لـوقـا
إنجيل للوثنيين السذج
الشيطان في التفاصيل :ــــــ
1 وفي السنة الخامسة عشر من سلطنة طيباريوس قيصر اذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية وهيرودس رئيس ربع على الجليل وفيلبس اخوه رئيس ربع على ايطورية وكورة تراخونيتس وليسانيوس رئيس ربع على الابلية (Abilene) لوقا 3: 1
إستخدم مؤلف لوقا عدة علامات لتحديد إعلان أول ظهور ليوحنا المعمدان , و إنطلاقا من ذلك
يبدأ في سرد سيرة يسوع نفسه اللاحقة .
السنة الخامسة عشر من حكم طيباريوس واضحة تماما ــ 28-29 م . و نحن نعلم ان بيلاطس كان واليا في ذاك الوقت ( 26-36) , و أنتيباس حقا كان رئيس ربع على الجليل ( 4 ق. م ــ 34م ) . و لكن من على الأرض كان " ليسيانوس رئيس ربع الأبلية " ؟
كانت الأبلية قطعة بالكاد تصل مساحتها إلى 50 ميل مربع في سوريا . و كانت في " السنة الخامسة عشر" في أقصى الشمال من إقطاعية فيليب بن هيرودس , تحوطها سمعة رديئة بسبب قطاع الطرق و أشياء قليلة في ما عدا ذلك . كانت هذه القطعة تملك حاكما محليا يدعى ليسيانوس
لكن مارك انطونيو كان قد قتله لإسترضاء كليوباطره قبل هذا التاريخ بأكثر من نصف قرن
( يوسفوس : العصور القديمة 15 . 4.1 )
حيث ان مؤلف لوقا تحصل على حاكم خطأ , لماذا يذكر مثل هذه الإقطاعية الصغيرة جدا , التي لا علاقة لها إطلاقا , بالقصة التي ينوي سردها , على أي حال ؟؟ ( ما لم ينتحل من نصوص شخص آخر )
لعل مؤلف لوقا فقط قد خلط الأبلية Abilene بالأديبانية Adiabene, التي كانت في حوالي نهاية القرن في 115 م مملكة يهودية هامة في أرض ما بين النهرين و تتصل مع أرمينيا القديمة تقريبا . و كانت عاصمتها أربيلا ( أربيل اليوم في إقليم كردستان العراق ) .
و رغم ان هذه المملكة تبعد 600 ميل عن أورشليم , إلا أنها لعبت دورا هاما في أحداث القرن الأول التي جرت في اليهودية .
فقد شحنت هيلين ملكة ألأديبانية مؤن إلى اورشليم لتخفيف المجاعة التي حدثت في زمن الأمبراطور كلاوديوس . كما كتب يوسفوس أن جرابت , قريب إزياتيس , ملك الأديبانية بنى قصرا في المدينة ( يوسفوس : حروب 4 . 9 . 11 ), و أن هيلين كان لها قصر آخر ( حروب 5 . 6 . 1 ) . و خلال حرب اليهود ضد روما 66ــ70 قامت العائلة الملكية الأديبانية بدعم الجانب اليهودي , و أن قبور ملوك الأديبانية يمكن رؤيتها في اورشليم اليوم .
هل خلط مؤلف لوقا بين الأبيلية و الأديبانية ؟ من السهل ذلك في عقود الفوضى الباكرة من القرن الثاني . لكن عندئذ ليست سوى قصة .
الأبلية , مقاطعة صغيرة جدا في شرق فينيقيا , محصورة بين جبل حرمون و سفوح جبال لبنان .
لماذا إختار مؤلف لوقا أن يشير إلى مثل هذه العلامة الغامضة ؟
وثنية حميدة :ــــــــ
إنتهى حكم الأمبراطور هدريان الطويل و المستنير بموته سنة 138م , و خلفه الأمبراطور القادر أنطونينوس ( الذي لقب بالتقي لإخلاصه للتقاليد الرومانية ) , ثم الأمبراطور ماركوس آوريليوس " الأمبراطور الفيلسوف " . و قد إنتهت هذه السلالة الحاكمة بقتل الأمبراطور كومودوس , إبن ماركوس أوريليوس المشوش ذهنيا .
بعد سنة من الحرب الأهلية إستقر الوضع على رفع رجل قوي من جبهة الدانوب , سبتموس سيفيروس , إلى العرش . الذي ورثه إبنه جيتا , ثم كركلا في ما بعد .
تميز العهد المذكور , من انطونينوس إلى حكم أبناء سيفيروس , بأنه سجل أعلى نقاط السلام و الثراء و التساهل الديني في أرجاء العالم الروماني . كانت الأمبراطورية تحت حكم عسكري مطلق , لكن جميع المعتقدات و الديانات مقبولة و متساهل معها ــــ كانت هناك ليبرالية يصفها إدوارد جيبون بأنها : " اللامبالاة المعتدله للعصر القديم " .
لم يكن في العهد الذهبي للعصور القديمة قواعد إقتصادية , لا للرومان , و لا لليونانيين , لحسد اليهود , و لم يفعلوا ذلك . بل بالأحرى كانوا يستخفون بؤلئك الذين يطلقون على انفسهم إسم يهود لإحجامهم عن الأنضمام إلى الثقافة العالمية التي كانت تمنح منافعها بصورة واضحة لكل الناس .
و لم يكن الرومان و لا اليونانيون عنصريين بالمعنى الحديث للكلمة . كانت روما تقف بعيدا محتقرة الجزء الكبر من " العبادات الشرقية " و لا تتحرك ضدها إلا عندما تبدو أنها تثير الشغب و تهدد المن العام .
لم تكن هناك حروب دينية في تلك الأزمنة و لا " تطهير عرقي " .
و نظرا لكل شكوك اليهود و كرههم , قامت سلسلة من الأباطرة الرومان بحمايتهم , و المحافظة على تقاليدهم , و منحهم مزايا خاصة . و ببساطة , لم يكن هناك أي إضطهاد واسع النطاق لليهود تحت الحكم الوثني .
و تحت الحكم الحميد للأباطرة الرومان " الوتنيين " إستطاعت الديانة المسيحية ,اللامتسامحة جوهريا , أن تلتأم, و تصبح منظمة و أن تغوي, في النهاية , الدولة الرومانية .
" إسرائيل " تطفو خالية من اليهود :ـــــــــــ
في أواسط القرن الثاني كان اليهود المشتتون في مدن شرق البحر المتوسط معرضون أكثر من أي وقت مضى لتأثيرات متنوعة . هؤلاء الناجون كانوا مصدومين بالمجازر الرهيبة للحروب , و دمار الهيكل و اختفائه, مما أدى إلى تذبذب ولائهم و إيمانهم . و كانت هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين و العبيد اليهود في مدن شرق المتوسط عرضة لمذاهب و معتقدات معطرة .
ليس من الصعب ان نتصور " المهاجرين " اليهود المفجوعين في دمار هيكلهم يغطسون في
الديانات الخصبة لتلك المدن , فيتبنون و يلائمون مظاهر من تلك الديانات الشعبية المتعددة
في شكل أقرب إلى ذوقهم . كما لا بد و أنهم كانوا يدركون أن الديانات المصرية و اليونانية ينظر إليها بعين الرضى في روما .
أن الأمل الواسع الإنتشار بين اليهود في " مملكة إسرائيل" ارضية ـــ مثلما كان مفهوما تقليديا ـــ كان قد تلاشى . و الآن الكلام من الوثنيين المتنصرين كان عن " إسرائيل جديدة( أو حقيقية ) " , لا علاقة كبيرة لها باليهود .