(02-21-2011, 08:39 AM)علي هلال كتب: بداية العلماني من مؤسسي هذا النادي العريق الاصيل القديم وهو مثقف عربي وصل للعالمية عقلاني وانتهازا مني لفكرة جاءت على بالي فلنستفيد جيمعا فبعد إذنه اود ان اجري له اشبه بالمقابلة اسأله فيها عدة اسئلة تفيد الجميع .
1) من اين حصلت على ثقافتك وما هي المدة الزمنية؟
2) من هم الكتاب الذين تعتبرهم اساتذتك ومن هم الذين تعتبرهم خلفائك؟
3) كيف تقنع مصريا لا أدريّ بالقومية العربية؟
4) ما هي وجهة نظرك في القضية الاسرائلية الفلسطينية من حيث التعامل مع الواقع وافضل حل واقعي سياسي لها؟
وأخيرا سأكون شاكرا سعيدا لو أجبت على هذه الأسئلة في جريدة نادي الفكر العربي
تحياتي
شكراً يا "علي" على هذا الإطراء الذي لا أستحقه، فأنا يا صاحبي لست إلا رجلاً من "غمار الموالي" – بعبارة الحلاج-، يكتب في ناد افتراضي باسم مستعار، فيقول كلمته ثم ينصرف ... "كي يزيد الأرض سعة" – كما يقول "أدونيس"-.
أنا لا أعرف إن كنتُ مثقفاً أم لا، "فالثقافة" كلمة في محتواها الكثير من "الميوعة". ولكني أقول أنني أعرف بعض الأشياء في مواضيع بعينها، ويغيب عني الكثير في مواضيع أخرى. فإن كانت معلوماتي الأدبية (أدب، تاريخ، فلسفة ...إلخ) لا بأس بها، فإن معلوماتي العلمية (فيزياء، كيمياء، طب، رياضيات ... إلخ) قليلة ضئيلة لا تكاد "تبلّ الريق" .. وبالكاد!!!
لا أعلم صراحة - إذاً - إن كنت "مثقفاً" أم لا، فهذا يتعلق بالمقصود من مصطلح "ثقافة" – كما شرحتُ أعلاه -. ولكني أعلم جد العلم بأنني قاريء جيد بل ممتاز، لا يخلو برنامجي اليومي من القراءة مهما نهشت وقتي هموم الحياة وضغوطها (أتحدث عن قراءة "الكتب" وليس قراءة الصحف طبعاً). وهنا أيضاً، فإنني لا أستحق من المديح على اهتمامي بالقراءة إلا النزر اليسير. ذلك، من ناحية، لأن القراءة بالنسبة لي عبارة عن "هواية" و"متعة" كبيرة بل وتكاد تكون مرضاً مجهداً، ومن ناحية أخرى فإنني أمضيت الكثير من عمري وأنا لا أقرأ من خلال برنامج محدد وخطة مدروسة وترتيب مسبق، ولكني أطلق نفسي على سجيتها تختار ما تختار من نصوص ومواضيع ومجالات، وتغرق في ثناياها. طبعاً، هذه الفوضوية والعشوائية تستثني، بطبيعة الحال، الكتب والمقررات المدرسية والجامعية التي لم يكن بد من التعامل معها بجدية والتزام.
زمان، عندما كنت صغيراً، كنت أخبط خبط عشواء في الأدب والتاريخ والفلسفة. فقلّة الكتب التي تقع بين يدي كانت تجعلني أبادر ما يقع في مجال اهتمامي منها مهما كان حجمه أو نوعه. مع دخولي الجامعة وتعرفي على مكتبتها الضخمة، تعلمت أن أحدد اهتماماتي بضروب بعينها وعصور بعينها، إذ لا مجال لقراءة كل ما هب ودب في هذه المجالات. هنا – مثلاً – حددت اهتمامي في الأدب العربي بالعصر العباسي (الأول خصوصاً) وعصر النهضة (القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين)، وحددت اهتمامي في التاريخ بأوروبا والشرق الأوسط، وحددت اهتمامي الفلسفي باليونان القدماء والرومان والتراث الفلسفي العربي للمدارس اليونانية (الفارابي، ابن سينا، إبن رشد) وعصر "الأنوار" مع بعض الإطلالات على "ماركس" ونيتشه".
طبعاً، لن يستطيع القاريء أن يضرب في هذه المجالات المحددة دون معرفة أولية بالعصور السابقة واللاحقة، لذلك كان لا بد من الاطلاع بسرعة، ومن خلال كتب قليلة جداً ولكنها ذات نوعية ممتازة في مجالها على ما تبقى من عصور. هنا أريد أن أنصح القاريء بكتب "تاريخ الأدب" لتغطية الأدب العربي في جميع عصوره قبل أن يتعمق في عصر منها (إذا ما أعجبه ذلك). ويقف على رأس هذه الكتب مؤلفين جميلين ضخمين هما: "تاريخ الأدب العربي لحنا الفاخوري" بجزئيه القديم والحديث و"تاريخ الأدب العربي للدكتور شوقي ضيف" بأجزائه الخمسة (أو الستة). طبعاً، هناك كتب أخرى أقدم وأكبر وأوسع من المؤلفين المذكورين (هناك مثلاً "بروكلمان" و"جورجي زيدان" و"عمر فرّوخ" ... إلخ)، ولكن لم يكتب حتى اليوم في مجال تاريخ الأدب العربي ما يضارع "الفاخوري" و"ضيف" من ناحية الترتيب والتبويب والسهولة والإيجاز والعمق.
بالنسبة للفلسفة فإنني أعتقد بأن كتاب "إميل برهييه" الفرنسي في تاريخ الفلسفة لا غنى عنه لمن يريد الإلمام بالملامح العامة "للحكمة" (بعبارة القدماء) عبر عصورها. ولكني أنصح كثيراً بكتاب عذب سهل خفيف ظريف بعيد عن الصرامة كمقدمة عامة لهذا المجال؛ إنه كتاب "قصة الفلسفة" لويل ديورانت الإنجليزي (هذا الكتاب ليس فلسفياً على الإطلاق من ناحية المضمون والنهج، ولكنه يصلح لتقريب بعض الأفكار وبعض الفلاسفة من عالم القاريء).
بالنسبة للتاريخ (وهنا أتحدث عن التاريخ السياسي بالذات) فهناك مؤلفات كثيرة جداً يصعب حصرها في هذا المجال، ولكني عولت كثيراً في "الإلمام" بتاريخ العصور القديمة على "دائرة معارف كامبريدج في التاريخ" (لا أعلم إن كانت قد عُرّبت). فأنت أمام دراسات عظيمة – برأيي – لحشد من كبار الأساتذة المختصين، الذين يعطونك خلاصة معارفهم في هذا المجال، فتخرج وأنت عارف كيف تمد رجليك في هذا المضمار.
هنا، وأعتقد بأن كل "جامعي" منكم يعرف ذلك، لا مجال للتعمق في دراسة أية حقبة من الحقب دون المرور بالنصوص الأولية لهذه الحقب، يعني – مثلاً – لا تستطيع أن تدرس عن كثب الأدب العباسي دون قراءة النصوص القديمة بين "عبدالحميد وابن العميد" وجميع الأشعار والدواوين بالإضافة إلى هذه المصنفات الضخمة جداً التي تركها الأدباء في هذا العصر لنا (الجاحظ، أبو الفرج، إبن عبدربه ... إلخ).
ننتقل إلى السؤال الثاني (فهذا كله يطول الحديث فيه) عن الكتاب الذين أعتبرهم أساتذتي (ولا خلفاء لي، فأنا لست إلا "هي بن بي" لا "إسم له ولا بيت ولا عنوان" في هذه المجالات).
لم أتتلمذ لأحد – للأسف – كي أعتبره أستاذي، ولكني أحب في كل عصر بعض الأدباء وبعض الفلاسفة وبعض المؤرخين، هنا، في هذه العجالة، لن أعدد إلا بعض من أحبهم من الشعراء والأدباء، والذين كثيراً ما أعيد قراءة أشعارهم وسطورهم:
أحب من شعراء الجاهلية "أمريء القيس" و"النابغة الذبياني"، ومن المخضرمين "الحطيئة وحسان بن ثابت"، ومن الأمويين "المثلث الأموي" مع ميل إلى شعر "الأخطل". من العباسيين أحب جداً "بشار بن برد" و"مسلم بن الوليد" (لا أحب أبو نواس رغم عظمته) ويعجبني بعض شعر "أبي تمام" و"البحتري" و"ابن الرومي"، ولكني أعشق "المتنبي" في معظم ما قال (حتى ما عده الكثيرون من رديئه).
من الأندلسيين أحب بعض أشعار "ابن هانئ" و"ابن زيدون" ("أضحى التنائي" بالذات) وبعض الموشحات (خصوصاً موشح "لسان الدين بن الخطيب": "جادك الغيث"). ولا أحب أحداً من شعراء عصر الإنحطاط، ولكني أجد متعة كبيرة في أشعار عصر النهضة ابتداء من "اليازجي" حتى "عمر أبو ريشة" مروراً "بشوقي" و"حافظ" و"مطران" وشعراء "أبولو" قبل الدخول في حومة شعر التفعيلة والشعر المنثور. هنا أود أن أشير إلى شاعرين يسلباني نفسي في بعض تعابيرهما وصيغهما الشعرية رغم قلة شهرتهما مقارنة بفحول الشعراء: إنهما شاعر "أفاعي الفردوس" اللبناني، وشاعر "الملاح التائه" المصري، ولن أفصّل.
على صعيد النثر أعشق "الجاحظ" في الأدب القديم، و"طه حسين" في الأدب الحديث ولا أعدل بهما أحداً، ولكني أنبهر كثيراً ببعض صور "جبران خليل جبران" ورصانة جُمَل "ميخائيل نعيمة" و"محمد حسين هيكل". لا أحب "العقاد"، ويسليني "المازني" كثيراً، وأحب بناء القصة عند "نجيب محفوظ" أكثر مما يعجبني أسلوبه. .. هذا باختصار
.
سوف أعود غداً لتناول الأسئلة الباقية ...
واسلم لي
العلماني