(03-03-2011, 09:57 AM)علي هلال كتب: اظن ان السؤالين الآخرين اهم من التحدث عن نفسك يا استاذ "العلماني" !
يا علي يا عيوني، موضوع القومية العربية وموضوع القضية الفلسطينية مواضيع طويلة، وقد أمضيت في المنتديات أكثر من عشر سنوات وأنا أتحدث كثيراً عن هذا. لذلك فإنني آثرت الصمت على الكلام.
عموماً، لو أردنا الاختصار، فإنني استطيع أن ألخص وجهة نظري على النحو التالي:
1) في هذه البقعة المترامية الممتدة بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي، تعيش شعوب متعددة الأعراق والألوان، صهرتها حضارة واحدة منذ 1400 سنة، هي الحضارة العربية-الإسلامية.
2) الحضارة العربية الإسلامية أعطت لجميع هذه الشعوب "لغة" واحدة، و"منظومة قيمية" واحدة، و"عادات وتقاليد" مشتركة، بل و"بنية عقلية واجتماعية" مشتركة - أو على أضعف تقدير - متقاربة.
3) هذه المنطقة تم تقسيمها من خلال بعض الإرادات الوطنية أو الاستعمارية في القرن العشرين. ثم تضافرت العوامل كي ينشأ كل قسم "قوميته الخاصة به". ولكن "القواعد المشتركة" لهذه الأقسام (الدول) جميعها ما زال قائماً ومن الممكن ملاحظته.
4) منذ نهاية القرن التاسع عشر، نمت الفكرة القومية العربية بين العرب، ورأيناها واضحة المعالم في الثورة ضد الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى، وفي الثورة العربية الكبرى في سوريا ضد المستعمر الفرنسي.
5) تطور الفكر القومي على يدي مفكرين عرب، وأخرج مدارس وقف على رأسها بضعة سوريين (الأرسوزي، عفلق، البيطار) قبل أن يتبناها "جمال عبدالناصر" ويعمل على تحقيقها.
6) فشلت التجارب البعثية والتجارب الناصرية مع انهيار مشروع "عبدالناصر" وهزيمة "1967". ولكنها كانت فاشلة قبل هذا من خلال الشروط التي وضعها الرواد للوحدة من ناحية، ومن خلال فساد الجهاز الإداري في جهاز "عبدالناص".
7) كان شعار البعث - وما زال -"وحدة، حرية، اشتراكية". وعندي أن اشتراط الوحدة منذ البداية هو وضع للحصان أمام العربة.
8) عصرنا اليوم هو عصر العولمة، والكيانات الكبيرة (امريكا، الصين، روسيا، الاتحاد الأوروبي ... إلخ). وإن أراد العرب أن يحققوا ذواتهم ولا يقفوا على هامش اللعبة الحضارية، فعليهم رص بنيانهم على أساس قومي. لماذا؟
لأن "القومية العربية" القائمة على "اللغة" بشكل مركزي (والتاريخ الحضاري العربي الاسلامي المشترك) هي الإطار الحضاري الوحيد الذي يجمع هذه الشعوب المختلفة ويستطيع أن يقارب بينها، ولربما استطاع أن ينقلها نقلة نوعية إلى مصاف القوى الفاعلة في التاريخ.
9) المطلوب اليوم ليس "وحدة" في البداية ثبت استحالتها من التجارب السابقة، ولا اشتراكية في النهاية ثبت ضعفها من تجارب القرن العشرين. المطلوب اليوم هو "وحدة وطنية" لكل قطر عربي، وهذا ياتي من خلال "دولة علمانية ديمقراطية" حديثة.
10) بعد أن تحقق كل دولة ذاتها على الصعيد الداخلي، وتقيم نظاماً قوياً شبيهاً بالديمقراطيات الغربية الحالية، نستطيع أن نفكر بتعزيز جسور التواصل بين الدول العربية بشكل أكبر وأكبر.
11) اللغة هنا هي عامل حاسم جداً، فمن خلالها يتواصل العرب دائماً وينتجون في الفنون والعلوم والآداب، وتعير الجامعات أساتذتها بعضها لبعض في كافة الأقطار العربية. وعلى كل حال فهناك انتاج فني سينمائي إعلامي مشترك بالضرورة. وهذا كله يدعم هذا التقارب "القومي".
12) بعد أن نتقارب ونتلاقح ثقافياً وحضارياً من خلال دول حداثية ديمقراطية، وبعد أن نمد جسور التعاون الثقافي والاقتصادي نستطيع أن نفكر بمد جسور "التقارب السياسي" أملاً بتنسيق المواقف بشكل سليم والمشي على طريق "إتحاد الدول العربية" في المدى البعيد.
13) أملي الشخصي هو أن أركب سيارة في المغرب، وأفعل كما فعلت قبل سنتين في أوروبا عندما سافرت فيها من إسبانيا إلى بولندا دون أن يسألني أحد إلى أين تتجه.
أملي إذاً أن أركب سيارة من صنع عربي
وأسافر من الدار البيضاء حتى كوت العراق، وأنا أرى دولاً محترمة هادئة تحترم مواطنها، وشعوباً واثقة بنفسها وبمستقبلها.
14) بالنسبة "للقومي المصري" أو "القومي السوري" (ليس بمفهوم أنطون سعاده طبعاً) أو الخليجي أو اليمني، فإن مشروعي لا يتعارض مع مشروعه إطلاقاً، بل بالعكس لأنه يكمله ويوسّع حدوده .
15) أنا أقول للقومي المصري أن يستمر في وطنيته لبناء بلاده من خلال رص بنيانها وتقريب طوائف شعبها وطبقاته الاجتماعية، وبناء دولته الوطنية القوية. وبعد أن يبلغ البنيان تمامه، فإنه يستطيع أن يلعب دوراً رائداً في العالم (وهذا قدر كل دولة تقوى وتتقوى) من خلال المشروع القومي الذي شرحته أعلاه. فمصر قوية بنفسها أولاً، ولكنها سوف تكون ألف مرة أقوى من خلال انخراطها في مشروعها القومي الكبير الذي يجمع بينها وبين 23 دولة على مساحة أكبر من مساحة أوروبا، وثروات أضخم من ثروات أمريكا.
"مصر" أو "سوريا" أو "الجزيرة العربية" قد تكون قوية بنفسها عندما "تلمّ روحها" من خلال تلاحم شعبها وبناء دولة مؤسسات حديثة، ولكنها في السياسة العالمية لن تكون أكثر من "مجرد تابع" لكيانات ضخمة تحيط بها من قريب (الإتحاد الأوروبي) أو من بعيد (أمريكا والصين).
القومي المصري أو السوري أو اللبناني أو اليمني أو العراقي أو المغربي ... إلخ إن أراد أن يبحث لبلاده عن "دور حضاري" في الساحة العالمية، فإنه لن يستطيع أن يكون إلا "أحد بيادق الشعوب الكبيرة"، بينما يستطيع أن يكون في "الاتحاد العربي" أحد العناصر الضرورية الخالقة، ومن خلال "قوة العرب" يستطيع أن يحقق ذاته أفضل بكثير من تحقيق ذاته بشكل منفرد.
يعيش "إتحاد الدول العربية" ... يعيش يعيش يعيش
...
واسلم لي
العلماني