{myadvertisements[zone_1]}
في أي عام وُلِدَ يسوع
ابن العرب غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,526
الانضمام: May 2002
مشاركة: #1
في أي عام وُلِدَ يسوع
للأب أرييل ألڤارز ڤالديز
ترجمه بتصرّف : "ابن العرب"

عندما وُلِدَ يسوع، لم يكنْ ثمّة من ينتظره. وذلك رغم إعلانات الأنبياء المتتالية حول قرب مجيئه، ورغم انتظار الشعب المتلهّف لقدومه. لكنّ خبر مولده لم يبلغ شأناً يستحقّ معه أنْ تدوّنه كتب التاريخ.
أمّا التلاميذ الأوائل، فلم يكن همّهم منصبّاً على التدقيق في تاريخ ولادة سيّدهم، بل انشغلوا بالتبشير باسمه في كلّ المعمورة وذلك بحسب وصيّته التي تركها لهم ولم يعيروا أيّ اهتمام للتفاصيل التاريخيّة لحياة معلّمهم الأرضيّة، إلاّ تلك المعلومات الشحيحة التي خلَّدتها الأناجيل.

في ذلك الوقت كانتْ روما
كيف إذن كان الناس يحسبون التاريخ في ذلك الوقت وطوال القرون الأولى للمسيحيّة؟
بما أنّ البلاد في تلك الآونة كانتْ تخضع للامبراطوريّة الرومانية، ساد في أرجاء الامبراطوريّة المترامية الأطراف "التقويم الروماني" الذي اعتمد كبداية له السنة التي تّم فيها تأسيس مدينة روما. أيّ أن السنة التي تأسَّستْ فيها روما كانت السنة "١" في التقويم الروماني. وكانوا يرفقون بالسنة المعنية حرفين هما "UC" هما اختصار لكلمتي "Urbis Conditæ" أي لتأسيس المدينة، ويقصدون روما.

تفاصيل أغفلها التاريخ
مع مرور الزمن وانتشار المسيحيّة وانطفاء نجم "روما" التاريخيّة، أخذ الكثير من المسيحيين يرون، أنّ سنة تأسيس روما، عاصمة الامبراطورية التي قضتِ الألفيّة الأولى من تاريخها في الوثنيّة وعبادة الأصنام، لم تعد تعني شيئاً لحساب السنين؛ وعليه آن الأوان لولادة "روما" أن تترك مسرح الزمان لولادة يسوع المسيح ليكون هو العلامة الجديدة لبدء الزمان. كان هذا الحدث، هو الحدث المركزي الأهم في تاريخ البشرية جمعاء، في نظر المسيحيين.
سرعان ما اكتسبت هذه الفكرة زخماً كبيراً في الأوساط المسيحيّة، خاصة وأنّ الامبراطوريّة الرومانيّة تحلَّلتْ تدريجيّاً تحت وطأة هجمات الشعوب البرابرة، ولم يتبقَّ ما يربط المسيحيّين بها حتّى يواصلوا اعتبارها علامة تاريخيّة فاصلة في تاريخ وجودهم. كانتْ تلك هي اللحظة المناسبة لولادة التقويم الجديد، الذي كان يسوع المسيح، حجر الزاوية فيه.
عندها، وَعى المعنيّون بالأمر أنّهم يجهلون اليوم والشهر والسنة التي وُلِدَ فيها يسوع. في الواقع، لم تحفظ الأناجيل هذه التفاصيل. فالإنجيليّون اهتموا ببعض تفاصيل حياة المخلّص، اعتماداً على التعليم الشفوي السابق، لكنَّ أحداً لم يُشغِل باله بتدوين سيرة ذاتيّة لحياة المخلّص.

صغير، لكن فعّال
في ذلك الحين، ظهر على ساحة الأحداث راهب عُرِفَ باسم "ديونيسيوس الصغير"، من بلاد "شيتسيا" جنوب روسيا، لكنّه قضى معظم حياته في روما. لا نعلم إنْ جاءَ لقب "الصغير" نسبة إلى تدنّي وضعه الاجتماعي أمْ نسبة إلى اختياره حياة التواضع.
من المعروف أنّه كان من أكثر رجال حقبته علماً ومعرفة، لاهوتيّاً لامعاً وعالماً كبيراً في مجال تاريخ الكنيسة وعِلْم تسلسل الأحداث. اقتنى مجموعة كبيرة من الوثائق البابوية والقرارات المجمعية واعتنى بها وعلَّق عليها هو شخصيّاً.
أوكل البابا يوحنا الأول في ذلك الحين إلى "ديونيسيوس الصغير" مسألة حساب وتحديد تاريخ ميلاد الرب يسوع. فاعتمد "ديونيسيوس الصغير" لتحقيق هذا الهدف على المعلومات المتوفرة في الأناجيل. ونحن نعلم من إنجيل لوقا أنّ يسوع كان ابن ٣٠ عاماً عندما بدأ رسالته العلنيّة (لو ٣: ٢٣). ولكن في أي عام من التقويم الروماني بلغ يسوع سنّ الثلاثين؟ وجد "ديونيسيوس " الجواب أيضا لدى لوقا الإنجيلي حيث نقرأ: «في العام الخامس عشر لحكم طيباريوس قيصر» (٣: ١).

عندما تمّ وضع يسوع في مركز الأحداث
قام "ديونيسيوس الصغير"بوضع سلسلة من القوائم والتواريخ وقارنها مع بعضها البعض إلى أنْ خرج بنتيجة أنّ العام الخامس عشر لحكم طيباريوس قيصر، والذي بدأ فيه يسوع رسالته العلنيّة، هو العام ٧٨٣ لتأسيس روما. فإذا ما طرحنا ٣٠ عاماً من هذا الرقم، تكون النتيجة أن يسوع وُلِد عام ٧٥٣ لتأسيس روما. وحتى يكون يسوع هو مركز التقويم، توجّب أن يكون العام ٧٥٤ لتأسيس روما هو العام الأول لميلاد يسوع، والعام ٧٥٥ لتأسيس روما هو العام الثاني لميلاد يسوع وهكذا دواليك. وتغيّرت الحروف التي ترافق العام في التقويم إلى حرفي "DC" وهي اختصار لكلمتي "dopo Cristo"(بعد المسيح)، والحرفين "AC"للأعوام التي تصف أحداثاً جرت في حقبة ما قبل المسيح. وعليه، يكون تأسيس روما قد جرى لا في العام الأول بل في ٧٥٣ قبل المسيح أما "ديونيسيوس الصغير" الذي كان يعيش في العام 1287 لتأسيس روما، بات يعيش العام 533 للحقبة المسيحية الجديدة.
لاقَتْ فكرة التقويم الجديد رواجاً كبيراً وانتشاراً واسعاً وشُرِع بتطبيقها في روما أولاً، ثم بعد ذلك في "جاليا" (فرنسا) وإنجلترا. أما إسبانيا فتأخر تطبيقها للتقويم الجديد إلى العام (١٣٥٠) والبرتغال في (١٤٢٢). رغم بعض الصعوبات والمشاكل هنا وهناك، لكن التقويم الجديد ساد العالم نحو أواسط القرون الوسطى وذاع صيت "ديونيسيوس" في كلّ أنحاء العالم القديم. وكُتِبَ في شهادة وفاته: «توفي في العام ٥٤5 بحسب تقويمه».

ما لم يؤخَذ بالحسبان
يُجمِع العلماء المحدثين اليوم، الذين أعادوا تقييم مسألة التقويم وحسابها من جديد، أنّ "ديونيسيوس "أخطأ في حساباته.
يقدّم إنجيل متى بعض المعطيات التي لم يأخذها "ديونيسيوس " بالحسبان. فمتّى يقول أنَّ يسوع وُلِد «في زمن الملك هيرودس» (٢، ١). ونعلم من يوسف فلاڤيوس، المؤرخ اليهودي المعاصر ليسوع، أنّ هيرودس مات العام ٤ ق.م.، بعد بضعة أيام من حدوث كسوف للقمر، في ١٢ آذار. وعليه يكون يسوع قد وُلِد قبل (٤) أعوام من التاريخ الذي حدده "ديونيسيوس " على أقل تعديل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كم من الوقت انقضى على ولادة يسوع، عندما مات هيرودس؟
إذا كان مجيء مجوس الشرق الذين يذكرهم متى في إنجيله هو حدث تاريخي في الأساس، يمكننا أن نستنتج أنهم عندما وصلوا إلى القدس، كان هيرودس لا يزال يتمتع بصحة جيدة. فاستقبلهم واستقصى أمرهم. ولا شك أنّ صحته كانت تسمح له أن يَعِدَ المجوس أنَّه سيذهب بدوره إلى بيت لحم ليسجد للملك الجديد متى عثروا عليه.
عندما اشتدَّ المرض بهيرودس، انتقل إلى أريحا، ومنها إلى "كاليرو" ليستشفي بحماماتها الدافئة، ثمَّ قفل راجعاً إلى أريحا مرة أخرى ومات فيها بعد مدة قصيرة. تمَّت هذه الرحلة في العام ٥ ق.م، في بداية فصل الشتاء. وعليه، يمكننا أن نعود إلى الوراء أقلّه نصف عام، أي إلى منتصف العام (٥) ق. م. حينذاك كان يسوع قد وُلِد بكل تأكيد.

بحثاً عن المزيد من الدقة
هناك حدثٌ آخر دوَّنه متى في إنجيله، ألا وهو واقعة ذبح أطفال بيت لحم للقضاء على الملك الجديد. إذا ما اعتبرنا الحدث تاريخيّاً صحيحاً، كم كان عمر يسوع عند وقوعه؟ يقول الإنجيلي أنّه بعد حساب تاريخ مولد يسوع بالتقريب، أمر هيرودس أن يتم ذبح الأطفال من عمر "سنتين فما دون" (متى ٢، ١٦). زاد الملك في الفترة الزمنيّة حتى يضمن القضاء على الطفل المقصود. وعليه يمكننا أنْ نقول أنَّ يسوع في تلك الأثناء كان ابن عام أو عام ونصف تقريبا.
إذا ما أضفنا هذه الفترة الزمنيّة إلى النتيجة السابقة، يكون يسوع قد وُلِد في فاتحة العام ٧ ق.م. أو منتصف العام ٦ ق.م.
كم من الوقت مضى بين زيارة المجوس ومرض هيرودس؟ لا يمكن أن يكون قد انقضى زمنٌ طويل، وذلك اعتماداً على قول لوقا الإنجيلي أن يسوع كان ابن (٣٠) سنة عندما باشر رسالته العلنية. طبعا هذه السنّ تقريبية وليست دقيقة، ولكن لا ينبغي لنا تجاوزها كثيراً، وإلا لقال لوقا أنّ يسوع كان ابن (٤٠) عاماً عندما بدأ حياته العلنيّة.
إذن، العام الأقرب إلى الدقة بشأن تاريخ ميلاد يسوع هو العام (٧) ق.م.، وعليه يكون يسوع عند بدء حياته العلنية ابن ٣٤ سنة تقريباً.

في سبيل حقبة مسيحية متناغمة مع المعطيات
هذه المعطيات الجديدة حملت البعض على التفكير بإجراء تعديل على التقويم الذي نتبعه اليوم، حتى يطابق قدر المستطاع التاريخ الأدق لميلاد يسوع. وكان الاقتراح أن تتم إضافة ٧ سنوات إلى العام الحالي، وعليه فبدلاً من أن نعيش أحداث العام ٢٠٠٥، يكون العام الحالي هو ٢٠١٢.
هذا الاقتراح المبني على النوايا الحسنة، هو اقتراح غير عملي وغير مجدي بتاتا. فجميع الأحداث التاريخيّة التي نعرفها اليوم قد حفظناها ودونتها آلاف الأعمال التاريخيّة والمؤلفات على مدار القرون السابقة دون الأخذ بالحسبان هذا الفارق. إجراء أي تعديل على التاريخ اليوم يعني القيام بتعديل جميع التواريخ واحداً تلو الآخر وذلك سيتطلب مجهوداً لا داعي له. كيف يمكن أن نقول أن يوليوس قيصر مثلاً قد مات عام ٣٧ ق.م. وليس عام ٤٤ ق.م.، وأنّ الحرب العالميّة الأولى وقعت عام ١٩٢١ وليس عام ١٩١٤. كيف يمكننا تغيير آلاف التواريخ التي رسخت في أذهان الطلبة والتلاميذ في أرجاء العالم كلّه بحيث يتحول تاريخ اكتشاف أمريكا من العام ١٤٩٢ إلى العام ١٤٩٩، وتاريخ توحيد إيطاليا من عام ١٨٦١ إلى عام ١٨٦٨؟
والحقيقة تبقى أنّه رغم الخطأ الطفيف الذي وقع فيه "ديونيسيوس "، يبقى واقع عمله الأساسي صحيحاً وصالحاً حتى يومنا هذا دون إجراء أي تعديل في التقويم. فالهدف الرئيسي من عمل "ديونيسيوس " التاريخي هو أن يصبح يسوع المسيح، ابن الله المتجسد، هو الحدث الرئيسي الذي تتمحور حوله كافة الأحداث التاريخيّة والوقائع البشريّة، بحيث ينقسم التاريخ إلى ما قبل المسيح وما بعده. هذ المخطّط النهجي لن يتأثر أبداً بفارق السنوات السبعة المكتشفة.

هل حلَّ فعلاً العام ٢٠٠٠؟
يحملنا هذا الاكتشاف إلى التأمل في البلبلة التي وقعت مع اقتراب حلول الألفية الأخيرة، والرعب الذي انتشر بين بعض الناس خاصة مع تصريحات المشعوذين بقرب نهاية العالم والدخول في حقبة جديدة من الأبراج الفلكية وما شابه ذلك من ادعاءات من مثل "تؤلَّف ولا تؤلَّفان". فنجد أنفسنا نتساءل وبحق: هل حلَّ فعلاً العام ٢٠٠٠؟!
هذه البلبلة لا تدعو إلى الاستغراب، فقد رافقت الألفية الأولى ظاهرة مشابهة وتنبأ الكثيرون بأحداث مأساوية واضطرابات كونيّة ناشرين الرعب في نفوس الناس.
كما تبيّن لنا أعلاه، حلول العام ٢٠٠٠ بحسب تقويم "ديونيسيوس "، لم يحصل عندما دقت الساعة منتصف ليلة ٣١ كانون الأول عام ٢٠0٠، بل وقع قبل ذلك بحوالي سبعة سنوات. لكن الكثير من شعوب العالم وأتباع الديانات الأخرى لم تحتفل بالعام ٢٠٠٠. فأتباع الديانة الإسلاميّة البالغ عددهم حوالي مليار مسلم ما زالوا يعيشون العام ١٤٢5-١٤٢6 للهجرة، بينما مسلمو إيران، يُشير تقويمهم إلى العام 1384. واليهود الذين يبلغ عددهم في العالم ١٩ مليون نسمة فيعيشون في العام (٥٧٦٥-٥٧٦٦). واليابان تعيش اليوم العام (٢٦٦4)، أمّا الهنود فيعيشون العام (٢٠62) والصينيون (العام ٢٥٥5).

والمسيحيون كذلك
يختلفون بشأن العام الذي يعيشون فيه اليوم. فأقباط مصر يحتفلون بالعام ١٧21، أما مسيحيو العراق الكلدانيون فالعام الحالي هو (6754)، وهو العام 1451 للأرمن والعام 2316 للسريان. فإذا أضفنا لجميع هؤلاء المسيحيين الكاثوليك الذين أخطأوا بفارق ٧ سنوات عن التاريخ الحقيقي لبدء الحقبة المسيحيّة، نجد أنّ السؤال المطروح له إجابة واحدة: لا يمكن أن نتحدث فعلاً وحقيقيةً عن "العام ٢٠٠٠" بصفة عالميّة أو كونيّة شاملة للجميع، وذلك لأنّه عمليّاً العام (٢٠٠٠) لم يحلّ إطلاقاً. لذلك كان من السخف والهراء المحض بناء كلّ تلك الخزعبلات بشأن حلول العام (٢٠٠٠).
t t t
علينا أن نشكر "ديونيسيوس" لأنّ المسيح يملك اليوم على التقويم الخاص بنا. كلّ مرّة نكتب التاريخ في فاتحة رسالة أو لتوقيع شيك بنكي، أو لتوثيق شهادة عماد أو شهادة زواج، فإنّنا نذكر من خلاله مجيء سيّدنا وربّنا يسوع المسيح إلى هذا العالم، حتّى وإن كنّا لا نعي ذلك.
يسوع هو مركز التاريخ، وهو مركز تاريخنا. علينا إذن أنْ نحيا ونتصرّف بحيث يكون يسوع حاضراً في مركز حياتنا اليوميّة دائماً.

تحياتي القلبية
11-05-2005, 10:25 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أنور غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 437
الانضمام: Feb 2005
مشاركة: #2
في أي عام وُلِدَ يسوع
[MODERATOREDIT]التصوّر الإسلامي للمسيح

"إن أتباع محمد أوفر أدباً في كلامهم عن المسيح"
- برناردشو –

ولد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من غير أب ! وهو حدث عجيب ! ولكنه ليس أعجب من خلق آدم الذي خلق من غير أب ومن غير أم (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ))(1) ، وفي هذه الآية نقرأ حُجة دامغة شبهت الغريب بما هو أغرب منه ، فلقد شاءت حكمة الله أن تشهد الإنسانية هذه الولادة العجيبة كي تتلفت من خلالها إلى قدرة الله ، إن عز عليها أن تتلفت إلى العجيبة الأولى – خلق آدم – التي لم يشهدها إنسان ، وثمة حكمة ثانية، وهي إعادة التوازن الروحي لبني إسرائيل الذين غرقوا في المادية ، فكانت ولادة المسيح الخارقة إعلاناً لعالم الروح .
ولما كان المسيح عليه السلام جنيناً صغيراً في بطن أمه الطاهرة ، كان الله يرعاه ، وكان يغذوه من دمها الطاهر الزكي ، وطبيعي أن السماوات والأرض كانت مخلوقة بقدرة الله وحده لما كان المسيح يتخلّق في رحم العذراء البتول (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))(2).
وقد تفرّد القرآن الكريم بذكر قصة ولادة المسيح بتفصيل مبين ، وبأسلوب معجز جميل وجليل ، يقول الله تعالى في سورة مريم : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ، فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ، قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ، فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا، فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ، فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ))(3).
وإن دارس القرآن يدرك أن القرآن لم يذكر قصة مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان مولداً طبيعياً ، وهذا من أظهر الأدلة على أن القرآن ليس من عنده ، وإلا لاهتم بمولده أكثر من اهتمامه بمولد عيسى بمقتضى الطبيعة البشرية .
والعجيبة الثانية التي ذكرتها الآيات الكريمة أن المسيح عليه السلام قد كلم الناس في المهد ليُبرِّئ ساحة أمه الطاهرة التي قال القرآن فيها: (( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ))(4).
وقد أكد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رفعة السيدة مريم فقال: "خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة"(5). والعجيب حقاً أن يتكرر الذكر العطر للسيدة مريم كثيراً في القرآن من دون أن يذكر اسم والدة محمد صلى الله عليه وسلم ! والسؤال الذي يطرح نفسه : لو كان القرآن من عند محمد فهل كان سيَفصلَه عن ذاته فيغفل ذكر أمه ثم يثني على أم رسول آخر ؟! ألا تدل هذه الظاهرة على أن القرآن الكريم قد صدر عن أفق أعلى من ذات النبي محمد ؟.
هذه الصورة الرائعة في القرآن للسيدة مريم على خلاف الصورة اليهودية التي رسمها يهود ، إذ طعنوا في عفتها وافتروا عليها بهتاناً عظيماً ، ومن المفارقات العجيبة التي ألمح إليها الدكتور شوقي أبو خليل (6) أن يعمد القائمون على طباعة الأناجيل المتداولة إلى طباعة العهد القديم كتاب اليهود المقدس ونشره مرفقاً مع العهد الجديد ! وكان الأولى بهم أن يطبعوا وينشروا القرآن الكريم .
ونتساءل هل يمكن أن يكون الصمت خطيئة !! نعم إذا كان هذا الصمت يحجب الإيمان والحقيقة ، ولكن الصمت مهما طال فستمزقه كلمة حق حين تُقال.
شب المسيح في كنف أمه التي كانت تحوطه وترعاه ، فبادلها حباً بحب وبرٍّ ووفاء وقد سجل القرآن هذا (( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا ))(7).

على حين نقرأ في إنجيل يوحـنــا (2/3) : " ولما فرغت الخمر قالـت أم يسوع لــه : ليس لهم خمر ، قال لها يسوع : مالي ولك يا امرأة " !

المسيح إنسان ورسول :
أكدت الأناجيل المتداولة بشرية المسيح عليه السلام وأنه "ابن الإنسان" في عشرات المواضع . ففي إنجيل متى (8/20) " لطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه" ، وفي إنجيل يوحنا (8/40) " أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله" .
ولقد كان المسيح عليه السلام كغيره ، يجوع فيأكل الطعام (( مَّا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ ))(8).
وفي إنجيل متى (21/18) "وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع" .
هذا الإنسان العظيم كان ذا شخصية جذابة وذا خلق كريم ، اصطفاه الله ليكون رسولاً إلى بني إسرائيل يحكمهم بشريعة التوراة وهداية الإنجيل فدعاهم إلى الإيمان بالله وحده ، وإلى إخلاص العبادة له ، وذلك بعد أن انحرف بنو إسرائيل فمنهم من عبد العجل ، ومنهم من قال : عزير ابن الله ، ومنهم من قتل الأنبياء أو افترى عليهم عظيم القول ، ورسالة المسيح عليه السلام كانت خاصة ببني إسرائيل يقول الله تعالى : (( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ، وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ))(9) ، وفي إنجيل متى ورد : " لم أُرسَل إلا إلى خراف بني إســرائيل الضالــة"(10) ،
وقد ذُكرت مهمة المســيح الرسـاليـة في القــرآن الكريم (( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْــهُ ))(11)، كما ذكرت هذه المهمة في الأناجيل ، ففي إنجيل يوحنا ( 17/3 ) "أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" ، وفي إنجيل لوقا (24/19) "يسوع الناصري الذي كان إنساناً نبياً" .
وكسائر الأنبياء الكرام فقد أيد الله رسوله المسيح بمعجزات وآيات ، من ذلك أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله .

دعوة المسيح هي توحيد الله :
طاف المسيح عليه السلام في البلاد سائحاً يدعو العباد إلى التوحيد الخالص وإلى عبادة الله وحده، وراح يدعو بني إسرائيل بآيات الإنجيل ، وبمواعظ تسحر الألباب ، لقد كان عليه السلام كالحكمة الطائفة ، وكأنفاس الحياة ، يزرع الخير ويغرس شجرة التوحيد والعبودية لله الواحد الأحد (( وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)(12) ..(( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ))(13).
وفي إنجيل لوقا ( 4/8 ) "إنه مكتوبٌ للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد" .
وفي مُرقس (2/7) : "من يَقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده ؟!" ، وفيه (12/9) : "الربُّ إلهُنا ربٌ واحد" .
وقد سبق أن قرأنا هذه الكلمة : "أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع المسيح الذي أرسلته" والتي يمكن أن نقرأها أيضاً هكذا : "لا إله إلا الله ، والمسيح رسول الله" ..
أما القديس (آريوس ) فيقول : "بما أن الرب واحد وغير مولود كالمسيح فهو الإله الوحيد" ، ويقول المستشرق الشهير غوستاف لوبون : "لا شيء يدل على أن الناس عدّوا يسوع إلهاً في القرن الأول من النصرانية"(14) ، أما شاعر الألمان الأكبر يوهان غوته فيقول : "يسوع كان طاهر الشعور ولم يؤمن إلا بالله الواحد الأحد ، ومن جعل منه إلهاً فقد أساء إليه ، وهكذا فإن الحق هو ما نادى به محمد"(15) .
ويتساءل غوته متعجباً : "تريدين أن تُقدمي إلي هذه الصورة البائسة للمصلوب على الخشب على أنه الله ؟!(16).. إذا كان للرب كفواً أحدٌ أيكون بعدها رباً؟" (17)، وفي المؤتمر الذي عقده أساقفة الأنجليكان في إنجلترا عام 1984 وحضره (31) أسقفاً قرر تسعة عشر منهم أنه يكفي اعتبار المسيح رسولاً عظيماً فحسب(18).

بشارة المسيح ببعثة محمد عليهما السلام :
أنزل الله تعالى ( الإنجيل ) على المسيح (( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ))(19) ، وكلمة (الإنجيل) تعني باليونانية ( الخبر الطيب ) أو ( البشارة الطيبة ) والذي يبدو أنه قد سمي بهذا الاسم لأنه كان آخر كتاب سماوي بشَّر باقتراب موعد نزول الكتاب الإلهي الخالد ( القرآن الكريم ) ، ولأنه بشَّر أيضاً بقرب بعثة الرسول الخاتم محمد ، بدليل قول المسيح عليه السلام ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ))(20).
أما القرآن فقد اشتُقّ اسمه من ( القراءة ) بمعنى الاستقراء والتحليل والفهم ، وتأكد هذا المعنى بأن أول كلمة نزلت من القرآن هي ( اقرأ ) وأول أداة ذكرت فيه هي ( القلم ) .
وقد تواترت البشارات في الأناجيل المتداولة ، ففي إنجيل برنابا(21)(36/6) : "قد جاء الأنبياء كلهم إلا رسول الله الذي سيأتي بعدي ، لأن الله يريد ذلك حتى أهيئ طريقه" ، وفيه (44/19) : "إن رسول الله مزدان بروح الفهم والمشورة ، روح الحكمة والقوة ، روح الخوف والمحبة ، روح التبصّر والاعتدال ، ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلى العالم" .
وبشارة تواترت تقول "اقترب ملكوت السماوات"(22) ، و "ليأت ملكوتك"(23)، والذين بشّروا باقتراب ملكوت السماوات هم يحيى وعيسى عليهما السلام ، وتابعهما الحواريون والتلاميذ ، وفي إنجيل متى نقرأ قول المسيح :
"الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ، لذلك أقول لكم إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمة تعمل أثماره ، ومن سقط على هذا الحجر يترضّض ومن سقط هو عليه يسحقه"(24).
لقد كانت بعثة المسيح عليه السلام إذن هي المقدمة الأخيرة لمجيء الرسول الخاتم الذي صار رأس الزاوية.. وقد صور الرسول عليه الصلاة والسلام الرسالات السماوية في جملتها أحسن تصوير حين قال :
" إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً ، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يطوفون به ، ويتعجبون ويقولون هلاّ وُضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"(25).
يقول الدكتور محمد عبد الله الدراز : "كانت الشرائع السماوية خطوات متصاعدة ولبنات متراكمة في بنيان الدين والأخلاق وسياسة المجتمع . وكانت مهمة اللبنة الأخيرة أنها أكملت البنيان ، وملأت ما بقي فيه من فراغ ، وأنها كانت بمثابة حجر الزاوية الذي يمسك أركان البناء إنها إذاً سياسة حكيمة رسمتها يد العناية الإلهية لتربية البشرية تربية تدريجية لا طفرة فيها ولا ثغرة ، ولا تناقض ولا تعارض ، بل تضافُرٌ وتعانقٌ وثباتٌ واستقرارٌ ، ثم نموٌ واكتمالٌ وازدهار"(26).
لقد اكتمل برسول الله بناء النبوة الشامل ، وبهذا الاكتمال انتهى بناء الصرح العظيم فلا محل لزيادة فيه ، يقول الله تعالى : ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ))(27).
ويقول : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ))(28).

نهايــة المسـيح عليـه السـلام :
لم تكن نهاية السيد المسيح على الأرض أقل عجباً من ولادته ! فبعد أن لاقت دعوته الرفض من يهود ، وبعد أن بهتوا أمه البتول ، فاض حقدهم عليه ، فعزموا على قتله وصلبه ، فنجّاه الله منهم ورفعه إليه ، ((وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ))، وفي إنجيل برنابا نقرأ : "دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيهاً بيسوع من كل وجه .. فأخذ الجنود يهوذا وأوثقوه .. وقادوه إلى جبل الجمجمة ، وهناك صلبوه ، ولم يفعل يهوذا شيئاً سوى الصراخ : يا الله لماذا تركتني"(29)، وفي هذا العصر برّأت الكنيسة اليهود من دم المسيح ، لاقتناعها ضمناً بأن المصلوب لم يكن المسيح ، وإلا فهل يعقل أن تُفرِّط الكنيسة بدم المسيح هذا التفريط مهما كانت الأسباب ؟! . ونتساءل مع الدكتور سامي عصاصة : "هل اســتغرق اكتـشـــاف هــذا الخطأ ألفي عـام قبــل أن يجري تصحيحه؟!"(30).
ومثلما تفرّد القرآن الكريم بالحديث عن المسيح قبل مولده ، تفرد أيضاً بالحديث عنه يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد . ففي موقف مستقبلي مهيب ، يرسم القرآن الكريم مشهداً جليلاً يصور فيه موقف المسيح مع إخوانه الأنبياء بين يدي الله تعالى يوم الحساب : (( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ )) (31).
إنه استجوابٌ هائل في موقف مرهوب ، وجوابٌ من المسيح كله أدب مع الله ، ((إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ )) فهو لم يقل في جوابه "لا لم أقله" ! وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى ، وحقاً إن التاريخ يغدو قصة فارغة إذا خلا من أدب الأنبياء ، ومن سير الأنبياء ، ومن تعاليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

تاريـخ المســلم :
وثمة كلمة مسلمة نقولها في المسيح عليه السلام ، إن المسلم لا يكون مسلماً أبداً إن لم يؤمن بأنبياء الله كلهم كإيمانه بمحمد عليه السلام ، فإذا كفر بواحد منهم ، أو تناوله بكلمة سوء واحدة ، فقد انسلخ عن الإسلام ، فمن لا يؤمن برسول من الرسل الكرام هو كمن لا يؤمن به كلهم ، وإن تاريخ المسلم هو تاريخ الرسالات السماوية كلها ، فهو يؤمن بإبراهيم وموسى وعيسى ، وبالتوراة والإنجيل كإيمانه بمحمد وبالقرآن سواء بسواء ، قال الله تعالى : (( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ )) (32).
والمسلم يسير أبداً في ركب الأنبياء عليهم السلام ، فهو يترسَّم خُطاهم ، ويعتبر تاريخَهم تاريخَه ، ونحن المسلمين ، مذ كنا صغاراً تفتحت قلوبنا على آدم في جنته ، وعلى نوح في سفينته ، وعلى إبراهيم يحطم الأصنام بساعديه ، وعلى موسى إذ يشق البحر بعصاه ، وعلى عيسى بن مريم إذ أتت به قومها تحمله فكلمهم في المهد ، وعلى محمد في غاره يردّد قول الأمين جبريل : (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )) .. نحن المسلمين-يقول القرضاوي : "إذا جاءنا اليهود تحت راية موسى ، جئناهم تحت رايــة موســـى وعيســى ومحمد عليهم السلام"، ونحن المسـلمين لا نعيش – بحمد الله – أية عقدة تجاه أية رسالة سماوية أو أي رسول ، ونحن كما قال نبينا محمد ، "أولى الناس بعيسى بن مريم" إذ يسكن حبه وحب أمه الطاهرة في أعماقنا، وهذا الحب لا يوازيه إلا محبتنا لسائر الأنبياء الكرام .
هذه هي نظرتنا إلى الأنبياء فهل سينظر أتباعهم إلى نبينا النظرة ذاتها ؟ يقول م. كويت "قد شب أغلب الغربيين على كراهية الإسلام ، بينما شب المسلمون على حب المسيح والإنجيل المنزل عليه"(33) . ويقول البريطاني أرسكين تشايلدرز : "إن العلاقة بين المسلمين وغيرهم لم تكن متوازنة من البداية ! فقد اعترف الإسلام بالديانات السماوية واعتبر الإيمان بأنبيائها جزءاً من سلامة اعتقاد المسلم ، في حين أن أهل هذه الأديان لم يعترفوا بالإسلام ولم يهادنوه يوماً".
ويقول رينيه ديكارت في (مقالة الطريقة ): "نحن والمسلمون في هذه الحياة .. ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية ، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان" ، ويقول المسلم د. محمد غريب : "لو عرف المسيحيون الإسلام وأسلموا لأكرموا المسيح عليه السلام أكثر" .
نأمل أن يكون البحث عن الحقيقة هو رائد الناس كل الناس ، ونأمل أن يؤدي الصدق مع الذات إلى مراجعة واعية للمواقف والاعتقادات ، ونرجو أن يؤدي التفكر والحوار الموضوعي دورهما في طريق البحث عن الحقيقة .

د.عبد المعطي الدالاتي
" عن كتاب " ربحت محمداً ولم أخسر المسيح "
]http://saaid.net/Anshatah/dawah/22.htm[/MODERATOREDIT]
11-06-2005, 12:47 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
حسن سلمان غير متصل
Psychiatrist
*****

المشاركات: 1,608
الانضمام: Mar 2005
مشاركة: #3
في أي عام وُلِدَ يسوع
[MODERATOREDIT]مقال رائع يا اخي
بل أكثر من رائع
بارك الله فيك (f)[/MODERATOREDIT]
11-06-2005, 01:51 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ابن العرب غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,526
الانضمام: May 2002
مشاركة: #4
في أي عام وُلِدَ يسوع
[MODERATOREDIT]على رأي المثل: "زقوني ولا تنسوني"

تخلف واضح وحمق ما بعده حماقة.[/MODERATOREDIT]
11-06-2005, 01:02 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
muslimah غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 749
الانضمام: Feb 2003
مشاركة: #5
في أي عام وُلِدَ يسوع
وهل من الزق والتخلف والحمق أن أوجه لك هذا السؤال :

هل يولد الإله؟
11-06-2005, 01:13 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Logikal غير متصل
لاقومي لاديني
*****

المشاركات: 3,127
الانضمام: Oct 2003
مشاركة: #6
في أي عام وُلِدَ يسوع
اقتباس:  ابن العرب   كتب/كتبت  
هناك حدثٌ آخر دوَّنه متى في إنجيله، ألا وهو واقعة ذبح أطفال بيت لحم للقضاء على الملك الجديد. إذا ما اعتبرنا الحدث تاريخيّاً صحيحاً، كم كان عمر يسوع عند وقوعه؟ يقول الإنجيلي أنّه بعد حساب تاريخ مولد يسوع بالتقريب، أمر هيرودس أن يتم ذبح الأطفال من عمر "سنتين فما دون" (متى ٢، ١٦).


لماذا لم يتم ذكر هذه الحادثة في اي مرجع تاريخي معاصر و لا أي من الاناجيل الثلاثة الاخرى بما فيها انجيل مرقس الذي هو اقدم من متى و لا حتى اي من الاناجيل الابوكريفية المزيفة منها و الصحيحة؟

ابن العرب، دعني أسألك سؤالا واضحا: هل تعتقد انت شخصيا أن الاحداث المنسوبة لحقبة طفولة المسيح هي احداث تاريخيا؟ اذا كان جوابك هو "لا أعلم"، فما هو تخمينك يا ترى؟ أنا أتكلم طبعا عن جميع الاحداث المروية في متى و لوقا، عن ميلاد المسيح و طفولته، و التي لم يرد ذكرها في اي مصادر قديمة (أقدم من متى و لوقا) مثل انجيل مرقس و رسائل بولس.
11-06-2005, 06:12 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
Logikal غير متصل
لاقومي لاديني
*****

المشاركات: 3,127
الانضمام: Oct 2003
مشاركة: #7
في أي عام وُلِدَ يسوع
اقتباس:  muslimah   كتب/كتبت  
وهل من الزق والتخلف والحمق أن أوجه لك هذا السؤال :  

هل يولد الإله؟


يا زميلة مسلمة، لا يستحيل شيء على اللـه! من أنتِ حتى تحكمي على اللـه و تقولي اللـه لا يمكن ان يفعل هذا و يمكن ان يفعل ذاك؟
11-06-2005, 06:14 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
أنور غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 437
الانضمام: Feb 2005
مشاركة: #8
في أي عام وُلِدَ يسوع
[MODERATOREDIT]
اقتباس:  ابن العرب   كتب/كتبت  
على رأي المثل: "زقوني ولا تنسوني"

تخلف واضح وحمق ما بعده حماقة.


الحمق والغباء والتخلف أن يهتم المعنيّون بالأمر بسهرات الخمر في الحانات وقصص الجنس وينسون تاريخ ميلاد المسيح ...حتى عام ولادته لم يدونوه...لكن حوارات السكارى والغزل يتذكرونها ...عن ظهر قلب ...أليس هذا هو الحمق والغباء أعزائي ...

:bye:[/MODERATOREDIT]
11-06-2005, 07:28 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الصفي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 4,035
الانضمام: Mar 2004
مشاركة: #9
في أي عام وُلِدَ يسوع
اقتباس: ما لم يؤخَذ بالحسبان
يُجمِع العلماء المحدثين اليوم، الذين أعادوا تقييم مسألة التقويم وحسابها من جديد، أنّ "ديونيسيوس "أخطأ في حساباته.

حسب متى فان يسوع ولد عندما كان هيرودوت حاكما على اليهودية. و يقول لوقا انه ولد عندما كان سيرينيوس حاكما لسوريا. و لكن ميلاده لا يمكن ان يكون قد حدث اثناء حكمهما , لان هيرودوت مات سنة 4 ق م . كما ان سيرنيوس لم يصبح حاكما لسوريا الا بعد 10 سنوات . و عليه فان بين هيرودوت و سرينيوس كامل فترة حكم ابن هيرودوت ارشيلوس. فهناك اختلاف 10 سنوات حول تاريخ مولد المسيح بين متى و لوقا.
و ايضا احد الاخطاء الشائعة ايضا هو اعتبار ان يوم 24 ديسمبر او الكريستماس هو يوم ميلاد المسح ( او تجسده حسب العقيدة المسيحية) فقد اثبتت الدراسات ان الاحتفال بهذا اليوم سبق ميلاد المسيح بثلاثمائة سنة :
Archeologists say they have traced the origins of the first Christmas to be celebrated on 25 December, 300 years before the birth of Christ. The original event marked the consecration of the ancient world's largest sun god statue, the 34m tall, 200 ton Colossus of Rhodes

http://www.independent-media.tv/item.cfm?f...desc=Philosophy

و قد ابتدع الاحتفال بالكريستماس في الامبراطورية الرومانية كرد على الاحتفال الوثني الذي ارساه الامبراطور اورليان في العام 274 بعد الميلاد .
و لكن هل ولد المسيح في شهر ديسمبر؟
الاصل المسيحي في اعتبار ان المسيح و لد في 24 ديسمبر هو انه في التعاليم اليهودية القديمة , اعتقاد بان الانبياء يموتون في نفس تاريخ ولادتهم او الحمل بهم. و بما ان بعض الحسابات المسيحية تضع الصلب يوم 25 مارس , و بالتالي فهو نفس يوم الحمل به لهذا تكون ولادته بعد 9 اشهر توافق يوم 25 ديسمبر.
و لكن بعض النصوص المذكورة في البشارات تضع تاريخ ميلاد يسوع في فصل الخريف بين اغسطس و اكتوبر. فقصة الرعاة الذين قدموا لرؤية الطفل المقدس تستبعد ان يكون قدومهم بقطعانهم حدثت في الشتاء. كما ان الاحصاء السكاني الذي امر به قيصر و اضطر كثير من السكان للعودة الى مواطنهم من المستبعد ان يتم في فصل الشتاء البارد حيث ان قيصر كان حريصا الا يتصاعد التمرد وسط الشعب الاسرائيلي.
عليه فان الخطأ ليس فقط في سنة ميلاد المسيح بل ايضا في شهر مولده.
11-07-2005, 08:45 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
هادم الاباطيل غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 455
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #10
في أي عام وُلِدَ يسوع
[MODERATOREDIT]
اقتباس:  ابن العرب   كتب/كتبت  
على رأي المثل: "زقوني ولا تنسوني"

تخلف واضح وحمق ما بعده حماقة.


مبروك عليك مبروك مبروك

من قال لأخيه أحمق استوجب نار جهنم متى 5 : 22
11-07-2005, 10:11 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  تلفيق النبؤات : كيف لفق كتبة الاناجيل نبؤات تتنبأ عن يسوع رغم انف النصوص اليهودية سواح 150 35,798 05-28-2013, 03:35 PM
آخر رد: ABDELMESSIH67
  نعم اقدم وثائق مسيحية تثبت صلب يسوع الناصرى ومحمد ابيونى كافر الزنديق 5 1,705 05-17-2012, 03:01 PM
آخر رد: JOHN DECA
  يسوع خارج العھد الجديد coptic eagle 16 3,482 05-02-2012, 02:44 PM
آخر رد: ahmed ibrahim
  لماذا أراد اليهود رجم يسوع ؟. جمال الحر 3 1,586 02-10-2012, 04:36 PM
آخر رد: TERMINATOR3
  هل كذب الرب يسوع ؟.و ما دليل كذبه ؟. جمال الحر 1 1,092 02-05-2012, 01:59 PM
آخر رد: ابانوب

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS