انسحاب سوريا من لبنان بضغوط خارجية أميركية واسرائيلية لم تكن خطوة ترفع الرأس وتدعو للفخر. وعلى الصعيد الاقتصادي سيكون لها عواقب وخيمة للنظام. ومن المفارقات في الوضع اللبناني السوري اقتصاديا ان لبنان بلد تجاري رأسمالي حر نسبيا. ربما ورثوا ذلك من اجدادهم الفنيقيين الذين اشتهروا بالتجارة في العصور القديمة. بينما الاقتصاد السوري لا يزال يتمسك بنظام اقتصادي سوفياتي مغلق رغم كل البيانات والتصريحات والوعود بالاصلاح.

تاريخيا لعبت سوريا دورا محوريا في الاقتصاد العالمي في عهد المماليك والدولة العثمانية. دمشق وحلب وحماة واللاذقية كانت بمثابة هونغ كونغ وصنغافورة ودبي وشنغهاي القرون الوسطى.
وفي عام 2005 روح العمل الحر والمنافسة السوقية والمبادرة الذاتية للاستثمار والبناء مفقودة.

يحتكر الاقتصاد أقلية ترتبط بنظام حكم غير دستوري فاقد للشرعية استلم السلطة بعد تعديلا سريعا للدستور.


وفي تحليل لصحيفة "سويس انفو" السويسرية بتاريخ 8 ابريل 2005 قالت الصحيفة الاليكترونية التي موقعها في جنيفا " لا يوجد برنامج شامل للاصلاح". وفي سياق مشابه قالت ال بي بي سي في 16 ابريل 2005 "
رامي مخلوف يحتكر محلات الديوتي فري ويسيطر على شبكة الاتصالات الهاتفى "سيريا تيل" ولا تستطيع اي شركة أجنبية ان تدخل سوريا بدون موافقته". أي أن رجل واحد مقرّب من حاكم غير دستوري يستولي على قطاع كبير من الاقتصاد.

ورغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي الهام وشعبها الذكي النبيل المثقف الا ان سوريا تبقى دولة فقيرة. الوعود بالاصلاح لم يتم تنفيذ منها سوى القليل جدا بسبب معارضة المؤسسة المخابراتية والمافيا التي تحيط بالنظام. أي اصلاحات جذرية ستعرض مصالح المنتفعين للخطر.

عمليات التهريب تزدهر وتنمو على حساب الاقتصاد الوطني. يتم ايداع الاموال في البنوك اللبنانية ولا يتم استثمارها في الاقتصاد السوري الذي هو بأمس الحاجة للسيولة النقدية. التلاعب بأسعار العملة واستغلال الفروق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء خلق طبقة من المليارديريون الذين يستعملوا البلد واقتصادها للاثراء الذاتي ولا يعيروا أي اهتمام للمصلحة العليا.

الساذجون يعتقدوا ان المخابرات تعمل لحماية البلد من المؤامرات الخارجية ولكن في سوريا عام 2005 المخابرات تخلّت عن مهمتها الأصلية وانشغلت في ادارة الاقتصاد. اذا سألنا في أي بلد في العالم تجد ان تسويق الخضار والفواكه والسجاير يقع في أيدي المخابرات. الجواب : سوريا عام 2005.
وسأل صحفي بريطاني قبل عدة شهور لماذا لا تفتح سوريا اقتصادها للعالم الخارجي وتشجع الاستثمارات الخارجية. فأجابه صديق سوري له معرفة بالشأن السوري الداخلي قائلا " ما دام كبار المسؤولين يجنوا ارباحا هائلة وعملة صعبة بكميات كبيرة بطرق سهلة ويحتفظوا بها في كهوف علاء الدين في لبنان، فليس هناك حافز للاصلاح".
وفي مقابلة مع الـ بي بي سي قالت سيدة أعمال سورية من اللاذقية ياسمينا أزهري " من الصعب عمل اصلاحات اقتصادية في نظام يحتكره عدد قليل من الافراد الاقوياء الذين يجنوا ارباحا ضخما من النظام القائم".

البطالة في سوريا تزيد عن 20 بالمائة. الفساد المنهجي والاحتكارات والتلاعب بأسعار الصرف وثروة نفطية تنضب وتتقلص وبنية تحتية مهملة وشبكة اتصالات أفضل قليلا من نظيرتها في أفغانستان كلها عناصر تخلق كوكتيلا مدمرا لذاته ومن حوله.

الوضع السوري خطير ويدعو للقلق. وبالامكان انقاذ سوريا من الانهيار باتباع خطوات حكيمة طرحها التجمع القومي الموحد. وتتمثل المقترحات باختصار شديد: الدعوة لانتخابات حرة ونزيهة. حرية التعبير. القضاء على الفساد. الاصلاح الاقتصادي. الغاء الانظمة العرفية. اطلاق سراح مساجين الرأي والضمير وايقاف التعذيب واحترام كرامة الانسان وغيرها من المباديءالسامية. وأعلن عنها د رفعت الاسد بأكثر من بيان أذيعت على محطة الـ ايه ن ن (ANN) قبل عدة أسابيع ومن يتابع المحطة سيفهم تفاصيل هذا البرنامج الاصلاحي.

وأضيف من المهم البدء بحوار وطني يشمل جميع الفئات التي تنتمي الى سوريا وتحب سوريا وتعمل على المصالحة الوطنية مع المعارضة في الداخل والخارج والسماح لكل سوري خارج البلاد بالعودة والمساهمة في بناء سوريا سياسيا واقتصاديا.

الزمرة الحاكمة الغير دستورية أثبتت فشلها في التعامل مع الأزمات والمخاطر التي تهدد أمن واستقرار ومستقبل سوريا.

نهاد اسماعيل - لندن