الشيخ أبراهيم..
الشيخ أبراهيم...
ضئيل الجسم بوجنات بارزة و وجه معروق مع أنحنائة بسيطه كانها نصف تحية يابانية و نصف خضوع, يقال بأنه جاوز التسعين بكثير, بأختصار هذا هو الشيخ أبراهيم المعروف جدا في كل هذا القطاع من الريف.
يحدثك باسهاب شديد و تفاصيل مثيرة و أرقام دقيقة عن تاريخ المنطقه, و عن اشخاص التقاهم و احداث عاصرها , و قد يترافق حديثة بحالة الطقص وقتها و هل كان يوم خميس أو اثنين الى كل ما هنالك من دقائق لا يلاحظها الا الشيخ ابراهيم.
يرافقه في تنقله الدائم عصا طويله, و قد تظن بأنها تتكأ عليه أكثر مما يتكأ عليها, يلاحظه الجميع بجوار الطرقات العامه متنقلا بهدوء و بطىء, و تحسبه يعد الخطا أو يقيس الطريق في مسيره الرزين الواثق. يرفض الشيخ جميع عروض الركوب من سائقي السيارات الكثيرة ,و هو دائما يرد تلك الدعوات شاكرا بعد أن ينفح السائق نظرة حانيه, و يعاود سيره الرتيب.
وقار ومهابة الشيخ أبراهيم صفات معروفة و ربما لهذا السبب ألصق به البعض كرامات كثيرة , فقد قيل بأن أبو عباس شاهين وافق على زواج أبنته من عيدو بعد أن همس الشيخ بأذنه بكلمتين أثنتين و هو الذي كان يرفض هذا الزواج طيلة عامين.و قبل عدة سنين انحبس المطرمدة طويله فصلى الشيخ ابراهيم بالناس جماعة و قد طلب منهم كشف رؤؤسهم و بعد الصلاة تنحى جانبا و رفع يديه الى السماء و تمتم بدعاء لم يسمعه أحد . و لم تمض الا ساعتين حتى داهم المنطقة وابل من المطر استمر لمدة ثلاثة ايام متواصله. و قد سمعت شخصيا من أحد السائقين حديثا ذكر فيه أنه ألتقى الشيخ ابراهيم في الطريق و عرض عليه توصيله و لكنه رفض كالعادة و عندما وصل السائق الى القرية التي يقصدها و جد الشيخ ابراهيم و قد و صل قبله و كان يجلس في ساحة القريه و قد تحلق حوله عدة رجال.!!!!
كان الشيخ أبراهيم يظهر و يختفي دون أنتظام و قد تشاهدة كل يوم و قد يمر عام كامل قبل أن تراه مجددا. لا يعرف أحد أين ينام و لو أنه في بعض الأحيان و هي قليله جدا ينزل ضيفا على احدهم لتناول الغداء أو العشاء أما المحظوظ فهو من يبيت عنده الشيخ عنده ليلة واحدة.
كان ذلك الصيف شديد الحرارة نهارا و كثير الحشرات القارصة و العاقصة ليلا,و كان يوما مميزا من ذلك الصيف عندما حضر والدي و برفقته الشيخ ابراهيم للعشاء و المبيت. كنت سعيدا لأني لم احلم أن أكون بهذا القرب من شخصية اسطورية كالشيخ ابراهيم. تناول الشيخ قليلا من الطعام و لم تفلح توسلات والدي لحمله على أكل المزيد, شرب قليلا من الماء, و تأخر عن المائدة مادا ساقيه الى الأمام. و كانت حصة الحشرات الليله من بق و برغش و ناموس قد بدأت و يبدو ان الشيخ ابراهيم بدا يتأثر بها.
فجأة أدخل الشيخ يده في ملابسه و اخرج كتابا ضخما و بدا يقلب صفحاته , تركت ما بيدي و بحلقت به و قد قدرت بانه سيخرج الجن و الشياطين, و لكنه أخرج ورقة و قلما , و نقل شيئا من كتابه الضخم دونه على الورقة, ثم طواها بعناية و ناولها الى ابي قائلا: علقها في السقف و لن ترى البق و الناموس في هذا البيت بأذن الله, أمتثل أبي لكلام الشيخ فيما بقي بصري معلقا بالكتاب الجلدي,لا حظ الشيخ فضولي فأبتسم لي و اغلق كتابه معلقا: هذا حكمة ورثتها عن أجدادي رضي الله عنهم فيها منافع للناس ثم دس كتابه في ثيابه مسرعا.
غادر والدي الغرفة بعد ان اوصاني أن ابقى قريبا من غرفة الشيخ أبراهيم و هو نأئم فقد يستيقظ ليلا و يحتاج مساعدة ما. قام الشيخ و خلع شيئا يسيرا من ثيابه و هو ينظر ألي باسما كانت نظرة مطمئنة ودود. لفت انتباهي جرابا قماشيا ثقيلا خلعه الشيخ فيما خلع من ثيابه و قد عرفت انه غلاف كتابه الضخم الذي سماه حكمة.
أنتحى الشيخ احدى زوايا الغرفة و لم تمضي اكثر من خمس دقائق حتى بدا صوت تنفسه المنتظم العميق. حركت رأسي يمينا و شمالا و تقدمت صوب الجراب القماشي يجلدني فضول شديد , أخرجت الكتاب من مكمنه و جلست قبالة النافذة أسرق نورها لكشف ما يحتويه الكتاب.
كان الغلاف الخارجي سميكا و قاسيا ربما كان مصنوعا من جلود الثيران . فتحته ببطىء ووجل ظهرت الصفحة الأولى صفراء خشنه كتب في وسطها بخط ديواني أحمر جميل " بسم الله الرحمن الرحيم " قلبت صفحة البسمله, لتقابلني صفحتين مكتوبتين بخط أزرق و مضبوطة بالشكل . لم اعد اذكر ما تحتويه تلك الصفحات بدقه و لكنها كانت تتحدث عن اطباع الناس و قد قسمهم الى أربعة اقسام و عددها كما يلي الناري و الماوي " ولعله قصد المائي " و الترابي و الهوايي و الواضح بان للكتاب مشكلة مع الهمزه فهي اما واو أو ياء , الصفحات التاليه كانت تتحدث عن الأبراج فهو يسمي كل برج منها و ما يوافها من اسماء و بهامشها طريقة حساب " الجمل "للتعرف الى اي برج ينتمي الشخص و هو يسمي برج الجوزاء " الجوزة " و العذراء " سنبله "...تابعت تقليب الكتاب و انا اخـتلف مابين قراءة عميقه و تصفح سطحي و شددت الى رسم مربع مقسم الى تسعة مربعات اصغر سماه الكتاب " خاتم الغزالي و له فوائد كثيره نفعنا الله به آمين "و قد توزعت الحروف التاليه على أقسامه التسعة " ب-ط-د- ز-ه-ج-و-ا-ح " .
كان في الكتاب بابا للكره و حض في نهاية الباب بعدم العمل به و بابا للمحبه و آخر للزواج و بابا لكشف السرقه.....و الكثير
كانت تباشير الضوء قد تسلقت النافذة عندما قلبت الصفحة الأخيرة و كانت صفحة غريبة كأنها لا تمت بصله للكتاب كانت بها كتابات كثيره غير واضحة و توقيعات مبهمة و تمليكات عدة منها " أنتقلت ملكية هذة الحكمه الى فلان الفلاني بتاريخ كذا" ثم حوت مكتبة العبد الفقير الى رحمة ربه فلان الفلاني هذة الحكمه بتاريخ كذا " و في نهاية الصفحة و بخط اسود غليظ واضح كانت العبارة التاليه " لعن الله لعنة ابدية لا تحول و لا تزول كل من ينقل من هذة الحكمة أو يقرأها دون اذن صاحبها".
ما ميز تلك الأمسيه خلوها التام من عضات البق ووخزات البرغش و الناموس.
|