فويرباخ و هيجل
كريم الصياد
تقديم
ترجع أهمية دراسة المرحلة الهيجلية في سياق تطور فويرباخ الفكري إلى كونها المرحلة الأكثر أهمية و الأشد خطورة والتباسا في هذا السياق , فهي المرحلة التي تحول فيها من اللاهوت إلى الفلسفة , ثم من الهيجلية إلى الفلسفة الأنثروبولوجية او من الفلسفة التاملية الى فلسفة جديدة سماها الطبيعية او المادية او العضوية , و من المعروف أن أهم المراحل التي يمر بها أي فيلسوف هي التي يبدأ فيها تميزه واستقلاله الفلسفي ونقده للسابقين عليه , وهو ما يمهد في ذات الوقت لفلسفته الخاصة التي نجد إرهاصا لها في ثنايا كتاباته النقدية.
و لقد آمن فويرباخ بان كل فكر لا يتمركز حول الإنسان هو محض عبث إذ يقول :" أن كل تامل speculation يذهب إلى ما وراء الطبيعة و الإنسان هو لهذا باطل – باطل مثل نوع الفن الذي يفضل أن يمنحنا شيئا ما أعلى من الشكل الإنساني , ولكنه يعطينا فقط تشوهات " (1) , و إذا كان فويرباخ قد أكد على ضرورة ارتباط الفكر بالمتطلبات الإنسانية العملية , فان هذا يقتضي منا الحديث عن علاقته بهيجل في ضوء ارتباط هذه العلاقة بالمتطلبات السياسية والفكرية المعاصرة من عدة زوايا هي ذات النقاط الرئيسية التي افترق فيها فويرباخ عن هيجل في عناد وتنافر , إذا اختلف معه في قضايا تمس صميم وجوهر الفلسفة التامليه بأسرها , وليست معارضة فويرباخ لجوهر الهيجلية مجرد جولة في معركته مع المثالية , ذلك أن فويرباخ نفسه كان يعتبر الهيجلية بمثابة تتويج للفلسفة التاملية اذ يقول : " يعد اسبينوزا مفتتح الفلسفة التاملية الحديثة , وشلنج مجددها وهيجل تمامها " (2) مما يؤكد على الأهمية الكبيرة لنقده لفلسفة هيجل , ومن الناحية الأخرى فان نقد فويرباخ لها قد جاء متميزا من حيث العمق وهى تلك الشهادة التي يعلنها انجلز في كتابه ( لودفيج فويرباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ) إذ يقول : " أن كلا من شتراوس وباور قد اتخذ واحدا من جانبيها ( اى الهيجلية ) و ركزه بشكل سجالى جدلي ضد الآخر , أما فويرباخ فقد حطم النسق وتخلص منه بكل بساطة " (3) , و السبب في ذلك أن فويرباخ قد انتقد الهيجلية من داخلها وبشكل يتسم بالشمول , ولعل هذا يتضح لدى تناولنا لموقف فويرباخ من هيجل و تحوله التدريجى عن فلسفته و لاهم نقاط التعارض بينهما .
ولعل كون فويرباخ يمثل نقطة تحول و موقفا حاسما و حازما ضد المثالية التأملية و الهيجلية تحديدا هو السبب في كم الدراسات الكبير و المتعدد الزوايا و المباحث التي
صدرت عنه غربا وشرقا , و قد عرف العالم الغربي و درس فويرباخ قبل اكتشاف المفكرين العرب له بطبيعة الحال , و لذلك نجد عددا كبيرا من الدراسات و الترجمات و الطبعات المتعددة لمؤلفاته غربا , في حين انه يعد فيلسوفا حديث الاكتشاف نسبيا لدى مثقفي العرب إذا ما قورن بكانط او هيجل او ماركس او سارتر أو غيرهم من أعلام الفلسفة الغربية الحديثة و المعاصرة , وكما نلاحظ فان موضع فويرباخ هامشى في دائرة الاهتمام الفكري العربي إذ حظي بالاهتمام غيره من السابقين علية ( كهيجل مثلا ) او من اللاحقين له ( مثل سارتر ) في حين ظل هو نفسه في دائرة الظل لا يكاد يذكر إلا كتابع لهيجل أو رافد من روافد الماركسية أو حلقة للصلة بينهم (4) , وهى رؤية قاصرة عن إدراك طبيعة ووقائع تطور التاريخ الفلسفي الغربي الحديث .
لذلك قد كان من أسباب الاهتمام العربي بفويرباخ هو رغبة بعض الأساتذة والمفكرين في تعريف الجمهور العربي بهذا الكشف الجديد , ولن ننسى أن من أهم هذه الأسباب أيضا هو رغبة البعض الآخر في إقامة جسر قوى يتحمل الانتقال من المثالية إلى المادية ومن السماء إلى الأرض .
وقد وجد فريق ثالث في فلسفة فويرباخ الحل الذي يفض التناقض بين الفردانية والشمولية والتعارض بين الفرد و المجتمع , والتنافر بين الوجودية والماركسية بناء على أن فلسفته هي " فلسفة اجتماعية ذات صبغة مميزة لا تضحي بالفرد من اجل المجموع ولا بالمجموع من اجل الفرد فمزجت بين مزايا كل من الوجودية والماركسية في نسيج محكم كان ينبغي أن يستمر" كما يرى الدكتور احمد عبد الحليم عطية فى كتابه عن فويرباخ (5).
- مراحل التطور الفكري لفويرباخ :
- مر فكر فويرباخ بثلاث مراحل أساسية هي
1 – المرحلة اللاهوتية
2 – المرحلة الهيجلية
3 – المرحلة الانثربولوجية
و معنى هذا أن الصراع الفكري الداخلي في عقل و روح فيلسوفنا قد احتدم في موقعتين تحديدا : أولهما : الانتقال من اللاهوت إلى الفلسفة , وثانيهما : الانتقال من الهيجلية إلى فلسفة الإنسان .
لقد اكمل فويرباخ دراسته الثانوية عام 1822م ثم كرس نفسه لدراسة اللاهوت البروتستانتي (6), واستمع إلى دووب Daub و بولس وشليرماخر, وقد كان يميل في البداية إلى دووب على عكس بولس كما كتب إلى والده من هيدلبرج عام 1824(7) , و نلاحظ في البداية في الشذرة الأولى من شذراته بعنوان ( انسباخ 1822 ) مدى تأثره بالوعظ المسيحي إذ يقتبس فقرة من كل من القديس برنار و اوغسطين (8) , و لكنه بعد أن انتقل إلى برلين واستمع إلى هيجل بدأ يفقد ثقته بشليرماخر و اللاهوت عموما و كتب إلى أخيه عام 1825 : " ... فقد انتقلت من اللاهوت إلى الفلسفة , فلا خلاص دون فلسفة , يمكن للمرء أن يرضى الآخرين فقط إذا كان يستطيع أن يرضى نفسه , و يمكن أن ينجز شيئا ما إذا كانت لديه الثقة في إنجازه ..... و إذا أردتم منى أن أعود الآن ثانية إلى اللاهوت فان هذا سيكون مثل إجبار روح خالدة أن ترجع إلى صدفتها الميتة والمهجورة ..." (9) هذه الشذرة شديدة الأهمية فهي لا تبين فقط مدى تمسك فويرباخ بالفلسفة في مقابل اللاهوت و إصراره على إحداث قطيعة فكرية مع المرحلة اللاهوتية , و إنما أيضا توضح أسباب تحوله إلى الفلسفة وان كان ذلك بأجمال واختصار , فالخلاص لا يتم إلا بالفلسفة فهي وحدها قادرة على إسقاط خطايا الإنسان و تحسين مصيره , وهى المهمة التي فشل فيها اللاهوت فمن الصحيح أن عصر فويرباخ كان يدل على المدى الكبير لتقدم البشرية و ثرائها ولكنها مازالت تعيش في عالم محطم بائس يعيث فيه الشر فسادا , ولكن الفكر الإنساني وحده هو ما سوف ينقذ الإنسان لو فقط منحنا الثقة للفكر وللإنسان و لانفسنا .
لا يستطيع الانسان ان يرضى الاخرين بدون إرضاء ذاته , فهو غير قادر على إقناع الآخر ما لم تكن أقواله ذات أساس داخلي متين من مبادئ الفكر , وهو الفارق الأساسي بين الفلسفة و اللاهوت أو بين الفلسفة والدين , فعلى حين تتبع الفلسفة أصول الأحكام حتى مبادئها الأولى في نظرية المعرفة والوجود , فان الدين لا يبحث عن الإقناع بقدر ما يهتم بالإلزام فلا يقدم لنا الأساس المنطقي لشرعية مطالبه , وذلك هو السبب في أن الفلسفة تقدم البرهان و الدين لا يفعل ذلك , وفى أن الدين يقدم الوعد بالفردوس و الوعيد بالجحيم و الفلسفة لا تفعل ذلك , و إذ أدرك فيلسوفنا هذا بدأ التحول الجذري و الكبير في حياته نحو الفلسفة , وليس نحو الهيجلية فقط . ولكن ... أولم يتمسك فويرباخ بالهيجليه في بداية حياته الفكرية (10)؟ هذا صحيح, ولكنه لم يتمسك بالهيجلية على أساس كونها(الفلسفة ) بل كونها( الفلسفة حتى يثبت العكس ) , وكما تذكر الدكتورة فريال حسن خليفة فهو حتى في ردوده على خصوم هيجل كان يستفيد من انتقاداتهم لتأسيس بنية فكرية جديدة ضد هيجل , مما يجعل هذه المرحلة فترة النقد الهيجلى لهيجل (11) , نقد فويرباخ الهيجلى للفكر الهيجلى , و ما يؤكد على أن تحوله من اللاهوت قد كان نحو الفلسفة عموما بماهيتها التي تميزها عن اللاهوت و ليس فقط نحو الهيجلية هو ما يؤكده هو نفسه في الشذره بعنوان ( مبادئ الفلسفة 1843 – 1844 ) : " لا دين – هذا هو دينى , ولا فلسفة – تلك هي فلسفتي " (12)
ففويرباخ لا يؤمن بالهيجلية على إنها ( الفلسفة ) لانه لا يؤمن بوجود ( الفلسفة ) في حد ذاتها كمذهب واحد نهائي و مغلق مثلما أراد هيجل تقديم مذهبه , وربما كانت هذه الشذرة أهم شذرات فويرباخ و تحليلها قد يلقى بالضوء على نظرته للفلسفة عموما و لتاريخ الفكر و علاقته بالدين والإنسان , وربما كانت أيضا العبارة التي تلخص فلسفته بأسرها .
يتساءل فويرباخ في شكوك 1827- 1828 " كيف يرتبط الفكر بالوجود و المنطق بالطبيعة ؟ هل الانتقال من المنطق للطبيعة أمر شرعي ؟ أين تكمن ضرورة أو سبب هذا الانتقال ؟ " (13) أن هذه هي تحديدا بذور نقده الحاد للهيجلية كما سيتضح فيما بعد من أمر نقده للعلاقة بين الفكر والوجود عند هيجل - وهو النقد الأساسي – ثم تأكيده على العلاقة بين الإنسان و الطبيعة و بين الفلسفة و العلوم الطبيعية متجاوزا نقطة الضعف في الفلسفة الهيجلية أي مشكلة استنباط الطبيعة , ولهذا سرعان ما نجده في شذراته في السنوات التالية يعلن اكتشافه لاهمية الطبيعة و العلم الطبيعي كما في بروكسبرج 1836- 1841 : " تعلمت المنطق في جامعة ألمانية ولكن علم البصريات – فن الرؤية – هو ما تعلمته أولا في قرية ألمانية "
" يجب أن يكون الفيلسوف – على الأقل كما افهمه – صديقا للطبيعة فلا يجب أن يعرفها من الكتب فقط و لكن من التعامل وجها لوجه "
" تشوه كل العلوم المجردة الإنسان , والعلم الطبيعي فقط هو الذي يعيد إليه تكامله و يطالب بالإنسان الكلى , الإنسان بكل قواه و حواسه " (14 )
هذه الشذرات كتبها فويرباخ للدلالة على تحوله عن الهيجليه بشكل واضح في السنوات بين 1836 – 1841 , و في خلال هذه السنوات أيضا اصدر كتابه ( نحو نقد لفلسفة هيجل ) Towards a Critique of Hegel’sPhilosophy ,
واعلن الانتقال التام عن هيجل مذهبا ومنهجا (15 ) وتحول إلى فلسفة الإنسان او فلسفة المستقبل و هي فلسفته الأصيلة وفيها يتحدد التعارض الأساسي مع هيجل على أساس أن الأخير كان يهدف بفلسفته إلى عقلنه الواقع , اغتصاب الطبيعة والعلم والإنسان بواسطة الإنسان في سبيل الفلسفة , أما هدف فويرباخ فكان اغتصاب الفلسفة بواسطة الطبيعة والعلم والإنسان من اجل الإنسان
- النقد الاشمل و الأعمق لمذهب هيجل :
ذكرنا أن نقد فويرباخ لهيجل لم يتميز فقط بالعمق و إنما أيضا بالشمول , يبدوا هذا واضحا في عمق نقد فويرباخ لعلاقة الفكر – الوجود في مذهب هيجل , وفى شموله ليغطى كل أنحاء المذهب الهيجلى من حيث ضرورة الفلسفة و فكرة العدم و السلب و المنهج الجدلي وفلسفة الطبيعة و علاقة الفلسفة باللاهوت و مفهوم الإنسان و الأخلاق و السياسة , وبهذا أمكن لفويرباخ أن يزلزل ( أن لم يكن قد هدم فعلا ) الأعمدة الأساسية للمذهب الهيجلى مبشرا بالفلسفات الغير هيجلية و أهمها الماركسية و الوجودية .
وقد اهتم ماركس وانجلز كلاهما بالتميز بين نقد فويرباخ لهيجل و ما يناظر ذلك عند بقية أعضاء اليسار الهيجلى خاصة في كتابي :الأيدلوجية الألمانية,والعائلة المقدسة , إذ يقولان في الأيدلوجية الألمانية : " من بين الهيجليين الشباب كان فويرباخ الوحيد الذي تجاوز الفلسفة الهيجلية ومعها كل فلسفة مثالية متخذا إزاءها موقفا نقديا " (16) و نقراء في العائلة المقدسة :" لقد شرح شتراوس هيجل من وجهة نظر اسبينوزا , وشرحه باور من وجه نظر فشته في ميدان اللاهوت وكلاهما انتقد هيجل , لكن كليهما ظلا في نطاق تأمل هيجل و اصبح كل منهما يمثل جانبا واحدا من مذهبه , وكان فويرباخ أول من اكمل هيجل ونقضه من وجهة نظر هيجلية بتحويل الروح المطلق ميتافيزيقيا إلى الإنسان الحقيقي على أساس الطبيعة واكمل نقد الدين بربطه بأسس نقد هيجل وكل المثالية " (17) .
1 – الهيجلية و علاقة الفكر بالوجود :
أن المسالة التي توقف عندها فويرباخ بالأساس هي مسالة آيهما اسبق : الوجود أم الفكر ؟ وان بحث هذه النقطة هو الكفيل بتحديد طبيعة الفلسفة و موقف الفيلسوف من العالم و الطبيعة .
هذه هي المسالة التي حاول هيجل الإجابة عنها في المنطق و الفينومنيولوجيا , وفى البدء , يرفض فويرباخ الحديث عن الوجود بذلك الشكل المطروح أعلاه , أي ( الوجود فقط ) فقط بلا تحديد أو مضمون , يقول :" ........ ولذلك فان الفكرة الشاملة للوجود و التي تستبعد منها محتوى الوجود لا تعود الفكرة الشاملة للوجود , فالوجود يتفرع بنفس قدر الأشياء , و الوجود واحد مع الشيء الذي هو هكذا , انزع الوجود من شيء وسوف تنزع منه كل شئ , من المستحيل التفكير في الوجود بمعزل عن التحديدات النوعية " (18) أن هيجل يبدأ من معنى الوجود أو فكرة الوجود وليس من الوجود الحقيقي (Real being) , وهذا ما يسر له مهمة حل التناقض بين الفكر والوجود ومعارضته المعروفة لفصل كانط بين الذات والموضوع و فصل الأخير أيضا بين المعرفة الصحيحة و بين معرفة الشيء في ذاته dingan sich هذا لان هيجل لم يبدأ بالمشكلة الحقيقية بل قام بتزييفها ثم حاول حلها , وكان من الطبيعي أن ينجح الحل , ولكنه حل مزيف أيضا كالمشكلة نفسها , لان التناقض الحقيقي غير الزائف هو القائم بين الفكر و الوجود وليس بين الفكروفكرة الوجود , وليس اسهل على المرء من حل أي تناقض بين الفكر ونفسه , يقول فويرباخ :" الفلسفة الهيجلية هي إذابة التناقض بين التفكير و الوجود كما يعبر عنه على وجه الخصوص عند كانط , لكن لاحظ جيدا أن إذابة التناقض تظل مع ذلك داخل التناقض ... الفكر هو وجود عند هيجل بمعنى أن الفكر هو الموضوع و الوجود هو المحمول و المنطق هو التفكير في عنصر الفكر أو فكر يفكر ذاته .... ولكن هذا هو بالضبط ما جعل هيجل يظل غير قادر على الوصول إلى الوجود كوجود"(19)
والفقرة السابقة تنقلنا إلى نقطة جديدة و جوهرية , ففويرباخ يرفض أن يكون الوجود محمولا و يرفض أن يشتق الوجود من الفكر , وهنا يقترب من كانط كما يبتعد عن هيجل , وعن ديكارت أيضا إذا أخذنا في الاعتبار نقد كانط للحجة الوجودية او الانطلوجية لدى ديكارت (20) ونقد هيجل لنقد كانط لها (21) , ولعل هذه النقطة أيضا تمثل رافدا من روافد الوجودية إذ أعلن كيركجارد الوجود كسابق على الماهية (22) .
ومن الناحية الأخرى يعترض فويرباخ على إصرار هيجل على إنكار الوجود المتعين في الفصل الأول من الفينومينولوجيا و الخاص باليقين الحسي و الذي ينكر الجزئي ويركز الاهتمام على الكلى وحده , فالأشياء الجزئية التي توجد (هنا) و( الآن ) Here and Now قد تحل محلها أشياء أخرى باستمرار , وهذا ما جعل هيجل يستبعد الجزئيات ويستبقى الكليات أي ال(هنا) the Here و ال(آ ن ) the Now و يعارض فويرباخ هذه القفزة الفكرية التي ما لها من تبرير بأسلوبه الساخر وببساطة قائلا :" أن أخي يدعى يوحنا John او – لو احببت – ادولف , ولكن يوجد ناس غير قابلين للعد بجواره يدعون بالاسم نفسه , فهل يتبع ذلك أن أخي يوحنا ليس حقيقيا ؟ او أن اليوحانية Johnness هي الحقيقية ؟"(23)
ويبدو أن مشكلة هيجل في الفينومينولوجيا هي فصله بين الزمان والمكان, فعندما تجتمع الصورتان ينتج عنها تعين ما حتى لو كان فراغا , ولكن و جود من نوع ما يتسم بالتحدد , أما إذا تناولنا الأشياء في تجاورها المكاني فحسب , أو في تتابعها الزماني وحده , فان الناتج ليس شيئا إلا فكرتنا عن الأشياء و ليست الأشياء نفسها , وهذا النقد يعد انحيازا للتجريبية , فالوجود ليس التجريد بل التعين , والموجود هو فقط الذي يمثل نقطة لتقاطع الزمان مع المكان الذين لا ينفصلان في الواقع على الإطلاق , و هذه الفكرة – فكرة المتصل الزمكانى – يتشابه فيها فويرباخ مع صمويل الكسندر (1809 – 1938 ) والفيزياء الحديثة.(24)
2 – فكرة العدم و المنهج الجدلي :
إذا كان هيجل رأى أن الوجود يستنبط من الفكر تبعا لأسبقية الفكر على الوجود , فان الفكر يعد خالقا وموجدا , و التفكير في أي معنى لابد وان يستتبعه منح العالم وجود هذا المعنى , ولكن ما نتيجة التفكير في العدم أذن ؟ هل هي وجود العدم ؟ وكيف يوجد العدم و هو محض لا وجود ؟ هكذا تفضي بنا فكرة هيجل عن العدم إلى تناقضات لا سبيل إلى تجاهلها , وذلك أن فشل فكرة العدم ولا منطقيتها يؤدى حتما إلى سقوط الديالكتيك , فالجدل يرتكز أساسا على التناقض بين الوجود والعدم , وبما أننا لا يمكن أن نتصور العدم بشكل صحيح فان التناقض بينه وبين الوجود هو تناقض صوري بحت غير واقعي (25) أن العدم المطلق ليس هو نقيض الوجود المطلق , ولكن النقيض الحقيقي هو المتعين (26) الذي هو كذلك نقيض المجرد , فالوجود المطلق محض تجريد , والجدل الحقيقي أذن هو الواقع بين الوعي التجريبي و العقلانية التأملية وهذا يؤدى بنا إلى مناقشة العلاقة بين الفلسفة والعلوم التجريبية , وفويرباخ يرى أن الانتقال من العلوم التجريبية إلى الفلسفة ضرورة , أما العكس فهو ينتهي إلى العماء (27) , و ذلك على العكس من موقف هيجل الناقد لعلوم الطبيعة التي أفقدت الطبيعة طابعها اللاعقلى و اللاكيفى (28) .
3 – فلسفة الطبيعة :
ان الطبيعة هي نقطة الضعف الأساسية في فلسفة هيجل وذلك عندما يصل إلى مرحلة استنباط الطبيعة و الانتقال من المنطق إليها , فالفكر لا يستنبط منه سوى الفكر (29) , وكانت هذه نقطة كبيرة للنقد من جهة فويرباخ , فقد رأى هيجل أن الطبيعة أدنى بكثير من الفكر , فإنها مجرد حالة لتخارج Externalization الروح فهي الفكرة التي خرجت من ذاتها إلى الآخر و اغتربت اغترابا ذاتيا وبالتالي فموضعها لا يخرج عن حدود الهوامش والجزئيات و ينتهي الأمر بهيجل إلى إقامة التعارض بين الفكر والطبيعة كنقيض له .ولكن فويرباخ اعتبر الفكر امتدادا لها , و أصر على إعادة ربط الفلسفة بالعلوم الطبيعية, واحلها محلا مركزيا في فلسفته ( أي محل المنطق الهيجلى نفسه ) وإذا كان من شأن هيجل أن يرى الطبيعة غير مستقلة و غير مكتفية بذاتها فقد نظر إليها فويرباخ نظرة طبيعية Naturalistic على أساس كونها (كل الحقيقة ) ليس وراءها و لا فوقها شيء (30) , واقترب بهذا من الاتجاهات المادية التي اعتبرت فلسفة فويرباخ أساسا للمذهب المادي عند ماركس وانجلز , ومن الاتجاهات التجريبية لاعتماده على الحس والوقائع المحسوسة و موضوعية الطبيعة واستقلالها , وبالإضافة إلى ذلك , فان اعتبار فويرباخ للفكر كامتداد للطبيعة يجعل الوجود سابقا على الفكر مما يقربه من الاتجاه الوجودي (31) .
4 – الفلسفة المثالية واللاهوت :
" من يتمسك بالفلسفة الهيجلية , يتمسك أيضا باللاهوت , والمذهب الهيجلى القائل بان الطبيعة و الواقع المحدد يشكل بالفكرة هو التعبير العقلي للمذهب اللاهوتى بان الطبيعة والوجود المادي قد خلقهما الله اللامادى (32) , كذا يرى فويرباخ أن الفلسفة التأملية التي تخلق العالم من الأنا الفشتية , أو من المطلق الهيجلى تتوازى مع اللاهوت الذي يخلق العالم من الله مما يجعل من الهيجلية مجرد محاولة لعقلنه اللاهوت , بل صارت هي الملاذ الأخير له:"...تماما مثلما اصبح اللاهوتيون الكاثوليك في الحقيقة ارسطوطاليسين ليقاوموا البروتستانتية يجب الآن على اللاهوتين البروتستانت شرعا أن يصبحوا هيجليين لينازلوا الإلحاد "(33) أما الاختلاف بين الفلسفة واللاهوت فهو اختلاف فقط في طريقة التعبير , ولكن مهمة الفلسفة الجديدة هي محاولة اكتشاف اللامتناهى بوصفه سلبا للمتناهى , ذلك السلب الذي يسببه تجريد الإنسان من صفاته و التعالي بها Transcendence إلى كائن أعلى مفارق , مما يؤدى إلى اغتراب الإنسان (34) .
وإذا كان البعض يرى أن فويرباخ مجرد امتداد لانثربولوجيا الدين الذاتي عند هيجل فان هذا القول يصطدم بحقيقة أن هيجل لم يقم توحيد مطلقا بين الله والإنسان , أو بين المتناهى و اللامتناهى مثلما فعل فويرباخ , وبالتالي ظلت الميتافيزيقا الهيجلية مختلفة عن الانثربولوجيا الفلسفية , وإذا كانت المشكلة الأساسية لدى هيجل ( وعند اللاهوتيين أيضا ) هي الصلة بين الله والإنسان , فان مهمة فويرباخ كانت رد الروح المطلق إلى الروح البشرى دون الاهتمام باستبقاء عنصر اللانهائية (35) .
وقد كان أساس الدين عند هيجل هو تجل Manifestation للمطلق , ولكن هذا الأساس عند فويرباخ ليس إلا الشعور الإنساني , وما دام الشعور نسبى فهو غير مطلق و غير مقدس , ومادام هو اصل الدين فان الدين نفسه غير مقدس على عكس العقيدة المسيحية التقليدية (26) , وهذه محاولة جريئة لعلمنه المسيحية Secularization فالشعور Feeling أو الشعور بالتبعية أو الاعتماد Dedendency تحديدا هو أساس الدين , اعتماد الإنسان على الطبيعة بشكل كلى, وهذا الشعور يجمع ويتجاوز تعريفان للدين هما الحب والخوف , عاطفتان متناقضتان و لا تجتمعان إلا في الدين لان الله وحده هو النافع الضار (37) , وهذا شكل من أشكال التفسير السيكولوجي للدين.
5 – مفهوم الإنسان والأخلاق والسياسة :
كان فويرباخ يبحث دؤوبا عن فلسفة مختلفة جذريا عما لدينا من فلسفات , وبالتالي عن فهم جديد للإنسان يتفق مع شروط قيام عصر جديد في تاريخ البشر و الفكر البشرى , عصر يتخذ حياة الإنسان مادة لتفلسفه في مقابل الهيجلية التي اتخذت من تاريخ الفلسفة السابقة و تجليات المطلق مادة للفكر , و لهذا حاول فويرباخ تقديم فلسفة تعتمد على نقد وتحليل و تعليل السلوك والحاجات البشرية صعودا إلى فلسفة الإنسان ( الانثربولوجيا الفلسفية ) و هبوطا من الفردوس النظري السماوي إلى الجحيم الطبيعي والحسي الإنساني (38) .
وليس معنى هذا أن الفلسفات السابقة كانت خلوا من الأنثروبولوجية , بل العكس ولكنها لم تقدم إلا أنثروبولوجيا ميتا فيزيقية تدور حول مفهوم العقل أولا على اعتبار أن الإنسان هو الكائن العاقل , ثم تحول هذا الاتجاه إلى التبلور حول مفهوم الإرادة خاصة عند شلينج , ثم التعارض بين العقل والجسد عند كيركجورد, ولكن فويرباخ يرى أن ما يميز الإنسان حقا عن غيره هو الوعي , وليس الوعي بلا مضمون أو محتوى , ولكن الوعي بالنوع species لا بالفرد فحسب , ويتحدد هذا الوعي عبر ثلاث قوى أساسية هي : العقل و الإرادة والوجدان , وهى بالتالي أسمى القدرات, هي الثالوث المقدس , وذلك الوعي يتمثل في حقيقته أن الإنسان موجود كلى غير متناه ولا مقيد بل حر (39) .
ويحتل الحب مكانه خاصة وسط أبحاث فويرباخ المتعلقة بالإنسان , فهو أحد وجهي عملية الاعتماد المسئولة عن الشعور الديني , بل أن فويرباخ يميز بين الدين والفلسفة على أساس هذه العاطفة " الدين هو الحب الأول , حب الشباب , الحب الذي يعتمد أن موضوعه سوف يدنس من خلال المعرفة , ومن الناحية الأخرى فان الفلسفة حب زيجى , حب الإنسان الذي لديه موضوع يتمتع به "(40) , والحب هو أساس الفضائل " هناك شر واحد فقط – الأنانية , وهناك خير واحد – الحب , حب ولكن عن صدق وسوف تأتى اليك كل الفضائل الأخرى آليا "(41) أن الحب أيضا هو حل التناقض بين الفكر والوجود يقول في نفس الموضوع :" ما الحب ؟ انه وحده الفكر والوجود , الوجود هو المرآة والفكر هو الرجل ", لانه وحدة الذات والموضوع , ولحظة تحول الموضوع من رتبة الوسائل إلى مرتبة الغايات , والمحبوب هو الشيء ذاته الذي لا يمكن الوصول إليه إلا في لحظة الحب , وهو موضوع الإرادة الحرة , كما أن الحب هو أساس للربط بين الأنا والآخر وهى العلاقة الأساسية في الفلسفة من وجهة نظر فويرباخ فالحب هو القوة التي يتأكد بها واقع الآخر واستحالة الحياة المنعزلة (42) , وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم الإنسان, فكينونة الإنسان ليست في الإنسان الفرد, بل في وحدة الإنسان بالإنسان التي تستقرعلى حقيقة الاختلاف بين الأنا والانت"(43) .
وينبع من تاكيد فويرباخ على الحواس وعلاقة الفلسفة بالعلوم الطبيعية , ومركزية الطبيعة واستقلالها , ويرى فويرباخ أن الحساسية sensitivity هي الصلة المفقودة بين الجوهر العقلي والجوهر المادي الذين انفصلا على امتداد الفكر الأوربي الحديث لأن تاكيده على الجسد يغفل الروابط الفعلية بين الجسد والنفس , ويطبق فويرباخ أسس مفهوم الإنسان على مفهوم الجسد , فيرى ان طبيعة الجسد الإنساني هي التي تحدد ماهية الإنسان , فحواس الإنسان مثلا تتميز بالشمولية لأنها ليست حساسة نحو احساسات معينه ومترفعة عن الاقتصار على الحاجات الضرورية فقط , وهذا يناسب القول بان الإنسان هو الكائن الوحيد الواعي بالنوع لانه هذا النوع من الوعي يفضي منطقيا إلى أدراك الأنواع الأخرى بنفس القدر من الشمولية , وبالمثل فان معدة الإنسان لا تقتصر على أنواع معينه من الطعام وتترفع عن النهم , ومعنى هذا أن تغير حواس أو أعضاء الإنسان كفيل بتغير طبيعته الكلية .
ويرتبط مفهوما الحب والجسد بفلسفة فويرباخ في الأخلاق والسياسة فقد انطلق فويرباخ من نقد الصورية الخلقية في نسق كانط إلى مبدأ الإرادة الواقعية وذلك من خلال رفضه للإرادة الخيرة المجردة , فهو لا يؤمن بالإرادة ولكن بالإرادة من اجل السعادة , وعبارة أنا أريد معناها ( أنا أريد أن أكون سعيدا ) فبانتفاء الدوافع تنتفي الارادات , وهذا ينقلنا إلى نظرية في المنفعة . يرى فويرباخ أن الأخلاق لا تضاد السعي إلى السعادة , بل تضاد ذلك السعي لو كان على حساب الآخرين (44) , أن حب الإنسان أذن هو أساس الفضيلة والإيثار , مثلما للجسد دور في تقرير اوجه الحاجات الأساسية . وارتباط الإنسان بالإنسان عن طريق الشعور بالحاجة و ضرورة إشباعها من جهة , وعن طريق الحب والثقة من جهة أخرى هو أساس الدولة , فإذا كانت الدولة عند هيجل هي تجل للمطلق في مؤسسات سياسية و اجتماعية , فان فويرباخ يرى إنها نتيجة تخلى الإنسان عن ثقته في الإله تدريجيا بازدياد ثقته في الإنسان (45) .
وإذا كان نقد هيجل للمجتمع البرجوازي لم يصل إلى درجة دحض القومية باسم الإنسانية , فان فويرباخ – وكما ينبغي لنا أن نتوقع – وجه انتقاداته للقوميين بأسلوبه الساخر : " أزعج الإنسانية ! القومية الألمانية هي كلمة السر لدينا , ألما نيون نحن وكذا نريد أن نكون , ليس لدى أي اعتراض على هذا , ولكن لماذا تقوم وطنيتكم عن حماس بمقابلة نتائج المسيحية فقط , أي الإنسانية , ليست المسيحية ذاتها ؟ والمسيحية مع ذلك لا تعلمنا أن الله و الألماني واحد , ولكنها تعلمنا أن الله والإنسان واحد "(46)
خاتمة وتعقيب
يقدم لنا فويرباخ أفكارا تعد تجاوزا حقيقيا لهيجل , وهى تلك التي تقربه من الوجودية والماركسية في أبحاثه حول العلاقة بين الفكر والوجود , وحول الطبيعة, ولكن تبقى فلسفته في الدين والإنسان بمثابة ردة للمثالية أو على الأقل تناقضا مع المادية , وقد يدعم هذا رأى انجلز القائل بان " فويرباخ لم يكن ماديا تماما فمثاليته تتضح بمجرد أن تتجه فلسفته إلى الدين أو الأخلاق , ومن هنا فهو مادي في نصفه الأسفل , بينما نصفه الاعلى مثالى .
فالمشكلة الحقيقية في تفسير فويرباخ للدين مثلا تتجلى في كون فويرباخ يدور في حلقة مفرغة , فيفترض تفسيره السيكولوجي افتراضا دون برهان تجريبي , فيبدأ من الفرض ولا يملك سوى أن ينتهي إليه دون الصعود إلى الإنكار التام للمقدس أو الصعود منه , وعلى الرغم من أن فويرباخ لم يهتم كثيرا بتقديس اللامتناهى فهو أيضا لم ينكره إنكارا كليا بل قام بسلبه على الطريقة الهيجلية فأبقاه مباطنا لمركب جديد هو الدين الإنساني
أما حديث فويرباخ عن الإنسان بهذه الدرجة من العمومية والشمولية ووصفه إياه بسمات الكلية و اللاتناهى و اللاتقيد يتناقض مع نقده للتجريد والتعالى , ويوقعه في افتراض ميتافيزيقى متعالى جديد هو الإنسان ).
كيف نمهد لمذهب تجريبي مادي طبيعي متكامل دون القضاءعلى الفكرالميتافيزيقى ؟ و لو قضينا عليه فكيف نقيم مذهبا إنسانيا أنثروبولوجيا يحتل فيه الإنسان موضع المطلق وكيف يمكن اعتبار الإنسان حرا لو خضع هو نفسه لمبادئي العلوم الطبيعية الحتمية ؟ وكيف لا يقضى ذلك على الإرادة ؟ هذه هي علامات الاستفهام التي تتراكم لدينا بعد قراءة فويرباخ , وهى التي ننتظر لها دوما إجابات في بحثنا لفلسفات السابقين او في تطلعات إلى فكر مستقبلي جديد .
الهوامش
(1) Feuerbach,Ladwig; Toward a critique of Hegel’s philosophy – in : the fiery Brook, trans.with an Introduction by Zawar Hanfi,Anchor Books,doubleday&company,INC.,NewYork 1972.p.94.
(2) فويرباخ : قضايا أولية لاصلاح الفلسفة و نصوص أخرى – ترجمة احمد عبد الحليم عطية ص 67.
(3) Engels, Frederick : ludwig Feuerbach and the end of classical german philosophy – part 1 p.7
(4) حنا ديب : هيجل وفويرباخ , الطبعة الاولى تشرين الاول 1994 , دار امواج للطباعة والنشر , بيروت – لبنان , ص 15 .
(5) احمد عبد الحليم : فلسفة فويرباخ – دار الثقافة العربية , ص 271 .
(6) المرجع السابق ص 15 .
(7) شذرات متعلقة بتطورى الفلسفى , فى قضايا اولية لاصلاح الفلسفة ونصوص اخرى , ص 107, 108 .
(8) المصدر السابق ص 107.
(9) المصدر السابق ص 110
(10) فريال حسن خليفة : نقد فلسفة هيجل – دار قباء – 1998 , ص 96 .
(11) المرجع السابق , نفس الموضع .
(12) شذرات ..ص 140
(13) المصدر السابق ص 111
(14) المصدر السابق ص 128 ,129 .
(15) نقد فلسفة هيجل ص 96 ,97 .
(16) نقلا عن فلسفة فويرباخ ص51 .
(17) نقلا عن المرجع السابق ص 57
(18) Feuerbach , Towards a Critique..p.71
(19) قضابا اولية ...ص 83 رقم 53 .
(20) احمد عبد الحليم عطية : الفلسفة العامة ..نظرة جديدة – دار قباء – 2001 ص 33
(21) نقد فلسفة هيجل ,ص 103.
(22) ا. م. بوشنسكى : الفلسفة المعاصرة فى اوربا , ترجمة عزت قرنى , عالم المعرفة 165 , 1992 ص 265
(23) Feuerbach , Towards a Critique..p.77
(24 ) فلسفة فويرباخ ...ص109
....................................................................................
|