احمد زكريا
عضو مشارك
المشاركات: 21
الانضمام: Sep 2010
|
نقص البدايات وكمال النهايات
نقص البدايات وكمال النهايات , رؤية تربوية معاصرة
بقلم أ. أحمد زكريا
- إن المتأمل في الكون بدقة فهم وبنظر ثاقب،يجد أن الدنيا لا تدوم على حال ،فإن سرتك يوما ساءتك أعواما ً،والعبرة في أحوال الأفراد والجماعات والدول والأمم بكمال النهايات لا بنقص البدايات ، وتلك وربي قاعدة فريدة نص عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: (العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية)،(منهاج السنة،ج8،ص412) .
- فإن العبد قد يتعرض للنقص في بداياته ، وأقصد بالنقص - مطلق النقص الديني والدنيوي .. فقد يسرف العبد على نفسه في المعاصي والشهوات، ويتعلق قلبه بالطين.. وكلما أراد الانطلاق من أصار المعاصي أثر فيه نقص البداية، فإذا به ينظر أسفل قدمه لا يراوح مكانه، فكلما هم بالانسلاخ من الوحل، تذكر البدايات فضعفت همته وتراخت عزيمته.
- وأما القوي الفتي فلا يتوقف كثيراً عند البدايات الناقصة ، إلا بقدر ما يدفع عزمه للسمو والارتقاء في عالم الفضيلة ، والوصول إلى كمال النهايات .
- ولو توقف قاتل التسعة والتسعين نفسا ً عند نقص البداية لأصيب باليأس والقنوط، وما استطاع أن يتخلص من ذل المعصية، لكن دفعه حبه لكمال النهاية إلى البحث عن عالم يجد له مخرجا ً من أعظم الجرائم وهو قتل النفس بغير الحق.
- ويكفي قول الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة:32
- ومع ذلك اجتهد للوصول إلى كمال النهاية، فكان جزاؤه أن تلقته ملائكة الرحمة، وتمت سعادته بكمال النهاية.
- ومن أعظم القصص التي تتضح فيها تلك القاعدة.. قصة يوسف عليه السلام، فانظر إلى حال إخوة يوسف وما جرى منهم تجاه يوسف وأبيهم.
- فإن أولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في أول الأمر، مما هو أكبر أسباب النقص واللوم، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح، والسماح التام من يوسف ومن أبيهم، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة ، وإذا سمح العبد عن حقه ، فالله خير الراحمين.
- ولهذا - في أصح الأقوال - أنهم كانوا أنبياء لقوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ } وهم أولاد يعقوب الإثنا عشر وذريتهم .
- ومما يدل على ذلك أن في رؤيا يوسف، أنه رآهم كواكب نيرة، والكواكب فيها النور والهداية الذي من صفات الأنبياء .. فإن لم يكونوا أنبياء فإنهم علماء هداة .
- ولو تأملت في حال يوسف عليه السلام ، تجد عجباً، فإنك تقرأ في أول القصة ما رآه يوسف من سجود الكواكب والشمس والقمر له ، مما أهلنا لرؤية تحقق هذا الموعود ، ولكنك تفاجئ ببلاء يتبعه بلاء، فيحقد عليه إخوته ويلقون به في الجب ،ويباع بثمن بخس دراهم معدودة،وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ، ثم يصبح عبداً، وما أصعب الرق على الأحرار،ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل يتعرض لفتنة امرأة العزيز ويثبته الله ، فتمكر به فيسجن ، ويا ليته كان شهراً أو شهرين ،بل بضع سنين،وما أدراك ما مرارة السجن ، ولا ينبئك مثل خبير، فقد جربناه سنين طوال، ذقنا فيه من المصاعب والآلام، ما لا يعلمه إلا الله، ومع كل ذلك تحطمت كل الصعاب على قوة إيمان يوسف، وثقته بربه ، وإيمانه بأن العبرة بالخواتيم ، أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب.
- كل هذه المعاني عاشها أبناء الجماعة الإسلامية كما عاشها يوسف عليه السلام، بل واستغلوا السجن في الدعوة والتعلم والتحصيل، كما فعل يوسف في سجنه.. فقد روي أنه أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف ، ووالله لقد هدى الله على أيدي أبناء الجماعة الإسلامية في السجون الكثير من أصحاب الأفكار المخالفة لمنهج أهل السنة ، بل الكثير من القائمين على سجننا ، فأكرم الله الجماعة الإسلامية بالفرج والخروج العزيز الكريم، كما حدث ليوسف، فقد رفض الخروج المهين ،وصمم على ظهور براءته قبل خروجه، ومن هنا بدأ كمال النهاية،فخروج في عزة .. ثم:" اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" .. ثم جمع شمله بأبيه، وتمكنه من إخوته، وعفوه عند القدرة وتلك شيمة الكرماء .. ثم صبا يوسف إلى كمال النهاية الحقيقي داعيا ربه :"رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي فى الدنيا والآخرة توفني مسلما ً وألحقني بالصالحين" يوسف 101.
فتمت له كمالات النهايات الدينية والدنيوية
- ومن المفارقات الطيبة وأنا أفكر في كتابة هذا المقال قابلت الشيخ الدكتور حسن الغرباوي ، وهو أقدم معتقل سياسي في مصر،إذ مكث في المعتقل من غير أحكام قرابة الخمسة عشر عاماً،ولما التقيته،تذكرت أيام السجن وكنا نتندر بخروج الشيخ حسن، بل كان البعض يعد ذلك مستحيلا ً،فإذا بالله يخرجه من السجن ،ويفتح مكتبا ً كبيراً للمحاماة، ويتم الماجستير والدكتوراه، وأسأل الله أن يكون ذلك من عاجل بشرى المؤمن،وأن يتم علينا وعليه كمال النهاية بصحبة النبي في الفردوس الأعلى.
- وهذا المعنى يدفع العبد للأمل والنظر إلى المستقبل بنفس مشرقة،وهذا ما دفع النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف،لأن يقول لزيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ً ومخرجا ً، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه)،وقد حدث ذلك، فكان له صلى الله عليه وسلم أكمل النهايات وأشرفها.
اختلاف صور النهايات لا يعني عدم تحقق الكمالات
- وأحب أن أؤكد على أمر مهم :إن اختلاف صور النهايات وتعددها،لا يعني ذلك أن كمال النهاية لم يتحقق،والمتأمل في قصص الأنبياء،يجد صورا ً كثيرة لتحقق الكمالات ، فليس الكمال فقط في التمكين والنصر العسكري وإقامة الدولة، بل الكمال قد يكون في ذلك كما حدث لنبينا صلى الله عليه وسلم .. فقد مكن الله له بعد استضعاف،وأعز أتباعه بعد ذل ،ومكن لهم في الأرض،وقد يكون كمال النهاية في إهلاك الأعداء كما حدث مع فرعون بعد أن تسلط على أتباع موسى أغرقه الله وزبانيته ،وأنجى موسى وقومه ، وقد يكون الكمال في النجاة من النار كما حدث لإبراهيم،بل قد يكون الكمال في الثبات على الحق والموت على الإسلام،وهو - وربي - الكمال الحقيقي،بل منتهى الكمال،كما حدث مع أصحاب الأخدود ،وكما حدث مع يوسف عليه السلام:" توفني مسلما وألحقني بالصالحين"،وكما حدث مع نبينا صلى الله عليه وسلمبل الرفيق الأعلى)،وهكذا تتعدد النهايات،لكنها نهايات السعادة والفلاح .
وأخيراً أقول لأخواني من أبناء الجماعة الإسلامية
- هل تذكرون ما مر بنا من شدة وعناء وحرمان ،ثم انظروا إلى فضل الله علينا الآن،حرية بعد سجن وأسر،غنى بعد فقر،عز بعد ذل،وهذه بأية الكمالات، ولكن مزيدا ً من الصبر والشكر.
- فمن كان يحلم أن الجماعة المعتقلة المطاردة يصبح لها منبرا إعلاميا رائعا كهذا الموقع المبارك نسأل الله أن يحفظه علينا، وهذا بداية الخير، فلا تسمعوا للمرجفين والمثبطين، واعلموا أن لكل حادث حديثا.
|
|
09-25-2010, 01:11 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
neutral
عضو رائد
المشاركات: 5,786
الانضمام: Mar 2004
|
RE: نقص البدايات وكمال النهايات
|
|
09-25-2010, 08:01 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}