الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ هيكل في إفادة للسفير البريطاني: مصطفى خليل حذر السادات يوم 17 من مخاطر الأسعار فسفهه وكمال حسين طالبه برقيا باللجوء لاستفتاء فشتمته الصحافة
قراءة دقيقة بعين السفير السير موريس لمظاهرات 18/19 يناير : إعجاب السادات بشخصيته اقتلعه من الجذور المصرية
مشهدان من احداث 18 / 19 يناير 1977 في قلب القاهرة («الشرق الأوسط»)
حسن ساتي
* وثيقة رقم : 30
* التاريخ : 7 فبراير 1977
* من : دبليو موريس، السفير ـ القاهرة .
- الى : الخارجية، لندن، سري للغاية .
الموضوع : محادثة مع محمد حسنين هيكل يوم 5 فبراير 1 ـ حضر هيكل الى العشاء يوم 5 فبراير، وقد قاطع العشاء محادثتنا، ولم نستطع استعادتها، وسأحاول رؤيته خلال هذا الأسبوع للمواصلة 2 ـ قال إنه أجرى محادثتين على الهاتف استغرقتا ساعتين مع الرئيس السادات يومي 21 يناير و5 فبراير، وأبدى تخوفه من أن الرئيس لم يعد يدري أو فقد اتصاله بالواقع أو الحقائق المصرية، فهو يؤمن بإخلاص بنظرية المؤامرة في أحداث الشغب لأنه يريد للمؤامرة أن تكون صحيحة، وهو ليس على استعداد لمواجهة البديل. وفي محادثة يوم 5 فبراير قال (إنه لم يضع يديه على الدليل بعد ولكنه يعرف أنه سيفعل .......) هكذا أكملت الوثيقة الملاحظة بنقاط والإيضاح من «الشرق الأوسط».
3 ـ هيكل قال إن أحداث الشغب انفجرت في مناخ متفجر سلفا. ومصطفى خليل حينما تيقن يوم 17 من الأثر المحتمل لزيادة الأسعار هاتف السادات في أسوان ليحذره من المخاطر، ولكنه وضع جانبا، وتحدث أيضا الى ممدوح سالم، الذي قال له إنه واثق أن مجلس الشعب سيجيز الميزانية فقال له خليل إن الحصول على إجازة للميزانية من مجلس الشعب لم يعد هو القضية الأهم .
4 ـ هيكل قال إن الهجوم الخبيث والقاسي على كمال الدين حسين في صحافة يوم 5 فبراير مثال آخر على سوء التقدير، فالسادات كان متأكدا أن الرأي العام سيسانده في ذلك ولكنه كان مخطئا جدا. فكمال الدين حسين أحد الضباط الأحرار الأصيلين أرسل برقية طالبا فيها من الرئيس السادات أن لا يمارس سلطاته تحت المادة 74 وأن يدعو لاستفتاء، وأرسل نسخا من البرقية للصحافة، ولم تنشرها الصحف ولكنها هاجمت كمال الدين حسين بعبارات بذيئة.
نحن نحاول الحصول على النص، ومن الوارد أن نص البرقية جادل بأن فعل الرئيس غير دستوري لأنه لا توجد حالة طوارئ .
* توقيع : ويلي موريس السفير ـ القاهرة
* وثيقة رقم :128/77
* من : سفير جلالة الملكة بالقاهرة - الى : وزير الخارجية ـ لندن، سري للغاية .
الموضوع : مظاهرات 18/19 يناير في مصر .
سيدي :
1 ـ في مصر ما قبل الثورة، حدث أن خرجت صحيفتا (الإيجبشيان غازيت ولي جورنال دي إيجبت)، وبالتزامن بمانشيت يقرأ: الشاه تزوج في حفل متواضع. ولكن صحافة اليوم أكثر تناغما، فيما يقول لك باروميتر القياس للأخبار الحقيقية، والتي تمر عبر الخدمة الشفهية، تبدو ضيقة الهامش. وهناك حاجة الى القول إن الصحافة والمراسلين الأجانب، قد سمح لهما بدرجة ملحوظة من الحرية في نقل أحداث 18 ـ 19 يناير، فيما انتهجت مجلة «روز اليوسف» اليسارية درجة أكثر جذبا للملاحظة في الحرية عبر تعليقاتها. ولكن نسخة الرواية الرسمية للأحداث بأنها (مؤامرة شيوعية) لا تحظى بتصديق عالمي، وبالتالي دارت بالضرورة بين الناس نسخ بديلة، وأرفق مذكرة حاولنا فيها أن نقارن ونفحص ونقيم هذه الأحداث. وأقترح أن ننتظر إلى حين سكون بعض الغبار لنرى بصورة أوضح رد فعل النظام قبل أن نقدم على تقييم كامل للنتائج، ولكن وعبر الفقرات التالية أقدم بعض التعليقات الأولية حول المسألة المحورية والحرجة.
2 ـ أظن أن الاضطرابات ستأخذ مكانها مع قضية علي صبري عام 1971، وطرد الخبراء العسكريين الروس عام 1972، وحرب أكتوبر واتفاقية سيناء الثانية، وجميعها كمعالم رئيسية في حياة نظام الرئيس السادات. والمعالم السابقة المذكورة تشكل مراحل من تأسيس سيطرة السادات على مصر والتأثير المهيمن على المشهد العربي، فيما جاءت هذه الاحداث لتشكل نكسة وتتيح التساؤل حول كم هو حجم الأشياء المتبقية للمشاهدة. ففي تلك الأحداث الماضية كان السادات هو الشجاع، وليس الرجل الشاب.
3 ـ أخيرا أصبح ما هو في حكم الاعتقاد السائد (ولكن ربما باستثنائه لدى السادات نفسه)، بأن أعظم خطر لوضعه في مصر يأتي من ضعف الاقتصاد المصري وفشل السياسات الاقتصادية في تلبية قناعات ورغبات جموع المصريين، ومعه عدم احتمال لوجود أي شخص يمكن أن يصمم سياسات بديلة يمكن أن تقدم شيئا. أما دفاعاته ضد هذا الخطر فقد ظلت سهولة الانقياد التقليدية للجموع المصرية، ومهاراته السياسية المبرهنة، والمهارات المشهودة في مجال الأمن العام لدى رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وعلى ظهر هذه العوامل ولاء القوات المسلحة. ولكن أحداث 18 و 19 يناير جعلت العوامل الثلاثة الأولى عرضة للتساؤل، وتلقائيا جاء الدليل إلى الضوء ملقيا بالشكوك على العامل الرابع، وبالتالي، فمن المستحق أن ننظر الى هذه العوامل.
4 ـ أوضحت مذكرتنا، وتقاريرنا عبر الأثني عشر شهرا الماضية، أن هناك تناميا مخيفا للسخط الاقتصادي، ولكن وبينما هناك صعوبة غير عادية لتأسيس حكم قاطع حول من هم الذين يضربهم ذلك السخط بصورة أصعب، ودرجة تلك الصعوبة مع التضخم، فلم يكن هناك مجال للشك في أن هذا السخط استفحل بسبب حالة التدهور في الحياة الحضرية، ومشهد الرخاء والوفرة التي تعيشها القلة. والى ذلك فقد أشار تقريرنا السنوي الى أن أكثر نقاط عام 1976 إثارة للاهتمام هي عن الذي لم يحدث، أي أنه لم تكن هناك اضطرابات يعتد بها. ولكن إحدى الإجابات كانت: أنه وبقدر ما تعلق الأمر بالجماهير المصرية، فليس هناك قاع، فسيتصرفون بسلبية من خلال عدم العمل وعدم التعاون مع ملاك أرضهم، ومخدوميهم ومع الحكومة، ولكن ليس بتمرد نشط. ولكن أيضا، وعلى صعيد ما هو أعلى في الدرجات الاجتماعية، وبين العاطلين عن العمل، والعاملين في مواقع أقل من تخصصاتهم، والخريجين بالرواتب الضعيفة (والطلاب الذين يعيشون نفس الظروف بعد التخرج)، لن تكون هناك نفس درجة السلبية. وهناك دليل معبر وتاريخي عبر الألفية لهذه النظرية، فهناك تذمر اقتصادي شارك في الحركات الثورية أعوام 1882، 1919، 1952،، ولكن 1919 كانت انتفاضة ضد الحكم الأجنبي، وفي 1882 و 1952، كانت القوات المسلحة هي التي انتفضت. وعلى كل، فتلك النظرية قد تلقت طرقة كبيرة على بابها، فسكان الحضر المصريون والذين تربوا منذ 1952 نزلوا إلى الشوارع بقوة يومي 18 و19 يناير وأجبروا الحكومة على أن تتراجع.. والسؤال: هل كان للنظرية أن لا تحدث فيما إذا كانت الحكومة أكثر مهارة في تقديم زيادات الأسعار تلك ذرّة فذرّة، بدلا من إلقاء كل الحمل على ظهر الجمل دفعة واحدة؟ ربما. وإذا كانت الحكومة لم تتراجع، الى اي مدى كانت المظاهرات ستمضي؟ وتقديري أنها كانت، وعلى الأقل، ستبقي على ضغط كاف يجعل القوة المطلوبة لقمعها غير مقبولة لدى قوات الأمن والقوات المسلحة، والى هذه الحد لم يعد هناك مجال للاعتماد على سهولة انقياد الجماهير المصرية، وفي مكان ذلك، أصبح على النظام أن يقيم الاعتبار لتهديد من هذه القوة الحضرية الجديدة، فيما ستمنح أول معركة في يناير 1977 لهؤلاء المحاربين الذين خاضوها شجاعة في المرة القادمة.
5 ـ كانت برهنة الرئيس السادات على مهاراته السياسية هي نجاحه، فقد عاش وتعايش في مدرسة صعبة للسياسة منذ 1952، وأظهر مهارة خاصة في فنون النشر. وسجله، إلى عام 1973، سجل رجل ظل يواجه سوء التقييم له باستمرار، ولكن الذي تم التحقق منه لاحقا بأنه أظهر حصافة خارقة في الإدارة السياسية وفي التوقيت. وقد تجلت بالدليل هذه الحصافة مرة أخرى في السنة الماضية في تفوقه على المعارضة في المناورة بتقديم خطوات أكثر في التحرير السياسي. ولكن المبرهن عليه أيضا أنه أعطى مشاكل مصر الاقتصادية انتباها قليلا جدا، إما بتجاهلها كليا في خطاباته العامة، أو التحدث عنها بخطابية متفائلة غير كافية لمواجهة مخاطرها. وعلى كل، فبرغم عدم حساسيته الظاهرة تجاه المشاعر العامة، فالمرء يفترض أولا، ثم يأمل بعد ذلك، بأنه وبخلفيته السياسية، فهو من الذكاء بمكان (العبارة المستخدمة wily a bird، والوصف هو الأقرب الى السياق، والإيضاح من «الشرق الأوسط»)، ليفقد صلاته بجذور المجتمع المصري. وأنه، وإذا لم يقابل حقيقة الناس في جولاته المتوالية لاستراحات الرئاسة، فليقم، على الأقل، بمواصلة جيرانه في عطلات نهاية الأسبوع في ميت أبو الكوم، قريته البدائية، أو أن يمتلك أحدا يخبره بما يفكر فيه الناس. ولكني أخشى أن علينا أن نصدق الآن أن إعجابه بشخصيته، قد قطع شوطا بعيدا بصورة خطيرة لجهة اجتثاثه من تلك الجذور، وأنه لم يعد على وعي بالمدى الذي تعرضت فيه شعبيته للتعرية منذ وصولها لذروتها بعد حرب أكتوبر 1973. 6 ـ أما بالنسبة للأمن الداخلي، فالرئيس السادات، الذي قدم له تاريخه الخاص، سببا كافيا للوعي بأهمية المخابرات الأمنية، بالنسبة لذلك الأمن فقد اعتمد بصورة كبيرة على رئيس الوزراء ممدوح سالم ووزير الداخلية، وكلاهما مقربان منه شخصيا، مقربان للحد الذي يجد فيه أن من الصعب عليه الانفكاك منهما، ولكليهما ماض موقوف على مجال البوليس والنظام العام. وزميلي الأميركي قال إن كليهما تفاخرا أمامه في الماضي معربين عن ثقتهما الكاملة بقدرتهما على معالجة أي وضع أمني وشمول معلوماتهما عن كل الحركات المضادة، وقد سمعت بنفسي وزير الداخلية وهو يقول بالمفاخرة الأخيرة. ولكن سمعتهما الوزارية هي التي عانت أكثر من أحداث 18 ـ 19 يناير، فيما عرضا نفسيهما للسخرية وهما يدينان يحكمان على نفسيهما وبملء فاهيهما بفشلهما في منع تأسيس جماعات شيوعية سرية واسعة الانتشار وحسنة التنظيم لحد تملك فيه القدرة على بدء مظاهرات متزامنة في المناطق الحضرية من أسوان الى الإسكندرية. وفوق كل ذلك فهذا دليل عدم كفاءة، وهناك شكوك حول ثبات الوزيرين تحت الضغوط، وحول رغبة القوات تحت إدارتهما في التعامل بفعالية مع المظاهرات .
7 ـ من المتوقع جدا، ومن غير أدلة، وهناك بعض منها، أن المشير الجمسي وجد أن مطالبة القوات المسلحة بالمساعدة في إعادة النظام في الشوارع غير مستساغة بدرجة كبيرة. وليس هناك دليل يعتد به بأنه اعترض أو أن القوات المسلحة لم تقم بما يجب أن تقوم به حينما وجهت اليها التعليمات، فالتقدير والشعبية التي تتمتع بها القوات المسلحة، خلافا لقوات الشرطة، ربما كانت عاملا في تمكينها ومن مجرد وجودها، من إعادة النظام من دون الحاجة الى مواجهات (برغم حقيقة أن ظهورها في المشهد قد تزامن مع إلغاء الحكومة لقرار زيادة الأسعار يجعل من الصعب تقييم ذلك). وعلى أية حال، فالشكوك حول القوات المسلحة كآخر حصن للنظام لم ينبع من دورهم في تلك الأحداث، ولكن من دليل قادم الآن الى الضوء لجهة أن التظلمات من الرواتب والترقيات قد أصبحت مع نهاية عام 1976 مشكلة خطيرة أثرت على الروح المعنوية خاصة في أوساط رتب النقباء والرواد، وأنها من اهتمامات المشير الجمسي الكبرى. وليس هناك دليل على أن ذلك السخط قد أخذ أي لون سياسي، ولكنه وضع الشكوك حول الأشواط التي يمكن أن تمضي فيها القوات المسلحة في قمع الاضطرابات الشعبية حول التظلمات الاقتصادية.
8 ـ وضعت الاضطرابات خطوطا تحت كل الأمور المبهمة، وعلى عدم الأمن الأساس المحيط بوضع الرئيس السادات وكذلك النظام، فهي مقياس لقوة الرئيس السابقة وأن وضعه الشخصي لم يتعرض للاهتزاز بعد بالأحداث الأخيرة، بعكس الصورة الأكبر التي تبدو معها الحالة. ولأنه قد عانى من هذا التحول الخطير فعلينا أن لا نسقط في الخطأ السابق في الكثير من فهمه وفرصه، حتى لو سمح هو لرؤيته أن تبدو ضبابية. ولا أعتقد أن يده اليمنى فقدت سطوتها، فأنا أتوقع أن أرى مهارته السياسية تعمل في الأسابيع القريبة المقبلة. وحينما نعلم بما هو أكثر من ردود فعله (وفي الغالب ما أدهشنا)، فسنكون في وضع أفضل للحكم على آفاق المدى الزمني الأطول.
9 ـ أرسلت نسخا من هذه الرسالة لممثلي جلالة الملكة في واشنطن، موسكو، جدة، الكويت، عمان، دمشق، بيروت، تل أبيب، والسوق الأوروبية المشتركة.
* توقيع ويلي موريس : السفير ـ القاهرة
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?s...&state=true