السبت, 07 أبريل 2012
حازم صاغيّة
كان متوقّعاً إطلاق سراح العميد فايز كرم بعد أن «خدم» في السجن محكوميّته القصيرة، على رغم اتّهامه الصريح بالعمالة واعتقاله على هذا الأساس. رغم هذا، ظهر من فوجئوا بإطلاق السراح، بعدما فوجئوا بصدور الحكم، فيما امتلأ «الفايسبوك» بالتعليقات التي تصدّرتها التسمية الساخرة «العميد العميل».
والمفاجأة تبقى في محلّها، إذ يصعب ردم الهوّة بين كون لبنان بلداً مقاوماً، مقاومته جزء من قواه الشرعيّة ومن إيديولوجيّته الرسميّة وبرامجه التربويّة والتعليميّة، وبين معاملة سخيّة كهذه لمتعامل مع العدوّ. كذلك يصعب ردم الهوّة الأخرى بين ارتباط المقاومة ارتباطاً حصريّاً بـ «حزب الله» وبين انتماء العميل المذكور إلى طرف سياسيّ هو الحليف الرقم واحد لـ «حزب الله»!
واقع الحال أنّ المفارقات لا تمنع من ملاحظة فضائل ثلاث ينطوي عليها الحكم البالغ التخفيف وإطلاق السراح الذي أعقبه.
الفضيلة الأولى انكشاف لعبة تقديس المقاومة وقضيّتها انكشافاً غير مسبوق، واتّضاح أنّ هذه المقاومة ذات وظيفة داخليّة تعلو على كلّ وظيفة مفترضة أخرى. ولأنّ توفير الغطاء المسيحيّ، ممثّلاً بـ»التيّار الوطنيّ الحرّ»، شرط لأداء تلك الوظيفة الداخليّة، حظي فايز كرم باللطف والكرم اللذين حظي بهما.
لقد كانت تلك المهزلة من آخر المسامير في نعش قضيّة أريد لشعوب المشرق العربيّ أن تصدّقها من أجل أن يبقى بشّار الأسد حاكماً لسوريّة وأن يبقى السلاح في يد «حزب الله». ومن هذا القبيل سبق لرامي مخلوف، مع بدايات الثورة السوريّة، أن وجّه مناشدته العاطفيّة لإسرائيل في إطار التحذير من انعكاس تردٍّ أمنيٍّ سوريّ عليها!
أمّا الفضيلة الثانية فانحسار موجة صيد الساحرات المكارثيّة باسم «العمالة» وصولاً منها إلى «التطبيع» أو ترجمة الروايات أو حضور مناسبات فنّيّة أو ثقافيّة. فبعد اليوم، وبعد ما حلّ بعميل فعليّ، سيغدو مزاحاً سمجاً طرح هذا الموضوع الذي لن يحمله عاقل على محمل الجدّ. ولسوف يتبدّى أنّ «العمالة»، التي يراد منها الإمعان في الإمساك بالداخل وكمّ الأفواه المعارضة لسلطة «حزب الله»، مثلها مثل القضيّة الأمّ، مجرّد كذب عند البعض الخبيث، أو مجرّد بلَه عند بقايا الإيديولوجيّين السذّج. وهذا ما يتيح، من حيث المبدأ، توسيع رقعة الحرّيّة والعقل على حساب تحالف الخبث والبَلَه.
وأخيراً، ستقفز المعاملة الكريمة لفايز كرم من فوق العلاقات التنظيميّة والسياسيّة بين «حزب الله» والعونيّين. فقاعدة «حزب الله»، وفي عدادها قتلى وجرحى ومشوّهون نكبَتْهم المواجهات مع إسرائيل، لن يستسيغوا هذه المكافأة يحظى بها عميل لعدوّهم، بل لن يستسيغوا هذا التحالف المسموم أصلاً، بغضّ النظر عن التبريرات التي يقدّمها «حزب الله» لقاعدته. وهل يعقل أن يكون ثمّة قاسم مشترك، غير التكاذب، بين كتلة تعتبر فايز كرم عميلاً ومتواطئاً على دماء أبنائها، وكتلة أخرى تعتبره بطلاً وتستقبله، غير هيّابة، استقبال الأبطال؟
كائناً ما كان الحال، فكلّ اهتراء يصيب هذا التحالف المزغول سيكون شرطاً من شروط استرجاع السياسة في لبنان قدراً من صحّيّتها، كما سيكون تقليلاً مؤكّداً لنسبة الكذب فيها، ولنسبة البلَه في اللغة والخطاب السياسيّين.
http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/382835