البحث في ماهية الروح ليس بجديد ، والتساؤلات عنها وعن كنهها موجود منذ القدم ، وكل يوم يمر يأتينا بحصاد جديد من الخبرة والمعرفة ندرك من خلالهما أن الكون الحقيقي ليس هو الكون الفيزيقي ، فهاهو عالم المادة يقترب رويداً رويداً من المجردات . والذرة التي تمثل أساس المادة عنصراً كانت أم مركباً لم نستطع أن نراها ، وكل ما هنالك شحنات ومجالات كهربائية موضوعة ومنظمة بشكل خاص . وكما يقول ج . ارثر فندلاي في كتابه ( على حافة العالم الأثيري ) صـــ24 ــ
( إن المادة التي تبدو لنا صلبة ليست في الواقع صلبة أبداً ، وما نراه حين ننظر إلى منضدة أو كرسي مثلاً إنما هو اهتزازات عدد ما من الإلكترونات وهي تدور بسرعة هائلة حول مركز يسمي النواة ، وتتألف المادة من ذرات , وهذه الذرات تتألف بدورها من إلكترونات وبورتونات ، وتختلف المواد باختلاف عدد الإلكترونات التي فيها أما الوزن فيختلف باختلاف عدد البروتونات ) . لقد استطاع الفيزيقيون اليوم أن يحطموا المادة ، فجميع الكتل المادية تتألف من حركات قُسَيْمات دقيقة غير مرئية، لا تشكِّل إلا جزءًا مهملاً مما نتوهم أنه أجسام صلبة كثيفة صمَّاء. ومع ذلك مازالت المدارس المادية تصر على نظرتها مع أنها لم تستطع أن تقدم دليلاً ينفي وجود الروح ، وكل الاستدلالات المنطقية تدل عليها ، وهذه بعضها :

الذات
إن سبراًَ جديّـاً وصادقاً لما ندعوه ( الذات ) يدعونا إلى الاعتقاد بأن الإنسان ليس مجرد هذا الجسد.


البرهان الأول

إن جسم الإنسان في حالته الحاضرة غيره بالمرة في الأعوام الماضية ، تتغير خلاياه وتتبدل فتهرم خلايا ثم تموت وتنشأ أخري جديدة تواصل مسيرة الحياة . وعلى الرغم من ذلك فإن الإنسان في الخمسين من عمره يشعر بأنه عين الإنسان في كهولته وشبابه ، كذلك الإنسان الذي يفقد عضواً من أعضائه يجد عن طريق ذاته العميقة المطلقة بأنه هو عين ذلك الإنسان ولم يقع في عين ذلك الإنسان تفاوت ليقول أنا ذلك الإنسان الذي كنت موجوداً قبل ذلك .فالجسد ثانوي دائم التغير والتبدل من حال إلى حال بين لحظة وأخرى ، وما شعور الإنسان بأن ذاته بقيت هي نفسها إلا ناتج من ثابت غير متبدل ، ثابتٌ نقيس به المتغيرات .

البرهان الثاني

جسم الإنسان ينصرم مع الزمن ، يكبر معه ويهرم معه ، ومع مرور كل ثانية تموت 125 مليون خلية لتحل محلها خلايا جديدة ، ومع ذلك نستطيع إدراك الزمن . فهل عن طريق أجسادنا ندرك الزمن ؟ لو أن أجسامنا المتغيرة المتبدلة في كل ثانية تدرك الزمن لقفز إدراكنا مع عقرب الثواني كل لحظة وما استطعنا أن ندرك هذه الثواني أبداً . فالحركة لا يمكن رصدها إلا من خارجها . يقول الدكتور مصطفي محمود في كتابه ( حوار مع صديقي الملحد )صــ61 ـ

البرهان الثالث

إذا تعرضت لإهانة بكلمة أو بصفعة من شخص ما يتولد لديك شعور وإحساس أن الإهانة ليست موجهة إلى عضو من أعضائك ، وإنما إلى ما وراء هذه الأجهزة إلى غير المنظور منك إلى ذاتك. وأقرب مثال على ذلك ما نسمع عنه هذه الأيام مما تنقله نشرات الأخبار من إضراب المعتقلين عن الطعام بسبب تدنيس القرآن وكان أخرهم المعتقلين الفلسطينيين ، وإذا تأملنا في الأمر نجد إن الإهانة ليست موجهة إلى أجسادهم بل إلى جزء متعال ٍ على أجسادهم ، جزء متحكم في الجسد ينقاد له فيتخلي عن ضروراته لأنه ثانوي .





تأسيساً على ما تقدم ألا نخلص إلى نتيجة مفادها أن الذات ما هي إلا الروح ، وكما قال يونج الذي قدم تفسيراً مغايراً لما قدمه كلاً من فرويد وأدلر عن الذات ( أن للذات ما وراءها من قوي الروح والغيب )

الدماغ

كان لاكتشاف الجراح الفرنسي بروكا في عام 1861 أن تلفاً في منطقة صغيرة على الجانب الأيسر من المخ يؤدي لفقدان النطق أثراً مهماً في دراسة الدماغ ، واكتشاف السمات الهامة لمخ الإنسان ، وتلاحقت الاكتشافات تباعاً راسمة ً بذلك خريطة تحدد مراكز المخ . مما حدا بالماديين للتمسك بنظرتهم أكثر ، وعلا صوتهم قائلاً أن ما يسمي بالروح ما هو إلا خرافة آمن بها البدائيون.. لنناقش المسألة :

عندما قدم عالم الجملة العصبة ( أدلس ) في عام 1935 بحثه الذي لخص فيه نظريته بوجود الروح في الإنسان ، استهزأ به العالم الكبير ( بنفيلد ) على أساس أن هذا الكلام هراء ، ووعده بأنه سيبحث ليثبت له خطأ نظريته . وبعد ثلاثين عاماً من البحوث على أكثر من 1000 مريض ألف خلالها كتباً وأبحاثاً من أهمها كتاب ( لغز العقل البشري ) لخص فيه تجربته وذكر أنه بعد هذا الوقت الطويل آمن بما قاله أدلس إن الإنسان فيه روح لا يستطيع العلم معرفة كينونتها ، وكان من ضمن ما توصل له بعد هذه البحوث المعقدة التي أجراها على كل أجزاء الدماغ البشري وتعرف خلالها على كل وظائفه إن الإرادة والعقيدة والإيمان ليست من ضمن اختصاصات الدماغ ، إذ لا يوجد فيه أي مكان مخصص لمثل هذه الأمور.




البرهان الرابع

هل يعرف الدماغ نفسه ؟ هل يعلم الدماغ عن نفسه أنه مادة بيضاء ، مغلفة بمادة سنجابية ،؟
إنها مادة غافلة عن نفسها لا تعلم حتي بوجودها والإنسان المدرك لا يشعر بوجود مخه إلا بواسطة التعليم. لقد بدأ بنفيلد أبحاثه بغية إثبات أن التفكير يمكن تفسيره كحركة جزئيات وأن مركزه الدماغ لكنه انتهي بقوله في كتابه لغز العقل البشري صــــــ80ــ المخ آلة للإدراك يقول الدكتور هنري لنك وهو أحد رجال علم النفس التجريبي (فكما أن الأسنان خُلقت للمضغ بها لا لمضغ نفسها ، كذلك العقل قد وُهِبَ للتفكير بواسطته لا للتفكير في استكناه أمره فالعقل آلة نعيش بها لا لأجلها )

[CENTER]يتبع[/CENTER]

تسجيل متابعة وأعجاب
موضوع جميل وطرح رائع
استمر ايها الاخ الفاضل

عزيزي the_sniper

إنني أحاول الإجابة عن تلك التساؤلات التي تضمنتها رسالتي الخاصة لك بتاريخ 21 ــ3 ــ 2005 ، فإذا ماوجدت خطأً فلا تردد بإصطياده يا ( the_sniper) وإعلامي به فأنا شغوف دائماً بان أتعلم . تحياتي

مازلنا في الدماغ واسرار الدماغ ، سأناقش اليوم مسألة الأحلام



الأحلام
كل إنسان ينام ، لا يشذ عن ذلك أحد ، ولم ولن ، ويحيط بالنوم ما يحيط من أحلام ورؤى في المنام . فالنائم غائب عن العالم المحسوس إلا إنه يري ويميز الألوان ، ويحدد التفاصيل، يسمع أشياء لا يسمعها من حوله ولا يسمعها غيره ويعي مايسمعه ويفكر فيه ، يتكلم دون أن يحرك لسانه أو شفتيه ، ويشعر بالألم دون أن يمس جلده شيء , ويجري دون أن يحرك ساقيه ، ويفكر ويناقش ويجادل ، ويضحك ويبكي ويصرخ دون أن يسمع صوته أحد. ويستيقظ مدركاً أنه كان في عالم مغلق ومتناقض . عالم من الألغاز طالما حاول حله . ومازال الغز محيراً ، وبين تفسير الدين وتفسير العلم لا نجد فرقاً جوهرياً ، فمصطلحات اللاشعور واللاوعي أو العقل الباطن أكثر ميتا فيزيقية من مصطلح الروح .


البرهان الخامس

تتلخص نظرية فرويد في تفسيره للأحلام بأن الرغبات والشهوات التي لا يمكن التعبير عنها شعورياً تظهر في الأحلام ، وبدأت فكرة اللاشعور ، وإن هذا اللاشعور يتحكم في الدماغ أثناء النوم ومن أشهر الأقوال المعروفة عن فرويد ( إن تفسير الأحلام هو في الواقع الطريق السلطاني إلى معرفة اللاشعور ) فما هو اللاشعور ؟ وأي جزء من الدماغ يشغله هذا اللاشعور ؟؟؟؟؟؟؟
يقول فرويد في كتابه تفسير الأحلام صـــــ48ــ



البرهان السادس

لقد شكلت نتائج التجارب الأولي التي قام بها هانز بيرجر في عشرينات القرن الماضي لتسجيل تموجات المخ الكهربية أساساً لتصنيف النوم إلى مراحل وأطوار متعددة ، لكن تلك النتائج كانت ناقصة وذلك لأن مرحلة من المراحل الهامة في النوم لم تكن قد اكتشفت بعد ، وتم اكتشافها على يد ناشانيال كلايتمان وتلميذه يوجين آزرنسكي عام 1952 وهي مرحلة نوم الحركات السريعة للعينيين واصبح لدينا مصطلح دورة النوم والتي تمر بمرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى: تسمى بحركة العين البطيئة (Non Rapid Eye Movement)وهي تنقسم إلى ثلاثة أطوار: الطور الأول يسمى النوم الانتقالي Transitional والثاني هو النوم الخفيف Light sleep وفي هذين الطورين يسترخي الجسم تمامًا وتغلق حواس الجسم، ويكون نشاط الدماغ بطيئًا ومنتظمًا، ثم يغوص المرء في نوم أكثر راحة، وهي أفيد مرحلة للنائم؛ حيث تفرز الهرمونات وتبنى الخلايا البالية وتجدد خلايا الدم الحمراء. المرحلة الثانية: بعد70 إلى 90 دقيقة من النوم تأتي مرحلة حركة العين السريعة (Rapid Eye Mov.) حيث تزيد ضربات القلب، وترتعش الأصابع والأنامل وتزيد سرعة تنفس النائم ونشاط دماغه.وفي خلال هذه المرحلة تجول العين للأمام والخلف تحت جفن العين، يفرز الدماغ مواد كيمائية ؛ ولذلك تكون الأحلام في هذه المرحلة.
إذا اقتصرت الأحلام على مرحلة الحركة السريعة للعينيين ، كان سيمثل ذلك حلاً لنصف اللغز الذي واجهه العقل البشري منذ أن عرف الأحلام ، لكن ما اعتقده ناشانيال كلايتمان بأن هناك علاقة وثيقة بين النوم النشط والأحلام بدأ بالانهيار يقول الدكتور الكسندر بوربلي في كتابه اسرار النوم صــــ 71 ــ

ويظل الحلم لغزاً محيراً وتحدياً باقياً امام العقل البشري ، وكلما استمر البحث وأٌعْمـِلَ الفكر زادت علامات التعجب والاستفهام ، ويظل البحث في سر النوم وكنهه وما يلازمه من علامات جسدية وظواهر ورؤى بحثاً وصفياً لا يرقي إلى إظهار الحقيقة ، يقول كارنجتون وملدون في كتابهما طرح الجسم الروحي ( ومما لا شك فيه أننا لن نصل البتة إلى نظرية صحيحة ملائمة تفسر النوم ما لم نُسلِّم بوجود قوة حيوية ، ووجود روح آدمية قائمة بذاتها ، تنسحب كثيراً أو قليلاً من الجسم خلال ساعات النوم )

[CENTER]يتبع[/CENTER]

الذاكرة
مازالت الذاكرة تمثل للعلماء معضلة وبالرغم من الجهود العلمية المكثفة خلال القرن الماضي ، والدراسات العديدة سواء كانت بيولوجية أو فيزيولوجية أو تشريحية أو نفسية ، إلا أن العلماء لم يعثروا على تفسير واضح قطعي مؤكد فحتى الآن لا توجد نظرية علمية شاملة للذاكرة . بالتأكيد أن هناك كثير من النتائج المهمة المكتشفة بهذا الصدد لكن المعضلة تمثلت في تخزين الذاكرة في الدماغ ، هل في الدماغ أم في غير الدماغ إذا صح طرح السؤال ؟
يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير هنري برغسون في كتابه الطاقة الروحية صـــ 85 ــ (إن المخ البيني والحصين (قرن آمون ) ماهي إلا نقاط يتم فيها استقبال إشارات من عالم الروح ويتم فيها تحويل الإشارة إلى نبض الكتروني ينتقل بدوره عبر كابلات الأعصاب إلى نقاط أخرى ومن ثم إلى عضلة اللسان .
تماما كما يحدث عند استقبال الراديو للموجات اللاسلكية سواءاً كانت طويلة التردد أو قصيرة التردد ، فمن المعلوم أن الجزء الخاص باستقبال الترددات الطويلة غير الجزء الذي يتم فيه استقبال الترددات القصيرة .
وإذا حدث خلل مثلاً في الجزء الخاص بالترددات القصيرة فليس معني هذا أن الراديو لا يستطيع استقبال الترددات الطويلة وتحويلها إلى نبضة كهر بائية مسموعة ، كذلك فإن عجز الراديو من استقبال أي موجة لا سلكية لايعني أن الخلل في الموجة فالموجات لا تزال مستمرة لكن الخلل هو في جهاز الراديو .
بالمثل فإن عجز النقاط في المخ البيني عن استقبال الإشارات هو عجز في عملية التحويل لا عملية الإرسال . )[/COLOR]