استشهد فيه ق. مرقس 25 إبريل سنة 68م( ). ومعروف أن ق. مرقس ترك لأهل المدن الخمس نسخة من إنجيله بالل
|
|
08-04-2005, 01:45 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
ضيف
Unregistered
|
بحث في إثبات أنّ كاتب إنجيل مرقس مجهول
هذا بحث صغير في الرد على العميد حول ( كاتب إنجيل مرقس مجهول ) فأدلته تؤكد أن الجرح في رواية بابياس الخاصة أن القديس مرقس ما هو إلا مترجم أو كاتب لعظات بطرس الرسول ليس أكثر وهو الأمر الذي سقنا الأدلة الكافية على دحضه وقد بينه هو بشكل مختصر لكن لم تأتي رواية واحدة تشكك في ان كاتب الإنجيل الثاني هو مرقس الرسول نفسه - الشبهة حول هل هو كاتب لعضات بطرس أم لا --
كاتب الإنجيل: القديس مرقس الرسول
أقوال مأثورة عن إنجيل القديس مرقس
[إن عظمة إنجيل مرقس - أقدم الأناجيل - في تاريخ الكنيسة، هي في تميُّزه كونُه قد أعطى لمرَّة واحدة وبلمسات حيَّة، النموذج الوحيد لكل مَنْ جاء بعده. ومن واقع وجود المسيح على أرضنا فقد حفر في مخيلة الكنيسة صوراً للمسيح لن تمحى.] جوانس فايس( )
[إن إنجيل مرقس هو وثيقة تاريخية، وثيقة هي حقـًّا ناطقة بالحقائق التي منها نتعرَّف على يسوع المسيح كيف كان وأي عملٍ عَمِلَ على أرضنا، وسجله تاريخياً، بحيث أصبح قاعدةً ينطلق منها أيُّ عمل آخر يهدف إلى إعطاء صورة حية للمسيح.] بوركت( )
[إلى أن تتأقلم أعيننا على جو الإنجيل الثاني، سيصعب علينا التعرف على شخصية المخلِّص المألوفة بوجهه الوديع غير المتقسِّم، تلك الصورة السرية ذات الملامح القوية التي تعصف العينين في إنجيل مرقس.] بوركت( )
[إن إنجيل مرقس هو كتاب أسرار استعلانات يسوع.] ديبليوس( )
[إن استعلانات المسيح في إنجيل مرقس تتعقبها النفس بصعوبة، فهي مختصرة يجيء سردها متعرجاً يعلوها غلالة من السرية في أوصافها أو تحركاتها، حتى إن استعلانها يجيء نصف مكشوف ونصف مخفى.] ديبليوس( )
هام: ق. مرقس تبع المسيح كتلميذ ملاصق:
[إن إنجيل ق. مرقس يعتبر سرًّا فريداً من نوعه، مسجَّل لنا بلا مواربة ممَنْ هو صاحب خبرة
عينية كمشاهد ورفيق مخلص للمسيح على مدى خدمته بطولها.] ترنر( )
[إن إنجيل مرقس إذا نظرنا إليه تاريخياً فهو أهم كتاب كُتب بالدرجة الأُولى بين الكتب قاطبة.] ترنر( )
[إن إنجيل مرقس كُتب أصلاً باللاتينية وإن ترجمته إلى اليونانية جاءت بلغة عامية.] كوشو( )
[إن أخبار آلام المسيح في إنجيل مرقس تُحسب واحدة من أعظم الإبداعات في الأدب النثري، وهذا بسبب موضوعيتها وهدوئها.] هنري كادبري( )
[في مجموع حاصل كتابة الثلاثة أناجيل المتوازية نجد متى ولوقا عبارة عن محاولة لاستخلاص إدراك لشخص المسيح الفائق الإدراك، فلم يستطيعوا أن يضيفوا على مرقس شيئاً أو يُخفوا شيئاً من مرقس من جهة الإيمان المسيحي الذي يطفح على قسمات وجه المسيح لدى مرقس. هم حاولوا أن يبسطوا إنجيل مرقس ولكنه أكثر صعوبة مما عندهم.]
هوسكنز( )
العالِم تورري سنة 1947 يتحدّى جميع المؤرخين ليضع تاريخ كتابة إنجيل ق. مرقس بين سنة 39-40م. فقول الرب: » فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي (في الهيكل)، ليفهم القارئ، حينئذ فليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... «(مر 14:13)، يؤكِّد العالِم تورري بناءً على هذا القول أن مرقس كتب إنجيله قبل أن تحدث حادثة قتل الامبراطور كاليجولا في 24 يناير سنة 41م( ).
ويمتدح العالِم فارر، زميله ليتفوت في تقريظه للقديس مرقس ويضيف:
[إن القديس مرقس صاحب فكر مسيحي حي وعقل ذي طاقة جبَّارة. كما نجد أن مرقس قد احتفظ بوحدة الشرح اللاهوتي للإنجيل، وإنجيله أصيل وذو وحدة متماسكة عميقة.] فارر( )
هام: جحد العالم فارر لرأي الأسقف بابياس صاحب النظرية بأن مرقس لم يَرَ الرب وأن إنجيله إملاء من بطرس:
[إن التقليد المنحدر لنا من بابياس ينبغي بكل بساطة التخلِّي عنه لأنه يعتبر تأليفاً مزيفاً.] فارر( )
[إن إنجيل مرقس هو حصيلة حياة الكنيسة الأُولى الملهمة بروح الله.] فنسنت تايلور( )
[نحن لدينا الأسباب الصحيحة لنقرِّر أن اللغة الأرامية هي الخلفية الحقيقية وراء يونانية مرقس، كما لدينا القناعة أن هناك وراء النصوص مصادر أرامية ربما كانت شفاهية، كما يحق لنا أن نقول إن مرقس استخدم تقليد الكنيسة الذي يتحتَّم أن يكون أرامياً أيضاً.]
فنسنت تيلور( )
أولاً - كاتب الإنجيل: القديس مرقس الرسول
اسم صاحب الإنجيل: يوحنا مرقس:اسم مرقس اليهودي الأول هو يوحنا ومعناه: “الله تحنَّن”، وأخذ اسم مرقس اللاتيني بحكم البيئة والتعليم، إذ تربَّى في مدرسة كيريني (القيروان) ودرس في مدارسها اليونانية واللاتينية. ومرقس تعني باللاتينية: “المطرقة الثقيلة” - وتُدعى: “المرزبَّة”. واسم مرقس يُنطق على نطقين: الأول مَرقس بفتح الميم Marcos والثاني بالألف بعد الميم Máarcos كما وُجِد في بعض الحفريات وذلك عن العالِم ألفريد بلومر (صفحة x). وكان هذا الاسم كثير الشيوع بالنسبة للحكَّام والقادة لأنه يعني: “الشدَّة والهيبة” - ويبدو أن ق. مرقس قد مارس هذه الشدة على الوثنيين في الإسكندرية، فقد انقضَّ عليهم في عظاته بطرَقات عنيفة مما أثار حفيظتهم وأربك علماءهم وألَّب عليه الشعب الوثني فلم يحتملوا طرقاته الهاوية على أصول ديانتهم الواهية. وصحيح أنهم قتلوه ولكن بعد أن حطَّم آلهتهم وجرَّهم كخراف للحظيرة، هم أطفأوا شعلة حياته الأرضية ولكنه أشعل النور في ظلمات حياتهم الروحية، حقًّا إن مرقس أتى بنور( )!
لماذا الأسد رمزٌ للقديس مرقس؟
ما من صورة للقديس مرقس إلاَّ ويُرسم الأسد تحت قدميه وهو يكتُب إنجيله، وكأنما الأسد ينتظر نهاية الكتابة لكي يأخذ جناحين ويطير بالإنجيل يوزِّعه على كل المسكونة. ولكن من أين جاء هذا التقليد؟
للرد على هذا نقول: إن العلاَّمة هنري باركلي سويت( ) في بحثه التاريخي انتهى إلى أنه بحسب كتابات العلاَّمة فيكتورينوس( ) الذي من بيتو، الذي شرح سفر الرؤيا، عندما جاء على ذِكر
الشاروبيم (بالجمع) ذوي الأوجه الأربعة، النسر والأسد والعجل والإنسان: » وفي وسط العرش وحول العرش أربعة حيوانات مملوءةٌ عيوناً من قدَّام ومن وراءٍ. والحيوان الأول شبه أسد، والحيوان الثاني شبه عجل، والحيوان الثالث له وجهٌ مثل وجه إنسان، والحيوان الرابع شبه نسرٍ طائر «(رؤ 4: 6و7)، شرح فيكتورينوس المغزى بأن هؤلاء هم رمزٌ للإنجيليين الأربعة (الذين يحملون استعلان عمل الله في الخليقة). وأعطى الأول للقديس مرقس وهو الأسد. والثاني وهو العجل للقديس لوقا والإنسان للقديس متى والنسر الطائر للقديس يوحنا( ). وعلى هذا الرمز بدأ الآباء يعلقون على مدى مناسبة كل رمز لصاحبه فقالوا الأسد لمرقس لأنه بدأ إنجيله كأسدٍ يزمجر في بريةٍ » صوتُ صارخ في البرية ... «(مر 3:1)
موطن القديس مرقس الأول الذي وُلِدَ وتربَّى فيه:كانت عائلة ق. مرقس من مستوطني مقاطعة الخمس مدن الغربية وهي في إقليم برقة بليبيا الآن. ولم تكن في الحقيقة مدناً بل مقاطعات شاسعة، كانت تقطنها جاليات، الأُولى رومانية وهي ذات السلطان لأن المقاطعات كانت تحت الحكم الروماني ويحكمها حاكم روماني، والثانية يونانية وهي ذات كثرة وسيادة علمية، والثالثة كانت يهودية حيث كانت الجالية اليهودية من أكبر الجاليات في إفريقيا. وكانت عائلة ق. مرقس متركزة في أغنى هذه المقاطعات وهي مدينة كيريني أو سيريني وهي المسمَّاه بمدينة القيروان “Cyrene” أو “Cyrenaica” (كيرناؤس).
وفي هذه المدينة وُلِدَ ق. مرقس ودخل المدارس وتعلَّم تحت أيدي أساتذة يونان ورومان (لاتين) فأتقن اليونانية واللاتينية. وقد لاحَظ العلماء في دراستهم لإنجيل ق. مرقس أن لغته اليونانية مختلفة جداً عن لغة الأناجيل الأخرى، سواءٌ في أدبياتها أو أسلوبها أو لهجتها أو نحوها. وقد وصفوها أنها عامية. ولكن في الحقيقة أن اللغة اليونانية واللاتينية أيضاً كالعربية تماماً تختلف كثيراً باختلاف البلاد والمناطق، حتى يكاد الإنسان لا يفهم منها شيئاً إن بعدت الأقطار بسبب التحام اللغة بما هو حولها من لهجات؛ حتى إنهم من لغته استطاعوا أن يعرفوا ما هو من كتابته وما هو الدخيل عليها. فأصبح إنجيل ق. مرقس وكأنه وثيقة لغوية فريدة في كلماتها وأسلوبها ونحوها اللغوي، تحمل التراث المسيحي والكنسي الأول والأقدم.
أمَّا القيروان فهي واقعة في بقاع خصبة وعلى مستوى عالٍ من الغنى وتسمَّى الآن بالجبل الأخضر. وهذه المدن الخمس كانت في أيام ق. مرقس داخل حدود مصر الشمالية الغربية، وكانت جميعها تحت الحكم الروماني. وبالتالي دخلت المدن الخمس بدخولها المسيحية تحت رعاية الكنيسة القبطية التي أسسها ق. مرقس نفسه، وظلت خاضعة لها لعدة قرون تالية( ). وكانت كنيسة الإسكندرية ترسم لها الأساقفة وترسلهم، وفي البداية كانوا مصريين؛ ولكن بعد أن رسخت المسيحية هناك صارت الرسامة من الوطنيين. ومن أبحاث د. ميخائيل مكسي( ) يمكن جمع المعلومات الآتية:
صفحة 78و79: أن اليهود بدأوا يتوافدون على ليبيا مع الإسكندر الأكبر حينما زحف بجيشه على مصر سنة 332 ق.م وازدادوا على يد خلفائه. ويروي يوسيفوس المؤرِّخ أن بطليموس الأول المدعو سوتير أرسل فريقاً من اليهود ليستقرُّوا في كيريني لأنه كان مهتماً بتشديد قبضته على المدن الخمس.
صفحـــــة 66: ودخل بعدهم الرومان على يد قائدهم لوكللوس Lucullus وبسطوا نفوذهم على المدن الخمس وأُقيمت ولايتهم على كيريني سنة 75 ق.م.
صفحة 68و69: ولم يعد اليونان (الأغريق) يشعرون بعد أنهم على قدم المساواة مع السادة الرومان.
صفحــــــة 68: وقد تمتعت كيريني برخاء نسبي في القرن الأول المسيحي متبوعاً بالأمن والسلام، ونتج عن ذلك نهضة عمرانية وزراعية وعلمية. وهي المدة التي وُلِدَ فيها ق. مرقس وعاش في أحضان أسرته التي كانت من أكبر أغنياء الجالية هناك.
ولكي يُدرك القارئ مدى المستوى الثقافي والعلمي واللُغوي لتلك المناطق، عليه أن يُدرك أنها كانت مهد الترجمة اللاتينية للعهد الجديد التي بُدئت هناك. وهذا هو تقرير قاموس هاستنج عن ذلك:
[كان يوجد إقليم على درجة كبيرة من الأهمية لم يكن فيه لليونانية مكان، حيث كانت اللاتينية هي اللغة الوحيدة للكلام والأدبيات المكتوبة، وكان هذا الإقليم يسمَّى إفريقيا، وهي المنطقة التي تُدعى الآن تونس - الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط - فكانت مأهولة بشعب عظيم يتكلَّم اللاتينية. وكانت المسيحية هناك مزدهرة جداً وبُدئ السماع عنها من بداية القرن الثاني الميلادي. فقد سُمع عن ترتليان كأكبر مدافع عن الإيمان بغيرة وحرارة نادرة (150-220م). والمعروف أن أقدم نسختين للعهد الجديد باللغة اللاتينية
كانت مستقرة في إفريقيا هذه. وأول نسخة لاتينية للعهد الجديد كانت بحوزة ترتليان، وبعده كبريانوس (200-258م)، كما أنه لا يوجد قط أي نسخ أو أجزاء من العهد الجديد باللغة اللاتينية في أي مكان من العالم حتى يمكن أن تُعمل لها مقارنة مع نسخ إفريقيا.]( )
والمعروف أن إقليم الخمس مدن هو الامتداد الطبيعي لهذا الإقليم وينطبق عليه نفس الكلام.
من هذا نفهم أن تعليم ق. مرقس كان على هذا المستوى العالي في اللاتينية واليونانية، لأن أسرة ق. مرقس كانت على ثراء كبير وكانت قادرة أن تعلِّم ابنها على هذا المستوى.
ويعتقد البعض أن عائلة ق. مرقس قَبِلَت الإيمان المسيحي أثناء وجودها بأُورشليم وذلك في يوم الخمسين حينما حضر رؤوس العائلات عيد الفصح وتعوَّقوا ليوم الخمسين، وكانت جاليتهم من أبرز الجاليات الحاضرة في هذا اليوم:
+ » وكان يهودٌ رِجالٌ أتقياء من كل أُمةٍ تحت السماء ... فرتيُّون وماديون وعيلاميون، والساكنون ما بين النهرين، واليهودية وكبدوكية وبُنتُس وأسيَّا وفريجية وبمفيلية ومصر، ونواحي ليبية التي نحو القيروان، والرومانيون المستوطنون يهودٌ ودخلاء، كريتيون وعرب. «(أع 2: 5و9-11)
والرؤوس التي تنصَّرت هناك معروف منها لوقيوس القيرواني (أع 1:13) ويُعتقد أنه صار أسقفاً على كيريني (القيروان)، كذلك سمعان المدعو بالقيرواني، ويذكر القديس مرقس في إنجيله اسم ولديه ألكسندرُس وروفُس (مر 21:15)، وهو الذي حمل صليب المسيح، وسمعان الذي يُدعى نيجر ومناين (مناحم) (أع 1:13)، هؤلاء يُعتقد أنهم بعدما تنصَّروا رجعوا وبشَّروا إقليم الخمس مدن مع ق. مرقس قبل أن ينزحوا من الإقليم بعد غارة البربر.
ويؤيِّد هذا الكلام العالِم موريه إذ يقول:
[إن يهوداً متنصِّرين عادوا من فلسطين بعد يوم الخمسين إلى كيريني حاملين معهم بشارة الإنجيل.]( )
ونشأ القديس مرقس وسط عائلة متديِّنة، وتربَّى على الإيمان المسيحي بغيرة حتى إنه دُعي في بعض المخطوطات بالزيلوطي Zealot أي الغيور. واستناداً إلى رواية ساويرس أسقف الأشمونين
(أواخر القرن العاشر) المنقولة من مصادر مصرية قديمة، نعلم أن أسرة القديس مرقس هاجرت إلى أُورشليم بعد هجوم البربر على القيروان (سيرينيكا) في أواخر عهد أغسطس قيصر الذي حكم بين 30 ق.م - 14م وحملت معها ثروتها إلى الأرض المقدَّسة( ).
نزوح عائلة ق. مرقس إلى الأرض المقدَّسة:
نزحت عائلة ق. مرقس مبكِّراً مع جالية كبيرة من يهود كيريني واتجهت إلى فلسطين حسب الروايات المذكورة سابقاً. ويقول د. ميخائيل مكسي في كتابه: إن يهود بنتابوليس (الخمس مدن) كان لهم صلة قوية بفلسطين وبهيكل أُورشليم، وكانت الرحلة إلى هناك سهلة سواء عن طريق دلتا النيل أو عن طريق البحر. وقد هاجر أعداد من يهود ليبيا إلى الأرض المقدَّسة في القرن الأول بحسب العالِم الألماني شورر( ) واستقروا بها، وشيَّدوا لهم مجمعاً في أُورشليم (أع 9:6)، ومن هؤلاء المهاجرين أسرة ق. مرقس. كما يقول يوسيفوس( ) المؤرِّخ أن سكان سيرين (القيروان) من اليهود كانوا يشكِّلون جالية مستقلة واضحة عن غيرها، وكان لهم امتيازات خاصة دون جميع الجاليات في أيام يوليوس قيصر بسبب مساعدتهم له في حروبه ضد مصر، ومن هذه الامتيازات اشتراكهم - كأعضاء - في مجلس الشيوخ الروماني( ) المعروف بالسناتو Senato، كما أصبح لهم نفس حقوق اليونان (الأغريق) في التمثيل في المجالس المحلية( )، كما أصبحت لهم مؤسساتهم الثقافية المستقلة. وقد عُثر على نقش بسيرينيكا يرجع إلى أيام المسيح ويتضمن قائمة بأسماء أعضاء منظمة رياضية للشباب اليهودي( )، وكان يهود سيرينيكا يمثِّلون نصف سكان المقاطعة. وهجرتهم إلى فلسطين تمَّت في العقد الثاني من القرن الأول وكان عمر ق. مرقس آنئذ حوالي 18 سنة.
القديس مرقس في أورشليم:واستناداً إلى رواية ساويرس أسقف الأشمونين (أواخر القرن العاشر) المنقولة عن مصادر قبطية قديمة، يتضح أن أسرة القديس مرقس هاجرت إلى أُورشليم بعد هجوم البربر على سيرينيكا Cyrenaica وذلك في أواخر عهد أغسطس قيصر (الذي حكم من سنة 30 ق.م إلى 14 ميلادية) وحملت معها ثروتها إلى الأراضي المقدَّسة( ).
ويقول الدكتور عزيز سوريال عطية إن مرقس آنئذ كان قد أكمل 15 سنة من عمره. ولكن يقول الدكتور ميخائيل مكسي إنه كان قد ناهز 18 سنة. علماً بأن المعروف أن ق. مرقس وُلِدَ بعد ميلاد المسيح بثلاث سنوات( ) وأنه تعرَّف على المسيح عن طريق زيارات المسيح للعليَّة في صهيون في بكور خدمته، حيث لم تكن هذه العليَّة سوى بيت عائلة القديس مرقس (أع 12:12). أي أن القديس مرقس قد عاين أعمال المسيح منذ البداية. ويؤيِّد هذا الكلام أسقف مدينة كليفتون( ) الإنجليزي (1901) الذي يقول:
[إن بداخل إنجيل ق. مرقس ما يؤيِّد أنه كتبه كشاهد عيان لأعمال المسيح].
ويؤكِّد ساويرس ابن المقفِّع وابن كبر عن مصادر قديمة أن ق. مرقس حضر حفل العُرس في قانا الجليل وكان مع الذين يملأون الأجران، كما حضر العشاء الأخير وسمع كلام سر الإفخارستيا( ).
وتقول بعض المصادر القديمة إن سمعان القيرواني أبا ألكسندر ورُوفس وولديه كانوا يقيمون في منزل ق. مرقس، وكان السيد المسيح يتردد على هذا البيت طبقاً لما ذكره أبو المكارم سعد الله في مخطوط تاريخ الكنائس( ).
ويقول دكتور عزيز سوريال إن ق. مرقس كان أقرب شاهد لحياة المسيح (صفحة 25). ويقول التقليد الكنسي إن المسيح اختاره مع السبعين رسولاً وذلك منذ البدء، يذكر هذا ساويرس ابن المقفع (القرن العاشر في كتابه سير الآباء البطاركة). وقد تقبَّلت الكنيسة هذا التقليد الثابت
ووضعت اسمه مع قائمة أسماء السبعين رسولاً باللغة القبطية عن الأصل اليوناني عن ابن كبر (مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، الكتاب الرابع). كما يذكر العالِم الكاثوليكي ابن الصليبي في تفسيره لإنجيل مرقس، أن مرقس [دُعي للتلمذة برفقة السبعين تلميذاً وسمِّي: الثيئوفورُس أي حامل الإله]. والكنيسة القبطية تدعوه عن حق وجدارة بالمعلِّم والرسول وناظر الإله.
ومعلوم أن عائلة ق. مرقس كانت من أثرياء الجالية اليهودية في القيروان ولمَّا هاجرت إلى الأرض المقدَّسة، استوطنت أُورشليم. وأقام والد ق. مرقس- والذي ذكر الأسقف ساويرس ابن المقفع (من القرن العاشر) أن اسمه أرسطوبولس - أقام بيته الكبير الذي اتسع لكل الرسل والتلاميذ للإقامة يوم الخمسين، مع عليَّة أعلى البيت كانت المكان المفضَّل للمسيح. والمظنون بالتالي أنه اشترى قطعة أرض في منحدر جبل الزيتون وهي التي سميت ببستان جثسيماني أو معصرة الزيت لتعيش منها الأسرة. ولكن لا نعلم متى توفِّي أرسطوبولس وحل القديس مرقس محلَّه كرب البيت.
بهذا يكون القديس مرقس الرسول بصفته صاحب العليَّة قد حضر ليلة تأسيس العهد الجديد، واستقى الدم من يد الفادي، وخدم غسل الأرجل، ونظر اتضاع المخلِّص وصار الاتضاع حياته. وأنه صاحب بستان جثسيماني وحضر كل حوادث القبض كشاهد عيان، ورأى قُبلة يهوذا وتبع المسيح إلى المحاكمة، وسجَّل دقائق ألاعيب رؤساء الكهنة واستحضار شهود الزور، وعاين الآلام الأُولى من الخدم من لَكْمٍ وبصاق، وشاهد وشهد على إنكار ق. بطرس ثلاثاً على صياح الديك وحضر البكاء. وتابع أعمال بيلاطس كمراقب عن كثب يشاهد ويسمع ويفهم، لأنه كان متضلِّعاً في اللغة الرومانية (اللاتينية)، وسجَّل تحركاته القلقة في محاكمة الرب وهو غير راضٍ عن القضية بجملتها. وأخيراً عمل بيلاطس » ما يرضيهم « ورأى ق. مرقس الآلام المروعة قبل الصليب، ورأى خشبة الصليب، وشاهد سمعان قريبه قادماً بوحي إلهي ليحمل على كتفه صليب مَنْ حمل العالم في قلبه، وعاين الصلب مع أُمه مريم وعاد معها مكسور القلب، وعاش أحلك أيامه حتى رأى الرب قائماً في العليَّة حيًّا ممجداً مفتتحاً بجسده القائم من الأموات الخليقة الجديدة لإنسان العالم الجديد، فدخل فرحة القيامة وقَبِلَ مع التلاميذ نفخة الروح ونال قوة الكرازة للعهد الجديد.
ومكث ق. مرقس في العليَّة كوصية الرب لا يفارقها مع المتعاهدين على الصلاة والصوم مع كل التلاميذ ومع مريم أم يسوع وإخوة الرب، ورأى الروح كألسنة نار استقرت على رؤوس الحاضرين الاثني عشر وامتلأ بالروح مع الذين امتلأوا وتكلَّم بالروح مع المتكلمين وانطلق يكرز مع الكارزين.
أين ومتى كتب القديس مرقس إنجيله:لم يُعطِ التاريخ المسجَّل زمن كتابة الإنجيل بتحديد سواء في الإنجيل نفسه أو في أعمال الرسل، لذلك تكاثرت التخمينات سواء من جهة زمان كتابته أو المكان الذي خَلَدَ إليه ق. مرقس ليكتب إنجيله. فمن جهة الزمان اختلف بين المبكِّر( ) سنة 45م والمتأخر سنة 60م وما بعد ذلك. أمَّا المكان فقيل إنه كُتب في روما وقيل لا بل في الإسكندرية، كما قيل أيضاً إن مرقس الرسول جاء إلى مصر وإنجيله في يده (د. عزيز سوريال عطية).
ولكن بالاستقراء المتأني وبفحص الإنجيل آية آية انتبهنا إلى أن الإنجيل هو عبارة عن تسجيلات متتابعة عن رؤية وسمع، والقليل منها نقلاً شفاهياً من بطرس الرسول .
وربما جرى قلم القديس على بعض الكلمات يفسِّرها لاتينياً من وضعها العبري بدافع عرض إنجيله على أهل روما عندما كان هناك. ويقول المؤرِّخ د. عزيز سوريال عطية عن مؤرخين آخرين إنه كتبه إمَّا باللاتينية أو اليونانية أو ربما باللغتين( ). ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم إنه كتبه باليونانية في مصر.
وردًّا على الذين يقولون إن الإنجيل من تأليف متأخِّر في الستينات، يقول المؤرخون: إن إنجيل ق. مرقس ظهر بعد اثنتي عشرة سنة من حادث الصلب، وهذا يطابق سنة 45م. كما يطابق ميعاد دخول ق. مرقس الإسكندرية للبشارة بالإنجيل. كما يقولون: كان إنجيله بين يديه. وغيرة ق. مرقس على نشر إنجيله في باقي إقليم مصر بين غير المتكلِّمين باليونانية كانت واضحة منذ بداية خدمة التبشير إذ طلب أن يُترجم بلغة أهل مصر وهي القبطية البحيرية أولاً وبعدها بمائة سنة تقريباً تُرجم الإنجيل إلى اللهجة الصعيدية.
ومن هذه الحقائق يتبيَّن بُعد المسافة عن حقيقة إنجيل ق. مرقس وما نسبه إليه بعض المؤرخين نقلاً عن بعضهم دون تفحُّص دقيق لمادة الإنجيل الذي يتكلَّمون عنه.
التقليد القديم الخاص بكتابة إنجيل القديس مرقس بما له وما عليه من علاّت:
1 - تقليد بابياس أسقف هيرابوليس:أول مَنْ افتتح هذه الروايات الخيالية عن الإنجيل هو بابياس أسقف هيرابوليس (60-130م) في آسيا الصغرى، وقد فُقدت كتاباته ولكن أقواله وصلت إلينا عن طريق يوسابيوس في كتاب تاريخ الكنيسة. ولم يكن بابياس نفسه يتكلَّم عن معرفة شخصية، بل كان ينقل - حسب قوله - عن الكاهن المكرَّم (؟) :
[وقال الشيخ هذا أيضاً: إن مرقس وإذ أصبح المفسِّر (˜rmhneut»j) لبطرس، دوَّن بدقة كل الذي تذكَّره من الأمور التي قالها وعملها الرب. ولكن ليس بترتيب، لأنه لم يسمع الرب ولا تبعه، ولكن فيما بعد - كما قلت - تبع بطرس الذي جعل تعاليمه توافق السامعين ولكن دون أن يقدِّم تقريراً متماسكاً عن أقوال الرب. هكذا وبالتالي، لم تبدُ من مرقس أخطاء وهو يسجِّل الأشياء كما تذكرها هو الآخر، لأنه جعل همَّه أن لا يسقط منه شيء مما سمع حتى لا يسجِّل حقائق مزيَّفة في إنجيله] انتهى( ).
وواضح من هذا التسجيل أن الجملة الأُولى فقط هي المنسوبة للشيخ وهي هكذا: [وإذ أصبح مرقس المفسِّر لبطرس دوَّن بدقة كل الذي تذكَّره من الأمور التي قالها وعملها الرب] انتهى. والباقي هو تعليق من بابياس.
وهذا الذي ينقله بابياس عن الشيخ لا يتوافق مع كل ما نعرفه عن شخص ق. مرقس كما تسجِّله له الرسائل، فهو كارز ومعلِّم وليس مجرد مترجم أو مفسر بل هو » نافع للخدمة «(2تي 11:4)، » والعامل معي في ملكوت الله «(كو 11:4). إذاً، نفهم من هذا أن هذا التقرير الذي ينقله بابياس عن “الشيخ” لا يعطي الصورة الصحيحة عن القديس مرقس.
كذلك حينما نأتي إلى تقرير بابياس الذي يقول إن ق. مرقس لم يَرَ الرب ولا سمعه ولا تبعه، نجده مخالفاً تماماً لحقيقة ق. مرقس كصاحب العليَّة بل وصاحب ضيعة جثسيماني. وهذا الأمر ينفيه قول أسقف كليفتون السابق ذكره: [إن بداخل إنجيل مرقس ما يؤيد أنه كتبه كشاهد عيان لأعمال المسيح].
ولكننا لا نُعْدَم شهادة حسنة من تحت قلم بابياس فيما يخص إنجيل ق. مرقس، إذ يقول مدافعاً عنه هكذا: [لم تبدُ من مرقس أخطاء وهو يسجِّل الأشياء كما تذكَّرها لأنه جعل همَّه أن لا يسقط منه شيءٌ مما سمع حتى لا يسجِّل حقائق مزيفة في إنجيله]. وهذه الشهادة نأخذها نحن بدورنا ونطبقها على كيف كان يسجِّل ق. مرقس إنجيله بدقة متناهية حادثة بحادثة وخبراً بخبر كما شاهده وسمعه دون زيادة أو نقصٍ، فجاء إنجيله إنجيلاً تسجيلياً بالصوت والصورة كما يقولون أي عن رؤيا وسمع.
2 - تقليد مقدِّمة إنجيل مرقس الموجهة ضد ماركيون:
كان من دأب الذين ينسخون أسفار العهد الجديد قديماً أن يفتتحوها بمهاجمة ماركيون الهرطوقي. وقد وصلنا من هذه المقدمات وصف لإنجيل القديس مرقس ضائع منه بعض سطوره الأُولى ولكنه يستمر قائلاً:
[مرقس أعلن ... وكان يسمَّى ذا “الإصبع الصغير” Colobodactylus (لاتيني) Kolobod£ktuloj (يوناني)، لأنه كان له أصابع قصيرة، وكان مترجماً (مفسِّراً) - interpres - لبطرس، وبعد موت بطرس كتب إنجيله في أماكن بإيطاليا.]( )
ويوافق العالِم المؤرِّخ هارناك( ) على صحة هذه المقدِّمة ويحدِّد زمانها بسنة 160-180م. ,تعطي معلومة جديدة وهي أن القديس مرقس كان له أصابع صغيرة. هذه معلومة متأخرة تاريخياً نوعاً ما عن بابياس، وقد ذكرها هيبوليتس. ولكن بسبب ذِكرها في مقدمة من القرن الثاني موجهة ضد مارقيون، أصبحت ذات وزنٍ تاريخي عالٍ.
كذلك تضيف هذه المقدمة “ضد ماركيون” أن ق. مرقس كتب إنجيله في إيطاليا وليس في روما بالذات وبعد موت بطرس في روما. هذا يجعلنا نلتفت إلى ما سجَّله التاريخ لنا أن ق. مرقس بشَّر في مدينة أكويلا وفينيسيا بإيطاليا، وأن اسمه مذكور هناك وقد أُقيمت كنيسة عظيمة باسمه مع تماثيل وصور بلا عدد. هذا بحد ذاته هو الذي دعا كاتب المقدمة ضد ماركيون أن يقول إن ق. مرقس كتب إنجيله “في إيطاليا”. وهذه المعلومة تأتي مبكِّرة عن ما قدَّمه إيرينيئوس بعد ذلك.
3 - يوستين الشهيد( ):ولو أنه لم يذكر إنجيل ق. مرقس مباشرة ولكنه تكلَّم عن معلومة لا توجد إلاَّ في إنجيل ق. مرقس (17:3): » ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخا يعقوب، وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد « ولكنه لم ينسب هذا القول إلى إنجيل ق. مرقس بل إلى: [مذكرات بطرس ¢pomnhmoneÚmata Pštrou]( ). ويعود أيضاً ويذكر في نفس المرجع عبارة اقتبسها مما جاء في إنجيل ق. مرقس (3:6): » أليس هذا هو النجَّار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوليست أخواته ههنا عندنا؟ فكانوا يعثرون به « فيذكر منها كلمة: tšktonoj nomizomšnou “أي المحسوب نجَّاراً”( ) وهذه الصفة للمسيح لم يذكرها إلاَّ مرقس.
4 - إيرينيئوس:جاء ذكر إنجيل ق. مرقس في كتاباته عن الأناجيل، فبعد أن ذكر أن إنجيل القديس متى كُتب أثناء ما كان القديسان بطرس وبولس على قيد الحياة يبشِّران بالإنجيل وينشئان كنيسة رومية (هكذا):
[وبعد أن استشهد كلاهما، قام تلميذ بطرس والمترجِم له لينقل لنا كتابة الأمور التي بشَّر بها بطرس.]( )
5 - القانون الموراتوري:وهو الذي طبعه ل. أ. موراتوري سنة 1740م وهو في أجزاء شديدة التلف من مخطوط يرجع تاريخه إلى القرن السابع أو الثامن في مكتبة أمبروزيان في ميلانو. وهو يحوي الأسفار المعروفة في روما في الفترة بين سنة 170-190م. وجملة الافتتاح جاءت ناقصة وهي تعني إنجيل مرقس إذ أنها متبوعة “بالإنجيل الثالث بحسب لوقا”،
6 - كليمندس الإسكندري:ثلاث صفحات من كتابات كليمندس تدعو للإلتفات، منها صفحتان ينقلها عنه يوسابيوس والثالثة متداولة باللاتينية:
( أ ) [حينما أكمل بطرس كرازته في روما جهاراً وأعلن الإنجيل بالروح، فالحاضرون وكانوا كثيرين ترجوا مرقس كونه كان مرافقاً لبطرس مدة طويلة ويذكر كل ما قاله أن يسجِّل لهم كلماته. ومرقس عمل هذا ونسب إنجيله إلى الذين ترجوه. وحينما علم بطرس بذلك لم يتحمَّس في ممانعة ذلك ولا هو شجَّع العمل.]( )
(ب) [ويقولون إن بطرس حينما سمع ما قد عمل (مرقس) كما أعلن له الروح سُرَّ بغيرة الأشخاص الذين طلبوا منه ذلك وصادق على الكتابة لقراءتها في الكنائس.]( )
( ج ) [مرقس الذي تتبع بطرس بينما كان بطرس يكرز علناً بالإنجيل في روما في حضرة بعض قادة قيصر، وقد قدَّم شهادات كثيرة بالنسبة للمسيح، تقدَّم هؤلاء برجاء أن يكون لديهم ما يتذكرونه من هذه الشهادات التي قيلت إليهم، فكتب لهم الإنجيل المذكور حسب مرقس.]( )
في هذه الصفحات وخاصة ب ، ج نجد أن التقليد المنسوب للقديس بطرس بدأ ينمو ويُزاد عليه. والكلام يناقض بعضه، فالقول إن القديس مرقس كتب إنجيله في حياة بطرس يناقض ما جاء في إيرينيئوس والمقدِّمة ضد ماركيون.
7 - أوريجانوس:حينما كان يصف الأربعة أناجيل يعيد مؤكِّداً ما قاله بابياس ويوثِّقه بما جاء في رسالة بطرس الأُولى:
[وثانياً هذا الذي حسب مرقس الذي عمل كما علَّمه بطرس الذي يعترف به كابن في الرسالة العامة بقوله: » تسلِّم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني «(1بط 13:5).]( )
8 - جيروم:يكتب: [والثاني مرقس مترجم بطرس الرسول وأول أسقف على الإسكندرية الذي نفسه لم يَرَ المخلِّص ولكنه قصَّ الأمور التي سمع معلِّمه يعظ بها مع أمانة للأعمال ذاتها أكثر من ترتيبها.]( )
النقطة الجديدة الوحيدة أن مرقس كان أول أسقف على الإسكندرية وهذا التقليد نسمعه لأول مرَّة هنا من جيروم (342-420)، لأنه غير مذكور في أي من السابقين، لا في بابياس ولا إيرينيئوس ولا كليمندس مع أنه إسكندري، ولا حتى أوريجانوس الذي تربَّى في المدرسة التي أنشأها ق. مرقس.
ولكن من المستحيل أن يتوافق هذا مع التقليد الروماني الذي سار كل السابقين على أساسه، خاصة وأنه منذ جيروم فصاعداً اهتم الكتَّاب الكنسيون بالقول أن ق. مرقس استشهد في السنة الثامنة من حكم نيرون (54-68) أي سنة 62م في الإسكندرية، وذلك يكون قبل موت بطرس وبولس، فجيروم يقول بالحرف الواحد في كتابه عن مشاهير الرجال( ):
[mortuus est autem octavo Neronis anno et sepultus Alexandriae succedente sibi Anniano. أي: تنيَّح في السنة الثامنة لحكم نيرون، ودُفن بالإسكندرية، وخلفه إنيانوس].
ويحذو حذوه كل من يوسابيوس والمراسيم الرسولية وإبيفانيوس( ).
ومن هذه التحقيقات يتضح لنا أن كل المؤرِّخين القدامى أخذوا عن بابياس أخذاً أعمى دون تحقيق أو مضاهاة هذه الأقوال على واقع الإنجيل نفسه، وانتحوا جميعاً ناحية بطرس وروما. فبطرس هو الذي أملى الإنجيل على تلميذه في روما، والبعض يقول قبل موته والبعض الآخر بعد موته. ويخرج عن هذا التقليد الغربي الصرف جيروم العالِم الإنجيلي. وهو بهذه المناسبة مولود في المدينة نفسها التي بشَّر فيها ق. مرقس أكويليا Aquileia بإيطاليا ودرس في روما؛ ولكنه انحدر إلى الشرق وعاش في أنطاكية وارتحل إلى صحاري سوريا عابداً متنسكاً لما يقرب من خمس سنوات، وأمضى بعض الوقت في القسطنطينية، ثم انطلق إلى روما وعمل مع البابا داماسوس كسكرتير له، وبعد وفاته انحدر إلى الإسكندرية ومصر ثم فلسطين واستقر في بيت لحم وعاش بقية حياته راهباً دارساً للإنجيل. وهو الذي ترجم الإنجيل إلى اللاتينية من اللغات الأصلية. وهو الذي ترجم أعمال يوسابيوس إلى اللاتينية وأكملها، وترجم مؤلفات أوريجانوس وديديموس وتحقيقاته التاريخية على غاية من الدقة. ومن الطرائف أنه يصوَّر دائماً وتحت قدميه أسد( ).
واضح أن تقليد جيروم شرقي وأنه من أكويليا التي كرز فيها ق. مرقس وأنه عاش في مصر وفلسطين وأنه مؤرِّخ مدقِّق. لهذا نأخذ بتحقيقه بكثير من الثقة وهو يطابق تقليدنا القبطي إلى حد كبير.
أمَّا تقليد جميع المؤرخين القدامى الآخرين الذين سجلنا أقوالهم فهي نسخة من أقوال بابياس الذي بقوله أن ق. مرقس لم يَرَ الرب ولا سمعه يكون قد ألغى كل مصداقية أقواله فيما يخص القديس مرقس وإنجيله. هذا الأسقف الذي تسبب في حجب قيمة إنجيل ق. مرقس عنَّا كل القرون السالفة.
ولكن لا ينبغي أن ننفي عن إنجيل ق. مرقس بعض الاعتماد على كل من القديسيْن بطرس وبولس، فقد خدم معهما. وهو وإن كان قد أخذ شيئاً من ق. بطرس فقد أعطى أشياءً للقديس بولس. إذ كان ق. مرقس هو المصدر الدائم والمرافق لبولس ليتعلَّم منه ماذا قال الرب وماذا عمل وخاصة فيما سجله ق. بولس:
+ » فإنني سلَّمت إليكم في الأول ما قبِلته أنا أيضاً: أن المسيح مات مِنْ أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفِنَ، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب ... «(1كو 15: 3و4)
ومعروف أن ما قبله ق. بولس قبله من الرسل وبالأخص ق. مرقس، ولم يكن موجوداً من الكتب أثناء خدمة ق. بولس إلاَّ إنجيل ق. مرقس.
ولكن الانطباع العام الذي انتهى إليه جميع العلماء والنقَّاد في السنين الأخيرة أن ق. مرقس هو كاتب إنجيله كشاهد عيان ومسجِّل لما كان يرى ويسمع عن قرب من الحوادث ومن الرب نفسه. لذلك أصبحت التقاليد القديمة التي تداولت في الكنيسة على مدى العصور السالفة وأخذ بها كل الكتَّاب المنحازين لروما وللقديس بطرس أخذاً بلا تحفظ تعتبر الآن على غير ذي صحة ولا تفيد القارئ والمتتلمذ لحق الإنجيل بحسب ق. مرقس، لأن شهادة شاهد العيان تنقل الحق كما هو، حيًّا ينبض بالحياة، خاصة إذا كان الشاهد يهدف إلى استعلان الحق دون أن يتدخل في استعلانه.
هذا هو الإنجيل بحسب ق. مرقس كما نراه من خلف هذه الشواهد التي طوَّحت به بعيداً عن واقعه وحجبت تعليمه عنَّا كل القرون السالفة ظلماً وبدون معرفة بسبب هذا البابياس.
هذا هو مرقس الذي اعتاد أن يتقابل مع المسيح حينما كان يذهب للصلاة (ربما في بستان جثسيماني الخاص بالأسرة) في بيت مرقس، وهكذا تقبَّل مرقس التعليم وأصول الإيمان وأيضاً كان يتبع المسيح أينما سار ليسمع تعاليمه السماوية( ).
مؤهلات القديس مرقس للتعليم والكرازة:لأن القديس مرقس له معرفة متقدِّمة في اللغة اليونانية واللاتينية بجوار العبرية، كانت له خلفية قوية في الشرح والتأويل والتعبير مع الترجمة بهذه اللغات، لذلك سُمِّي ق. مرقس في خدمته مع كل من القديسيْن بطرس وبولس بالمفسِّر ˜rmhneut»j وهي تفيد الترجمة والتفسير (أي الشرح) معاً. بمعنى أنه كانت له القدرة على شرح وتفسير الإنجيل باللغة اللاتينية لأهل روما وباليونانية للعالم اليوناني آنئذ في كل مكان. معنى هذا أن ق. مرقس كان ذا موهبة إنجيلية عالية القدر وبالتالي كان قديراً في الشرح وتعليم المؤمنين، مما كان يسمَّى في الكنيسة بالكاتشيزم Catechism. وهو على نوعين: النوع الأول: تعليم المتقدِّمين إلى المعمودية ليكونوا على مستوى المعرفة والإيمان الصحيح بالمسيح والخلاص بحسب الإنجيل، والنوع الثاني: تعليم المسيحيين عموماً أصول الإيمان المسيحي تعليماً صحيحاً مدرسياً. وكلمة كاتشيزم هي أصلاً من كلمة kathcšw = يجعله يسمع، أي يسمع الإنجيل، أي يتعلَّم.
وأول استخدامها كان على المستوى الشفاهي الذي كان يقوم به ق. مرقس للمؤمنين بعد أن يسمعوا عظات القديسيْن بطرس وبولس ويتأثروا ويطلبوا الإيمان والمعمودية. وهذا كان عمل ق. مرقس الأساسي بعد التعليم الأوَّلي ثم الخدمة diakon…a أي خدمة المعمودية للمؤمنين، وبعدها تكميل المعرفة شفاهياً. ولكن بعد أيام ق. مرقس أصبحت هناك كتب خاصة للتعليم - كاتشزم - وكتب للصلوات بالنسبة للمؤمنين مقرَّرة عليهم.
+ «خذ مرقس وأحضره معك لأنه نافع لي للخدمة = diakon…an. » (2تي 11:4)
وكان الذين يتعلَّمون مبادئ الإيمان قبل المعمودية يسمّون بالموعوظين - كاتيخوميني kathcoÚmenoi - وكان لهم مكان خاص في الكنيسة، ولكن قبل التناول مباشرة كانوا يخلون مكانهم ويخرجون خارج الكنيسة. وكان لهم قدَّاس خاص بهم يسمَّى قدَّاس الموعوظين - الكاتيخوميني - وكان يخلو من صلوات وأعمال الإفخارستيا. أمَّا معلِّم الكاتشزم أو مدرِّس التعليم الإيماني للمبتدئين فكان يسمَّى كاتشست Catechist (= kathcist»j). وقامت في الكنائس الأُولى مدارس خاصة بالموعوظين وكانت تسمَّى مدارس الكاتشسيز Catechese = kat»chsij.
والمعروف أن ق. مرقس أول رسول أسس مدرسة من هذا النوع في الإسكندرية وطوَّرها قبل استشهاده لتصير أول مدرسة لاهوت لتخريج الأساقفة. وقد تخرَّج منها بعد ذلك أعاظم اللاهوتيين والمعلِّمين على مدى العصور.
القديس مرقس يخدم في قبرس مع القديسَين برنابا وبولس:
+ » فهذان (القديسان برنابا وبولس) إذ أُرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية، ومن هناك سافرا في البحر إلى قبرس. ولمَّا صارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليهود. وكان معهما يوحنا (مرقس) خادماً Øphršthn. «(أع 13: 4و5)
والكلمة يقابلها في العبرية حازان Hazzan وتعني معلِّم مدرسة أي كاتشست في المجامع. فالخدمة مع ق. بولس كانت مكمِّلة للوعظ أي تختص بتكميل التعليم والإعداد للمعمودية ثم المعمودية في مجامع اليهود. ويلاحَظ أن ق. مرقس كان من سبط لاوي، وكان يتقن العبرية أي يتقن التعليم والطقس معاً، وكان مترجماً لليونانية بالنسبة لليونان، واللاتينية بالنسبة للرومان. وهكذا برزت مواهبه في التعليم والتفسير. وهذه كلها استخدمها في كتابة إنجيله لتقديم بشارة متكاملة هادفة.
القديس مرقس يكرز مع القديس برنابا في قبرس:
ولكن ق. مرقس لم يشأ أن يكمِّل مع القديسيْن بولس وبرنابا الرحلة الأُولى صوب آسيا، ففارقهما وانحدر إلى أُورشليم. ولكن بعدها: » برنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس «(أع 39:15). وهنا يختفي اسم ق. مرقس من سفر الأعمال على مدى حوالي عشر سنوات، ليظهر اسمه بعد ذلك في رسالة كولوسي (10:4) وفليمون (24) إذ عاد يطلبه ق. بولس باعتباره أنه عامل معه في الكرازة بملكوت الله:
+ » يسلِّم عليكم أرسترخس المأسور معي، ومرقس ابن أخت برنابا، الذي أخذتم لأجله وصايا. إن أتى إليكم فاقبلوه. ويسوع المدعو يسطس، الذين هم من الختان. هؤلاء هم وحدهم العاملون معي sunergo… لملكوت الله، الذين صاروا لي تسلية. «(كو 4: 10و11)
وهذه العشر سنوات تبدأ من رحلة ق. بولس الأُولى التي تخلَّف ق. مرقس في منتصفها سنة 45م حتى الرحلة التبشيرية الثالثة (انظر شرح رسالة رومية صفحة 28 رقم 18و19). وتلمِّح إلى ذلك المؤرِّخة بوتشر هكذا:
[وتوجه برنابا مع ق. مرقس إلى قبرس وإلى هنا لا يُذكر عنهما شيء في سفر أعمال الرسل، ولكن يرجح كثيراً أن مرقس ذهب حينئذ إلى كيريني (في المدن الخمس) ثم عاد القديس مرقس ماراً بالمدن الخمس (على الساحل) إلى الإسكندرية. ويؤيِّد هذا الرأي بعض تلميحات وردت عرضاً في العهد الجديد وكذلك ما ورد في التواريخ المصرية أن مارمرقس أسس خمس كنائس أخرى (على الخمس مدن) بين زيارتيه الأُولى والثانية إلى الإسكندرية ومن ضمنها
كنيستي كيريني وليبيا.]( )
بدء التقليد الشرقي لكرازة مرقس الرسول في كل من
الخمس مدن الغربية والإسكندرية على مدى هذه العشر سنوات:
المدن الخمس الغربية Pentapolis:
وهي في أيام حكم بيزنطة تُعرف بالمقاطعات الخمس: كيرين أو سيرين (Kirawan) Cyrene بتولمايس أو برقة Ptolemais = Barca، أرسينوي أو توشيرا Taucheira، برنيس Hesperides = Berenice وأبولونيا Apolonia هذا بحسب أبحاث العالمة بوتشر.
وقد أمضى القديس مرقس سنتين في الخمس مدن الغربية. ثم انحدر إلى الإسكندرية وكرز فيها لمدة سبع سنوات حسب التقليد. وبعدها عاد إلى أُورشليم وانطلق لملاقاة ق. بولس في رومية. ويوجد لدينا بحسب تسجيلات المؤرخين ثلاث روايات عن زيارة ق. مرقس للإسكندرية ولكلٍّ منها ما يؤيِّدها:
الرواية الأولى:
وتقول إن ق. بطرس أخذ زوجته مع ق. مرقس وقاموا برحلة إلى مصر للبشارة وافتقاد الجالية اليهودية الموجودة في بابليون مصر، والجالية الأخرى في الإسكندرية. أمَّا الجالية اليهودية في بابليون فكانوا من اليهود المستوطنين في مصر منذ مئات السنين ولا يتكلَّمون اليونانية، هؤلاء خدم ق. بطرس بينهم وهناك كتب رسالته الأُولى: » تسلِّم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني «(1بط 13:5). والمعروف أن أساس هذه الرحلة إلى الجنوب كان تكميلاً للهروب الذي بدأه ق. بطرس من أُورشليم إلى أنطاكية خوفاً من هيرودس. ثم من بابليون انطلق ق. بطرس وزوجته إلى أُورشليم عبر الصحراء الشرقية حيث طريق القوافل الدائم والمؤمَّن عليه في طرق ممهدة تحت الحراسة الرومانية. أمَّا ق. مرقس فانطلق إلى الإسكندرية للبشارة وتأسيس الكنيسة.
وإليك ما قالته المؤرِّخة بوتشر عن زيارة القديسين بطرس ومرقس لمصر:
[قد ثبت بالإجماع أن مؤسِّس كنيسة مصر هو القديس مرقس الإنجيلي، غير أن السنة التي جاء فيها إلى مصر لأول مرَّة لم يُتَّفق على تعيينها اتفاقاً تاماً. والظاهر أن ق. بطرس الرسول رافقه إلى بابليون وهناك كتب رسالته الأُولى للأُمم كما أشار إلى ذلك في آخر تلك الرسالة. والباحث لا يستطيع أن يأتي بدليل قاطع أن بابل المذكورة في رسالة ق. بطرس هي بابليون المصرية، فضلاً على أن مؤرِّخي الغرب كثيراً ما حاولوا أن يثبتوا أن مدينة بابل هذه في أشور أو رومية عن طريق المجاز. غير أن العدالة توجب علينا ترجيح القول بأنها مصر وهو الأقرب إلى الصواب، لأن ق. بطرس كتب رسالته في مدينة مأهولة باليهود وكانت ملجأ لسيِّدِهِ (الطفل يسوع وأمه القديسة). علماً بأن أشور آنئذ كانت خارج الولاية الرومانية ... ويصعب علينا التصديق بأن بطرس الرسول استخدم كلمة بابل مجازاً للدلالة على رومية ... على أنه (يلزم الأخذ في الاعتبار) أن الكنائس الغربية كانت لا تعرف شيئاً عن بابليون مصر - بل والحديثين أيضاً من رجال الغرب - لأن كنيسة مصر تُعرف بكنيسة الإسكندرية.]( )
الرواية الثانية:
وفيها يُقال إن ق. برنابا أخذ مرقس ابن اخته وانحدر من قبرس نحو الإسكندرية وكرزا معاً في الإسكندرية.
والذي يلمِّح على ذلك المؤرِّخ نياندر المشهور:
[ومن بين الغيورين الأوائل الذين كرزوا بالإنجيل في الإسكندرية نجد أشخاصاً تثقفوا في الإسكندرية مثل أبولوس الإسكندري وأيضاً برنابا القبرصي ... وبحسب التقليد مرقس الإنجيلي كمؤسِّس كنيسة الإسكندرية ... ومن الإسكندرية إلى المدن الخمس وخاصة كيريني وذلك بسبب اتصالهما وتداخلهما معاً ووحدة الروح بين الاثنين. ولكن بالرغم من أن الإنجيل وجد طريقه مبكِّراً في الوجه البحري الذي كان يقطنه كثرة من اليونان واليهود المتكلِّمين باليونانية، إلاَّ أن الإنجيل لم يجد طريقه إلى مصر الوسطى والعليا بسهولة بسبب شيوع اللغة القبطية فقط وكثرة كهنة الأوثان وعدم ثقافة المواطنين هناك. إلاَّ أننا نسمع عن اضطهاد المسيحيين في صعيد مصر في أيام الإمبراطور سبتيموس ساويرس( ) أي في أواخر القرن الثاني! وقد حازت هذه المناطق في بكور القرن الثالث على نسخة من الإنجيل باللهجة الصعيدية.]( )
الرواية الثالثة:
وفيها نعرف أن ق. مرقس انحدر وحده من قبرس إلى المدن الخمس في شمال إفريقيا، وركَّز كرازته في كيريني بالذات لأنها وطنه الأصلي والمدينة التي وُلِدَ فيها، وقد أسس فيها أول كنيسة. وبعدما كرز في المدن الخمس وأسس فيها كنائس ورسم أساقفة ومكث فيها سنتين، اتجه إلى الإسكندرية عن طريق الساحل الشمالي وكرز فيها وأسس الكنيسة وبقي فيها سبع سنوات. ثم غادر الإسكندرية وأكمل أسفاره مع ق. بولس وبقي معه في روما حتى استشهاده. ثم اتجه جنوباً إلى أكويلا أي فينيسيا( ) ومنها إلى المدن الخمس للمرَّة الثانية ثم الإسكندرية لثاني زيارة وفيها استشهد سنة 68م.
وهذه الرواية سنتعرَّض لها كما ذُكرت في التقليد القبطي بحسب المراجع الكثيرة الموغلة في القدم. ولكن تختلف المراجع في التاريخ ما بين المبكِّر فيها جداً والمتأخِّر. وهنا اختلفت آراء المؤرِّخين بالنسبة للبداية والنهاية. والتواريخ كالآتي:
1 - يوسابيوس القيصري المؤرِّخ يعطي تاريخاً لذهاب ق. مرقس إلى الإسكندرية في السنة الأُولى لحكم كلوديوس قيصر سنة 42م( ). ولكن تعلِّق على ذلك بعض المراجع المصرية المسمَّاه Chronicon Alexandrinumوتقول: بل مبكِّراً عن ذلك أي سنة 39م( ).
2 - تعلِّق المؤرِّخة بوتشر أنه بمقتضى البحث في سفر الأعمال يمكن أن نحددها بسنة 45م. وتقول إنه استمر في الإسكندرية حوالي سبع سنوات. وانطلق إلى أُورشليم سنة 50م ليحضر مجمعاً هناك. وتقول هذه المؤرِّخة إنه على أكثر ترجيح كتب إنجيله في بابليون مصر أثناء ما كان مع بطرس الرسول وزوجته( ). وتكتفي هذه المؤرِّخة برحلة واحدة لم تذكر غيرها في كتابها. غير أنها تعطي زمن استشهاد ق. مرقس سنة 62م.
3 - العالِم لاجرانج يعطي تاريخ مجئ ق. مرقس إلى الإسكندرية أثناء حكم كاليجولا (39-40م).
4 - مخطوطة أثرية نشرها العالِم كيرستينوس Kirstenius تعطي تاريخ السنة السابعة لحكم
كلوديوس أي سنة 48م( ).
5 - د. عزيز سوريال عطية عن مؤرِّخين قدامى (كامل صالح نخلة والأسقف إيسيذوروس) يعطي تواريخ سنة 48 أو 55 أو 58 أو 61م( ).
6 - إيريس حبيب المصري أعطت تاريخ سنة 61م( ).
ولكن يبدو أن الذين أعطوا تواريخ متأخرة لم ينتبهوا إلى أن ق. مرقس قام بزيارتين للمدن الخمس والإسكندرية، وأن التواريخ المتأخرة تختص بالزيارة الثانية وليست الأُولى.
الزيارة الأُولى للمدن الخمس:
على أية حال وصل القديس مرقس إلى ساحل إفريقيا الشمالي ونزل في إقليم المدن الخمس واتجه إلى كيريني موطنه ومسقط رأسه. واستقبله اليهود هناك بالترحاب واستجابوا لدعوة الإنجيل دخلاء ووثنيون، يونانيون ورومانيون، وكلَّم الجميع كل جماعة بلغتها. وبحسب التقليد أن الله آزره بعمل آيات كثيرة حسب الوعد فتشدَّدت الكرازة وآمن واعتمد المئات والألوف. ويُقال أنه صنع أشفية كثيرة وأقام ميتاً ابن أرملة وحيداً لأمه فآمن بالمسيحية نحو خمسة آلاف. وقد ذكر هذه المعجزات الأب شينو في كتابه (قديسو مصر)( ). وأقام أول كنيسة في كيريني ورسم عليها أسقفاً يُدعى ألينوس وجعل ابنه الأكبر قساً والأصغر شماساً ودعاهما أقاديوس وفيلبُّس حسب رواية أسقف نستروه (ميمر نشره بارجيه( )). وأقام كنيسة أخرى في مارمريكا في النصف الشرقي للجبل الأخضر وكنيسة ثالثة في درنة( ). ويقول د. زاهر رياض إنه أسس أربع كنائس، ويقول إن المسيحية لاقت انتشاراً سريعاً في المدن الخمس( ). غير أن المؤرِّخ ساويرس ابن المقفع( ) يقول إنه لم يرسم أساقفة في زيارته الأُولى لليبيا لأن ق. مرقس كان يتطلَّع أن تكون أسقفيات المدن الخمس تابعة لكرسي الإسكندرية، لأن ليبيا في الإقليم المذكور كانت تخضع آنئذ تحت الحكم الروماني الذي كانت عاصمته في الجنوب هي الإسكندرية، ولذلك كانت هذه البلاد معتبرة أنها قطعة من مصر وتتبعها سياسياً. ومن هنا جاءت علاقة الكنيستين معاً. ويقول د. زاهر رياض إن ق. مرق
|
|
08-04-2005, 05:05 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
neutral
عضو رائد
المشاركات: 5,786
الانضمام: Mar 2004
|
بحث في إثبات أنّ كاتب إنجيل مرقس مجهول
اقتباس:أمّا تمثيلك برواية حفص بن سليمان ، فهي مثال واه وبعيد جداً ، وينقصه الإطلاع وفهم منهج المسلمين في تقبل قراءات القرآن .
فحفص ضعيف متروك في الحديث وليس في القراءة ، فكل واحد بارع في مجال تخصصه ، وهذه أقوال الأئمة معروفة كما نقلها الأخ مسلم سلفي .
فإن قلت إنك تعلم هذا ولكن أردت أن تبيّن لنا الازدواجية في المعايير نقول لك إن ضعف حفص في الأخبار ( الرواية ) جعل أئمة الحديث يتركونه من أجلها ، ولكن ضعف بابياس في الأخبار لم يقودكم إلى تركه ، بل جعلكم تأخذون منه ما تشاءون وتتركون ما تشاءون .
الزميل العميد
أنا عندي فكرة معقولة عن علم مصطلح الحديث لأني بصراحة كنت طول عمري أستغرب من الأحاديث ولماذا يذكرون أسماء أولئك الناس قبل كل حديث وبعد البحث والتقصي أكتشفت وجود علم كامل عن هذا الموضوع وبالفعل أشتريت كتاب صغير إسمه تيسير مصطلح الحديث لمؤلف إسمه محمود الطحان والحقيقة الكتاب أعطاني فكرة جيدة عن هذا العلم ومصطلحاته الخاصة وأتذكر أن أول تعريف في الكتاب لأنواع الحديث كان تعريف المتواتر وإذا أسعفتني الذاكرة فكان كالتالي
مانقله الجمع عن الجمع بحيث يستحيل تواطؤهم علي الكذب
بعد التعريف بدأ بضرب أمثلة عن الأحاديث المتواترة وذكر أنها قليلة جدا ومن أهمها القرآن
يعني محمود الطحان أعتبر القرآن نوع من الحديث منقول بالتواتر
وبالتالي يتم تطبيق شروط الحديث أيضا علي القرآن
سؤالي هو إذا كان شخص كحفص متروك الحديث فلماذا يقبل به في القراءة مع العلم بأن القرآن أهم من الحديث:?:
من الذاكرة أيضا أعتقد أن تعريف الحديث الصحيح هو كما يأتي:
ماأتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلي منتهاه من غير شذوذ ولا علة
من التعريف السابق نجد أنه بالنسبة لراوي الحديث يجب أن يكون عدل وضابط
فما هو السبب الذي أدي بهم لتركه في الحديث هل عدله أم ضبطه:?:
في كلتا الحالتين فوجود مايستدعي تركه في الحديث يستوجب بدرجة أكبر تركه بالنسبة للقرآن
صح ولا أنا غلطان:what:
|
|
08-04-2005, 06:43 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}