حدثت التحذيرات التالية:
Warning [2] Undefined variable $newpmmsg - Line: 24 - File: global.php(958) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(958) : eval()'d code 24 errorHandler->error_callback
/global.php 958 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $unreadreports - Line: 25 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 25 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $board_messages - Line: 28 - File: global.php(961) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(961) : eval()'d code 28 errorHandler->error_callback
/global.php 961 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$bottomlinks_returncontent - Line: 6 - File: global.php(1070) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/global.php(1070) : eval()'d code 6 errorHandler->error_callback
/global.php 1070 eval
/showthread.php 28 require_once
Warning [2] Undefined variable $jumpsel - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Trying to access array offset on value of type null - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined property: MyLanguage::$forumjump_select - Line: 5 - File: inc/functions.php(3442) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions.php(3442) : eval()'d code 5 errorHandler->error_callback
/inc/functions.php 3442 eval
/showthread.php 673 build_forum_jump
Warning [2] Undefined variable $avatar_width_height - Line: 2 - File: inc/functions_post.php(344) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(344) : eval()'d code 2 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 344 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumrcvtyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumptyls" - Line: 601 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 601 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "tyl_unumtyls" - Line: 602 - File: inc/plugins/thankyoulike.php PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/plugins/thankyoulike.php 602 errorHandler->error_callback
/inc/class_plugins.php 142 thankyoulike_postbit
/inc/functions_post.php 898 pluginSystem->run_hooks
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined array key "posttime" - Line: 33 - File: inc/functions_post.php(947) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/inc/functions_post.php(947) : eval()'d code 33 errorHandler->error_callback
/inc/functions_post.php 947 eval
/showthread.php 1121 build_postbit
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval
Warning [2] Undefined variable $lastposttime - Line: 9 - File: showthread.php(1224) : eval()'d code PHP 8.1.2-1ubuntu2.19 (Linux)
File Line Function
/inc/class_error.php 153 errorHandler->error
/showthread.php(1224) : eval()'d code 9 errorHandler->error_callback
/showthread.php 1224 eval





{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
قراءة جديدة لفلسفة هيجل في الدولة
لايبنتز غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 409
الانضمام: Jun 2007
مشاركة: #1
قراءة جديدة لفلسفة هيجل في الدولة



أشرف منصور


مقدمة:



على العكس مما يقال عن فلسفة هيجل (1770-1831) بوجه عام، و فلسفته السياسية بوجه خاص أنها نظرية ميتافيزيقية و مثالية في الدولة، يهدف هذا المقال إلى إثبات خطأ هذا القول، و ذلك بتوضيح الدلالات الاجتماعية و الاقتصادية و التاريخية لفلسفة هيجل في الدولة، و بتوضيح أن وراء اللغة المثالية التي استخدمها هيجل في فلسفته السياسية تكمن نظرية في الدولة تضاهي و تتفوق على النظريات الليبرالية و الماركسية في نفس الوقت، كما أنها تتمتع بصحة و مصداقية إذا ما وضعناها في محكمة التاريخ، و بدلالات معاصرة إذا قارناها بالصورة التي اتخذتها الدولة بعد عصر هيجل.



و بما أن ماركس (1818-1883) هو المصدر الأول الذي يعتمد عليه كل من يقيم نظرية هيجل في الدولة على أنها مثالية و ميتافيزيقية و رفضها من أساسها بناء على ذلك، و ذلك لأن ماركس هو أول من قيمها هذا التقييم في كتابه "ملاحظات في نقد فلسفة الحق عند هيجل" الذي لم ينشر منه في حياته إلا المقدمة، فوجب علينا تناول هذا النقد الماركسي لنظرية هيجل في الدولة و توضيح سوء الفهم الذي يسود هذا النقد، و في المقابل توضيح أن فلسفة هيجل السياسية ليست مقطوعة الصلة بروح عصره و ظروف مجتمعه، بل تعد استجابة للقضايا التي أرقت هيجل و عصره الذي شهد الثورة الفرنسية و الحروب النابوليونية و عصر عودة الملكية Restoration. فهيجل نفسه هو الذي يعلن في تصديره لكتاب "أصول فلسفة الحق" أن "مهمة الفلسفة هي أن تفهم ما هو موجود، لأن ما هو موجود هو العقل..و أن كلا منا هو ابن عصره و ربيب زمانه. و بالمثل يمكن أيضا أن نقول عن الفلسفة أنها عصرها ملخصا في الفكر".



سبق لعدد من الماركسيين الغربيين تناول فلسفة هيجل السياسية مثل لوكاتش و ماركيوز و أدورنو، و ما كان يشغل هؤلاء محاولتهم توضيح مثاليتها و بالتالي رفضها جملة على أساس أن ماركس قد استطاع تقديم نظرية سياسية بديلة عنها أكثر واقعية و ارتباطا بالاقتصاد و المجتمع. و سبق أيضا لعدد من المفكرين ذوي الميول الليبرالية أن حكموا على فلسفة هيجل السياسية بأنها تنادي بالدولة الشمولية التسلطية و ذلك مثل كارل بوبر و فريدريك هايك و بارسونز. و بالطبع ففي النصف الأول من القرن العشرين تم الربط بين فلسفة هيجل في الدولة و صعود النازية. و قد استخدمت فلسفته بالفعل في تدعيم بعض الأفكار الشمولية عن الدولة على يد كروتشة و باريتو في إيطاليا و بوزانكيت و برادلي في بريطانيا. و لم تتخلص فلسفة هيجل السياسية من هذه التأويلات الخاطئة إلا ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين. و يهدف هذا المقال إلى توضيح أن فلسفة هيجل السياسية بعيدة تماما عن هذه التأويلات و متفقة مع روح العصر أكثر مما اعتقد الكثيرون.



والحقيقة أن هيجل نفسه يتحمل بعض المسئولية عن سوء فهم فلسفته السياسية، و نظريته في الدولة على وجه الخصوص. فقد استخدم عبارات أوحت للكثيرين بتفسيرات خاطئة، و بالتالي تم نقدها على أساس هذه التفسيرات. فيذهب هيجل مثلا إلى أن الدولة هي اكتمال مسيرة الإله على الأرض، و هي "الروح و قد وهبت نفسها التحقق الفعلي في مسار تاريخ العالم" ( ) ، و هي "قوة العقل المحقق لذاته" (فقرة 258) و أن "الدولة هي الروح و قد تموضعت Objectivized" و أن "واجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضوا في الدولة" ( ) . الواقع أن اللغة المثالية المجردة التي استخدمها هيجل في فلسفته السياسية لا تعني أن نظرياته السياسية مثالية أو ميتافيزيقية، فوراء هذه اللغة تكمن أفكار اجتماعية و تاريخية و تحليلات أصيلة و نظرية واقعية في الدولة بها العديد من الدلالات المعاصرة التي تتفق مع روح الدولة الحديثة. لقد كان على هيجل نفسه أن يستخدم هذه اللغة المثالية المجردة و ذلك كأسلوب اختزالي للتعبير عن أفكار كثيرة و هامة في عبارات قليلة و قصيرة.



ألم يقل هيجل نفسه إن الفلسفة هي عصرها ملخصا في الفكر؟ و فلسفته هو على وجه الخصوص هي عصرها ملخصا في الفكر. فانظر كيف يكون هذا الفكر الذي يلخص عصرا بأكمله، و هو عصر التحولات الكبيرة في التاريخ و الفكر، عصر الثورة الفرنسية و التنوير. و بالطبع سوف يكون هذا الفكر غاية في التجريد للتعبير عن خبرات مثل هذا العصر المحوري من تاريخ العالم. كل ما هنالك أن لغة هيجل و فلسفته تحتاج إلى ترجمة لكي يتم فهم و تقدير معناها و مغزاها السياسي، و في نفس الوقت لإدراك دلالاتها المعاصرة. فإذا كانت فلسفة هيجل السياسية هي نظرية فلسفية في الدولة الحديثة، فسوف نحاول ترجمتها إلى نظرية سياسية في الدولة الحديثة.



نقد نظريات الحق الطبيعي و العقد الاجتماعي:



لا يمكن فهم فلسفة هيجل في الدولة إذا اقتصرنا على تناول كتابه "أصول فلسفة الحق"، فلهيجل كتابات في النظرية السياسية سبقت "فلسفة الحق" بعضها نشره في حياته مثل "نظريات الحق الطبيعي"، و بعضها الآخر كان ملاحظات كتبها هيجل لاستخدامها في محاضراته أثناء تدريسه في جامعة "يينا" Jena ، و لم تنشر إلا في القرن العشرين. تحتوي هذه الأعمال المبكرة على نقد لنظريات الحق الطبيعي Theories Natural Right و العقد الاجتماعي Social Contract Theories ، و هي جزء لا يتجزأ من فلسفته السياسية، و لا يمكن فهم فلسفته في الدولة بدونها.



يعارض هيجل اتجاه الفلسفة السياسية الحديثة منذ هوبز و مرورا بلوك و هيوم و روسو في تحليل الحياة السياسية إلى أدق تفاصيلها و أصغر مكوناتها و الرجوع إلى الأفراد باعتبارهم الذرات المكونة لأي نظام سياسي، و هو بذلك يقف ضد النـزعات الفردية Individualism و الذرية Atomism السائدة لدى الليبرالية. و يرفض هيجل بدء نظريات الحق الطبيعي و العقد الاجتماعي بالفرد بناء على أن وعي الفرد بذاته باعتباره فردا لا يمكن أن يكون معطا أوليا مبدئيا، بل هو نتيجة عملية تمايز و اختلاف عن البيئة الأصلية للفرد، عملية تتصف بأنها تاريخية و اجتماعية. إن بدء الفلسفة السياسية الحديثة بفرد عاقل و ناضج بالكامل دليل على عدم إدراكها لتاريخية الوجود البشري و عدم انتباهها لعمليات التطور التي مر بها الفرد حتى يكون فردا و يحصل على وعي بفرديته. و الحقيقة أن هيجل في "فينومينولوجيا الروح" يعطينا وصفا لعملية الرقي التدريجي للوعي من أولى مراحل اليقين الحسي و الارتباط اللامتمايز بالطبيعة و حتى الوصول لمرحلة العقل الواعي بذاته. و من هنا يمكن النظر إلى فينومينولوجيا هيجل على أنها تقدم بديلا لنظرة نظريات الحق الطبيعي و العقد الاجتماعي للفرد ( ).



و لا ينظر هيجل إلى الحق على أنه طبيعي، أي صادر عن طبيعة بشرية ثابتة و أزلية و واحدة لدى جميع الشعوب في كل زمان و مكان، بل على أنه تاريخي و نتيجة صراع تاريخي طويل. فقد صور فلاسفة العقد الاجتماعي حق الملكية على أنه مستمد من الحق في حفظ الحياة و الوجود المادي للإنسان، فالملكية من بين عناصر طبيعة إنسانية ثابتة. أما هيجل فيعالج حق الملكية بطريقة مختلفة. فحق الملكية عنده مرتبط بالإنسان كإنسان له إرادة و روح ووعي، بينما عالجه لوك على أنه مرتبط بالطبيعة البيولوجية الحيوانية للإنسان. و الذات عند لوك تقف في مواجهة الطبيعة و تأخذ منها ما يشبع احتياجاتها البيولوجية، أما في فلسفة هيجل فإن كلا من الذات و العالم الخارجي يشكلان بعضهما البعض في حركة جدلية. فالذات تحول العالم الطبيعي إلى جزء من عالمها الإنساني عن طريق العمل، و العالم الطبيعي يساعد الذات على أن تخرج عن ذاتها و يتجسد نشاطها في صورة مادية. و عندما يذهب هيجل إلى أن الإنسان يجعل من أشياء العالم الخارجي أجزاء من عالمه الإنساني عن طريق العمل فهو بذلك يرفع مكانة الشخصية الإنسانية فوق الطبيعة البيولوجية ( ).



تحمل فلسفة هيجل تصورا اجتماعيا عن حق الملكية يختلف عن التصور ذي النـزعة الفردية السائد لدى ليبرالية هوبز و لوك. فالملكية عند لوك هي علاقة بين الناس و الأشياء، و لذلك تظهر حرية الآخرين على أنها قيد على حريتي أنا، بما أن الآخرين يمنعونني من الامتلاك اللامحدود و يقيدون رغبتي في الاستحواذ اللانهائي. أما عند هيجل فإن حقوق الملكية تظهر في نظام من الاعتراف المتبادل Mutual Recognition لإرادات و حقوق الآخرين. فحقوق المجموع هي أساس تحقق حقوق أي فرد. و هنا يتضح المفهوم الهيجلي المميز عن العقد Contract ، فالعقد يظهر في مجال الاعتراف المتبادل: فأنا أحوز على ملكية شيء معين لا عن طريق إرادتي الذاتية بل عن طريق إرادة أشخاص آخرين، و بالتالي أحتفظ بهذه الملكية لكوني مشاركا في إرادة عامة مشتركة ( ). و الملاحظ هنا أن هيجل يؤسس حق الملكية في مجال اجتماعي قائم و يرجع هذا الحق إلى فعل الاجتماع البشري، و ذلك عكس ما ذهبت إليه نظريات الحق الطبيعي و العقد الاجتماعي من تأسيس هذا الحق في حالة الطبيعة الأولى السابقة على الاجتماع.



لا يوافق هيجل على الفكرة الليبرالية التي تذهب إلى أن أصل المجتمع هو إجماع أفراد أحرار و متساوين و عقلانيين و اتفاقهم على إيجاد نظام يكفل حقوقهم و يحميها. فالحقيقة أن الفردية و الحرية و الحقوق و تساويها ليست موجودة في حالة سابقة على الاجتماع البشري و يأتي النظام السياسي ليحميها، فهي أشياء من صنع الاجتماع السياسي نفسه، و بالتالي لا يمكن الذهاب إلى أن النظام السياسي ظهر إلى الوجود لحفظها و حمايتها،لأنها ليست أسبابا لظهور السياسة، بل هي أهداف يحققها التفاعل السياسي ( ). لقد صادرت الليبرالية على ما تريد إثباته، إذ افترضت وجود الحريات و الحقوق قبل الاجتماع السياسي في حين أن هذه الأشياء هي الغايات النهائية للاجتماع السياسي.



و تتضح مواجهة هيجل لنظريات الحق الطبيعي و العقد الاجتماعي من تناوله لمفهوم الحرية. فتفترض هذه النظريات وجود الحرية كاملة في الحالة السابقة على التنظيم السياسي، و هذه الحرية الكاملة تدفع الناس إلى الصراع و تكون حربا للكل ضد الكل. و لكي يتم التغلب على هذا الوضع يتفق الناس و يجمعوا على التنازل عن جزء من حرياتهم الأصلية في سبيل إنشاء نظام سياسي يعمل على تحقيق الأمن و الردع و تطبيق القانون. حالة الاجتماع السياسي إذن هي حالة تخل عن جزء من الحرية و من الحق الطبيعي للأفراد. و من هنا يذهب هيجل إلى أن الليبرالية تنظر إلى الدولة على أنها قيد خارجي على حرية المرء، و نظام فرضته ضرورة خارجية و ليس نتيجة للتطور الاجتماعي و السياسي للبشرية. و على الجانب الآخر يذهب هيجل إلى أن الأفراد لا يتخلون عن جزء من حرية أو حق للدخول في النظام السياسي، بل يتخلون عن الإرادة الهوجاء و العنف و الهمجية الناتجة عن اختفاء النظام السياسي. فليست هناك حريات أو حقوق قبل الاجتماع السياسي ( ).



و يرفض هيجل القول بأن اختفاء الدولة في حالة الطبيعة الأولى كان اختفاء لأي اجتماع سياسي أو تعاون اجتماعي من أي نوع. فقد بحث هيجل نفسه في التاريخ عن فترات اختفت فيها الدولة و جعلها معيارا للحكم على مفهوم حالة الطبيعة الأولى لدى نظريات الحق الطبيعي و العقد الاجتماعي. ففي محاضراته في فلسفة التاريخ تناول هيجل فترة الانتقال التاريخية من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. ففي هذه الفترة لم تكن الدولة الحديثة قد ظهرت بعد، كما اضمحلت فيها سلطات الملكيات القديمة، و كانت فترة وسيطة بين فترتين تاريخيتين شهدتا دولا كبيرة قوية هي فترة العصر القديم الذي شهد دول مصر و الصين و الهند و اليونان و الرومان، و فترة العصر الحديث الذي شهد ظهور دول أوروبا الحديثة. ففي فترة اختفاء الدولة في العصور الوسطى شهد المجتمع الأوروبي صعود العديد من طوائف و اتحادات التجار و الحرفيين و الفرسان و النبلاء و ذلك لمواجهة حالة الفوضى و اللانظام و اختفاء الدولة. فعندما وجدت حالة طبيعة أولى حقيقية في التاريخ، أي حالة اختفاء للدولة، لم تكن هذه الحالة مكونة من أفراد متصارعين كما تذهب الليبرالية، بل من تنظيمات اجتماعية و طوائف و نقابات ذات طابع خاص ( ).



و في مقابل النـزعات الفردية و الذرية لهذه النظريات، يضع هيجل مقولة المجتمع الإنساني Community باعتباره كلا أخلاقيا لا يمكن أن يرد إلى أفراده المكونين له و سابق عليهم، بمعنى أنه هو الذي يعطيهم هويتهم و تفردهم ذاته. و يستعين هيجل هنا بالفكرة اليونانية القديمة عن دولة المدينة Polis ليعطي بها مثالا عما يقصده بالمجتمع الإنساني السياسي Political Community . فهيجل يريد إثبات أن أي نظرية فلسفية في المجتمع يجب عليها ألا تنطلق من أفعال الأفراد المنعزلين، بل من الروابط الأخلاقية - المعيارية و القيمية- التي يتحرك خلالها الأفراد ( ). (دوركايم)



رفض النظرية الليبرالية في الدولة:



النظرية الليبرالية في الدولة هي نظرية تعاقدية Contractual، فالدولة تنشأ طبقا لهذه النظرية بناء على عقد اجتماعي يتم باتفاق و إجماع الأفراد. يذهب هيجل إلى أن هذه النظرية تخلط بين مجالين متمايزين هما مجال الدولة و مجال المجتمع المدني، و تأخذ نموذج العقد من مجال المجتمع المدني لتطبقه على الدولة، و يعد هذا في نظره خطأ منطقيا و تاريخيا في نفس الوقت. يقول هيجل في "أصول فلسفة الحق" : "إذا خلطنا بين الدولة و المجتمع المدني، و جعلنا الغاية الخاصة من الدولة الأمن و حماية الملكية الخاصة و الحرية الشخصية- لكانت مصلحة الأفراد بما هم كذلك الغاية النهائية التي اجتمعوا من أجلها، و ينتج عن ذلك أن تكون عضوية الدولة مسألة اختيارية. غير أن علاقة الدولة بالفرد شيء مختلف عن ذلك أتم الاختلاف.. إن الفرد لن تكون له موضوعية و لا فردية أصيلة و لا حياة أخلاقية إلا بوصفه عضوا من أعضائها. إن الاتحاد الخالص و البسيط هو المضمون الحقيقي و الهدف الصحيح للفرد، و مصير الفرد هو أن يعيش حياة كلية جماعية" ( ). الحقيقة أن الفقرة السابقة ليست مجرد نقدا للنظرية الليبرالية في الدولة، بل هي نقد للمفهوم البورجوازي عن الدولة، و نقد للدولة البورجوازية القائمة بالفعل في عصر هيجل و طوال القرن التاسع عشر.



لا ينتج عن التصور الليبرالي للدولة إلا دولة خارجية، دولة البورجوازية. يقول هيجل: "في عملية السعي نحو تحقيق الغايات الأنانية.. يتشكل نظام كامل من الاعتماد المتبادل، حيث يتداخل نسيج حياة الفرد و سعادته ووضعه القانوني مع حياة جميع الأفراد الآخرين و سعادتهم و حقوقهم، و لا تكون هذه الحقوق مضمونة إلا داخل هذا النظام المترابط. و يمكن النظر إلى هذا النظام.. على أنه الدولة الخارجية، أي الدولة التي تقوم على أساس الحاجة " ، أي الدولة الليبرالية التي تعمل على حفظ حقوق الملكية الفردية الخاصة، أي الحقوق البورجوازية. إنها الحكومة المحدودة Limited Government أو دولة الحد الأدنى Minimal State في الأدبيات الليبرالية.



يرفض هيجل أن يؤسس الدولة على علاقات تعاقدية، أو أن يختزل طبيعتها و ماهيتها في العلاقات التعاقدية. و هناك ثلاثة أسباب تجعله يرفض العلاقات التعاقدية كأساس للدولة؛ فهذه العلاقات مجردة Abstract و عارضة Contingent و متمركزة حول الذات Self-Centered . أما عن كون العلاقات التعاقدية مجردة فيذهب هيجل إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى التعاملات المادية في المجتمع المدني. ففي سياق المجتمع المدني لا يجمع شخصين إلا كونهما مالكين، و لا يوجدان بالنسبة لبعضهما إلا باعتبارهما كذلك. فأنت لا توجد بالنسبة لي إلا باعتبارك مالكا، و العكس صحيح، كما أنني لا أعترف بك إلا لأنك تحوز على شيء أحتاجه و أبغي مبادلته معك بشيء ملكي أنت تحتاجه. و في العقود لا تكون هناك علاقة بين شخصين إلا علاقة المصلحة المادية. و يحكم هيجل على العلاقة التعاقدية بأنها مجردة لأنها تجرد الإنسان من كل جوانب وجوده و إمكاناته إلا الجانب المادي، و لا تنظر إليه إلا باعتباره مالكا، و لا شأن لها بما يعطيه ماهية و هوية. و على العكس من العلاقات التعاقدية تتأسس الدولة على البشر بجميع هوياتهم، لا بتجريد أو اقتطاع جزء منها، و على الوجود الاجتماعي للإنسان لا مجرد وجوده الاقتصادي. و في حين تكون العلاقات التعاقدية عارضة و اعتباطية، تتأسس علاقات المجتمع الإنساني السياسي Political Community على العقل و الضرورة العقلانية ( ).



يصر هيجل على أن تكون الدولة غاية لا مجرد وسيلة و يرفض التفكير فيها باعتبارها وسيلة لتحقيق أي مصلحة شخصية. و الحقيقة أن ماركس قد فقد الأمل في الدولة القائمة في عصره لنفس السبب، أي لكونها تحولت إلى وسيلة و أداة لتحقيق المصالح الشخصية و الجزئية للبورجوازية. كما نقد ماركس مفهوم الدولة عند هيجل في نفس الوقت، فعندما يقول هيجل أن الدولة هي الغاية المطلقة و النهائية للوعي الذاتي الفردي، فإن هذا قد يعني بسهولة الخضوع للدولة و ذوبان الأفراد فيها، و هذا هو ما فهمه ماركس بالضبط. و لذلك لم يلجأ ماركس إلى أي مفهوم عن الدولة لحل أزمات الرأسمالية و تناقضاتها، بل تخلى عن خيار الدولة في سبيل خيار آخر هو الثورة الاشتراكية و تحطيم الدولة البورجوازية القائمة. لكننا سوف نوضح في الصفحات التالية أن ماركس كان مخطئا في التخلي عن خيار الدولة.



يذهب هيجل إلى أن التعامل مع الدولة باعتبارها آلية للحصول على غايات خارجية و مادية، و باعتبارها تنظيما يعمل على إشباع حاجات الناس يخرجها عن طابعها الأخلاقي و يؤدي في النهاية إلى الفساد السياسي و الانهيار الاجتماعي، و يؤدي كذلك إلى انهيار الدولة ذاتها. و هذا هو ما حدث للدولة الرومانية و أدى إلى انحلالها الداخلي قبل سقوطها على أيدي البرابرة بزمن طويل. و تتمثل القوة النقدية في فلسفة هيجل السياسية في أنه يعتقد أن بذور الانهيار هذه ليست شيئا من الماضي و حسب، بل إنها موجودة في عصره بتمامها و كمالها. و الجدير بالملاحظة أن بذور الانهيار التي يتحدث عنها هيجل هنا هي النـزعة الفردية و التعامل مع الدولة باعتبارها وسيلة لتحقيق غايات اقتصادية جزئية، و هي في حقيقتها سلبيات البورجوازية و تصورها عن الدولة، و سلبيات الاقتصاد الرأسمالي. و بذلك يكون هيجل قد سبق ماركس في تشخيص الأزمة الأساسية للمجتمع الرأسمالي. لكن ما الحل الذي يقدمه هيجل لهذه الأزمة، تلك التي يسميها تناقضات المجتمع المدني؟ يتمثل الحل في مفهومه عن الدولة، فهي في نظره القادرة على علاج هذه التناقضات.



لكن نقد هيجل للدولة الليبرالية لا يقف عند هذا الحد. فهو يذهب إلى أننا لو نظرنا إلى الدولة ببساطة على أنها امتداد للمجتمع المدني، و إلى المجتمع المدني على أنه مكون من شبكة من العلاقات التعاقدية الاقتصادية، فمن الطبيعي أن نفكر في الحياة السياسة باعتبارها مظهرا خارجيا للتعاملات المادية في المجتمع المدني، أو بناء فوقيا و انعكاسا للبناء التحتي الاقتصادي و الحياة الاقتصادية بتعبير ماركس. يقول هيجل: "و لو أن الدولة ظهرت كوحدة من الشخصيات المختلفة، أي كوحدة هي أشبه بالشركة فحسب، فإن المقصود عندئذ حقا هو المجتمع المدني. و لم يكن في استطاعة كثير من المشرعين الدستوريين المحدثين أن يقدموا نظرية عن الدولة سوى هذه" ( ). إن مفهوم هيجل عن الدولة إذن يختلف عن مفهومها لدى "كثير من المشرعين الدستوريين المحدثين". من هم هؤلاء ؟ هم منظروا الدولة في إنجلترا و فرنسا، منظروا الدولة الليبرالية البورجوازية. و قد درس ماركس نفس هؤلاء المنظرين في شبابه، لكنه لم يقدم نقدا لنظريتهم في الدولة لأنه رأى أن فلسفة هيجل السياسية متقدمة عنها و هي التي تستحق النقد، و لذلك قدم نقدا لفلسفة هيجل في الدولة. ومن هذا العمل المبكر لماركس اتضح أنه لن يلجأ إلى أي مفهوم عن الدولة، و المفهوم الهيجلي بوجه خاص، لحل أزمات عصره. الحقيقة أن ماركس قد استبدل الثورة الاشتراكية بالمفهوم الهيجلي عن الدولة. لكن هل كان محقا في ذلك؟ هذا ما ستكشف عنه الصفحات التالية.



إذا نظرنا إلى الدولة على أنها شركة أو جهاز يضمن الحقوق الفردية البورجوازية و حسب، فإننا لا نتكلم في الحقيقة إلا عن المجتمع المدني البورجوازي. لقد وصل هيجل إلى الحدود النهائية للدولة البورجوازية و المجتمع المدني البورجوازي، أي للرأسمالية و دولتها، و حاول وضع البديل بمفهومه عن الدولة. لكن لكي نفهم ما هو المفهوم الهيجلي للدولة يجب علينا تناول النقد الذي وجهه هيجل للمجتمع المدني البورجوازي، فدولة هيجل ليست مجرد بديلا عن النظرية الليبرالية في الدولة، بل علاجا لسلبيات و تناقضات المجتمع المدني البورجوازي.










هيجل و الثورة الفرنسية:



ماذا يحدث عندما توضع المبادئ السياسية الليبرالية موضع التطبيق؟ يجيب هيجل على هذا التساؤل بتناوله للثورة الفرنسية، فهي التي وضعت هذه المبادئ بالفعل موضع التطبيق. كان هيجل متحمسا للثورة و يقدرها تقديرا عاليا، لكنه في نفس الوقت أدرك تناقضاتها و تلازم إنجازاتها مع سلبياتها، أي مع عدم قدرتها على الإتيان بنظام سياسي ثابت و تدعيمه، كما كانت عينه دائما على عدم قدرة أي نظام سياسي أتى بعد الثورة بما فيه عصر عودة الملكية في تحقيق الاستقرار السياسي و الخروج من مصاعب الثورة و آثارها الجانبية ( ).



يوجه هيجل نقده للثورة الفرنسية من منطلق أنها استندت على فكرة الإرادة العامة General Will عند روسو. فقد ذهب روسو إلى أن الحكومة تقوم على رضاء المواطنين و على إرادتهم العامة، و إذا لم يحصل النظام السياسي على رضاء و موافقة هذه الإرادة العامة كان من حق المواطنين الثورة عليه. أدت فكرة الإرادة العامة هذه كما فهمتها الثورة الفرنسية إلى الفوضى و الإرهاب. فقد تم النظر إلي هذه الإرادة العامة على أنها إرادة المجموع Collective Will ، أي جماع إرادات الأفراد في المجتمع. و في التطبيق العملي تنقلب إرادة المجموع بسهولة إلى أن تكون مرادفة لرأي الجمهور من الغوغاء و الدهماء، و لذلك تحولت الثورة إلى الفوضى و انتهت بالإرهاب نتيجة لأنها أعطت مضمونا سياسيا لأهواء الجمهور المتقلبة ( ).



لم تكن فكرة الإرادة العامة إلا مفهوما صوريا فارغا بدون مضمون، و لم تكن تصلح إلا لهدم النظام القديم، إلا أنها لا تصلح لتأسيس نظام جديد. فليس هناك معيار للتوصل من هذه الإرادة العامة إلى الاتفاق العقلاني الكلي، فما هو هام ليس وحدة في العواطف و المشاعر لدى الجماهير، بل الوصول إلى إرادة كلية Universal Will مؤسسة على العقل. و طالما نظرت كل إرادة فردية لنفسها على أنها معبرة عن الإرادة العامة حدثت الفوضى. لم يستطع روسو أن يحدثنا عن مضمون هذه الإرادة العامة، أي ما تريده هذه الإرادة. الإرادة العامة عند روسو تحدد إجراء صوريا شكليا لتأسيس النظام، إلا أنها لا تقول لنا ما هو هذا النظام. فهذه الفكرة تدور إذن في عالم الوسائل لا في عالم الغايات التي يقابلها روسو بالحياد و لا يتكلم عن مضمونها. و الحقيقة أن الإرادة العامة عنصر يتحقق بعد تأسيس الاجتماع السياسي، أو هو أحد وظائف و أهداف هذا الاجتماع السياسي. فأي إرادة عامة أو شعبية تتطلب مجتمعا سابقا عليها و قائما بالفعل قبل أن تصبح فعالة و ذات تأثير، لكنها لا تؤسس هذا المجتمع من البداية كما يذهب روسو. و بذلك يكون روسو قد افترض مسبقا ما كان يجب أن يؤسسه.



كما فهمت الثورة الفرنسية مبدأ الحرية بطريقة صورية و مجردة، فالحرية في نظرها ذاتية و تتمثل في استقلال فردي خالص. و من هنا انعزلت إرادات الأفراد عن أي سياق عام، و هذا ما أدى إلى الفوضى و الإرهاب. أما المبدأ القائل أن العقل يجب أن يحكم العالم فقد أسئ فهمه على أنه يعني أن عقل كل فرد يجب أن يكون ذا أثر فعال على الأحداث، و هذا ما جعل الجماهير في حالة دائمة من الهياج معتقدة أنه مشاركة سياسية و ديمقراطية فعالة، في حين أنها كانت الفوضى. كما تحولت الفضيلة المدنية على يدي الثورة إلى ذاتية متطرفة و بذلك تعاقبت الحكومات الكثيرة أثناء الثورة و تعاقبت الدساتير دون تحقيق استقرار ( ).



و يوجه هيجل نقده لليبرالية الثورة الفرنسية قائلا: "لا ترضى الليبرالية… بوجود تنظيم سياسي تظهر فيه دوائر متعددة من الحياة المدنية ذات وظيفة محددة لكل منها، و لا بذلك التأثير على الشعب الذي يمارس من قبل الأعضاء المثقفين في المجتمع و الثقة التي يجب أن تكون تجاههم. و في مقابل كل ذلك ترفع الليبرالية المبدأ الذري Atomistic الذي يصر على الفاعلية السياسية للإرادات الفردية، ذاهبة إلى أن كل حكومة يجب أن تنبع من سلطة هؤلاء الأفراد و تحصل على موافقتهم العلنية. إن الجماعة التي تناصر هذا الجانب الشكلي من الحرية - و هذا التجريد - لا تسمح لأي تنظيم سياسي أن يؤسس على دعائم ثابتة" ( ). و الحقيقة أن هيجل في هذا النص و في نقده للثورة الفرنسية بوجه عام إنما ينقد مبدأ الديمقراطية المباشرة، إذ يتضح من هذا النقد أنها خرافة. إذ كان هيجل دائم الإصرار على أن الدولة الحديثة تتصف بدرجة عالية من التعقيد و تعدد الأجهزة و الوظائف بحيث لم تعد الديمقراطية المباشرة تصلح في ظلها. فالاعتقاد في إمكانية مشاركة الأفراد المنعزلين مشاركة مباشرة في تسيير شئون الدولة كما كان يحدث في دولة المدينة اليونانية يعد سذاجة سياسية ووهما ديماجوجيا.




تقوم فكرة الديمقراطية المباشرة ، و خاصة كما فهمتها الثورة الفرنسية، على مسلمة أساسية و هي النظر إلى الإرادة السياسية على أنها هي إرادات الأفراد. و يذهب هيجل إلى أن الفوضى و الإرهاب الناتجين عن الثورة الفرنسية هما نتيجة التوحيد بين الإرادة الفردية الطبيعية المباشرة و الإرادة السياسية، أي الاعتقاد في أن إرادات الأفراد المنعزلين و المشتتين يمكن أن ينتج عنها إرادة سياسية عامة و كلية. و يحكم هيجل على فكرة الديمقراطية المباشرة بأنها ساذجة و ديماجوجية لأنها تحل إشكالية العلاقة بين الفرد و الدولة بأن تجعل الأفراد مسيطرين مباشرة على الدولة و يستخدمونها كأداة لتنفيذ ما يشاءون. و هي ساذجة لأنها لا تدرك طبيعة الدولة الحديثة، إذ ينقصها تصور واضح عن دور المؤسسات الوسيطة بين الفرد أو المجتمع المدني و الدولة. فبينما تصر النظريات الليبرالية على الفصل الحاد بين الحياة الخاصة و الحياة العامة، فإن فلسفة هيجل لا تعترف بهذا الفصل، و يصر هيجل في فلسفته السياسية على ضرورة وجود مؤسسات أو تنظيمات تتوسط بينهما تعمل على رفع مستوى المصالح و الاهتمامات الفردية الخاصة إلى مرتبة الحياة العامة السياسية. و المؤسسات الوسيطة التي يقصدها هيجل هي النقابة و الطبقة، و سوف نتوسع في الحديث عنهما عندما نأتي لتناول نظريته في الدولة.



لكن لنا ملاحظة حول مفهوم المؤسسات الوسيطة. يتحدث هيجل عن النقابة و الطبقة باعتبارهما من المؤسسات الوسيطة في الجزء المتعلق بالدولة في كتابه "أصول فلسفة الحق"، و لهذا دلالة كبيرة، فهو يريد أن يقول أن هذه المؤسسات الوسيطة تنتمي للدولة أكثر من انتمائها للمجتمع المدني، فالحياة السياسية التي تعد الدولة تجسيدها العيني هي هدف المؤسسات الوسيطة، أي أن هدفها هو هدف الدولة نفسه. و الأهم من ذلك أن التوسط بين الفرد و الدولة ليس من وظيفة النقابة و الطبقة فقط، فهما يقومان بالتوسط بالمعنى السياسي الضيق. و إذا بحثنا في فلسفة هيجل كلها سوف نجد أشياء أخرى كثيرة تقوم بهذه الوظيفة، و ترفع الأفراد إلى مستوى الحياة السياسية العامة، و ذلك مثل الدور الذي تقوم به الفلسفة نفسها، و فلسفة هيجل على وجه الخصوص. إذ تهدف "فينومينولوجيا الروح" إلى الرقي بالوعي الفردي و الوصول به إلى إدراك العقل، أما فلسفته في التاريخ فتهدف إلى توضيح أن العقل يتحقق في التاريخ، و ذلك بالتدريج و عبر مراحل حتى يصل إلى أقصى مراحل التحقق في الدولة الحديثة.



وافق هيجل نظريات العقد الاجتماعي و الليبرالية على ذهابها إلى أن السياسية و المؤسسات السياسية الحديثة يجب أن تؤسس على وعي المواطنين، إذ ذهبت تلك النظريات إلى أن الشرعية السياسية يجب أن تؤسس على الإرادة، وهذا هو ما وافق فيه الثورة الفرنسية. إلا أن هذه النظريات، و معها الثورة الفرنسية، فهمت الإرادة بصورة خاطئة مغرقة في الفردية و بطريقة جزئية و خاصة. و بذلك تفشل في تلبية مطلب هام و هو أن تكون هذه الإرادة مساهمة بفاعلية في النظام السياسي و جزء منه، بأسلوب يختلف عن الأسلوب الديماجوجي للثورة الفرنسية. يؤدي هذا التصور الضيق عن الإرادة إلى نظام تكون فيه السياسة مقامة من أجل مصالح الأفراد. إن تكوين نظام سياسي و عقلاني و مرض عند هيجل يتطلب إرادة جماعية كلية لا إرادة فردية جزئية، أما الإرادة العامة عند روسو و كما فهمتها الثورة الفرنسية فما هي إلا مجموع الإرادات الفردية الجزئية.و يرى هيجل أن المفهوم الليبرالي عن الإجماع Consent كما يظهر في نظريات العقد الاجتماعي مغرق في التلقائية و الاختيارية و الجزئية بطريقة تعوقه عن أن يقوم بالدور التأسيسي الموكل إليه في هذه النظريات. و الحقيقة أن فلسفة هيجل السياسية هي محاولة للوصول إلى أسس بديلة أكثر عمومية و شمولية لتأسيس الشرعية السياسية. و بما أن الشرعية السياسية هي شرعية الدولة فإن فلسفة هيجل السياسية هي فلسفة في الدولة. و هذا هو السبب في مركزية مفهوم الدولة في أعماله السياسية التي فهمت خطأ على أنها تمجيد للدولة و رفعها فوق الأفراد و جعلها قوة مستقلة عنهم و دعاية للدولة الشمولية.





نقد هيجل للمجتمع المدني:



المجتمع المدني عند هيجل هو النظام الذي ينشأ من الاعتماد المتبادل بين الأفراد في نشاطاتهم المادية، فهو نتاج الفردية و النظام الذي تنشئه هذه الفردية. يقول هيجل: "الشخص العيني الذي هو نفسه موضوع غاياته الجزئية - و بوصفه مجموعة الحاجات، و مزيجا من الهوى و الضرورة المادية- هو المبدأ الأول في المجتمع المدني. لكن هذا الشخص الجزئي يرتبط بالضرورة بغيره من الشخصيات الجزئية الأخرى حتى أن كلا منهم يقيم ذاته و يشبعها عن طريق الآخرين، و هذا هو .. المبدأ الثاني في هذا المجتمع" ( )، أي مبدأ الاعتماد المتبادل الذي يجعل المجتمع يسير بتلقائية و آلية. و المجتمع المدني حسب هذا الوصف هو المجتمع البورجوازي كما وصفه منظروه: هوبز و لوك و هيوم و آدم سميث.



"المجتمع المدني" الذي يتحدث عنه هيجل هو في حقيقته الاقتصاد الرأسمالي، فإذا استبدلنا كلمة "الاقتصاد الرأسمالي" أو كلمة "الرأسمالية" بكلمة "المجتمع المدني" فلن يختل المعنى، بل سيزداد وضوحا. يقول هيجل: "المجتمع المدني هو القوة الهائلة التي تمتص الناس إليها و تتطلب منهم العمل لأجلها (و بالتالي فهم) يدينون بكل شئ لهذه القوة، و يقومون بكل شئ و بأي شئ بوسائلها" ( ).



أدخل هيجل الاقتصاد السياسي في صميم مذهبه، فقد تمكن من قراءته لمؤلفات ستيوارت و آدم سميث و ريكاردو من معرفة أن ما يحكم المجتمع المدني هو هذا الاقتصاد السياسي الذي أسماه "نسق الحاجات" System of Needs . و كان هيجل قد أظهر اهتماما مبكرا بالاقتصاد السياسي منذ إقامته في مدينة برن، و ظل هذا الاهتمام يلازمه و هو في فرانكفورت و يينا حتى استقر في برلين. ( ) أما ماركس فلم يكن مهتما بالاقتصاد السياسي في وقت مبكر مثل هيجل، بل كان مهتما في البداية بقضايا سياسية عامة و بفلسفة هيجل نفسه و بنقد الهيجليين الشباب. أما اهتمامه بالاقتصاد السياسي فلم يبدأ إلا سنة 1844 في المخطوطات الفلسفية الاقتصادية التي دونها في باريس و لم ينشرها. و بفضل دراسته للاقتصاد السياسي استطاع لقد هيجل الكشف عن تناقضات المجتمع المدني بدقة مستبقا ماركس، و من هنا فإن نظريته في الدولة كانت محاولة لتجاوز تناقضات هذا المجتمع، الاقتصادية في الأساس، أي تجاوز تناقضات المجتمع البورجوازي الرأسمالي.





03-02-2008, 02:20 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  منطلقات ومرامي قراءة محمد عابد الجابري لابن سينا رشيد عوبدة 0 860 08-16-2011, 08:12 AM
آخر رد: رشيد عوبدة
  فويرباخ و هيجل لايبنتز 1 2,518 03-16-2008, 02:01 AM
آخر رد: لايبنتز
  قراءة الدماغ . الحواس والإشارات واللغة أبواب التواصل نبيل حاجي نائف 5 2,128 04-18-2007, 06:47 AM
آخر رد: نبيل حاجي نائف
  قراءة فلسفية و تاريخية في أحكام أهل الذمة للشيخ يوسف القرضاوي VOLTAIRE 1 786 01-29-2007, 03:13 AM
آخر رد: VOLTAIRE

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS