العزيز جقل..(f)
كنت قررت أن لا أشارك في أي من موضوعات الساحة هذه الأيام تحديداً للعديد من الأسباب, أهمها القرف. لكن موضوعك, برغم إختلافي مع أفكاره, شجعني على المشاركة. وأرجو أن تعذرني للإطالة ولخروجي في ردي -أحياناً- عن أفكارك التي طرحتها أعلاه..
أعتقد أن توقيت التصعيد من جانب حزب الله مناسب تماماً. من يومين, أعلن الجيش الإسرائيلي عن سحب قواته الأساسية وإرسالها للحدود مع لبنان وإحلالها بجنود الإحتياط الإسرائيلين. أي أن الهدف الاول من الضربة وهو تخفيف الضغط على المقاومة الفلسطينية متحقق بشكل أو بآخر. تعاني اسرائيل الأن من تصعيد المقاومة في كل من الجبهتين, الداخلية والخارجية, وهو ما يؤثر على عملياتها بدرجة كبيرة. لست محللة سياسية ولا خبيرة عسكرية, لكن من المنطقي جداً أن تشتيت الجهود الإسرائيلية وإستنزافها عسكريا سيضعفها. كما ان قدرتها على ضرب مواقع حزب الله نفسها, ثبت أنها غير ناجحة بشكل كاف, بدليل, انها الان تحاول قطع طرق الإمدادات ومحاصرة المقاومة التي نجحت في الإفلات من ضرباتها حتى الأن. هذا الكلام سمعته في الأخبار, وكل خبر منهم يعني الكثير جداً على ما اعتقد, حتى برغم الهجمة الإعلامية الشرسة ضد المقاومة.
في النهاية, إضعاف الكيان الصهيوني على أي مستوى من المستويات هو مكسب لشعوب المنطقة ككل وليس للفلسطينيين فقط, وأعتقد أننا متفقين في ذلك.
توقيت العملية ذكي أيضاً لأنه إستغل سقوط أمريكا في الوحل العراقي وعدم قدرتها على حسم الموقف هناك لصالحها لأكثر من ثلاث سنوات. أمريكا في أزمة حقيقية, ووهم القطب الواحد الذي تحدثنا عنه بعد سقوط الإتحاد السوفيتي محل شك الكثيرين الأن. معارضة الحرب تتصاعد داخل أمريكا, سواء من اليمين أو اليسار, والمتابع لجلسات الكونجرس الأمريكي سيعرف ذلك جيداً. قدرة أمريكا على تمرير مساندتها لاسرائيل عسكريا في هذه اللحظة بالذات, بالتأكيد, أقل بكثير من أي وقت مضى. فمابالك بالدخول في حرب مفتوحة في كل من لبنان وفلسطين, لتتصاعد حركة مناهضة الحرب مرة أخرى في العالم كله مرة أخرى والتي ادت لسحب القوات الأسبانية من العراق في وقت مضى. أمريكا في مأزق واضح. وهذه نقطة أخرى في صالح توقيت الضربة العسكرية من جانب حزب الله.
على هذا الرابط
"قائد إسرائيلي يطالب بالتفاوض مع سوريا لحل الأزمة" يتحدث أحد العسكريين الإسرائيليين عن ضرورة فتح باب التفاوض مع المقاومة لإنهاء الأزمة, وهذا دليل آخر أن اسرائيل, ليست بالضخامة والقوة التي يصوروها لنا. المستوطنين الصهاينة أنفسهم سيطالبون حكومتهم بالتفاوض من اجل وقف التصعيد العسكري. وهو المطلوب.
الضمان الوحيد الأن هو صمود المقاومة في كل من فلسطين ولبنان. إستمرار العمليات العسكرية ضد اسرائيل هو فضح مباشر للحكومات العربية المتواطئة والمستفيدة من بقاء الوضع على ماهو عليه. وهو أيضاً كسر حقيقي في جدار التفوق الإسرائلي إذا كان "وهماً" وإضاعف وتفتيت له إذا كان "حقيقة".
فتح دوائر جديدة للتضامن العربي والعالمي مع المقاومة, هو أمر في منتهى الاهمية أيضاً, الحملات الشعبية لمناصرة المقاومة, إرسال معونات نقدية ومادية هو أحد الضمانات الهامة جداً لكسر الشوكة الإسرائلية. كل من اسرائيل وأمريكا والحكومات العربية يفهمون ذلك جيداً. لذلك فهم يحاولون توجيه الرأي العام العالمي ضد المقاومة, او على الأقل تحييده. الخطاب "العقلاني" الذي يتبناه البعض هنا -مثلاً- هو التعبير الأمثل عن رعب الأنظمة وبالتالي محاولتها لتشويه صورة المقاومة جماهيرياً لوقف التضامن معها وهو ليس بلأمر القليل.
إذا كنا نفهم العلاقة الوثيقة بين كل من الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني من ناحية والأنظمة العربية من ناحية أخرى, فعلينا إذن أن نتوقف عن التعامل مع المقاومة بمنطق مشاهدي ماتشات كرة القدم. إسقاط الأنظمة العربية, هو إسقاط للمشروع الأمريكيالصهيوني. وهذا هو دورنا نحن. من ناحية أخرى, فالمقاومة, الفلسطينية تحديداً, عليها ان تتوقف عن سياسية "عدم التدخل" التي إنتهجها عرفات والتي أثرت سلباً وفصلت القضية الفلسطينية تعسفياً عن المنطقة بشكل عام.
أما عن خدمة حزب الله للمصالح الإيرانية على حساب مصالح اللبنانيين أو الفلسطينيين, فهي فكرة مستفزة جداً بصراحة للعديد من الأسباب:
أولاً: أن إيران, منذ الثورة الإيرانية في 1979, وهي في مواجهة مع الإمبريالية الامريكية. وما كانت الحرب العراقية الإيرانية إلا لخدمة مصالح الإمبريالية وضد الثورة الإيرانية التي كانت بلأساس ضد الشاه الإيراني الممثل للسيطرة الإمبريالية في ذلك الوقت.
في نفس اليوم الذي قامت فيه الثورة الإيرانية, تم تحرير السفارة الإسرائيلية هناك ورفع علم فلسطين لتصبح مقراً دائماً لمنظمة التحرير الفلسطينية. من الحكومات العربية فعل ذلك؟؟! أكتب الأن من على بعد أمتار قليلة من السفارة الأمريكية التي "تحتل" منطقة سكنية كاملة, في وسط المدينة, يحددون هم من يمر في شوارعها ومن يسكن فيها ومن لايسكن!!
إيران إذاً, لها موقف ضد الإمبريالية الامريكية, وبرغم التحفظات الشديدة على النظام الإيراني الحالي, مرجعياته الفكرية أو الأيديولوجية, إلا ان التحالف مع كل المقاومين لمشروع الهيمنة الصهيوني الأمريكي هم حلفاء لي في هذه المعركة تحديداً. هذا أمر بديهي. العالم الأن يسير بمنطق التحالفات أصلاً, ولا أفهم لماذا لا أتحالف مع سوريا وإيران إذا كان هذا سيساهم في ضرب المشروع الإمبريالي في المنطقة. المنطق القومي هنا أكثر من مضحك, لأن كل من الملك حسين وآل سعود ومبارك..الخ, "العرب" أثبتوا ولاءاً تاريخياً لإسرائيل وأمريكا أكثر من أي دولة "اعجمية" أخرى!! وما يجمع البشر هو وحدة مصالحهم وليس فقط جنسيتهم أو دينهم أو عرقهم. والمصالح المشتركة هنا, أكثر إنسانية وتقدمية من أي مصالح أخرى!!
ثانياً: القضايا التي يعمل من اجلها حزب الله هي قضايا عربية بلأساس, حتى برغم كونه مدعوم من إيران. حزب الله يناضل لتحرير الجنوب اللبناني وليس جنوب بلغاريا. حزب الله يدعم المقاومة الفلسطينية وهي بالطبع مقاومة لتحرير فلسطين وليس الكونغو الديمقراطية. حسن نصر الله نفسه, ليس نموذجاً كلاسيكياً لرجل الدين الذي إعتدنا عليه, هو رجل سياسي من الدرجة الاولى, سواء على مستوى الخطاب أو تكتيكاته المختاره. وقد أثبت نجاحه بالفعل بتحرير جنوب لبنان في وقت يختبئ الزعماء العرب فيه تحت أسرتهم إذا ماسمعوا صوت طلقة من مسدس لعبة!!
المقاومين في الجنوب اللبناني هم لبنانيين من الشيعة الذين يعدون من أفقر الفئات الإجتماعية في لبنان, لم يستوردهم نصر الله من إيران!!
سأنهي كلامي بإقتباس من كلام حسن نصر الله لإن الكلام خلص وتعبت من الكتابة, ولإني كمان عاوزة أرحمك والزملاء شوية من طول مداخلتي.. :)
يقول نصر الله, الإسلامي, الشيعي, المتحالف مع إيران والذي حرر جنوب لبنان بينما جلسنا جميعاً متفرجين:
" بالنسبة لاسرائيل سوف تبقي في فكرنا وبرنامجنا كيانا غير شرعي وغير قانوني وطاريء وسرطاني لايمكن ان نعترف به, وبالتالي سننخرط مع اطراف اخري في مقاومة التطبيع مع هذا الكيان, لأن مواجهة التطبيع هو الذي من شأنه ان يعيق تحول اسرائيل الي دولة عظمي في المنطقة. ومثلما كانت حرب1973 وحرب1982 والمقاومة في لبنان وفشل الاحتلال الاسرائيلي هي العوامل التي اسقطت مشروع اسرائيل الكبري الممتدة عسكريا, فان مواجهة التطبيع هي التي من شأنها ان تسقط اسرائيل العظمي التي ستمتد سياسيا واقتصاديا وثقافيا"
تحياتي لك زميلي العزيز
(f)