دمشق للحريري: حذار الخطوط الحمر
دمشق ـ
غسان سعود
أبلغت مصادر سورية مسؤولة «الأخبار» أن الملف اللبناني كان حاضراً بقوة في الاجتماع الذي عقده الرئيس السوري بشار الأسد مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، أول من أمس في الرياض، إلى جانب الملف العراقي والأوضاع في المنطقة.
وقالت المصادر إن الزيارة كانت مقررة مسبقاً، وكان هناك اتفاق على تفاصيلها لناحية مكان انعقادها ومدة الاجتماعات، وهي حصلت بناءً على طلب الملك السعودي الذي توسط مجدداً لدى الرئيس السوري كي يستقبل الرئيس سعد الحريري، لكن النتيجة لم تكن إيجابية.
ولفتت المصادر إلى أن اللقاء السوري ـــــ السعودي «لم يصل إلى اتفاق بشأن المحكمة الدولية، وأن الرياض لم تعلن صراحة رفع الغطاء عن المحكمة برغم إصرارها على إزالة كل أسباب الصدام مع القيادة السورية، وهي تجنّبت ملف المذكرات القضائية الصادرة في دمشق بحق مقرّبين من الحريري، كذلك تجنّبت الحديث عن الضغط على الحريري لتعديل موقفه بشأن القرار الظني».
وحسب المصادر، فإن الموقف السوري كان واضحاً لجهة أن الحريري «لم يبادر إلى أي فعل من أجل فتح صفحة جديدة معها»، وأن الرئيس الأسد تحدث بصراحة وإسهاب عن «عدم ارتياح القيادة السورية لكون الحريري يظل متوتراً خلال وجوده في دمشق، وأن الصورة الحقيقية لموقفه تكون واضحة أمام الرئيس الأسد الذي يوصف في دمشق بقارئ العيون». وأضافت المصادر: «جاءت ردة فعل الحريري والمجموعات التي يموّلها على مذكرات التوقيف لتؤكد لدمشق أن رئيس الوزراء اللبناني يعجز عن التخلص من أحقاده، وأنه أضعف من السير قدماً نحو الأمام، وهو ما يفسّر غياب الإشارات الجدية إلى رغبة سوريا في إعادة الحرارة إلى خط الهاتف بين قصر المهاجرين والسرايا الكبيرة».
جنبلاط دليل جيّد للحريري
المصادر السورية نفسها تلفت إلى «أن الاستمرار بانقطاع التواصل لا يعني أن الأبواب أقفلت، فخريطة الطريق السورية لعودة الحريري إلى ربوع الشام واضحة»، مضيفة أن في مقدور الحريري «أن يتعلم من الأستاذ وليد جنبلاط الذي يعرف كيف يحدد كل زعيم حجمه ويقرأ المعادلات الدولية والإقليمية، ويعلم أن في السياسة أموراً للنقاش تتجاوز ترداد كلمة الحقيقة».
وإذ يبدو لزائر دمشق أن «الودّ السوري لأبي تيمور يزداد يوماً بعد يوم»، فإن الحديث عنه اليوم «يتّسم بدرجة أعلى من الثقة والإعجاب»، كذلك يبرز بنحو لافت استغراب المسؤولين السوريين لـ«السؤال عن حقيقة موقفي جنبلاط والرئيس ميشال سليمان من ملف المحكمة، لأن الاثنين واضحان في التزاماتهما»، مع إشارة خاصة إلى بعض وزراء الرئيس سليمان، ولا سيما موقف وزير الدفاع الياس المر، «فهو مع القوي دائماً وسوريا في هذه المرحلة هي القوية».
وتلفت المصادر السورية المسؤولة إلى أن ما على الحريري القيام به واضح للغاية وأبرزه:
الأسد أبلغ عبد الله أن الحريري لم يف بالتزاماته ودمشق غير مستعجلة
ـــــ التزام الحريري بقواعد اللعبة والإقرار
بأنه لا يمكن أحداً، بما في ذلك هو شخصياً، تجاوز الخطوط الحمر. فسوريا ترى أن حزب الله هو الخط الأحمر العريض، وعلى الحريري احترام هذا الخط وعدم محاولة تجاوزه.
ـــــ يمكن الحريري أن يناقش في تعديل الاتفاقيات مع سوريا وأن يطالب بكرسي نيابي هنا وآخر هناك، وأن يطلب دعماً لتبديل حقيبة وزارية بأخرى،
لكن ممنوع عليه على الإطلاق التفكير في أن يطلب من سوريا مشاركته في طعن «حزب الله» بالسيف الذي استخدمه مع فريقه لطعنها به.
ـــــ إذا أدرك الحريري هذا الأمر، فعليه رفع الغطاء عن المحكمة الدولية التي تسعى إلى النيل من المقاومة،
والقيام بخطوات عملية لإلغاء المحكمة التي أثبتت التطورات منذ سنوات عدة أنها مسيّسة ومعدّة للنيل من خصوم الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن يعمل على إلغاء المحكمة لا الكلام على أنها باتت أمراً واقعاً لا يستطيع أحد إيقافه.
ـــــ على الحريري أن يعرف أن سوريا العلمانية تختلف في كثير من الأمور مع «حزب الله» بوصفه حزباً لديه خلفية عقائدية ذات بعد ديني، لكنّ موقف سوريا من المقاومة ودعمها بكل الأشكال مرتبط بمصير المنطقة. وحتى تحرير الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لا يمكن أحداً أن يناقش سوريا في العلاقة مع المقاومة. ومن الأفضل للحريري «استبدال حماسته لنزع سلاح حزب الله بحماسة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة».
ـــــ أن سوريا التي تطالب الحريري باحترام خطوطها الحمر، تعرف أن لكل طرف خطوطه الحمراء التي يفترض احترامها، وهي تحترم خطوط السعودية الحمراء، ومستعدة لأن تحترم خطوط الحريري الحمراء.
ـــــ على الحريري المبادرة إلى خطوات إيجابية تجاه سوريا من خلال اللجوء إلى خطوات إزاء الفريق اللصيق به، الذي سبّب مآسي السنوات الماضية، وننصحه بافتتاح جمعية خيرية لمستشاريه في مرحلة التوتر بين قريطم ودمشق، وأن يأتي لنفسه بمستشارين جدد، أمنيين وسياسيين وإعلاميين.
مآل المساعي
وبناءً على ذلك، فإن المصادر السورية المسؤولة لا تعلّق آمالاً كبيرة على المساعي القائمة بشأن المحكمة الدولية. ومع تقدير دمشق لجهود السعودية، إلا أنها لا ترى نوراً واضحاً في الأفق، وهي ترى «أن مذكرات التوقيف تمثّل عامل توازن مع القرار الظني، لأن من يقول إن القضاء السوري مسيّس لن يستطيع إقناع أحد بأن القضاء الدولي غير مسيّس، ولأن إصرار تيار «المستقبل» على تعاون حزب الله مع القضاء الدولي سيحتّم على تيار «المستقبل» التعاون مع القضاء السوري،
وبالتالي يفترض بتيار المستقبل أن يسلّم المشتبه في تزويرهم التحقيق الدولي من المطلوبين إلى العدالة السورية، قبل أن يطالب حزب الله بتسليم من يقولون إنه مشتبه في تورطهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى العدالة الدولية».
ولا تستبعد المصادر السورية أن يصار إلى إصدار القرار الظني قريباً، «نظراً إلى صعوبة صمود الحريري أمام الضغوط، وعدم نجاح السعودية في التوصل إلى حل. ولذلك فإن دمشق ترى أن طريقة تعامل اللبنانيين مع القرار الظني هي شأن داخلي»، معربة عن اعتقادها بأن «هناك مرحلة ما قبل صدور القرار الظني ومسرحها المؤسسات الرسمية،
وهناك مرحلة ما بعد القرار الظني، إذا صدر، ومسرحها يحدّده موقف الحريري من القرار الظني».
سليمان للأسد: لبقاء المحكمة سلبيّات ولإلغائها سلبيّات
الرئيس الأسد والملك عبدالله في الرياض أول من أمس (رويترز)الرئيس الأسد والملك عبدالله في الرياض أول من أمس (رويترز)لبنان في مهب القمة السعودية السورية
عودة الحرارة الى الاتصالات السورية السعودية واللبنانية اللبنانية بشأن ملف المحكمة الدولية، لم تترافق مع نتائج استثنائية، غير تلك التي برزت في بيروت لناحية إعادة التواصل بين رئيس الحكومة سعد الحريري وقيادة حزب الله، بمسعى خاص من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، فيما تشير المعلومات عن الاتصالات الخارجية الى أن الأمور لا تزال على حالها، لكن مؤشرات التوتر أو الانفراج لا تزال حبيسة الغرف الضيقة حيث الأصوات خفيضة لكن سقف الكلام مرتفع للغاية، الأمر الذي يراقبه اللبنانيون بشيء من التوتر الذي يسود الوجوه في كل وقت وفي كل مكان
نقولا ناصيف
هل كان لبنان في صلب محادثات القمّة السعودية ـــــ السورية في الرياض؟ الإشارات الأولى عن انطباعات رافقت اختتام القمّة القصيرة، أن النتائج ستظهر في العراق أولاً، بعد ذلك يظهر الخيط الأبيض فيها من الخيط الأسود في لبنان.
والواقع أنه لم تتوافر في الساعات التالية لانعقاد القمّة السعودية ـــــ السورية في الرياض معلومات وافية عنها، إلا أن المعطيات التي أحاطت بانعقادها، شكلاً ومضموناً، أبرَزَت بعض المعلومات الأولية. كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد اطّلع، في مكالمة هاتفية أجراها بالرئيس السوري بشّار الأسد الجمعة الماضي، على رغبة الأخير في إجراء اتصال مباشر بالملك السعودي، بغية تحريك الجمود في علاقات البلدين في الملفين العراقي واللبناني. في تلك المكالمة، قال الرئيس اللبناني لنظيره السوري، منبّئاً بدقة الأزمة الداخلية الناشبة حول المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والقرار الظني المتوقع صدوره عنها: لاستمرار المحكمة الدولية سلبيات، ولإلغائها سلبيات أيضاً.
وتبعاً للمطّلعين على موقف رئيس الجمهورية، اكتفى الرئيس السوري بإبلاغه أن دمشق ستتحرّك حيال الرياض.
أما المعلومات المتصلة بقمّة الرياض، فتركزت على الآتي:
1 ـــــ كان لقاء الملك السعودي والرئيس السوري في القاعدة الجوّية في الرياض متفقاً عليه في البروتوكول الذي أعدّ للزيارة، ولم يبدُ اجتماعهما في هذا المكان مفاجئاً، ولا قلّل أهمية ما اتفقا أو لم يتفقا عليه. فالقاعة الملكية في القاعدة الجوّية ـــــ المخصّصة لطائرات الملك وأمراء الأسرة الحاكمة ـــــ اتخذت أهمية لقائهما في أي مقرّ ملكي.
لم يصحب الأسد معه أياً من معاونيه الذين يرافقونه في الغالب في زيارات رسمية، وأخصّها المهمة، كمعاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف المكلف الملف العراقي ووزير الخارجية وليد المعلم ومستشارة الرئيس للشؤون السياسية والإعلامية الوزيرة بثينة شعبان، فيما اقتصر مرافقو الملك على نجله ومستشاره الأمير عبد العزيز بن عبد الله المكلف بدوره ملف العلاقات السعودية ـــــ السورية، وكذلك شقّ العلاقات السورية ـــــ اللبنانية فيه.
why limaza
وهكذا، لا المكان ولا المدة التي استغرقتها القمّة القصيرة، مثّلا إشارة سلبية إلى محادثات الزعيمين السعودي والسوري.
خلال 15 يوماً زار الأمير عبد العزيز دمشق 4 مرات واجتمع بالأسد
2 ـــــ كان اجتماع الرياض تتويجاً لمداولات الأسبوعين المنصرمين بين الرئيس السوري وعبد العزيز الذي زار دمشق أربع مرات في غضون هذه الفترة، وتناولت أساساً تباين وجهات نظر البلدين من الوضع في العراق والحكومة الجديدة التي يعتزم الرئيس نوري المالكي تأليفها. وأتت القمّة بناءً على طلب الرئيس السوري، من أجل وضع إطار تفاهم لما كان قد دار بينه وبين عبد العزيز.
3 ـــــ رغم تطرّق الملك والرئيس إلى الملف اللبناني، من غير أن يناقشا اقتراحات أو حلاً محتملاً للأزمة التي يتخبّط فيها هذا البلد، إلا أنه لم يتصدّر مبرّر القمّة شأن الملف العراقي الذي استأثر بقسط كبير من مداولاتهما. وطبقاً للمعلومات، رغب الرئيس السوري في مناقشة الملك السعودي في مسألتين تتصلان بالملف العراقي، وهو يراهن على إقناع عبد الله بمجاراته في مقاربته له، نظراً إلى أهميتهما في التوصّل إلى تسوية للأزمة الحكومية العراقية، ومن ثمّ إعادة بناء السلطة في هذا البلد واستعادته استقراره:
أولاهما، أن من الضروري التعاطي بإيجابية حيال النفوذ الإيراني في العراق، لأن من المتعذّر ـــــ بل من المستحيل ـــــ إضعافه. بيد أن من شأن التعاطي الإيجابي ضمان حضور عربي فاعل في عملية بناء السلطة الوطنية العراقية وتوزيع مواقعها. ذهب الرئيس السوري إلى القول بأن المشكلة لا تكمن في الحصّة السنّية في الحكومة العراقية، ولا في نفوذ البلد الذي يُمسك بهذه الحصة، بل في تكريس عروبة العراق التي فكّكها الاحتلال الأميركي ومزّقها وشتّت أجزاء البلاد. وعروبة كهذه ـــــ في رأي الأسد ـــــ لا تقتصر على السنّة، بل تشمل أيضاً الشيعة وسائر الطوائف العراقية، الأمر الذي يحتّم الأخذ في الاعتبار النفوذ الإيراني المتغلغل في معظم طوائف العراق لا لدى شيعته فقط.
ثانيتهما، تكريس وحدة العراق مع الأخذ في الحسبان أيضاً الخصوصية التركية وهواجسها حيال وضع الأكراد، وعدم تجاهل هذا الواقع.
بدا الأسد بمقاربته هذه، وهو يأخذ في الاعتبار دورَي إيران وتركيا المتاخمتين للعراق ونفوذهما القوي، يسعى إلى إقناع الملك بمراعاة هذه الوقائع الحتمية بموقف سعودي ـــــ سوري يتفهّم هاتين الخصوصيتين، ويجهد من أجل استعادة الدور العربي في هذا البلد لتثبيت توازن بين عناصر النفوذ التي تطبق عليه.
يحمل ذلك سوريا على الاعتقاد بأن نجاح هذا الرهان يمكّن الأسد وعبد الله من تعميم التجربة على أزمتين مشابهتين يتداخل الخارج فيهما بالداخل، وهما الأزمتان اللبنانية والفلسطينية. الأولى تحتاج إلى تسوية تضع حداً لتناقضات الداخل وتأثير الخارج في النزاع المحلي عبر فاعلية دور عربي متمكّن، والثانية تتطلب مصالحة وطنية تضع حداً للانقسام الفلسطيني ـــــ الفلسطيني. قالت وجهة نظر سوريا بأن عليها، وكذلك السعودية، أن لا تقفا متفرجتين حيال تفاهم إيراني ـــــ أميركي على ترئيس المالكي الحكومة العراقية الجديدة. في المقابل، ثمّة اتفاق إيراني ـــــ سوري على إنجاز الملف العراقي، عبّرت عنه الزيارة الأخيرة للأسد لطهران في 2 تشرين الأول، بعد زيارة كانت قد سبقتها بأيام عندما قصد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد العاصمة السورية في 18 أيلول المنصرم.
4 ـــــ بحسب مسؤول سوري رفيع المستوى، لم يسبق للأزمة العراقية أن قاربت مستوى من الانتكاسة كالتي تتخبّط فيها حالياً. بل تطابق دمشق الأزمة الحكومية العراقية الراهنة على نحو مشابه للأزمات الحكومية اللبنانية المتعاقبة، وأقربها حكومتا ما بعد اتفاق الدوحة عاما 2008 و2009، عندما تبيّن أن مكمن المشكلة في التأليف، وليس في التكليف. ورغم أنه لا تكليف رسمياً بعد للمالكي بترؤس الحكومة العراقية الجديدة، إلا أن الخلاف السعودي ـــــ السوري على أشدّه حيال هذه المسألة. لم تكتفِ المملكة برفض ترئيس المالكي الحكومة العراقية الجديدة، بل امتعضت من إعلان الاتفاق على شخصية هي المالكي. رفضت أساساً وجوده في هذا المنصب، واعتبرت أن سوريا حصدت الحصة السنّية برمتها، مستفيدة من نفوذها لدى العشائر والقبائل السنّية المتاخمة للحدود، ومن قدامى حزب البعث.
http://www.al-akhbar.com/ar/node/210991