بداية مرحبا بك أخي طرفة، قليلا ما أراك في ساحة الفكر الحر! مع أنني أرصد إطلالاتك الجميلة في ساحة القضايا الاجتماعية...
(f)
فاتك أن تكتب لنا اسم الكاتب، لأنني أتصوره أحد الخنافس الليبرالية التي ضاقت ذرعا بالآخر منذ أمد وكتبت مؤخرا رسالة تستعطف فيعا بوش ومجلس الأمن أن يكمم أنفاس خصومهم، وكان جل عنايتهم أن يقولوا بأن القرضاوي والغزالي هما الوجه الآخر من عملة ابن لادن والزرقاوي!
أقول هذا لأنني حينها أظهرت كذبهم في أكثر من منتدى، وكيف أنهم يقتطعون العبارات من سياقها ويجعلونها ترمز إلى معان لم يقصدها أصحابها ثم إذا بهم يتمنون أن تكبت حرية الآخرين لجريمة اخترعوها هم وألبسوها خصومهم حين صنعوها لهم بألسنتهم وتدليساتهم وكذبهم الصريح!
أيا ما يكون الكاتب فإن القرضاوي حفظه الله ليس رئيسا للمجلس الأعلى للإخوان ولا غيرهم، والإخوان يتشرفون بقيادته وقد عرضوا عليه مرارا أن يكون ربان سفينتهم، لكنه -وبدون تنكر لماضيه الإخواني- أراد أن يكون شيخا معطاء لعموم المسلمين، وألا يحول انتماء تنظيمي وممحكات حزبية بينه وبين توصيل رسالته للجميع...
الملاحظ على المقال هنا أنه بنى اتهامه على أساس إلحادي ينكر ارتباط قدر الأمة بما تصنعه من إيمان! مع أن الأصل في خطبة الجمعة أنها تستهدف رعاية الإيمان وتحصينه قبل أي شيئ!
القصة أيضا أولت تأويلا غير متسق، ثم بنى عليها حكما تلفيقيا لا يوافق عليه القرضاوي الذي جعل غرضا لهدف صاحب المقال كما يبدو!
القصة المذكورة هي أن القرضاوي قال بضرورة أخذ العبر والدروس مما يقع حولنا من الزلازل والبراكين، مشيرا إلى أنها مثل سائر النوائب التي تقع للبشر، نستخرج منها ما ينفعنا، فهي عقوبة إلهية تستهدف تأديب العصاة والمفسدين، وهي تنبيه الناسين والغافلين، وهي ابتلاء المؤمنين.
والقياس الفاسد أنه إذا كان يرى بأن قدر الله الكائن بزلزال طبيعي إنما هو عقوبة إلهية فما المانع من زلزال بشري تصنعه سواعد المتطرفين لمنع سياحة الخلاعة والمجون!
وأما النتيجة، فهو أنه شريك للإرهابيين في جريمتهم!!
نبدأ من البداية:
القصة ترتبط بخطبة الجمعة 7 يناير 2005م، التي ألقاها فضيلته بمسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة، وقال فيها:
"ينبغي أن يقف الناس عند هذا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب آسيا، والذي يشبه الطوفان ليأخذوا منه الدروس والعبر"، منكرا على من قالوا إنه "من غضب الطبيعة"، مشيرا إلى أنه "من غضب الله، وأن الطبيعة مخلوق من مخلوقات الله، وأن الله هو الفاعل الوحيد والمطلق في الكون كله، قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ...).
القرضاوي أراد في منبر من منابر الإيمان أن يعلم الناس بأن تأخذ العبرة من الأحداث بشكل إيجابي، فالكارثة وقعت -بقدر من الله- أنكرنا الفاعل أو أثبتناه، ألحدنا به أو آمنا، أخذنا العبرة أم لم نأخذ...
وبالتالي فحري بمن يستمع إليه من القطريين الذين يدفعون -وغيرهم من أبناء الخليج- أموالا طائلة على سياحة ماجنة في بانكوك وغيرها من هذه الجزر الآسيوية ان يتفكروا في أسباب محتملة لهذا البلاء:
البلاء إما أن يكون محبة أو يكون غضبا...
حين يكون محبة، فهو يتعلق بفقه إيماني خاص يجعل الإنسان لا ييأس من روح الله ولا يقنط، بل يصبر ويشكر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن يخطئه، وأنه إن آمن وصبر ورض يقضاء الله يكون مؤمنا حقا، ويكون شأن البلاء له خيرا، يرفع الله له به الدرجات ويكفر به عنه السيئات.
أما حين يكون البلاء غضبا والعياذ بالله، فهو عقوبة رادعة مستحقة لمن ظن أن لن يقدر الله عليه! وقال الشيخ إن الناظر في كتاب الله سيجد أن الله سخر الماء ليعذب فرعون، وسخر الريح ليهلك عادا، وسخر الصواعق ليهلك ثمودا، قال تعالى: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، وقال عن عاد: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)، وقال عن ثمود: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
عقوبة الله للإنسان إذا أسرف على نفسه وتجاوز حرمات الله ورتع في ظلم نفسه ومجتمعه وبيئته، ليس خاصة ببلد دون بلد، فالمسلمون كالجسد الواحد، وما يجري للمسلمين في العراق وفلسطين وأندونيسيا والشيشان ووو إنما هو عقوبة للمسلمين جميعا لا لشعب دون شعب ولا قبيلة دون قبيلة، والمفروض أنهم جميعا يتضررون من إصابة عضو منهم عربي كان أو أعجمي، أبيض كان أو أسود!
وبالتالي فالقرضاوي حفظه الله يقرر قاعدة إيمانية أن ذنوب العباد سبب من الأسباب المهمة في استجلاب العذاب والفتنة والصغار للمسلمين جميع، وفي الحديث: (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)
فحتى الصالحون يهلكون بذنوب الفساق هنا وهناك، وفي ذلك يقول ربنا: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)
ما بناه صاحب المقال على ما ورد في هذه الخطبة هو قياس فاسد!
ذلك أنه افترض أن من حق الإنسان أي إنسان أن يكون إلها، فيحكم على شعب أو إقليم أو قرية بالعقوبة الماحقة! قياس على أن الله سبحانه أوقع زلزالا هنا، وطوفانا هناك وإعصارا في مكان آخر!!
كلا يا صاحبي!
هذا السخف لا يقوله القرضاوي ولا ينبغي لمثله، فمن ذا الذي يزعم أنه شق عن قلوب العباد ليلعلم أنها غارقة في غيها، ميؤوس من حالها؟!
ومن ذا الذي فوض زيدا أو عبيدا أن ينصبوا أنفسهم مكان ربهم سبحانه ليحكموا على العباد بما قضى به سبحانه واختص به نفسه؟!!
على أن هذا القياس الفاسد لا يجوز أن يكون سببا مقبولا يستصحبه أحد اللليبراليين المغمورين ليجعل منه ذريعة للإرهابيين في ما شرعوا به من إجرام!
ومع أن أحدا لم يجزم حتى الساعة بالجهة التي كانت وراء الانفجارات حتى الساعة، فإن مظان الاتهام إضافة للجهات غير المسلمة والصهيونية تحديدا، يمكن أن تتراوح في الدائرة الإسلامية بين القاعدة وبقايا الجهاديين المصريين!
كلا التنظيمين لا يقبلان القرضاوي مرجعية، ولا يعتدان بفتاواه، فليهون عليه صاحب المقال، وليدع عنه أسلوب محاربة الحريات وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق الإنسانية بحجة حمايتها والدفاع عنها! فقد فاحت رائحة هذا النفاق الليبرالي النتن!
على أن القرضاوي حفظه الله وعافاه، ورغم أنه على سرير المرض غير أنه آثر أن يبين موقفه بجلاء في ما جرى في شرم الشيخ مستنكرا العمل أيا كان فاعله، وها هنا نص بيانه:
http://www.qaradawi.net/site/topics/articl...8&parent_id=237
بقيت نقطة قرأتها منذ عريضة المتلبرلين العرب التي رفعوها لربتهم أمريكا ومجلس امنها الدولي، وهو أن هؤلاء الأفاعي والعقارب يرمون الآخرين دوما بدائهم ثم ينسلون!!
وأكثر من هذا أنهم يزعمون أن لديهم الحق المطلق، وبالتالي فهم يرشدون قارئهم لكتالوج كامل في التعاطي مع ما يطرحونه من شبهات، فخصمهم إما قال القول فتأويلهم هو التأويل الأوحد له، ويبنى على تأويلهم ما يقاس عليه ولو بالإشارة (المتوهمة)!
وبالتالي فهو مجرم وهو الوجه الآخر من الزرقاوي....
أو أنه لم يقله فبالتالي هو تابع ذليل يرضخ لأمير قطر أو غيره من الأمراء ويصدر بياناته تبعا لمصالحه معهم!!
يعني هو مدان سلفا، سواء أنكر ما يجري في شرم الشيخ أو لم يدن!
إما أنه لا يدين سهوا أو انشغالا فهو شريك للمجرمين وشيطان أخرس وووو
أو أنه يدين لأنه ضغط عليه، ولأنه يريد أن يحقق مصلحة رخيصة ولأنه ولأنه.... مما يقيسون به كل الناس على منحط معدنهم وذليل تبعيتهم وسادر قيمهم وأخلاقهم -إن كانت تحكمهم ثمة أخلاق-!
نعم يا صاحبي، قلنا ونقول وسنظل نقول أن ما أصاب الأمة فبما كسبت أيديها، لكن أحدا منا لا يبرر لإرهابي أو دعي بأن يمارس نكاله وعقوبته على الأمة حين يعافي الله الأمة من هذا النكال...
على أن هذه المعاني الإيمانية خاصة بمن يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله رسولا نبيا، أما غير هؤلاء، فما طرح عليهم القرضاوي خطابه، ولا ظن أنهم يشاركوه مسجده في خطبته، وحتى لو علم أنهم سيقرؤون له خطبته ما غير منها حرفا لأنه يعلم أن العقلاء يستوعبون أن هذه الشريحة غير مستهدفة بهذا الخطاب، والله أعلم.
واسلموا لود واحترام(f)