ماركس، بونابرت والثورة المصرية: جمعة أخرى في ميدان التحرير
توني كارون
صورة متظاهرين يحملون علم مصر بينما يتجمهر الآلاف في ميدان التحرير في 8 يوليو 2011 (صورة محمد حسام/ا ف ب/Getty Images)
لقد صمدت كتابات كارل ماركس الصحفية التي كتبها في القرن التاسع عشر أكثر من نظرياته حول رأس المال، الاشتراكية والتاريخ. حقا، يحتمل أن أبو الشيوعية الحديثة قد عبر عن حقيقة الثورة في مصر عام 2011 في الثامن عشر من برومير لويس بونابرت، كراسة كتبها الألماني عام 1852. واحتجاج الآلاف يوم الجمعة في ميدان التحرير في القاهرة تفيد أن العديد من المصريين يرون أن ثورتهم تهددها نفس المخاطر التي وصفها ماركس عن أحداث في فرنسا قبل حوالي 159 عاما.
كتبت عدة أسابيع فقط من حدوث انقلاب عسكري في فرنسا بقيادة لويس، ابن أخ نابليون بونابرت، فإن أفضل ما يذكر من هذا المؤلف هو استهلاله الذي لا يضاهى - المقطع عن مآسي التاريخ العظمى التي تعيد نفسها كمهزلة - وبسبب ملاحظته الصائبة "إن الرجال يصنعون تاريخهم, لكنهم لا يصنعونه كما يشتهون , لا يصنعونه في ظروف يختارونها بأنفسهم , بل في ظروف تنشأ مباشرة من الماضي و تنبثق عنه".
لكن احتجاجات يوم الجمعة في ميدان التحرير - طقس من طقوس "الثورة" موجه حاليا ضد من يدعون الحكم باسمها - تذكرنا بمفهوم ماركس عن "البونابرتية"، التي يبدو أنها تصف النظام الذي استبدل الرئيس المخلوع حسني مبارك. البونابرتية تشير إلى موقف فيه تنجح الثورة بإحداث أزمة لكنها تفشل بالوصول إلى الحكم بنفسها، وترى مقابل ذلك ضباطا عسكريون ضد الثورة، يتكلمون بلغة الثورة رغم أنهم يرمون إلى إخمادها، تفريقها وقمعها.
كانت احتجاجات يوم الجمعة في الأصل تركز على النداء من أجل وضع دستور جديد قبل الانتخابات - مسألة تختلف فيها عدة مكونات أساسية من مكونات الثورة، إذ أن اللبراليون يفضلون ذلك بينما الإسلامويون يعارضونها - لكن بدلا من ذلك أصبحت تعبيرا أوسع عن الغضب الشعبي على فشل القيادة العسكرية الانتقالية بتحقيق وعد ثورة مصر غير المنجزة.
لقد كان الجيش - مؤسسة النظام السابقة على مبارك - من فرض على الرئيس الانقياد لمطالب الشارع بالتنحي. المؤسسة التي كان همها الاستقرار فهمت استحالة حصوله ما بقي مبارك في الحكم. بدلا عن ذلك، قامت قيادة الجيش بالتدخل لتبديله، واضعة الصلاحيات التنفيذية بأيدي اللجنة العليا للقوات المسلحة وواعدة بالالتفات إلى مطالب الشارع، حتى عندما قامت بكبح أي تغيير ثوري أعمق من ذلك.
وافق الجنرالات بعمل انتخابات، وبملاحقة من وجدوا مذنبين في فساد النظام القديم. لكن في نفس الوقت، أرادوا تحريم الإضرابات ومنع الاحتجاجات، وما زالوا يحتجزون ويضايقون المتظاهرين والناشطين. أكثر من 5000 ناشط ديموقراطي احتجزتهم القوات الأمنية منذ استقالة مبارك. لا يزال المحتجزون يعذبون، على ذمة مراقبي حقوق الإنسان، في مصر تحت حكم العسكر وقد تعرضت مؤخرا متظاهرات "لفحوصات عذرية" وحشية ومهينة.
لقد أعيد تسمية أذرع أمن الدولة المكروهة، بدلا من حلها كلية، القيادة العسكرية تعي الغضب الشعبي الموجه ضد الذين قتلوا وعذبوا دون أن يحاسبوا، لكنها تمتنع عن التصرف بحزم تجاههم. عجز القيادة الانتقالية عن محاكمة ضباط القوات الأمنية المسؤولة عن قتل المتظاهرين والمعارضين - مما قد ينبع عن امتناع لوضع مبدأ المحاسبة الجماهيرية لرجال في البزات يطيعون الأوامر بالتدخل ضد شعبهم - أصبحت نقطة غليان. لقد كان عجز القيادة المؤقتة عن توفير العدالة لضحايا القمع هو ما أشعل الاضطرابات في ميدان التحرير الأسبوع الماضي، عندما هاجمت الشرطة متظاهرين عزل بكل حماس كما فعلوا أيام بداية الاحتجاجات ضد مبارك. وقامت القيادة الانتقالية بإلقاء اللوم على المتظاهرين.
لقد كان الجيش من أوصل مبارك إلى الحكم، والجيش كان مستعدا للتضحية به مقابل الاستقرار الذي تتطلبه مصالح هذه المؤسسة. بدا الجنرالات يتحسسون طريقهم إلى توازن سياسي جديد قادر على حفظ الاستقرار الاجتماعي، ومعادلتهم للقيام بذلك تتضمن انتخابات بالتأكيد. لكن، نظير الجيش الباكستاني، إن للقوات المسلحة المصرية مصالحها الحيوية، التي تضم اعتمادهم على المعونات السنوية الأمريكية وحاجة نابعة عنها (بالإضافة إلى ضعف الجيش المصري نفسه) بالمحافظة على السلام مع إسرائيل، والحاجة لاستقرار مصر ومعالجة الانكماش الاقتصادي الحاد (ومن هنا نبع منع الإضراب).
اتضحت الفجوة بين الرمزي والواقعي في نظام الجنرالات في قراراتهم الأخيرة حول غزة. مستجيبين للضغط الشعبي لإنهاء الدعم للحصار الإسرائيلي-الأمريكي على القطاع تحت حكم حماس الذي يراه معظم المصريون قضية عار قومي، أعلن الجيش أنه سيفتح معبر رفح الحدودي مع القطاع. لكن إن بدا ذلك قطيعة عن تعاون مبارك المتحمس في عقاب أهل غزة الجماعي، الواقع، كما أشارت المحللة هيلينا كوبان، مختلف: لا تزال مصر تمنع التبادل التجاري في معبر رفح، وتحدد حركة الأشخاص الخارجين من غزة إلى أقل من 300 في اليوم، متقيدة بقوائم يزودها الإسرائيليون ومستثنية الرجال في جيل العسكرية. رفع للحصار؟ أم بادرة بونابرتية جوفاء نسبيا لإرضاء الغضب الشعبي؟
كوبان تشير أيضا إلى أن الجنرالات عزلوا الشهر الماضي وزير الخارجية الذين قاموا هم بتعيينه، نبيل العربي، الذي وعد بقطيعة عن سياسات مبارك تجاه الفلسطينيين المناسبة لإسرئيل. العربي مضى قدما ليرأس الجامعة العربية، في عملية لا تخلو من سخرية قدر لكون مبارك قد قام بنفس الخطوة لوزير خارجيته السابق عمرو موسى، الذي طالما اعتبر شعبيا أكثر مما ينبغي وكان لمواقفه المواجهة لإسرائيل جزءا غير قليل في ذلك.
احتجاجات الأسابيع الماضية، والحدث الضخم المعتزم عقده يوم الجمعة، يعكس إحساسا آخذا بالنمو بين قطاعات واسعة من المجتمع التي تعاضدت على إجبار مبارك على التنحي، بأن النظام العسكري الذي استبدله على الأغلب لن يحقق غاياتهم بإرادته الخاصة.
بعد أن رضوا في البداية بالاعتماد على الجيش بتحقيق ثورتهم، العديد من المصريين اليوم يسعون مرة أخرى لحمل قدرهم على راحتهم. هذا، بالطبع، كان سيرضي السيد ماركس. ففي نهاية الأمر، فقد آمن أن ليس من نتيجة تاريخية محتمة؛ إنها تقرر دوما حسب توازن القوى بين القوى المتصارعة. العديد من المصريين الذين يخرجون إلى الشارع أيام الجمعة قد يصلون إلى نفس الاستنتاج.
-----------------
* هذه هي ترجمتي التي قمت بها على عجل
لمقالة Marx, Bonaparte and the Egyptian Revolution: Another Friday in Tahrir Square التي نشرت على مدونة مجلة تايم الأمريكية يوم الخميس 7 يوليو 2011.الآراء الواردة فيها لا تعبر بالضرورة عن موقف الحوت الأبيض أو الهيئة العربية الاشتراكية الحوتية العظمى للترجمة.