باسل رمسيس : إلى تهاني الجبالي.. طب وماله.. أنا من أطفال الشوارع
خلال الأيام الأولي لحكومة عصام شرف، أردت كتابة مقال متسائلا عن أسباب عدم إسناد وزارة الداخلية للمستشارة تهاني الجبالي. فإن كانت تلك الحكومة معبرة عن الثورة.. فهي إذن الشخص المناسب لوزارة الداخلية. هي سيدة وقانونية.. وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد.
لم يُكتب هذا المقال بسبب تتابع الأحداث وبسبب مقالات أخري كنت أراها أكثر إلحاحا. مرت الشهور وتطورت مواقف المستشارة تهاني الجبالي، فاكتشفت أن ربنا ستر. فإن كنت قد كتبت هذا المقال في حينه، كنت قد أُصبت الآن بالخجل، وكنت قد تأكدت بأنني ساذج تماما. وذلك بسبب كل مواقفها وتصريحاتها المناهضة للثورة، لصالح ما تسميه هي بهيبة الدولة وسلامتها وحمايتها من السقوط!!! وكأن المجلس العسكري هو الدولة.. كأن المشير وشركاؤه في الجرائم التي ترتكب في حق الشعب، هم هذه الدولة!!! عموما ربنا ستر.. بالرغم من أن مواقف المستشارة تؤهلها لأن تكون وزيرة داخلية متوائمة مع هذه الحكومات المباركية.
تحدثت سيادة المستشارة منذ أيام عما يحدث في شارع القصر العيني ومجلس الوزراء. فتجاهلت المجزرة واعتبرت التظاهر ودفاع المعتصمين عن أنفسهم، مؤامرة ضد الدولة.. مؤامرة من أطفال الشوارع بقيادة عمر عفيفي!!! تأخرت أنا في الكتابة عن تصريحاتها، هذه الأيام القليلة، لأنني كنت أشارك في هذه “المؤامرة”. لن أسألها عن علاقة عمر عفيفي بأطفال الشوارع أو تأثيره عليهم.. إن كان أطفال الشوارع يرون فيديوهاته علي شبكة الإنترنت أو يراسلونه أو يتصلون به تلفونيا.. ولن أسألها إن كان أطفال الشوارع هؤلاء، من نوع خاص، يستخدم أحدث أنواع الموبايلات.. لن أسألها هذه الأسئلة لأنها لن تجيب، وستسترسل في الحديث عن المؤامرة التي تتعرض لها الدولة/طنطاوي.. دون أي معلومات. وستتجاهل المؤامرة الحقيقية، التي هي مؤامرة المجلس العسكري، ومعاونيه، لإجهاض محاولات المصريين في التحرر وصون كرامتهم والعيش بكرامة.
لكن السؤال الهام هو: ومالهم أطفال الشوارع؟ وماله لما أكون أنا كمان من أطفال الشوارع؟ هل تفقد كلمة “حرية” معناها إن صرخ بها الفقراء.. وتكتسب معاني أسطورية إن قالها أبناء الأغنياء؟ نعم.. لقد شاركت طوال هذه الأيام في التظاهر في شارع القصر العيني، وألقيت بالحجارة علي رجال الجيش والشرطة ممن كانوا يقتلوننا. هللت للمولوتوف الذي ألقاه شبابنا، وللأسف لا أعرف كيفية تجهيزه، فقد كان أحد عناصر ردع القتلة وإيقافهم أحيانا. أعترف أيضا بأنني شاركت في إلقاء الحجارة علي مبني مجلس الشعب ومجلس الوزراء يوم الجمعة، فمن نوافذهما كان يتم قنصنا بالرصاص الحي.. وشاركت العشرات من أطفال الشوارع إنقاذ مجلس الشوري من الحرق والنهب، حين فتح رجال أمنه، المعينون من قبل الدولة، بابه داعين بعض مخربي الجيش وأمن الدولة للدخول من أجل تخريبه وحرقه.
إن كانت هيبة دولتك تتمثل في عدم الرد علي القتل الذي يمارسه المجلس العسكري، فلتسقط هذه الهيبة ومعها الدولة، ويكون من الضروري، ومن الواجب، العمل علي تدميرها كاملة. النقطة الأخري يا عزيزتي.. هي حقيقة أن من تسمينهم أنت بأطفال الشوارع، هم من كانوا يغامرون بحياتهم، منذ ٢٥ يناير، كي يحيا مجتمع كامل.. وللأسف فأن إحدى نتائج تضحياتهم أن تظهري أنت يا سيدتي يوميا علي الفضائيات، لتتحولي للمستشارة الشهيرة التي تتحدث يوميا عن الثورة والدولة.
هل أطفال الشوارع هؤلاء هم من سحلوا النساء والرجال وقاموا بالتنكيل بالموتي؟ في الحقيقة أنا لا أعلم لصالح من يعمل الكثيرون، لكنني أود معرفة لمصلحة من تتم المشاركة في تزييف وعي المواطنين بمجموعة من الأكاذيب؟ لن تجيبي بالطبع، لذلك فسأسترسل قليلا.. تعلم البعض أن الثورة هي السياسة، والسياسة هي الحكمة، والحكمة هي سمسرة المكاسب، وسمسرة المكاسب هي التدليس. لذلك فليس هناك أي مانع من الضغط علي سميرة إبراهيم وابتزازها وإرهابها… وأنا هنا لا أتهم، بل أتساءل: هل أنت هي السيدة الشهيرة التي قامت بالاتصال بسميرة إبراهيم للضغط عليها وإرهابها كي تصمت؟ سميرة إبراهيم علي عكس من تعلموا أن الثورة هي السياسة والسمسرة، تعلمت أن الثورة هي الثورة، فحكت وجاهرت بما يحدث. حينما قرأت ما قالته عن هذه السيدة الشهيرة، التي قامت بالضغط عليها وابتزازها، واتهامها بعدم الوطنية، لإجبارها علي الصمت بحجة حماية الدولة وسمعة جيشها.. وقالت لها في البداية (أنا أم وحاسة باللي انتي فيه).. أحسست بأن هذه العبارات منسجمة مع خطاب سيادتك.. لن أستغرب إن كانت شكوكي في محلها، فهو نفس المنطق الذي جعلك تغيبين عن مظاهرة النساء والرجال المصريين مساء يوم ٢٠ ديسمبر.. ألا تستحق النساء المصريات الذين تم سحلهن والتنكيل بهن وتعريتهن.. الخروج إلي الشارع احتجاجا؟ ماذا كنت ستفعلين إن كانت من تم سحلها وتعريتها هي إحدي بناتك.. بالصدفة؟ هل كان سيطرأ تغيير علي مفهوم هيبة الدولة في هذه الحالة؟ كان بإمكانك أن تحتجي معنا، حتي ولو لم ترددي شعارات إسقاط حكم العسكر وإعدام المشير. أم أن الاحتجاج في تظاهرة نسائية، سلمية، يضر بالدولة ويؤدي إلي انهيارها؟ هل الدولة هي غرفة من القش كي تنهار مع أي لفحة هواء؟ إن كانت كذلك فأهلا وسهلا بانهيارها، وحرقها، ولنلق عليها بالمولوتوف، مادامت قرارات القتل تخرج منها.
عودة لأطفال الشوارع، لدي سؤال إضافي يا سيدتي المستشارة: ما هي هذه الأشياء التي تسمينها بالوعي والضمير.. إلي آخر هذه المصطلحات العظيمة؟ سيادتك واعية بأهمية الحفاظ علي الدولة باعتبارها غرفة القش التي يسكنها المشير.. وتستغلين جهلي – كأحد أطفال الشوارع – بالفرق بين الدولة والسلطة والنظام.. وليكن، ماذا عن وعي أطفال الشوارع بالنظام الفاسد الذي يعاديهم.. ويريدون إسقاطه؟ سيادة المستشارة، أنت تعلمين، بحكم موقعك ووظيفتك القضائية، وأنا أعلم بحكم أنني رد سجون، بأن بعض أطفال الشوارع يتم حبسهم في السجون العمومية الخاصة بالمجرمين البالغين.. كي يقوموا بالأعمال القذرة داخلها. تعلمين بالطبع، مثلما أعلم أنا، كشاهد مباشر، أنه بداخل هذه السجون يتم اغتصابهم أيضا، أحيانا من قبل بعض المجرمين، وأحيانا من قبل رجال مصلحة السجون. لماذا تستغربين إذا وعي هؤلاء الأطفال وخروجهم لميدان التحرير، للانتقام ممن يغتصبونهم، ولإسقاط نظام قام بتعذيبهم، ومسؤول عن الحياة التي يعيشونها؟ لماذا تستكبرين عليهم الوعي بمن يغتصبهم؟ سأتجاهل هنا كل العنف والفقر والتهميش التي يعيشها أطفال الشوارع الحقيقيون، وأكتفي بهذا الشق الخاص بالسجون.. من موقعك كقاضية، ماذا فعلتِ لوقف هذه الكارثة/الفضيحة؟ هل هي فضيحتهم أم فضيحة دولتك؟ هم واعون يا أستاذة تهاني الجبالي بأن هذا النظام غير العادل هو سبب مأساتهم، وبأن من يقتلونهم في التحرير يرتدون نفس الملابس الرسمية التي كان يرتديها سجانوهم.. مع بعض التنويعات في الألوان.. هذا وإن سلمت معك بأن من يقف في التحرير هم فقط من أطفال الشوارع.
هذا الوعي بهوية العدو هو الذي جعل أحدهم – ربما يكون لديه عشرة أعوام أو أكثر قليلا، لكنه كذب علينا قائلا أن لديه ثلاثة عشر عاما – أن يقوم برفسنا، والصراخ في وجوهنا باكيا: أنا مقفشي ورا.. ورا ده بتاع الجبنا!!! وذلك حين حاولنا أن نحمله كي يقف في الصفوف الخلفية، لتجنيبه إصابة جديدة، بعد أن أصيب بالفعل قبلها بيومين.
أعتذر عن دمي التقيل وسخافتي، ولأختم رسالتي “الودودة” لك بقصة طفل آخر.. رآه صديقنا المخرج السينمائي أسامة العبد في مستشفي القصر العيني.. لك أن تتخيلي ما شعر به أسامة، الذي لديه هو وزوجته نهي، زميلتنا في ميدان التحرير، طفل صغير أسمه “علي”.. حين ذهب لمستشفي القصر العيني حاملا أحد المصابين، فوجد هناك طفلا مصابا برصاصة حية بجوار بطنه، يستغيث به قائلا: مش قادر أتنفس يا عمو.. قول لهم يدوني بنج يا عمو!!!
أسامة العبد لا يعلم إن كانوا قد أعطوه مخدرا أم لا. لكنه يعلم يقينا بأن هذا الطفل الصغير لم يتلق أي مخدر في عقله أو ضميره أو عينيه التي يريد أن يري بهما من يقتله.
كل سنة وحضرتك ودولتك طيبين.. وعام سعيد.
باسل رمسيس
http://elbadil.net/%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9...%84%D9%87/