ترتكز نظرية داروين فيما ترتكز على مبدأين أساسيين يعتبران من الحقائق العلمية و المنطقية التي لا يختلف فيها اثنان:

1- تحدث تغيرات طفيفة في الجينات لأسباب متعددة
2- بعض التغيرات الجينية تزيد من احتمالات بقاء هذه الجينات

لنأخذ هذا المثال: يقوم تجار الكلاب الأليفة عادة بانتقاء الذكور و الاناث الذين سيشتركون في العملية الجنسية جيلا بعد جيل، و ذلك بتفضيل بعض الصفات على غيرها بشكل متدرج. فمثلا لو بدأنا بمجموعة من الكلاب ذوات اللون الاسود، و اخترنا أفتح الافراد من ذكور و اناث و عزلناهم عن بقية الكلاب، و بعد انتاج الجيل الثاني، قمنا بنفس العملية، اي انتقاء أفتح الكلاب لونا و عزلناهم عن البقية، ففي الكثير من الاحيان ننجح بعد عدد معين من الاجيال من انتاج كلاب بيض اللون.

و لا ينطبق هذا المبدأ على مسألة اللون او الشكل فحسب، بل على الطبع و التصرف. فقد قام العرب مثلا بانتقاء أبرع الكلاب باصطياد فرائسها و الامتناع عن اكلها بل جلبها الى صاحب الكلب، و بعد مرور عدة اجيال، ظهر نوع "السلوقي" من الكلاب. و بنفس الطريقة، قام الاوروبيون بعزل و انتقاء الكلاب الأبرع في السيطرة على قطعان الغنم و البقر، حتى انتجوا الكلب المسمى "الراعي الألماني".

اذن ينطبق المبدآن على هذه الظاهرة كما رأينا، فكلما حدث تغير جيني أثر على لون الكائن الحي او شكله او تصرفه، فإذا كان هذا التغير يزيد من احتمال بقاء هذا الكائن (بأن يتنقيه الانسان مثلا و يحتفظ به دون غيره) تزداد احتمالات بقاء هذه الصفات الجينية الجديدة في الاجيال التالية و هكذا. و هذه التغيرات الطفيفة بعد عدد كبير من الاجيال تؤدي الى تنوعات جمة في الاجناس. و يمكن بدراسة عظام و جينات الكلاب ملاحظة التدرج و علاقة القرابة بين الانواع المختلفة بتدرج الاختلاف في جيناتها و تركيب جسمها.

نفس المبدأين ينطبقان على الطبيعة، فكل تغير طفيف على الجينات يزيد من احتمال بقائها، فإن هذه الجينات تبقى في الاجيال التالية لحاملها، و العكس بالعكس. مثلا: لو كانت هناك جماعات من حشرة معينة تعيش في منطقة صحراوية يغلب عليها اللون الاصفر الصحراوي، فإن احتمال ان تقوم الحيوانات بالتغذي على هذه الحشرة يقل كلما كان لون الحشرة المعينة اقرب الى الاصفرار، مما يزيد صعوبة تمييزها عن الخلفية الصحراوية. و هكذا فإن كل تغير جيني طفيف يزيد من قرب لونها الى لون الصحراء، سيزيد احتمال بقاء الافراد التي تحمل هذا الجين، و بعد اجيال عديدة من التغيرات الطفيفة، نجد ان الاجيال الحديثة لهذه الحشرة يتطابق لونها مع لون الصحراء، فهي التي كانت أكثر حظا في البقاء.

و بدراسة المعلومات الجينية و الاختلافات بين الكائنات الحية، لم يجد العلماء صعوبة في اكتشاف ان هاتين الحقيقتين المذكورتين اعلاه تفسران التنوع في الكائنات الحية كلها، في الاجناس بحد ذاتها و أيضا بين كل نوع و نوع. و تزداد يوما بعد يوم الاكتشافات في مجال الحفريات و دراسة الجينات التي تزيد العلماء يقينا من حقيقة النظرية، حتى باتت هي النظرية العلمية الوحيدة في علم البيولوجيا القادرة على تفسير ظهور الاجناس و تنوعها و تطورها على مدار ملايين السنين.

==============

الاعتراضات الدينية على نظرية التطور: من غرابة الامور أن يجد الكثير من الناس صعوبة في قبول نظرية علمية مهما كانت، فالعلم ليس غرضه تثبيت اي مسألة ايمانية او نقضها، بل العلم هو وسيلة للمعرفة ترتكز على جمع المعطيات و تفسيرها و استنتاج المعلومات عن العالم المادي. و لكن للأسف نجد أنه في كل جيل، هناك دائما من يرى أن العلم و المعرفة خطر على معتقداته الدينية، و بدل أن يلاحظ المرء أن تفسيره للدين قد يكون خاطئا، يلجأ بدلا عن ذلك الى رفض المعطيات العلمية!

فعلى سبيل المثال، استهجن البعض مقولة ان الامراض سببها الجراثيم بعد ان ثبتت تلك الحقيقة العلمية بالدلائل، و تمسكوا بمعتقدهم الديني القائل ان الامراض سببها لعنة اللـه او الآلهة. و قبلهم رفض البعض التفسيرات العلمية لظاهرة الرعد و البرق و تمسكوا بالمعتقدات القائلة ان تلك الظواهر سببها الآلهة في السماء، و رفض البعض اكتشافات جاليليو بما يخص الكون و الكواكب لأنها تعارض تفسيرهم للكتابات الدينية، و رفض الكثيرون ممارسة التطعيم (اللقاح الطبي) لأنها تخالف مشيئة اللـه!

و لا يفطن هؤلاء في كل مرة أن تفسير ظاهرة من ظواهر العالم المادي و شرحها لا ينفي وجود اللـه بالضرورة للدينيين. فإذا كان اللـه هو سبب الامراض، فإن نسبة الامراض الى الجراثيم لا يمنع البعض من الايمان بأن اللـه يسبب الامراض المعينة عن طريق الجراثيم، و اذا فسّر العلم طريقة نبض القلب و توزيع الدم على الجسم، فهذا لا يمنع البعض من الايمان بأن اللـه "المحيي" هو القوة التي تبعث الحياة بهذه الطريقة، و اذا فسر العلم طريقة تلقيح البويضة في الأم و نمو الجنين، فهذا لا يزعج الدينيين الذين يتمسكون بفكرة ان اللـه هو خالق الجنين.

فلا يجوز اذن أن يصر البعض اليوم على معارضة التفسير العلمي المادي لتنوع الاجناس و تطورها، و كأن مجرد تفسير أمر ما علميا هو نفي لمعتقداتهم الدينية.

Logikal (f)

مرحبا بعودتك ,,,

متابعة(f)

شكرا وليد. طنطاوي انا سرقت موضوعك. :)


1- تحدث تغيرات طفيفة في الجينات لأسباب متعددة
2- بعض التغيرات الجينية تزيد من احتمالات بقاء هذه الجينات


نركز الان على حقيقة واردة في المبدأ الاول: تغيرات "طفيفة".

يجد المرء صعوبة في تكوين صورة عقلية لأي شيء يتجاوز فترات قصيرة سواء كان في المسافات او الازمنة او التغيرات. فعلى سبيل المثيل، يستحيل على العقل البشري تكوين صورة عقلية للبرازيل، فنلجأ الى تصغيرها آلاف المرات حتى نصل الى صورة تقريبية و مصغرة على خريطة. و قد يستغرب الطفل اذا رأى الخارطة، فكيف لملايين الناس و مئات المدن و الاف الامكنة ان تتواجد في هذه الرقعة؟ هو شيء لا يمكن للعقل تصوره، و لكنه حقيقة نعرفها اذا ذهبنا الى البرازيل و زرنا هذه الامكنة مكانا تلو الاخر.

يستحيل على العقل ان يرسم صورة عقلية لمدة ألف سنة. يمكن تصور احداث بالتفصيل حدثت في ساعة او يوم، و لكن كلما كبرت المدة الزمنية، كلما خسرنا التفاصيل و بدأنا بالاختصار في الاحداث الى ان نصل الى صورة مبسطة جدا و مقصرة جدا لا تعبر عن الواقع، و لكنها تقريبية. و لا يمكن للعقل مثلا ان يسرد كل الاحداث التي حدثت في فترة مليون سنة. و لكن هذا لا ينفي الحقائق و لا يلغيها و ان اضطررنا لتقريبها و تصغيرها.

لنفس الاسباب، يستحيل على العقل ان يرسم صورة عقلية للتغيرات الطفيفة العديدة التي تؤدي الى نتوج عضو مثل العيون، و لكن مسافة المليون ميل لا يمكن قطعها الا مترا تلو متر، ميلا بعد ميل، و المليون سنة لا يمكن ان تمر إلا ثانية بعد ثانية، دقيقة بعد دقيقة، يوما بعد يوم. و هكذا فكل تغير طرأ على خلية جعلها اكثر حساسية للضوء زاد من احتمالات بقائها، و كل تكور في الخلايا زاد من قدرتها على رصد المشهد الخارجي و زاد من احتمالات قدرتها على تجنب مفترسيها و ايجاد طعامها، و كل هذا حدث بدرجات بسيطة و تغيرات طفيفة. لكن بعد مرور مئات الملايين من السنين، نجد صعوبة في رسم صورة عقلية لهذه التغيرات، و كأننا لا نصدق. و لكن الحقائق و الدلائل هي التي تقنعنا بحدوث هذه التغيرات.

شرح للصورة المرفقة:

1- كل تغير جيني طفيف يزيد من حساسية الخلايا للضوء، يزيد من احتمالات بقاء هذه الجينات حيث ان حاملها اكثر حظا في رصد الخطر و العثور على مصادر الطاقة
2- كل تغير جيني طفيف يزيد من تكور جماعة الخلايا الحساسة للضوء يزيد من اتساع مجال الرصد و تحديد مكانه و حجمه و نوعه، مما يزيد من حظ حامل الجينات في رصد الخطر و العثور على مصادر الطاقة
3- كل تغير جيني طفيف يزيد من كثافة و صلابة السائل الذي يملؤ المساحة أمام هذه الخلايا، يزيد من وضوح مصادر الضوء و تركيزها من اماكن ابعد، مما يزيد من حظ حامل الجينات في رصد الخطر و مصادر الطاقة من مسافات ابعد
4- كل التغيرات الواردة اعلاه تزيد من احتمالات بقاء حاملها، مما يزيد من احتمالات تمرير هذه الجينات الى الاجيال القادمة
5- تم رصد و دراسة هذه التغيرات الموجودة اليوم في الخلايا و النباتات و الحيوانات، بهذه التدرجات الواردة بأشكال متعددة، و انما أوردنا هنا بعض المحطات المهمة فقط

اردت في هذه المداخلة و التي سبقتها معالجة كيف يمكن لتغيرات طفيفة ان تحدث تغيرات كبيرة بعد مدة من الزمن. نفس المبدأ ينطبق على تنوع كل اشكال الحياة.

اذن يمكن الان اضافة المبدأ الثالث:

1- تحدث تغيرات طفيفة في الجينات لأسباب متعددة
2- بعض التغيرات الجينية تزيد من احتمالات بقاء هذه الجينات
3- التغيرات الطفيفة في الجينات تؤدي بعد فترات طويلة الى تغيرات كبيرة في الكائنات


مسألة الصدفة:

كثيرا ما يسأل البعض عن مشكلة الصدفة في نظرية التطور. كيف يمكن لجهاز مثل العين مثلا ان "تنتج بالصدفة"؟
الاجابة على هذا السؤال بسيطة: الصدفة ليست هي سبب تكون الاعضاء، و يستحيل على الصدفة ان تنتج اجهزة معقدة!

هناك قوانين محددة تلعب الدور الاكبر في تكون الاعضاء و الاجهزة في الكائنات الحية، فالصدفة لوحدها تنتج عددا ضخما من الطفرات الضارة التي لا تبقى في الاجيال التالية لحدوثها، و السبب الحقيقي لتكون الاجهزة هو وجود عوامل الطاقة مثل الشمس و الاكسجين، مما يدفع الحياة بشكل طبيعي الى استغلال اكبر لهذه العوامل،و هذا الدفع هو الذي يؤدي الى نشوء الاجهزة.

سأعطي مثالا بسيطا على هذا: تصور لو أننا وضعنا كأسا فارغا على طاولة في خارج البيت، و أمطرت السماء لساعات. بعد توقف المطر، نخرج الى الخارج و نرى ان الكوب امتلأ بالماء. ساعتها سيقول قائل، "يا للصدفة! تصور قطرات الماء التي تجمعت في هذا الكوب كلها دخلت الكوب بالصدفة و ملأته، مع العلم انه كان من الاكثر احتمالا ان تسقط هناك او هناك، و لكنها آثرت الا ان تملأ الكوب!" طبعا هذا المنطق غريب، فكلنا نعلم ان سبب وجود هذه القطرات من الماء في هذا المكان بالتحديد ليس الصدفة، و انما وجود الكوب نفسه هو الذي جمّع قطرات الماء.

بنفس الطريقة، فإن التغيرات الجينية الطفيفة التي تحدث بالملايين ليست هي السبب في انتاج جهاز مثل العين، و انما السبب هو "الكوب" الذي في هذه الحالة هو قوانين كيماوية صارمة و معينة تتفاعل مع مصادر الطاقة مثل الشمس و الاكسجين هي التي أدت الى "تجميع" القطرات المتناثرة من تغيرات جينية طفيفة الى جهاز معين مثل العين (مثل كمية الماء المتجمعة في الكوب). الصدفة تلعب دورا معينا و لكنها ليست العامل الوحيد او حتى العامل الاهم.

التغيرات الجينية الطفيفة هي قطرات المطر، و القوانين الطبيعية هي الكوب الذي يجمعها.

ثم ان اعتراض الدينيين المبني على الصدفة اعتراض غريب. هل ينكر الديني مثلا ان أمي و أبي التقوا بالصدفة و تزوجوا، و لو لم تحدث تلك الصدفة لما جئت انا الى هذه الدنيا؟ اذن هل وجودي أساسه الصدفة؟ و لا ننسى العملية الجنسية التي جمعت الحيوان المنوي بالبويضة، و لو كان حيوانا منويا اخر او بويضة اخرى لما نتج نفس الشخص. مرة اخرى، هذه الصدف فقط أوجدت المناخ المناسب، و السبب الحقيقي الذي أدى الى وجودي هو قوانين معينة مثل الزواج الذي جمع أبويّ و المناخ الذي ربّيانا به و المجتمع الذي نشأت به، و الصدفة لم تكن الا عاملا واحدا.

طبعا يشير بعض الدينيين ان تلك الامثلة من الصدف هي امثلة تبدو و كأنها صدفة، و لكن في الواقع هي تخضع للقضاء و القدر، فوجودي على هذه الارض و ان بدا للعيان انه نتيجة الصدف، لكنه في الواقع قدري الذي كتبه اللـه لي. و هؤلاء نجيبهم: حسنا اذن، فإذا كانت تلك الصدف هي نتيجة القضاء و القدر، فلا شيء يمنعكم من الاعتقاد ان الطفرات الجينية هي أيضا تخضع للقضاء و القدر طالما ان هذا هو موضوع ايمانكم، و بالتالي فلا يوجد تعارض بين نظرية التطور العلمية و ايمانكم.

اذن فعلميا الصدفة ليست هي ما ينتج الاجهزة المعقدة في نظرية التطور و انما قوانين كيماوية و طبيعية و مناخية و كونية.

يمكننا الان اضافة المبدأ الرابع:


1- تحدث تغيرات طفيفة في الجينات لأسباب متعددة
2- بعض التغيرات الجينية تزيد من احتمالات بقاء هذه الجينات
3- التغيرات الطفيفة في الجينات تؤدي بعد فترات طويلة الى تغيرات كبيرة في الكائنات
4- القوانين الطبيعية (و ليس الصدفة) تقوم بتحديد اتجاه تلك التغيرات الكبيرة لتشكيل الاجهزة التي تساعد على (أ) التأقلم و (ب) استغلال المصادر و (ج) تجنب الخطر

تسجيل متابعه

ومرحبا بعودتك (f)

كويس جدا انه لغير العلماء امثالي
:redrose:

الاحافير تدل على ان الحياة بدات بصورة فجائية
الحيوانات الموجودة من قبل ملايين السنين هى نفسها الموجودة الان من دون ان تتعرض لتغيير.

لذالك نظرية دارون رسبت.


مودتي

أين حقي

شرح بسيط جدا

متابع


Welcam Back