أحمد سراج يكتب: خطايا المجلس العسكري (أوهام الكرسي وأسرار الميدان)
الأربعاء 23 نوفمبر 2011 - 2:35 صباح
الجريدة (خاص) – كتب أحمد سراج
ما سأكتبه هنا ليس جديدًا، ولا تاريخيًّا ولا شهادة على عصر عشته من بدايته حتى تقوَّضه، وإنما هو محض تخوفات وكوابيس كنت أتمنى ألا تتحقق لكنها تحققت واحدة واحدة، وعشناها جميعًا كعراف طيبة الذي تنبأ بخرابها، وتمنى حين عاصر نبوءته أن تفقأ عينه فلا يرى شيئًا، لكن ما يحول دون أن أكون هذا العراف أن ما لا أريد هو مرحلة انتقالية إلى ما أريد، فاصبروا إنما النصر صبر ساعة.
أعود للتاريخ الفارق؛ الحادي عشر من نوفمبر، وأعود إلى تحية أحد اللواءات للشهداء، وأعود لتصريح كبير العسكر بأنه كان هناك إجماع على حماية الثورة، فأعجب هل كان كل ما جرى لا يعدو مسرحية غير متقنة الصنع أكبر أبطالها لا يليق بدور ممثل درجة رابعة حلمه أن يظهر على الشاشة للحظات ليُصفع على قفاه ثم يختفي في مزبلة التاريخ، وأسأل: لماذا لم يحدث ما كان مأمولاً، وما وعدنا به جميعًا؟
لا أدري كيف يبدأ عراف التحرير المبصر الحديث عن بطلها الأعمى الذي فقأوا عينًا له في الثامن والعشرين من يناير، وفقأو الثانية في الثامن عشر من نوفمبر، ولا أدري كيف تكون مشاعر قارئي وهو يقرأ لي متخيلاً أنني أكتب من مكتب وثير بينما الشهداء يتساقطون واحدًا تلو الثاني، كل ما أدريه أن عليَّ أن أنزل إلى الميدان لأشهد أنني عشت مع اولئك الأبطال الذين قال لي أحدهم: حين ضربوني داخل المستشفى الميداني، تمنيت أن أستطيع النطق لأقول لهم: بتضربوا في إيه؟ وأن عليَّ أن أكتب حتى يظل الدم حيًّا، وأن يعرف القريب قبل البعيد كيف صمد أولئك الفتية الذين آمنوا بوطنهم دون غاية سواها، ودون حسابات شخصية ودون أمل في حياة كريمة؛ فقد كان هتافهم الرئيسي: يانموت زيهم… يا نجيب حقهم.
لن أبدأ من حادثة فض الاعتصام؛ فتلك عَرَض لمرض، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير المصري الذي تحمل على مدى الشهور التالية لتنحي مبارك، وتكليفه رجاله المخلصين له هو بإدارة شؤون البلاد كما اتفق على ذلك، سأبدا من تلك الممارسات البارزة التي أدت بنا إلى هنا الآن.
1- ابتسم فقط: لتكن صوركم دائمًا، وأنتم تبتسمون في لقاءاتكم التلفزيونية محددة المذيعة والمذيع والأسئلة والاجوبة والمداخلات، وتوقيت الوعود.
2- عد بما لن تفعل: قل بملء فيك: القضاء على البلطجة، محاربة الانفلات الامني، القضاء على الفساد، تحقيق العدالة الاجتماعي، كل مطالب الثوار مشروعة وستنفذ في أسرع وقت.
3- ادعم التيار الإسلامي: إن الفاعل الأكبر على الساحة المصرية هم الأمريكان الذين يريدون حدودًا آمنة لإسرائيل، ومجرد ظهور شبح التيار الإسلامي في الحكم سيجعل الضوء الأخضر بين يديك؛ لتحطم التماثيل التي صنعتها بيديك، ولتدخل المردة إلى قمقمها المعتاد.
4- فرق تسد: ادعم جمعة السلفيين، ضخم الأنباء عن جمعة الصوفية، اصنع قضايا وهمية تدفع إلى انقسام الناس بين مؤيد ومعارض وسرعان ما تختفي هذه القضايا، ويبقى الخلاف؛ مثلاً تعديلات لدستورٍ قامت الثورة لإسقاطه، ثم صدور إعلان دستوري لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالاستفتاء، وقبل هذا وذاك ضع أفرادًا يبعدون عن حياد القضاة لانتماءاتهم السياسية وتطرفهم فيها.
5- هم يتكلمون وأنت تفعل: اعقد اجتماعات مع كل الأحزاب والتيارات، استمع إلى الجميع برحابة صدر، تلقَّ كل الاقتراحات البناءة وغيرها دون أن تنفذ شيئًا واحدًا.
6- لم تقم ثورة: لا تقل: إنها محض احتجاجات حادة، لكن نفذ ما يتطابق مع هذا، لتبق الأموال المنهوبة في مكانها، ليستشري الفساد أكثر وأكثر وأكثر، استقبل الشكاوى دون رد.
7- أنتم الأعلون: أنتم أدرى بمصلحة البلاد، أما هؤلاء المحتجون الصبية؛ فهم بلا قيمة وعليكم أن تنفذوا ما تشاءون، لأنكم الأعلون.
8- الانفلات الأمني: دع تنظيمات البلطجية تتحرك في إتقان وبراعة لتعم الفوضى أرجاء البلد.
9- تلاعب بالأسعار والاحتياجات: ادعم نقص الوقود وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية للمواطنيين.
10- اقبض على الأصحاب الحقوق: فكلما قبضت على لص صغير سيجر من خلفه وهكذا سينهار المبنى كاملا على رؤوس الجميع، وأنت تعرف خطر ذلك طبعا.
كانت النتيجة المتوقعة لتلك الممارسات هي:
1- أن تلعن الثورة المصرية من بسطاء الناس وأن ينقلبوا عليهم، أو حين تقوم أنت بقمعهم لن يغضب لهم أحد.
2- أن يفلت اللصوص الحقيقيون من العقاب، لأسباب في حاجة إلى تقصٍ للحقائق.
3- أن يعود الأمر إلى ما هو عليه وأسوأ.
4- أن يبقى أصحاب الامتيازات الخفية كما هم دون عقاب، بل وأن يعودوا للحياة الطبيعية.
لقد تم التزام الممارسات بحرفية بالغة للغاية، ونَفَّذَ الملعوبُ بهم أن يمارسوا أدوارهم بدقة عبر بياناتهم ومليونياتهم وبلطجتهم وعباراتهم، لكن شيئًا نقص هذه الخلطة الشيطانية لتصبح مسرحية متقنة الصنع: إنه البطل ميدان التحريروأبناؤه الذين لا يدخلون من محمد محمود ولا من قصر النيل ولا من الريحاني فبإغلاقهم يخلو الميدان، إنهم يأتون من حضن الميدان وإليه هل تسمعون زئيرهم:
قَد كانَ دَورًا وانتهَى؛/ فَرأيتَ نَفسَكَ مُقنِعًا/ ورأت بَصائرُنا القِناع/ لا تَعتذر/ قَد كانَ دَورًا وانتهَى؛/ إذ غامَرَ الملكُ المحاصَرُ بالوزير مموهًا/ لِتطيحَ خيلٌ بالبيادِقِ إذ تُحِسُّ/ النصرَ مقتربًا وبرَّاقًا؛ فَضَحَّى/ أولاً بالفيلِ أَردَفَ قلعةً/ وهنا تَماوتَ واضعًا/ إياك في ظهر الخُصوم/ قَد كانَ دَورًا وانتهَى؛/ فهنا تَماسَكَ دافعًا/ إياكَ في قلبِ الهجُوم/ الشّاهُ ماتَ فَمن ستحمِي/ لا تَعتَرف/ أخُدِعتَ أم كَشفتْكَ/ – يا سُمَّ السِّياسَةِ – نَقلةٌ/ فيها البيادقُ حرةٌ تلهو/ بلاعبِك الرئِيس/ يا أيها المبعوثُ من قَصرِ الرَّئِيس/ خُلِعَ الرئيس/ فاخلع قِناعَكَ واصطَحِب عَهدَ الخداع.
أقوال غير مكسورة:
1- حكِّموا الثورة قبل أن تحاكموها.
2- اخلع قناعك واصطحب عهد الخداع.
3- إذا كنت في دولة تنتهك حرية أبنائها لصالح ما يراه حكامها مصلحة عامة، وتطأ مصلحتها العليا من أجل رؤية مجموعة فيها فتحمل الموت أو تحرك نحو التحرير.
4- لنقف كما يليق بنا، بشهداء منتصرين.
الجريدة