عمار اليازجي
الشبه بين الخطاب الصهيوني ودعاية القادة الأكراد
أثبتت كل الحروب التي مرّت بها البشرية منذ بداياتها مقولة أن التاريخ يكتب بقلم المنتصر. فالتاريخ ليس حياديا ولا يسجل الوقائع التي حدثت بأمانة بل ينقل وجهة نظر الفئة المنتصرة لما حصل، مع بعض الاستثناءات القليلة استطاع فيها الطرف المهزوم اسماع صوته ورؤيته.
المنتصر سعى ويسعى دوما لتثبيت روايته بشتى الوسائل، كاخفاء الوثائق وازالة الآثار التي تدل على كذب روايته، كما فعلت أمريكا والصهيونية من وراءها بعد هزيمة ألمانيا النازية، فالصهيونية كانت معنية بشكل كبير على اخفاء تعاملاتها مع النازيين، وتضحيتها بكل اليهود الذين رفضوا فكرة الصهيونية وأسطورة أرض الميعاد وكذلك تضحيتهم باليهود الغير نافعين في تأسيس الدولة الاسرائيلية كالمعوزين والمرضى. فاتفاق الهافارا (الترانسفير) بين المنظمة الصهيونية والحكومة النازية نصّت على تأسيس خط بحري مباشر بين هامبورغ وتل أبيب باشراف حاخام هامبورغ، ولقد رفضت المنظمة الصهيونية ثلثي طلبات الهجرة التي قدمت اليها من اليهود الألمان حتى عام 1935ثم تقرر عدم قبول أي طلب من يهود يشكلون عالة على المنظمة في فلسطين.
كتب بريل كازنيلسون صاحب جريدة دافار الصهيونية: لقد كان يهود ألمانيا متقدمين في السن مما لا يسمح لهم بإنجاب أطفال في فلسطين، و لم يكونوا يملكون المهن والحرف التي تساعد في بناء مستوطنات صهيونية، وهم لا يتكلمون العبرانية وليسوا صهاينة وبالرغم من معرفة قادة الحركة الصهيونية لخطر الإبادة الذي يتهدد يهود ألمانيا، إلا أنهم لم يقوموا بأي خطوة لإنقاذهم وإنما قاموا باستقدام 6 آلاف شاب يهودي ممن تلقوا تدريبات في أمريكا وانجلترا ودول أخرى ليس فيها خطر الابادة، لكنهم يؤمنون بالفكر الصهيوني. و لم تكتف المنظمة بعدم البحث عن أي حل لإنقاذ يهود ألمانيا، بل أن مسؤوليها قد عارضوا بشكل قاطع جميع الجهود التي كانت ترمي إلى إيجاد ملجأ لليهود الهاربين. وكان يتضمن هذا الاتفاق تصدير آلات ومعدات ألمانية الى الصهاينة في فلسطين للاستفادة منها في الأعمال الزراعية وأعمال البناء، وكسر الحصار الاقتصادي الخانق الذي كانت تعاني منه ألمانيا. وكانت قوات البوليس الألماني لا تلاحق القيادات الصهيونية في ألمانيا بل اليهود المتمسكين بألمانيتهم والمعادين للصهيونية.
يقول مؤسس اسرائيل بن غوريون إنني لا أخجل من الإعتراف بأنني لو كنت أملك ليس فقط الإرادة ولكن القوة أيضاً، لاخترت مجموعة من الشباب الأقوياء والأذكياء والمتواضعين والمخلصين لأفكارنا والمشتعلين بالرغبة للمساعدة في عودة اليهود إلى إسرائيل، ولأرسلتهم إلى البلدان التي يبلغ فيها اليهود بالقناعة الآثمة. وستكون مهمة هؤلاء الشبان أن يتنكروا بصفة أناس غير يهود ويرفعوا شعارات معاداة السامية، وإنني أستطيع أن أضمن أنه من ناحية تدفق المهاجرين على إسرائيل من هذه البلدان، سوف تكون النتائج أكبر بعشرات آلاف المرات من النتائج التي يحققها آلاف المبعوثين الذين يبشرون بمواعظ عديمة الجدوى
.بعد الانتصار على النازيين، عملت الماكينة الاعلامية الصهيونية على زرع الهولوكوست في الوعي الأوروبي وتضخيم أرقام الضحايا اليهود، ولا أريد الخوض في تفاصيل الأرقام الحقيقية، لكن رقم الستة ملايين هي مبالغة تصل حدود الكذب المتعمد الهدف منها الحصول على أكبر قدر ممكن من التعويضات و على الدعم الديبلوماسي الغربي تعاطفا مع ضحايا الهولوكوست التي قام الصهاينة باحتكرها، فكأن الرايخ الثالث لم يقتل سوى يهود، أما ملايين السلاف و الغجر واليونان والشيوعيين والمسيحيين المتدينين والمثليين الجنسيين فقد تم التغاضي عنها والتهوين من شأنها، لتصبح المحرقة حكرا على اليهود. وتم سن القوانين في الدول الغربية التي تمنع مجرد نقاش الهولوكوست وأعداد ضحاياها. هذه القوانين أضحت سيفا مسلطا على عنق كل باحث أو مفكر يقوم بإعادة قراءة تلك الفترة بشكل قد يناقض الرواية الصهيونية.
وتأسيس اسرائيل برمته إعتمد إعتمادا شبه كلي على قوة الميتوس أو الأسطورة، فثيودور هرتزل استعرض سلبيات كثيرة لفلسطين كوطن قومي لليهود لكنه أكد أنها كلها لا توازي قوة الأسطورة، وهكذا تم تسويق أسطورة الوعد الالهي وأسطورة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأسطورة القومية اليهودية ونقاء العرق...الخ.
وتتشابه القيادة الكوردوية تشابها فريدا بالقيادة الصهيونية منذ بداياتها، ولقد زاد احتلال العراق عن طريق القوات الأنغلوأمريكية ومساعدة القادة الأكراد لقوات الاحتلال بالرجال والمعلومات المخابراتية في اعطاء الماكينة الاعلامية الكوردوية دفعا هائلا في ترسيخ أساطير كحقائق مسلمة، وخلق وقائع جديدة على الأرض واتباع سياسة الأرض المحروقة تمهيدا لقيام دولتهم المزعومة كردستان.
فمع بداية الغزو الأمريكي تحولت قوات البيشمركة الى خادم مطيع لقوات الاحتلال، طمعا بالحصول على الشمال العراقي بأسره و تم مكافأتهم بحل كل الميليشيات العسكرية العراقية عدا البيشمركة، الذين بدأوا سياسة تطهير عرقي في مناطق كركوك والموصل، ومحاولتهم فرض حقائق على الأرض تدعم مقولة كركوك قدس كردستان، فتم حرق دائرة الطابو لتحويل كركوك الى مدينة كردية ضاربين بحقائق التاريخ وبكون الأكراد أقلية في المدينة عرض الحائط. كما قامت قوات البرزاني المرتبط تقليديا باسرائيل احتلال العديد من القصور الرئاسية في بغداد وتحويلها الى مقرات حزبية دعائية للبرزاني، صاحب هذا صمت مميت من القوى الوطنية والمثقفين العراقيين اتجاه المؤامرة، اذا أن الثنائي اللدود طالباني برزاني أتقنا ممارسة السياسة الصهيونية بوصم كل من ينتقد اسرائيل وممارساتها اللاإنسانية بمعاداة السامية، وهذا ما تبنته الماكينة الاعلامية الكردية، فأصبح كل من ينتقد الممارسات والسياسات الكوردوية شوفينيا بعثيا حاقدا...الخ. وكما قامت الصهيونية بالتضحية بآلاف اليهود لتحقيق مطامعها كذلك حدث مع أبناء الشعب الكردي، حيث ضحى طالباني والبارزاني بآلاف مؤلفة من الأكراد قربانا على مذبح أطماعهما الشخصية، فتارة يتذابح الحزبان وأخرى يتحالف طالباني مع أيران وأخرى مع صدام لتقليص نفوذ غريمه، ثم يحارب الاثنان حزب العمال الكردستاني، وتقوم البيشمركة بذبح آلاف المنتمين لأنصار الاسلام الكردية وعائلاتهم...لخ.
أما أسطورة كردستان أو الميتوس الكوردوي فحدث ولا حرج، فعند مراجعة الخرائط التي تصدر عن المنظمات والأحزاب الكوردوية نرى أن هناك اتجاها ل ضم كل منابع النفط والمياه في شمال العراق وإيران بالإضافة إلى منابع الفرات ودجلة في تركيا الى كردستانهم، ولم يكتف الكوردويون بذلك بل بدءوا بالحديث عن كردستان الغربية في سوريا مع العلم أن الأكراد حديثي العهد في الجزيرة السورية ذات الأصل السرياني، ويزول العجب عندما نعلم أن هناك اتجاه قيادي كوردوي يدعو الى ضم كل منطقة يتواجد فيها الأكراد الى خريطة كردستان حتى بغداد نفسها فيقول الطالباني ان بغداد اكبر مدينة كردية، ومن حقنا ان يكون لنا امتياز خاص بادراة التجمعات الكردية فيها. وتبقى حدود كردستانهم كحدود اسرائيل غير واضحة المعالم ومن المطلوب أن تبقى كذلك حتى يتسنى لهم ضم ما شاءوا من الأراضي.
الورقة الكردية مجددا... كردستان الغربية
أود أن أنوه بداية إلى أن الحديث عن ممارسات الأكراد السوريين هو شكل من أشكال التعميم أرفضه بشدة لأني أعتز بصداقة الكثير من الأكراد السوريين ممن يحبون سوريا ويعتزون بسوريتهم، لهذا ومنعا للتعميم سأطلق لقب الكوردويون على الفئة التي أنوي الحديث عنها وهم الأكراد القوميون المتأثرين بفكرة الإقليم القاعدة (كردستان العراق) الذي سيشكل النواة لتأسيس كردستان الكبرى، لذلك لم يكن مستغربا أن يعلن الطالباني أثناء تقدم القوات الأمريكية وحلفاءهم الإنكليز صوب بغداد أن هناك أكثر من عشرة آلاف كردي سوري مستعدين لأن يكونوا جزءا من الأجندة والمخطط الأمريكيين في الحرب على العراق.
إحتلال العراق أفرز حالة إستثنائية وهي قيام كيان كردي في شمال العراق بصورة رسمية مثبتة في الدستور العراقي، وبدلا من دفن الأحقاد والتوجه لبناء عراق جديد لجميع أبنائه، تمادى قادتهم البرزانيين والطالبانيين بمطالب تعجيزية كضم كركوك ومناطق النفط المحيطة بها كي تكون عاصمة لإقليمهم تمهيدا لتكريس حلمهم بإقامة دولتهم الكردية.
أدى ذلك إلى تأجيج الآمال لدى الكوردويون في سوريا ببناء كردستان الكبرى وأبرز دليل على ذلك هي حلقات الدبكة التي عقدت في المدن الحدودية وعلى طول الطريق بين القامشلي والحسكة إحتفالا بسقوط بغداد، غير آبهين بمشاعر السكان العرب المعادين للاحتلال الأجنبي.
إمتناع الأحزاب الكردية عن إتخاذ موقف رسمي من الاحتلال الأمريكي للعراق من جهة، ودعواتهم المتكررة لطرد العرب الساكنين للقرى الحدودية من كردستان الغربية متناسين أن الدولة قد بنت تلك القرى تعويضا لهم عن فقدانهم لقراهم وأراضيهم التي غمرتها مياه سد الفرات، ويتباكون من سياسة مصادرة الأراضي التي مورست ضمن قوانين الاستصلاح الزراعي وكأنما هذه القوانين قد أصدرت بغرض تجريد الأكراد من الأراضي لطردهم من الجزيرة متناسين أن السريان والعرب قد تأثروا بالدرجة نفسها من هذه القوانين، بالإضافة إلى أن المزارعين الأكراد حصلوا في أماكن أخرى من الجزيرة على أراض بديلة.
وبالعودة إلى الممارسات الكوردوية في العراق، من إضطهاد وقتل وترويع للآمنين وممارسة التطهير العرقي بأبشع صوره بحق العرب والتركمان المتواجدين في الإقليم،على مرأى الأمريكان وبمعاونة الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، نصل إلى نتيجة مؤكدة بكون الأحزاب الكردية في سوريا هي أحزاب إنفصالية غير وطنية تهيمن عليها التبعية لكردستان العراق.
لم تعرف سوريا يوما شيئا يسمى كردستان سوريا كون أغلب الأكراد في منطقة الجزيرة من الوافدين إليها من تركيا سنة 1925 هربا من الأتراك وأملا بحياة أفضل، والجزيرة السورية تاريخيا هي موطن العشائر السريانية والعربية، بيد أن الكوردويون يقفزون على حقائق الجغرافيا والتاريخ فيعتبرون أن كردستان الغربية قد ألحقت بسوريا وتتحدث أدبياتهم عن مساحة 18 ألف كيلومتر مربع أي ما يساوي 16 بالمئة من إجمالي مساحة سوريا تقريبا. بل ويذهب بعضهم أبعد من ذلك قائلا بكردية الشمال السوري إضافة إلى لواء الإسكندرون الذي سلخ عن سوريا.
الإستقواء بالخارج يطبع العمل الكوردوي في سوريا منذ سقوط بغداد، فقد اجتمع في كانون الأول من هذا العام ممثلين عن الكوردويون السوريون مع أعضاء في الإدارة الأمريكية بهدف التنسيق لدعم قضية الشعب الكردي في سوريا، وسيعقد في واشنطن إجتماع آخر في آذار العام المقبل بمناسبة مرور عامين على أحداث الشغب الكوردوية والتي يدعونها بانتفاضة الشعب الكردي بهدف زيادة الضغط على النظام البعثي في سوريا ودفعه على الإعتراف بالقومية الكردية والحقوق الكردية في الجزيرة السورية.
وحتى يحين الوقت المناسب للمطالبة بالحكم الذاتي كما حصل في العراق نرى القيادات الكوردوية وهي تمارس تكريد أسماء المدن والقرى في الجزيرة السورية كما فعل الأكراد في العراق، مع محاولة فرض مصطلح كردستان الغربية أو كردستان سوريا على قوى المعارضة السورية والتي وقع بعضها بهذا المطب، الأمر الذي سيمهد فرض هذا المصطلح على الرأي العام السوري كحقيقة واقعة لا تقبل المناقشة، كما حصل في العراق.
يرفض الكوردويون الإعتراف بأن الوجود الكردي في الجزيرة السورية حديث العهد وتقفز ماكينة الدعاية الكوردوية على حقائق التاريخ جاعلة للأكراد جذورا ضاربة في عمق تاريخ الجزيرة السورية عن طريق ربطهم بالميديين وهو الأمر الذي لم يثبت إطلاقا، لتبرير ضم هذه المنطقة إلى مشروع كردستان الكبرى، بل ويحتكر الكوردويون أيضا الإضطهاد وغياب الديموقراطية وحالة الطوارئ وكأنها موجهة ضد الأكراد فقط، متناسين أنها سياسات مطبقة على كافة أفراد الشعب السوري بغض النظر عن الإثنية أو الطائفة، لكن لم العجب؟ ألم يقم الصهاينة باحتكارالهولوكوست الهتلري وجعله حقا حصريا للشعب اليهودي فقط؟ وكأنما الحرب العالمية الثانية قد قامت فقط للقضاء على اليهود متناسين ملايين الغجر والسلاف الذين قضوا نحبهم على مذبح الأحلام الهتلرية. وهاهم الكوردويون يثبتون أنهم تلاميذ نصحاء فهموا الدرس واستوعبوه جيدا، فاحتكروا كل الممارسات والسياسات البعثية التي أصبحت بقدرة قادر هولوكوستا كردية.
الممارسات الكوردوية المشبوهة أدت وتؤدي إلى الإضرار بشعبنا الكردي السوري قبل أي أحد آخر، فتصريحاتهم وتحريضاتهم تهدف إلى دق إسفين بين الأكراد وباقي المكونات في المنطقة، بل وتأجيج حالة من الغليان كما حصل السنة الماضية عندما اندلعت أحداث شغب في القامشلي ودمشق ومدن سورية أخرى تم خلالها رفع صور شارون وإحراق العلم السوري وتدمير منشآت حكومية، الأمر الذي جعل جل السوريين ينظرون إلى هذه الممارسات بريبة وشك الأمر الذي يفيد القضية الكوردوية لأنها تدفع بالمزيد من الشباب الأكراد إلى حضن الحركات الكوردوية.
الكوردويون يعتاشون من حالة اللااستقرار التي تمر بها المنطقة، يتباكون على معتقلي حوادث الشغب ممن دمروا وأحرقوا ممتلكات خاصة وعامة، ويطلقون حملات إعلامية على المنابر وفي الصحف لتخليص الأكراد السوريين من نير السلطة الحاكمة، متناسين أن ظلم النظام في سوريا موزع على أبنائها بالتساوي لافرق بين كردي أو عربي أو بين مسلم ومسيحي إلا بالمعارضة.
أصبح سيف الكوردويون مسلطا على رقبة كل من يرفض محاولات تكريد التاريخ في منطقة الجزيرة السورية، وأصبح كل مدافع عن وحدة التراب السوري ورافض لتكريد أسماء المدن والقرى في الجزيرة شوفينيا بعثيا مدافعا عن النظام السوري.
أن يكون الأكراد حديثي العهد في الجزيرة لا يقلل أبدا من حقهم كأي مواطن سوري بالمواطنة لكن على ضوء إحترام القانون والقسم على إحترام وحدة البلاد، خاصة وأن دساتير أعتى الديموقراطيات الغربية تنص على إنزال أقسى العقوبات بحق كل من يسعى لإنتزاع قطعة من جسد الوطن الأم.
مجلة جسور - العدد 11
http://www.josor.net/article_details.php?t...id=1395&catid=6