اقتباس:* ص 43و 44 – نيتشه والفردية والشعوب والإنسان :
.. يعد نيتشه من أعمدة النزعة الفردية الاوروبية حيث اعطى أهمية كبيرة للفرد ، واعتبر ان المجتمع موجود ليخدم وينتج افراد مميزين وابطالا وعباقرة . ولكنّه ميز بين الشعوب ولم يعطها الأحقية أو المقدرة نفسها ، حيث فضل الشعب الالماني على كل شعوب اوروبا ، واعتبر ان الثقافة الفرنسية هي ارقى وافضل الثقافات ، بينما يتمتع الايطاليون بالجمال والعنف ، والروس بالمقدرة والجبروت . وأحط الشعوب الاوروبية برأيه هم الانجليز حيث اثارت الديموقراطية الانجليزية واتساع الحريات الشخصية والانفتاح الاخلاقي اشمئزازه واعتبرها دلائل افتقار للبطولة .
ولكن ماذا عن الإنسان في فلسفة نيتشه ؟ "الإنسان شيء لا بد من تجاوزه" ، لعلّ هذه الفكرة هي العبارة الاكثر ترديدا عند نيتشه وهي الفكرة المركزية في فلسفته .. فالإنسان الذي لا بد من تجاوزه هو إنسان القيم البالية ، إنسان الميتافيزيقا واللاعقلانية ، وعلى هذا الأساس استندت فلسفته على (قلب القيم) .. وهذا يعني صراحة قلب الأصنام وعقلنة الأخلاق ، كي تكون أخلاقا خارجة عن هذا الانسان ومرتبطة به . وعلى هذا الأساس أسقط نيتشه مفاهيم عديدة في فلسفته بشكل عام ، وما يخص الإنسان والإنسانية بشكل خاص ، ومن هذه المفاهيم : الله ، الروح ، الفضيلة ، الحقيقة ، الماوراء ، وغيرها ، كي يختزل المفاهيم المحددة لهذا الإنسان ذاته .
ماذا ابقى من المفاهيم ؟ وهذه الاشياء التي حذفها هي التي تسمى بالخير ، والتي تميز الانسان عن الحيوان . اذا هو حذف الخير من الانسان ليبقي على الشر . ولم ينادي احد بالدعوة لتمجيد الشر مثل ما فعل نيتشه . ولم يدعو احد بهذه الدعوة وقبلت منه صراحةً كما اعلنها هو صراحة ً.
اقتباس:* ص44 و 45- نيتشه وما هية الإنسان :
كيف يصبح المرء (ما هو) ؟ بهذا السؤال ، أو بهذه الاشكالية ان صح التعبير ، يبتدئ نيتشه فلسفته حول الإنسان .. أن يصبح المرء (ما هو) ، يفترض أن لا يكون لديه أدنى دراية بـ (ماهو) ، ومن وجهة النظر هذه تغدو حتى الأعمال غير الصائبة التي تحدث في الحياة ذات معنى وقيمة ، وكذلك السبل الجانبية والسبل الخاطئة التي يسلكها المرء لفترة من الزمن .. وهنا تتجلى الحكمة الكبرى ، ألا وهي : اعرف نفسك بنفسك ،
كيف يعرف ما هو طالما ان للصواب والخطأ نفس القيمة ؟ هي دعوة للتخلص من الانسان ، ومن الضمير ليس الا ، بل ومن العقل . بموجب هذا يكون الانسان الة تتحرك ولا تقيم اعمالها ، والتقييم يحتاج الى ميزان ثابت وهو لا يريد ان يكون للانسان فكرة مسبقة عن نفسه و لايريد ميزانا اصلا ! اذا يعيش بلا تقييم وبلا قيود ، ليست كعيشة الحيوان بل اضل ، لان للحيوان فكرة عن نفسه ، لا يتجاوزها . تحددها الغرائز المسيطرة .
نيتشه يظن ان قتل الانسان وابقاء المادة امر سهل . ويسميها حكمة ! كل هذا من اجل نصرة الشر والشيطان ، فالانسان عدوه والحقيقة عدوه ، فهو لا يخاف من الشك ، لكنه يخشى ان تقتله الحقيقة كما قال ، والشيطان تقتله الحقيقة .
فنسيان الذات وسوء فهم الذات وتحقير الذات .. تغدو عين الحكمة امام القفز إلى الماوراء ، دون معرفة ماهية ما تم القفز فوقه ، وعليه لا يعتبر نيتشه هؤلاء العظماء المزعومين ، والذي ساهموا وما زالوا يساهمون بسنّ الأخلاق والقيم المحددة للإنسان حتى في عداد البشر ، فيقول : " فهم في نظري نفايات البشرية ، ونتاج للمرض وغرائز الانتقام ، انهم كائنات فظيعة ومضرة وغير قابلة في جوهرها للعلاج ، غايتها الانتقام من الحياة " .
اذا هو يعترف بنتيجة عدم معرفة الماهو ، وهي نسيان الذات واحتقارها وسوء فهمها ، هذه كنتيجة لطلبه السابق ، فهو طلب وهو قرر نتيجة الطلب بنفسه ! كل هذا حتى يرفض الايمان بالغيب الذي لا يسبب هذه الامراض من نسيان الذات واحتقارها وسوء فهمها ، بل هو الذي يداويها ، والعاقل لا يريد ان يسيء فهم نفسه فضلا عن ان ينساها ويحتقرها .. هل هذا هو عين الحكمة ؟
نيتشه مستعد ان يضحي بكل شيء لاجل ان يرفض الايمان بالغيب ، حتى نفسه ، قال تعالى : (نسوا الله فانساهم انفسهم) ، وما زلنا في كلامه فهو قال هذه وقال تلك . واي شيء سيكون اهون من هذه النتائج السابقة ، هذه التضحية سخية لاجل الشيطان .
اقتباس:* ص 45 و 46– الإنسان الحق والمبدع والأرقى عند نيتشه :
.. فالإنسان الحق عند نيتشه ، هو ذاك الإنسان الذي لا يدعو إلى العفة ، فالعفة حسب وصفه : "تحريض عمومي معاكس للطبيعة" . كما اعتبر تحقير الحياة الجنسية وارتباط هذه الحياة بفكرة (الدنس) هي جريمة في حق الحياة . وإذا ما اُعتُبِرت خطيئة من قبل المثاليين ، فالخطيئة عند نيتشه هي المثالية ذاتها .
الحياة الجنسية ليست خطيئة ، بل الزنا هو الخطيئة ، وشمول الحالتين بلفظ واحد يدل على خبث مقصود ، فليست كل ممارسة جنسية خطيئة ، وليست كل ممارسة جنسية فضيلة . ومن البداية هو رافض للمثالية ، فليس الامر جديدا ، اليس يردد دائما أنه يجب تجاوز الانسان ؟ اي يقصد تجاوز الانسانية . والمثالية هي هدف الانسان .
اقتباس:فالإنسان هو الإنسان الحر . والإنسان الحر هو من يمتلك عقلا حراً ، أي عقلا محرَّرا استعادَ تملكه بذاته ، ومنه فإن الإنسان المستقيم هو الإنسان الذي يعي نفسه كنقيض لأكاذيب آلاف من السنين ..
هذا لا يسمى وعي بالنفس ، هذا وعي لاكاذيب الاف السنين ، ولكن اين وعيه بنفسه ؟ تلاعب بالالفاظ . هل اذا وعيت بالكذب ، يعني انك اكتشفت الحقيقة والبديل ؟ هذا غير مطّرد . فضلا عن ان تعرف نفسك بمجرد ان تعرف كذب غيرك . هذا اضافة لاعترافه السابق بأن الإنسان اذا ترك الايمان بالغيب سوف ينسى نفسه ويحتقرها ويسيء فهمها ! اي انه لن يعرف نفسه ! فقط سيحتقرها ويسيء فهمها . ومن ينسى نفسه معناها انه لا يعيها ، اذا تبقى الاثنتين الاخريين : ان يحتقر نفسه ويسيء فهمها ، كنتيجة للالحاد الذي يدعو اليه .
اقتباس:ومنه أيضا فالإنسان المبدع عنده هو الإنسان الذي يجب عليه أن يكون أولا إنسانا (مدمّراً) ، وأن يحطّم القيم . {يقول} : " الشر الأعظم هو جزء من الخير الأعظم ، لكن ذلك هو الخير المبدع ".
ألم ينفي الخير والشر مسبقاً ؟ لماذا اذا يعود لاستعمالهما ؟ بل ويمسح الشر بالخير ، حتى يكسبه بهاءً ، أليس هذا اشد من كذب الاف السنين ؟
اقتباس:والإنسان الأرقى في فلسفة نيتشه هو الإنسان الذي يمثّل الواقع كما هو ، ويمتلك ما يكفي من القوة لهذا الغرض ، {يقول} : " الإنسان الأرقى ليس غريبا عن هذا الواقع ولا ببعيد عنه ، إنه هو ذاته ، وهو لا يزال يحمل في داخله كل فظاعاته واشكالاته ، بهذه الكيفية فقط يمكن للإنسان أن يكون ذا عظمة " .
نتمنى ان يستمر هذا الارتباط بالواقع ، دون القفز الى الخيال الملحد . ونستغرب كيف ترتبط العظمة مع الفظاعات والرقي في هذه العقلية ؟ واذا كان لا يراها فظاعات فلماذا يسميها كذلك ؟ كأنه يقول : الموظف المتميز هو الذي يؤدي عمله بكل التناقض الذي يحمله ، من كسل ونشاط وذكاء وغباء ومهارة وخرق ، هكذا يكون متميزا ..! اذا كان هذا هو المتميز فماذا يسمي الموظف الذي يستخدم احسن ما فيه فقط ؟
من الشخص العاقل الذي يقول هذا الكلام ؟ وتمجيده للواقع هو وقف للتطور الذي ينادي به ، وكأنه ليس بالامكان احسن مما كان .
اقتباس:* ص 46 : إنسان نيتشه :
.. إنسان نيتشه هو إنسان العقل ، انسان الخير والشر كما يراهما العقل ، وتقييم الخير والشر عليه ان يكون تقييما ارضيا ، وليس فوق-ارضي .
انسان العقل لا يقع في صدام مستمر ومتناقض مع المنطق والعقل نفسه والواقع . الا اذا اعتبرنا الكذب رقيا بحد ذاته .
اقتباس:* ص 48 : من أقوال نيتشه :
إن كل الاشياء التي ظلت البشرية تثمنها الى حد الان ليست حتى بالامور الواقعية ، بل خيالات ومجرد اوهام ، وبعبارة اكثر شدة : اكاذيب طالعة من عمق الغرائز السيئة لطبائع مريضة ومضرة بالمعنى العميق للكلمة . كل هده المفاهيم من شاكلة الاله والروح والفضيلة والخطيئة والماوراء والحقيقة .
هذه المفاهيم تحمل جمالا ، والبشرية احبتها ، لكن المفاهيم التي يطرحها نيتشه لا تحمل جمالا بل قبحا ، فلماذا تكون مفاهيمه حقيقة وهذه المفاهيم مكذوبة ؟ الكذب لا يقدم جمالا . القبيح يقدم قبح ، والجميل يقدم جمالا . والكذب قبيح . واذا كان الانبياء كاذبون ، فينبغي ان يقدموا قبحا وليس جمالا تهفو حوله قلوب البشر باستثناء الماديين منهم ، الذين لا يملكون الا الاعتراف بجمال ما قدمه الدين مرغمين على ذلك ويسمونها احلاما وردية يخدّر الدين بها اتباعه . بينما هم يخدرون اتباعهم بالشهوات والغرائز التي لا تملك مثل الجمال الذي يقدمه الدين .
اقتباس:* ص 48 : نيتشه والانسانية :
.. الانسانية ليست منقادة بنفسها الى الطريق السوي ولا هي مسيرة البتة من قبل العناية الالهية ، بل انها على العكس من دلك ، فقد فسحت المجال ، بمفاهيمها القيمية المقدسة ، لغرائز النفي والفساد وغريزة الانحطاط كي تمارس سيادتها عليها .
هذه الثلاثة هي ما يدعو اليها نيتشه ، فهو يمارس النفي في خطابه ، ولا تسال عن الانحطاط والفساد الذي يدعو إليه . مع انه لا يؤمن بالانسانية ، اذا التهمة ليست قاصرة على الانسانية .
هذا شخص يكتب اهواءه ، وليست كتابة باسلوب فلسفي متقيّد بالعقل والمنطق . فهو يبدو كمن يستطيع ان يقول كل ما يشاء بدون تعقّل ، بدوافع عاطفية ، نيتشه شاعر الحادي حاقد وليس فيلسوف . يكشف هذا اعجابه بشعراء اليونان قبل سقراط وكراهيته لسقراط وتلاميذه لانهم فلاسفة .بل يشنع عليهم تمسكهم الشديد بالعقل .
اقتباس:* ص 48 : تناقض العقلانية والميتافيزيقية عند نيتشه :
.. فالعقلانية والحاجة الميتافيزيقية بالنسبة {لنيتشه} هي محض تناقض قيمي ، " فحين يتراخى ادنى عضو من مجمل جسده ويتخلى عن حماية حفظ داته وتأمين انانيته بوثوق تام ، يتداعى لدلك الكل ، وفي مثل هده الحالة يأمر العقلاني ببتر العضو المتداعي ولا يتضامن مع انحطاط داك العضو ، فالعقلاني ابعد ما يكون عن الشفقة تجاهه ، ولكن اللاعقلاني الغيبي دا الحاجة الميتافيزيقية يريد بالتحديد انحطاط الكل ، الانسانية بكليتها لدلك هو يحفظ العنصر المتفكك ، فبمثل هدا الثمن يتسنى له السيطرة عليها " .
المثال غير سليم . هذا العضو الذي يقصده – وهو الايمان بالغيب المتفق مع العقل - هو من اقوى الاعضاء ، وبالعكس ، هو وجد ليحافظ على انانيته ، ومستقبله في الحياة وبعد الموت ، ولا يتناقض مع انانياته الاخرى ، فلماذا يُبتَر وهو ذو وظيفة حيوية ؟
هل العقلانية قادرة على ان تحفظ الانانية فعلا ؟ هذا الزعم يستوجب معرفة كاملة وشاملة لكل شي ، وهذا الطلب غير موجود في العقلانية ولا تستطيعه ، اذا العقلانية ليست كافية للدفاع الكامل عن الانانية بسبب افتقارها الشديد للمعرفة اليقينية للانسان . فضلا عن ان تُعرَف طرق حمايته . والعقل لا يستطيع ان يحمي المجهول من المجهول . والانسان ذلك المجهول .
اقتباس:* ص 49 : الأخلاق :
.. فمناقضة الغرائز الطبيعية ( أي نكران الدات في كلمة واحدة ، دلك هو ما ظل يسمى الى حد الان بالاخلاق ) ،
هذا الفهم سطحي جدا للاخلاق ، يشبه ردة فعل مراهق يُنهى عن بعض التصرفات السيئة . ويعتبر ذلك تدخلا في حريته .
اقتباس: إن القول بضرورة الاعتقاد بان كل شيء مسير بيد حكيمة ، وان كتابا الهيا باستطاعته ان يمنح طمأنينة نهائية بشأن التسيير الالهي والحكمة الربانية يعني ، بعد ترجمته الى لغة الواقع ، (إرادة طمس الحقيقة) التي تشهد بواقع معاكس بائس يبعث على الشقفة ، الا وهو ان الانسانية ظلت الى حد اليوم مسيرة بأسوأ ما يوجد من الأيدي ومحكومة من قبل المحتالين ، (وأن أخلاق الإنحطاط قد غدت الاخلاق بحد داتها) .
ما الضرر الذي يطول الانسان او العقل او العلم او الاخلاق اذا اعتقد بوجود اله حكيم مسير للكون ويخيّر الإنسان ليفعل ما يشاء ؟ هذا الايمان داعم لهذه الامور وليس مناقضا الا في خيال نيتشه .
يتبع ..