فجر غسان الرحباني مؤخرا مفاجأة من العيار الثقيل خلال برنامجه على قناة الجديد "غني مع غسان" عندما صرح أنه يعتقد أن لحن النشيد الوطني اللبناني مسروق من نشيد فلكلوري مغربي، وقد تنبه لذلك أول الأمر أحد أصدقاءه (تبين لاحقا أنه فؤاد خوري) في تقرير بث عن بن بركة في قناة بلجيكية. ورد في التقرير (وهو في الحقيقة فيلم وثائقي من إخراج سيمون بيطون ويمكن شراء نسخة دي في دي منه
هنا) مقطع من نشيد يشبه في لحنه النشيد الوطني اللبناني وقد طلب غسان الدي في دي من القناة وبرأيه فإن لحنه يطابق لحن النشيد الوطني اللبناني وطلب في النهاية من المشاهدين مده بمزيد من المعلومات حول هذا "النشيد الفلكلوري" إن ملكوها.
إليكم المقطع من غني مع غسان عن الأمر:
بعد ذلك قام تلفزيون الجديد ببث تقرير راشيل كرم حول الموضوع في نشرته المسائية بان فيه المزيد من التفاصيل فقد تبين مصدر هذا "النشيد الفلكلوري" إذ الحديث عن نشيد بطل الريف من تأليف الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان وألحان الملحن اللبناني محمد فليفل:
وقد أتبعته النشرة المسائية بتقرير آخر لرامي الأمين قابل فيه الموسيقي الشاب زياد سحاب الذي اعتبر لحن النشيد الوطني بسيطا طفوليا وغير نابع من الموسيقى الشرقية (وذلك بغض النظر عن صحة كونه مسروقا أم لا) ثم بناءا على اقتراح من القناة قام بتلحين لحن بديل للنشيد الوطني اللبناني (الذي حسب التقرير لم يعرف من كلماته سوى المقطع الأول):
align=center]
[/align]
وأثار كل هذا
جدلا معينا في لبنان فقامت مجموعات فيسبوك مثل «الحملة الوطنيّة لتغيير النشيد الوطني اللبناني» وقام البعض بالرد على هذه الادعاءات بمقالات مثل مقال خليل حنون "
بلى، لبناني «ميّة بالميّة»" في جريدة الأخبار.
تعليق الحوت:
هذه التقارير كلها تحوي بعض المغالطات :
- اعتبار نشيد بطل الريف نشيدا فلكلوريا مغاربيا رغم أنه في الحقيقة نشيد ألف كلماته شاعر فلسطيني مشهور وألحانه ملحن لبناني مشهور وقد ألفت الكلمات والألحان في لبنان. هذه المعلومات ليست من عندي بحسب هذه المداخلة في موقع على النت فقد جاء في كتاب "شاعران معاصران" لعمر فروخ أن "في أحد أيام الشتاء من عام 1924 اجتمع إبراهيم طوقان وعبدالرحيم قليلات ومحمد فليفل في مقهى الكاريون.. (بيروت).. كانت البلاد العربية تعصف يومذاك بأخبار انتصارات العرب في شمال إفريقية.. وخطر لإبراهيم.. أن يضع نشيداً لهذه الثورة.. فكان هذا النشيد الذي وضعه إبراهيم في تلك الجلسة التاريخية،.. واستطاع.. الأستاذ محمد فليفل.. أن يضع لحناً قوياً... في تلك الجلسة» من كتاب: «شاعران معاصران» ص 122-123."
- اعتبار النشيد النشيد الوطني لجمهورية الريف، ليس لدينا أي دليل على أن أهل المغرب سمعوا بهذا النشيد واعتمدوه نشيدا وطنيا. النشيد ألف عام ١٩٢٤ أي ثلاث سنوات بعد استقلالها وسنتين قبل اندثارها مما يرجح الكفة في أن النشيد لم يصل إلى المغرب في تلك الفترة. موضوع النشيد هو بطل هذه الجمهورية ربما وصل في فترة لاحقة مع انتشار الإذاعة وراج حتى أصبح البعض يعتبره نشيدا فلكلوريا.
- اعتبار اللحن مسروقا، لا يمكن الحكم من بضعة ثوان أن اللحن مسروق. الكثير من الألحان قد تتشابه في مقاطع قصيرة. قد يكون ذلك ناجم عن أسباب موضوعية مثل كون القصيدتان من نفس البحر الشعري (المستدرك) أو أسباب أخرى مثل تأثر الملحن الأول بلحن سمعه من قبل. ما يجب فعله هو الحصول على كامل التسجيل لنشيد بطل الريف ومقارنته بالنشيد الوطني اللبناني. ليس ذلك بمستحيل فالحديث عن لحن لبناني ومثلما حصلت عليه معدة الفيلم الوثائقي عام ٢٠٠١ رغم أن النشيد من عام ١٩٢٤ فيمكن في لبنان الحصول عليه. قد نكتشف لاحقا أنه الكورال الذي يغنيه هو كورال لبناني.
- الادعاء بإمكانية عمل محكمة لحقوق الملكية الفكرية. حقوق الملكية الفكرية لها قانون واضح، يجب على مالك الحقوق أو ورثته (ورثة محمد فليفل في هذه الحالة) برفع الدعوى وابن محمد فليفل في هذه الحالة ينكر أن أحدا قد سرق لحن أبيه... ويستطيع غسان الرحباني أن يدعو إلى المحاكمة ليل نهار ولن يحدث شيء من هذا القبيل... المفروض أن شخصا له تجربة في قضايا الملكية الفكرية (فهو بحكم كونه أحد ورثة منصور الرحباني كان له ضلع برفع الدعوى على فيروز) يعرف أكثر من هذا.
ولا بد لي من تعليق على "البحث" الصحفي و"تقصي" الحقيقة الذي قام به غسان الرحباني وراشيل كرم ومن عملوا معها بل أيضا الحكومة اللبنانية التي بحسب في إجابتها الخطية لرسالة غسان الرحباني اكتفت بالقول أن الحديث عن نشيد فلكلوري مجهول المؤلف (رغم أننا نعرف المؤلف).
علينا أن نتقصى الحقيقة حقا، فأنا ببضع دقائق من الجوجلة وصلت إلى كلمات النشيد كاملة وبعض الخلفية عن تلحينه من كتاب نشر عام ١٩٥٤ (فقرة منه موجودة على النت) وهي تخالف قول ابن محمد فليفل فلدينا ظروف التلحين وتظهر أن مزاعم خليل حنون بأن تاريخ التلحين ليس بالضرورة عام ١٩٢٤ هو خاطئ فقد كتب النشيد ولحن بنفس الليلة في جلسة مشتركة للشاعر والملحن وبعض الأصدقاء الآخرين.
وملحوظة أخيرة، أود التوضيح أنني لا أهاجم غسان الرحباني أو قناة الجديد أو راشيل كرم ولا أدافع عن النشيد الوطني اللبناني (دولة يصعب رشقي بتهمة التحيز لها).أنا لا أقول أن مزاعمهم خاطئة بل أدعو إلى التروي وتقصي الحقيقة حقا قبل الحكم على الموضوع. إن مجرد انتباه غسان للقضية ومعرفة أصل النشيد أمر جيد ويدل على كفاءة ما لكن ليتهم تقصوا الحقيقة حتى النهاية وليت تعليقاتهم كانت تستند إلى الواقع القانوني (لم يستشيروا مثلا خبيرة في شؤون الملكية الفكرية)... لكن وضع الإعلام اليوم يجبرك على استخدام لغة الإثارة.