اقتباس:وإختيارات ناصر شكلت ما يعرف بمجتمع أولاد المدارس : تغريب شكلى وعملى وإستهلاكى ، وعروبة ، وجهاد ، وإشتراكية وتعنى الجلوس فى التكية الحكومية للحصول على المرتبات الشهرية الدائمة
الملاحظ إن النظام الشيوعى كان فيه مفكر هو ماركس ، وحاكم وهو لينين ، لكن عبد الناصر كان هو المفكر والحاكم ، ونقدر نقول إنه كان ماركس ولينين وعمر بن العاص فى نفس الوقت
1) مجتمع أولاد المدارس دي من عندياتك يا بلدياتنا

... فلا أحد يعرف هذا المجتمع بهذه التسمية، والتسمية نفسها لا تعني شيئاً، فالعالم كله اليوم مجتمعات أولاد مدارس، خصوصاً في دوله المتقدمة. بل ان معيار التقدم للدولة عندما يصبح أكثر من 50 بالمئة من انتاجها عبارة عن "خدمات"، فالدول التي تعيش على الزراعة هي دول بدائية متخلفة، والدول التي تعيش على الصناعة هي دول نامية أو بالكاد، والدول المتقدمة جميعها هي دول "خدمات" .. "بس انت مش واخد بالك من الحكايه دي".
2) التغريب الشكلي والعملي والاستهلاكي مارسته جميع الدول بما فيه الدول الغربية نفسها في البداية أسوة بإنكلترا التي تفجرت فيها الثورة الصناعية. يعني "الثورة الصناعية والرأسمالية وحضارة الاستهلاك" لم تكن غربية أولاً، ولكنها بدأت في إنكلترا ثم في سويسرا وألمانيا، ثم اتبعتها فرنسا ... إلخ. فهل تعلم مثلاً بأن دولة بحجم فرنسا لم تكن صناعية حتى منتصف القرن التاسع عشر وبعد إنجلترا بمائة سنة؟
هناك تجارب أخرى مثل التجربة اليابانية التي تمسكت بجذورها التقليدية وطورت شكلاً المصنوعات الغربية حتى تفوقت على الغرب نفسه في ذلك. لذلك فالاقتداء بالغرب والمحافظة على الأصول ممكن في بابه.
3) العروبة كانت أخطر فكرة تبناها "عبدالناصر" لجعل مصر رائدة في عالمها. ففي عصر القوى العظمى والمنظومتين الرأسمالية والشيوعية، نحى عبدالناصر نحو "كيان معنوي كبير" يستطيع أن يجعل مصر في رأس الشعوب، ولكن كانت هناك موانع كثيرة لنجاح التجربة الناصرية.
العروبة، لو كنت مصرياً حقاً، ليست سيئة لمصر، فمصر تقع في قلب "العالم العربي" وتستطيع أن تكون (وهي كانت كذلك بالفعل في عهد "أبي خالد") المركز السياسي والثقافي والحضاري لجميع شعوب المنطقة بين المحيط والخليج. ولو نجح المشروع الناصري فإن هذا كان من شأنه أن يجعل مصر بمكانة الولايات المتحدة من ناحية القوة والنفوذ. وأنت لو كنت تعيش في الستينيات، ايام المد القومي الناصري، لخامرتك أحلام كثيرة ولوافقت عبدالناصر على مشروعه ولما وجدت غباراً عليه. ولكنك تعيش اليوم وتنظر إلى أيام عبدالناصر كتاريخ، بينما هو كان ينظر إليه كأمور حاضرة وفعل سياسي وأحلام مستقبلية، وشتان بين النظرتين.
4) "جهاد" عبدالناصر ضد الاستعمار كان مطلباً رسمياً مصرياً قبل أن يكون ناصرياً. عبدالناصر دفعه فقط إلى النهاية وأخرج الإنجليز من البلد كما فعل "أحمس" مع "الهكسوس"، وأمم القناة وبنى السد العالي.
5) عبدالناصر زود البلد بقاعدة صناعية لم تعرفها مصر منذ محاولات محمد علي الأولى في تصنيع البلد.
6) عبدالناصر قضى على الاقطاع وأعاد للفلاح المصري اعتباره، بعدما كان أكثر من نصف أراضي مصر مرهوناً بيد ثلة من الباشوات والأمراء والمتنفذين..
7) عبدالناصر لم يعاد الغرب بل الغرب هو من عاداه بعد صفقة السلاح السوفياتية (التشيكية). أما بخصوص معاداة بريطانياً فلقد كان في مصر مطلباً واحداً منذ "احمد عرابي" هو خروج الإنجليز من البلد، واسأل "مصطفى كامل" يجيبك على هذا. ببساطة، عبدالناصر حقق في سنتين ما طالب به المصريون أكثر من 70 سنة.
بعدين، "عبدالناصر" توفي سنة 1970 تاركاً في مصر اقتصاداً لا بأس به وجيشاً قوياً وعدالة اجتماعية واسماً "لمصر" وشهرة ونفوذاً لم تعرفه المحروسة ولا بلاد النيل في تاريخها العظيم المجيد كله. وعاد "ابن ست البرين" (الأسود المثقوب مشفره - كما يقول المتنبي-) كي يجلس في حضن أمريكا بعدها بسنوات قليلة، فماذا الذي أتى من أمريكا ومن الغرب؟ أنا أقول لك: اقتصاد يمضي نحو الهاوية، طائفية جنت على المسلمين والأقباط جميعاً، هبوط سعر اسم "مصر" أكثر من هبوط "المارك الألماني" بعد الحرب العالمية الأولى. بطالة، ديكتاتورية بغلاف ديمقراطي، تدني مستوى التعليم، تعثر في الخدمات الاجتماعية، عودة "الباشوات" الجدد المتغولين، عيش بلد الفراعنة على فتات موائد المعونات الأمريكية، مصادرة القرار السياسي المصري بأيد أمريكية ... والآتي أعظم.
8) الاشتراكية يا سندي لا تعني "تكية عمومية"، ولكنها تعني "وضع يد الدولة على وسائل الانتاج وإعادة تقسيم الثروة بعدالة يحكمها مبدأ "الكفاية المادية لكل شخص حسب مستلزماته وكفاءاته". هذه الاشتراكية هي التي عدلت وضع "الرأسمالية المتغولة" في البلدان الرأسمالية نفسها. فحقوق العمال والفلاحين، والخدمات الاجتماعية في معظمها جاءت من خلال فكر اشتراكي ومباديء اشتراكية وعمل الافراد والجماعات والأحزاب الاشتراكية (هل تعلم مثلاً أن قانون تحديد ساعات العمل بثمان ساعات جاء من خلال الطروحات الماركسية؟). عموماً، هذا أمر شرحه يطول وأنا الليلة مشغول كما يقول "سعد الغزاوي" في "قال الفيلسوف".
9) دعك من ماركس ولينين بحياة المسيح يا صاحبي "ولا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشه" (كما يقول الشوام)

...
واسلم لي
العلماني