تناسخ الأرواح.. حقيقة لا خيال
لم يخطر لي على بال يوماً ما، أن معتقداً طالما نظرت إليه بريبة واستغراب وأحياناً باستخاف مثل تناسخ الأرواح، لم يخطر لي على بال أنه سيصبح بالنسبة لي حقيقة لا تقل في "حقيقيّتها" عن حقيقة أنني الآن أتنفس وأضرب بأناملي على الكيبورد.
تناسخ الأرواح هو الاعتقاد بأن الكائن الحي بعد موته يعود للعيش بجسد مختلف سواء من ذات الفصيلة أو غيرها، فليس من الضروري أن يرجع الإنسان ليعيش في جسد إنسان بل من الممكن أن يعيش في أي صورة أخرى للكائنات الحية، وليس من الضروري أن يعيش على الأرض بل هناك عوالم أخرى يمكن العيش عليها.
هذا الاعتقاد هو راسخ وجوهري في البوذية والهندوسية، وله حضور في معتقدات في مناطق مختلفة من العالم كسكان ألاسكا الأصليين وبعض القبائل الإفريقية، وتناسخ الأرواح رائج لدى بعض الأوساط الغربية اليوم خاصة لدى أصحاب ما يُسمى بالـ New age
سيبدو غريباً أن شخصاً مثلي وُلد ونشأ على الإسلام قد تبنى في النهاية معتقداً كهذا، صحيح أنني تركت الإسلام إلى رحاب اللادينية واللاأدرية منذ مدة طويلة، ولكن حتى لمن ترك الإسلام فإن خلفيته السابقة والمحيط الحالي الذي هو فيه سواء على أرض الواقع أو في عالم الإنترنت سيسمح بصعوبة لتناسخ الأرواح بأن يثير اهتمامه؛ فعلى الرغم من متابعتي للمنتديات والمواقع اللادينية العربية والإنجليزية منذ تسع سنوات، لم أجد يوماً كاتباً نادى بتناسخ الأرواح، فالاعتقاد به نادر في العالم الغربي، ونادر جداً في العالم العربي، إذ لا تعتقد به سوى طائفتان صغيرتان في بلاد الشام هما الدروز والعلويون؛ لقد كنت على علم من قبل بأن الدروز وبعض الديانات الشرقية تعتقد بتناسخ الأرواح، ولكن مع ذلك لم ينل هذا الأمر مني أي اهتمام على الرغم من بحثي الطويل وتأملاتي الوجودية الكثيرة، لقد كان "تناسخ الأرواح" بالنسبة لي مجرد معتقد غريب عجيب يؤمن به البوذيون والهندوس، إلى أن جاءت صدفة سعيدة أثناء تصفحي لإحدى المنتديات الإنجليزية حيث وجدت موضوعاً عن طفل أسكتلندي قال عن نفسه أنه قد عاش من قبل في مكان مختلف وكان له اسم آخر وأبوان آخران وأخوة وأخوات آخرين... ألخ. أثار ذلك فضولي، لتبدأ بعد ذلك رحلة البحث عن تناسخ الأرواح والتي ساعدني فيها إجادتي للغة الإنجليزية؛ فهذا الشأن لن تجد شيئاً مفيداً عنه في عالم الإنترنت العربي، فأخذت أبحر مع "جوجل" جل جلاله، لأكتشف بعد طول بحث أن هذه الحياة لا تنتهي عجائبها.. نعم تناسخ الأرواح حقيقة، وقد اقتنعت بها على الرغم من مناقضتها التامة لكل ما نشأت عليه، اقتنعت بها بفضل توفر الدليل التجريبي المبني على الملاحظة والاختبار والقابل للإعادة Empirical evidence
فحيثما كان الدليل اتبعته وقبلت بنتائجه.
فما هى الأدلة التي تثبت مصداقية تناسخ الأرواح؟
حين يكون الإدعاء لوحده دليلاً
هى ظاهرة عالمية تحصل لأشخاص من مختلف الأجناس، ظاهرة أن يدعي الشخص بأنه سبق وأن عاش حياة أخرى بجسد آخر، وأنه يذكر بعضاً أو كثيراً من تفاصيل تلك الحياة كأسماء أفراد أسرته السابقة وأصدقائه السابقين. حين يدعي شخصٌ ما مثل هذا الإدعاء فإن السبيل الوحيد للتحقق من مصداقيته هى عبر التحقق من صحة المعلومات التي قدمها عن حياته السابقة، وذلك عن طريق التواصل مع الذين ظلوا على قيد الحياة من أفراد أسرته السابقة، وحين يتعذر ذلك، أو حين لا نجد تطابقاً كاملاً بين رواية المدعي وبين رواية افراد أسرته السابقة، حينها تصبح الدعوى مجرد anecdote أو "قصة شخصية" رواها شخص ما ولا يمكن التحقق من صحتها ولا يمكن اعتبارها مثبتة لشيء ما؛ أي أن الموضوع يصبح مثل دعاوى الأشخاص الذين يزعمون بأنهم قد تعرضوا للاختطاف من كائنات فضائية أجرت عليهم تجارب، وهذه دعاوى لا قيمة لها علمياً لاستحالة التحقق من صحتها؛ ولكن هناك عينة من مدعي تذكر الحياة السابقة، مجرد ادعائهم بما يدعونه هو كافٍ لإضفاء مقدار عظيم من المصداقية على ادعاءاتهم.
يمكن تقسيم الأشخاص الذين يتذكرون حياتهم السابقة إلى مجموعتين:
1- الذين يتذكرون هذه الذكريات عبر جلسات التنويم المغناطيسي، وتُسمى بـ past life regression، وهذا النوع في الغالب لا قيمة له ولا يعنيني البتة هنا؛ إذ هذا النوع من التذكر يكون غالباً من صنع العقل الباطن.
2- الذين يتذكرون هذه الذكريات وهم في مرحلة الطفولة، وهذا النوع هو الذي قام عليه دليل تناسخ الأرواح، وهو النوع الذي أعتقد بأن مجرد الادعاء منه كاف لإثبات صحة تناسخ الأرواح، لماذا؟؟
يبدأ هؤلاء الأطفال بالحديث عن "حياتهم السابقة" في سنٍ مبكر جداً ومع بدايات تعلمهم للنطق وهم في سن الثانية، وتستمر هذه الذكريات لديهم إلى أن يبدأوا في الذهاب إلى المدرسة والانخراط والانشغال بشكل أكبر في الحياة، فيؤدي ذلك إلى نسيانهم بشكل تدريجي لذكريات الحياة السابقة. وقد لوحظ أن الأطفال الذين تذكروا أنهم في حياة سابقة قد ماتوا بشكل غير طبيعي – حادث، جريمة قتل –تصبح لديهم فوبيا – رهاب – من الأمور المرتبطة بموتهم؛ فالطفل الذي يتذكر أنه قد مات في حياته السابقة طعناً بالسكين يصبح لديه رهاب وخوف غير طبيعي من السكاكين، ومن تذكر أنه مات غرقاً يصبح لديه رهاب من السباحة، وهكذا. كما أن العديد من الأطفال الذي يتذكرون حيوات سابقة تظهر لديهم مواهب ومهارات وسلوكيات كانوا قد اكتسبوها في حيواتهم السابقة، وسنتناول كل هذا بالتفصيل لاحقاً.
الآن تصور هذا المشهد:
طفل في الثانية من عمره ما يزال يتردي الحفاظات، يقول عن نفسه بأنه سبق وأن عاش من قبل، وأنه كان له اسم آخر غير اسمه الحالي، وعائلة أخرى وأصدقاء، وكان له عمل، بل ويذكر الكيفية التي مات بها، وبعضهم يذكر ما حصل معه بعد الموت من أنه هوى في حفرة عميقة أو دخل في نفق وبعدها عاد إلى الحياة في جسد جديد.
حين تتصور المشهد السابق، أعتقد أنك ستتفهم تماماً لماذا أنا أقول بأن مجرد هذا الادعاء يكفي لإثبات المصداقية، لأن المدعين ببساطة هم أطفال!
قل لي بربك، ما الذي يجعل طفلاً في الثانية من عمره يدعي مثل هذا الادعاء المذهل؟، يكذب؟؟، لماذا يكذب؟؟، وهل تتصور أن طفلاً في الثانية من عمره بإمكانه أن يكون بهذه الدرجة من الوعي بحيث يحبك كذبة مفادها أنه عاش من قبل ثم مات والآن هو حي في جسد جديد؟؟ هل هذا شيء يشبه شيئاً ممكن أن يقوله طفل في الثانية من عمره ما يزال يتبول ويتبرز في حفاظاته؟؟.
هل الطفل توهم هذا الأمر؟؟، ولكن هل دماغ طفل في الثانية من عمره قادر على "حبك" مثل هذا الوهم الذي قد لا يصل إليه أعتى مصاب بانفصام الشخصية؟؟
الوضع هنا مختلف جداً جداً عن "الادعاءات الخارقة" الأخرى التي تعود للبالغين؛ فالبالغ لديه دوافع للكذب، ودماغه مر بتجارب كافية لتمكينه إما من الكذب بشكل جيد أو المرور بهلاوس وإيهامه بأنه تعرض مثلاً للاختطاف من كائنات فضائية أو شاهد شبحاً ما أو غير ذلك، نحن هنا نتحدث عن أطفال في بداية وعيهم للحياة وما إن امتلكوا شيئاً من اللغة حتى ابتدأوا يتحدثون عن عيشهم لحياة سابقة؛ هذه ظاهرة حصلت وتحصل في مختلف مناطق العالم وتم تدوين ودراسة عدد كبير جداً من هذه الحالات كما سيمر معنا لاحقاً؛ إذاً الموضوع مختلف هنا، ولذلك مجرد الادعاء في هذه الحالة هو كاف للفت الأنظار بشدة نحو هذه الظاهرة وكاف للتعامل معها بجدية تامة وبشكل مختلف تماماً عن بقية الادعاءات الخارقة التي تعود للبالغين.
فإذا كان الادعاء بحد ذاته مذهلاً لهذه الدرجة، فما بالك حين تعلم بأنه قد تمت دراسة عدد كبير من هذه الحالات وتم إثبات وجود تطابق بين رواية الطفل وبين رواية عائلة الشخص الذي قال الطفل أنه كان هو؟ بل ما بالك حين تعلم بوجود حالات كثيرة تظهر فيها على الطفل علامة على جسده منذ الولادة birth marks أو يولد بعاهة، ثم يتبين بعد التحقيق والوصول إلى أسرة الشخصية السابقة والحصول على ملفاته الطبية يتبين أن العلامة أو العاهة الموجودة في جسد الطفل هي مطابقة لإصابة أو عاهة كانت موجودة في جسده السابق؟
حينها لا يصبح هناك مجال للشك في أن تناسخ الأرواح هو حقيقة وواقع، وأن الموت ليس هو النهاية؛ فقد علمنا جانباً مما يحصل بعد الموت وهو أن يعود الشخص للعيش بجسد مختلف، ولحسن الحظ بعض هؤلاء كانوا قادرين على تذكر حيواتهم السابقة، فقدموا لنا الدليل الأقوى على وجود الحياة بعد الموت.
في القسم التالي "سندخل في الجد" ونبدأ في عرض الحالات الموثقة بالتفصيل وبالصور
فصبراً آل إلحاد، فإن موعدكم الدليل
وننوه أيضاً إلى أن تناسخ الأرواح هو ضربة قاضية للأديان الإبراهيمية المشؤومة الثلاث؛ إذ يتناقض تناسخ الأرواح بشكل جوهري مع مزاعم وخزعبلات الأديان الإبراهيمية عما يحصل بعد الموت.
فصبراً آل إبراهيم، فإن موعدكم الدليل