ايران والتهديدات الاسرائيلية
توقعت حال انتخاب أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية أن يرتكب هذا الرجل حماقات كبيرة تلحق الضرر بالعالمين العربي والإسلامي وتتسبب في خلق مشكلات إضافية في منطقة الشرق الأوسط. وقد عبرت عن ذلك بأكثر من مقال. فتصريحات الرئيس الإيراني الجديد نارية ومبتذلة في آن واحد, وهي تكشف عن ثلاث حقائق جوهرية في سياسة القوى الأكثر محافظة وعدوانية في إيران, وأعني بها:
1. عودة إيران ثانية لتبني سياسات الخميني الخارجية, بما في ذلك تصدير "الثورة الإسلامية الإيرانية" من خلال تنشيط المماثلين لهم في الدول العربية والإسلامية الأخرى. ويبدو هذا واضحاً في سياستهم في العراق وفي تشجيع هيمنة قوى الإسلام السياسي الشيعية على السلطة في العراق وعلى المجتمع وأجهزة الحكم في جنوب العراق بشكل خاص وممارسة نفس النهج غير المدني في البلاد. وستكون إيران مصدر قلق وعدم استقرار في الشرق الأوسط. ويمكن أن نتابع بوضوح تدخلها في لبنان وعلاقاتها الواضحة بحماس في فلسطين, وخاصة مع السيد خالد مشعل وتنسيقها غير السليم مع سوريا في الموقف إزاء العراق ولبنان.
2. سعي إيران الدؤوب لامتلاك السلاح النووي بعكس ما تدعيه بأنها تسعى إلى استخدام الذرة للأغراض السلمية. ولا يمكن أن ينفصل هذا التوجه عن سياستها التوسعية في الثورة الإيرانية وفي فرض دورها على المنطقة, خاصة وأن لها خلافات ومشكلات غير قليلة مع الدول العربية ومنها قضية الجزر العربية الثلاث المحتلة منذ زمن شاه إيران المخلوع, واتفاقية الجزائر 1975 مع العراق حول شط العرب وما إلى ذلك.
3. محاولة التغطية الفعلية على مشاكلها الداخلية, وخاصة اتساع حجم البطالة والفقر المتفاقم في مناطق كثيرة من إيران واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء وأجهزة الدولة الثيوقراطية, وكذلك موقف القوميات الأخرى في إيران من القومية الفارسية المهيمنة على الحياة, وسياسة النظام التي ترفض الاستجابة لحقوق الشعوب الإيرانية, ومنها الشعب الكردي الذي يناضل منذ عقود من أجل حقوقه القومية العادلة والمشروعة.
وأخيراً تصاعدت منذ فترة قصيرة نبرة شديدة الحدة في خطب أحمدي نجاد موجهة ضد إسرائيل, ولكنها موجهة في الوقت نفسه ضد اليهود في جميع أنحاء العالم, وهي تهدف إلى كسب ثلاثة أطراف:
· الشعوب الإيرانية المسلمة التي تثيرها سياسات إسرائيل في القدس وفلسطين والجولان ومزارع شبعة؛
· شعوب الدول العربية التي تعاني من مشكلات غير قليلة مع إسرائيل؛
· وشعوب الدول الإسلامية التي يزداد فيها قبول التوجهات المتطرفة لأسباب كثيرة
وإذا كان هذا الخطاب الإيراني المتطرف الموجه إلى جماهير المسلمين في كل مكان, فأن موجه بشكل خاص إلى قوى إسلامية سياسية متطرفة بعينها تسعى إيران إلى تعبئتها لأغراضها الخاصة على صعيدي المنطقة والعالم. إنها محاولة جادة لإلهاء الرأي العام الداخلي والعربي والدولي بقضايا تستوجب المعالجة الهادئة والجادة وغير المتوترة, في حين تسعى إيران إلى توتير تلك الأجواء ودفع الأمور إلى طريق مسدود يقود إلى عواقب وخيمة.
وأمس الأول صرح رئيس جمهورية إيران أنه لا يصدق محرقة اليهود الشهيرة التي مارسها النظام النازي الهتلري في ألمانيا وفي تلك الدول الأوروبية التي خضعت لهيمنة قوات الاحتلال الألمانية. وهذا التصريح البائس هو الذي أثار ويثير بحق غضب الشعوب والحكومات الأوروبية ويجلب المزيد من المشكلات للمنطقة والعالم. وهو تحريض ضد يهود العالم وتعميق الحقد والكراهية بين الشعوب. فمحرقة اليهود في ألمانيا وفي غيرها ليست كذبة يهودية أو صهيونية, فهي حقيقة واقعة مارسها الفاشستيون في أوروبا واستناداً إلى نظرية عنصرية مقيتة ومعاداة فعلية للسامية. وهي قضية لا تمت بصلة لسياسات وممارسات الحكومة الإسرائيلية في الراضي الفلسطينية والعربية المحتلة, إذ أنها مرفوضة ومدانة في آن واحد.
تؤكد المعطيات الدولية ومعاهد الأبحاث الألمانية المستقلة إلى أن النظام الهتلري الذي اعتمد النظرية العنصرية في نهجه الإيديولوجي والسياسي قد تسبب وبصيغ مختلفة بموت ما يقرب من 6 ملايين يهودي في أوروبا. والأرقام التالية توضح جزءاً مهما من عدد الضحايا اليهود حينذاك:
· العهد الهتلري في ألمانيا 165000
· النمسا 65000
· فرنسا 32000
· بلجيكا 32000
· هولندا 102000
· إيطاليا 7600
· لوكسمبورغ 1200
· اليونان 60000
· يوغسلافيا 55000
· تشيكوسلوفاكيا 143000
· بلغاريا 11000
· ألبانيا 600
· النرويج 735
· الدانمرك 50
· هنغاريا 502000
· رومانيا 211000
· بولونيا 2700000
· الاتحاد السوفييتي 2100000
((Benz, Wolfgang, Hgr. Legenden Lügen Vorurteiele. Dtv. 6: Aulage. Berlin. 1964. S. 112.
إن هذه الأرقام وغيرها ليست من صنع خيال اليهود, بل هي من واقع الحياة في أوروبا في العهد النازي الفاشي. وليس من حقنا أن ننكر هذه الجرائم البشعة التي ارتكبت ضد اليهود والتي يقر بها الأوروبيون أنفسهم ويشجبونها وييدينون الذين نفوذها والفكر الذي يقف وراءها, في ما عدا الجماعات الفاشية الجديدة المستعدة إلى ارتكاب جرائم مماثلة إن تسنى لها العودة للسلطة. بل علينا إدانتها لأنها ضد كانت جرائم ضد الجنس البشري, وهي لا تختلف تماماً عن تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت ضد الأرمن في تركيا وكان حصيلتها أكثر من مليون قتيل في عام 1915, كما علينا أن ندين تلك الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام صدام حسين في حلبچة وفي مجازر الأنفال في كردستان العراق وراح ضحية جرائمه في كردستان العراق ما يزيد على ربع مليون إنسان, عدا حروبه الخارجية ودموية نظامه إزاء قوى المعارضة العربية وغير العربية.
إن الرئيس الإيراني الجديد لا يثبت كونه محافظاً إسلامياً متشدداً فحسب, بل وعنصرياً يغوص في مستنقع الحقد والكراهية على اليهود وربما على العرب أيضاً لأنهم ساميون.
إن السياسة التي يمارسها هذا الرجل ستقود إلى كوارث في إيران والدول المجاورة التي نأمل أن يتدراكها الشعب الإيراني ويتخلص منها ومنه ويأتي برجل أكثر عقلانية منها إلى دست الحكم.
إن التصريحات التي أدلى بها أحمدي نجاد حول التخلص من إسرائيل وقذفها في البحر والطلب من ألمانيا أو النمسا إقامة دولة لليهود هناك تثير عواطف جمهرة من العرب وخاصة في فلسطين وتدفع بهم لانتهاج سياسة غير عقلانية تتناقض مع الحل الذي يناضل من أجله الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية, كما تعيق الحل السلمي المنشود للقضية الفلسطينية والانسحاب من مرتفعات الجولان ومزارع شبعة, وتصب في التيار المتشدد والمتطرف في فلسطين. إن تصريحات أحمدي نجاد تثير مشاعر الكراهية في أوروبا ضد السياسة الإيرانية وتسهم في دعم اليمين المتطرف والقوى العنصرية في إسرائيل. إنها تصريحات يريد بها تحريك الشارعين الإيراني والعراقي بالاتجاهات التي كان يحركها صدام حسين في العراق ليغطي على مشكلاته الداخلية. وهو في ذلك لا يختلف عن الشعار الذي رُفع في زمن الراحل الخميني القائل "إن طريق الوصول إلى القدس يمر عبر كربلاء" ليحشد الناس خلف سياسته في الحرب العراقية الإيرانية.
إن تشديد السياسة الإيرانية على اقتناء التقنيات النووية وإنتاج السلاح النووي لا تنفصل عن تصريحات أحمدي نجاد الأخيرة التي تجسد التشابك بين التعصب الديني والمذهبي من جهة, والأيديولوجية القومية العنصرية من جهة ثانية, والطريقة الشعبية المبتذلة في إثارة مشاعر الناس من جهة ثالثة, والتي تشكل مجتمعة خطراً كبيراً على منطقة الشرق الأوسط والأمن والسلام ومعالجة المشكلات بالطرق السلمية, وهي التي تستوجب منا النضال لمنع مرورها, كما تستوجب منا مطالبة الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل للقبول بمبدأ "الأرض مقابل السلام" والانسحاب الفوري من الأراضي العربية المحتلة.
مقتبس من مقالة الكاتب كاظم حبيب
|