منقول من العاصفة للزميلة روز
http://www.al3asefah.com/montada/index.php...?showtopic=3378
المسيحيون ملحُ العروبة
محمد خالد
عندما نفقد صديقاً، نموت قليلاً
(.....)
“رُبّ أخٍ لك لم تلده أمك”. قد يكون من دين آخر ومن قومية أخرى.. هو أخوك في الإنسانية.
شخصياً لي أكثر من 25 أخاً مسيحياً لم تلدهم أمي، ولكنني أعتز بأن لي 25 أماً مسيحية وأماً مسلمة واحدة.
الاسلام هو المشروع الحضاري التاريخي للعرب: مسلمين ومسيحيين، والقبائل العربية المسيحية في جزيرة العرب وبلاد الشام - قبل الاسلام وبعده - كثيرة أشهرها عشرة: “تغلب، تميم، غسان، منذر، إياد، قضاعة، طيء، مذحج، ربيعة، وحنيفة”، ومن القبائل المسيحية المعاصرة آل رحباني في لبنان.
ولولا مشاركة هذه القبائل لما تم فتح بلاد الشام ولا تمت هزيمة الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، ولاحقاً جوهرة التاج العربي: مصر.
نجوم تتلألأ
- قبل الاسلام وبعده كان هناك مئات الألوف من الشعراء والأدباء والمفكرين والفلاسفة والقادة ورجال الدولة المسيحيين الذين ساهموا في بناء الحضارة العربية الاسلامية عبر العصور منذ الجاهلية وصدر الاسلام والدولة الأموية والعباسية والأندلس حتى يومنا هذا.
- من التاريخ الحديث أمثلة كثيرة.
من مصر يأتي حدثان: الأول عند نهاية القرن التاسع عشر، قدم من روسيا الأرثوذكسية مندوب وقابل بابا الأقباط وعرض عليه حماية الكنيسة الروسية لمسيحيي مصر، فسأله بابا مصر: هل يموت بطريرك روسيا أم يخلد؟ فأجابه المبعوث: طبعاً يموت. فقال البابا كلمته المشهورة: “لقد اسلمنا أمرنا للذي لا يموت”.
ومن مصر أيضاً يقف البابا شنودة عملاقاً وهو يرفض جميع الضغوطات الخارجية للسماح لاقباط مصر بالحج الى القدس قائلاً ندخل القدس المحررة مع اخوتنا العرب المسلمين.
ويا شيخنا الجليل نحن على العهد باقون.. فيومَ دخول القدس، كلنا عرب.
- من سوريا يذكر العرب فارس الخوري وقسطنطين زريق والشهيد جول جمّال الذي باستشهاده أغرق المدمرة “الاسرائيلية” ايلات.
ومن حلب جاء مار مارون الى لبنان وجدُّ الشاعر سعيد عقل ومعظم العائلات المارونية. ومن أجمل الصور ان هناك مقاماً مسيحياً الى الآن في داخل المسجد الأموي يؤمه اصحاب النذور من مسلمين ومسيحيين. كما ان المسجد الأموي بقي مكاناً للصلاة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين لمدة 80 عاماً.
- من الأردن يعبر نايف حواتمة جسر العودة ليناضل في فلسطين. ويكتب الأديب غالب هلسا أجمل ما قيل في الغربة: “لقد عثرت على وصف دقيق للاغتراب هو ان تعيش خارج مصر”.. هذا غزل رائع في الأوطان يذكرنا بغزل عمر بن ابي ربيعة في النساء.
- في فلسطين ومنذ سلّم القس المبجل “صفرونيوس” مفاتيح القدس للخليفة عمر بن الخطاب قبل 1400 سنة والبرتقال اليافاوي يفوح عطراً ويتعتق الزيتون الروماني عاماً وراء عام.
بعض البرتقال الفلسطيني والزيتون له اسماء مثل المطران هيلاريون كبوجي ويوسف بيدس وادوارد سعيد وعطاالله حنا وجورج حبش ووديع حداد وعزمي بشارة والمؤرخ هنري كتن وحنان عشراوي واميل حبيبي وسلفادور عرنيطة والاخوة صايغ (فايز ويوسف وأنيس).
من كبريات جرائم الاستعمار الصهيوني لفلسطين التركيز على تهجير المسيحيين الى الخارج أي مصادرة رائحة البرتقال والزيتون. ولكن جسر الهجرة ذو اتجاهين فهو في نفس الوقت جسر العودة.
وفي لبنان الفلسطينية هناك مقبرة في بيروت اسمها مقبرة الشهداء يدفن فيها الفلسطيني المسلم والمسيحي من دون النظر الى جوازي سفرهما.. ففيها دفن الشهداء الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار، فقد كانوا متساوين فوق الأرض ومتساوين تحتها.
- في لبنان يحلو للبعض ان يعتبر - تحبباً - ان المسيحي اللبناني (غير شِكل).. الحقيقة انه شكل مثل غيره. وينهمر العطاء بدءاً من رهبان الأديرة الذين حفظوا اللغة العربية والتراث وأثروها نسخاً وترجمة وابداعاً وصولاً الى جيش المبدعين من انطون سعادة وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأبو محمد (مارون عبود) وجرجي زيدان وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) وفيليب حتي وصولاً الى بول غيراغوسيان ومرسيل خليفة وخليل حاوي والشاعر القروي وأمين الريحاني وبشارة واكيم والرحابنة وايليا أبوماضي وهرم لبنان الثالث: فيروز وآل معلوف والحبل على الجرار.
اسوأ السيناريوهات المعاصرة كان محاولة تهجير المسيحيين من لبنان اثناء الحرب الأهلية. فالتهجير هو حرب أهلية أشد فتكاً بالمسلمين قبل المسيحيين.
فلو تم تهجير المسيحيين، لأصبح لبنان دار أيتام اسلامية ولو تم تهجير المسلمين، لأصبح لبنان دار أيتام مسيحية.
بعد انحسار الحرب الأهلية العبثية اكتشف الجميع مرادف المقولة الافريقية: “عندما يموت رجل مُسنّ، فإن مكتبة تحترق”.. المرادف الوطني هو: “عندما نفقد صديقاً، نموت قليلاً”.
لا تهم نسبة المسيحيين في الوطن كله - عرباً وكلداناً وآشوريين وأرمن وأفارقة - فالملح في الطعام لا يشكل غالبية المكونات ولكنه يعطي الأكل نكهته اللذيذة.
وكما قال البابا شنودة لمذيعة لبنانية سألته سؤالاً ملغوماً: “أنتم اقباط مصر كأقلية ماذا..” فقاطعها: “كلا.. نحن أغلبية لأننا مصريون”.
هذا الجواب الرائع يجعلنا نقول: “نحن العرب - مسلمين ومسيحيين - كلنا أغلبية، متفاوتون في العدد متساوون في الحقوق والواجبات.
ويا أحباءنا المسيحيين، أنتم مِلحُنا الذي لا يفسد