لم أجد أفضل من هذا الحوار ليكون تقدمة لفكر محمود اسماعيل وقراءاته للتاريخ العربي والتي قد لا تجد من يلتفت إليها إلا أن يكون هناك دافع سياسي من ورائها - وبئس الدافع هو :21: - أو يكون الدافع متعلقاً بأفكار تهدم لمجرد الهدم - وياله من دافع ! - .

19/12/2006 القدس العربي

حاوره حسن مخافي

سنوات طويلة من البحث التاريخي والسجال العلمي والصراع الفكري، ومحمود إسماعيل ما زال يتحدث بنفس الحماس وبنفس الصدق والصراحة عن مكامن الخلل في العالم العربي بتفاؤل كبير. لم يكل الرجل ولم ييأس، ربما لأنه يعتبر نفسه صاحب رسالة وعليه أن يدافع عنها حتي الرمق الأخير. محمود إسماعيل من المثقفين القلائل في العالم العربي الذين استطاعوا أن يرفقوا البحث العلمي والنشاط الفكري بالفعل السياسي. فقد قضي عشر سنوات يصدح في مدرجات ظهر المهراز بجامعة فاس بعد معاهدة كامب ديفيد التي وقعها السادات، وفرض علي معارضيها أشد القمع.

لم يشعر محمود بالنفي أبدا، فقد استطاع بنزعته القومية وروحه المرحة أن يجعل من المغرب بلده الثاني، وكون مدرسة في التاريخ يشهد علي مصداقيتها وتألقها تلاميذه المنتشرون في أغلب الجامعات المغربية. خمسون كتابا هي الرصيد الثر الذي راكمه محمود إسماعيل في مجال التاريخ والفكر والسياسة والأدب.. لم يغمره اليأس كما فعل بأغلب المثقفين التقدميين، لذلك فإنه ما زال اشتراكيا حتي النخاع، يستشهد بماركس وإنجليز بقراءة أقل ما يقال عنها أن تحين النصوص من أجل الدفاع عن الحق في الخصوصية الثقافية ضدا علي تعميمات العولمة التي لا تبقي ولا تذر. محمود إسماعيل شارك في ندوة عقدت الشهر الماضي بمكناس للتداول في الكتاب والمجتمع ، وهناك التقيناه فكان لنا معه هذا الحوار.

العلاقة الملتبسة بين الماضي والحاضر

بعد ما يزيد عن قرن من الزمن والعرب في سجال مستمر حول علاقة الماضي بالحاضر، دون أن يصلوا إلي كلمة فصل في هذه العلاقة الملتبسة ذات الأبعاد الإشكالية. أنت كمؤرخ ومفكر كيف تنظر إلي هذه العلاقة؟

العلاقة بين الماضي والحاضر تفرض نفسها علي كل باحث لأنها تختصر بمعني من المعاني مفهوم التاريخ في دلالته العميقة، ولأن فهم الماضي في صيرورته هو أداة ناجعة لفهم الواقع. ومن حصاد هذا التجاوب بين الماضي والحاضر تأتي فكرة استشراف المستقبل. واعتقد أن هذه النقلة التي يعرفها ما يسمي علم المستقبليات مؤسسة علي فهم الواقع العام سواء علي الصعيد الوطني أو علي الصعيد العالمي. وهو الواقع الذي يتداخل فيه الماضي بالحاضر في انصهار تام. وهذا ما يسمح بتأطير تجليات الواقع في إطارها الطبيعي. من ناحية أخري فإن إمكانية الاستشراف ليست رجما بالغيب ولا قراءة للطالع بقدر ما هي فهم بأن للتاريخ قوانين موضوعية، تجعل ظاهرة ما تفضي إلي أخري. وهذا ما ترجم مثلا في مقولة التحدي والاستجابة. كل تحد له استجابة. الاهتمام بالتاريخ أيضا جاء نتيجة طبيعية لأن الواقع العربي لم يتحرك كثيرا عما كان موجودا في الماضي إلي حد أن أستاذ عبقري هو المرحوم جمال حمدان في كتابه عن شخصية مصر: عبقرية المكان تحدث عما يسمي بالجمود. صحيح أن مفهوم الجمود مفهوم نسبي لأن التاريخ محكوم بقوانين الصيرورة. لكن للأسف أنه عندما تحدث حركة تكون علي غير العادة، يعني أنها لا تسير إلي الأمام بقدر ما تعود ناكصة إلي الخلف. فما زال الماضي بكلكله وبجبروته يسيطر علي رؤيتنا في فهم واقعنا وفي تحليله. والأنكي من ذلك إقحام الماضي في السياسة لإعادة إحيائه عند التيارات الأصولية...

قبل أن نتطرق إلي الأصولية التي سنخصص لها حيزا في هذا الحوار أود أن أسألك عما إذا كانت وضعية الكتابات التاريخية بالتوصيف الذي قدمته، مردها إلي أن التاريخ العربي في الواقع هو تاريخان. فهناك التاريخ الذي يعتمد علي قراءة النص، والتاريخ الذي ينهض علي قراءة الواقع. و هناك خلل في التوازن بين الاعتماد علي النص وبين الاعتماد علي الواقع، إلي الحد الذي جعل أحد المفكرين العرب يصف الثقافة العربية بأنها ثقافة نص...

علي الرغم من أن مفهوم القراءة من النص ومفهوم القراءة من الواقع يبدوان مستقلين عن بعضهما، إنما يأتي المنظور أو المخيال أو المقاربة، مقاربة المؤرخين. فنحن نعيش واقعا منحطا مع الاعتذار عن استعمال هذه اللفظة. وهذا الواقع أثر في العقلية والنفسية، وأثر في النظرة في حد ذاتها. فبهذه النظرة المتردية إلي النصوص ننظر أيضا إلي الواقع. إذن بهذا تصبح المشكلة معقدة ومزدوجة لا قراءة النص تفضي إلي نتيجة قد تساعد بشكل ما في قراءة الواقع وفي فهم الواقع، وإنما الذي يحدث أن العينين اللتين تقرآن النص هما العينان اللتان تقرآن الواقع. وفي كل الأحوال تكون النتيجة سيئة.

وما زلت أتصور أن هناك نوعا من التردي جعل الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. وبمعني آخر فإن مرحلة التأسيس والتكوين التي بدأت في الستينات والسبعينات والثمانينات لم تأت أكلها كما يجب. هذا التشخيص عام ويشمل كل المستويات وخاصة الكتابات التاريخية التي تعرف تراكما كميا بحكم أن الناشرين يشجعون عليها ليس لاعتبارها تاريخا، ولكن باعتبارها طريقا مثاليا يستهدف منه إسقاط الحاضر علي الماضي. من هذه الزاوية هناك إنتاج ضخم. ومن حيث المنهجية والعقم ويمكن أن نلخص ما يجري بالفعل بأنه نوع من الاجترار والتكرار. فالموضوعات هي هي، وهذا راجع إلي ضيق النظرة والي عدم الالتفات إلي ما حدث من ثورة منهجية وابستيمية في علم التاريخ في الغرب أو في العالم كله علي نحو عام. قد نجد مثلا في النقد الأدبي من أفادوا إلي حد ما، من علم الاجتماع بدرجة أو بأخري، لكن المؤرخين وخصوصا في التاريخ الإسلامي ما زال إنتاجهم صورا مكررة للطبري ولابن الأثير. ويا ليتهم مثلا عادوا إلي نماذج مضيئة في التراث العربي مثل البيروني أو مسكويه أو المسعودي الذين قدموا نظرات ورؤي أصبحت الآن في تقديري مثلا أعلي. لكن الاجترار والتكرار أدي إلي عدم تجاوز مرحلة الوصف العرض والسرد. وهناك ظاهرة تفشت بين الباحثين ظاهرة هي ظاهرة السطو التي أصبحت نسبة عامة، ونادرا ما يفلت منها باحث، إلي حد أن اللجان العلمية في الجامعات العربية أصبحت تتجاوز عن هذه الظاهرة، ومن النادر جدا أن تجد بحثا أو بحثين يستحقان أن تتوقف عندهما.

التاريخية الشعبوية

شاعت في الآونة الأخيرة كتابة تاريخية يمكن إدراجها في ما يمكن أن نسميه التاريخ الشعبوي. وينحصر هم هذا النوع من الكتابة في إعادة بناء بعض الشخصيات التاريخية العربية الإسلامية بما يســاعد علي استلهامها كنماذج لبناء حاضر متخيل...

في هذه الحالة أيضا هناك اعتماد إسقاط الماضي علي الحاضر. وأصحاب هذا النوع من التاريخ يقتصرون علي نماذج خاطئة في حد ذاتها، فهم مثلا يقدمون نماذج من عصور الانحطاط، ويبرزون الغزالي علي صعيد الفكر باعتباره حجة الإسلام، علي الرغم من أنه مسؤول عن الفصل ما بين عصر الازدهار في الفكر الإسلامي وما بين عصر الانحطاط حسب حكم ابن خلدون. كما جري إحياء ابن تيمية علي الرغم من أنه يكفر المعتزلة وإخوان الصفا، ومن الغرائب بمكان أن أحد الفقهاء وهو الشيخ يوسف القرضاوي لما قالوا له إن البابا حكم علي الإسلام بأنه لاعقلاني يعود إلي الماضي، وبانتهازية يقول عندنا المعتزلة هم رواد العقل وعندنا إخوان الصفا هم الذين قدموا إنجازات في مجال الفكر العقلاني، وعندنا ابن رشد الذي آخي بين الحكمة وما بين الشريعة . هذا نوع من الانتهازية، إنما قناعته الشخصية لا تختلف عن قناعة الفقهاء الذين يكفرون الشيعة. وهناك ظاهرة مواكبة، ففي الوقت الذي تتنازل فيه المسيحية واليهودية عن التناقضات وتصدر مراسيم بابوية تبرئ حتي اليهود من دم المسيح، وتظهر أفكار اليمين الديني في أمريكا تربط بين اليهودية والمسيحية علي اعتبار أن السيد المسيح سيأتي ولكن شريطة بناء الهيكل أولا، فيتغاضون عن هذه الاختلافات الجوهرية في العقيدة، فإن الفقهاء عندنا عوض عن أن يواجهوا هذا كله، يروجون لأطروحات التكفير ولمشاريع تؤدي بالتحليل الأخير إلي التشرذم وإلي التمزق.

هذا النوع من القراءات التي تقدم للتاريخ العربي غالبا ما تعتمد نوعا من الانتقائية تؤدي في الواقع إلي تصنيف الكتابة التاريخية إلي ما يمكن أن نسميه تاريخا رسميا وتاريخا مهمشا أو غير معروف. وأنت يا دكتور محمود واحد ممن اهتموا بتاريخ المهمشين، كيف تنظر إلي انعكاسات هذه النزعة الانتقائية علي كتابة التاريخ العربي الإسلامي؟

ما زال مؤرخ السلطة بوقا للبلاط وإن كان غير موجود بشكل مباشر علي المستوي الرسمي، إنما يوجد بشكل غير مباشر، فالسلطة تلتقط نوعا معينا من المؤرخين الذين قد تكون لهم بعض القدرات أو بعض الصفات الايجابية فتستثمرهم في الدفاع عن نفسها. وهكذا يتحول المؤرخ إلي بوق دعاية للسلطة.

وعندنا في مصر نماذج من أمثال الدكتور عبد العظيم رمضان، الذي عاصر الملكية وعاصر عبد الناصر وعاصر السادات وعاصر مبارك، وكان في كل العصور يوالي النظام القائم ويبرر له وينظر له، ويعيد قراءة الأحداث والوقائع بما يخدم هذا الهدف. أما عبد الصبور شاهين فقد كان ينظر لتكفير المتعاملين مع البنوك، وكان يروج مع الشيخ الشعراوي لظاهرة ما يسمي شركات توظيف الأموال. وقال الشيخ الشعراوي آنذاك: ماذا أفعل، هل ضربتهم علي أيديهم وأرغمتهم علي عدم التعامل مع ما كان يسميه البنوك الربوية؟ إذن ففقيه السلطان يحلل ما يحرم ويحرم ما يحلل وحافزه في الحالين معا هو المال أو الجاه أو هما معا.

القراءة الانتقائية

إذا حاولنا أن نستقرئ الأسباب التي تقف خلف هذا النوع من القراءات الانتقائية للماضي ومحاولة تسخير هذا الماضي لخدمة الحاضر نجد أن هناك سببين رئيسيين إما أن يكون السبب سياسيا أو اقتصاديا....

لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد فحتي علم الاقتصاد يتضمن علم الاقتصاد السياسي. وأنا أتصور أن ما حدث في العالم العربي كان نتيجة فرض المؤسسات الدولية: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لما يسمي بالخوصصة هنا في المغرب أو الخصخصة في الشرق. إن هذه الظاهرة أثرت في كل البني الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والعلمية، لأن الاقتصاد كما قال ابن خلدون قبل كارل ماركس يختلف الناس في عقائدهم ونحلهم باختلاف حظهم من المعاش. فالحديث عن مناقشة أي إشكالية مجزأة عن الإشكاليات الأخري غير مجد. لأن كل ذلك راجع إلي عامل واحد هو الخوصصة علي نحو خاص. هذه الخوصصة أصبحت في حد ذاتها سياسة، إذ لا يمكن علاج كل حقل من هذه الحقول منفردا ولا يمكن أن يعالج بطرح شعار الإصلاح، لأن الذي أفسد لا يمكن أن يصلح. إذن فالقول بأن أولوية لاقتصاد هو كلام ماركسي ليس إلا قول باطل، فنحن نتحدث عما يسمي الغزو الفكري . الغرب لا يتحدث عن فرض نموذجه علي الإطلاق إنما هو يعلم سلفا انه قد نجح في تغيير البناء الاقتصادي للبلاد العربية.

فالتحولات في كافة الأصعدة وكافة الأبنية ستحدث تلقائيا وهذا ما وقع بالفعل. لذلك أنا ارفض كلمة الإصلاح فلا بد من ثورة شاملة تغير نمط الإنتاج عندئذ ستحل كل المشاكل علي كافة الأصعدة تلقائيا.

ما تفضلت به يعني وجود نوع من العطب في قراءة الماضي سواء كان نصوصا أو وقائع أو شخصيات. هل هذا العطب هو المسؤول عن وجود طرفي نقيض الآن في المجتمعات العربية: طرف يتحمس إلي الاندماج في العولمة و طرف ثان يتحمس للانغماس في الماضي ومحاولة استعادته وتكراره؟

كلاهما يؤدي إلي نفس النتيجة ويفضي إلي الاغتراب. الاغتراب في الماضي والاغتراب في الآخر. هذا معناه غياب هذا المغترب لأنه يلغي نفسه. الاتجاه إلي الماضي أو محاولة العودة بالماضي إلي الحاضر مستحيلة. هذه مقولة علمية حقيقية، قانون جدلي. الاغتراب في الآخر طامة كبري.

صحيح أن الآخر أمور مشتركة إنسانية عامة مثل التقدم العلمي التقني. هذه ملك للبشرية جمعاء. وحتي مجددو عصر النهضة العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كالطهطاوي ومحمد عبده والأفغاني والكواكبي لم يجدوا غضاضة علي الإطلاق في اللحاق بالغرب عن طريق الاستفادة من علومه، وليس هذا اختيارا ذاتيا وإنما الإسلام نفسه يحث علي ذلك. إذن العودة إلي الماضي بالشكل السائد معناها إلغاء الواقع كلية وإلغاء الحاضر معا.

الاغتراب في الآخر هو استعارة ثقافة الآخر، وهي رداء فضفاض لا يناسب الجسد العربي النحيل علي سبيل، لأن قضايا الغرب غير قضايانا، ومشاكل الغرب غير مشاكلنا واهتماماتهم وهمومهم غير اهتماماتنا وهمومنا. فهم سبقونا إلي ترسيخ الأساسيات. نحن ما زلنا نعارك مرحلة التأسيس، فكيف لك أن تستعير منهم بشكل حرفي. مثل الجوعان الذي يصر علي أن يلبس حلة من كرستيان ديور ، سيبدو فيها كالغراب الذي أراد أن يقلد الحجلة في مشيتها فصار أقبح الطيور مشية. لكن هذا لا يعني عدم الانفتاح علي كل الثقافات، تلبية للجانب المعرفي بطبيعة الحال ولأنك تعرف نفسك من خلال معرفة الآخر. بهذا المعني فإني لا أصادر علي معرفة الماضي ولا علي معرفة الآخر، لأن هذا سيفيد في معرفة الذات حتي لو كان هناك تناقضات، فبضدها تتميز الأشياء. لكنني أصادر علي أن أتخلي عن ذاتي وأن ألبس ثوب جدي أو ثوب غريمي.

دعنا نفصل قليلا في هذه الثنائية ونبدأ بطرفها الأول الذي يتجسد في المحمسين للعولمة، أليس من المفارقة أن يتبني النظام العربي الرسمي هذا الشعار، وهو الذي يستمد شرعيته من الماضي؟

ليست مفارقة لأن العولمة مفروضة عليه فرضا. وأنا لا أبرئ معظم النظم العربية من كونها عميلة ولا مانع باتهامها بالخيانة، لأنها تعي ما تفعل وتدرك خطورة ما يجري. إن تجربتها مع العولمة أدت إلي نتائج كارثية، ومع ذلك هناك إصرار علي مجاراتها. فالسؤال هنا ليس مسألة عدم فهم للمجريات بقدر ما هو تنفيذ لمخططات غربية. هناك نوع من العمي أدي إلي عدم إدراك خطورة ما يجري. لا شك أن السلطات الحاكمة في العالم العربي تعي المشاكل وتعرفها كلية، وان كانت لا تعرفها فذلك أبشع. لكن الأمر يتعلق بمخطط غربي لمزيد من الاستغلال المنظم سيترتب عنه إلغاء الوجود في حد ذاته تنفيذا لمخطط سابق. صحيح أن هناك ثورة معلومات والعالم أصبح كما يقولون قرية صغيرة، وينبغي الاستفادة من كل هذا والانخراط فيه.

أليس من الغريب أن المتحمسين للعولمة في العالم العربي يضعون نصب أعينهم النتيجة، ولا يراعون الصيرورة. لأن العولمة في الغرب هي نتيجة صيرورة تاريخية تعتمد أساسا حرية الاختيار والديمقراطية في حين أن الأنظمة العربية في اغلبها هي أنظمة غير ديمقراطية؟

للغرب أطماع في العالم العربي، والأطماع كما علمنا تاريخ البشرية كله لا بد أن تغطي بشعار. فالمعني الحرفي لكلمة الاستعمار أن جيوش الدول الغربية جاءت لتعمر، لكنها في الحقيقة جاءت لتستنفد كل الطاقات. العولمة شعار فضفاض، عولمة ماذا؟ هناك قيم إنسانية رفيعة وثابتة ومشتركة بين البشر. هل يلحون عليها؟ العولمة تعني المزيد والمزيد من تحقيق أهداف إستراتيجية، وربما لن أكون مبالغا إذا اقتصرت علي قضية الطاقة. إن الإلحاح علي العالم العربي هو بسبب البترول ولذلك فإن امتداد النفوذ الأمريكي والمشاكل التي تثار سواء كانت طائفية أو إثنية أو إقليمية كلها سببها منابع البترول.

غطاء العولمة يكمن في ثورة المعلومات وانتشار الفضائيات. اما الأبعاد والأسباب الخفية الحقيقية المختبئة داخل ستار العولمة فهي الأمر الذي يجب أن نفطن إليه. أمريكا في مواقفها الثلاثة في حرب العراق وفي حرب أفغانستان و في حرب لبنان تريد العودة بعجلة التاريخ إلي الوراء إلي مرحلة الاستعمار الاستيطاني وهذا غباء من السياسة الأمريكية. السؤال من الذي يساندها؟ الذي يرفع شعار العولمة إذن هو ضد الشعوب. العولمة تستخدم كشعار زائف، والمنساقون وراء هذا الشعار هم من النخبة، من الانتلجسية ويعرفون خطورة كل هذا بالضرورة ولكن الكثير منهم أسس لهم الغرب وأمريكا مراكز الأبحاث،ويتقاضون رواتب خيالية. فمركز ابن خلدون علي سبيل المثال في مصر يقوم بدور الجاسوسية المعلوماتية الجديدة تحت دعاوي الأكاديمية والبحث العلمي في قضايا الزواج والطلاق والختان... قد تبدو هذه موضوعات محايدة لكنها ذات دلالة مهمة جدا في خدمة مشروع الهيمنة الأمريكي الصهيوني.

الوضع الذي يمر به العالم العربي الذي أدي إلي احتلال بلد عربي هو العراق إضافة إلي فلسطين، هل يمكن رد أحد أسبابه إلي تخلف المثقف العربي عن دوره الذي كان إلي حدود الستينيات دورا رائدا؟

يمكن تصنيف المثقف العربي إلي ثلاث درجات أو ثلاثة أصناف: صنف قرأ الواقع وأدرك معطياته وأصيب باليأس، فنزح وهرب إلي الخارج. والشعوب العربية التي من دمائها ومن عرقها بنته وعلمته وأصبح قادرا علي العطاء، كأنها تقدمه للغرب مجانا. وصنف اشترته السلطة. وهذا الصنف للأسف يؤكد أن هناك أزمة بنيوية في تكوين المثقف العربي فالسلطة تغريهم بالسلطة وبالمال وبالجاه وبالمناصب والوظائف الكبري، فيصبحون خدام السلطة بمعني أنهم باعوا أنفسهم ومن باع نفسه فقد باع وطنه. الصنف الذي ما زال قابضا علي الجمر نتيجة المعاناة ونتيجة الحصار أصبح مشلولا من الداخل. المثقف العربي الملتزم الآن يأكل نفسه هو يري ما يجري ويعني بما يجري ويعرف عواقبه الوخيمة وتداعياته السلبية ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا لأنه معزول بل هو مهدد في كيانه نفسه. إن الذي حدث نتيجة الخوصصة هو القضاء علي الطبقة الوسطي التي هي الطبقة الدينامية الحركية التي تقود حركة الاقتصاد. معظمها انحدر إلي الطبقة الدنيا وقلة منها أصبحت أرستقراطية مساندة للنظام ومشاركة له. والكتلة الجماهيرية هي التي تعاني الآن وتعاني دون قيادة ودون نخبة ودون طليعة ودون انتلجينسيا فتحدث حركات عفوية هنا وهناك.... نتيجة مرارة العيش ومشاكل الحياة الضارية. فالشعوب متروكة لقدرها لكن مع ذلك أتصور أن هؤلاء الجياع عندما يصلون إلي حد الصراع سيأكلون كل شيء وخصوصا انه بعد حرب لبنان الأخيرة ظهر أن النمر الأمريكي نمر من ورق وثبت بالواقع أن إمبراطورية الينكي، إمبراطورية راعي البقر ولدت ميتة في ضرباتها الأولي رغم أن الضربات كانت في حلقات ضعيفة ومنتقاة مثل العراق الذي حارب إيران ثماني سنوات والذي حوصر عشر سنوات اقتصاديا فهزمت وضربت هنا في القلب إذا فالإمبراطورية الأمريكية ولدت موؤودة . إسرائيل التي صورها معظم الحكام العرب المشارقة أنها قوة لا تقهر استطاع حزب الله أن يقوض أسطورتها فهزمها وحرر لبنان من قبل . غزة أيضا لم ينسحب منها اليهود هكذا تلقائيا وإنما حركة المقاومة الفلسطينية أرغمتها علي ذلك. وكمؤرخ أقول كل التاريخ يشهد علي انه ما من شعب قاوم إلا وانتصر.

ولكن التخوف الذي يبديه الكثير من المتحمسين للتغيير من أمثالك هو بروز قوة تستغل هذه الوضعية اليائسة للمواطن وتخلف المثقف العربي عن أداء دوره من أجل فرض تصور ماضوي سلفي...

إن بروز هذه القوي مرتبط بالقوي الأخري. القوي الأخري لا وجود لها، قوي المعارضة هي الأخري لا وجود لها. فهي إما مدجنة أو باعت نفسها بحكم أن كثيرا من أحزاب المعارضة عبارة عن صحيفة ومركز للحزب متعاون مع النظام أو غير متعاون. الفراغ السياسي هو الذي يجعل الدين يتحول إلي سياسة، وخاصة لدي شعوب تفتقر للوعي، ونتيجة انتشار اليأس. فأتباع الأصولية يقولون: نحن فشلت طموحاتنا في الدنيا فلنراهن علي الآخرة. وهذا الذي يعطي زخما لمثل هذه الجماعات الأصولية الدينية. ومع أن قوة تلك الجماعات مبالغ في تقديرها فإن عناصرها يقومون علي صعيد الواقع العملي بحل بعض المشاكل اليومية البسيطة، لأن معظمهم عاشوا في الخليج بعد عبد الناصر، وكونوا ثروات وعندهم موارد مالية كثيرة ربما تأتيهم من جهات أخري لا إسلامية. لا ينبغي تضخيم دورهم لسببين:

السبب الأول أن الدولة التيوقراطية سقطت في الإسلام منذ ما بعد الخلفاء الراشدين وقد عبر عن ذلك عمر بن الخطاب ببراعة جردوا القرآن وأقلوا في الروايات عن محمد . نحن أمام واقع جديد. أما النظام الأموي والنظام العباسي والنظم العسكرية التي حكمت العالم الإسلامي حتي مشارف العصر الحديث، فإنها أبعد ما تكون عن الدولة الإسلامية، وإن ادعت ذلك لاكتساب نوع من المشروعية. أما السبب الثاني فيمكن أن نعود إلي ابن خلدون الذي نص في المقدمة علي أن رجال الدين ابعد الناس عن السياسة. هذه القوي كلها غائبة في الماضي فكيف تستطيع حتي إن وصلت للسلطة أن تعرف واقعها الحالي. وشتان ما بين تاريخ الماضي الذي كان يتسم إذا ما قيس بالمجريات الحالية بالبساطة الشديدة جدا والمجتمع المعاصر المليء بالتعقيد. ما يؤكد أنهم أبعد الناس عن السياسة أنهم يريدون إحياء الماضي دون أن يعرفوا حقيقة هذا الماضي، وللأسف أنهم يراهنون علي التواريخ الممعنة في السلفية من خلال استعادة الدولة العثمانية، أو عصر الرسول وعصر الخلفاء الراشدين وهذا عصر ما زال بكرا، وعبقرية عمر في انه انفتح واخذ من النظم الأخري البيزنطية والفارسية وغيرها.

هؤلاء الأصوليون لن يأخذوا بالنظم الغربية المعاصرة لأنها في نظرهم كفر وحامل الكفر كافر. ومن هنا فإن هذه العقلية المتخلفة عاجزة عن تدبير شؤون المواطن ولذلك كتب ابن خلدون أن رجال الدين ابعد الناس عن السياسة .

ولكننا مع ذلك نلاحظ أن هؤلاء يشوشون علي ما تعرفه بعض البلدان العربية من تجارب ديمقراطية؟

هؤلاء يتلاعبون بكل شيء، يتحالفون مع الشيطان. يقولون مثلا إن علي المرأة أن تعود إلي المنزل والحجاب والخمار ولا تظهر لأحد. عندما يحين موعد الانتخابات يجندون النساء لكسب الأصوات. يحركهم هدف واحد هو الوصول إلي الحكم. باسم الدين يريدون الدنيا. يرفضون الديمقراطية ويدعون إلي الشوري. الشوري مبدأ فضفاض ليس نظاما قائما بذاته. فعبقرية النظام الديمقراطي أنه يتسم بالمرونة، إنه يحقق مقاصد الشرع وهي العدل أو المصالح بغض النظر عن أية صيغة كانت. وقد كان عبد الناصر يقول شريعة العدل هي شريعة الله . الفرنسيون لديهم نظام ديمقراطي جيد، وفي السعودية نظام أسري عشيري...فما هو النظام الأقرب إلي روح الإسلام؟

الاصولية الاسلامية

يصنف الأصوليون عادة إلي معتدلين ومتطرفين، وتبعا لهذا التصنيف يتم التسامح مع من يسمون المعتدلين بناء علي تقبلهم لمبادئ الديمقراطية والحداثة. علي أي أساس يقوم هذا التمييز، وهل هناك فعلا أصوليون معتدلون وآخرون متطرفون؟

هذا التصنيف ينطوي علي مغالطة، وكل من هو أصولي متطرف بالضرورة. وما يسمي بالاتجاه المعتدل يتموقع في نفس الخندق مع الاتجاه المتطرف. وإنما هو نوع من توزيع الأدوار، أو التكتيك السياسي الناتج عن تماسك التنظيمات الأصولية، مع أن الأصوليين يفتقرون إلي برنامج واضح. وهذا ما يجعل خطابهم متناقضا ومهزوزا.

ما نشاهده من امتداد للأصولية في العالم العربي، هل يتحمل مسؤوليته بعض المفكرين الذين يقفون علي الطرف النقيض برفض كل ما يمت إلي الدين بصلة؟

نعم هناك دور واضح لبعض المثقفين العرب في كل هذا. فبعض العلمانيين و اللبراليين يقفون موقفا معاديا من الدين الإسلامي، ويتقاعسون في البحث عن جوانبه المضيئة. فالإسلام إن أحسنا قراءته هو دين منفتح. وإذا كان شعار المسيحيين هو ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، فإن في الإسلام جانبا غيبيا موضعه الإيمان، وجانبا واقعيا عالجته أصول الفقه وفق المصالح المرسلة ومقاصد الشريعة. فالإسلام لم يضع صيغة معينة للحكم لأن الله سبحانه وتعالي يعلم أن العالم في تغيير وان قانون الحركة والصيرورة دائما هو مستمر وان ما يصلح الآن قد لا يصلح فيما بعد. وظاهرة الناسخ والمنسوخ هي استجابة لمجريات الواقع المتغير. فالمسألة هنا أن شريعة العدل شريعة الله أن تحقق العدل أن يكون الحكم مسؤولية أن يراعي الحاكم ضميره ويراعي شعبه ويراعي عناية الله وهذا لا يتعارض مع الإسلام علي الإطلاق.

اعادة قراءة الاسلام

نحن إذن بحاجة إلي إعادة قراءة الإسلام انطلاقا من أهداف محددة، والاستفادة منه كي لا يبقي حكرا علي الأصولية. ما هي العناصر التي تقترحها لإنجاز تلك القراءة؟

خطأ العلمانيين واليساريين العرب يكمن في أنهم يتخذون موقفا مضادا من الدين وفي هذا إخلال بالفهم الصحيح للماركسية. فعندما كتب ماركس أن الدين أفيون الشعوب كان يقصد بذلك توظيف الميتافيزيقا في عرقلة التطور من طرف الكنيسة والبابوية. وبالنسبة إلينا نستطيع توظيف الدين دون مماحكة ما دام الدين يخدم الواقع ويسهم في تطويره. كل التجارب الماركسية في العالم العربي تدعي أنها تملك الحق والحقيقة، إلا أنها معدومة الصلة بالجماهير. الماركسية تقول لك اقرأ الواقع واعرف قوي الواقع واعرف ثقافة الواقع واعرف ذهنية الواقع وتعامل معه التعامل المناسب هذه هي الماركسية.

كلامك عن الماركسية يحيلنا إلي سؤال جوهري عن مصير الحركات الاشتراكية في العالم العربي؟

في المرحلة الناصرية قدمت الحركة الاشتراكية صيغة وأنجزت إنجازات وكان لها ايجابيات ولها أيضا سلبيات.... هذا النظام وغيره من الأنظمة التي جربت الاشتراكية اصطدم بالاشتراكية العلمية. والآن نحن مطالبون في العالم العربي بمراجعة شاملة للاشتراكية علي غرار المراجعات التي حدثت في أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وذلك بطريقة تؤدي إلي فهم سليم للواقع العربي. فدون فهم للواقع فإننا نخون الماركسية لأنها تدعو إلي الواقع ومعرفة الواقع والتعامل معه بشكل علمي.
الاشتراكية العربية

إسهاماتك كثيرة في الكتابة عن الاشتراكية في العالم العربي، وما راكمته من أبحاث في هذا المجال يجعلك في مقدمة الاشتراكيين العرب. أما زال حلم الاشتراكية يراودك، وبأية صيغة يمكن أن يتحقق ذلك الحلم في العالم العربي؟

في عام 1991 أو 1992 كنت في الكويت وكان الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية قد سقطا فكتبت في صحيفة الوطن ثلاثة مقالات بعنوان مستقبل النظام العالمي الجديد، تنبأت فيها بان أمريكا سيحدث لها ما حدث الآن. مع اختلاف في بعض التفاصيل، إلي حد أن احد الأصدقاء وهو رئيس تحرير مجلة ثقافية اسمها أوراق جديدة لما أطلعته علي هذه المقالات الثلاثة، أعاد نشرها كما هي تحت عنوان تحقق نبوءة مؤرخ . أنا أؤمن أن حركة التاريخ تسير صعدا. قد تتوقف في لحظة، قد تنكسر، قد تعود القهقري. لكنها في التحليل الأخير ستسير صعدا.. إن الصعود في حركة التاريخ مرتبط بمبادئ وسياسات تخدم الإنسان وتتبني هموم الإنسان.ربما كنت الماركسي الوحيد الذي لم يصب بالإحباط نتيجة سقوط الكتلة الشرقية، لأني أري أن هذا النظام الرأسمالي الذي انبهر به الجميع، فأعجبوا بالجنز والكوكاكولا والحرية والديمقراطية.... يحتاج إلي تعرية. ولما انقرض نظام القطب الثنائي بانت الحقيقة وتعري النظام الرأسمالي كلية. فأضحت الديمقراطية في السياسة الدولية تعني الكيل بمكيالين. وضاعت حقوق الإنسان في الحروب الوحشية وسجون الاحتلال. أنظر الآن ماذا يجري؟ أحزاب الكتلة الشرقية السابقة تفوز في معظم الانتخابات، وفي كل مكان من العالم تنبع القوي الاشتراكية .... فالماركسية التي تتعامل مع مستجدات ومتغيرات ومعطيات الواقع تحقق نتائج. وهناك أمثلة علي هذا من أمريكا الجنوبية من بوليفيا والبيرو، حتي البرازيل والأرجنتين.

ما هو السيناريو الذي تتخيله لتحقيق الاشتراكية في العالم؟

من المنطقي في إطار المعطيات الحالية أن البشرية قد نضجت وأن الوعي الإنساني رغم اختراق العولمة قد تبلور. وهذا ما تفسره الاحتجاجات ضد الاجتماعات الخاصة بالمنظمات الاجتماعية الاقتصادية العالمية، وكيف تواجه تلك الاجتماعات خاصة لما يزور أي رئيس للولايات المتحدة دولة من الدول ولو كانت تنتمي إلي الغرب نفسه. أتصور أن هذا النضج في حد ذاته ينبئ بمعطيات جديدة ذات طابع إنساني. ما هي الصيغة إذن وما هو السيناريو لتحقيق الاشتراكية؟ لقد بدا حاليا أن العولمة بمفهومها الحقيقي انكسرت وهزمت. وهذا يعني أن القوي الجديدة التي ظهرت نتيجة ما حدث من تضبيط للوعي في الخمس عشرة سنة الأخيرة بعد هيمنة الولايات المتحدة تحتاج إلي مراجعات. إن التغيير لن يتم بين يوم وليلة لأن التاريخ يقول إن الطاقات الكبري والتحولات قد تستغرق قرنا أو نصف قرن، ومع وعي البشرية وبلوغها مرحلة النضج يمكن أن تختزل هذه المسافة الزمنية إلي حد كبير وتتحقق الانعطافة الكبري لصالح الإنسان.

لاحظ يا دكتور أنك ترادف بين الاشتراكية والإنسانية؟

كل ما هو عام هو بالضرورة إنساني، حتي الأديان الوثنية تنطوي علي بعد الإنسان: الزردوتشية والبوذية....ناهيك عن الأديان التوحيدية كالمسيحية واليهودية والإسلام. إنها تحمل أمنية البشرية. وهذا يعبر عنه الإسلام، فعندما خلق الله الإنسان واستخلفه علي الأرض، فعل ذلك لرسالة ما هي للعمران وهل يمكن أن يتعاظم العمران بنواميس وقواميس وأوضاع وسياسات ضد الإنسان؟ الماركسية تتحدث عن الصراع والصراع معناه الحركة ومعناه التغيير. هذا يسمي في الإسلام نظرية الدفع.

والدفع هنا مرتبط بالفساد (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) وبعد ذلك يحدث ضرورة الصراع (ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)... إن للإنسان رسالة هي عمران الكون. ولا يتم والعمران إلا بأداته وغايته ومقاصده التي هي الإنسان حتي إذا تحقق هذا الفردوس تكون نهاية العالم. وأنا كمؤرخ رغم يجري من انتهاك للإنسانية وفساد علي المستوي الدولي وعلي مستوي النخب وعلي مستوي الحكومات وعلي مستوي السلطات، إلا أني اعتبر الفساد في الكون عابرا، وأن غاية الإنسان هي التي تتحقق في التاريخ ولا تتحقق إلا بالصراع والماركسية قدمت الصيغة العلمية للصراع.

مستقبل الاشتراكية

وكيف تنظرون إلي مستقبل الاشتراكية في العالم العربي؟

الأمر يحتاج إلي فترة أطول لأن العالم العربي مكبل بنظم متجذرة ومعمقة في ارتباطها بالغرب وبأمريكا علي نحو خاص. أتصور الآن أن هزيمة أمريكا تجعل معظم الحكام العرب يخافون علي عروشهم. أما النتيجة وعلي صعيد تبني الاشتراكية بالذات فإن ذلك يحتاج إلي وقت طويل. في انتظار انتصار الاشتراكية في العالم بحيث يصبح الجو العام اشتراكيا. ومن المؤكد أن رياح التغيير سوف تعم العالم العربي أيضا، ففيه قوات كامنة، وفيه عقول مثيرة للنزعات الإنسانية وفيه أديان تدعو إلي الإنسان. وإذا جاز لي أن استشرف فإن الاشتراكية في العالم العربي ستأتي في مرحلة لاحقة.

ألا تري بان ربط الاشتراكية بالإنسانية يضمر نوعا من الطوباوية ومن التعميم قد يفقد الواقع خصوصيته؟

كل هذه المقولات هي منطلقة من الواقع ومن شاهد عيان هو المؤرخ. وأزعم أني لست مؤرخا غبيا، ولست مؤرخا أكاديميا فحسب، إنما أنا مهموم بهذه القضايا وأشارك فيها علي المستوي العربي وربما علي مستوي الوطن وربما علي مستوي المحافظة وربما علي مستوي القرية التي أعيش فيها في مصر. بهذا المعني أنا فاعل سياسي وثقافي أتتبع الأمور بما تستحقه من الدقة لكي تكون قراءتي للوقائع مضبوطة. ولذلك ليس صدفة أن أنضم إلي حركة كفاية في هذه الأيام، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن أحاضر مرتين أو ثلاثا حتي في القري النائية لان هذا دور المثقف والمؤرخ الواعي والملتزم والمهموم بالإنسان وقضايا الإنسانية.

من الكتب المتوفر له وجدت هذه المجموعة من موقع مكتبة المصطفى

الإسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين - محمود اسماعيل

فكرة التاريخ بين الإسلام والماركسية - محمود اسماعيل

وثلاث كتب تدور حول القضية التي أثارها حول أصالة فكر ابن خلدون وعلاقته بفكر إخوان الصفا

نهاية أسطورة نظريات ابن خلدون - محمود اسماعيل

هل انتهت أسطورة ابن خلدون - محمود اسماعيل

إخوان الصفا رواد التنوير في الفكر العربي - محمود اسماعيل

الإبحار في ذاكرة الكتابة - ابراهيم جاد اللـه - تقديم محمود اسماعيل
http://www.4shared.com/file/16321018/ada84...al_kitabah.html

الكتاب عبارة عن دراسة أدبية نقدية لمجموعة من الروايات قدم لها محمود اسماعيل