البوطي يدافع عن القبيسيات و"أهل الشام"
طباعة أرسل لصديق
الوطن أونلاين
14/ 09/ 2010
نشر موقع نسيم الشام الإسلامي ردا من الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي على مسلسل "ما ملكت أيمانكم" بعد انتهاء عرضه، دافع فيه عن القبيسيات كما انتقد طريقة تعامل نجدت أنزور مع عدد من القضايا. كما دافع البوطي في خطبة الجمعة الماضية عن "أهل الشام".
ووفقا للموقع يرسل القارئ للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: الآن، وقد انتهى عرض مسلسل "ما ملكت أيمانكم" بجميع حلقاته, ما هو قراركم الذي اتخذتموه بشأنه؟
فيجيب الأخير " أعتقد أنني أحلت القرار بشأنه إلى متابعيه من أفراد الشعب السوري ممثلاً في الصفوة ذات الوعي السليم والحياد الفكري والإخلاص للقيم والوطن, وأعتقد أن من اليسير الآن معرفة موقف هذه الصفوة من خلال الاستبيانات الكثيرة التي أجاب عنها الكثيرون ومن خلال المواقع والتعليقات الوفيرة. ولا ريب أنني مؤيد وتابع دائماً لهذه الصفوة.
ولكنّي أحب أن أنبه إلى حقيقة يجب أن لا نتيه عنها, وذلك بقطع النظر عن هذه المناسبة وغيرها, وهي أن النشاط النسائي الإسلامي في سورية وخاصة المعروفات باسم (القبيسيات) يمثّل في الحقيقة الإسلام الحضاري والوطني والواعي البعيد عن الغلوّ المترفع عن النفاق .. وقد عرفت سورية مدى أنشطتهنّ الثقافية المتنوعة, المتسامية على التدافعات السياسية والحزبية وتياراتها .. وقد نشأ بفضل جهودهن التربوية لا جيل واحد بل أجيال من الفتيات اللائي يتمتعن بالعمق الثقافي والسمو الأخلاقي والاعتزاز بالقيم والانتماء الوطني والوسطية الدينية السليمة.
تفيض هذه الحركة بالمثقفات وصاحبات الاختصاص المتنوع: طبيبات, مهندسات, جامعيات, متخصصات بالعربية والعلوم الشرعية. وإن مما يبعث على الاعتزاز حقاً أن فيهنَّ كثيرات يحفظن اليوم عن ظهر قلب صحيح الإمام البخاري كله سنداً ومتناً وصحيح الإمام مسلم أيضاً سنداً ومتناً, وهي مزية فريدة لم تتحقق من الأزمنة كلّها إلا في هذه العصر, ولم يحتضنها من الأمكنة إلا سوريّة!.. وإنها لظاهرة مشرّفة لا تكاد تصدَّق لولا الواقع المشاهد الخاضع للتحقيق والاختبار.
ومنذ أكثر من خمسة عشر عاماً أخرجت ثلّة منهنَّ أدقّ موسوعة ظهرت في السيرة النبوية إلى اليوم, ذات ستة مجلدات من القطع الكبير باسم "الجامع في السيرة", ويرقى هذا الكتاب الجامع في توثيقه إلى درجة عالية متميزة لم يسبق إليها.
وقد رغبت إليَّ الآنسة منيرة القبيسي آنذاك تقديم هذا الكتاب الفريد إلى السيد الرئيس حافظ الأسد رحمه الله.
ولما تشرفت بلقائه وقدَّمت إليه الكتاب أخذ يقلّبه وقد شدَّه إليه الإعجاب بالطريقة الفريدة والميسّرة في التوثيق والتنظيم والإحاطة بكل أحداث السيرة النبوية ومتعلقاتها. ثم قال لي: بلّغ شكري للآنسة منيرة وجميع مؤلفات الكتاب, واطلب منهنَّ الدعاء لي شخصيّاً ولسوريَّة عموماً.
والمهم بعد هذا ما ينبغي أن يكون معلوماً من أنَّ النشاط النسائي الإسلامي، ومن ضمنه هذه الفئة، غدا اليوم جزءاً من النشاط الثقافي والتربوي الكلّي الذي ترعاه الدولة, وذلك بانضباطه تحت جناح وزارة الأوقاف, وبالتنسيق مع رسالتها الدينية والثقافية والوطنية, لذا فإنّي أعتقد جازماً أن افتراض الأخطاء والانحرافات الشنيعة في صفوف هؤلاء الفتيات (وكل بني آدم خطّاء) ثم تكبيرها وتسليط الأضواء عليها وإشاعتها في الأوساط
ابتغاء انتزاع الثقة بهنَّ من أفئدة الناس لن يكون لمصلحة هذه الأمة ولن يعود إليها ولا إلى الوحدة الوطنية ولا إلى القيم الإسلامية والدينية عموماً بأي خير.
ولو سلكنا هذا المسلك مع فئات الناس وطبقاتهم على اختلافها لعاد المجتمع أنكاثاً تسوده الاتهامات والخصومات, ولتبادل الناس المهاترات بدلاً من التحيَّات.
وفي "دفاعه" عن "أهل الشام" قال الشيخ البوطي :في خطبة الجمعة
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله.
خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
سيكون محور حديثي اليوم إليكم كلمة قالها رئيس جمهوريتنا الغالية في موقف من المواقف فذهبت كلمته مثلاً. قال: الشام الله حاميها.
هذه الكلمة ترجمة دقيقة لآياتٍ في كتاب الله عز وجل وأحاديث صحيحة ثبتت عن رسول الله r.
أما الآيات فمنها قول الله سبحانه وتعالى عن سيدنا إبراهيم بعد أن ابتلاه الله عز وجل بنيران نمرود، قال:
(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء : 71]
إنها الشام باتفاق المفسرين.
وأما الأحاديث فكثيرة منها ما رواه أبو داود وابن حبان والحاكم على شرط الشيخين أن رسول الله r سُئِل عن خير منزل يلجأ إليه الإنسان عندما تدلهم الفتن فقال r عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها – أي يصطفي إليها – خيرته من عباده وإن الله تكفَّل لي بالشام وأهله.
وقد صح أيضاً أن حذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل سألا رسول الله r عن الملاذ الذي يمكن يلجأا إليه إذا اشتدت الفتن واتسع أوارها فأومأ إلى الشام، عادا يسألانه فأومأ إلى الشام وقال: عليكما بالشام فإنها خير أرض الله عز وجل وإن الله يسكنها خير عباده.
وقد صح أيضاً عن رسول الله r فيما رواه الحاكم بسندٍ صحيح أنه r قال: (بينا أنا نائم إذ استُلِبَ عمود الكتاب من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عُهِدَ به إلى الشام، ألا إن الأمن والأمان عندما تكون الفتن في الشام).
ولقد علمنا أن قلب الشام إنما هو دمشق وما حولها فقد قال المصطفى r فيما صح عنه: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى على أرضٍ يُقَالُ لها الغوطة إلى جانبها مدينة اسمها دمشق هي خير منازل المسلمين).
عباد الله: ينبغي أن تلاحظوا أن الأفضلية التي يعلنها رسول الله r ليست لأرض الشام من حيث أنها تربة، من حيث أنها حجارة وصخور فتراب الأرض شيء واحد، لا تختلف حجارة الأرض وأتربتها ما بين مكان ومكان قط وإنما الخيرية لمن يجتبيهم الله سبحانه وتعالى إليها، يجتبي إليها خيرته من عباده، هذا ما يعنيه كلام رسول الله r، فإذا كانت هنالك أفضلية للشام أو لدمشق فلأن
الله عز وجل يُسْكِنُ فيها خير عباده. ومن ثم فإن الناس إذا تحدثوا عن الإرهاب الذي ترفضه شريعة الله عز وجل والذي لا يتفق مع موازين القيم الإنسانية فإن الشام أبعد ما تكون عن الإرهاب، وإذا تحدَّث الناس عن الإفراط والتفريط والغلو فلنعلم أن هذه الشام التي تحدث عنها رسول r ما سمعتم أبعد البلاد كلها عن الغلو وعن الإفراط والتفريط في فهم الإسلام أو في السلوك الإسلامي.
وعندما نتحدث عن التربية النسائية والتزام المرأة بشريعة الله عز وجل باعتدال دون إفراط ولا تفريط، بعيداً عن الغلو وبعيداً عن الانحراف فلنعلم أن المرأة التي جباها الله عز وجل في أرض الشام لاسيما في قلب الشام دمشق هي مضرب المثل لهذه الاستقامة ولهذه التربية ولهذا السير على صراط الله عز وجل.
وإذا أردنا أن نبحث عن النفاق الذي يتجلى ظاهره بشكل ويستبطن شكلاً آخر ومعنى آخر فلنعلم – كما أوضح المصطفى r– أن شامنا هذه أبعد ما تكون عن أولئك الناس الذين يضمرون بين جوانحهم معنى ويُظْهِرُون للناس معنى خلافه.
أليس هذا من مقتضى كلام رسول الله r، إذا كان الذين يعيشون في هذه الأرض المباركة قد اجتباهم الله عز وجل إليها ومن ثم فهم خيرة الله من عباده إذاً فهم مضرب المثل في البعد عن الإرهاب الذي يُحَذِّرُ الإسلام وتُحَذِّرُ منه شريعة الله عز وجل، وهم مضرب المثل في الالتزام الواعي البعيد عن الغلو والبعيد عن الإفراط والتفريط، وهنَّ مضرب المثل في الأخلاق الإسلامية الرضية وفي السلوك الإسلامي السليم وفي المظهر الإسلامي السليم، هذا معنى كلام رسول الله r وذلك هو مضمون شهادة المصطفى r لأهل الشام ولأهل دمشق بالذات.
عباد الله: إن الزمن الذي انطوى ومرَّ من التاريخ القصي إلى يومنا الحاضر خير شاهد على كلام رسول الله r.
فمن طاف في بلاد الله سبحانه وتعالى مشرقاً ومغرباً ثم عاد إلى هنا وجد أن الوعي الإسلامي يُسْتَنْبَتُ هنا وأن الالتزام الإسلامي السليم إنما يستقر هنا وأن التربية المثلى التي تُنَشَّأُ في ظلالها الأجيال ذكوراً وإناثاً إنما هي هنا نعم.
هذه الحقيقة ينبغي أن نتبينها، وينبغي أن أقول لكم شيئاً نرفع الرأس به عالياً، الزمان يرفع الرأس به عالياً، والمكان – الذي هو سورية – يرفع الرأس به عالياً:
لا يعهد التاريخ العربي الإسلامي منذ بعثة رسول الله r أن نسوة أو امرأة حفظت صحيح البخاري كله بأسانيده وصحيح مسلم كله بأسانيده وبعضاً من السنن الأخرى، لا يعي التاريخ أن هذا تم لا في عصر الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم ولكن التاريخ أن هذا تم من حيث الزمان في هذا العصر ومن حيث المكان في سورية، فلنعلم أن هنالك فتياتٍ شاء الله عز وجل أن يكرمهن بهذا التوفيق العجيب، صحيح البخاري كله من ظهر قلب سنداً ومتناً، صحيح مسلم كله من ظهر قلب سنداً ومتناً، وأنا واحدٌ ممن كان لا يُصَدِّق ولكني أخضعت هؤلاء اللائي وفقهن الله سبحانه وتعالى للهم العجيب، أخضعتهن للامتحان وإذا بالأعجوبة التي أكرم الله بها شامنا قد تحققت.
هذه الحقيقة التي أقولها لكم هي ترجمة مفصلة نوعاً ما لكلمة قالها الرئيس في موقف من المواقف فذهبت فعلاً مثلاً وحكمة.
والعبرة التي ينبغي أن نقطفها من هذا الكلام أيها الإخوة هي أنه ينبغي أن نعتز بهذه النخبة التي أقامها الله سبحانه وتعالى في شامنا، بهذه النخبة التي اجتباها الله عز وجل في شامنا، ينبغي أن نرفع الرأس بها عالياً. قارنوا وتجدون صدق ما قاله رسول الله r. ما ينبغي أن نحاول أن نجتث الثقة بالناس الذين اجتباهم الله عز وجل في بلدنا هذا بأي وسيلة من الوسائل.
مرَّةً أخرى أقول أيها الإخوة ليهنأ كل من أقامه الله عز وجل من أرضه الواسعة في شامنا هذه، ليهنأ لأنه من المجتبين الذين تحدث عنهم رسول الله r.
أما من هم أقل من القليل بل هم أقل من القليل القليل فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا وأن يهديهم إلى سواء صراطه المستقيم.
هذه نعمة من النعم التي أكرمنا الله بها، ومن ثم فأنا أقول إن المكائد التي تُحاكُ ضدنا آتيةً من الغرب أو من الشرق أو من أي جهةٍ أخرى لن يكون لها أي أثر ولن تكون نتيجتها إلا أن تتحول إلى سهام ترتد إلى صدور من يحيكون هذه المؤامرة ضد أمن هذه البلدة، ضد اجتماع هذه الأمة على كلمة سواء، ضد اللحمة الوطنية التي تتمتع هذه الأمة في هذه البلدة. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم