{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
حرب من أجل قواعد جديدة للعبة
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #1
حرب من أجل قواعد جديدة للعبة
عماد فوزي شُعيبي

مع ما يجري اليوم في لبنان من عمل عسكري فتح المنطقة على كل الاحتمالات، فإن على من يتابع الأمر أن يتمتع بعقل بارد، لرؤية الأمور بلغة السياسة، لأن المنطقة تسير بمكاسرة إرادات بهدف تغيير قواعد اللعبة وفرض "ستاتيكو" جديد فيها.

فيوم انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان يوم 24 مايو/أيار عام 2000 بعد تواجد دام عقدين، كان ستاتيكو وقواعد لعبة قد فرضا بين حزب الله وإسرائيل، وهو ستاتيكو حاول الإسرائيليون بعد عامين ونصف من الغزو، إيجاد مخرج لهم منه.

ففي 14 يناير/كانون الثاني 1985 جاء تصويت الحكومة الإسرائيلية لصالح الانسحاب في غضون بضعة أشهر بنسبة 16 إلى 6 ولكن هذا القرار أثار عاصفة سياسية عندئذ.

وكان إسحق شامير نائب رئيس الوزراء في حكومة الائتلاف القومي قد صرح بأن قوات الدفاع الإسرائيلية لن تنسحب من لبنان بدون ضمانات أمنية حتى لو استغرقت الترتيبات لذلك سنوات.

ورفض شامير خطة هيئة الأمن الإسرائيلي للانسحاب من لبنان واعتبرها استسلاماً، إلا أن هذا ما قد حدث عند انسحاب الإسرائيليين في عام 2000 إذ خرجوا بدون ضمانات أمنية ما خلا الخط الأزرق الذي لم يمنع من فتح الصراع مرة أخرى وإن بصورة أقل، وذلك عبر مزارع شبعا، خاصة أن بقاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قد دفع اللبنانيين لإبقاء الصراع مستمراً.

الإسرائيليون -كما يقول دانيل سوبلمان- يرون أن انبثاق هذا البعد الشيعي المرعب لنشاطات عسكرية ضد إسرائيل من لبنان يمكن وصفه كما وصفه إسحق رابين وزير الدفاع حينذاك بالقول "إنه إحدى مفاجآت السلام في حرب الجليل. يبدو وكأن جنيّ الشيعة قد انفلت من الزجاجة بطريقة لم يتوقعها أحد… إن الجماعة الدينية الأكثر إهمالاً في لبنان تغتنم الفرصة فجأة لتحارب في سبيل دورها في المجتمع اللبناني بتوحيد مصالح الشيعة من خلال ممارسة الإرهاب ضد قوات الدفاع الإسرائيلية".

وعندما جاء الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000 حل حزب الله في الصورة الإستراتيجية الإسرائيلية باعتباره ظاهرة فريدة من نوعها، إذ هو تنظيم ذو نفوذ هائل دون المسؤوليات والقيود التي تميز الدولة ذات السيادة، وهو منذ الانسحاب أصبح مجهزاً بآلاف من قذائف الكاتيوشا والصواريخ طويلة المدى مما زاد الاهتمام في إسرائيل بشأن نواياه.

كانت الصورة العامة عن حزب الله في إسرائيل أنه تنظيم ينتظر الفرصة السانحة لفك الوثاق عن قدراته الإستراتيجية.

وبذلك تحول حزب الله إلى عامل ردع أساسي كان على إسرائيل أن تضع في حسبانها ردود أفعاله على التطورات الحاصلة في المنطقة.

وكانت هنالك تخمينات للاستخبارات الإسرائيلية في عام 2002 مثلا بأن حزب الله يهيئ لإسرائيل كميناً إستراتيجياً سيؤدي إلى فتح الجبهة الشمالية، ويبدو أن هذا الكمين قد وقعت فيه إسرائيل بعد أربع سنوات من الانتظار وإثر تحولات إقليمية.

لقد أرسيت قواعد لعبة بين إسرائيل وحزب الله تمثلت في منظومة من الاضطرارات التي صاغت قواعد اللعب وهي حسب الإسرائيليين تتضمن ثلاثة مبادئ:

أ- اعتراف بالخط الأزرق الذي قررته الأمم المتحدة على أساس القرار 425، الأمر الذي يمنع النشاط -المعلن على الأقل- لحزب الله على طوله، وفيما وراءه.

ب- مزارع شبعا متروكة للنشاط العسكري للمنظمة بصفتها أرضا محتلة.

ج- مبدأ "العين بالعين" الذي يقضي بأن يرد حزب الله على إسرائيل بأعمال مشابهة لتلك التي تنفذها.

وعند دراسة الإسرائيليين عنصراً من عناصر اللعبة، وهو الاعتراف بالخط الأزرق، يرون أنه عندما رسم رجال الأمم المتحدة خط الحدود الجديد بين إسرائيل ولبنان إثر انسحاب إسرائيلي، رفض حزب الله الاعتراف بشرعية الخط المقرر، ذاك الخط الذي تسميه الأمم المتحدة الخط الأزرق.

غير أن حزب الله تعامل عملياً مع الخط الأزرق وحصر نشاطه المبادر المعلن ضد إسرائيل داخل لبنان في قاطع مزارع شبعا فقط.

وعلى هذا فقد غدت مزارع شبعا كساحة عمل شرعية بتقاطع للمصالح منوط بأن يعمل حزب الله وفقا لمقاييس محددة، تقلص حتى الحد الأدنى مخاطر المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وسوريا.

في الأشهر التي سبقت الانسحاب تراكمت في أوساط المحافل الاستخبارية في إسرائيل شهادات عديدة تشير إلى نوايا حزب الله في طرح استمرار وجود إسرائيل في القرى اللبنانية السبع التي ضمت إلى إسرائيل كذريعة لمواصلة الكفاح المسلح.

غير أن القرى حسب الرؤية الإسرائيلية هي (قدس وملكية والنبي يوشع وهونين وصالحة وتربيحا، وابن القمح) اعتبرت في المقياس الإسرائيلي قرى إسرائيلية.

بحكم الأمر الواقع والنشاط ضدها إشكالي ومحمّل بالمخاطر، وهي لعبة اختار حزب الله ادخارها بذكاء للمرحلة القادمة، أي لمرحلة ما بعد مزارع شبعا.

ويتساءل الإسرائيليون لمن بالتالي الكلمة الأخيرة في مسألة النشاط العسكري لحزب الله ضد إسرائيل؟، والجواب لديهم الذي يستدعي رؤية معمقة أيضاً أنه لا يوجد جواب تام أو واضح على هذه المسألة.

العنصر الثاني في قواعد اللعبة هو نار مضادات الطائرات "العين بالعين"، وحسب هذه القواعد فإن حزب الله لن يخرج عن نطاق نشاطه المعلن إلا على سبيل الرد "العين بالعين" ضد نشاط إسرائيلي في الساحة اللبنانية أو تصعيد استثنائي في ساحة المواجهة مع الفلسطينيين، والهدف هو تنفيذ قاعدة "القدر بالقدر".

بمجرد نشوء "قواعد لعب" كان ثمة ما يشدد احتمال أن يبقى الهدوء النسبي على مدى أبعد.

ومع ذلك فإن احتمالات نشوء "اتفاق سلبي" (أو جنتلمان) بين إسرائيل وحزب الله ووضع "آنية" متواصلة ومستقرة نسبيا، من شأنه أن يثقل على عدة عوامل وعلى رأسها استمرار نشاط حزب الله ضد إسرائيل.

كما أن حزب الله لا يرد بالضرورة بشكل تلقائي على كل عملية إسرائيلية يعتبرها في نظره خروجا عن قواعد اللعب، لأن عقلانيته كانت تدفعه لحسابات معقدة.

قد عمل حزب الله على مستويين: محاولة الحفاظ على ردعه كي يحمل إسرائيل على الامتناع عن الهجوم، والاستعداد لكل تطور.

حاول الإسرائيليون منذ أربعة أعوام فرض قواعد جديدة للعبة بمنع مبدأ العين بالعين أو القدر بالقدر، وذلك بمحاولة زج سوريا في توقعات الرد على رد حزب الله على استباحة إسرائيل للبنان في غير مكان جوا وبرا وبحراً رغم ما يسمى بالخط الأزرق.

فحاولوا التهديد بأن أي عمل من حزب الله ومن ثم من قبل حماس والجهاد الإسلامي سوف يؤدي إلى الرد على الطرف السوري، فكانت العملية على الرادار السوري -حيث لم يوفر حزب الله الفرصة للتذكير بمبدأ العين بالعين بتدمير رادار إسرائيلي- (رادار مقابل رادار).

وكان الهجوم على عين الصاحب قرب دمشق لمحاولة ترسيخ قاعدة جديدة وغريبة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية المضطربة وهي "حماية العمق الإسرائيلي بالعمق السوري".

لم تفلح هذه القاعدة لأنها كانت من النوع غير المبتكر من ناحية التغطية الدولية، رغم تغطية الولايات المتحدة لإسرائيل بصورة مستمرة.

لكن أوروبا وروسيا والصين كانوا ينبهون إلى أن الاستمرار فيها يعني انفجاراً شاملا، مما جعل إسرائيل تعتمدها ظاهراً ولا تستخدمها فعلاً.

بعد سقوط البرجين في نيويورك وسقوط بغداد انفرد الإسرائيليون بالفلسطينيين وحاولوا تغيير قواعد اللعبة بالقضاء على أوسلو ثم قتل السياسيين إلى استباحة الحصانات ... وحاولوا مراراً تغيير قواعد اللعبة مع حزب الله وسوريا، بحرب من طرف إسرائيل ممنوعة على الآخرين وسلام غير وارد في الأجندة الإسرائيلية أي (لا سلم والحرب من طرف واحد).

وكان الطرف الآخر على قناعة بأن المعادلة ليست في مصلحته على المدى البعيد ويريد اغتنام الفرصة الدولية – الإقليمية للعمل.

جاءت الفرصة بقراءة عميقة اليوم للفويرقات:

1- الولايات المتحدة تريد إستراتيجية خروج من العراق بعد إدراكها واقع المستنقع الذي سقطت به، وسوريا تعلن الاستعداد للمساعدة في خروج المحتل، إلا أن الأميركيين يتساءلون كيف؟

2- مأزق المشروع النووي الإيراني والانقسام الدولي حوله لا يفسح في المجال أمام الالتفات نحو مشكلة انفجار في الشرق الأوسط بدعم -إلى آخر حدّ- لتورط إسرائيلي في جبهة مفتوحة.

3- إسرائيل لا تستطيع أبداً أن تخوض حروباً على أكثر من جبهة.

جر حزب الله إسرائيل إلى مواجهة مفتوحة عبر:
1
- إعادة قواعد اللعبة إلى المربع الأول حيث القدر بالقدر والعين بالعين و... زيادة بقيمة مُضافة لصالح حزب الله.

2- نسف المبدأ الأساسي في العقيدة العسكرية الإسرائيلية وهو نقل الحرب إلى أرض الآخرين. وأصبحت مناطق هادئة منذ عام 1949 خارج حدود مناطق الصدام الكلاسيكية.

3- لا منطقة محددة للصراع طالما أن إسرائيل تجاوزت قواعد اللعبة واستباحت العمق والسيادة اللبنانيين.

4- الصراع رزمة واحدة ولا استفراد لأحد ولا حل إلا بقرارات الشرعية الدولية على مستوى واحد وشامل.

من ناحيتهم يجرب الإسرائيليون إمكانية تغيير قواعد اللعبة بطريقتهم:

1- التجريب لاستنزاف حزب الله واستنفاد قوته.

2- الدفع باتجاه خلق واقع إقليمي ينسجم مع مناخ دولي أفرط في التدخل لصالح إسرائيل وضد المقاومة وسوريا، عبر مجلس الأمن منذ القرار1559، إلى إكمال هذا القرار بقرار يبعد حزب الله عن الحدود ويفرض دخول الجيش اللبناني لمسافة 20 كيلومتراً على الأقل عن الحدود.

3- استحداث شرخ بين حزب الله من جهة والحكومة من جهة أخرى والمجتمع من جهة ثالثة، عبر إنهاك المجتمع اللبناني للدفع نحو تفكيك سلاح حزب الله.

4- دفع الأطراف إلى سلام الأمر الواقع بعد إجهاد الأطراف.

الطرفان يسعيان إلى تغيير قواعد اللعبة وفرض واقع ساكن بطريقته، والسؤال الذي يطرح نفسه لتعيين من سيصرخ أولا في لعبة عضّ الأصابع، بغض النظر عن الصراع على المستوى الدولي الذي سيراه مجلس الأمن قريباً، إذ إن معامل الصراع الأساسي هو في الإجابة عن السؤال المحوري المتشعب التالي :

هل تحتمل إسرائيل حرب استنزاف طويلة في عمقها؟ وهل تحتمل إسرائيل أكثر من جبهة مفتوحة في نفس الوقت؟ ثم من هذا الذي يُجرب المجرب؟
ــــــــــــــ
كاتب سوري

المصدر: الجزيرة

07-22-2006, 06:49 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #2
حرب من أجل قواعد جديدة للعبة
تركي علي الربيعو

في سياق العدوان الهمجي الإسرائيلي على لبنان الذي تجاوز كل المتوقع، وقطع مع "قواعد اللعبة" كما جاء على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يلحظ المتابع للشأن اللبناني وللجريمة التي ترتكب في حقه لتحقيق غايات بعيدة المدى بإجماع الكثير من السياسيين، أن هناك منطقين متجاورين ما يزالان يحكمان رؤية اللبنانيين للبنان ورؤية الآخرين للبنان.

الأول يرى ما جرى على أنه "مغامرة غير محسوبة" من حزب الله، وأن لبنان يكفيه ما فيه كما يقول المثل اللبناني الشائع، والمغامرة التي قادتها المقاومة الإسلامية دفعت إسرائيل إلى هدم البنية التحتية في لبنان.

ولا شك أن تلك البنية هي في جوهرها بنية سياحية تدر على لبنان في أشهر الصيف ما يعادل 4 أو 5 مليارات دولار، وهذا من شأنه أن ينعش الاقتصاد اللبناني الذي يمر بمرحلة مديونية لا مثيل لها في الشرق الأوسط تزيد على 40 مليار دولار بفوائد سنوية تزيد بدورها على 3 مليارات دولار.

أضف إلى ذلك العبء الكبير الذي يتحمله ما بات يعرف "بالديمقراطية التوافقية" في لبنان، أي ديمقراطية الطوائف التي نعتها الرئيس الأميركي بوش بالديمقراطية الهشة.

هذا المنطق الذي يقول به كثير من اللبنانيين، يلتقي كما أسلفت مع رؤية الآخر العربي الذي راح يصف ما جرى بأنه "مغامرة غير محسوبة" وأن "المواجهات غير المحسوبة" بحسب أطراف عربية اجتمعت في القاهرة، من شأنها أن تقود إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا ما حصل.

مع أن واقع ما حصل يشير صراحة إلى مرامي إسرائيل البعيدة التي تريد أن تجعل من قضية الجنديين الأسيرين القشة التي تقصم ظهر بعير حزب الله ومن ورائه أطراف أخرى.

لم تنفع الأخ العربي أو الآخر العربي استدراكاته في التمييز بين "المقاومة" و"المغامرات غير المحسوبة" وهو يرى هول الرد الإسرائيلي البافلوفي على حد تعبير الوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين الذي أدان التدمير المنهجي الإسرائيلي للبنية التحتية اللبنانية الذي من شأنه أن يوحد اللبنانيين ضد إسرائيل (معاريف، 1372006).

الطرفان اللبناني والعربي اللذان أدانا "المغامرة غير المحسوبة" لحزب الله، يحكمهما تصور للبنان يتقاطع بقوة ويلتقي مع التصور الإسرائيلي للبنان الذي عبر عنه جيدا السفير الإسرائيلي في مجلس الأمن في جلسته بتاريخ 14-7-2006، حين أصر في خطابه أمام مجلس الأمن على العودة إلى التاريخ القريب للبنان في محاولة منه لتنشيط الذاكرة السياحية عن لبنان.

وبالضبط عاد إلى العام 1975 عندما كان لبنان منارة سياحية وكازينو كبيرا ومحجا لكل القاصدين للسياحة، باختصار وصف لبنان بأنه كان "سويسرا الشرق الأوسط" التي هدمها فيما بعد الإرهابيون الجدد من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين الذين تنكبوا لواء المقاومة ضد إسرائيل.

من هنا أهمية ما تقوم به إسرائيل من حرب على الإرهاب وتدمير للبنية التحتية في محاولة منها إلى إعادة لبنان إلى سابق عهده.

المنطق الثاني الذي يجاور المنطق السابق في عقر داره ويتحداه لا يرى في تصديه للعدوان الإسرائيلي "مغامرة غير محسوبة"، لأن إسرائيل هي التي غيرت قواعد اللعبة، وذهبت تحت تأثيرات وتحريضات أميركية وحتى عربية كما يهمس البعض قياسا على ما يجري في فلسطين من تحريض على حماس، ونوازع شرق أوسطية جديدة إلى تصفية حساباتها مع المقاومة الإسلامية.

وهي إذا كانت شرعت الأبواب للحرب المفتوحة، فنحن -والقول لحسن نصر الله- ذاهبون إلى الحرب المفتوحة.

هذا المنطق يقطع مع الرؤية السابقة التي ترى لبنان ماخورا سياحيا وموضوعا للتدويل، لأن واقع اليوم أي بداية الألفية الجديدة، يقطع مع زمن الحرب الأهلية التي بدأت في العام 1975، ويقطع مع الرؤية السياحية التي تستجدي الآخرين، فلبنان قوي بأبنائه ومقاومته، وها هو يقرن الأقوال بالأفعال.

فما يقوم به العدو من ردود فعل بافلوفية -نسبة إلى بافلوف صاحب تجربة المنعكس الشرطي- ما هو إلا التعبير الحي عن الخوف الذي يستبطن سلوك إسبارطة إسرائيلية فقدت رؤيتها السياسية كما نعتها السيد حسن نصر الله، وغابت عنها المستجدات الحديثة على الساحة اللبنانية، خاصة قدرة حزب الله على التصدي لها ومفاجأتها في عقر دارها، من صفد إلى حيفا وإلى ما بعد ما بعد حيفا كما هدد الأمين العام للحزب.

المنطق الثاني الذي يجسده واقع المقاومة على الأرض، وواقع التصرف الإسرائيلي الأرعن في ضربه للبنية التحتية في لبنان، ظنا منه أن من شأن ذلك أن يحرض الأطراف اللبنانية الأخرى، خاصة جماعة 14 آذار على حزب الله، لم يؤد إلى انقسام الساحة اللبنانية، بين مؤيد للمقاومة وما هو ضدها.

فلا شعار يعلو على صوت المعركة، وهذا ما يفسر هذا التأييد للمقاومة عند زعامات قوى 14 آذار، عند رئيس كتلة المستقبل الشيخ سعد الحريري، الذي وجد نفسه منخرطا في الإرث السياسي الذي تركه والده الراحل رفيق الحريري.

والمعروف عن الراحل أنه رغم تحفظاته على بعض "المغامرات غير المحسوبة" كان مدافعا جيدا عن المقاومة في الوسط الدولي، وكذلك رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وكذلك النائب وليد جنبلاط الذي أدان بشدة السلوك الإسرائيلي، داعيا إلى رص الصفوف لمواجهة الاعتداء الإسرائيلي وصولا إلى موقف التيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون.

في الحوار المشترك حول الإسلام الذي ضم كلا من طارق رمضان وآلان غريش، يروي المدير العام لصحيفة لوموند ديبلوماتيك الحكاية التالية في إطار نقده للذاكرة الانتقائية التي تحكم سلوك الغرب عموما تجاه العالم الإسلامي.

يقول"في الغرب غالبا ما تكون الذاكرة انتقائية، فقد طوينا صفحة الاستعمار وجرائمه باستخفاف يزعجني"، والحادثة التي يرويها هي حادثة دنشواي عام 1906.

ذلك أن عددا من الضباط البريطانيين كانوا قد خرجوا إلى الصيد، وقد أطلقوا رشاش بنادقهم على حمام يربيه الناس، والحال أن فلاحين ساخطين قذفوهم بحجرين أو ثلاثة واحترق أحد البيوت وسارع أحد الضباط إلى طلب النجدة لكنه مات من جراء أزمة قلبية.

ثم وصلت التعزيزات وجرى تنظيم محاكمة، فحكم على أربعة من الفلاحين بالإعدام وشنقوا أمام عائلاتهم وجميع أفراد القرية، وحكم على آخرين بالسجن لمدة 15 سنة، بينما جرى جلد آخرين بلا رحمة.

من وجهة نظر غريش أن هذا شاهد حقا على بربرية مفروضة باسم الحضارة، بربرية دفعت بالفيلسوف البريطاني برنارد شو إلى التساؤل "لنتخيل للحظة أن خمسة جنود صينيين قد قاموا في الريف البريطاني بإطلاق الرشاش على الدجاج الرومي بحجة الصيد فكيف ستكون ردة فعلنا؟"

من وجهة نظر العديد من المحللين أن نهج التاريخ وطاعون الحضارة ما زال يستبطن ويوجه الذاكرة الانتقائية لإسبرطة إسرائيلية، وكذلك الإدارة الأميركية في رؤيتها المنحازة كليا لإسرائيل.

وهذا ما يدفعهما دائما إلى الهروب للأمام في معالجتهما للمشاكل التي تواجههما، لأن الذاكرة الانتقائية للرئيس بوش لا تدعو إلى وقف إطلاق النار بل إلى محاسبة سوريا وإيران، والذاكرة الانتقائية لإسبرطة إسرائيلية يحكمها الحنين إلى ما سماه يوسي ييلين بالرد التلقائي البافلوفي أن "اضربوهم بقوة" هي التي ترفض بقوة أن تساوي بين جنديين إسرائيليين جرى أسرهما في عملية عسكرية بطولية مع عشرة آلاف أسير وأكثر في سجون العدو الإسرائيلي.

الآخر الفلسطيني أو اللبناني أو العراقي هو موضوع للذبح والاغتصاب والانتهاك، إذ لا يمكن من زاوية رؤية هولوكوستية لا تزال تحكم سلوك "إمبراطورية الخوف" الإسرائيلية أن تساوي بين الهولوكوست الإسرائيلي والهولوكوست الذي تقيمه إسرائيل على الفلسطينيين واللبنانيين كما جاء في حديث الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي وصف سلوك إسرائيل في لبنان بأنه هولوكوست جديد تقيمه إسرائيل على الأرض اللبنانية.

من وجهة نظر يوسي بيلين أن الغضب الإسرائيلي على العملية البطولية التي قامت بها المقاومة الإسلامية مفهوم، لكن شرط ألا يتحول إلى سياسة، وألا يعيد الإسرائيليين إلى ما يسميها بالفترة الحرجة التي سبقت خروج الإسرائيليين من لبنان واقترنت بالدموع والآلام والخوف والهلع ومئات الجنود الذين قضوا حتفهم.

واقع الحال يقول إن الغضب الإسرائيلي قد تحول إلى سياسة، والشاهد على ذلك ليس ما يجري في لبنان بل ما جرى ويجري في فلسطين، وأن صوت يوسي بيلين وغيره إن وجد يبدو نشازا في ضوء الغضب والرد التلقائي البافلوفي.

فلا مسيرات في إسرائيل تدين السلوك العسكري الإسرائيلي أو الذاكرة الانتقائية لإسرائيل كما حدث أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبنان لعام 1982 عندما توجه أكثر من 400 ألف إسرائيلي إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية احتجاجا على غزو لبنان.

الغضب الإسرائيلي بات نهجا للتاريخ وسياسة وقوة تدميرية تمثلها خيارات شمشون (حوالي 400 رأس نووي) كما نعتها سيمور هيرش التي يراد لها أن تكون حكرا على إسرائيل دون غيرها.

لذلك ليس غريبا أن يلقى حزب الله كل هذا التأييد من الشارع العربي الذي عيل صبره من الأنظمة العربية العاجزة والمتهالكة أمام إسرائيل التي باتت عن حق بمثابة الدولة ضد الأمة حسب أطروحة برهان غليون، خاصة أنها تتبنى المنطق الإسرائيلي في رؤيتها لكل أشكال الممانعة والمقاومة لهذا المشروع، وذلك على طول الخط الممتد من حماس إلى المقاومة الإسلامية في لبنان إلى المقاومة العراقية في العراق.

لذلك ليس غريبا أن ينتصر المنطق الثاني الذي يرفض أن تكون لبنان مجرد سوق سياحية تلهو من فوقه الطائرات الإسرائيلية على المنطق الأول الذي ما زال محكوما بالرؤية الإسرائيلية السياحية للبنان؟
__________________
كاتب سوري

المصدر: الجزيرة

07-22-2006, 07:15 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  نظرة جديدة للثورات العربية . بهجت 42 13,796 03-14-2012, 06:55 PM
آخر رد: بهجت
  النقاب في مصر ـ رمز للاحتجاج أم هوية جديدة؟ mafia hacker 16 4,644 08-16-2010, 11:36 PM
آخر رد: العلماني
  اوباما وملامح جديدة لامريكا حسام يوسف 2 1,115 02-27-2009, 08:42 PM
آخر رد: حسام يوسف
  ظاهرة الخرف العربي ليست جديدة رحمة العاملي 25 5,863 02-13-2009, 02:29 PM
آخر رد: رحمة العاملي
  تقنية الاتصالات ضد الاستبداد ـ وجهة جديدة ؟ آمون 4 1,163 04-11-2008, 11:13 PM
آخر رد: حسام يوسف

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS