اقتباس: العلماني كتب
قلنا فوق، الديمقراطية هي "حكم الشعب" وأسلمتها تؤدي إلى إيجاد نظام آخر أسمه "الثيوقراطية" (حكم رجال الدين باسم الله). والمشكلة في المشروع "الإسلامي" أنه يحاول أن يكون ديمقراطياً، ولكنه بمجرد وضعه "ديناً للدولة" ، فإنه يصبح "ثيوقراطياً"، لأنه انقلب على "مفهوم سلطة الشعب" التي هي أساس "الديمقراطية" وفحواها.
قلت فوق أم قلت تحت لا يهم يا صاحبي فكلامك مجرد شعارات معلقة بالهواء، وأنت وغيرك تحتاجون لاختبارات مصداقية تماما كما تحاكمون غيركم بل وأشد، لأن رائحة الإقصاء في كلامكم تزكم الأنوف!
قلتم فوق أم قلتم تحت لا يهم يا صاحبي ما دمت تفرض علي هوية علمانية حتى تقبل بالدمقرطة، في حين أنني ومن أمثله أكثر منك (في الدعوى على الأقل) قناعة بالديمقراطية لسبب بسيط، وهو أننا لا ندعي بأن الهوية الحضارية عنزة ولو طارت كما تفعل حضرتك في فرض العلمنة كشرط مسبق لممارسة الديمقراطية!
أبدا، نحن نزعم وندعي بأن الهوية العربية الإسلامية متأصلة في مجتمعاتنا حد النخاع، وأن شعوبنا ستختارها بكل طواعية، ودون انقلابات ولا ثورات حمراء ولا رمادية متلبرلة!
شعوبنا ستختار هذا بإرادتها ودن وصاية مسبقة منا لا على الدولة ولا على المجتمع
فإن خيبت شعوبنا آمالنا لظرف ما، فسنرضخ لخيار الأمة، ونفيئ إلى سلطانها أيا كان، ونناضل من داخله سلميا لاستعادة وعي الأمة فيما نراه صوابا
نطرح طرحا بشريا اجتهاديا لا نزعم له العصمة، ولا نقول أنه وحي السماء
ونسمي أشخاصا غير معصومين ليمثلونا في الأمة ونقبل كل نقد واستدراك وحجب للثقة يطالهم، ما دام ذلك بطرق دستورية تراضت عليها الأمة
فرق ما بيننا وبينكم يا صاح أنكم تزعمون أن هوية الأمة علمانية لمجرد أنكم أو بعضكم قام بانقلاب فأمم فيه الدولة والمجتمع وحنط الأمة وفرض ثقافته وقوانينه الاستثنائية وحال الطوارئ!
بينما نحن نراهن على اختيار حر لهذه الهوية، بعيدا عن بسطار أمريكا ونابليون وغورو وجلوب باشا
نحن نراهن على اختيار الهوية بعيدا عن سلطان الأمن والعسكر
وأهم من هذا أننا لا نغلف دعاوينا الطائفية بألوان حيادية تمكننا من التنفيس عن أحقادنا في غفلة من تحفز الآخرين، ولا أجمل من العلمنة واللبرلة سبيلا لذلك السلوك المتواري الذي يطعن به بعضهم من وراء جدر محصنة (أو هم يحسبونها محصنة بعد أن أغراهم هيمنة نظم تفتقد الشرعية، ودعمها لهذه التوجهات بإيحاءات من قوى خارجية لا تخفى)
أما عن سلطة الشعب، فأنت تعلم أننا في مشروعنا السياسي -وما كنا بدعا بين الإسلاميين- أعلنا بوضوح أن السلطان للأمة
نحن يا صاح لسنا دعاة الحزب القائد، الذي يملك الأمة ويستوصي عليها، بل دعاة لسلطان الأمة الذي لا يعلوه سلطان إلا سلطان الخالق جل وعلا...
سلطة الشعب تعني في مفهومنا أن الأمة سيدة، والإنسان مكرم معزز محترم لا يخضع لبشر مهما تنمرد أو تفرعن..
سلطة الشعب في مفهومنا أن الشعب في مجموعه مقدس معصوم (لا تجتمع أمتي على ضلالة)
سلطة الشعب في مفهومنا أن الحاكم أجير عند الأمة تملك عزله كما كانت تملك بيعته، والعقد بين الأمة وحاكمها هو شريعة المتعاقدين بكل الشروط التي تفرضها الأمة على الحاكم
وأنت تعلم برغم كل التوائك أن الثيوقراطية أقرب لأطروحاتك التي تفيح منها روائح الطوأفة مهما تحايلت عليها، وأننا أعلنا في صفحتين من مشروعنا رفضنا للثيوقراطية...
تعلم ويعلم الآخرون أننا لا ندعو لحكم رجال الدين إن كان في الإسلام ثمة رجال للدين! وإنما يلي الأمة الحفيظ العليم، والقوي الأمين
وها أبو ذر الذي كان عنوانا من عناوين الزهد والفضيلة، لم يمكنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها، مع كل ورعه وتقواه، بل قال له بدون مواربة: (إنك امرؤ ضعيف! وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها)
قالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوضوح لا غبار عليه يصف واقعه: (إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش، مؤمنهم تبع لمؤمنهم وكافرهم تبع لكافرهم) وفي هذا حسم بأن يكون للأمير عصبته وسلطانه فقرر آنئذ أن (الأئمة من قريش)
ما أود الإشارة إليه في معرض الخلط المتعمد والتقافز الذي صار معهودا في التعقيب على أطروحاتنا من بعض الشانئين، ليس أنني أتحمس لسلطان قريش أو دوس أو تميم!! بل أردت من هذا أن أشير بأنه لم يكن منذ القرون الأولى المعول عليه في اختيار الحاكم أن يكون حافظا لكتاب الله بالغا درجة الاجتهاد في الفقه زاهدا تقيا...... بل لقد جوز فقهاء السنة أن يحكم المفضول أمته في وجود الفاضل، وما ذاك إلا إثبات للمقاييس الدنيوية في تنصيب الحاكم
نعم ندعو لسلطان الأمة، ونرى أن الخروج على ذلك السلطان خيانة عظمى وأنه صنو الكفر بالله! (ومن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)
سبيل المؤمنين هو اختيارهم الحر، وهذا هو السلطان البشري الأعلى...
حاكمية الله سبحانه موجه أخلاقي ومرجعية عليا ولا شك، لكنها تتحقق من خلال سلطان الأمة لا غير، وكما جاء في الحديث فما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن...
وحين تكون مجتمعاتنا تعددية كما كان مجتمع يثرب أوان الهجرة، فلن نعدم وثيقة جامعة، ودستور مشترك ينظم علاقتنا بإخواننا في الوطن أيا كانت قبلتهم وقومياتهم
الغريب أن بعضنا يتقافز على الواقع ليحدثنا بهواجس لا تخلو من أبعاد طائفية، ثم يدعونا المرة تلو المرة إثبات مصداقيتنا فيما نقول، مع انه أحوج من غيره لهذا الإثبات، خاصة انه (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)!!
الديمقراطية لا شرقية ولا غربية، لا إسلامية ولا مسيحية، لا دينية ولا ملحدة، لا عربية ولا أعجمية، لا ذكرية ولا أنثوية،
بل هي محض آليات موضوعية تضم كنف الجميع وتضمن أسلوبا عادلا يحف لهم حقوقهم وينظم واجباتهم في سياق الدولة والمجتمع
شعوبنا كرهت أدلجة كل شيئ، وهي غنية عن أدلجة الديمقراطية أو صبها بقالب علماني منبت عن جذور أرضنا!
نعم نقبل بالعلمانيين في خضم الديمقراطية، لكن على أنهم وغيرهم شركاء لا بدلاء عنها!
من يقول بأن يقبل الديمقراطية داخل منظومة الإسلام في مجتمع تعددي بقرار سلطوي فوقي هو باغ يكره الناس على ما لم يأذن الله بإكراه الناس عليه...
ومثله بل أشد من يقول بأن الديمقراطية تقبل داخل الإطار العلماني فحسب!
نريدها ديمقراطية للجميع، والواثق من نفسه لا يأنف من النزال والمنافسة ما دامت أطروحاته ومشروعاته جاهزة للتفاعل مع قضايا الأمة والاجتهاد في تقديم الحلول لها...
أما الجبان الرعديد، فيعول دائما وأبدا على بريمر يمكن له، أو حزب قائد يستفتي الناس على نظامه العلماني بمثل تلك الاستفتاءات التسعاوية الشهيرة!!
واسلموا لجدل بيزنطي، ومراء سقيم، وطائفية متعلمنة :lol: