كل السلطة للمعارضة
جوزيف سماحة
السفير 1232005
لا تريد المعارضة اللبنانية المشاركة في السلطة . تريد السلطة. هذا حقها . هذا هو، اصلا معنى السياسة . "ان حزبا سياسيا لا يسعى الى امتلاك السلطة ليس حزبا جديرا بهذا الاسم" كما يقول لينين.
تعتبر المعارضة ان الجزء الاول من خطة استلام الحكم آخذ بالتحقق. وهو يتمثل بانسحاب الجيش السوري والاجهزة السورية من لبنان بسرعة، وبالتأكيد قبل الانتخابات. وهي تعتمد على الضغط الدولي،والتلويح بالعقوبات، والتعاطف الرسمي العربي، وتدخل الامم المتحدة, من اجل استكمال هذا الجزء الاول، والتثبت منه، والسعي الى تحويله الى عجز عن التدخل السياسي واستخدام النفوذ من وراء الحدود، وعدم الاكتفاء بالخروج المادي.
واذا كانت تظاهرة الثلاثاء اوحت بان قوى معينى قادرة على ملء الفراغ فان الرد سيكون، الاثنين، بتظاهرة اخرى توفر اساسا للقول ان كل انتخابات لا تربحها المعارضة هي، بالضرورة مزورة.
في مثل هذه الاجواء يكون طبيعيا ان تعتبر المعارضة، وغرفة العمليات التي تديرها، ان اي مشاركة جزئية عبر حكومة اتحاد وطني هي قطع للطريق على الهدف الاصلي لا خطوة في اتجاهه. ليقل الرئيس المكلف عمر كرامي ما يشاء مستقويا بالتظاهرة وبتسمية 71 نائبا. ستجعله المعارضة يكتشف ان التاريخ سوف يستأنف من لحظة استقالته في البرلمان، وفي ظل ضغط الشارع، وان عملية استبدال "الاحتلال السوري" بـ "احتلال ساحة رياض الصلح"، ان هذه كلها لا تجديه نفعا.
يصعب فهم سلوك المعارضة اللبنانية اذا لم يؤخذ في الاعتبار ان مشروعها هو تداول السلطة لا المشاركة فيها. ما معنى آخر لرفض تسمية مرشح لرئاسة الحكومة. ما معنى اخر لرفض عرض الحوار. ما معنى آخر للتأكيد ان الموافقة على "دفتر الشروط" هي شرط مسبق. ما معنى آخر لرد تهمة التوتير وتهديد الةضع الاقتصادي. ما معنى آخر للاصرار على عدم الاعتراف باحد سوى "حزب الله" والى حد اقل بحركة "امل" وعلى قاعدة ان النصاب السياسي مؤمّن عبر الاكثريات المسيحية والسنية والدرزية ولا ينقصه الا الربع الباقي.
لقد قال غير قائد في هذه المعارضة ان "وقت القطاف حان". ولذا فان التكتيكات المتبعة هي تلك التي تسمح بالوصول الى لحظة الانتخابات النيابية (اذا حصلت) في افضل الشروط الممكنة. ويقتضي ذلك ممارسة ما نشاهده بدءا برفض المشاركة. غير ان ذلك وحده لا يكفي. فالمطلوب ايضا الابقاء على الضغط عبر الشارع. وكذلك البحث عن اكثر الشعارات الجامعة بدءا من اجتذاب تيار الرئيس الشهيد وصولا الى محاولة تحييد "حزب الله". ولا بد من الاستمرار في استحضار التدخل الدولي سواء عبر الضغط للانسحاب الكامل والشامل او عبر مراقبين دوليين جديين.
ان الهدف التالي، في مرحلة ما بعد الانسحاب، هو احداث تعديل جدي في موازين القوى ينعكس في تعديل تركيبة السلطة. ولعل التباين هنا هو بين من يذهب الى موقع الرئاسة مباشرة للمطالبة بتغييره، ومن يفضل نهجا آخر يقوم على تقويض الموقع (اقالة قادة الاجهزة) تمهيدا لتطويقه عبر اكثرية برلمانية جديدة تلوح في الافق.
لا يخفي المعنيون بادارة الوضع اللبناني في العالم ان المحطة الثانية هي هذا التعديل ولو ادى ذلك الى تأجيل مرحلي لقضية سلاح المقاومة. فما يدركه هؤلاء المعنيون ان الانتخابات هذه المرة (ان حصلت) هي مناسبة لتداول في السلطة من النوع الذي لم يعرفه العالم العربي ولا لبنان في تاريخهما.
ان التجربة الوحيدة الشبيهة بما هو معد للبنان هي التجربة الجزائرية مطلع التسعينات. وقد انتهت الى ما انتهت اليه : حرب اهلية مستمرة اودت لعشرات الالاف.
اما في باقي البلدان العربية (باستثناء المغرب وبحدود ضيقة جدا) فان الانتخابات لا علاقة لها بتداول السلطة. وفي ما يخص لبنان فان الانتخابات، منذ 1992، كانت لتثبيت تحولات عميقة احدثها العنف على انواعه في صلب العلافات الاجتماعية والسياسية. اما ما هو مطروح اليوم، هنا، فلا يقل عن تعديل هيكلي في التوازنات الطائفية، ومواقع النفوذ في السلطة، وانتقال من ضفة الى ضفة في مجال العلاقة مع ازمات المنطقة.
ان الوظيفة الجوهرية لهذا التعديل هي رفع الغطاء الشرعي اللبناني للمقاومة. ومتى حصل ذلك اصبح ممكنا فتح الخيارات كلها امام معالجة هذا الموضوع الشائك والذي يشكل سبب الاهتمام الاستثنائي بلبنان.
لو لم تكن المعارضة تعتبر ان في وسعها تحقيق الحد الاقصى من طموحها، استلام السلطة كاملة، لكان انعكس ذلك على شعاراتها. كان في وسعها ان تصر، مثلا، على التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فهذا المطلب يعفيها، مبدئيا، من شعار "الحقيقة" التي لا يجوز تعليق الحياة على معرفتها ما دام الاطمئنان متوافرا الى جدية التحقيق ونزاهته. وكان في وسع المعارضة ان تقبل بحكومة اتحاد وطني شرط ان تشارك في اختيار وزيري الداخلية والعدل على الاقل. ففي ذلك مدخل الى ضمان حياد الدولة في الانتخابات، كما الى موازنة قادة الاجهزة الامنية عن طريق المستوى السياسي الحريص على تطبيق القوانين...
الا ان المعارضة في جو آخر. جو الاعتقاد بان الحصول على الجزء يحرم من حيازة الكل، ويقود، ربما، الى تسويات من النوع غير المرغوب فيه محليا، وغير القادر على ارضاء الرعاة الاجانب.
يذكر نهج المعارضة بالمزايدات "اليسارية" التي سادت الاردت عشية "ايلول الاسود". رفعت "الجبهة الشعبية" شعار "لا سلطة فوق سلطة المقاومة" بما يعني اعلاء سلطة فوق سلطة. ردت "الجبهة الديموقراطية للمقاومة"، بما يعني شطب الطرف الاخر. وكانت النتيجة ما يعلمه الجميع. ان شعار المعارضة اللبنانية الحالي هو "كل السلطة للمعارضة" وفي الذهن اسقاط السلطة الراهنة. وتأمينا لهذا الهدف يقال ان السلوك اللاحق مع حزب الله سيكون على قاعدة "لا سلطة فوق سلطة الدولة" مع ما يعنيه ذلك من ان "احتكار السلاح" هو المظهر السيادي الابرز. ويكفي المرء ان يراقب السلوك الغربي، وتصريحات المندوبين الدوليين، وتصرفات المعارضة، حتى يدرك ان العنوان العام لما يجري هو : نأخذ السلطة غدا ونعالج المقاومة بعد غد.
http://www.assafir.com/iso/today/front/134.html
دمتم بخير