[SIZE=5]بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين..

وبعد..

فقد وجدت مذ دخلت هذا المنتدى جهلا عند بعض الزملاء في علوم الحديث، أو ما يُسمى بعلم مصطلح الحديث، حتى رمى أحد الزملاء المسلمين بأنهم يصححون ويقبلون حديث المجهول ومن لا يُعرف، ورمى عدد كبير من الزملاء المسلمين بأنهم يصححون ويضعفون على هواهم، وذلك أن بعض الزملاء كان يعمد إلى كتب الحديث، فينقل عنها أحاديث لا تصح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستدل بها على فساد الدين، وكان حين يبين أحدنا ضعف الحديث أو فساده، يستنكر الزملاء عمله وصنيعه، على أن ذاك الحديث ما أخذه إلا من كتب معروفة موثوق بأصحابها عند المسلمين، وما درى وما عرف ذاك المسكين أن كتب الحديث ما اشترط أصحابها تدوين الصحيح، وحيث أسند المؤلف الحديث إلى أصحابه فلا شيء عليه، فقد كان أصحاب الحديث يجمعون، ثم ينقحون، وهذا في كثير من الأحيان كان السبب في وجود تلك الأحاديث في كتبهم فكان الواحد منهم يموت قبل أن يتم عمله في تصحيح كتابه وتنقيحه، ولكن جهابذة العلماء تابعوا أجدادهم فصححوا ونقحوا، كما في المستدرك للحاكم النيسابوري، حيث وجد العلماء صحة أحاديث كتابه في الأجزاء الأولى دون الأخيرة، وذلك أنه عاد فنقح تلك الأحاديث، ولكن المنية عاجلته، فجاء الذهبي بعده بعدة قرون فصحح ونقح ما في كتاب الحاكم رضي الله عنه وأرضاه...


ولما سبق فقد رأيت أن أكتب في هذا العلم، في حلقات تزيل اللبس عند الزملاء، وتذكر الإخوة الأحباب بما نسوا من علم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فإلى الحلقة الأولى من هذا العلم العظيم الذي ما عرفته أمة من الأمم، ولا الإخباريون ولا الصحفيون في نقلهم للأخبار على مدى العصور والأزمان...

[SIZE=5]الحلقة الأولى، وهي في كتابة الحديث وحفظه عصر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم


في الحقيقة إن محمدا صلى الله عليه وسلم عاش في أمة لا تعرف القراءة ولا الكتابة، لكنها أمة امتازت بفنون الشعر والنثر، الذي فاقت به كل الأمم بلا منازع، وامتازت هذه الأمة رغم فقدها لوسائل الكتابة والخط، امتازت بقوة الذاكرة والحفظ، وعُرف عن المشركين في الجاهلية حضورهم لأسواق عكاظ وذي المجنة وغيرها من الأسواق، التي يجتمع فيها أقحاح العرب ممن يقرضون الشعر، وعُرف عنهم حفظ تلك القصائد كأنسابهم، وكان هذا من تهيئة الله تعالى لبعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، ليحفظوا عنه هذا الدين في صدورهم، فلا يكون في يد الآثمين يحرفونه، كما فعل بنو إسرائيل في كتبهم...


ولما أن كانت البعثة المباركة، وكان نزول القرآن الحكيم، وكانت كتابته على الألواح والجلود وسعف النخيل، وكان في ذات الوقت يحفظه عامة المسلمين، حيث يقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم ما يتنزل عليه أمام الملأ منهم فيعونه ويحفظونه حفظ أسمائهم وأسماء آبائهم، فكان التواتر حينها حليف القرآن لا شك ولا مرية فيه، وأما السنة فما كان لها ما كان للقرآن الكريم، لأنها ليست كالقرآن يتلى أمام الجميع، إذ السنة في تعريفها الاصطلاحي عند علماء الحديث: هي كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقية أو خُلقية.


ومن ذاك التعريف يعرف كلنا أنه يستحيل تواتر السنة المطهرة كالقرآن العظيم، فقد تنتبه بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أفعاله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وتغفل عن فعله ذاك أُخريات، ولعل هذا من حِكم التعدد للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ينتبه كذلك الصحابة رضوان الله تعالى عنهم لبعض أفعاله، ويغفل عنها آخرون، وقد يكون بعضهم ملازما له كأبي هريرة رضي الله عنه، وقد يكون مقام البعض بعيدا عنه كعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، حيث كان يسكن عوالي المدينة.


ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كتابة السنة وقت نزول القرآن، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي قال همام: أحسبه قال متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وما ذاك إلا خشية اختلاطها بالقرآن، ولم يجز كتابتها صلى الله عليه وسلم إلا لآحاد من الصحابة قليل، وكأنهم كانوا قد اختصوا بهذا الشأن عن سواهم، فلا يكتبون إلا السنة في صحائفهم، وهنا تظهر الصورة في الإذن بالرواية دون الكتابة، وهذه حكمة بالغة عظيمة ما بعدها حكمة، فقد يتنزل الوحي ويكتب الصحابة ذاك الوحي، فلعلهم يرون تصبب العرق منه صلى الله عليه وسلم حال نزول الوحي، فيعمد أحدهم لوصف هذه الحال في صحيفته فيخلط من يأتي بعده هذا بذاك من حيث لا يدري، أما الحفظ فلا بأس فيه ولا خلاف..

أخي الحبيب الدارقطني

أنا متابع لك في هذا الموضوع الشيق والذي هو في غاية الأهمية ، حيث أن الكثير من النصارى - بجهل منهم - يظنون أن المسلمين يحكمون على الأحاديث تضعيفاً وتصحيحاً تبعاً لأهوائهم ، بل طالعني الزميل الراعي في أحد مواضيعي - وأيضاً في أحد مواضيعك - بأننا نعتمد على عنعنات مجهولين ( عن فلان عن أبي فلان عن أم فلان ) لا نعرف إلا أسماءهم ، وامتنعت أن أرد عليه في موضوع إنجيل مرقس حتى لا أعطيه الفرصة لتشتيت موضوعي كعادته دائماً .

فبارك الله فيك على هذا الموضوع المفيد عسى أن يدركوا يوما ماهية السند ، فلو أدركوه وعقلوه بصدق ، ونبذوا التقليد والتعصب والتحيّز لما تمسكوا بدينهم لحظة واحدة .

وفقك الله في مسعاك

العميد

[SIZE=5]حفظك الله أخي العميد..

قد شرفت بتعليقك على موضوعي أيها الغالي الحبيب..

وأهلا باقتراحاتك وتعليقاتك في كل وقت وحين...

تسجيل متابعة و اهتمام

جزاك الله خيرا يا الدار قطني

(f)

[SIZE=5]أهلا وسهلا بالأخ العزيز كمبيوترجي لا حرمنا الله من خيره..

[SIZE=5]الحلقة الثانية، وهي في حفظ الحديث عصر الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عنهم (قبل الفتنة)


ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولي من بعده الخلافة أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فما استقر له الأمر حتى ظهرت حركات الردة ممن لم يسلم الإيمان في قلوبهم، وظهر ما يُسمى بمدعي النبوة والرسالة، كالأسود العنسي وسجاح ومسيلمة الكذاب، وهذا الأخير كان هو الشاغل الأكبر للصحابة في ذاك الحين، وذلك أن معركة حامية دارت بينه وبين الصحابة في نجد الجزيرة العربية قُتل على إثرها سبعون من القراء من حفاظ كتاب الله العزيز، في موضع عُرف بحديقة الموت بعد ذلك لشدة القتل الذي استحر بالمسلمين وقت ذاك..


وعندها أمر أبو بكر الصديق بمشورة من عمر رضي الله عنهما بجمع القرآن في كتاب واحد، لئلا يضيع بموت القراء وحفاظه، وكان هذا سببا آخر في عدم كتابة السنة في ذلك الوقت والحين...


ثم كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان عصره عصر هدوء ورخاء، وفتوحات وانتصارات، وكان في جانب نقل الحديث شديدا جدا، فكان يدعو راوي الحديث لإقامة الحجة على صحة روايته بالشهود، وإلا جلده وضربه، ومن ذلك ما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، فيقول: (كنا في مجلس عند أُبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع. قال أبي وما ذاك قال استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت قال قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا فقال أبي بن كعب فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا) فهذا حديث عرفه عدد من الصحابة حضروا الواقعة وما عرفه عمر، ولأجل ذلك أنذر عمر أبا موسى بالضرب وإلا بالشهود يشهدون على صحة حديثه، وأن ذاك الكلام قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما شهد الشاهد بذلك رضي عمر رضي الله تعالى عنه ورحمه...


وكانت رواية الحديث مع ذلك قليلة جدا في عصر عمر مقارنة بعصر خليفته عثمان رضي الله عنه، وذلك أن الصحابة كانوا هم غالبية المجتمع في ذلك الوقت فلا يحتاجون لمن ينقل لهم الحديث الذي سمعه جلهم وعرفه أكثرهم، لكن الأمر اختلف بعد عصر عمر حيث دخل بسبب الفتوحات التي كانت في عهده عدد كبير من الناس، ما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأوه أصلا، وهؤلاء كان منهم المؤمن التقي، والفاجر الدني الذي دخل الإسلام نفاقا، للحصول على مكاسب دنيوية فيما يرى تارة، وانتقاما من المسلمين حيث الإيذاء لهم بالخفاء تارة أخرى، وسنرى فعل هؤلاء وإيذاءهم وضررهم الكبير لولا هذا العلم العظيم، علم مصطلح الحديث، الذي ما عرفه ترك ولا فرس ولا روم...

الزميل الدارقطني

يوجد بمصطلح الحديث شئ يطلقون عليه - توفيق الأحاديث - بمعني إنهم إذا وجدوا حديثين صحيحي السند ولكن متعارضين في المتن يحاول أولو العلم حل ذلك الإشكال بمحاولة التوفيق بينهم

كمثال علي ماأقول
حديث لاعدوي ولاطيرة وحديث فر من المجذوم والإثنين أحاديث صحيحة وهذا المثال مذكور بالنص في كتاب تبسيط مصطلح الحديث لمحمود الطحان

فهل من الممكن أن تلقي الضوء علي هذا الموضوع:what:

أظن بقي مفيش أحسن من كده أدب وأخلاق ومفيش شئ في سؤالي جارح لأحاسيسكم المرهفة:cool:

اقتباس:  neutral   كتب/كتبت  
الزميل الدارقطني

يوجد بمصطلح الحديث شئ يطلقون عليه - توفيق الأحاديث - بمعني إنهم إذا وجدوا حديثين صحيحي السند ولكن متعارضين في المتن  يحاول أولو العلم حل ذلك الإشكال بمحاولة التوفيق بينهم

كمثال علي ماأقول
حديث لاعدوي ولاطيرة وحديث فر من المجذوم  والإثنين أحاديث صحيحة  وهذا المثال مذكور بالنص في كتاب تبسيط مصطلح الحديث لمحمود الطحان

فهل من الممكن أن تلقي الضوء علي هذا الموضوع:what:

أظن بقي مفيش أحسن من كده أدب وأخلاق  ومفيش شئ في سؤالي جارح لأحاسيسكم المرهفة:cool:

[SIZE=5]
التوفيق هذا هو من أنواع علوم المصطلح، وهو في باب المحكم ومختلف الحديث، وهذا الحديث من أنواع المختلف، وقد ذكره الدكتور محمود الطحان حفظه الله تعالى في كتابه تيسير مصطلح الحديث، فأطنب وأمتع، ولكن شرحه هذا إنما هو تبسيط للجامعيين الشرعيين، ولهذا تجد غيرهم لا يتصور المعنى المراد من شرحه حق التصور، ولهذا فأنا في هذا الموضوع هنا أحاول جاهدا في موضوعي هذا تيسير هذا الكتاب وغيره، حتى يكون تيسير التيسير في مصطلح الحديث، وإن كنت تريد مزيدا من التوضيح والاعتراض فيما يخص الطب في شأن العدوى وغيرها فإلى رابط آخر نتناقش فيه بهدوء وطول بال، وإن شئت انتظرتني حتى أصل إلى هذا الموضوع بعد أسبوعين أو ثلاثة على أكبر تقدير، فآتي على شرحه وبيانه بالتفصيل، وما ذاك إلا لأني أخشى ضياع التسلسل الواجب أن يكون في الموضوع...

موضوع هام جداً اخى الدارقطنى .. [MODERATOREDIT]ولكنى عاتب عليك ردك واهتمامك بالنيوترال :25:[/MODERATOREDIT]